لميس أندوني كشفت الأحداث الدرامية التي شهدها الأردن، الأسبوع الماضي، عن عمق أزمة الثقة في الحكم، وطريقة إدارته واتساعها، وعن عمق غضب الشعب الذي لم يصدق أيّاً من الروايات الرسمية بشأن حقيقة الخلاف بين الملك عبد الله الثاني وأخيه غير الشقيق الأمير حمزة، إلى درجة بروز تعاطف، أو حتى تأييد واسع لولي العهد السابق، في اصطفاف غير مسبوق في تاريخ الأردن. حالة الاستقطاب التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مثيرة للقلق، إذ لها تداعياتها على المجتمع الأردني، وتحجب المطالب الشعبية المحقّة في الإصلاح، وتغيير النهج السياسي الذي يفتقر للشفافية والمساءلة، وضمان التمثيل الحقيقي وإطلاق الحريات وحقوق المواطنة، إضافة إلى تساؤلاتٍ بشأن اتفاقية الدفاع المشترك بين الأردن والولايات المتحدة، وهي تحديث لاتفاقية سابقة، وانتقاصها من السيادة الأردنية. صُعق الشعب الأردني بخبرٍ تم تسريبه إلى صحيفة واشنطن بوست الأميركية، يفيد باحتجاز الأمير حمزة، ومدير مكتبه، ورجالات عشائر، "بتهمة التحضير لانقلاب". وتبع الخبر نشر بيان رسمي عن اعتقال رئيس الديوان الملكي السابق، باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، ولكليهما علاقات قوية مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. اللافت أنّه، منذ اللحظة الأولى، لم يصدّق معظم الأردنيين أنّ الأمير الذي يحظى بشعبية واسعة يتآمر على شقيقه أو على الأردن. وجاءت مقاطع الفيديو التي سرّبها مقرّبون منه لتشعل موجة تأييد وتعاطف، فقد تحدّث كأنّه مواطن عادي، يدافع عن نفسه، متبنّياً جزءاً مهماً من المطالب الشعبية. وقد زادت الرواية الحكومية التي أعلنها وزير الخارجية، أيمن الصفدي، وربطت الأمير حمزة بمحاولة زعزعة الأمن بالتنسيق مع قوى خارجية، وربطته أيضاً مع عوض الله الذي يعتبر شخصية أردنية إشكالية، زادت الأمور غموضاً، والنفوس غضباً ونفوراً مما يحدث مع الأمير. لحالة الاستقطاب على وسائل التواصل الاجتماعي تداعياتها على المجتمع الأردني، وتحجب المطالب الشعبية المحقّة في الإصلاح، وتغيير النهج السياسي الذي يفتقر للشفافية شحّ المعلومات وسوء إدارة الأزمة التي تعكس مدى غضب الملك عبد الله، وصدمته من محتوى معلومات أمنية، زرعت الشكّ لديه، أدّيا إلى تخبط وتحشيد موالين لتأييده، فجاء نفاقهم وتسابقهم في ذمّ الأمير بنتيجة عكسية تماماً، صبّت في إذكاء نار فقدان الثقة في النظام، بدلاً من اللجوء إلى تهدئة الوضع، لمنع إحداث شرخ عمودي في الشارع الأردني. فلا يساعد شحّ المعلومات في تقديم رواية لما يحدث، غير أنّ من المعلومات المعروفة بين الأردنيين أنّ علاقة الملك بشقيقه الأمير حمزة افتقرت إلى الثقة، منذ عزله عام 2004 من ولاية العهد، وعيّن لاحقاً نجله الأمير الحسين في المنصب، إذ أزاح الملك من هذا الموقع حمزة الذي كان مقرّباً جداً من والده الراحل الملك حسين، بالإضافة إلى أنّ الأمير الأخ غير الشقيق كانت له زياراته المتكررة إلى عشائر في مناطق عدة من الأردن، واستماعه إلى مطالبهم وشكاواهم، المحقة وغير المحقّة، وكذا تغريداته التي انتقد بها طريقة إدارة الحكم، الأمر الذي لم يعتد عليه الشعب الأردني ويعدّه خروجاً عن تقاليد القصر. وكان رجالات الدولة يتداولون في مجالسهم الخاصة أنّ هناك صراعاً مستعراً بين الملكتين نور، زوجة الملك الراحل الحسين، والملكة رانيا زوجة الملك عبد الله، على وراثة العرش كلٍّ منهما لابنها، وكان الحديث يتم عن الأمر وكأنّه "معركة نسوان"، وكأنّ الصراع على السلطة يكون تافهاً فقط حين يتعلق بخلاف بين امرأتين. تعامل الأمير حمزة بذكاء لافت مع "محنته"؛ فقد كسب الناس بتسريباته الصوتية والمرئية حول ما حدث معه، وقد ضرب وتراً حساساً لدى الناس، برفضه الأمر الذي أبلغه إيّاه رئيس هيئة الأركان، اللواء يوسف الحنيطي، أن يوقف تحركاته، فكان أن ردّ عليه من جملة ما قاله: "أنا أردني حر" معبراً، من دون أن يعرف، عن صرخة مكبوتة لدى معظم الأردنيين. لكنّ ذلك كله لا يعني أنّه ليست ثمة قصة ما، أو على الأقل شكوك غذّتها الأجهزة الأمنية، أخرجت الملك عن طوره. ولم تنفع الرواية الحكومية التي تلاها وزير الخارجية، أيمن الصفدي، ولا حتى رسالة الملك إلى الأردنيين تالياً، وإن طمأن الناس أنّ الأمير حمزة في القصر وتحت رعايته، في إقناع كثيرين، إن لم تكن الأغلبية، من الأردنيين، بأنّ الأمير حمزة متورّط مع قوى أجنبية في زراعة الفتنة، كما وصفها الملك في بيانه المكتوب. كسب الأمير حمزة الناس بتسريباته الصوتية والمرئية حول ما حدث معه، وقد ضرب وتراً حساساً لدى الناس، برفضه الأمر الذي أبلغه إيّاه رئيس هيئة الأركان وقد يكون بعضٌ من غضب الملك مفهوما إلى درجة ما، إذ ربما وجد في تحرّك الأمير حمزة ونقده العلني تحديا لسلطاته، أو محاولة لفرض نفسه بديلاً، في مرحلةٍ يجد فيها الملك الخطر آتياً من جهات مختلفة، كما حكام في دول خليجية، يضغطون على الأردن لقبول شروط صفقة القرن، بما فيها ما يهدّد أمن الأردن والعرش معاً، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي قطع الملك اتصالاته به، ويتعامل حصرياً مع وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس. وليست مخاوف الملك متخيلة، لكنّ أكثر من سؤال يطرأ هنا: ما هو شأن شقيقه حمزة وخلافه معه في ذلك؟ وما شأن حمزة بمخاوفه من مواقف الإمارات والسعودية اللتين سارعتا بإعلان تأييدهما للملك؟ وما هو الرابط بين الأمير حمزة والموقوفين بباسم عوض الله؟ وهل جرى تحقق، أو تحقيق، في الادّعاءات التي وصلت إلى مسامع الملك؟ رحّب كثيرون بتوقيف عوض الله، لدوره في عملية الخصخصة التي طاولت مقدّرات استراتيجية في الأردن، وهذه العملية خيار، في الأردن، سابق على تولي الرجل مواقعه (مستشار اقتصادي في رئاسة الحكومة، ومدير الدائرة الاقتصادية في الديوان الملكي، ووزير التخطيط، ووزير المالية) لكن لا يبدو لاعتقاله رابط بتلك القضية، ومن المستبعد فتح أيّ تحقيق في المسألة معه، فالخصخصة في الأردن بدأت في عام 1992، وفقاً لاتفاقيات مع صندوق النقد الدولي في عام 1989، وفتح تحقيق في هذا الشأن سيطاول شخصيات نافذة، ورؤساء وزراء، ووزراء، وكلّ من كانت له علاقة بالملف منذ ذلك العام، وهذا لن يحصل. هناك صراع عروش، وأيضاً هناك أزمة حكم وتغييب للشعب، وتقاطع الوضعين لا يشي بالخير في غياب الأجوبة، تبقى أسئلة عن مصير الأمير حمزة الذي لن يكون في خطر، لكن ما مستقبله؟ الاحتواء في موقع إلى جانب الملك (إذ يستطيع الاستفادة من علاقاته لتنفيس وضع متأزم مع العشائر) أو إبعاده؟ ومن هي الجهة المستفيدة من استمرار الاستقطاب؟ والسؤال الأهم: أين الشعب الأردني ومستقبله ومطالبه المحقة في فصول صراع العروش؟ لا شك أنّ احتواء الخلاف بين الشقيقين يصبّ في المصلحة الوطنية، فالتصدّع في العائلة المالكة يهدّد بشرخ المجتمع الأردني، ولذا تجنبت بعض الأحزاب والحراكات الشعبية المعارضة الدخول في خلاف العائلة المالكة، ودعت إلى التركيز على الإصلاحات وإطلاق الحريات. ومع تفهّم مخاوف الملك من التدخلات الإقليمية، يبقى من غير المفهوم استمرار الأردن في تعميق التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل وتوسيعه، في مشاريع تهدّد سيادة الأردن على ثرواته، وتحقق مسعى إسرائيل في جعل الأردن جسر التطبيع الاقتصادي إلى دول المنطقة. ولماذا يعتقد الملك أنّ تحديث "اتفاقية التعاون الدفاعي" مع الولايات المتحدة بشروطٍ تنتقص من السيادة الأردنية، توفر حماية للأردن والعرش؟ ... نعم هناك صراع عروش، وأيضاً هناك أزمة حكم وتغييب للشعب، وتقاطع الوضعين لا يشي بالخير، إلاّ إذا خرج الملك عبد الله الثاني، وأعلن خطة إصلاح حقيقية، مبنية على الحوار الوطني، فالحماية للدولة الأردنية تأتي من الداخل أولاً.
هدى رزق ركّزت معظم التحليلات السياسية على رغبة الولايات المتحدة في الانسحاب من الشرق الأوسط وإعادة تركيز جهودها على تعزيز موقعها في آسيا. رغم ذلك، تدل الوقائع على أنَّ للولايات المتحدة مصالح دائمة في الشرق الأوسط. ومن أجل ذلك، حدّدت الإدارة الجديدة أهدافها بإعادة بناء العلاقات مع حلفائها التقليدين ولمّ شملهم، وتأمين "إسرائيل" وتعزيز السلام بينها وبين العرب، والتصميم على إنهاء الحروب في اليمن وليبيا، عبر الضغط على دول المنطقة لتقديم تنازلات وتوفير حوافز للخصوم لإنهاء الصراعات. وقد أعلنت أنّ استراتيجيَّتها الأساسية تركّز على العودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، إذ يرى الرئيس الديمقراطي جو بايدن أن البرنامج النووي والصواريخ الباليستية تشكل خطراً على أمن "إسرائيل" والمنطقة. أما هدفه الحقيقي من إعلان رغبته في العودة إلى المفاوضات، فهو السعي مرة أخرى لاتفاق جديد يهدف إلى بحث قضيّة منشآتها النووية وتفتيشها، والسعي إلى الحد من تأثيرها في المنطقة، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان. أدى بايدن دوراً حاسماً، ليس في الحرب على العراق فقط، إنما في الفوضى التي سادت في أعقابها أيضاً، وهو يعتبر تجربته في السياسة الخارجية واحدةً من مؤهلاته، ويشكّل العراق تحدياً شخصياً له، إذ يعتقد أنَّ سجله الطويل في الشؤون الخارجية، وفي العراق على وجه الخصوص، يؤهّله لمعرفة تناقضات التركيبة الداخلية وإيجاد الحلول لها. أما منتقدو سياسته، فيعتبرون أن العراق مثال رئيسي على تناقض ادعاءاته. وفي إطار سعيه لتنفيذ استراتيجيّته، ولأسباب تتعلَّق بأهمية تحقيق مصالح بلاده الدائمة في المنطقة، أعلن أن العراق يكتسب أهمية قصوى لتوحيد الحلفاء واحتواء توسع قوة الجمهورية الإسلامية. ضمن هذا الإطار، صرح السّفير الأميركيّ في العراق ماثيو ميلر أن الولايات المتحدة ستسعى لمساعدة العراق على تأكيد سيادته في الداخل والخارج، من خلال منع عودة ظهور "داعش" والعمل على استقراره، ما يعني الرهان على تسهيل إجراء الانتخابات، والمساعدة في القضاء على الفساد، وترشيد السياسة المالية نحو التنمية الاقتصادية والخدمات الإنسانية، إذ أكّد أنَّ واشنطن ستبقى شريكاً ثابتاً للعراق وشعبه، وسيكون لها وجود عسكري وقائمة بمشاريع بناء الدولة المرتبطة بها لعقود قادمة. جرى تقليص وجود القوات الأميركية في البلاد إلى 2500 جندي في شهر يناير/كانون الثاني 2020، بأمر من ترامب، الذي صادق على هذه الخطوة قبل أن يترك منصبه، أي بعد حوالى سنة تقريباً على اغتيال الفريق قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس في الأراضي العراقية، وإثر تصويت البرلمان العراقي على قرار طرد جميع الجنود الأجانب من الأراضي العراقية، وفي أعقاب عشرات الهجمات على القواعد العسكرية التي تستضيف قوات أجنبية في جميع أنحاء البلاد، لكن يبدو أنَّ من غير المرجح حتى الآن أن تسحب إدارة بايدن القوات الأميركية المتبقية من العراق، وقد تستخدم المحادثات الدبلوماسية لإعادة ضبط وجود قواتها في إطار توسيع مهمة الناتو. ضمن هذا المشروع، أعلن الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، الشّهر الماضي، أنَّ الحلف سيوسّع نطاق وجوده بشكل كبير إلى 4000 مستشار وموظّف تدريب، إذ تقلّص وجود التحالف بعد الهزيمة الإقليمية لتنظيم "داعش". تعتبر الدوائر المقرّبة من إدارة بايدن أنَّ أفضل طريقة تتماشى مع اهتمامه بالعراق تتمثّل في المضي قدماً بالدبلوماسية والعودة إلى القوة الذكية، باستخدام الأدوات والسياسات، للتأثير من خلال وسائل أخرى غير الجيش. وتتمثَّل إحدى الطرق في تحميل الحكومات المسؤولية عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان وممارسة الضغط لتحمل تلك التبعات من أجل تغيير مستدام في السلوك. سيتطلَّب هذا النهج من الإدارة أن تستخدم جميع الأدوات المتاحة لها، حتى مع بعض الحلفاء. وتتمثل الاستراتيجية الفعالة في دعم الأجيال الشابة في الدول المستهدفة، لتكون أكثر قدرة وأفضل تجهيزاً للتنظيم وقيادة الإصلاحات والتغيير في بلدانها، بحيث يمكنهم الاستفادة من برامج التواصل بين الناس، مثل التكنولوجيا، ومن نقاط القوة الأميركية. قد لا تكون مثل هذه البرامج براقة مثل المساعدات العسكرية، ولكنها أقل كلفة، وتتجنب الحكومات الصلبة، ولديها فرصة لتغيير مجتمعي. في ظل هذه التوجهات، جرى الإعلان عن جولة جديدة من المحادثات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة في 7 نيسان/أبريل الجاري. تأتي هذه الجولة في أعقاب جولات الحوار السابقة التي عقدت بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في آب/أغسطس وحزيران/يونيو من العام الماضي مع إدارة ترامب، حيث تم الاتفاق على توسيع الدعم لقطاع الطاقة العراقي وإبرام عقود مع شركات أميركية. رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وصف استئناف الحوار بأنه فرصة للضغط من أجل سحب قوات الولايات المتحدة المتبقية في العراق، والتي يبلغ قوامها 2500 جندي، ويرى أن 60% من هذه القوات تم سحبها. تستند العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق، بما في ذلك وجودها العسكري في البلاد، إلى اتفاقية إطار عمل استراتيجي تم توقيعها في العام 2008، تدعو إلى تعاون دفاعي وثيق لردع التهديدات الموجهة إلى "سيادة العراق وأمنه وسلامة أراضيه". ويسعى رئيس الوزراء العراقي في ظل الدعم الأميركي إلى سياسة متعددة الاتجاهات في المنطقة، لتهدئة التوترات في الداخل وفتح قنوات الحوار بين مختلف الأطراف المتصارعة. وتأتي المحادثات المطلوبة مؤخراً بين العراق والولايات المتحدة في هذا السياق، إذ ينبغي، بحسب التصوّرات، أن تزيد من تمكين العراق في المنطقة. وكان الكاظمي قد أطلق تصريحات حول مشروع "الشام الجديد" أثناء زيارته لواشنطن، وهو المشروع الذي كان يعدّه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وهو مستنسخ عن مشروع للبنك الدولي، ويتحدث عن إطار يجمع العراق والأردن وسوريا ولبنان مصر وتركيا، ويضم "إسرائيل" في حال التطبيع، ويتضمَّن إنشاء سكة حديد تربط دول الخليج بالعراق عبر إنشاء شبكة مصالح. إنها خطوة من أجل تشكيل محور عربي بات اليوم واضحاً، من خلال دخول السعودية على خط المشاريع الاستثمارية، وليس خافياً أنه محاولة من الكاظمي للابتعاد عن المظلة الإيرانية. لا يقتصر هذا المشروع على الاقتصاد، ومدّ أنبوب النفط إلى الأردن، واستجلاب الكهرباء من مصر، وفتح المجال لليد العاملة المصرية فحسب، بل ستليه أيضاً، بحسب المسؤولين العراقيين، خطوات أمنية وعسكرية. وتقوم سلسلة من الوفود من دول الخليج والدول المجاورة الأخرى بزيارة العراق بانتظام، كجزء من الحملة الدبلوماسية العراقية. وقد عقدت 3 اجتماعات بين وزراء خارجية هذه الدول. ومن المقرّر أن يستضيف الكاظمي قمّة ثلاثية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله في وقت لاحق من الشهر الجاري. إنها خطوات تنفذها الدول الثلاث المتأزمة اقتصادياً لحلّ بعض مشكلاتها الحيوية، لكنها لا تخرج عن الإطار الأميركي المرسوم، في ظل سعيه إلى الحد من تأثير إيران وتطويقها واحتوائها، وإن كانت هذه المبادرات ضرورية في ظلّ الأزمات الاقتصادية وجائحة كورونا.
صلاح حسن بابان بخطوط وجه منفتحة، وابتسامة عريضة، ، تحدّثت المطربة الإستعراضية "جاني حيران" وهي من أكراد تركيا تعيشُ في إقليم كردستان العراق منذ سنوات عن إسقاطها أو "رميها" جنينها حسب تعبيرها دون ندم، وترى فيه المفخرة، أثناء رفضها دخول حبيبها السابق الذي قدّمت اسمه "مقدمة البرنامج" في لقاءٍ تلفزيوني بثته إحدى القنوات الكردية مكتوباً على قصّاصة صغيرة أعطتها إياها المقدمة، لتزيد من شعورها بالسعادة من "إسقاط" الجنين بإبتسامة عريضة وتأكيدها أنها غير "نادمة أبداً" معزّزة حديثها بإشارات لا تختلف قطعاً عن فرحة مقاتل خرج منتصراً من معركةٍ خاضها لعقودٍ من الزمن. أشعلت "حيران" التي تجني 50 ألف دولار أميركي شهرياً - كما تقول- من غنائها في الحفلات بإعلانها إسقاط أو رمي جنينها الذي حبلت به من حبيبها سابق مواقع التواصل الإجتماعي في إقليم كردستان، وجعلته على صفيح من نار ملتهب، لتُكثر مطالبات تقديمها للقضاء ومحاسبتها قانونياً بتهمة "القتل العمد"، لتظهر مضطرةً وعلى وجهٍ سريع وخجول من على فضائية كردية أخرى لتسرد تفاصيل الحادث بأنّه حصل قبل نحو 15 عاماً عندما تزوّجت من شخصٍ إرتبطت به بعلاقة حبّ خلال تواجدها في تركيا. مبرّرة إسقاطها الجنين الذي لم يبلغ الشهرين من عمره داخل بطن أمه لخيانة الحبيب لها، مؤكدةً أنّها على علاقة به الآن لكنّه ليس سوى "حبيب" فقط وليس زوج. لم تكُ حالة "حيران" هي الظهور الإعلامي الصاخب حصراً في الشاشات الكردية، بل سبقتها العديد من عارضات الأزياء والفنانات الإستعراضيات الكرديّات القادمات من تركيا وإيران وسوريا وغيرهن، ووجدنا في "بعض" القنوات الكردية المحلية التي تتبع في "الأغلب" لمسؤولين أو أبناؤهم بيئة خصبة لعرض أجسادهن ومؤخراتهن وصدورهن وشفايفهن المنتفخات، وعادةً يكون تمويل هذه القنوات من أموال النفط والتي تصل الى ملايين الدولارات شهرياً. إتخذت الكثير من عارضات الأزياء أو الفنانات الإستعراضيات، أمثال "حيران" وغيرها من الفن غطاءً لتمرير ما يخدش المجتمع الكردي في السنوات الأخيرة تزامناً مع الإنكسارات والضربات السياسية والإقتصادية والإجتماعية الموجعة التي يتلاقها الإقليم الكردي سواء في صراعاته السياسية مع العاصمة بغداد حول حصته من الموازنة أو تأخر صرف رواتبه، أو الحرب الدائرة بين العمال الكردستاني والجمهورية التركية على أراضيه، وغيرها من الأزمات الداخلية الأخرى. اعتقلت الشرطة المحلية في أربيل قبل أيام امرأةً كانت كثير الظهور في مواقع التواصل الإجتماعي تدعى "بيان" وهي متهمة بإدارة شبكة للدعارة في عاصمة الإقليم الكردي، إضافةً الى زج بعض "الفتيات" الهاربات من عوائلهن في أعمال الدعارة، كما حصل مع فتاة هربت من ذويها، لتجدها في ما بعد عند أحد الزبائن، بعد إعتقال "بيان" برفع دعوى قضائية ضدها من أمّ الفتاة. لم تكُ الغرابة في إعتقال "بيان" التُهم الموجهة لها فحسب، بل الأدهى من ذلك أنها كانت تظهر على وسائل إعلام وقنوات كردية معروفة كأنها صاحبة إنجاز عظيم أو فنانة صاحبة أعمال ومشاريع فنية ضخمة، فضلاً عن متابعتها ومشاهدة مقاطعها الفيديوية آلاف الأشخاص، وهذه الحالة تتكرّر بإستمرار مع غيرها من "عارضات الأزياء" أو الفنانات الإستعراضيات. المصادفة الغريبة واللافتة في أي ظهور إعلامي لـ"عارضات الجسد" أو فنانة إستعراضية أنها تصبح صاحبة مشاريع "ضخمة وعملاقة" إضافةً الى إمتلاكها سيارات فخمة وإرتدائها أرقى الموديلات من الفساتين والمجوهرات والملحقات الأخرى، ناهيك عن الثروة الكبيرة المحقّقة من عملهن، وتظهرها الشاشات الكردية كأنها سيّدة مجتمع وصاحبة الفضل على الناس، في وقتٍ لا يتعدى أعظم إنجاز لها حدود صدرها المنتفخ أو خصرها النحيف بعمليات التجميل أو فخذيها أو البوتكس في شفايفها. عادةً تعزو بعض "العارضات" في لقاءاتهن التلفزيونية جمع ثرواتهن وإمتلاكهن السيارات الفاخرة والملابس المستوردة من ماركات عالمية من عملهن الذي غالباً يكون الترويج لإعلانات تجارية مختلفة، ليخرج الفنان الكردي الشعبي المعروف "حمكو" ويُزيل الستار عن المستور بمقطع فيديويّ قصير جداً يُمثّل فيه دور "عارضة أزياء" وهي تردّ على سؤالٍ يوجه لها: ما أسمكٍ وعملكِ، ومنذ متى وأنتِ تعلمين بهذا المجال، ومن أين جمعتِ كل هذه الأموال، وكم سيّارة تملكين وما نوعها؟ لتُجيب بردٍ أشبه ما يكون بقنبلةٍ من العيار الثقيل بالنسبة "لهن" بأنها تعمل "موديلة" منذ سنةٍ تقريباً ولها سيارتين من نورع جكلاس ورنجروفو وتملكُ صالون تجميل، إضافةً الى نيّتها فتح شركة". لم يقف المتحاور عن توجيه هذه الأسئلة لـ"حمكو" العارضة فقط، بل زاد من إستفزازه لها بإستفسار عن السرّ من وراء ذلك في وقتٍ هناك العديد من الناس يعملون منذ سنوات طوال ولم يتمكنوا حتى الآن من جمع مثل هذه الثروة؟، ليكتفي "حمكو" العارضة بالإجابة من خلال الإشارة بيديه إلى "ما بين فخذيه" لأكثر من مرّة، دون أن يفهمه المتحاور، لتضطر إلى رفع وفتح "ساقيها" والقول بشكل واضحٍ وجريء: من خلال هذا.." أي "الجنس". يكتفي "حمكو" العارضة في ردها على سؤالٍ للمتحاور عن الشخص الذي تدعمه بالقول فقط أنه "كثير الظهور في وسائل الإعلام، ويحضر اجتماعات مهمة..". في إشارة منه إلى "مسؤول رفيع صاحب سلطة ونفوذ"، وهي معلومة ليست بغريبة أو جديدة لدى الشعب الكردي. يؤيد الصحافي الكردي بشدار فرج ما كشفه المقطع الفيديوي لـ"حمكو" عن وقوف "مسؤولين" داعمين للعارضات أو ممن يشبهن والظهور في القنوات والشاشات الكردية، في حين يُشير إلى الغاية من دعم أحزاب السلطة هكذا قنوات ودعم العارضات ومثيلاتهن بمشاريع ضخمة لتحقيق أهداف معينة أبرزها الوصول لجماهير أوسع تخدمهم أثناء الإنتخابات، فضلاً عن تحقيق أرباحاً طائلة من خلال المشاهدات الكبيرة التي تحقّقها البرامج التي تعرضُ هذه النماذج. وما يعزّز رأي فرج أن الكثير من مقدّمات البرامج تقوم بالإضافة الى التقديم بالرقص والغناء وعارضة أزياء بإظهار المفاتن لتحقيق مشاهدات أكبر، لتختلط وتتشابك الصورة أمام المتلقي حول الشخصية الظاهرة في الشاشة، هل هي "مقدّمة برنامج" أم "عارضة أزياء" أم "راقصة"، دون أي مراعاةً للعادات والتقاليد المجتمعية السائدة في الإقليم وإن شهِد إنفتاحاً ثقافياً وفنياً وحرية أوسع خلال السنوات الماضية لاسيما بعد 1991. ينتقدُ الصحافي الكردي ضعف القوانين أو عدم وجودها أصلاً لمحاسبة هذه القنوات والمؤسسات الإعلامية التي تروّج لهكذا شخصيات، ويصفها بـ"الإنتهازية" تخلق وتنشر الفوضى والفساد. بدوره يحذر الباحث الإجتماعي فريق حمه غيب من إستمرار هذه الظاهرة وإزيادها يوما بعد آخر في المجتمع الكردي التي مازالت الأسرة فيه تفتقد إلى الوعي الكافي للسيطرة على هكذا قنوات وعدم السماح لأبنائها بمشاهدتها، وينتقد غياب المستشار النفسي أو الإجتماعي في القنوات الكردية ليقوم بواجبه من خلال التحذير من بث أو نشر ما يضّر المجتمع والأسرة على حدٍ سواء. يرى غريب أن المجتمع الكردي يكادُ يكون الوحيد على مستوى المنطقة يعاني من هذه الفوضى الخلابة والإنفلات المتعلق بالعمل الإعلامي والأعمال والبرامج الخاصّة بالذوق العام، مؤكداً ضرورة تشريع قانون لتنظيم ذلك وإلا أنّ إستمراره يعني إضطرابات وتراجع أكثر وحادّ على المستوى التعليمي والتربوي والنفسي على حدٍ سواء.
سعد الهموندي التوازن موجود في الكون وفي كل شيء خاصة في ميزان القوى بين الدول، كذلك بين القوى السياسية والاجتماعية وغيرها في المجتمعات وحتى في عناصر الغذاء. وحالة عدم التوازن السياسي هي الحالة التي يكون فيها الصدام كما هو الحال بين اللاعبين في الملاعب أو بين الأحزاب أو القوى السياسية وغيرها.. وهنا تأتي أهمية بناء التوازن في حياتنا وفي أعمالنا وفي سياساتنا حتى تكون الممارسة سليمة وذات فاعلية إيجابية لتحقيق نتائج مرضية في حياتنا. وفي الحزب الديمقراطي الكوردستاني تتمثل أفضل وأقوى أنواع التوازن والتكامل السياسي.. فإذا ما نظرنا إلى رئيس الحكومة مسرور البارزاني، سنرى سياسة عادلة ومبنية على التوازنات الداخلية والكفاءة والإبداع، وهذا الأمر هو الذي حقق الكفاءة في العمل السياسي وتجاوز الأزمات الخطيرة التي عصفت وتعصف في بلادنا بداية من الأزمة الاقتصادية العالمية، وثانياً من الضغوطات الاقتصادية والسياسية الداخلية وانتهاءً بجائحة كورونا التي واجهها الكورد بفضل سياسة التكامل كما البلاد المتقدمة سياسياً واقتصادياً.. أما على الطرف المتمم والمُكمل لحالة الديمقراطية والنضوج السياسي فنرى رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني، الذي يعرف كيف يقود السياسة الخارجية بنفس النهج الذي أطلقه الزعيم مسعود البارزاني والذي عرف أن السياسة الكوردية تحتاج إلى التكتل والتجمع والتحالف وأن يكون القلب على القلب والفكر على الفكر وهذا هو مفتاح قوتنا، وهذا بالضبط ما يمثله كلاً من الرئيسين والهرمين نيجرفان ومسرور البارزاني.. ففي الحزب الديمقراطي لايوجد حزبين او رأيين متضادين أو متصارعين كما يظن البعض أو كما يروج البعض أو كما يدس البعض السم بالعسل . فنحن هنا لسنا ديمقراطي أو جمهوري.. ولسنا اشتراكي أو رأسمالي ولسنا يساري أو يميني نحن هنا كلٌ موحدٌ نكمل بعضنا البعض، فقوتنا بتكاملنا وقوتنا بجذورنا وقوتنا بقدوتنا وقوتنا بتوحدنا.. وهذا بالضبط ما أراده المناضل الخالد مصطفى البارزاني من أولاده وأحفاده.. وهذا بالضبط ما زرعه المرجع مسعود البارزاني ، وهذا بالضبط ما نحن عليه.. أما أؤلئك المشككين والانتهازيين والفاسدين، فيسعون دائماً لأن يزرعوا التفرقة والعفونة في الجسد الواحد.. وجسدنا كان ومازال وسيبقى واحد فإن كان مسرور هو العقل فنيجرفان هو القلب.. وإن كان نيجرفان العقل فمسرور هو قلبنا.. هذه هي جذورنا وهذه هي أخلاقنا وهذه هي حقيقتنا فقيادتنا كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً.
صلاح رشيد توجد في اغلب الدول الديمقراطية مؤسسة تُعنى بمراقبة السوق ووظيفتها عدم السماح لإحتكار عموم السق من قِبَل عدة شركات عملاقة ومتغولة. هذه المؤسسة تُدعى كارتيل (Cartel)، وتراقب مجالات السوق كافة وتهيئ ارضية مناسبة للمنافسة التجارية لكي يحظى كل تاجر وتحظى كل شركة بفرصتها ويكون لدى الجميع حق مساوٍ وكامل وأن يقدر على الخوض في صولاته وجولاته في السوق الحر وفي الاطار القانوني ولا يمنعه من ذلك احد. يوجد قانون ينظم المنافسة ويسمى قانون ضد تحديد المنافسة، ويُعمَل بهذا القانون منذ عام 1870 في امريكا ومنذ 1958 في المانيا. وهذه المؤسسة تراقب السوق وهل حاولت اية شركة ان تحتكر السوق باكمله وتستخدمه خدمةً لمصالحها. تراقب كارتيل كبرى الشركات من اجل عدم استخدام سلطاتهم التجارية بالسوء، على سبيل المثال عدم بيع المنتجات بأسعار غالية ومرتفعة والا يضطر المواطن الى التعامل مع منتجات هذه الشركات الكبرى فقط. كما تراقب كارتيل اتحاد وانصهار الشركات العملاقة في شركة متغولة، لكي لا تتمكن تلك الشركات من خلال مسخها التجاري الجديد احتكار الأسواق بالكامل ويسيطروا على من يقابلهم وينافسهم في السوق. ينبغي ان تكون كارتيل موافقة عند اتحاد شركتي طيران او رغبة شركتَين او أكثر من الشركات المنتجة للأدوية من ان يتحدوا ويقوموا بتحديد الاسعار على السلع بحسب ما يرغبون، بسبب غياب المنافسة، لذلك ينبغي على الحكومة ان تراقب احتكار الاسواق بشكل علني وبوضوح ولا تسمح بتهميش اية شركة بالباطل و ان يتم تقديم الشركات القريبة من السلطة والاشخاص المنتقدون وتحال اليهم الاعمال دون اية منافسة تذكر، او احالة الاعمال اليهم بشكل غامض ومريب بواسطة دفع الرشاوى و رش اموال كثيرة من اجل تمشية اعمالهم بشكل غير قانوني. اما في كوردستان فبالتأكيد لا وجود لأي قانون يمنع احتكار الاسواق، وإن يكن هناك قانون، فلا يُعمَل به. وإن لم يكن كذلك فكيف يُسمح لبعض الشركتان تعمل في شتى المجالات، مثلاً ثمة شركة واحدة تعمل في كل هذه المجالات : النفط، تصفية النفط، محطات الوقود، الطرق، المستشفيات، الفندقة، انشاء الشقق والفلل والعمارات، الملابس والكماليات، إستيراد الأدوية، المواد الغذائية، أستيراد الأرز، الزيوت، معجون الطماطم والعدس والحمص وعشرات الانواع الاخرى.. طيب، هل من الضروري ان تعمل شركة واحدة فقط في كل هذه المجالات؟؟ اذن ماذا يفعل الشركات الأخرى، طبعاً تستطيع هذه الشركات الثرية والعملاقة ان تقوم بتسعيرة سلعها وفقاً لرغبتها وتستطيع كذلك ان تسير بالشركات الصغيرة والمتوسطة الى حافة الافلاس. ظاهر للعيان ان هذه الشركات لها باع طويل عند الحكومة والأحزاب ويقدمون الرشاوى ويوزعون المال بطرق عديدة واساليب مختلفة وان المتنفذين داخل الحكومة وداخل الحزب هم شركاء معهم المستفيدين منهم بشكل مباشر او غير مباشر، ولهذا تحصل هذه الشركات على حصة الاسد من كافة الاعمال والإحالات الضخمة الحكومية والحزبية والشركات التي لا تُعطي الرشاوى لا تحصغعلى شيء وتخرج فارغة اليدين.. ليس جديراً بهيبة هذه الشركات وهي تملك المليارات من الدولارات، لكنها منشغلة بإستيراد العدس والحمص!! مام علي يملك دكاناً صغيراً في السوق لبيع المواد الغذائية وهو مضطر لغلق دكانه، لأن العدس والفاصوليا التي يستوردها الشركة المتغولة ارخص سعراً في السوق ومام علي غير قادر على منافسة الشركة!! هذه السياسة الاقتصادية الغير عادلة لا تنسجم لا مع مبدأ السوق الحر ولا مع الديمقراطية ولا مع الاسس الدينية، فلينشغل كلٌ بمجاله. ما علاقة تصفية النفط واستيراد الأدوية وبناء وتأسيس المستشفيات والخ.. بإستيراد الأرز والزيت والبرغل وما الذي يربط بينها؟
صلاح حسن بابان اختار الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الحرب والمواجهة العسكرية برفضه في 18 مارس/آذار 2003 الذهاب إلى المنفى الذي منحه إياه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، لتواجه "بلاد الرافدين" بعدها مصيرا صعبا، بدأ بالغزو الأميركي في أبريل/نيسان 2003 وما تخللها من عمليات حربية وقتل وتدمير، ثم ليعاني العراق بعدها الكثير من المشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية التي لا زال يكابدها. كبرياء ويرى اللواء المتقاعد ماجد القيسي أن "الغرور والكبرياء لدى صدام حسين دفعه للذهاب إلى خيار المواجهة العسكرية مع بوش الذي كان مُصرّاً على الحرب بتحشيداته العسكرية في المنطقة آنذاك التي استحال عودتها حتى في حالة تنحي صدام". وأضاف أن صدام كان يعتقد أنه بإمكانه مقاومة هذه الهجمة الشرسة، والوقوف بوجهها بمراهنته على أن هناك من سيقف معه، لكن العالم خذله. وقال القيسي -الذي كان ضابطاً في الجيش برتبة لواء- إنه بالمقارنة بين حربي 1991 و2003 اللتين شنتهما أميركا على العراق نجد أن في الأولى استطاع بوش الأب تحشيد المجتمع الدولي ضد صدام وإجباره على الخروج من الكويت، إلا أن بوش الابن عام 2003 فشل في حشد الرأي الدولي للهجوم على العراق باستثناء البريطانيين وبعض الدول الشرقية التي أغرتها واشنطن بالمال. وفي رده على سؤال للجزيرة نت عن سبب لجوء صدام للمواجهة العسكرية بدلا من التنحي رغم إدراكه بضعف القدرات العسكرية لجيشه وعدم إمكانية صد الجيش الأميركي، يؤكد القيسي أن قرار التنحي أو اختيار النفي لم يكن في حسابات صدام، مضيفا أن رؤساء الأنظمة الدكتاتورية تختار تدمير البلاد (كما حدث في العراق ثم ليبيا وسوريا لاحقا) من أجل البقاء على كرسي الحُكم. لكن الصحفي العراقي مصطفى كامل يرى أن صدام كان رئيسا للجمهورية ولا يجوز دستوريا وأخلاقيا أن يتخلى عن هذه المسؤولية، ويهرب من المواجهة ويؤمن نفسه والبلد يقع فريسة الغزاة، مشيرا إلى أن الجانب الأميركي لم يعط الأمان للعراق والعراقيين في حال تنحي صدام. ويضيف الصحفي -الذي شغل منصب سكرتير صحيفة الجمهورية التي كانت تصدر في عهد صدام- أن إدارة بوش كانت أعلنت أنها ماضية في غزو العراق حتى لو غادر صدام السلطة. وواصل حديث للجزيرة نت بالقول إنه ثبت لاحقا كذب كل الأسباب والذرائع التي ساقتها أميركا لتبرير غزو العراق، سواء ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل أو الإرهاب أو الإتيان بالديمقراطية للعراق. أميركا أرادت الصدام من جهته اعتبر الباحث النفسي الدكتور علاء الصفار أن حالة اليأس التي وصل إليها الشعب عام 2003 أثرت بشكل سلبي على القوات المسلحة ومنعتها والتي تمثلت على أرض الواقع بعدم إمكانية المقاومة لأكثر من 3 أسابيع بآليات ضعيفة ومتواضعة لا ترتقى إلى الآليات والقدرات لدى القوات الأميركية. ويضيف: ظاهريا وضعت أميركا خيار المنفى أمام صدام، لكنّها في الحقيقة كانت تُريد الاصطدام به لأنها كانت على دراية تامّة بضعف قدرات الجيش العراقي "المُصاب بالإحباط واليأس" فضلا عن عدم الحرفية والمهنية في إدارة المعارك من قبل صدام، وهذا ما جعل المعنويات العسكريّة والمدنيّة والتعبويّة العامّة في تدن ملحوظ، لتتجه نحو الانهيار التدريجي وبوتيرة مسرعة مع بدء الحرب رغم ادعاء صدام القدرة على مواجهة أميركا. نظام حديدي ويعلق السياسي العراقي مثال الألوسي على الموضوع بالقول إن صدام نجح في بناء نظام حديدي خليط من المدرسة الروسية الكوبية الصينية والتي من أبرز أسسها عدم الثقة بالمواطن، والبطش ليس بالمعارض فقط بل بالمخالف كذلك، إلى جانب أن استعانته بالمدرسة المخابراتية الألمانية الشرقية لتدريب رجاله بالأجهزة الأمنية والمخابراتية جعلت هناك استحالة للإطاحة به وإسقاط نظامه من داخل العراق، وهذا ما دفع أميركا إلى شنّ الحرب عليه. ويصف الألوسي محاولة تغيير نظام صدام بأنها أشبه ما كانت بـ "المجازفة" التي لا يقترب منها أحد، مما جعل واشنطن أمام خيار واحد وهو الإطاحة بصدام من خلال حرب عسكرية. وأضاف أن صدام كان مع خيار الحرب لاعتقاده بأن أميركا لن تقْدم على ذلك أبداً. غير أن الخبير العسكري ربيع الجواري يرى -في حديث للجزيرة نت- أنّ صدام رفض خيار النفي لأنه كان يعرف جيدا أن المحاكم الدولية ستلاحقه في منفاه وتأتي به "لجرائمه التي نفذها بحقّ شعبه أولاً بالإضافة لغزوه الكويت ثانيا". ويؤكد الجواري، وهو ضابط سابق في الجيش، أن صدام لم يفكّر بالشعب بقدر ما فكرّ بنفسه من خلال قراره الذهاب إلى الحرب التي خلّفت دماراً شاملاً للبلد.
عدالت عبدالله يؤسفنا حقاً أن نرى المثقف العراقي اليوم بهذه الوضعية المُتردية والمُتشرذمة التي يعيشها، والموقف المتفرج الذي لا يتمظهر سوى في التحسر على أحوال البلاد والعباد وإبتلاع النطق وكل ما على اللسان ليعيش فقط في(مأمن) و بـ(أمان)!. المثقف العراقي يعلم تماماً، وقبل الجميع، بأن هذه الوضعية ليست من مصلحته على المدى البعيد حتى وإن ضمِنت له الى أجل تجنب شرور الأقدار و غدور الأنذال من أهل السياسة و وجوه السلطان. أنه يعي بأن الموقف هذا- التفرج والتجنب- غير مُشَرّف له أبداً ولا يعكس تطلعاته أو طموحاته المجتمعية، التي ينبغي العمل من أجلها بل التضحية في سبيلها دون الرهان على من ظَهَرَ فشله الذريع للجميع بل وصل الأمر معه الى إنحدار البلد كله صوب الهاوية تماماً. المثقف العراقي، للأسف، لم يستطع، قبل كل شيء، أن يجسد هوية عراقية جديدة، مُنعكسة للتركيبة الفسيفسائية للمجتمع، وإن إدعت البعض هذا سرعان ما نجد إختزاله لهذه الهوية فقط في الصورة النمطية التي رسمها البعث في مخيلته، والتي تتمثل في طغيان البعد العربي لها على حساب مكونات أخرى مجتمعية لا ترى ما يمثلها في هذه الهوية - ومن حقها أن تكون كذلك - طالما كان خطاب الهوية هذه، خطاباً إقصائياً، أو على الأقل غير محتويٍ لعناصر أساسية نعلم بأنها لم تُمنح حق الوجود والمشاركة بفعل سيطرة الآيديولوجية الشوفينية التي كانت سائدة في حقبة النظام البعثي البائد(1968-2003م). المثقف العراقي فشل في إستقطاب نفسه كشريحة إجتماعية متميزة، تقود لنا مسيرة فكرية وثقافية مثمرة في المجتمع وتؤثر على حقل السياسة وعقول الساسة وظاهرة التحزبات السائدة، المفرطة اللاعقلانية والمُتحاربة، التي شتتت المجتمع وفك إرتباط إجزائه ببعضها البعض لحد قتل وتصفية البعض على الأسماء والإنتماء الى مذهب دون آخر أو قومية دون أخرى. المثقف العراقي أخفق أيضاً في إنتاج ثقافة جديدة وحداثية تجعل المواطن يتمسك بهويته الوطنية العريضة و لايتحصن خلف الإنتماءآت الثانوية وتفضيلها على أي إجتماع وطني حضاري متسامح ومنفتح. المثقف العراقي، لم يقدر حتى الآن أن يشكل وسطاً مجتمعياً مؤثراً تُراهن القوى الإجتماعية الأخرى على تماسكه وتعاضده وجعله إنموذجاً يحتذى به على مبدأ الإحتكام بالمُثل العليا وتقليد أهل الصفوة في المجتمع وتقاليدهم الفكرية والسلوكية تجاه الإنسان والمجتمع والعالم وكل القيم الأخرى الكفيلة بإرتقاء المجتمعات وتحضرها. المثقف العراقي لم يستعن بل لم يهتم أصلاً حتى بتجارب المثقفين والنخب المتنورة في الدول المتقدمة ودورهم الرمزي والمعنوي الكبير في بناء الوطن والمواطن وترسيخ القيم الجماعية الجديدة التي تعجز أي أمة على وجه المعمورة أن تنهض بدونها ومن دون القطيعة مع كل ما يسبب لها التقوقع والتخلف إن كان بإسم (الأصالة) أو محاربة (الغزو الثقافي) اللَذين أصبحا أمثلة على عناوين ذرائعية لاترمي اليوم الى شيء ما إلا المزيد من الإنغلاق أمام حركة التاريخ ومساره. المثقف العراقي لم يعد يتمتع بأي مناعة فكرية أو ثقافية أيضاً تجاه مخططات الأحزاب والمذاهب لإحتواء مواقفهم وأفكارهم وجعلهم مجرد شريحة تابعة مُتبنية لكل ما يفتون و يقولون ويعملون دون أي إعتراض قوي لاتعقبه الخيبة، ولم يعد يقاوم المغريات المادية والمعونية، التي تمنحها الأحزاب والتيارات وترشها لشراء الذِمم وتفريغ البلد من أي أصوات مجتمعية أو تكتلات إجتماعية ترفض التفاعل والقبول بالواقع القائم في البلد، والذي لم يُعد يطيقه أحد حتى المتحزبين والمتمذهبين أنفسهم، اللذين لايمثلون الآن أي دور يُذكر سوى إنتهازية الطاعة للأجنبي وتنفيذ الإملاءآت الخارجية لا غيرها. المثقف العراقي فشل حتى في بيان أي رغبة حقيقية للمشاركة في مظاهرات القوى الإجتماعية الفاعلة في المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة الى الآن، وقيادتها لهذه الإعتراضات الجماعية ضد الوضع القائم، ولم يشكل كتلة موحدة فكرياً وعملياً لتكثيف الضغوط على القوى المتنفذة في البلاد وإرضاخهم لإرادة الشعب ومطالبه المتمثلة في الحد من الفساد والبطالة والعنف المؤسسي والسرقة المنظمة، التي يشهدها البلد منذ حوالي عقدين من الزمن دون حد أو حدود!. المثقف العراقي لم يقدر أن يلم شمله حتى في المنفى وبلاد الحرية، حيث لا رقابة على القول والفعل والنظيم والدعوة السياسية والفكرية، وإنما ظل مشتتاً ومتشرذماً الى الآن، يُتابع وحسب الأوضاع كبقية الناس العاديين، الذين لا يفقهون الأمور، بينما المثقف، في كل مجتمع، يُعرف تقليدياً وبخطاب فكري وسياسي، على أنه يُشكل دوماً ضمير الأمة والأنسانية، ومُستَوجب عليه إبداء مواقف تُماهي هويته المعنوية ورصيده المجتمعي وتؤثر بها على الوقائع والأحداث أو الشؤون والشجون. أي أن لايقف هذا الكائن، في النهاية، مكتوفة الأيدي وخالٍ من كل شعور بالمسؤولية الوطنية، أو على الأقل لا يتستر على ما يجري في البلد على أيدي أحزاب وتيارات ومذاهب سياسية ودينية يُدرك تماماً بأنها حطمت العراق ومجتمعه في وضح النهار ودمرت أبسط مقومات النهوض ثانيةً بسبب غيابه هو وقوى أخرى إجتماعية قادرة على أن تواجهها وتحد من غطرستها وسلبها ونهبها المُنَظَّمين لكل خيرات البلد وثرواته. كاتب وأكايمي من كُردستان العراق
صلاح حسن بابان يربط كثيرون بين عودة مسلسل الاعتداءات على الصحافيين والنشطاء وبين اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية التي يتوقع إجراؤها في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. لكن هذا يفتح الباب على احتمالات تجدد مشاهد الاغتيالات والتصفيات والخطف على أبواب الانتخابات. هذه المخاوف عادت مجدداً إلى الواجهة مع اغتيال مدير الحملة الدعائية الانتخابية لعضو مجلس النواب رعد الدهلكي المنتمي لكتلة “اتّحاد القوى”، والمعروف بمعارضته الشديدة للميليشيات والفصائل المقرّبة من إيران. قتل الدهلكي مع ابن شقيقه بمسدساتٍ كاتمة للصوت في منطقة “المرادية” جنوب غربي قضاء بعقوبة التابع لمحافظة ديالى، لكن مدير شرطة المحافظة يقول إن الحادثة لها علاقة بـ”ثأر عشائري”. الذاكرة العراقية ما زالت تحتفظ بصدمتها حتى الآن من هول فاجعة الاغتيال الذي تعرّض له المحلّل والباحث والناشط السياسي هشام الهاشمي (47 سنة) أمام منزله شرق العاصمة بغداد مساء الاثنين في السادس من حزيران/ يونيو من العام الماضي على يد مسلّحين مجهولين يستقلون دراجتين ناريتين، في هجوم أثار موجة غضب وتنديد في العراق وخارجه، ليخرج أحمد ملا طلال الناطق باسم رئيس الوزراء بعد أشهر قليلة من الحادثة ليؤكد أن “لجنة التحقيق توصلت إلى القتلة، لكن لا يجوز التصريح بهويتهم، حفاظاً على سير التحقيقات وسريتها”. ليتسبب هذا الكلام، على ما يبدو، بتقديمه استقالته لاحقاً. لا يُمكن فصل الاغتيالات عن التنافس السياسي في العراق بين القوى المتنازعة على السلطة منذ عام 2003، مع الاختلاف في الأساليب، لكن يبقى المشترك هو صناعة الموت. يترافق ذلك مع عجز واضح لدى الأجهزة الأمنية في معالجة هذه الظاهرة، فضلاً عن فشلها في كشف الجهات التي تقف وراء عمليات الاغتيال، مع ان الجهات التي تقتل تترك، غالباً، بصمتها السياسية على الجرائم، ومن الواضح أنه لا يمكن لأي جهة تنفيذ اغتيالات معقدة، لم تمتلك أسلحة وفصائل عسكرية وامكانية حركة على الأرض، تمكّنها من العمل بحرية، والإفلات من العقاب. الغريب في هذه الظاهرة أيضاً، أنّها بقيّت فاعلة وجارية في العراق منذ تأسيس الدولة فيه عام 1921، من العهد الملكي، مروراً بالحكم الجمهوري وحتى بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، لتتخذ أشكالاً ومسارات وأساليب متعدّدة وجديدة بعد ذلك، لكنها حافظت على هدفها: إسكات الأصوات المعارضة والترهيب. ليبقى الاختلاف بين زمن صدام وزمن ما بعد صدّام، أن الاغتيالات كانت تحدث قبل عام 2003 بتوقيع وتوجيه من السلطة مباشرةً، ليختلف الأمر بعد سقوط الطاغية، عبر استخدام فرق مدرّبة ومجهّزة عسكرياً، وتعمل وفق أجندات مموليها الخارجيين. رئيس مجلس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي يتوعّد دائماً مثل أسلافه بعدم السماح للجناة الإفلات من العقاب مها طال الزمن، لكن حتى الآن لم يكشف إلا عن عصابة موت واحدة اعلن الكاظمي القاء القبض عليها فيما لا يزال معظم القتلة طليقين. تزايد الاغتيالات مع قرب الانتخابات يرتبط برغبة لدى الميليشيات التي تنفذها بإقصاء أي احتمال للتغيير في المشهد السياسي العراقي الذي طالب به النشطاء في حراك تشرين، حينما رفعوا شعارات انتخابات نيابية حرة خالية من السلاح. الاغتيال يأتي لتأكيد ان السلاح سيكون حاضراً كناخب أساسي في الانتخابات النيابية العراقية المقبلة. محمد نعناع، محلل سياسي، يقول إن هذه الجهات التي تغتال، لا تقبل بصعود أيّ مشروع آخر يعارض توجهاتها. وتنفّذ اغتيالاتها باعتماد أسلوبين: “الاغتيال المباشر بأيدي عناصرها المنتمين المحترفين بعد جمع معلومات من طريق المراقبة الدقيقة للأهداف، والطريقة الثانية من طريق اختراق الأجهزة الأمنية أو الضغط على ضباط وعناصر في القوى الأمنية لتوجيههم بما يخدم توجهاتها ومشاريعها”. يؤكد نعناع لـ”درج” أنّ هذه الجهات لها من القوة والنفوذ والتمويل ما يجعلها فوق القانون وفوق المؤسسات: “هذا ما يصعّب الكشف عن عملياتها للرأي العام بسهولة”. أمّا الاغتيالات العشوائية غير مفهومة الدوافع، فسببها ضعف القانون وعدم سيطرة الأجهزة الأمنيّة على عصابات الجريمة المنظمة، بحسب نعناع، “وأحياناً تنسّق الجهات ذات الدوافع السياسية والايديولوجية مع عصابات الجريمة المنظمة لتنفيذ الاغتيالات”. يرى نعناع أن تأثير الاغتيالات سياسياً وانتخابياً يطاول بضرره الحركات المنبثقة عن الانتفاضة التشرينية، عبر استهداف نشطائها أمنياً، لثني القيمين عليها عن طرح مرشحين للانتخابات. مع اعتقاده أن الكتل التقليدية لا تتأثر بهذا الجو، لأنها تتحكم بجماهيرها، وكتلتها الناخبة، ولها نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها. من هنا تضع الجهات التي تقوم بالإغتيالات – بحسب نعناع- في أولوياتها عدم السماح بصعود كيانات انتخابية لها توجهات مغايرة. لكن وعي جماهير تشرين الذين اختاروا طريق التغيير، يجعل النشطاء مصممين على مواجهة هذه الاغتيالات وكشف الجهات السياسية التي تقف وراءها والتركيز على خطورتها على مستقبل العراق والعراقيين. وفي السابق كانت المحافظات ذات الغالبية السنّية، وأجزاء من العاصمة بغداد أكثر المناطق تحدث فيها الإغتيالات مع اقتراب الانتخابات، إلا أن المعادلة إنقلبت هذه المرّة مع اندلاع الثورة التشرينية الغاضبة ضد السلطة والفساد، لتزيد من احتمال أن تكون المحافظات الشيعية بيئة ساخنة للاغتيالات مع ازدياد التيارات الشبابية الجديدة المناهضة للأحزاب الشيعية التقليدية وللتدخل الإيراني. يرى الخبير الأمني سرمد البياتي صعوبة سيطرة السلطات الأمنية على ظاهرة الاغتيالات، لا سيما في بغداد لأسباب عدة، أبزرها عدم وجود منظومة كاميرات في شوارع العاصمة: “من الصعب مراقبة المنفذين لعمليات الاغتيال التي عادة تستخدم الدراجات النارية للهرب بعد التنفيذ، ومرتكبوها مدربون بشكل جيد، إذ يظهر ذلك من خلال اختيارهم مواقيت الهجوم والتنفيذ”. ولكن إذا كانت هناك كاميرات، فذلك يصعّب عليهم المهمة، ويمكّن السلطات من الوصول اليهم بسهولة.
وفيق السامرائي 1.عندما تتهم أميركا أطرافا (ولو تنويها) بشن عشرات آلاف الهجمات الإلكترونية على مؤسساتها فهذا ليس تنافسا بل صراع خطير. وعندما يتحدث الأميركيون عن وجود قدرات ليزرية صينية وروسية يمكن أن/ أو قد تهدد الأقمار الصناعية الأميركية ومنظومات الانترنت مستقبلا، فالقارئ يتوجس من أن يشمل التهديد وسائط ووسائل التويتر والفيسبوك وغيرهما.. أيضا فيعود العالم إلى مرحلة البداءة. 2. أما قصص الصواريخ الفرط صوتية فتدخل ضمن صراع الفضاء وعلى الأرض. 3. الاقتصاد الصيني يتوسع بسرعة والاقتصاد الأميركي في مرحلة مراجعة السياسات الخاطئة السابقة لتأمين ظروف تنافسية مناسبة. 4. التنافس الصراعي في جنوب شرق آسيا صعب ومعقد وهناك توجه أميركي قوي. 5. نفط الخليج كان مهما جدا قبل تطور النفط الصخري الأميركي، وعودة ارتفاع أسعاره كانت بسبب تراجع كورونا والتزام حصص التصدير النفطي، وبعد عقد زمني ومع تطور الطاقة الخضراء لن تبقى أسعاره وتأثيره كما هي. 6. قيل إن وزارة الدفاع الأميركية تقول إنها ستحافظ على دور ووجود قوي في الخليج والقول شيء والمعطيات على الأرض شيء آخر. 7. خلال عشرين عاما خسرت أميركا كما متداول ترليونات الدولارات في الشرق الأوسط، وما حصلت عليه من الخليج ليس إلا جزءً بسيطا وأخطأت إن أعطت أسبقية عالية من جهدها هناك، فبسبب خلل في فلسفة ادارتها السياسية لم تقترب من الشعوب، ولم تتمم حسم موقف، وبقيت قواتها ومؤسساتها مشغولة بحروب متناثرة وبحماية نفسها. ولم تستطع أن تضمن علاقة تتمناها مع حليف شرق أوسطي إلا قليلا منهم، فكثيرون باتوا يبحثون عن تعدد الحلفاء والأصدقاء لضعف ثقتهم بثبات مواقف الادارات الأميركية المتغيرة. 8.المؤشرات الأولية للمتغيرات الاستراتيجية/ التكتيكية في اليمن وملامح التفاهم المستقبلي مع إيران، وفرض ضوابط وقيود على حالات التدخل، وتجنب الاحتكاك بالقيادات، ورفع مستوى قرار استخدام الطائرات المسيرة عدا في ثلاث دول وجعله بيد البيت الأبيض وليس الدفاع، والحاجة إلى صرف المال لمعالجة الوضع الداخلي، ومتطلبات حماية الأمن الداخلي من التدخلات الخارجية، وقصص الليزر الجوي البعيد المدى، كلها تدل على أن كل شيء تحت مراجعة أميركية شاملة ودقيقة لا تتحمل وجع رأس يشغلها على طرفي الخليج، وقد يعود التاريخ الى نصف قرن، وسنرى معادلات أخرى.
القاضي / عبدالكريم حيدر علي بخصوص الحكم الصادر بحق المتهمين الخمس وفق المادة ١٥٦ من قانون العقوبات وعلى النحو المعدل في اقليم كوردستان بموجب المادة (١) من القانون رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٣ الصادر عن البرلمان الكوردستاني اود ان اتطرق الى بعض الجوانب القانونية :- الاعتراف الجنائي : ان الاعتراف اذا كان سليماً ومستوفياً لشروطه القانونية ومن تلك الشروط صدوره من المتهم وهو متمتع بارادة حرة وان يكون صريحاً وان يكون الاعتراف امام المحكمة وقاضي التحقيق ، فاذا كان الاعتراف قد صدر نتيجة الاكراه المادي او المعنوي فلايؤخذ به في حالة ثبوت الاكراه ، الرجوع عن الاعتراف :- وان قاضي التحقيق وعند مثول المتهم امامه والذي اعترف امام المحقق ولكنه انكر التهمة المسندة اليه امامه وادعى المتهم بانه قد تعرض للاكراه عند تدوين افادته من قبل ضابط الشرطة او المحقق فانه يتعين عليه ارساله الى الفحص الطبي من قبله مباشرة دون ارجاعه الى الجهة التي تجري التحقيق معه هذا في حالة الاكراه المادي اما اذا كان معنوياً فعلى قاضي التحقيق الاستماع الى اقوال اي شخص يمكن ان يكون شاهداً بخصوص تلك الواقعة كل ذلك من اجل فتح قضية مستقلة بحق القائم بالتحقيق واتخاذ الاجراءات القانونية بحقه وفق المادة ٣٣٣ من قانون العقوبات العراقي ، اما اذا اعترف المتهم امام قاضي التحقيق فانه يحق له الادعاء امام محكمة الموضوع التي تجرى محاكمته بعد الانكار بان اعترافه بالتهمة في مرحلة التحقيق الابتدائي قد صدر منه نتيجة الاكراه وهنا ايظاً يتوجب على المحكمة ان تجري تحقيقاتها بخصوص ذلك الادعاء ولايجوز لها اهمال ذلك لكي تسير العدالة الجنائية في مسارها القانوني والصحيح واذا ثبت لديها صحة الادعاء فان ذلك الاعتراف كدليل جنائي يتم اهدارها لان القانون رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٣ الصادر عن برلمان كوردستان وفي المادة ٩ منه التي نصت على انه ( يوقف العمل بالمادة ٢١٨ من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي ويحل محلها في اقليم كوردستان مايلي ( يشترط في الاقرار ان لايكون قد صدر نتيجة الاكراه ) في حين كان الاصلي على النحو التالي في القانون المشار اليه ( يشترط في الاقرار ان لايكون قد صدر نتيجة اكراه مادي او ادبي او وعد او وعيد . ومع ذلك اذا انتفت رابطة السببية بينها وبين الاقرار او كان الاقرار قد ايد بادلة اخرى تقتنع معها المحكمة بصحة مطابقته للواقع او ادى الى اكتشاف حقيقة ما جاز للمحكمة ان تأخذ به ) ان المشرع الكوردستاني حسناً فعل عندما قرر بعدم الاخذ بالاقرار الصادر نتيجة الاكراه بمعنى ان على المحكمة طرح ذلك الاقرار في مثل تلك الحالة وكانه غير موجود ضمن ملف القضية حتى وان أنتفت الرابطة السببية بينه وبين الاقرار او كان ذلك الاقرار الصادر عن الاكراه مؤيداً بادلة اخرى او ادى الى كشف حقيقة ما ، ولكن المشرع قد اخطأ في الحالات الاخرى غير الاكراه والتي تجعل منه معيباً وغير مقبولاً وهي الاقرار الصادر نتيجة الوعد او الوعيد ، فانه من الضروري على قضاتنا الانتباه الى الفرق الموجود في هذه المسألة بين القانون العراقي وبين التعديل الجاري في اقليم كوردستان مما يتعين على المحاكم الجزائية في كوردستان ملاحظة كل تلك القواعد القانونية عند تقييمها لاقرار المتهم خاصة في حالة رجوعه عنه امام محكمة الجنايات المختصة او محكمة الجنح ، كما ان محكمة التمييز المختصة لها سلطة الرقابة على كل ذلك فاذا لم تكن محكمة الموضوع منتبهة الى ذلك فانها من جانبها تقوم بتقييم ذلك الاعتراف والادلة الاخرى على ضوء القواعد المشار اليه واذا تولدت الشك في الادلة المتحصلة بشكل عام فان عليها تفسير الشك لمصلحة المتهم باعتبار ان الاصل في الانسان البراءة. واعتقد ان محكمة التمييز لايزال في هيئاتها قضاة جديرين بالاحترام وانهم علم بتلك القواعد ولهم خبرة طويلة في ذلك الشأن ، وكما هو معلوم وكما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية ومحكمة تمييز اقليم كوردستان بان المحكمة لايمكن لها ان تعتمد على القرائن في اصدار حكمها بالادانة والعقوبة الا اذا كانت مجموعة من القرائن ولايرقى الشك اليها وكافية لتوليد القناعة والوجدان ( هنا نؤكد على الوجدان القضائي الصرف ) - * عضو محكمة تمييز اقليم كوردستان سابقاً
د. اراس حسين دارتاش الجميع في العراق على علم بطبيعة المناقشات الداىًرة الان حول مشروع موازنة العراق لعام 2021 بصورة و اخرى ، وكل من ينظر الى بنودها حسب مصلحته التي تنطلق من خلفيته الاقتصادية و السياسية ، لذلك هناك من يوًيد بنودها او يعارضها ، و هناك من يفضل اعادة صياغتها ...الى اخره من الاّراء بشاًنها. و اكثر المناقشات حدةً بشاًن هذه الموازنة ، هي التي تتعلق بحصة الاقليم في مشروع الموازنة ، و حسب ما جاءت من الحكومة الى البرلمان ، بنسبة ( 12،67٪ ) مقابل تسليم الاقليم لبغداد يوميا ، واردات مقدار ( 250 الف برميل ) من بيع النفط المصدر إضافةً الى ( نصف) واردات المتاًتية من الكماركُ من المنافذ الحدودية . رغم اننا على شبه قناعة بان النسبة المذكورة لن تحظى بموافقة الاًغلبية البرلمانية ، الا انها اصبحت هذه الفقرة محط الجدال و النقاش و التاًويل لدى عدد كبير من أعضاءالبرلمان المحترمين ، سواءً بصورة مقصودة او غير مقصودة ، او قد تكون لأغراض انتخابية و سياسية او غيرها ، الامر الذي ، وكما يبدو ، خلق راًيا عاما لدى بعض المواطنين العراقيين المحترمين في محافظات الوسط و الجنوب ، يفهم منه ، بان محافظات الاقليم ، و بموجب الفقرة المذكورة اعلاه ، تستحوذ على حصة اكبر من الموازنة مقارنةً ببقية المحافظات الاخرى ، لذلك فان الاًغلبية البرلمانية التابعة للكتل السياسية تصر على عدم الموافقة على هذه الفقرة ، بل و محاولة تعديلها من خلال فرض شروط اقسى على حصة الاقليم من موازنة 2021 ، قد تكون غير دستورية وتكون مجحفة بحق الاقليم و مواطنيه . على اي حال......وإذا مضت الاًمور على ما يرام ...... وجدنا من الضروري و حسب تقديرنا المتواضع ، ان نبين للراًى العام حصة الاقليم ( الفعلية او الحقيقية ) و كما اقرت من قبل الحكومة في مشروع الموازنة العامة و قبل اجراء فرض شروط غير واقعيةِ و اشد على حصة الاقليم من قبل الاًغلبية البرلمانية ، و لكي يطلع الرأي العام العراقي على هذه المساًلة الحساسة في طبيعة العلاقة بين حكومة الاقليم و الحكومة الاتحادية ، ارتاًينا ان نوضح الامر ومن خلال النقاط التالية :- أولاً - اذا افترضنا بان البرلمان سوف يصادق على ( مقترح ) اللجنة المالية بتخفيض حجم الموازنة من ( 164 الى 127 ترليون دينار ) ، فانه يترتب عليه ما يلي :- 1- ان حصة الاقليم البالغة نسبة (12،67 ٪) من الموازنة العامة تحدد عادةً بعد (طرح ) مقدار ( النفقات السيادية و الحاكمة ) من الموازنة العامة . 2- ومن خلال مراجعة مقدار النفقات السيادية و الحاكمة التي قدرت في الموازنة العامة في السنوات السابقة فانها تشكل سنوياً نسبة لاتقل عن ( 30٪) من حجم الموازنة العامة ، و حسب هذه النسبة، فان مجموعها يقدر ب ( 127 في 30٪ ) = 38 ترليون دينار تقريباً، ثانياً- وبعد طرح مجموع النفقات السيادية و الحاكمة المقدرة اعلاه بـ ( 38 ترليون دينار ) من مجموع الموازنة العامة المفترضة حسب مقترح البرلمان بـ ( 127 ترليون ) ، يبقى مقدار الموازنة بحدود ( 89 ترليون دينار ) الذي يحدد بموجبه حصة الاقليم و كما يلي :- 1- ان حصة الاقليم المفترضة بموجب الموازنة العامة المفترضة تبلغ ( 89 في 12،67 ٪ ) = 11،3 ترليون دينار تقريباً. 2- لكن بموجب مشروع قانون الموازنة العامة 2021١ ، فان حصة الاقليم تحتسب من ( النفقات العامة الفعلية ) وليست من (النفقات العامة المفترضة او المقدرة ) في مشروع القانون . 2- و كما هو معروف و منذ عام ( 2005 و لحد الان ) فان الحكومة الاتحادية لم تستطيع و في احسن الأحوال ان تنفذ ( تنفق فعلياً ) اكثر من نسبة ( ٧٠٪) من مجموع النفقات العامة المقدرة . 4- و بموجب الفرضيات اعلاه سوف يبلغ مقدار ( النفقات العامة الغير فعلية ) اي غير منفذة لعام 2021 من قبل الحكومه الاتحادية بحدود ( 89 في 30٪ ) = 27 ترليون دينار ، بينما سوف يبلغ مقدار ( النفقات العامة الفعلية ) بحدود ( 62 ترليون ) و التي تحتسب بموجبها حصة الاقليم الفعلية بنسبة ( 12،67٪ ). خلاصة القول ...... حتى في حالة مصادقة البرلمان على الفقرة المقرة من قبل الحكومة حول تخصيص نسبة الاقليم بـ ( 12،67٪ ) في مشروع موازنة 2021 ، فان حصة الاقليم الحقيقية تبلغ ( 62 في 12،67 ٪ 8 ترليون دينار تقربياً . ختاماً..... ان تحققت الفرضيات المذكورة اعلاه ، فان (الحصة الفعلية ) للإقليم تشكل نسبة ( 6.3٪ ) من الموازنة ، وليست نسبة ( 12،67٪ ) ، و يستلم الاقليم بموجبها بحدود ( 8 ترليون دينار ) من حصته لأربع محافظات الاقليم بحدود ( 6 مليون ) نسمة ، و كل هذا يتحقق ان قام الاقليم بتسليم واردات مقدار 250 الف برميل لنفط الاقليم المصدر يوميا و نصف وارداته من المنافذ الحدودية لبغداد. والسوًال الختامي ..... ماذا سوف يحصل للإقليم و لطبيعة العلاقة بين الحكومتين لو فرضت الاًغلبية البرلمانية شروطاً اقسى من شروط الحكومة على الاقليم في الموازنة ...!!؟؟؟. والبقية اتركها للراًى العام العراقي عسى و لعل ...... مع التحيات ....
كامران قره داغي نحج النظام العراقي في سحق الانتفاضة لتبدأ أكبر عملية هجرة للمدنيين الكرد عبر الجبال باتجاه تركيا وايران ليتبعها القرار الاميركي بدعم إقامة الملاذات الآمنة لإعادة الكرد إلى ديارهم... كركوك كانت المدينة الكبيرة الوحيدة التي لم تحدث فيها انتفاضة شعبية وحررتها قوات البيشمركة. قررت القيادة الكردية الهجوم على كركوك من ثلاثة محاور، أربيل شمالاً والسليمانية شرقاً وجنوباً. في كتابه بالكردية “نسور قنديل الحمر”، يشرح عضو المكتب السياسي السابق لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني” فريدون عبد القادر الذي كان مسؤولاً عن محور السليمانية وكَرميان التي تشمل كركوك وخانقين وكلار وكفري ودوزخورماتو وغيرها، مما يسميه الكرد بالمناطق الدافئة، أن عمليات تحرير المناطق الكردية كانت تتم بمشاركة قوات البيشمركة التابعة للحزبين الرئيسيين وأحزاب أخرى، لكن تحرير كَرميان قادته قوات “الوطني الكردستاني”، إذ إن مسعود بارزاني المسؤول العسكري في كردستان في اجتماع معه قبل بدء الهجوم، “قال لنا إنكم تمثلوننا أيضاً ونضع الهجوم في أيديكم”. يضيف عبد القادر أن القوات المهاجمة من جنوب كركوك واجهت مقاومة عنيفة في دوز خورماتو، خصوصاً من قبل مقاتلي التنظيم الإيراني المعارض “مجاهدي خلق”، الذي كان يستخدم الدبابات والأسلحة الثقيلة وسقط خلال المعارك الضارية هناك الكثير من عناصر البيشمركة. كان هذا التنظيم الموالي للنظام يقيم قواعد عسكرية في العظيم وقرب جلولاء وقره تبه وسليمان بيك، ومقاتلوه لم يشاركوا في الحرب إلى جانب القوات العراقية وبالتالي ظلت معنوياتهم عالية كما انهم كانوا يدركون ان مصيرهم مرتبط ببقاء النظام البعثي الامر الذي يفسر ضراوة مقاومتهم لقوات البيشمركة. في النهاية حتى بعد تحرير كركوك فإن جنوبها ظل منطقة قتالية ولم تنجح القوات الكردية في الاستيلاء عليها. يروي عبد القادر تفاصيل دقيقة وكثيرة عن العمليات في جبهة كرميان والهجوم على كركوك، ملاحظاً أن قياديين في “الاتحاد الوطني الكردستاني” في مقدمهم نوشيروان مصطفى، توقعوا أن تصبح كركوك عاملاً سلبياً في مسيرة الانتفاضة، مضيفاً أن التطورات لاحقاً أكدت صحة توقعهم. قوات البيشمركة دخلت من محورين إلى كركوك مساء 20/3/1991 من محوري السليمانية وأربيل وسيطرت على المدينة للمرة الأولى في تاريخ الانتفاضات الكردية، فيما فر منها علي حسن المجيد بطائرة هليكوبتر إلى تكريت تاركاً وراءه في مقار أجهزة النظام وحزب البعث أطناناً من الوثائق التي استولى عليها الكرد وشكلت لاحقاً جزءاً من الوثائق التي نقلت إلى الولايات المتحدة وما زالت مودعة في إحدى جامعاتها وديعة لمالكها الشرعي العراق. وشهد اليوم التالي احتفالات بتحرير المدينة وعيد رأس السنة الكردية نوروز معاً. تحرير كركوك كان نصراً تاريخياً للكرد ووجه ضربة معنوية للنظام البعثي. نوشيروان مصطفى كان أكبر مسؤول في قيادة “الوطني الكردستاني” الذي دخل إلى كركوك. في لقائي الخاص مع نوشيروان مصطفى في لندن، روى لي أنه بعد تحرير كركوك مباشرة تلقت قيادته هناك رسالة من أحد رؤساء العشائر العربية في الحويجة جنوب غربي كركوك، هنأ فيها نيابة عن رؤساء 11 عشيرة عربية سنية رئيسية القيادة الكردية، مقترحاً التعاون والتنسيق بين الطرفين. مصطفى عبر عن اعتقاده بأن موقف هذه العشائر العربية كان نابعاً من مخاوفها من قرب انهيار النظام البعثي الحاكم نهائياً. أطلعني مصطفى على الرسالة التي كان يحتفظ بها في أرشيفه الخاص مشترطاً عدم استنساخها أو ذكر أسماء رؤساء العشائر الموقعين عليها. وجاء في الرسالة أن أجهزة النظام كانت تثير مخاوف السكان العرب بمزاعم مفادها أن القوات الكردية كانت تقوم باغتصاب النساء وتقتل السكان العرب، وتجبرهم على إخلاء قراهم وأملاكهم. لذا اقترح الموقعون أن تقوم القيادة الكردية بتوجيه نداءات عبر إذاعتها لتطمين السكان العرب بأن الثورة الكردية ليست ضد العرب، بل إنها “ضد نظام صدام الذي عانى منه شعبنا عرباً وكرداً مع الأقليات الأخرى”. ووعد موقعو الرسالة بأنه بعد أن توجه القيادة الكردية هذه النداءات، فإن وفداً يمثل رؤساء هذه العشائر سيقوم بزيارة القيادة الكردية. تحرير كركوك كان نصراً تاريخياً للكرد ووجه ضربة معنوية للنظام البعثي. تم بث النداءات والتطمينات التي طلبها رؤساء العشائر، فوصل وفد منهم إلى منتجع صلاح الدين للقاء بارزاني ومصطفى. الوفد طلب تعهدات من الكرد بأنهم لن يتعرضوا للسكان العرب ولن يسمحوا لـ”الجعفريين” الاستيلاء على السلطة. وأوضح الطرف الكردي للوفد “أننا علمانيون ونسعى إلى إقامة نظام ديموقراطي لا يميز بين السنة والشيعة وبين المسلمين والمسيحيين وبين العرب والكرد والتركمان”. وأوضح مصطفى أن القيادة الكردية كانت مهتمة جداً بفكرة التنسيق مع رؤساء العشائر العربية التي كانت حدود نفوذها تمتد حتى الفرات، وفي حال العمل المشترك يمكنها أن تحرر هذه المناطق بما فيها تكريت، خصوصاً أن أعضاء الوفد “تعهدوا لنا بأنهم سيحررون مناطقهم من سيطرة بغداد ولن يحتاجوا إلى أي دعم من الكرد بالسلاح والرجال وكل ما يطلبونه هو أن نرسل معهم فريقاً يمثل القيادة للتنسيق معهم”. فوق ذلك قال مصطفى: “تلقينا لاحقاً معلومات من مصادرنا بأن هذه العشائر اتخذت بالفعل إجراءات محددة تمهيداً للتحرك ضد النظام. وزادت ثقتنا بتعهدات رؤساء العشائر العربية أننا تلقينا رسالة ثانية تطلب التنسيق معنا هذه المرة من نحو 20 رئيساً لعشائر في محيط تكريت”. لكن ما حدث بعد ذلك أن القوات العراقية بدأت الهجوم المضاد ضد قوات البيشمركة فأدركت العشائر العربية أن الوضع أصبح مختلفاً وليس في مصلحة الكرد، فقرر رؤساؤها، حفاظاً على مصالح عشائرهم، قطع اتصالاتهم بالكرد، لكنهم حرصوا على إعادة الفريق الكردي المرافق وسلامة وصول أعضائه إلى المناطق الكردية. برزان التكريتي يتحرك في جنيف في الأثناء، حدثت تطورات ذات صلة في أوروبا. اتصل برزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام حسين فجأة ليطلب من الكرد لقاءه في جنيف كي يبلغهم رسالة من صدام حسين. كان التكريتي وقتها يشغل منصب ممثل العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف. كانت الانتفاضة الكردية بدأت عندما تلقى الصديق الراحل سرجل قزاز، وهو رجل أعمال كردي كان يقيم ويعمل في مانشستر ولندن في بريطانيا، اتصالاً هاتفياً من التكريتي. تلت ذلك تفاصيل رواها لي قزاز في لقاء خاص أجريته معه في 17/6/1993 في أنقرة، حيث كان ممثلاً لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني”. قزاز جمعته علاقة شخصية مع جلال طالباني وكان موضع ثقة لديه وكان يكلفه القيام بمهمات خاصة في أوروبا، بينها الاتصال ببرزان التكريتي في الثمانينات فنشأت بينهما علاقة شخصية وبعد إقامة العلاقات بين القيادة الكردية والحكومة التركية اختاره ليمثله في أنقرة. هنا رواية قزاز عن اتصالاته بالتكريتي: “في 7/3/1991 كنت في منزلي في مانشستر عندما أبلغتني ابنتي أن شخصاً اسمه برزان التكريتي يطلبني على الهاتف. قلت لها أن تطلب منه ان يتصل مجدداً بعد نصف ساعة، وذلك كي يسنح لي الوقت لربط سماعة الهاتف بجهاز تسجيل. في 1988 التقى قزاز التكريتي أكثر من مرة في جنيف ليبلغه رسالة من طالباني مقترحاً فتح حوار بين الكرد وبغداد على أن توقف السلطات العراقية عمليات التعريب في المناطق الكردية، ويوقف الكرد القتال ضد القوات الحكومية “لكنه رد بغطرسة قائلاً ومن هم هؤلاء الكرد كي تننازل الدولة للتحدث معهم؟ الآن في الغرب والشرق الناس مستعدون لتقبيل يدي الرئيس صدام حسين”. بعد نحو نصف ساعة، اتصل بي التكريتي مجدداً وذكرني بأغنية عراقية شعبية تخاطب فيها الحبيبة حبيبها الذي هجرها متسائلة هل هو السبب أم أن أهله يمنعونه من لقائها. أجبته بأنني “في آخر مرة التقيتك في 1988 قبل نهاية الحرب العراقية– الإيرانية وبلغتك رسالة من مام جلال اقترح فيها فتح حوار بين الكرد وبغداد على أساس وقف تعريب المناطق الكردية، كان ردك بانك لا تستطيع أن تفعل شيئاً. لكن التكريتي قال إن الأمر مختلف هذه المرة وكل شيء في يدي وأنا وأنت يجب أن نحل المشكلات. هل يمكنك أن تأتي إلى جنيف اليوم أو غداً؟ قلت له إنني سأتصل به لإعطائه الجواب. بعد ذلك هاتفت مام جلال الذي كان وقتها في دمشق لأخبره بما حدث. بعد فترة قصيرة اتصل بي مام جلال وقال إنه اتصل عبر جهاز الراديو مع كاك مسعود (بارزاني) فاتفقنا على أن تذهب إلى جنيف لتسمع ما يقوله برزان، لكنك يجب أن تلتزم التزاماً كاملاً بكل ما يبلغك به، بالتوافق مع أربعة قياديين موجودين في لندن هم فؤاد معصوم ومحمد توفيق عن الاتحاد الوطني الكردستاني وهوشيار زيباري ومحسن دزه يي عن الحزب الديموقراطي الكردستاني. بعدما زودني القياديون الأربعة بتوجيهاتهم وتعليماتهم توجهت إلى جنيف في 8/3 وأقمت في فندق انتركونتينينتال قبالة مقر الممثلية العراقية حيث استقبلني التكريتي. قبل بدء الحديث استدعى برزان موظفاً اسمه ممدوح وأمره بأن يكتب محضراً للجلسة، وأن يدون كل كلمة نقولها من دون أي تحريف لأن هذا الرجل كردي وإذا أهملت ولو كلمة واحدة مما يقوله فإنه لن يوقع على المحضر، بحسب تعبيره. استمر الحديث نحو 6-7 ساعات وتألف المحضر من 40 صفحة. إقرأوا أيضاً: سألني برزان ماذا يريد الكرد؟ قلت أولاً أن تضم منطقة الحكم الذاتي المناطق الكردية كافة، وثانياً يريدون سلطات أوسع وحقوقاً تشرّع دستورياً. هنا أمر برزان الموظف ممدوح بأن يجلب لنا القهوة وعندما غادر الغرفة قال لي برزان: :أطلب ضمانات دولية وأن تجري المفاوضات برعاية دولية أو أقله برعاية الملك حسين”. وبالفعل أضفت هذه المطالب بعدما عاد ممدوح فسجلها في المحضر. أعتقد أن يرزان أراد بذلك أن يكسب ثقتنا وأن يقوم شخصياً بدور مهم لاستعادة نفوذه الذي أضعفه علي حسن المجيد. بالمناسبة، كان برزان يكره المجيد ومرة كنا وحدنا فشتمه بعبارات بذيئة وروى لي أن طارق عزيز طلب منه بعد انتهاء اجتماعه المشهور في جنيف في 9/1/1991 مع وزير الخاريجة الأميركي جيمس بيكر، أن يرافقه إلى بغداد كي يؤيده عندما ينقل كلام بيكر إلى صدام. وأضاف برزان: “في البداية رفضت لكنني وافقت بعدما ألح علي، لكنني في بغداد لم أستطع لقاء صدام أبداً لأن هذا الـ…. الحقير (المجيد) ما خلّاه يشوفني وبعد كم يوم ضجت ورجعت إلى جنيف”. بعدما أضفت المطلب بالضمانات الدولية ودوّنه ممدوح في المحضر تابعت: نريد أن تكون المفاوضات شفافة لأننا كلما كنا نتفاوض مع صدام كان يكذب علينا. هنا توقف ممدوح عن الكتابة ليسأل برزان هل يكتب صدام أو السيد الرئيس، فأجابه برزان بأن عليه أن يدون كلامي حرفياً. في نهاية حديثنا، سلمني برزان رسالة قال إنها من صدام إلى مام جلال. وبعدما عدت إلى غرفتي في الفندق قرأت الرسالة التي تضمنت انتقادات بعبارات شديدة اللهجة للقيادة الكردية واتهامها بالتواطؤ مع الإيرانيين وخيانة الشعب العراقي، لكنه ختم رسالته بعرضه التفاوض بين الطرفين. في 9/3 عدت إلى لندن وفي اليوم ذاته التقيت بالقياديين الكرد الأربعة لأبلغهم بمضمون لقائي مع برزان، لكنني شعرت بأنهم لم يكونوا متفقين على موقف موحد. بعد ذلك سافرت إلى جنيف للقاء التكريتي مرات عدة في 12 و17 و22 و27/3 وفي كل اللقاءات أبلغني بوضوح الموافقة على مطالبنا بأن تتركز المفاوضات على المناطق المتنازع عليها والضمانات الدولية وحتى الفيدرالية. إلى ذلك أبدى موافقة مبدئية على أن تدار الشؤون الأمنية محلياً، فيما ترابط القوات العراقية على الحدود الدولية. عندما بدأنا البحث في الإجراءات اللوجستية قال برزان أن بغداد تصر على أن يكون الاجتماع في عمان وأن يرأس الوفد الكردي جلال طالباني ومسعود بارزاني شخصياً، فيما يكون الوفد العراقي ممثلاً بعزة الدوري وطارق عزيز. لكننا رفضنا وابلغته باستحالة مشاركة بارزاني وطالباني في التفاوض في المرحلة الأولى. في النهاية تم الاتفاق على أن يمثل الطرف الكردي فؤاد معصوم ومحمد توفيق وهوشيار زيباري ومحسن دزه يي. فوق ذلك أبلغته بأن القيادة الكردية تطلب أن يفتتح كل اجتماع الملك حسين وأن يحضر الاجتماعات إما شخصياً أو ولي عهده الامير الحسن بن طلال ممثلاً عنه. أخيراً في اجتماعنا في 22/3 طلب برزان أن يقتصر الحديث بيننا على إجراءات السفر إلى عمان. عدت إلى لندن واتفقنا على اجتماع للقياديين الأربعة في شقتي اللندنية. لكن زيباري لم يحضر. وفي الأيام التالية أيضاً تعذر الاتصال بزيباري فلم يستطع القياديون الثلاثة الآخرون اتخاذ قرار في غياب زيباري. أخيراً عدت إلى جنيف في 27/3 وطلبت من التكريتي مزيداً من الوقت، لكنه غضب واتهمنا بالتسويف والسعي إلى كسب الوقت، لاعتقادنا بأن أميركا وبريطانيا ستساعداننا، بحسب تعبيره. في السادسة مساء اليوم ذاته اتصلت للمرة الاخيرة من غرفتي في الفندق بفؤاد معصوم، فأبلغني بتعذر اجتماع الأربعة معاً لذا لا قرار. وفي 28/3 شنت قوات الحرس الجمهوري الهجوم على كركوك. لماذا تراجعت السعودية عن دعم الانتفاضة؟ ما سلف رواية قزاز للاتصالات مع برزان التكريتي في جنيف. من جهتي تستدعي الموضوعية أن أسمع رأي الطرف الآخر وتفسيره لما حدث فاتصلت وأنا أكتب هذه السطور من لندن بهوشيار زيباري في منتجع صلاح الدين، وقلت له إنني أنوي نشر قصة قزاز وطلبت منه أن يوضح رأيه في روايته للأحداث. زيباري أكد أن غيابه لم يكن عن عمد، بل كان بسبب دعوة عاجلة من السعودية للسفر إلى الرياض للبحث في دعم الانتفاضة. وأوضح أن “السعوديين دعوا وفداً مشتركاً من الحزب الديموقراطي الكردستاني وحركة الوفاق وحزب الدعوة للبحث في خطة تدعم السعودبة بموجبها الانتفاضة في العراق كله، لإطاحة صدام وان مشاركة هذه الجهات تعني تمثيل الشيعة والسنة والكرد”. وتابع أن الوفد “ضم إضافة إليه ومحسن دزه يي، إياد علاوي وصلاح عمر العلي عن حركة الوفاق وابراهيم الجعفري وحيدر العبادي وموفق الربيعي عن حزب الدعوة”. وختم بأن هذا هو السبب الوحيد لغيابه، لكنه لم يستطع أن يكشف الأمر في حينه. لكن السؤال الذي كان يشغل بالي وقتها هو، لماذا تراجعت السعودية عن دعم الانتفاضة؟ في إطار الدراسة التي كان يفترض إنجازها عام 1993 مع الباحثة ميلروي في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، ولم تكتمل كنا أجرينا لقاء خاصاً مع زيباري في منتجع صلاح الدين حول موقف السعودية في ضوء زيارته الرياض في آذار/ مارس 1991. زيباري أوضح أنه التقى مسؤولين سعوديين في مقدمهم الأمير تركي الفيصل وأنه، اي زيباري، شدد لهم على أن الكرد لا يسعون إلى الانفصال عن العراق. وبحسب زيباري فإن السعوديين كانوا “متحمسين” لدعم الانتفاضة وقبول طلبات الطرف الكردي. لكن مع حلول نهاية الشهر وبعدما ظل منتظراً بضعة أيام للاجتماع مع المسؤولين السعوديين مجدداً للبحث عملياً في طلبات الطرف الكردي، أبلغه مضيفوه بأن بطاقة السفر لعودته إلى لندن جاهزة ففهم أنهم غيروا موقفهم فعاد إلى لندن خالي الوفاض. لكن ماذا حدث خلال وجود زيباري في الرياض كي تتراجع السعودية فجأة عن دعمها الانتفاضة؟ لمزيد من التوضيح أعود إلى قصة قزاز لكونها ذات صلة. ففي ختام روايته عن الاتصالات مع برزان التكريتي في جنيف، أخبرني بانه كان في شقته اللندنية مساء 28/ 3 أي بعد يوم واحد من بدء الهجوم العراقي المضاد على كركوك ومناطق أخرى في كردستان، عندما زاره فجأة من دون موعد مسبق الصحافيان الأميركيان جون كولي وتشارلز غلاس وكانا يعملان وقتها في محطة تلفزيون “آي بي سي”. غلاس قال لقزاز إنه كان في كردستان حيث التقى بارزاني وشخصيات أخرى. وأضاف أنه وكولي علما باتصالات قزاز مع التكريتي في جنيف، وأوضحا أن معلوماتهما تفيد بأن مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي وقتها برينت سكوكروفت زار السعودية ودولاً أخرى في المنطقة ويعتقدان، أنه ربما زار جنيف أيضاً، لكن وزارة الخارجية الأميركية رفضت أن ترد على استفسارهما في هذا الخصوص أو ما إذا كانت واشنطن شجعت الكرد على التفاوض مع بغداد. لذا طلب غلاس من قزاز أن يكشف ما حدث أمام عدسة التلفزيون، مضيفاً أن فريقاً للتصوير موجود أمام العمارة لإجراء المقابلة معه فوراً. قزاز اتصل بمحمد توفيق وفؤاد معصوم ومحسن دزه يي فأجمعوا على رفض الطلب وشددوا على ضرورة التزام الصمت والامتناع عن الحديث في الموضوع. “السعوديين دعوا وفداً مشتركاً من الحزب الديموقراطي الكردستاني وحركة الوفاق وحزب الدعوة للبحث في خطة تدعم السعودبة بموجبها الانتفاضة في العراق كله، لإطاحة صدام وان مشاركة هذه الجهات تعني تمثيل الشيعة والسنة والكرد” لتسليط مزيد من الضوء على هذه التطورات أضيف أن مستشار الأمن القومي الأميركي برنت سكوكروفت زار الرياض فعلاً في 27/3/1991 وكان يرافقه مستشار شؤون الشرق الأوسط في مجلس الامن القومي وقتها ريتشارد هاس. وكان ذلك بعد يوم واحد من القرار الأميركي سيئ الصيت بالسماح للنظام العراقي باستخدام طائرات الهليكوبتر الحربية، التي استخدمتها القوات العراقية فورا لشن الهجوم على الانتفاضة الكردية اعتباراً من 28/3. الرأي السائد بين شخصيات عراقية معارضة وأوساط مطلعة في واشنطن هو أن الإداراة الإميركية تبنت الرأي القائل إن انقلاباً عسكرياً أو من داخل النظام يمكن أن يحدث، وذلك أفضل من استمرار انتفاضة قد تؤدي إلى الفوضى وتفكيك العراق. وفي الإطار، فإن سكوكروفت وهاس ضغطا على السعوديين لتغيير موقف الرياض والتراجع عن دعم الانتفاضة. وكنت تابعت هذا الموضوع لاحقاً عندما رتب لي معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى لقاء مع ريتشارد هاس في أواخر حزيران/ يونيو 1993 وكان آنذاك باحثاً رئيساً في “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي” في العاصمة الاميركية. زرته في مكتبه وبعد تبادل الحديث عن أوضاع العراق تطرقت إلى زيارته وسكوكروفت إلى الرياض في 72/3 وأكد لي أن السعوديين كانوا في البداية عازمين على دعم الانتفاضة، لكنهم تراجعوا عن ذلك إثر زيارته وسكوكروفت الرياض. وسألته مباشرة هل غيروا رأيهم عن قناعة أم لأن هاس وسكوكروفت ضغطا عليهم لتغيير موقفهم؟ فوجئت برد فعل غريب من هاس. رأيت وجهه يزداد احمراراً، ثم نهض من مكانه مرتبكاً، وقال بحدة إنه ليس مستعداً للإجابة على هذا السؤال وأي سؤال آخر، لذا فإنه لا يريد استمرار اللقاء. من جهتي، نهضت ولملمت أوراقي وودعته وغادرت مكتبه، متوجهاً نحو المصعد لكنه لحقني قبل أن يصل المصعد واعتذر عن رد فعله السلبي ودعاني إلى العودة إلى مكتبه مجدداً، فوافقت. عاودنا الحديث فقال إنه لا يستطيع أن يجيب على أسئلة تكشف أموراً، لا يستطيع أن يكشفها، فواصلنا الحديث في قضايا أخرى. أكملت اللقاء وخرجت من مكتبه بقناعة تامة بأن رد فعله العنيف على سؤالي كان دليلاً مقنعاً كافياً لي على أنه وسكوكروفت مارسا بالفعل ضغطاً على الرياض لتغيير موقفها من الانتفاضة في العراق. هكذا نحج النظام العراقي في سحق الانتفاضة لتبدأ أكبر عملية هجرة للمدنيين الكرد عبر الجبال باتجاه تركيا وايران ليتبعها القرار الاميركي بدعم إقامة الملاذات الآمنة لإعادة الكرد إلى ديارهم ومن ثم بدء المفاوضات بين القيادة الكردية وبغداد وموقف الأميركيين والروس منها. وفي هذا الإطار، يأتي اتصالي بطلب من جلال طالباني بالسياسي السوفياتي يفغيني بريماكوف الذي كان توسط في مفاوضات 1970 لتحقيق الحكم الذاتي للكرد في العراق.
تحسين قادر مقدمة لم يكن العراق عبر التاريخ المعاصر بلداً موحداً، إذ تم بعد الحرب العالمية الأولى ربط الولايات الثلاث، البصرة وبغداد والموصل وإلحاق جنوب كردستان قسراً بها بغرض تشكيل العراق الحالي منها. لا يمتلك أي من المكونات العراقية أي انتماء حقيقي للعراق، فكل منها ينتمي إلى نفسه وإلى الجذور الإثنية والمذهبية لھا خارج العراق، أكثر من انتمائه إلى العراق. العراق الموحد على مدى القرن العشرين وما مر من القرن الحادي والعشرين ظهرت أربعة اتجاهات سعت إلى تأسيس العراق الموحد وإعطاء المكونات القومية والدينية والمذهبية الهوية العراقية: الاتجاه الأول: محاولة الإنكليز وفئات من الشخصيات البارزة للمكونات (بخاصة النخبة العربية السنية)، إذ كانوا يرومون تأسيس بلد دستوري تكون المواطنة فوق كل الاعتبارات والانتماءات الأخرى. لكن المشكلات البنیویة للمجتمع كانت عقبة أمام نجاح هذا الاتجاه، ومع حلول 14 تموز 1958 وإسقاط الملكية وتعطيل البرلمان وغروب سلطة الإنكليز.. فشلت تلك المحاولة. الاتجاه الثاني: كان الحزب الشيوعي العراقي يسعى إلى تأسيس «وطن حر وشعب سعيد» من منظور وحدة الطبقة العاملة العراقية، إلا أن مسعى هذا الحزب لم يحالفه النجاح رغم النضال الدؤوب والتضحيات الكثيرة له. وبسبب تفاقم أسباب ذاتية وموضوعية، داخلية وعالمية، لم يستلم هذا الحزب السلطة، وفي النهاية تكبد خسائر فادحة، وراحت أتعابه أدراج الرياح، إذ تغلغله الانشقاقات والانقسامات، ورغم إخلاص الحزب ونواياه الطيبة، فإنه لا يستطيع اليوم، إلا بصعوبة بالغة جداً، الحصول على مقعد واحد في برلمان العراق أو في برلمان إقليم كردستان. ففي العراق والإقليم، يطغى ويسيطر القادة والعشائر والأحزاب المؤسسة باسم الدين والقومية والميليشيات على الوضع والموقف. الاتجاه الثالث: الدكتاتورية والحزب الشمولي النامي بين السنة باسم الاتجاه القومي العربي، التي حكمت العراق من 1963 حتى 2003 بالحديد والنار ولم تتورع عن ممارسة العنف والإبادة الجماعية باسم عمليات الأنفال للمكون الكردي، وممارسة أقسى أنواع القتل والظلم إزاء الشيعة والمكونات الأخرى وكافة أنواع وأطياف والمعارضة! وفي النتيجة تسببوا في اشتعال حروب داخلية و خارجية متتالية.. ومن جانب آخر أبعدوا الشيعة والكرد عن السنة، وجعلوا من العراق سجناً وجحيماً للجميع (ما عدا الأقلية الحاكمة المتسلطة). الاتجاه الرابع: وفي عام 2003 استأنفت وعاودت القوات الأمريكية المحاولة الانكليزية الفاشلة، بغية تأسيس عراق جديد يضم جميع المكونات مع الحقوق المتساوية، ومن أجل ذلك فرضت – عنوة – دستور عام 2005. في الحقيقة، لم يكن عراق ما بعد 2003 جديداً بل كان محاكاة سافرة للعراق القديم، ولم يكن حديثاً بل كان قديماً من ثلاثة جوانب: 1- كانت النخبة وأصحاب القرار العربي يحملون الأفكار والبنى الأيديولوجية التقليدية للعراق القديم. 2- كان الطرف الكردي ملتزماً وأسيراً بفكرة الحكم الذاتي والاكتفاء به والحفاظ على وحدة العراق القديم. وما مشاركة هذا الطرف في العملية السياسية في العراق إلا من أجل المال والمحاصصة الإدارية والامتيازات الشخصية والأسرية والحزبية. في الحقيقة، لم يكن القادة الأكراد والأحزاب الحاكمة في كردستان عراقيين ولا كردستانيين في الفكر والممارسة، بل كانوا ولا يزالون يفتقرون إلى استراتيجية قومية ووطنية واضحة ومدروسة، واتبعوا سياسة يومية وقصيرة الأمد للاحتفاظ بالسلطة وجمع المال لهم ولأبنائهم وذويهم. 3- أصر المجتمع الدولي - وبالأخص أمريكا - على إبقاء العراق القديم موحداً من منظور الجيوستراتيجية القديمة للحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط، بخاصة في منطقة الخليج لصد المخاطر الإيرانية. ويتضح ذلك من خلال ملاحظة الأمريكيين أن القادة الكرد (مثلما روى ذلك بريمر في مذكراته)، كانوا يولون المال أهمية كثيرة لهم ولأحزابهم... فلجأوا إلى اتباع سياسة الترغيب، لترويضهم وإقناعهم، فتيسر لهم تشكيل العراق القديم من جديد من دون أن يواجهوا أي مشكلة. ونظراً لغياب ثقافة الديمقراطية وعدم الإيمان بسيادة القانون، وحرية التعبير والمساواة بين الأقوام والأديان والطوائف وحقوق الإنسان، باءت هذه المحاولة أيضا بالفشل، فأهملَ المكونُ الشيعي، بحكم الأكثرية في البرلمان والحكومة، تطبيقَ معظم فقرات الدستور (على سبيل المثال تشكيل المجلس الفيدرالي والمادة 140). وفي الوقت الراهن يتراجع الشيعة عن الدستور بشكل رسمي وفعلي، يظهر ذلك من خلال اتخاذ الموقف المتشدد والمتشنج إزاء حقوق ومستحقات الإقليم، وإهمال حل مشاكل المناطق المتنازع عليها وحسمها، وإصدار عدد كبير من القوانين التي تحط وتقلل من قيمة وأهمية حقوق الإنسان! ويشكل ذلك إحباطاً كبيراً لأمريكا بعد أفغانستان، خلال العقدين المنصرمين من القرن الحادي والعشرين، لذلك يُعد انسحاب أمريكا وقواتها أمراً متوقعاً. يسلط المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه الموسوم (بناء الدولة) الضوءَ على ذلك الإحباط والتراجع الأمريكي. ومن الأهمية بمكان، أن نذكر الجميع في هذا السياق، أن المفكر الكردي الدكتور برهان ياسين (الأستاذ الجامعي في السويد) قد أطلعَ القادةَ على مجموعة من التوقعات والسيناريوهات، في رسالة له وجهها إلى الحزبين الحاكمين في كردستان، منها مخاطر إعادة وتكرار المشروع البريطاني في ثوب أمريكي وتوقع إحباط هذا المشروع، مثلما وجدنا فشل المشروع البريطاني مع انهيار النظام الملكي السابق. لقد صاغ الدكتور برهان ياسين توقعه هذا في سؤال: إذا كان المشروع البريطاني العراقي الداعي الى توحيد العراق قد انتهى في الثمانين سنة الماضية بتاريخ مليء بالدماء. فما الذي يضمن أن يكون المشروع نفسه ناجحاً في ثوبه وصيغته وصبغته الأمريكية. وفي الرسالة نفسها يثير الدكتور برهان سؤالاً مهماً أمام قيادة الحزبين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حين يقول متسائلاً: هل يشترك الكرد ويسهم في تأسيس وتشكيل دولة من جديد ثم ينصرف بعدئذ الى المطالبة بحقوقه من الدولة نفسها؟ بإمكان القارئ قراءة الرسالتين في الرابط أدناه: http://burhanyassin.com/2%20name%20bo%20hkumetekan ولابد من القول، أن الدكتور برهان قد انصرف منذ سنوات الى التنظير لخيبات أمل ثلاث: (ولمزيد من التفاصيل، ممكن الاطلاع على الرابط أدناه: http://burhanyassin.com/Helbijardinekan-dr.%20Burhan%20Yassin 1- خيبة الأمل الناجمة عن موقف السنة ازاء الشيعة وموقف الشيعة ازاء السنة. 2- يأس الكرد من موقف الشيعة والسنة على حد سواء. 3- خيبة أمل أمريكا من مشروع العراق الموحد (عراق الشيعة والسنة والكرد)، أي اليأس من وهم العراق الجديد الذي أرادت أمريكا تشكيله لتضمن فيه مصالحها وتسعى إلى الحفاظ عليه. يعتقد الباحث أن أحد السيناريوهات القوية المتوقعة هو وصول تلك الخيبات الثلاث إلى القمة في وقت واحد، حينئذ يصبح تفكك العراق أمراً حتمياً). ويبدو أن المصالح الأمريكية والفرص والتهديدات في الشرق الأوسط التي تتمثل في (النفط والغاز، الأمن الإسرائيلي، الأسلحة النووية الفتاكة والعنف والإرهاب الإسلامي) يعاد النظر فيها، بمعنى أن الحكومة الأمريكية لا تتخلى عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بل يتم العمل والتعامل معها بوسائل وسبل مختلفة، منها تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية التي بدأت بالإمارات والبحرين، والتي بالتأكيد ستعقبها سيناريوهات أخرى. تجربة جنوب كردستان كانت كردستان على مدى التاريخ ضحية المعادلات الدولية والإقليمية، ناهيك عن العوامل الداخلية. ولقد طرأت تغيرات على المعادلات الدولية منذ عام 1991 لصالح جنوب كردستان، وإن أهم ما تمخض عن هذا التغيير هو انتخابات البرلمان وتشكيل حكومة إقليم كردستان في عام 1992. ومنذ عام 2003 استطاع الكرد بسط سيطرتهم على غالبية جنوب كردستان، من ضمنها مدينة كركوك، وسنحت الفرصة الذهبية لبناء حاضر ومستقبل مشرق للجميع. ولكن لعدم وجود قيادة تاريخية، والتحزب والصراع بين الأحزاب الحاكمة على السلطة والمال، لم يوضع ويُشرّع دستور لإقليم كردستان، وكنا نأمل ذلك، بعد أن توفرت آنذاك فرص ثمينة، قبل وضع الدستور للعراق. ولم يُبذل (في السنوات الخمس عشرة الأخيرة) أي جهد باتجاه تحقيق ذلك، حيث لم تؤسس أجهزة ومؤسسات دستورية، ولم تفصل السلطات عن بعضها البعض، ولم تتحول الأحزاب إلى أحزاب مدنية مجردة من السلاح، ولم تُوحد قوى البيشمركة في إطار جيش نظامي وطني موحد، وأُهمِلَ تشيكلُ محاكم عادلة جريئة ونزيهة، ولم يكترثوا لإجراء الانتخابات في أجواء حرة ونزيهة، ليتم تداول السلطات في جو سلمي آمن. ومن جانب آخر لم تتم صياغة البنى الاقتصادية والمالية المنتجة. وإضافة إلى ذلك لم يوضع نظام مصرفي وضريبي لضمان معالجة البطالة، ولم نجد تحركاً جدياً بهدف إنشاء سوق حرة، ولم تجر إحصائية، من جانب آخر لم يتم الحفاظ على حرية التعبير وحقوق الإنسان والسعي لتحقيق المساواة بين الجنسين..... صفوة القول إنهم حالوا دون تحويل المجتمع المتحزب المسلح إلى مجتمع مدني حقيقي! التشاؤم إزاء مستقبل العراق والإقليم سأكون متشائماً في هذه الظروف بصدد توجه العراق، في ظل هذا النهج والبنى الطائفية المسلحة، نحو التمدين ومعالم الدستور، وقس على هذا النحو كردستان حيث لا نرى في ظل حكم القادة الجائرين والأحزاب المسلحة أي أفق رائق وواضح يبشر بالخير. لقد عانينا الدمار ورأينا أشباح الحروب وعمليات الأنفال العسكرية والإبادة الجماعية، وهذه كلها تجارب مريرة في ماضينا، يُتَوَقَعُ ونتوقع حدوثها في راهننا ومستقبلنا کما جرى للإيزيديين. إنها تجارب تسبقنا وتعيش معنا، حيث اقترفت جرائم إبادة بنوايا وأغراض طائفية ومذهبية مختلفة في بداية ظهور داعش وزواله. وبعد استفتاء 25 أيلول وهجمات 16 أكتوبر 2017 على سكان كركوك والمناطق المتنازع عليها. ففي ظروف كهذه تتخلف الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للعراق وكردستان وتتفاقم أكثر حد الوصول إلى الانهيار والانحلال. ولا تثمر علاقات سلطات المركز مع سلطة الإقليم شيئاً لصالح الطبقات المسحوقة في كلا الطرفين، بل تصب في مساومات رخيصة وقصيرة الأمد للذود عن الامتيازات الشخصية والعائلية والحزبية لحكام كلا الطرفين، العراق والإقليم معاً. ينال الشعب المظلوم في كردستان والعراق بشكل عام القسط الأوفر من البؤس والفاقه والعوز وخصوصا سكنة مناطق كردستان الخارجة عن حدود الإقليم، والأقليات القومية والدينية للمنطقة.. فيكونون الضحية الأولى في الصراع مثلما كانوا في الماضي. بصيص أمل إن توعية الفرد وتقويته لينال حريته وليتمتع بها، والوصول إلى قناعة تفيد ضرورة تَكَّون وبناء المجتمع من أفراد أحرار في ظل المساواة والعدالة على أساس المواطنة، وتمييزهم وتنظيمهم في إطارات مدنية متنوعة، خارج الحزب والسلطة المستبدة الفاسدة في العراق وكردستان، وبناء الحوار وتوطيد جسر العلاقات المتنوعة بين الأكاديميين والناشطين المستقلين ومنظمات المجتمع المدني في العراق والإقليم، تكون مفتاحاً لحل الأزمات. إن إحدى المشاكل الكبرى التي خلقت البؤس للشعب الكادح من كلا الطرفين، هي هذا الإطار العراقي المصطنع قسراً! الذي لا يستفيد منه سوى القادة الفاسدين والأحزاب والميليشيات العائدة لكلا الطرفين، لقد جعلوا من هذا الاطار حجة لعسكرة المجتمع وإشعال الحروب المتتالية التي لا يقف وراءها أي مبرر. «فالفاشية تولد الحرب.. وتخلق الحرب الفاشية». من جانب آخر نرى أن كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر لإخفاء عيوبه ونواقصه الصارخة في الإدارة والحكم الرشيد. فعلى سبيل المثال تجعل الحكومة العراقية مسألة النفط والمعابر الحدودية وعدم تسليم الموارد الداخلية من قبل الإقليم حجة لإخفاء مساوئ حكمها الطائفي والفاسد، فيستشهد بأن الإقليم كله لا يساوي محافظة البصرة من حيث سعة الموارد!. ومن جانب آخر اتخذت حكومة الإقليم من قطع رواتب الموظفين من قبل بغداد حجة تغطي بها إحباطها وعجزها في إدارة الحكم وفسادها المستشري في كردستان منذ ثلاثين عاماً! ففي ظرف كهذا فشلَ المجتمعُ السياسي وأجهزة الحكم في العراق وكردستان في إدارة حكم البلد، وتطبيق الدستور، وحماية السلم والوئام الاجتماعي وحفظ حقوق الإنسان، وتأمين الحياة والعيش وضمان رواتب الموظفين. نعم فشلت في حماية الحدود وسيادتها على سماء وأرض البلد... والأخطر والأنكى من ذلك كله عدم تحقيق المساواة والوئام بين المكونات، بل على العكس من ذلك خُلقت وتُخلق أزمات مستدامة بينهما، إلى حد النزاع العنيف والحروب التي راح أبناء الفقراء ضحايا فيها وأصبحوا وقوداً لنارها. من هنا ولهذا، سيكون حوار المفكرين والأكاديميين والنشطاء والمنظمات المدنية والنقابات الحقيقية والمتظاهرين لكلا الطرفين حول المواضيع كلها، بخاصة ما يتعلق بحق تقرير المصير وتفكيك هذا الإطار الخالق للأزمة والجور، شيئاً مصيرياً للجميع. وإن تحقيق حق تقرير المصير لشعب كردستان وكافة المكونات العراقية يخدم الجميع من دون أي تمييز. وأود أن أقول بالتحديد، بقدر ما يكون استقلال كردستان مفيداً وضرورياً لشعب كردستان، بقدر ما يكون، بل على نحو أكثر، ضرورياً لتحرر شعب العراق وكافة مكوناته. إن تغيير السلطة ونجاح النضال المدني والتخلص من هؤلاء القادة المستبدين والأحزاب الفاسدة والميليشيات العائلية والطائفية سيكون أسهل ويتيسر لكل مكون، إذا استقل الأكراد و المکونات و أصبح لهم كيانهم الخاص.
عبد الرحمن الراشد واحدة من الإشكالات الخطيرة التي واجهت السعودية، وبقية الدول الحليفة للولايات المتحدة في الفترة الرئاسية الثانية لباراك أوباما، فلسفتها لما تراه استراتيجية للمرحلة الجديدة. أوباما كرَّر الحديث عنها لكنَّها كانت تعكس رؤية فريق كبير من راسمي السياسة العليا. باختصار شديد، يرى هؤلاء أن مفهوم المصالح العليا تغير كثيراً عمَّا كان عليه بعد مرحلة الحرب العالمية الثانية. الصين، وليست روسيا، هي التحدي الاقتصادي والسياسي، والمصالح مع شرق آسيا. التوجه شرقاً سيكون على حساب الغرب والشرق الأوسط الذي تراجعت أهميته مع تزايد إنتاج أميركا للبترول الصخري فجعلها دولة مصدرة وغيّر تاريخاً طويلاً من العلاقة بين الجانبين. بدأ الانسحاب العسكري الأميركي من المنطقة وتراجع النشاط السياسي بناء عليه. لكن السنوات التالية بيَّنت أنَّ الأمور لم تكن بتلك البساطة. فالتهديد النووي الإيراني خطر عالمي وإن كان بعيداً. الإرهاب يمكن أن يعود ويهدد الولايات المتحدة في عقر دارها. والصين نفسها تزحف باتجاه آسيا وأفريقيا وتستولي على المناطق التي رسمتها على خريطة مشروعها الضخم «الحزام والطريق» الذي يتمدد مثل التنين إلى جنوب شرقي آسيا وأوقيانوسيا وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وطريق بحر الشمال الروسي، ووقعت مع بكين 126 دولة، وأصبحت باكستان تقريباً صينية، بعد أن كانت سابقاً في الفضاء الأميركي. دول النفط الشرق الأوسطية مهمة للغاية كونها المورد الأول للطاقة، والسعودية أكبر مصدر نفطي للصين. هذه تجعل واشنطن تعيد تفسير مفهوم المصالح العليا في ضوء تنافسها الدولي. هذه الصورة من فوق للعلاقات الدولية وعودة التنافس على المنطقة. والتفاصيل الصغيرة لا تخرج عنها. ليست للولايات مصلحة في ترك اليمن مثلاً دولة فاشلة وبؤرة تنمو فيها الميليشيات الحوثية و«تنظيم القاعدة» وتصبح تحت سيطرة إيران. وهي لا تريد القتال هناك، وبالتالي ليس لها خيار سوى دعم التحالف العربي بقيادة السعودية. من جهة تريد واشنطن إرضاء المنظمات التي تدعو لوقف الحرب لأسباب إنسانية، لكنها لا تملك حلاً ينهي سبب المأساة الحقيقي وهو استيلاء الحوثيين على اليمن. ومن جهة أخرى يريد بايدن دعم التحالف وتعزيز نفوذ بلاده من دون التورط العسكري مباشرة. والحقيقة أن إدارتي أوباما وترمب السابقتين كانتا مع دعم التحالف وبيعها الأسلحة رغم التصريحات التي توحي بعكس ذلك. وحتى ما هلَّلت له وسائل الإعلام المعادية برفع إدارة بايدن اسم الحوثي من قائمة الإرهاب لتعكس قرار إدارة ترمب، فإنَّ القرار ينسجم مع بحثها عن حل سلمي حيث لا يمكن التفاوض مع الحوثيين إذا كانوا على قائمة الإرهاب. ولا بد من التذكير أن ترمب لم يصنف جماعة الحوثي إرهابية إلا قبل 10 أيام من خروجه من الرئاسة. أما تصريحات واشنطن ودعواتها للسعودية ومصر ودول المنطقة حول تعاملها مع ما تعتبره قضايا حقوقية والمطالبة بالإفراج عن موقوفين، فهو عرف يتكرَّر مع معظم الحكومات الأميركية، لكنَّها لا تستطيع أن تفرض على هذه الحكومات تغيير قوانينها ولا الإفراج عمن تعتبره يهدد أمنها. وقد تغادر الإدارة الأميركية الحالية من البيت الأبيض بعد سنوات قبل أن يخرج المحكومون في مدد طويلة. لهذا فإنَّ المراهنة على بايدن وإدارته في تغيير الأوضاع أو فرض الضغوط لا تنسجم مع المصالح العليا لهذه الدول المقدمة على مصالح الأفراد. كما أن تسويق مفهوم الوصاية والإملاء هو جزء من دعاية القوى العاجزة. الدول العربية تعرف أن المصالح طريق من مسارين. والولايات المتحدة كدولة في الأخير تحكم مصالحها مع دول المنطقة، وإلا لن تجد عندها اهتماماً بقضاياها أو شكاواها. الشرق الاوسط
حسني محلي تضع الأوساط التركية الرسمية العديد من السيناريوهات في ما يتعلق بالسياسات المائية التي تتضمّن دراسات جدية حول مصادر المياه، ومنها الأمطار والمياه الجوفية، إضافةً إلى الأنهار المذكورة التي يزيد عددها على 100 نهر. بعد أن أصبحت تركيا طرفاً أساسياً في مجمل تطورات الملف السوري مع سنوات ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وضعت أنقرة العديد من السيناريوهات والحسابات لعلاقاتها المستقبلية مع دمشق، وعبرها مع باقي دول المنطقة، وفي مقدمتها العراق المجاور لتركيا وسوريا وإيران. وتأتي مياه الفرات ودجلة والأنهار الصغيرة الأخرى (حوالى 12 نهراً مع سوريا و3 مع العراق) ضمن هذه الحسابات، وخصوصاً مع استمرار مواسم الجفاف التي يبدو أنها ستنعكس بشكل أو بآخر على سياسات أنقرة المائية مستقبلاً مع الدولتين المذكورتين. وكانت مياه الفرات دائماً مادة مهمة في المساومات التركية مع سوريا والعراق معاً أو على انفراد، منذ أن بدأت تركيا ببناء السّدود على نهر الفرات، وأولها سدّ كابان الذي تمّ افتتاحه في العام 1974، ثم سدّ كاراكايا في العام 1987. وكان سدّ أتاتورك الذي تمّ افتتاحه في العام 1991 هو الأهم في أزمة المياه بين تركيا وكل من سوريا والعراق، وخصوصاً بعد أن قال رئيس الوزراء سليمان ديمريل في العام 1991 "إن الدول العربية تبيع نفطها، فلماذا لا نبيع أيضاً مياهنا؟". وقد أصرّت أنقرة منذ البداية على بناء السّدود بعد أن رفضت التوقيع على الاتفاقية الدولية (1997) التي تنظم عملية الاستخدام المشترك لمياه المجاري الدولية المشتركة، ومنها النيل والفرات ودجلة، وهي تقول إنّ الأخيرين نهران تركيان عابران للحدود، وليسا نهرين مشتركين، ومن حقّها التصرف بمياهها كما تشاء، مع مراعاة مصالح دول المصب. تعود جذور أزمة المياه التركية مع سوريا والعراق إلى العام 1920، عندما تم التوقيع على اتفاقيات "ثلاثية وثنائية" بين وتركيا وكل من سوريا (مستعمرة فرنسية) والعراق (مستعمرة بريطانية) لتقسيم المياه وفق المعايير الدولية المتبعة آنذاك. وتضمّنت اتفاقية "لوزان" (1923) التي اعترفت الدّول الغربية بموجبها بالجمهورية التركية الحديثة، وريثة الدولة العثمانية، بنداً خاصاً بنهري دجلة والفرات جاء فيه: "لا يحق لأية دولة من هذه الدول الثلاث إقامة سد أو خزان أو تحويل مجرى نهر من دون أن تنسق مع الدول الأخرى لضمان عدم إلحاق الأذى بمصالحها". ومع استقلال سوريا والعراق، بقيت المياه مشكلة أساسية تعرقل إقامة علاقات ودية دائمة بين الدول الثلاث التي لديها ما يكفيها من المشاكل الأخرى التي منعتها من تطوير العلاقات في ما بينها، مع استمرار الشكوك السورية والعراقية دائماً باحتمالات أن يستخدم الجانب التركي المياه كسلاح ضدها. وقد بيّنت وثائق السفارة الأميركية في طهران (4 تشرين الثاني/نوفمبر 1979) "أن المخابرات الأميركية CIA اقترحت على مدير عام مؤسسة المياه الوطنية سليمان ديميريل في العام 1955-1956 بناء سدود كبيرة على الفرات، لتكون سلاحاً بيد أنقرة ضد سوريا التي كانت علاقاتها سيئة آنذاك مع تركيا". ويفسر ذلك فشل الاتفاقية التي وقع عليها الرئيس تورغوت أوزال في العام 1987 مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، بعد أن تأثرت بالتوترات التي شهدتها العلاقات بين البلدين، بسبب اتهام أنقرة لدمشق بدعم حزب العمال الكردستاني، إذا ما تجاهلنا قضية لواء الإسكندرون ذات التأثير النفسيّ. وقد تعهّد الجانب التركي وفق اتفاقيّة 1987 بترك 500 متر مكعب في الثانية من مياه الفرات لكل من سوريا (42%) والعراق (58%)، على أن تزداد هذه الكمية لتصل بعد 5 سنوات إلى 650 متراً مكعباً، مقابل تخلي دمشق عن هذا الدعم، من دون أن تمنع هذه الاتفاقية أنقرة من بناء سدي بيراجيك (50 كم عن الحدود مع سوريا) وقرقميش (على بعد 3 كم من الحدود السورية) وسدين على نهر دجلة، فيما تخطط مؤسسة المياه الوطنية لبناء ما مجموعه 22 سداً على النهرين المذكورين، لتصل كمية المياه التي سيتم تخزينها في هذه السدود إلى حوالى 140 مليار متر مكعب. وتخطّط أنقرة لريّ 1.8 مليون هكتار من الأراضي الزراعية بهذه المياه، كما تهدف إلى توليد 27 مليار كيلو واط /ساعة من الكهرباء (23% من استهلاك تركيا) من هذه السدود، إضافةً إلى حوالى 750 سداً بمختلف الأحجام (550 منها سد كبير) بنتها تركيا على عشرات الأنهار الصغيرة والكبيرة، ويزيد طولها داخل الحدود التركية على 20 ألف كم. وجاءت أقوال الرئيس إردوغان الأسبوع الماضي، إذ قال "إن تركيا ليست غنية بالمياه، كما يعتقد البعض"، لتثير العديد من التساؤلات حول احتمالات استخدام المياه كسلاح في مساومات أنقرة المحتملة مع سوريا والعراق، والأهمّ مع "قسد" ووحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على شرق الفرات بدعم من واشنطن، التي تتخوّف أنقرة من أن تسعى إلى إقامة كيان كردي مستقل في المنطقة، كما هو الحال في الشمال العراقي. وتضع الأوساط التركية الرسمية العديد من السيناريوهات في ما يتعلق بالسياسات المائية التي تتضمّن دراسات جدية حول مصادر المياه، ومنها الأمطار والمياه الجوفية، إضافةً إلى الأنهار المذكورة التي يزيد عددها على 100 نهر. وتقدّر هذه الدراسات الطاقة الإجمالية للمياه السطحية (الأمطار) والجوفية التي يمكن الاستفادة منها بحوالى 115 مليار متر مكعب، يتم استغلال حوالى 60 مليار متر مكعب منها سنوياً. ودفعت هذه الأرقام أنقرة إلى تنفيذ العديد من المشاريع لبناء السدود الجوفية، وهي تقنية جديدة تساهم في تخزين المياه الجوفية، كما هو الحال في الأنهار التي تبني عليها أنقرة سدودها. ولم تمنع هذه الحسابات أنقرة من الاستمرار في بناء مئات السدود على عشرات الأنهار التي تنبع في أراضيها وتصب في البحار (إيجة والأبيض المتوسط ومرمرة والأسود)، أو تغادرها إلى دول مجاورة أخرى، ومنها إيران وجورجيا وأرمينيا وبلغاريا واليونان، أو تأتيها من هذه الدول، في الوقت الذي نجحت تركيا في مد الأنبوب (80 كم) الذي ينقل المياه تحت البحر (75 مليون متر مكعب سنوياً) إلى شمال قبرص التركية مع حسابات لبيع هذه المياه للقبارصة اليونانيين، وحتى "إسرائيل"، فقد فشل الرئيس الراحل تورغوت أوزال في مشروعه لمد أنابيب المياه إلى "إسرائيل" مروراً بسوريا ولبنان، وأنبوب آخر يمتد إلى دول الخليج عبر الأردن لبيع مياه نهري سايهان وجايهان لهذه الدول. وترى العديد من الدراسات الأكاديمية في الغرب في المعطيات التركية سبباً كافياً لتخوّف كل من العراق وسوريا من الانعكاسات المحتملة لسياسات أنقرة مع الدولتين المذكورتين بالعنصر الكردي فيهما، فالجميع يعرف أن تنفيذ أنقرة مشاريعها على نهري الفرات ودجلة والأنهار الصغيرة الأخرى سيضع العراق وسوريا أمام تحديات جدية ستكون لها انعكاسات خطيرة على الزراعة والأمن الغذائي ومياه الشرب وتوليد الطاقة، وخصوصاً مع التقلبات البيئية التي تهدد بسنوات الجفاف، وفق كل الدراسات العلمية عالمياً. ومع استمرار أنقرة في سياساتها الحالية في سوريا والعراق، بات واضحاً أنها، عاجلاً أم آجلاً، ستستخدم المياه كورقة مؤثرة في مساوماتها مع دمشق وبغداد والكرد، المستفيد الأول من مياه الفرات ودجلة وباقي الأنهار الصغيرة، باعتبار أن السدود السورية في "قسد". ويفسر ذلك تواجد أنقرة في عفرين (نهر عفرين) غرب الفرات عموماً، إضافةً إلى المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض، حيث العديد من الأنهار التركية الصغيرة التي تدخل منها إلى سوريا، من دون أن نتجاهل تواجدها في جرابلس، مدخل الفرات إلى سوريا، ومحاولتها السيطرة على عين العرب (كوباني)، وهي على الضفة الشرقية للنهر، وهو الحال في شمال العراق، إذ نجحت تركيا في إقامة العديد من القواعد العسكرية في الجبال الاستراتيجية المطلة أو القريبة من المجاري المائية، ومنها دجلة والزاب الكبير. ويبقى الرهان أو الأمل في احتمالات العودة إلى علاقات الصداقة بين أنقرة وكل من دمشق وبغداد، وحتى إيران، وهي أيضاً طرف في قضية المياه، وخصوصاً مع العراق، فبعد أن نجحت أنقرة بعد العام 2003 في إقامات علاقات ودية مع سوريا والعراق وإيران وباقي دول المنطقة، أعلن الرئيس إردوغان، وقبله الرئيس عبد الله جول، أكثر من مرة، أنه "لم تعد هناك ما يسمى بمشكلة المياه مع الجارتين المذكورتين، ليعود ما بين النهرين من جديد مهداً للحضارات التي عاشت فيها قبل آلاف السنين"، وهو الكلام الذي أصبح في مهب الريح، كما أصبحت مشاعر الأخوة والصداقة بين أنقرة وكل من بغداد ودمشق في ذاكرة النسيان، بعد أن نجحت سياسات "تصفير المشاكل مع الجيران" في "تصفير الجيران"، وستكون المياه قريباً همها الأصعب!