لماذا تستعين فضائيات كردية بعارضات وراقصات؟

2021-04-03 10:17:12

صلاح حسن بابان


بخطوط وجه منفتحة، وابتسامة عريضة، ، تحدّثت المطربة الإستعراضية "جاني حيران" وهي من أكراد تركيا تعيشُ في إقليم كردستان العراق منذ سنوات عن إسقاطها أو "رميها" جنينها حسب تعبيرها دون ندم، وترى فيه المفخرة، أثناء رفضها دخول حبيبها السابق الذي قدّمت اسمه "مقدمة البرنامج" في لقاءٍ تلفزيوني بثته إحدى القنوات الكردية مكتوباً على قصّاصة صغيرة أعطتها إياها المقدمة، لتزيد من شعورها بالسعادة من "إسقاط" الجنين بإبتسامة عريضة وتأكيدها أنها غير "نادمة أبداً" معزّزة حديثها بإشارات لا تختلف قطعاً عن فرحة مقاتل خرج منتصراً من معركةٍ خاضها لعقودٍ من الزمن.

 

أشعلت "حيران" التي تجني 50 ألف دولار أميركي شهرياً - كما تقول- من غنائها في الحفلات بإعلانها إسقاط أو رمي جنينها الذي حبلت به من حبيبها سابق مواقع التواصل الإجتماعي في إقليم كردستان، وجعلته على صفيح من نار ملتهب، لتُكثر مطالبات تقديمها للقضاء ومحاسبتها قانونياً بتهمة "القتل العمد"، لتظهر مضطرةً وعلى وجهٍ سريع وخجول من على فضائية كردية أخرى لتسرد تفاصيل الحادث بأنّه حصل قبل نحو 15 عاماً عندما تزوّجت من شخصٍ إرتبطت به بعلاقة حبّ خلال تواجدها في تركيا. مبرّرة إسقاطها الجنين الذي لم يبلغ الشهرين من عمره داخل بطن أمه لخيانة الحبيب لها، مؤكدةً أنّها على علاقة به الآن لكنّه ليس سوى "حبيب" فقط وليس زوج.

 

لم تكُ حالة "حيران" هي الظهور الإعلامي الصاخب حصراً في الشاشات الكردية، بل سبقتها العديد من عارضات الأزياء والفنانات الإستعراضيات الكرديّات القادمات من تركيا وإيران وسوريا وغيرهن، ووجدنا في "بعض" القنوات الكردية المحلية التي تتبع في "الأغلب" لمسؤولين أو أبناؤهم بيئة خصبة لعرض أجسادهن ومؤخراتهن وصدورهن وشفايفهن المنتفخات، وعادةً يكون تمويل هذه القنوات من أموال النفط والتي تصل الى ملايين الدولارات شهرياً.

 

إتخذت الكثير من عارضات الأزياء أو الفنانات الإستعراضيات، أمثال "حيران" وغيرها من الفن غطاءً لتمرير ما يخدش المجتمع الكردي في السنوات الأخيرة تزامناً مع الإنكسارات والضربات السياسية والإقتصادية والإجتماعية الموجعة التي يتلاقها الإقليم الكردي سواء في صراعاته السياسية مع العاصمة بغداد حول حصته من الموازنة أو تأخر صرف رواتبه، أو الحرب الدائرة بين العمال الكردستاني والجمهورية التركية على أراضيه، وغيرها من الأزمات الداخلية الأخرى.

 

اعتقلت الشرطة المحلية في أربيل قبل أيام امرأةً كانت كثير الظهور في مواقع التواصل الإجتماعي تدعى "بيان" وهي متهمة بإدارة شبكة للدعارة في عاصمة الإقليم الكردي، إضافةً الى زج بعض "الفتيات" الهاربات من عوائلهن في أعمال الدعارة، كما حصل مع فتاة هربت من ذويها، لتجدها في ما بعد عند أحد الزبائن، بعد إعتقال "بيان" برفع دعوى قضائية ضدها من أمّ الفتاة.

 

لم تكُ الغرابة في إعتقال "بيان" التُهم الموجهة لها فحسب، بل الأدهى من ذلك أنها كانت تظهر على وسائل إعلام وقنوات كردية معروفة كأنها صاحبة إنجاز عظيم أو فنانة صاحبة أعمال ومشاريع فنية ضخمة، فضلاً عن متابعتها ومشاهدة مقاطعها الفيديوية آلاف الأشخاص، وهذه الحالة تتكرّر بإستمرار مع غيرها من "عارضات الأزياء" أو الفنانات الإستعراضيات.

 

المصادفة الغريبة واللافتة في أي ظهور إعلامي لـ"عارضات الجسد" أو فنانة إستعراضية أنها تصبح صاحبة مشاريع "ضخمة وعملاقة" إضافةً الى إمتلاكها سيارات فخمة وإرتدائها أرقى الموديلات من الفساتين والمجوهرات والملحقات الأخرى، ناهيك عن الثروة الكبيرة المحقّقة من عملهن، وتظهرها الشاشات الكردية كأنها سيّدة مجتمع وصاحبة الفضل على الناس، في وقتٍ لا يتعدى أعظم إنجاز لها حدود صدرها المنتفخ أو خصرها النحيف بعمليات التجميل أو فخذيها أو البوتكس في شفايفها.

 

عادةً تعزو بعض "العارضات" في لقاءاتهن التلفزيونية جمع ثرواتهن وإمتلاكهن السيارات الفاخرة والملابس المستوردة من ماركات عالمية من عملهن الذي غالباً يكون الترويج لإعلانات تجارية مختلفة، ليخرج الفنان الكردي الشعبي المعروف "حمكو" ويُزيل الستار عن المستور بمقطع فيديويّ قصير جداً يُمثّل فيه دور "عارضة أزياء" وهي تردّ على سؤالٍ يوجه لها: ما أسمكٍ وعملكِ، ومنذ متى وأنتِ تعلمين بهذا المجال، ومن أين جمعتِ كل هذه الأموال، وكم سيّارة تملكين وما نوعها؟ لتُجيب بردٍ أشبه ما يكون بقنبلةٍ من العيار الثقيل بالنسبة "لهن" بأنها تعمل "موديلة" منذ سنةٍ تقريباً ولها سيارتين من نورع جكلاس ورنجروفو وتملكُ صالون تجميل، إضافةً الى نيّتها فتح شركة".

 

لم يقف المتحاور عن توجيه هذه الأسئلة لـ"حمكو" العارضة فقط، بل زاد من إستفزازه لها بإستفسار عن السرّ من وراء ذلك في وقتٍ هناك العديد من الناس يعملون منذ سنوات طوال ولم يتمكنوا حتى الآن من جمع مثل هذه الثروة؟، ليكتفي "حمكو" العارضة بالإجابة من خلال الإشارة بيديه إلى "ما بين فخذيه" لأكثر من مرّة، دون أن يفهمه المتحاور، لتضطر إلى رفع وفتح "ساقيها" والقول بشكل واضحٍ وجريء: من خلال هذا.." أي "الجنس".

 

يكتفي "حمكو" العارضة في ردها على سؤالٍ للمتحاور عن الشخص الذي تدعمه بالقول فقط أنه "كثير الظهور في وسائل الإعلام، ويحضر اجتماعات مهمة..". في إشارة منه إلى "مسؤول رفيع صاحب سلطة ونفوذ"، وهي معلومة ليست بغريبة أو جديدة لدى الشعب الكردي.

 

يؤيد الصحافي الكردي بشدار فرج ما كشفه المقطع الفيديوي لـ"حمكو" عن وقوف "مسؤولين" داعمين للعارضات أو ممن يشبهن والظهور في القنوات والشاشات الكردية، في حين يُشير إلى الغاية من دعم أحزاب السلطة هكذا قنوات ودعم العارضات ومثيلاتهن بمشاريع ضخمة لتحقيق أهداف معينة أبرزها الوصول لجماهير أوسع تخدمهم أثناء الإنتخابات، فضلاً عن تحقيق أرباحاً طائلة من خلال المشاهدات الكبيرة التي تحقّقها البرامج التي تعرضُ هذه النماذج.

 

وما يعزّز رأي فرج أن الكثير من مقدّمات البرامج تقوم بالإضافة الى التقديم بالرقص والغناء وعارضة أزياء بإظهار المفاتن لتحقيق مشاهدات أكبر، لتختلط وتتشابك الصورة أمام المتلقي حول الشخصية الظاهرة في الشاشة، هل هي "مقدّمة برنامج" أم "عارضة أزياء" أم "راقصة"، دون أي مراعاةً للعادات والتقاليد المجتمعية السائدة في الإقليم وإن شهِد إنفتاحاً ثقافياً وفنياً  وحرية أوسع خلال السنوات الماضية لاسيما بعد  1991.

 

ينتقدُ الصحافي الكردي ضعف القوانين أو عدم وجودها أصلاً لمحاسبة هذه القنوات والمؤسسات الإعلامية التي تروّج لهكذا شخصيات، ويصفها بـ"الإنتهازية" تخلق وتنشر الفوضى والفساد.

 

بدوره يحذر الباحث الإجتماعي فريق حمه غيب من إستمرار هذه الظاهرة وإزيادها يوما بعد آخر في المجتمع الكردي التي مازالت الأسرة فيه تفتقد إلى الوعي الكافي للسيطرة على هكذا قنوات وعدم السماح لأبنائها بمشاهدتها، وينتقد غياب المستشار النفسي أو الإجتماعي في القنوات الكردية ليقوم بواجبه من خلال التحذير من بث أو نشر ما يضّر المجتمع والأسرة على حدٍ سواء.

 

يرى غريب أن المجتمع الكردي يكادُ يكون الوحيد على مستوى المنطقة يعاني من هذه الفوضى الخلابة والإنفلات المتعلق بالعمل الإعلامي والأعمال والبرامج الخاصّة بالذوق العام، مؤكداً ضرورة تشريع قانون لتنظيم ذلك وإلا أنّ إستمراره يعني إضطرابات وتراجع أكثر وحادّ على المستوى التعليمي والتربوي والنفسي على حدٍ سواء.

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand