خالد سليمان ان نمت مقاطع فيديو مُسرّبة من حفلة عثمانية-ذكورية أقامها الرئيس التركي أردوغان على شرف رئيس الحكومة العراقية مصطفي الكاظمي عن شيء، فإنما تنم عن نقاط ضعف أظهرت العراق كنمر يتضور جوعاً في صالة السلطان. يبدو ان أردوغان درس حفلة العشاء والموسيقى بعناية فائقة، ولذلك طلب من الكاظمي تمديد زيارته لنهار أو ليلة اضافية. للوهلة الأولى، ما يلفت الانتباه في الحفل، هو ان أعضاء الوفد العراقي منهمكين بتناول العشاء بشكل يظهر عليهم جوع شديد. هل تقصد أردوغان تأخير العشاء وإظهار وفد عراقي رسمي يمثل الدولة من أعلى مستوياتها بهذا الشكل المهين؟ هل كانت حفلة العشاء مدرجة ضمن أجندة الزيارة، أو تم ارتجالها بناءً على رغبة أردوغان؟ انه سؤال قد يجيب عليه الصحفي مشرق عباس، لأنه رافق رئيس الوزراء في زيارته غير الناجحة، ولأنه صحفي ويفترض ان يدفعه الفضول الصحفي الى مصادر المعلومات عن دوافع حفلة عشاء، كانت ارتجالية أغلب الظن. في حالة وجود الدولة وسياسات خارجية وبروتوكولية "صحية" ان صحت العبارة، يتم تنظيم مثل هذه الحفلات الفنية بالاتفاق مع المؤسسات الفنية والفنانين وتُقدم أعمال فنية ابداعية ورصينة، لأن الهدف وراء ذلك هو التعرّف على أصالة وتطور فنون الموسيقى والغناء وهوية البلد الثقافية. ما حصل في حفلة أردوغان المقامة على "شرف العراق" كان ضد القيم الفنية والثقافية التي يمكن من خلالها بناء الشراكة والتعاون، ذاك ان الحفل الغنائي بدا وكأنه شكل من أشكال التسلية وحط من شأن الفنون العراقية. ونترك قيام الرئيس التُركي بتعديل قميص رئيس الوزراء العراقي جانباً. كان من المفترض ان يتم تخصيص الوقت الكافي لبحث القضايا المتعلقة بالمياه، ولكن أردوغان أنهى كل شيء بتصريح مقتصب أشار فيه الى عدم وجود مشكلات بشأن المياه. ولكن أردغان لا يعترف حتى بتعريف الأنهار الدولية لنهري دجلة والفرات، وبإمكان الكاظمي استشارة سفير حكومته في أنقرة، حسن الجنابي، حول هذا الأمر. ولا أهمية للحديث عن اتفاق ثقافي مفترض بين البلدين، لأن الحفل كان تعبيراً دقيقاً عن هذا الجانب، أما الجانب الأمني، فحدث ولا حرج: كانت الطائرات التركية تقصف قرى إقليم كُردستان، حتى أثناء حفلة العشاء. اقتصر وجود الإعلام ضمن الوفد العراقي على شخص مشرق عباس، وهو كان من المدافعين عن ساحات الإعتصام ولم يترك منصة إعلامية الا ودعى من خلالها الى التغيير والاصلاح والقضاء على الفساد. لكنه بدا في حفل أردوغان كشخص منسي في وسط الصالة يتناول عشاءه، إنما بنهم أقل من الآخرين. يا ترى ماذا يحمل مشرق في جعبته من المعلومات حول زيارة مصطفى الكاظمي الى تركيا؟ وماذا يقول للشباب الذين دفعهم للاحتجاج في ساحات المدن العراقية؟ ماذا يقول لذوي شهداء ساحات الاعتصام؟ ماذا عن تلك الرسائل الفيسبوكية التي هاجم من خلالها زملاء المهنة، لأنهم أنتقدوا علاقاته الوثيقة بدوائر السلطة، وهل يعود يقول بأنه رافق الكاظمي الى تركيا كصحفي "مستقل"؟ ما هو شعوره وهو يشاهد نفسه في حفلة عشاء، أقامها مستبد يقبع عدد كبير من الصحفيين الأتراك في أسوء سجونه؟
ابراهيم الصميدعي اصدر كل من البنك المركزي العراقي ووزارة المالية اليوم بيانيين منفصلين يبرران اسباب رفع سعر صرف الدولار الى ١٤٥٠ دينار للدولار باعتبار ذلك احد وسائل معالجة الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالعراق ، وشخصيا اتفق مع الطرفين على صحة هذا الاجراء حيث اعتمدت خطة محاولة تجاوز الازمة خليطا من العلاج بالتضخم ( رفع سعر الصرف ) والعلاج بالتقشف ( تخفيض مخصصات الرواتب ) ، ولكي لا اتهم انني ضد الموظف اقول اقتصاديا قد توجد بعض المساعدات على تطبيق هذا الحل لكن لا توجد حلول بديلة له للاسف ، كما تلاحظون ان ايرادات النفط وهي الايرادات الحقيقة تشكل حوالي نصف الموازنة والبقية ارقام فقط و ( عجز ) . لكن اكثر من سؤال هن يطرح نفسه هنا وبقوة ؟ - اين كانت حكومة الكاظمي عن الشروع مبكرا بهذه الحزمة من الحلول وانا شخصيا ( عندما كنت اعتقد انه صديق ) تكلمت معه اكثر من اربع مرات في هذا الموضوع ( والله انفردت به في الاسبوع الاول التكليف وقلت له اخي هذه مشكلتك الاولى دعم من تستعير بشاعر او صحفي يكتب لك برنامج حكومي تسفيط ) ، وتكلمت عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي عشرات المرات وحتى قبل تكليف الكاظمي ( لمن يريد ان يتذكر ) - السؤال الثاني والمهم جدا ، اين كانت الحكومة والبنك المركزي تحديدا وحتى وزارة المالية المجهزة للدولار مما يجري في البنك المركزي من صفقات مشوبة في الفساد للتلاعب بنافذة بيع العملة لمصلحة مصارف معينة مدعومة من اطراف معينة وقيادات معينة ( اتشرف انني ايضا اولا من اقترب من اسوارها بتلميحات اقرب للتصريح بحسب وضعي الامني والقانوني ) ولماذا لا تحاسب الحكومة والبنك هولاء المستفدين من هذه النافذة على ما افتعلوه من احتكار متعمد للدولار وعدم طرح كميات كافية في الاسواق للمستحقين الفعليين ( التجار المستوردين فعليا واصحاب الحوالات ) لكي يجعلوا الفرق هائلا بين السعر الدولار في البنك المركزي وسعره في السوق ؟؟؟ - ومن يضمن ان يلتزم اصحاب المصارف بسعر الصرف المثبت في الموازنة ١٤٥٠ ولا يحتكرون الدولار اكثر ويدخلوه في انفاق مضاربة وتهريب اخرى ترفع سعره في السوق الى مستويات اعلى لكي ينعكس الفرق فقط على رأس المواطن البسيط لان التاجر الحقيقي المستفيد من الدولار لايمكن ان يبيع بضاعته المستوردة باقل من قيمتها ؟ - التساؤل الاخير والاكثر اهمية هو ان كل هذه الاجراءت ستكون عديمة الاهمية والقيمة مالم تضبط الدولة فوترة الاستيرادات مركزيا ويحول الدولار بموجبها ، عيب فاحش ان تضحكون على الشعب ونحن نعرف لمن تتبع المصارف الاهلية ومن يستفيد منها ونعرف يقينا انها ليست هي الجهات المستوردة وان كل فواتيرها مزورة وان المستورد الحقيق وصاحب الفاتورة الحقيقة يشتري الدولار من السوق بعد ان تضع مافيا المصارف هامشها التي تقرره على فرق سعره من المركزي ، العملية لا تحتاج اكثر من لحظات شرف قليلة وقليل من الادارة لكي تنظم قوائم الاستيراد حسب الحاجة اليها وبما يحمي المنتج المحلي ، ويحفظ نزيف الدولار المؤدي حتما الى انهيار اقتصادي قريب يتبعه انهيار سياسي وامني كامل هذه المرة لا اخاطب الشعب ولكن اخاطبكم انتم الحكام والرؤساء والمسؤولين ، انتم اصحاب البنوك وشركاء اصحابها والكلام لصالحكم ان اردتم بقاء ( بقرة الدولة ) لكي تستمعوا بالمال والسلطة وقتا اطول وليس ذبحها مرة واحدة ويموت امامنا وطن انتم اسؤا من اغتصبه . حسبنا الله ونعم والوكيل
بقلم أياد السماوي.. كنت ولازلت وسأبقى أكرر أن العراق بعد سقوط نظام البعث المجرم سنة 2003 , قد وقع فريسة بيد عصابات ومافيات الأحزاب السياسية الحاكمة الفاسدة .. ولعلّ نافذة العملة هي واحدة من أكبر جرائم الفساد المنّظم التي انتهجتها هذه العصابات في العراق بعد سقوط الديكتاتورية .. ونافذة العملة ببساطة هي إحدى الأدوات المباشرة التي تستخدمها البلدان ذات الاقتصادات الريعية .. حيث تمّثل هذه النافذة آلية مباشرة للتدخل في سوق الصرف من أجل الحفاظ على استقرار سعر الصرف والمستوى العام للأسعار والحد من التضخم .. بعد سقوط الديكتاتورية في العراق عام 2003 , استحدث البنك المركزي العراقي نافذة العملة كوسيلة لضمان واستقرار سعر صرف الدينار عبر تلبية متطلبات الاقتصاد العراقي من خلال توفير العملة الاجنبية لتغطية استيرادات القطاع الخاص من السلع والخدمات ، إضافة إلى احتياجات المواطنين لأغراض السفر والمعالجة الطبية والدراسة خارج العراق .. وواضح أنّ الهدف من استحداث هذه النافذة هو لضمان استقرار سعر صرف الدينار العراقي والحفاظ على المستوى العام للأسعار .. ولم يجري في خلد الذين استحدثوا هذه النافذة أنّها ستكون أداة بيد هذه العصابات الحاكمة لاستنزاف العملة الأجنبية التي تدخل إلى العراق من خلال عائدات بيع النفط .. وعملية بيع الدولار إلى المصارف الأهلية المملوكة من قبل العصابات الحاكمة , تحوّلت إلى نزيف دائم لعائدات العراق من العملة الأجنبية .. حيث سيطرت بضعة مصارف أهلية تابعة لهذه العصابات على نافذة العملة في العراق والتّحكم بسعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي , حتى بلغ سعر الدولار في بورصة الكفاح إلى 1232 دينار لكل دولار , علما أنّ هذه المصارف تشتري الدولار بسعر 1190 دينار لكل دولار .. والمصيبة أنّ البنك المركزي والحكومة ومجلس النواب والقضاء العراقي وهيئة النزاهة , بل وحتى عواهر البتاوين والميدان تعلم علم اليقين أنّ استيراد العراق من السلع والخدمات لا يساوي عشرين بالمئة من قيمة الدولار المباع لهذه البنوك سنويا .. وحتى هذه العشرين بالمئة التي تدخل إلى البلد كسلع مستوردة يمكن الاستغناء عن خمسين بالمئة منها , فهي سلع غير ضرورية .. فإذا كان الأمر كذلك وهذه النافذة تمّثل حريقا واستنزافا دائما لموارد العراق من العملة الأجنبية , فلماذا لا يذهب القائمون على رسم السياسة النقدية في البلد لغلق هذه النافذة التي استنزفت هذه الموارد والاستعاضة عنها بنافذة آخرى ؟ وهل فعلا أنّه من المستحيل إلغاء نافذة مزاد بيع العملة ؟ هل فكرّت الحكومة مثلا بتسليم نصف رواتب الموظفين والمتقاعدين بالدولار وإلغاء نافذة مزاد بيع ؟ كيف يمكن للبنك المركزي العراقي أن يقوم بدوره في تحقيق التوازن بين السياستين المالية والنقدية والتوازن بين العرض والطلب إذا كان محافظ البنك المركزي نفسه أداة طيّعة بيد العصابات الحاكمة ؟ وهل سأل أصحاب القرار أنفسهم لماذا هذا الارتفاع الصاروخي بسعر صرف الدينار العراقي ؟ وأين هي لجنة أبو رغيف عليه الصلاة والسلام مما يجري ؟ أليس ما تقوم به هذه البنوك التي تشتري الدولار من البنك المركزي عملا يرتقي إلى الخيانة العظمى ؟ إن لم يكن استهداف استقرار الاقتصاد العراقي خيانة عظمى , فكيف هي الخيانة العظمى ؟ أخيرا .. من الذي يقف وراء ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي ؟؟؟ ..
أحمد الزاويتي اذا لم يصل الطرفان (بغداد واربيل الى اتفاق) حول الموازنة ما هو البديل؟! من المفروض ان السلطة في اقليم كردستان العراق قد فكرت اولا ببديل اذا لم يحصل اتفاق.. (وان يكون البديل جاهزا لديها)... البديل الذي اقترحه هو: 1- تحويل الحكومة الى حكومة ازمة باشراك جميع الاحزاب الفاعلة في كردستان ووضعها امام الامر الواقع.. (ليس هناك مجال لمن يهرب من المسؤولية!!) 2- ازالة امتيازات المسؤولين (اداريين واحزاب) تماما وتسويتهم بامتيازات اي موظف عادي.. ووضع هذه الامتيازات في ميزانية الحكومة.. 2- مصارحة السلطة للشعب (بعيدا عن المزايدات) بالواقع ايا كان هذا الواقع.. (عندما يثق الشعب بالسلطة وبمعلوماتها والواقع المرير فانه سيكون مستعدا لتقبل الواقع والصبر عليه..) 3- الاعتراف بالاخطاء والتراجع عنها وتصحيحها.. 4- الكشف عن جميع اوجه الفساد في الادارة والموارد.. واعلان القضاء عليها.. (لا اتحدث عن محاكمة الفاسدين حاليا ربما ان الوقت لا يكون مناسبا، وحتى لا يعيق ذلك عمل الحكومة.. - يؤجل ذلك لوقته -) 5- البدأ بالاصلاحات بخطوتين موازيتين: (أ- القضاء على الفساد بدءا بالطبقات العليا ... ب- البدء بدعم وتحسين اوضاع الطبقات الدنيا) 6- حل مشكلة الرواتب وذلك بازالة كل الموظفيين الوهميين.. المزورين.. والاكتفاء بالموظفين الحقيقيين الذين يداومون في دوائرهم.. واعادة هيكلة قائمة المتقاعدين بالابقاء فقط على المتقاعدين الحقيقيين المستحقين.. 7- تعويض الموظفين الحقيقيين بما استقطع من رواتبهم وما ادخر.. بالاعفاء عن ديون الحكومة عليهم من (كهرباء.. ماء.. سلف.. وما الى ذلك) وبتوزيع قطع اراضي من مناطق كردستان الواسعة عليهم (باعتبارهم مستحقين) 7- تسخير كل المشاريع القادمة لخدمة الطبقات الدنيا اولا والمتوسطة ثانيا.. 8- عمل احصاء شامل عن (عدد الفقراء.. عدد العاطلين عن العمل..) عمل احصاء شامل عن (عدد الاغنياء .. عدد اصحاب الاعمال) وإعداد برامج لحل المشكلة بالاعتماد على هذه الاحصائيات.. 10- وضع صندوق دعم الحكومة (دعم داخلي من المستفيدين سابقا من الحكومة.. ومن المتمكنين داخليا.. وطلب الدعم من اصدقاء الكورد الدوليين) 11- رفع الحس الوطني القومي الكردي لدى الجيل الجديد (الحس الذي يكاد يكون صفرا الآن) وذلك ببرامج عملية وتوعية واشعار هذه الشريحة بمدى المخاطر على تجربة اقليم كردستان العراق ككيان والتهديدات المحيطة بها.. وان هذه هي مسؤولية الجميع افرادا وجماعات شعبا وسلطة حكومة ومعارضة.. 12- تحريم وتجريم الصراعات الحزبية والسياسية الداخلية التي تمزق وحدة الصف الكردي (هذا يكون بالنوايا الحسنة قبل كل شيء بابداء المواقف من اجل الصالح العام لشعب كردستان والقضية الكردية) 13- الانتقال السلس من طبيعة العمل الحزبي السياسي الى العمل الاداري القومي الوطني.. 14- اشراك النخب العامة في جلسات ومؤتمرات لحل المشاكل التي تعيق تجربة الاقليم.. والتطوير بالتجربة والوقوف امام التحديات.. واخيرا لا اريد ان أكون ميؤوسا.. اريد أن اكون متفائلا.. ومسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة..
محمد صادق الهاشمي… تشهد المدن الكردية ومنذ أسبوع تظاهرات تصاعدية تمتد على السلمانية كلها، وبعد التدقيق نجد ما يلي: ١- إنها تظاهرات شعبية محضة، لا يقف خلفها أيّ حزب، وهي تحمل شعار الرفض بوجه الأحزاب الكردية؛ التي غيَّبت الفقراء والمثقفين، وتبين من خلال متابعاتنا للشعارات، والتغطيات، ونشاط المتظاهرين؛ عبر الفضاء المجازي أنّ جمهور كردستان لم يقتنع بالشعارات القومية، ولا الانفصالية التي تاجرت بها بعض الأحزاب الكردية، وبهذا سقط كثير من الايديولوجيا أمام الخبز. النخب الكردية المثقفة والكادحة تجاوزت حد الخوف؛ فلم تتوقف حركتهم مع إطلاق الرصاص عليهم، واستعمال القوات الأمنية انواع الأسلحة المختلفة؛ مما يعني أنّ عهدًا كرديًا جديدًا بدأ فيه الجمهور ينتفض على (أحزاب الأُسر الإقطاعية والرأسمالية)، فكردستان بعد تظاهرات عام 2020 ليس كما قبله؛ بسبب تنامي الفساد الذي ضرر الدخل اليومي للفرد، ومع ارتهان مصير الأمن الاقتصادي بيد الطبقة الحاكمة البرزانية التي تتحمل المساحة الكبرى في رفض الجمهور الكردي لهم. ٢- رافق التظاهرات عمليات الحرق لمقرات الديمقراطي الكردستاني وغيره، ورفع لافتات الرفض، وإسقاط هيبة المقرات الرأسمالية الإقطاعية البرزانية. طبعا تلك ردة فعل شعبية؛ لسياسة التجويع والتركيع، ومن الآن لم يعد خطاب الأحزاب الكردية في تحميل الاتحادية والحكومة المسؤولية في تجويع الشعب الكردي أمرًا نافعًا، فالكردي أدرك بصفته شعبًا أنَّ مشكلته في الفساد الإقطاعي، ولكن بما أنَّ التظاهرات في جغرافيا السليمانية؛ فإنّ ثورة الرفض ستقود إلى تفكّك العلاقة بين أحزاب السليمانية وأربيل، وبالتأكيد أنَّ الأحزاب في السليمانية –غير المتواطئة مع مسعود- لا بد أنْ تبحث عن مخرج؛ لإقناع جمهورها بتحرير اقتصاد السليمانية من أربيل وسلطة البارزاني، وتسلُّطِ اسرتِهِ؛ مما يشي بتفكّك الإقليم سياسيًا، خصوصًا وأنّ التظاهرات سبقتها ثورة من (كوران – التغيير)، (والأحزاب الإسلامية) داخل مجلس النواب حينما رفضوا برنامج مجلس نواب كردستان الذي لم يُضمِّن في برنامجه بتاريخ 2-12-2020 مناقشة ارتهان النفط في قبضة تركيا خمسين عامًا لصالح البرزاني!، ولم يضمنه مناقشة الرواتب كذلك، والأوضاع المعيشية. ٣- السفارات التي كانت تدين الحكومة الاتحادية والأحزاب، كل من: السفارة البريطانية، والأميركية ببيانات متكررة، وهكذا الاتحاد الاوربي، وممثلة الأمم المتحدة (بلاسخارت)؛ تعاملت مع الشعب الكردي بالإهمال أمام المشهد العنيف الذي تمارسه القوات الأمنية، واستعمال الرصاص، علمًا أنه في تطاهرات تشرين لم تُطلق رصاصة واحدة. وللأسف، لم تظهر طبقة قيادة ثورية تقود تظاهرات الكرد. ٤- هذه التظاهرات تأتي في زمن حرج يهدد مستقبل الأحزاب الكردية؛ كونها سبقت الانتخابات القادمة، مما يعني أنّ الخريطة الانتخابية والسياسية؛ لا بد أنْ تتغير، وفي حال تواصل مسعود ماسكًا بقبضته الحديدية على الحكم، ومصادرة الأسرة الإقطاعية البرزانية المال والقرار؛ فإنّ الإقليم سوف يتفكّك، لأن أحزاب السليمانية لا بد أنْ تبحث عن مخرج لحل أزمة جمهورها قبل وبعد الانتخابات، والحل ينحصر فقط بخروج القرار المالي والسياسي من سلطة مسعود التي همشها وافقدها شعبيتها أمام جمهورها، ولا بد أنْ تتحرر من سلطة مسعود مقدَّمَةً لتحرير جمهورها. ٥- ليس أمام السليمانية وأحزابها بعد اليوم إلا أنَّ تعيد خريطة تحالفاتها؛ بمغادرة سلطة مسعود، واتِّجاهها إلى الاتحادية، فإنّ سلطة مسعود لم تعد معبرة عن طموح الأحزاب الكردية المهمَّشة، ومن هنا سنشهد ولادة قوة حزبية في السليمانية؛ تتحالف مع الاتحادية بعيدًا عن مسعود، وعلى الأحزاب الشيعية الاستثمار في تلك الأحداث لصالح تفكيك سلطة مسعود، ومناصرة الشعب الكردي، كما أنه من الموكد بأنّ الاتحاد والتغيير وبرهم صالح وغيرهم سيتجهون بهذا الاتجاه. ٦- السنة في العراق القوا بثقلهم كلهم، وبيضهم في سلة مسعود، وحتى الشيعة فعلوا ذلك!، وغاب عن شيعة العراق أنْ يكون لهم دور وفهم إستراتيجي؛ بتقوية أحزاب السليمانية لتحجيم دور مسعود، بل على خلاف تسابق القوم (باستثناء العبادي) بعد خطوة الانفصال الفَشِلة؛ لتكريس صلاحيات مسعود الانفصالي، ولكن تجدر الإشارة هنا أنّ التحالفات الشيعية القادمة ستكون مع السليمانية، خصوصًا وأنَّ هذه الأحزاب بينها وبين مسعود خلاف وجودي؛ ليمكنها بهذه الحالة استعادة دورها إلا بتدوير الزوايا في التعامل مع الاتحادية، وهذا مبنٍ على ذكاء الشيعة والكرد، وقدرتهم على ترجيح طرف على طرف، أمّا الموقف السني؛ فإنه يبقي مع مسعود، وهو يراهن عليه ضد الشيعة، وضد أحزاب السليمانية، إلا إذا انتهت تلك التظاهرات بتغيير البُنية السياسية الكردية بصورة كاملة، ولأنّ مسعود رُهِنَ قرارُ السنة لصالحه، ولم يفعل الاتحاد هذا. ٧- الاحتجاجات والتظاهرات الكردية لا تختص فقط بمسعود الإقطاعي؛ وإنْ كان يتحمل القسط الأوفر من الغضب الشعبي الكردي، بل تتعداه إلى كل الإقطاعيات الاحتكارية، والأُسر المتنفذة والأحزاب التي حكمت (17) عامًا في الإقليم كله، مما يعني بأنّ الكرد لا يمكنهم بعد هذه الفترة الطويلة؛ إلا أنْ يعترفوا بفشل تجربتهم في الحكم داخل الإقليم، وعليهم أنْ يترقبوا احتجاجات وتظاهرات أخرى تمتد إلى الإقليم كله، ما لم ينهض المجتمع الكردي السياسي بنتاج طبقة أخرى، أو تتصدي الطبقة الليبرالية، وما لم تنفصل الأحزاب الكردية الحالية والقادمة المفترضة؛ عن مسعود (بؤرة التوتر الكردي).
د. سردار عزيز يكشف الحماس الذي يُظهره الكثير من الأكراد إزاء رئاسة بايدن المرتقبة الكثير عن نظرة "إقليم كردستان العراق" إلى الولايات المتحدة وأعلى منصب فيها، نظرًا إلى التاريخ الطويل الذي يجمع بينهما. فأكراد العراق يعرفون جو بايدن ويذكرونه من الأيام التي شغل فيها منصب نائب الرئيس ورئيس "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي" بين 2001-2003 و2007-2009. تاريخ بايدن مع كردستان العراق يعود تاريخ العلاقات العامة بين الولايات المتحدة وأكراد العراق إلى عقود خلت، وقد بُنيت في إطار الحرب الباردة حين اعتبرت الولايات المتحدة الشعب الكردي في العراق على أنه قوة موازنة محتملة لانقلاب عام 1958 الذي أطاح بالحكم الملكي الهاشمي في العراق وجلب عبد الكريم قاسم، الموالي للسوفيات بنظر الولايات المتحدة، إلى السلطة. وحين اجتمع "مجلس الأمن القومي" الأمريكي في كانون الثاني/يناير 1959 لمناقشة الانقلاب، لفت وزير الخارجية جون فوستر دالاس إلى أن أمريكا لا "تتمتع بالخبرة الكافية" للتدخل في مزيج السياسة العراقية الداخلية المعقد. وفي حين فتح الانقلاب فعليًا المجال أمام الشيوعيين الموالين للسوفيات ليضطلعوا بدور أكبر في سياسة البلاد، إلا أن "حزب البعث" هو الذي عزّز قوته في نهاية المطاف، الأمر الذي أدّى إلى صعود صدام حسين. يملك جو بايدن تاريخه الخاص في العراق، وهو مطّلع على مسائل المنطقة والقضية الكردية على وجه الخصوص ومنخرط فيها منذ فترة طويلة. وتعود علاقة بايدن بالعراق إلى ما قبل الغزو الأمريكي. فقد قام برفقة صديقه السيناتور تشاك هيغل (جمهوري من ولاية نبراسكا) برحلة لا تُنتسى إلى شمال العراق وكردستان في كانون الأول/ديسمبر 2002. يُذكر أن السيناتوريْن استقلا السيارة نفسها على طول الطريق من الحدود التركية مرورًا بجبال كردستان وصولًا إلى أربيل في وسط كردستان حيث كان من المقرر أن يدليا بكلمة أمام البرلمان الكردي. وهذا حدث فريد من نوعه حسب ما يذكر هيغل ويقول "أعتقد أننا كنا الأجنبييْن الوحيديْن اللذين طُلب منهما ذلك". https://thehill.com/.../15249-unlikely-friendship-formed... وألقى خطابًا أمام البرلمان الكردي بصفته رئيس "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي" وطمأن الأكراد مؤكدًا "أننا سندعم مساعيكم لبناء عراق موحد" وناقض قول محلي مأثور قائلًا إن "الجبال ليست صديقكم الوحيد". وفي ذلك الوقت، سُرّ الأكراد بكلامه إذ كانوا يواجهون حالة عدم يقين كبيرة قبل حرب العراق في عام 2003. وفي خلال الزيارة عينها، التقى بايدن قادة "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني". وشارك عماد أحمد، عضو المكتب السياسي في "الاتحاد الوطني الكردستاني"، في الوفد. وفي أعقاب الانتخابات الأمريكية الأخيرة، استذكر سؤاله لبايدن عن دعم الولايات المتحدة للأكراد وعن الحساسية التركية إزاء هذه العلاقة، في خلال الاجتماع في منتجع صلاح الدين قرب أربيل. ونصح بايدن الأكراد بعدم جعل كركوك عاصمة إقليمهم – ففي ذلك الوقت، كانت الأحزاب الكردية تعمل على مسودة دستور نصّت على أن تكون كركوك عاصمة الإقليم. ويشتهر بايدن بشكل خاص في أوساط أكراد العراق بفضل مقاله الافتتاحي بعنوان "استراتيجية الخروج" الذي نُشر عام 2006 في صحيفة "نيويورك تايمز"، واقترح فيه اللامركزية في العراق. وأتى اقتراح بايدن على الشكل التالي: "تتمثل الفكرة، كما في البوسنة، بالحفاظ على عراق موحد من خلال اللامركزية، ما يمنح كل مجموعة دينية عرقية – الأكراد والعرب السنّة والعرب الشيعة – المجال لإدارة شؤونها، في حين تتولّى الحكومة المركزية إدارة المصالح المشتركة". وبعد 14 عامًا، يرحّب معظم الأكراد والكثير من السنّة باقتراح اللامركزية في العراق، رغم رفض الأغلبية الشيعية في العراق له. وواصل بايدن رفضه لتوصية "مجموعة دراسة العراق" التي تضمّ أفرادًا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري الصادرة في عام 2006 بالتركيز على حكومة مركزية في العراق، كما أوردت صحيفة "فيلادلفيا إنكوايرر" في مقالها الصادر في 7 كانون الأول/ديسمبر 2006 بعنوان "بايدن: الدفع نحو التوحيد قد يؤدي إلى الانقسام". واليوم، إن الدعوة إلى اللامركزية والمزيد من الفدرالية تنتشر في أوساط عامة الشعب العراقي من الخلفيات كافة، من البصرة وحتى كردستان. التوقعات المتعلقة بإدارة بايدن الحالية استنادًا إلى هذه التجارب السابقة مع بايدن، إن توقعات أكراد العراق من إدارة بايدن كبيرة. وناهيك عن الدعم المتوقع للامركزية أكبر في العراق، ينتظر الأكراد أن ينتهج بايدن سياسة مختلفة عن ترامب في ما يتعلق بالعلاقة مع تركيا. وحاليًا، تظن أنقرة أن التغييرات المقبلة في العلاقات الدولية ستزوّد تركيا بفرصة أن تصبح جهة فاعلة إقليمية وتبسط نفوذها بشكل مباشر وغير مباشر في المنطقة. وقد حصل ذلك في كردستان العراق في ظل دخول الجيش التركي إلى الإقليم متوغلًا على عمق أكثر من 30 كلم. وتواصل الطائرات التركية بدون طيار عمليات المراقبة وقتل المسلحين والمدنيين على حدّ سواء. ومنذ بروز "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي في مطلع القرن الماضي، تدهورت علاقات "حكومة إقليم كردستان" – ناهيك عن المنظمات الكردية الأخرى في سوريا وتركيا - مع تركيا. ففي حين يعتبر الأكراد أن إدارة ترامب تنصاع للمصالح التركية، فهم يأملون ألا تتخلى الإدارة الأمريكية الجديدة عنهم وألا ترضخ للضغوط التركية. غير أن العراق يختلف اليوم عن العراق الذي تحدث عنه بايدن في عام 2006. فالكثير من النخب السياسية الشيعية في بغداد يتوقعون أن الولايات المتحدة ستترك البلاد كليًا. وتعززت هذه الفكرة من خلال تصريحات الإدارة الحالية التي أشارت إلى مغادرة العراق إلى جانب انسحابها الفعلي من أجزاء أخرى في المنطقة. وسواء كان التهديد بالمغادرة حقيقيًا أو محاولة لممارسة الضغوط على العراقيين، فقد أسفر عن ارتباك وعدم أمان نفسي داخل العراق. ويرتبط الانسحاب من العراق بشكل مباشر بإيران. وفي هذا الخصوص، يمثل بايدن استمرارية لإدارة أوباما. ومن بين الأفكار السائدة في المنطقة أن بايدن سيستأنف "خطة العمل المشتركة الشاملة"، غير أنها على الأرجح حالة من سياسة الحنين التي تقوم على المشاعر أكثر منه على المنطق. وقد يكون من غير الممكن لأسباب عدة أن يعود بايدن إلى الاتفاق، وبخاصةٍ بالطريقة التي تسرّ الإيرانيين. وفي حين يختلف عالم بايدن عن عالم أوباما؛ قد ترتبط العهود التي أطلقها بايدن في خلال حملته الانتخابية في ما يتعلق بإيران بسياسة الحزب الديمقراطي الداخلية - بما يتناسب مع دعوة الجناح التقدمي للحزب - أكثر منه بترجمة أهداف بايدن الرئيسية المرتقبة من إدارته. وثمة أيضًا تحديات إقليمية تعترض العودة إلى الاتفاق وتحديات محلية على غرار مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية. وفي خضم كل هذه الاضطرابات والتعقيدات، يرى الأكراد أملًا في المستقبل من خلال بناء القنصلية الأمريكية الجديدة في أربيل. فعند التوجّه إلى الجبال انطلاقًا من المدينة، يلاحظ المرء موقع بناء ضخمًا سيضمّ القنصلية الأمريكية الجديدة في عام 2022 لتحلّ محل تلك المسوّرة بالكامل والعادية المظهر التي تقع حاليًا في قلب المدينة. فهندسة المبنى الجديد وحجمه يطمئنان الأكراد إذ ترتبط الهندسة ارتباطًا وثيقًا بالقوة السياسية. وهي توفر نموذجًا لنظام التفكير الهيكلي كما أنها تمثل خطابًا نافذًا. وتشرح شركة "إي واي بي" التي تتولى أعمال تشييد القنصلية أن "الهدف تمثّل بإنشاء مجتمع يتمتع بالسمات والحسّ الهندسي المألوف لدى الشعب الأمريكي وفي الوقت نفسه إقامة رابط مع ثقافة الشعب المحلي الذي يتفاعلون معه يوميًا". وأضافت أن "مقر القنصلية العامة سيتضمن أمانة سر ومقرًا لقوات المارينز ومساكن ومنشآت دعم ومرافق للموظفين". هذا وثمة مؤشرات على أن الولايات المتحدة تفقد اهتمامها بالمنطقة الأوسع نطاقًا، إذ إن العراق ليس ضمن أبرز أولويات الإدارة المقبلة كما شرح السفير جيمس جيفري في خلال حديث له عبر الإنترنت. https://www.youtube.com/watch?v=nG7jDHeBIAM في غضون ذلك، قد يشير البعض إلى تراجع في العلاقات الأمريكية-الكردية في ظل عدم دعم الولايات المتحدة لاستقلال الأكراد وسحب قواتها من سوريا. وفي المقابل، ثمة مؤشرات على أن أمريكا باقية في الإقليم وأن العلاقة مع الأكراد تتطوّر بسبب تواتر الأزمات في الشرق الأوسط وطبيعة (العلاقة المستقطبة) الديمقراطية للسياسة الداخلية الأمريكية. وتُظهر العقود الماضية توسّع العلاقات الأمريكية-الكردية، ويمثل بناء قنصلية أكبر مثالًا جليًا في هذا الصدد. فضلًا عن ذلك، كان أكراد العراق لعقود من الزمن هم "الأكراد الجيدون" فحسب، ولكن بما أن الولايات المتحدة قد بنت الآن علاقة مستدامة مع أكراد سوريا والإقليم الكردي الذي يتمتع بحكم ذاتي، باتت الولايات المتحدة تُعتبَر جهة فاعلة بارزة يتزايد دورها في الشؤون الكردية عبر الحدود. تُعتبر مقاربة بايدن الشخصية إزاء السياسة الخارجية سيفًا ذا حدين. ووصفه بن رودس في كتابه العالم كما هو: صورة عن البيت الأبيض في عهد أوباما، على الشكل التالي ‘يضفي على تصريحاته بعض الفكاهات من مسيرته الطويلة في مجلس الشيوخ، مكررًا على الدوام أن تجربته علّمته أن "كامل السياسة الخارجية هي امتداد للعلاقات الشخصية"’. وقد تتواءم هذه المقاربة ذات الطابع الشخصي مع طبيعة المؤسسات في كردستان، ولكن إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى علاقة طويلة ومستقرة تعود بالفائدة على الطرفين، فقد تحتاج إلى دعم المؤسسات وليس الشخصيات. تجدر الإشارة إلى أن الأكراد ليسوا الوحيدين الذين تنتابهم مشاعر الحنين عندما يتعلق الأمر ببايدن، فأوروبا وجزء كبير من دول العالم تشاركهم هذه المشاعر. وفي حين أن هذه المشاعر هي أمر جيد، لكن الحقيقة قد يكون وقعها مختلفًا.
أيوب بابو بارزاني منظومة الفساد الكردية لديها كامل الحماية، فالعوائل الحاكمة، تسخر أدواتها الطيّعة والمؤلفة من العشيرة والحزب وجهاز الأمن والمخابرات والمجموعات المسلحة والقنوات الفضائية الكثيرة والتي يطغى عليها الولاء للشخص على حساب الولاء للشعب والوطن - وقد تحولوا الى مرتزقة - تسخرها سلطة الفساد لحماية مصالحها. سلطة أربيل حشرت نفسها داخل حلقة ضيقة مرتبطة كليا بمصالحها المالية ولا تريد الخروج من هذه الحلقة، وتتجاهل الانهيار المالي والاقتصادي ونهب المال العام وفساد منقطع النظير في شتى الإدارات والمرافق العامة، وتماطل لكسب الوقت علّها تجد "قروضاَ من مصدر ما" أو من بغداد يعفيها من مسؤوليتها المباشرة في تدهور أوضاع الإقليم. وهي تنسى أو تتناسى انها فقدت ثقة الشعب الكردي منذ زمن بعيد وحاليا تفقد ثقة المجتمع الدولي. تحول الكثير من مسؤولي منظومة الفساد الكردية، بالأخص قمة الهرم العائلي الى أدوات تنفذ أوامر الخارج، فالإقليم مفتوح على مصراعيه أمام التدخلات الخارجية بشكل سافر. ليس من شك ان الطبقة السياسية الكردية أصبحت عباً لا يطاق، ومن المستحيل تحمل الوضع الراهن الا بإزاحتها ومحاكمتها وإعادة الأموال المنهوبة. هناك أسباب عديدة ساهمت في ديمومة سلطة الفساد لحوالي ثلاث عقود متتالية، ولا مجال هنا في ذكر التفاصيل وانما نشير الى بعض من هذه العوامل. ميزانية الإقليم تسلم للعوائل الحاكمة ويتم تقاسمها بالتوافق فيما بينها والتصرف بها حسب الأهواء الشخصية من شراء الذمم وانشاء قنوات فضائية لتجميل صورتها وتغطية جرائمها خلال ضخ الأكاذيب المدروسة وعلى قياس وعي المجتمع الكردي، وتمويل قواتها المسلحة (بيشمركه) بعد أن شقوا وطنا واحدا الى اثنين وادارتين منفصلتين وجهازين للأمن وعلاقات خارجية منفصلة، ومنذ البداية حولوا الفرصة التاريخية الى نكسة وطنية من أجل الزعامة والمال. لكن الشعب الكردي مع كل السلبيات الخطيرة ظل داعما لمنظومة الحكم العائلي، حتى وصلوا الى قناعة من انه لن يثور عليها مهما أهانته. وعلاوة على ذلك ليس للشعب الكردي نموذج ثورة ضد الدكتاتورية الكردية، فقد نجح طغاة الشعب الكردي في توجيه سخطه ضد حكام بغداد واهمال ظلم الحكام الكرد. وهو عامل ضعف قاتل في المسيرة النضالية للشعب الكردي، أي اهمال الطغيان الداخلي والتفرغ للاضطهاد الخارجي. فمن غير الممكن شن حركة ثورية تقدمية للتخلص من الاضطهاد الخارجي تحت قيادة متاجرة ومتخلفة لا تقيم للعدالة أي اعتبار وبعقلية عشائرية خارج روح العصر. اذ لا غرابة أن انتهت كل الحركات منذ الستينات من القرن الماضي، رغم التضحيات الكبيرة، الى كوارث وطنية للشعب الكردي والى ثراء فاحش لقيادات وراثية همها الرئيسي هو الثراء مستغلة الطموحات القومية بأبشع وأحطّ نموذج في نهب المال العام. ويبدو ان هناك أسباب لهذا الاستسلام لإرادة كبار الفاسدين، خاصة في الدول النامية أو حديثة العهد بالديمقراطية، فقد حظي القادة الفاسدون في الإقليم بدعم المجتمع رغم علمه بتزوير نتائج الانتخابات وشراء الأصوات وأسلوب التهديد والقتل، وليس لها من الديمقراطية غير الاسم. يقوم الاعلام بدور أساسي في تكوين الرأي العام، وعندما يثق المجتمع بمصدر المعلومة، يكون له دور كبير في تحديد ردود أفعال المجتمع. لكن سلطة أربيل والأحزاب المشاركة فيها، تملك أكثر من 90% من وسائل الاعلام في الإقليم. أما الاعلام المعارض فهو يعاني من الضغوط والملاحقة من قبل السلطة وجهاز الأمن الحزبي ويفتقر الى الإمكانات المالية. لذا فالصوت المسموع هو صوت العائلة الحاكمة ومرتزقتها. الاعلام الحزبي المأجور يعمل على إضفاء هالة من القدسية والمهابة الكاذبة على الرئيس وأقربائه وبطانته، والهدف هو حجب الواقع عن الجماهير واخفاء الممارسات غير القانونية وتغطية الاختلاسات والفضائح الكبرى في أعلى هرم السلطة. عامل آخر لابد من الإشارة اليه الا وهو الانتماء الحزبي الاعمى وغياب الوعي السياسي لدى أعضاء الحزب، فالحياة الحزبية في كردستان تظهر تجاهل العضو الحزبي المدني والعسكري لفساد قادته، بينما يهاجم الفساد في الأحزاب الأخرى ويدافع بتعصب مذهل عن قادته الفاسدين ولايري مدى الدمار الذي يلحقه بشعبه ووطنه على المدى البعيد. فالانتماء الحزبي أو الأيديولوجي أو العشائري لديه أقوى من الانتماء للوطن والتاريخ. كل جهة تغض الطرف عن الأخطاء أو حتى الجرائم أو الاختلاسات التي قام بها قادتهم، مقابل التنكيل الإعلامي والسياسي بالخصم وتكبير خطاياه إلى أبعد حد. وهذا يخدم منظومة الفساد ويحصن موقعها وجبروتها. وكلما زاد الوعي السياسي وتجذر انتمائه للوطن، يتبنى الكادر الحزبي من قضايا الفساد التي تخص قادة حزبه موقفا صارما ويطالب بالمحاسبة والشفافية. لقد تأخرت مسيرة النضال الكردية كثيرا عن باقي الشعوب بسبب اهمال الطغيان الداخلي الكردي والمتمثل بالحكم العائلي ومرتزقتها من السياسيين، ويعتبر هذا العامل الأهم في كوارث الشعب الكردي وتخلفه في الماضي القريب والى يومنا هذا. فهل ستتوجه الانتفاضة الحالية لإزاحة منظومة الفساد كليا لكي يتسنى لها مواجهة التحديات الكبرى وإيجاد حلول واقعية لمشاكله المتفاقمة واستعادة حريته وكرامته وأمواله المسروقة؟
ميسون شقير مدريد - ربما يكون حجم النبل والوعي الذي يسكن الروح هو أكبر وأوسع وأشمل من كل الشهادات الأكاديمية، وتكون التربية والمرجعية الأخلاقية والظروف التي تتغير في الحياة هي ما يصنع الأشخاص ويعطيهم قيمهم وأولوياتهم. أوخينو آرياس طفل ولد في قرية بويتراغو شمال مدريد في أسبانيا عام 1905 لأب خياط يمتلك روحا شغوفة بالحياة وقلبا طيبا. ولأم كانت راعية الغنم في هذه القرية وكانت تعشق البراري وصدقها. لكن كل هذا لم يكن يكفي لتعيش هذه العائلة في أصعب فترة اقتصادية مرت بها أسبانيا، لقد ولد أوخينو آرياس في الزمن الخطأ. ترك المدرسة التي كان فيها ملهما لمدرّسيه لما يحمله من ذكاء فطري ومن قدرة على اختراع الفكاهة الطريفة والجميلة. مدرسة البؤساء في عمر الحادية عشرة ترك آرياس مدرسته وذهب ليتدرب عند عمه الذي كان يمتلك محلا للحلاقة. أربع سنين وأوخينو يتعلم الحلاقة ويتعلم معها الحياة، يتعلمها مبكرا من خلال تجربته المبكرة في العمل ومن خلال شخصية عمه الذي كان مثقفا وقارئا نهما إذ كان محل الحلاقة في جزء كبير منه هو عبارة عن مكتبة منتقاة لأفضل أمهات الكتب، فقد قرأ في محل الحلاقة فيكتور هيجو، وقد كان يقول “أنا تخرجت من مدرسة البؤساء”. قرأ ثيربانتس وقرأ الكثير من كتب الفلسفة ومن كتب النقد الفني، وسمع الكثير من النقاشات الفكرية والأدبية التي كانت تدور بين رواد المحل الذين كانوا يعتبرونه بيت الثقافة في بويتراغو تلك البلدة الصغيرة، قبل أن يتوفى العم ويرث أوخينو محل الحلاقة مع كامل المكتبة وكامل روادها وهو في عمر صغير. لكن الحياة قد حكمت عليه بأن يكبر أكثر من عدد سنواته الخمس عشرة. استمر دكان الحلاق والمكتبة واستمر روادها من البلدة ونقاشاتهم والكتب الجديدة التي يحملونها ويتداولونها بينهم. تعلق آرياس بالمسرح وقرأ الكثير عنه، لدرجة أنه مثّل في مسرحية كان مخرجها هو مدير التعليم المحلي الذي كان أحد رواد المحل الدائمين. وقد أثبت آرياس في المسرحية قدرة تمثيلية وروحية مؤثرة وهذا ما جعله محط إعجاب في البلدة. آرياس هو الأسباني الوحيد الذي حضر وفاة بيكاسو والذي بكاه بحرقة كما يبكي الطفل عائلته، لفه بعلم أسبانيا الذي أرسلته له أمه من أسبانيا، وسهر طيلة الليل بجانبه قبل أن يسكن مرقده الأخير تاركا كل الألوان ذاهبا فقط للأسود والأبيض خلية حمراء ومقاومة آرياس يقول إنه قضى الوقت في محل الحلاقة الخاص به وهو يقرأ كتب اليسار. أسس على إثرها أول مجموعة للحزب الشيوعي في بلدته في العام 1931، وتعامل مع الكثيرين من القادة العسكريين في فترة الحرب في أسبانيا وحارب من أجل انتصار الجمهوريين وأصيب في قدمه ما جعله يقضي باقي العمر وهو أعرج. لكنه كان يعرف الطريق جيدا. في عام 1936 سقطت الجمهورية في أسبانيا، وبدأ فرانكو بملاحقة كل الجمهوريين. لذا هرب آرياس إلى فرنسا يحمل معه أحلامه ووجعه ورجله المعطوبة وأصابعه الماهرة وعشق أسبانيا الذي لا ينتهي، لكنه لم يكن ليعرف أن كل هذا سيجعل اسمه باقيا في التاريخ أكثر من الملايين الذين يحملون الشهادات. في فرنسا انضم فورا إلى المقاومة وشارك في كل اجتماعاتها وفي تولوز كرّم كأهم الأسبان الذين قاتلوا النازيين في أسبانيا، وفي فرنسا التقى بيكاسو، الاسم الفني الأشهر في تاريخ الفن، وذلك بعد أن انتهت الحرب العالمية. افتتح آرياس مجدداً محلا للحلاقة في بلدة بياريوس التي كانت أيضا البلدة التي فيها بيت بيكاسو. هاربا مع بيكاسو حين التقيا للمرة الأولى كان كل منهما قد سمع عن الآخر وأحسا أن الكثير يجمعهما، فكلاهما يعشق أسبانيا، وكلاهما هارب من دكتاتورية فرانكو، وكلاهما ميال للأفكار الاشتراكية وكلاهما جمهوري، كلاهما مقهور مهجّر عن بلده وحياته، كلاهما شارك في المقاومة الأسبانية. هكذا ومع الفارق الكبير بين أهم رسام في زمنه وبين حلاقه البسيط، صارا صديقين حقيقيين. وصار كل واحد منهما يمثل وطن الآخر الضائع. يمثل اللغة التي يعشقها وخفة الدم والدماثة التي تميز الشخصية الأسبانية، وقهر الغربة والنفي. صار آرياس حلاق بيكاسو الدائم وصديق روحه الحافظ لكل أسراره. وصار الشخص الوحيد الذي يلتقي بيكاسو أسبوعيا والذي يرافقه لمشاهدة مصارعة الثيران التي كان التحدي فيها يمثل لبيكاسو تحدي الحياة، والشخص الوحيد الذي يستطيع دخول بيت بيكاسو وقت ما يشاء ليمضي معه سهرات طويلة يتناقشان فيها حول السياسية والرسم والآداب كما يتناقشان حول المقاومة الأسبانية ضد فرانكو وحول اللاجئين الأسبان في فرنسا. اشترى بيكاسو لآرياس سيارة كي يستطيع المجيء إليه في أيّ وقت، وكان كلما ذهب لكي يحلق شعره، كان يحمل معه لوحة من لوحاته. ليس بدلا من دفع أجرة الحلاقة التي لا يقبل الحلاق بأخذها، وإنما عربونا دائما ومتكررا لصداقة حقيقية وعميقة. أثمن ما يمكن أن يقدمه بيكاسو لصديقه هو لوحة أو قطعة فنية بيكاسو لم يكن يفرّط في أيّ لوحة أو عمل فني له وكان شديد التعلق بأعماله، لكنه كان يعرف أن أثمن ما يمكن أن يقدمه لصديقه هو لوحة أو قطعة فنية، مهما كانت صغيرة. وكان كلما زاره، يرسم له إما على مقدمة كتاب أو على أحد الأواني الخزفية، وبعد كل مصارعة للثيران يحضرانها معا ولا تكون النهاية مؤلمة، يقوم بيكاسو برسم سريع ومدهش يمثل بهجته التي لم تكن توصف، وفي بعض، المرات كان بيكاسو يهدي صديقه الحلاق أغلى اللوحات مثل لوحة جاكلين زوجة بيكاسو وهي موقّعة باسمه. حين تزوج آرياس من صديقته وزميلته المقاومة سيمونا فرانكوال في العام 1950 كان بيكاسو وزوجته الأخيرة جاكلين هما شاهدا الزواج. وقد أهداه لوحة أخرى هي عبارة عن بورتريه جديد لجاكلين كهدية لبيت الزوجية. هكذا مضت ست وعشرون سنة من الصداقة أو حتى الألفة. إذ أن أجمل أيامهما كانت حين يجتمعان ويذهبان معا إلى البارات، وهناك يغنّيان معا أغاني أسبانية ويبكيان بلدا حُرما من دخوله، يشعلان فتيل الحنين الذي لا يخبو ويلعنان النازية والدكتاتورية والظلم أينما حل، وبأيّ شكل حل، يشربان نخب الحياة ونخب أحلام العودة. كنز آرياس ست وعشرون سنة جمع خلالها الحلاق كنزا مذهلا من لوحات وقطع فنية ومنحوتات للاسم الذي شغل العالم. والذي تتهافت المتاحف والعواصم والصالات لاقتناء أيّ شيء موقّع باسمه، والأهم أنه جمع كنزا لا تقدر قيمته من ثقة وحب هذا الفنان الذي عرف عنه الصلف والقسوة في معاملة باقي الناس. في العام 1973 توفي بيكاسو بعيدا عن بلده أسبانيا، توفي بعد حياة مليئة بكل شيء، وكان آرياس هو الأسباني الوحيد الذي حضر وفاته والذي بكاه بحرقة كما يبكي الطفل عائلته، والذي لفّه بعلم أسبانيا، الذي أرسلته له أمّه من أسبانيا، وسهر طيلة الليل بجانبه قبل أن يسكن مرقده الأخير تاركا كل الألوان ذاهبا فقط للأسود والأبيض. بعدها عرض آرياس كل مقتنياته من أعمال بيكاسو في بلدة بياريوس الفرنسية وما إن وصل الخبر إلى الصحافة حتى تراكض مندوبو متاحف العالم عليه لشراء هذا الكنز. لكن آرياس كان دائما يقول إن يوما سيأتي، وسنستطيع أن نعود إلى أسبانيا وحينها ستكون هذه اللوحات في المكان الذي تستحقه، رافضاً مبالغ هائلة من المال عرضت عليه من قبل أثرياء العالم ومن دور الفن. في عام 1975 مات فرانكو، وماتت معه مرحلة الدكتاتورية في أسبانيا، وهكذا حمل آرياس كل أعمال بيكاسو التي يقتنيها وعاد بها إلى أسبانيا. كانت اللوحات تعرف أنها ذاهبة إلى روح اليد التي رسمتها، مثلما كان آرياس يخاطبها كل الطريق وهو يربت عليها “ها نحن نعود، لقد مات الدكتاتور، وعاشت أسبانيا، ها نحن نعود معا كما حلمنا يا صديقي”. حلاق بيكاسو وصديقه آرياس التزم الصمت تجاه علاقات بيكاسو الخاصة وبقي يقول إن الفنان الكبير اعتبر الفن أهم من الزوجات والأبناء غرينيكا البشرية عاد آرياس إلى بلدته الصغيرة وسمعة لوحات بيكاسو التي معه تسبقه. قوبل بكثير من الاهتمام وكثير جدا من العروض التي تريد شراء اللوحات وبأيّ ثمن، لكنه كان يقول هذه هدايا بيكاسو، والهدايا لا تباع. بعد وصول آرياس إلى بلدته فقيرا مثلما غادرها، غنيا بتجربته النضالية وبتجربة صداقته مع بيكاسو، حمل كل ما يمتلك من أعمال لبيكاسو والتي تزيد عن ستين لوحة وأربعين قطعة معدنية مرسومة وسبعا وعشرين قطعة خزفية، وقدمها كلها لبلدية بلدته موصيا فقط أن تتحول هذه الثروة لمتحف يزوره الناس ويقصدون قريته الصغيرة البعيدة المهملة، وأن يبقى هكذا دائما وألا تباع ولا تنقل أيّ قطعة منه إلى أي مكان أبدا، وقد زوّد البلدية بمقابلة متلفزة تكلم فيها عن تفاصيل علاقته ببيكاسو وتحدث عن دعم بيكاسو للمقاومة ماديا ومعنويا، وعن دعمه المادي للاجئين الأسبانيين في فرنسا. تحدث عن فترة انتماء بيكاسو للحزب الشيوعي وعن تاريخ رسم الغرينيكا التي بيّن فيها موقفه من كل النازيين في العالم، وعن مؤتمر السلام الذي دعا إليه بيكاسو، والذي كان سببا في رسم لوحة الحرب والسلام. تحدث أيضا عن علاقة بيكاسو بأصدقائه أمثال سارتر وسيمون دي بوفوار وإخلاصه لهما. وعن شغف بيكاسو الهائل بفنه وكيف كان دائما في المرتبة الأولى في حياته أكثر من كل علاقاته بما فيها الزوجة والأبناء. كان شديد الحرص على الحفاظ على أسرار بيكاسو الشخصية ورفض بشدة الحديث عن علاقات بيكاسو الغرامية المتعددة وكان يتهرب فقط بالإجابة بأن فنه كان أهمّ ما لديه. توفي حلاق بيكاسو في الـ28 من أبريل عام 2008 وقد ودعته بلدته الصغيرة وأسبانيا كما يودّع الأبطال ولم يزل متحفه الذي افتتح في عام 1985 والمسمى متحف حلاق بيكاسو مفتوحا في بلدية قريته. ولم تزل كل اللوحات والأعمال الفنية معروضة فيها كما ترك في وصيته. وقد تحولت هذه القرية الصغيرة البعيدة إلى أهم الأمكنة السياحية في مدريد وتحوّل هو إلى أشهر وأنبل حلاقي العالم بعدما كان منسيا ككلّ الفقراء.
باقر الزبيدي في الوقت الذي تحرك فيه شبابنا في الوسط والجنوب ضد الفساد والفاسدين وحققوا نتائج طيبة من خلال تظاهراتهم المشروعة، خرج أبنائنا في كردستان ليعبروا عن رفضهم للظلم والفساد الذي نخر مدنهم وقراهم. ان التطور العمراني والإستثمارات في كردستان لم تكن أبداً في خدمة المواطن الكردي، بل كانت من أجل (المافيات العائلية) التي ربطت الإقليم بالإستثمارات بعقود فاسدة طويلة الأمد أنهكت إقتصاد الإقليم ويدفع ثمنها المواطن من ثرواته وراتبه ليكسب الفاسدين ثروات هائلة مهربة في بنوك تركيا والنمسا ! ان إستخدام العنف ضد مطالب الشعب الكردي الصابر والذي أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى، لن ينهي ثورة الشعب الكردي الصابر والحل هو في إجراء إنتخابات نزيهة وتوزيع عادل للثروات بدل ان تذهب هذه الثروات لدعم دول وأقليات أخرى كما حصل حين تم منح أكراد سوريا وبعض أكراد تركيا الجنسية وإمتيازات لم ينالها المواطن الكردي العراقي. كما أدعو المواطنين من شعبنا الكردي ان تكون ثورتهم سلمية، وأن لا يسمحوا للعبث وحرق أو تدمير البنى التحتية والتي وجدت لخدمتهم بل ان يستمروا بمطالبهم المشروعة الى ان تتحقق أهدافهم. ٨ كانون الأول ٢٠٢٠
سامان نوح يصعب وصف واقع القوى الكردية هذه الأيام، تراها جبارة قوية راسخة ممتلئة الأرداف وتتمايل ثقة بحضورها البهي وجماهيرها العريضة التي يضربها "اليأس والحزن والعوز"! تراها مقدامة ثائرة، والشلل يضرب هياكلها ومكاتبها السياسية والقيادية فلا تعرف لها موضعاً ومقاماً. تراها تزدان بجمالها ووقارها وهيبة حضورها، وهي العاجزة منذ سنوات عن وضع دستور وقانون واستراتيجية بقاء وبناء؟ هي تلقي عليك أحلاما مهيبة وتطلعات كبرى، وهي أعجز عن استعادة ما خسرته ودفعت ثمنه "جبالا من التضحيات" طوال عقود. هي تبشر بمواقف عظمى، وهي تخفق في رسم رؤيتها لاعادة التوازنات المتزلزلة والمحترقة. هي تواصل نزيف أرصدتها داخلا وخارجا. فحضورها الاقليمي يخفت، والدولي يتلاشى، وما عاد يحسب لها ذلك الحساب الثقيل في بغداد. سياساتها التكتيكية ما عادت تجدي، ووجوها التمثيلية هناك أعجز من أي قول وفعل. هي تواصل ضياعات وخسارات الداخل بنزيف جمهورها "الوفي-المريد" الذي يلقي عليها كل يوم سيول الانتقادات الجارحة، طارحا الأسئلة التي ماتزال معلقة منذ سنوات بلا اجابات: هل يعقل ان مبيعات صادرات أكثر من 400 الف برميل، وعدة معابر دولية ومحلية غير قادرة على تأمين 50% من الرواتب كل شهر؟!..اذن لماذا تصرون على البيع المستقل؟ وتضعون ابناءكم في خانة الضيق والعوز والحرج؟...ومن أين لكم كل هذه الخيرات والاستثمارات والشركات والمقاولات التي لاتخطئها عين؟! قوى تقر خارج البيانات، ان الفساد أكبر من ان تتمكن من مواجهته، وان توحدها غائب، وشراكتها الحقيقية مستحيلة. وان سيل الوعود والخطط كلها أضحت في مهب المصالح والعواصف. وان العائدات في كل المجالات باتت قبض ريح. قوى لا تستطيع داخل بيوتها المحصنة عقد اجتماع واحد للمكاشفة. قوى لا تستطيع الجلوس معا على طاولة واحدة لتحديد مسارات رؤية لحل المشاكل المتفاقمة؟ لا تستطيع بعد "انقلابة" قطع الـ320 مليار دينار، وعقب جوقة أناشيد حماسية ودستة بيانات ثورية، ومرور اسابيع على صدمة ومحنة موظفيها "الذين يأنون عوزاً" ارسال وفد الى بغداد. قوى لم تعد تستطيع بناء خطاب سياسي دعائي جديد، ولا اعادة تسويق خطابها السابق الذي التهمته التجارب؟ لكنها جبارة عتيدة معتدة واثقة ببقائها ورسوخها الأبدي. فتكتفي بعد كل صدمة وجولة من التصعيد والتهويل والقال والقيل بارسال رسائل "شجب" أو "عتب" الى بغداد، وتقديم بطاقات الشكر والامتنان لموظفيها الصامدين بكل عنفوان!
نجاح هيفو خلال عام 2019، أصدرت المديرية العامة لمناهضة العنف ضد المرأة والعنف الأسري في وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان العراق، تقريراً، عن حالات العنف ضد النساء، والتي سجّلتها المديريّة، وكانت الأرقام في تصاعد مخيف؛ حيث أنّ الأرقام المسجّلة كانت كالتالي: 8 آلاف و509 دعاوى قضائية تتعلق بحوادث عنف ضد المرأة، و30 حالة قتل و46 حالة انتحار، و125 حالة حرق، و81 حالة إحراق النفس، و93 حالة اعتداء جنسي. لا تبدو هذه الأرقام طبيعيّة في حالةٍ مثل حالة إقليم كردستان العراق، رغم أن الأرقام ربما تكون في سياقها الطبيعي قياساً مع طبيعة المجتمعات الشرقية، لسببين؛ أنّ هذه الحالات هي جزء فقط، وهي تشمل فقط النساء اللاتي تمكن من توثيق الانتهاكات الحاصلة بحقهن لدى مديريات إقليم كردستان العراق، والآخر أن حكومة إقليم كردستان تستنفر سنوياً في حملات حكومية رسمية وتوعية بهدف التّقليل من العنف الموجّه ضدّ النّساء. على ما يبدو أنّ الحملات التي تُطلقها حكومة إقليم كردستان العراق، سنوياً، لا تحصد نتائج طيبة، ولا تتمكن من الحصول على منسوب منخفض من العنف نحو المرأة، وهذا مرتبط بعوامل متعددة؛ إذ أنّ المجتمع الكرديّ، لا يزال، في أجزاء كردستان، يحمل إرثاً مريباً من العنف الممنهج ضدّ النّساء وهي تشمل الاعتداء الجنسيّ وختّان الإناث والإجبار على الزّواج والقتل بداعي "الشرّف"، والّتي بغالبها تكون ذات خلفية دينيّة أو عشائريّة وعادات وتقاليد مجتمعيّة، ربما لم تكن موجودة قديماً لدى المجتمع الكردي، واكتسبها من خلال ظروف مُختلفة. وبخلاف العراق، يبدو إقليم كردستان العراق أكثر انفتاحاً نحو قضايا المرأة، إذ أن الحكومة الكردستانية تملك إستراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد المرأة ولديها هيئة لرصد حقوق المرأة، وهذا يدل على مدى التزام حكومة كردستان العراق برفع مستوى الجهود المبذولة من أجل الحد من العنف الممارس بحق النساء. لكن، بالمقابلٍ من ذلك، ثمّة نتائج إيجابيّة تمكنت حكومة إقليم كردستان العراق من حصدها في الحملات التي عمِلت على الحدّ من تفشّي العنف ضد النظام في مجتمع إقليم كردستان، وهو من الزيادة الكبيرة في عدد الشكاوى المقدمة إلى المؤسسات المختصة لدى حكومة الإقليم، وهذا ربما يفسّر الزّيادة الكبيرة في نسبة حالات العنف المسجلة لدى وزارة الداخلية، ويفسّر أن الحملات التوعوية التي قامت بها حكومة إقليم كردستان العراق قد أفضت إلى نشر الوعي لدى النساء بضرورة الاحتكام إلى القانون وأجهزته من أجل وقف العنف الممارس بحقهن، عوضاً عن السكوت الموجود منذ مئات الأعوام. وبالرغم من أن إقليم كردستان، في عام 2019، في الوقت الذي سجّل فيه أرقاماً مرعبة في العنف ضد النساء، سجل بالمقابل قفزة نوعيّة في تسلّم المرأة مناصب قيادية ورفيعة في الحكومة، حيث أنها استلمت منصب رئيس برلمان الإقليم ونائبة رئيسة البرلمان، وحصلت النساء على ثلاثة مواقع وزارية، كما زادت المبادرات النسائية والشعبية والإعلامية التي تعمل من أجل القضاء على الثقافة الجندرية والعنف الموجه ضد النساء. وربّما يمكن أن نعزو هذا الأمرين المتناقضين إلى استمرار وجود نزعة قبلية واجتماعية تقليدية لدى جزء كبير من المجتمع المحلي، والتي تكون بدورها مؤسسة للثقافة الذكورية التي تقوم بالدرجة الأولى من خلال العنف ضد النساء والتسلط عليهن وسلب إرادتهن وأفكارهن. أمّا الأمر الأخر، ربما، يعود إلى الظروف الاقتصاديّة التي مر بها إقليم كردستان العراق، ما بين عامي 2014 و2020، بسبب الهجمات الإرهابية التي استهدفت الإقليم، وأوقفت سوق العمل. كذلك، تشكل الظروف الاقتصادية، غير المستقرة، لموظفي حكومة إقليم كردستان، بسبب قطع الحكومة الفيدرالية في بغداد، الرواتب عن الموظفين في الإقليم الكردي، سبباً مباشراً في تنامي ظاهرة العنف ضد النظام، فالعامل الاقتصادي من أهم العوامل التي تنشأ من خلالها العنف والصّراعات عموماً. ختاما؛ كي يتمكّن إقليم كردستان العراق من الوصول إلى مجتمع مُخفف فيه حالات العنف ضد المرأة وسيادة القانون لا الأعراف في هذه القضيّة، ثمة حاجة ضرورية وملحة إلى أن تكون هناك برامج تعليميّة تقوم بتدريس مبادئ حقوق الإنسان والمساواة وحقوق النساء في المجتمع الكردي، وهذا الأمر لا يقتصر على التعليم في المدارس والجامعات، بل يجب أن تشمل القرى والبلدات والمجتمعات الكردية المحافظة، وكل الطبقات الاجتماعية، لأن توعية فئة معينة، ربما يقوّض العنف، لكنه بالتأكيد لا يُمكنه أن ينهيه.
كمال عبد اللطيف يقترب في الشهر الحالي (ديسمبر/ كانون الأول 2020) زمن الثورات العربية من إكمال عقده الأول. انطلق الحراك السياسي والاجتماعي في تونس، وملأ بعد ذلك الشوارع والميادين في أغلب البلدان العربية. أسقط أنظمةً سياسيةً في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن والسودان، وترتبت عنه إصلاحاتٌ شملت دساتير بلدان عديدة، وأوصلت بعض تنظيمات الإسلام السياسي إلى مراكز القرار في كل من تونس ومصر والمغرب. كذلك أدّى إلى زعزعة أركان أنظمة أخرى، مثل النظام السوري الذي ارتمى، منذ بداية الثورة، في أحضان قوى إقليمية ودولية، منحته القدرة على الاستمرار صورياً على رأس السلطة، وألحقت بالشعب السوري أضراراً عديدة، حيث وقع تخريب كثيرٍ من مؤسسات الإنتاج وبنياته، وَتهجير المواطنين في ظروفٍ قاسية، بسبب تسلطية النظام المُسْتَبِدّ وعنفه، وبسبب حسابات القوى الدولية والإقليمية، وضعف تنظيمات المعارضة السياسية التي لم تستطع مواجهة القِوى التي احتلت البلد من جميع جهاته. اختارت بلدان عربية أخرى لم تُنْتِج قواها المجتمعية والسياسية حراكاً سلمياً مماثلاً، بحكم قوة الأيدي المستبدة، القيام بثوراتٍ مضادّة، مخافة وصول رياح التغيير، فَعَمَّ الحراك الثوري بأشكال مختلفة أغلب البلدان العربية، وتحول الوطن العربي من الخليج إلى المحيط إلى أرض تُخفي وتُظهر كثيراً من الغليان السياسي. ننتظر استئناف الحراك الثوري، وذلك بمزيد من العمل بتفاؤلٍ كثير، من أجل اختراق حواجز الثورات المضادّة قِيل الكثير عن الثورات العربية، وعمّت المجتمعات العربية أناشيد تَغَنَّى فيها الشباب بالحرية والديمقراطية ووقف أخطبوط الاستبداد، وقد أصبح مرهقاً ومخيفاً. أَهَلَّت الثورات في زمن بدت فيها علامات شيخوخة، أنظمة سياسية عربية كثيرة ثابتة ومؤكدة، كما شاخت المعارضات التي حرمت الشباب التداول على "تدبير" المبادرات السياسية، القادرة على زحزحة أنماط التفاعل السياسي النمطي، المستوعب لأشكال من التواطؤ المُحاصِر لإمكانية التغيير والإصلاح، إضافة إلى وجود أنظمة تفنّنت في تركيب المشهد السياسي الذي يناسبها والمعارضة التي تقبلها. أصبحنا أمام انحرافٍ سياسيٍّ مكشوف عن القيم التي نشأت بعض الأنظمة العربية من أجلها. ففي نهاية القرن العشرين، بدأ الحديث عن انتقال السلطة في مصر إلى نجل حسني مبارك، ونجل معمر القذافي في ليبيا، ويمكن أن يضاف حكام آخرون، وأنظمة أخرى، في اليمن وسورية والجزائر وفي دول الخليج، ولا نستثني أحداً. تحدّث الذين شككوا في الحراك الثوري العربي عن الأحوال التي آلت إليها المجتمعات التي انفجرت في ميادينها وساحاتها الانتفاضات الثورية، مُتحدّيةً حالات الخوف ومختلف أشكال القمع التي اعترضت حراكها. ولم يجدوا أي حرجٍ في القيام بمفاضلاتٍ غريبة بين زمن بن علي وزبانيته وما جرى بعد هروبه (أو تهريبه) من تونس، حيث انطلقت عملية بناء أفق سياسي جديد، بتنظيم انتخاباتٍ بتوافق مختلف الفاعلين السياسيين على تدبير مسارات ما بعد الحراك. نسي الذين يُقِيمُون المفاضلات التي تمنح زمن ما قبل الثورة امتيازاتٍ معينة مكاسب الفعل الثوري والأبواب الجديدة التي انفتحت اليوم في تونس مقارنة بما قبلها. ندرج مآلات الراهن العربي في بلدان الثورات، بمختلف ما تحمله من تحولات، وشروط، في إطار الصعوبات التي ترافق الفاعلين الذين يساهمون اليوم في تدبير ما بعد الثورة، ونرى في الصعوبات التي تواجه تبيئة المشروع الديمقراطي في تونس الجديدة جملة من المعطيات المرتبطة بعسر بدايات ما بعد الثورة، في اندفاعاتها وأحلامها. كذلك إن الامتحانات التي خاضها الفاعل السياسي التونسي، خلال العشر سنوات التي مضت، ستتيح له التغلب على آثارها والاقتراب أكثر من الأفق الذي تطلع إليه الشباب التونسي، وهم يرفعون شعارات الثورة في شارع الحبيب بورقيبة. لم تستطع الثورات المضادّة التي اختارت مواجهة المد الثوري، إيقاف صور الحراك الاجتماعي الذي تواصل طوال سنوات العقد الماضي لم تستطع الثورات المضادّة التي اختارت مواجهة المد الثوري، باسم مواجهة الإسلام السياسي، أو مواجهة التطرُّف، لم تستطع إيقاف صور الحراك الاجتماعي الذي تواصل طوال سنوات العقد الماضي، حيث شاهدنا انتفاضات الشارعين، الجزائري واللبناني، وشَكَّلا معاً عناوين كبرى جديدة في مشروع مواجهة النظام الجزائري والنظام الطائفي في لبنان، واستوعبت الشعارات التي رفعها الشباب في بيروت والجزائر تطلعات مجتمعاتهم إلى بناء الأفق الوطني الديمقراطي. إلا أن حدث الانفجار الذي حصل في ميناء بيروت، واستمرار تطويق الآلة العسكرية المهيمنة على النظام والمجتمع في الجزائر، إضافة إلى الأزمة الصحية التي فجَّرها وباء كورونا ومقتضياته الداعية إلى الحجْر الصحي، أدت إلى توقف حراك الشباب، أو لنقل أدَّت إلى كُمُونِه، في انتظار العودة إلى الشارع وإكمال المسار الثوري المؤجّل، من أجل مجتمع المواطنة والديمقراطية في البلدين معاً، وإكمالها قبل ذلك وبعده في مختلف البلدان العربية. تقف اليوم جائحة كورونا، لتدفعنا إلى توسيع دوائر التفكير في السياسة والتحولات السياسية، انطلاقاً من مقتضياتها وشروطها، وهي تُعَدُّ اليوم العنوان الأكبر والأبرز في كل المجتمعات، فقد أصبحت تشكل سقفاً ضاغطاً وقاتلاً، وأخبار ضحايا المصابين بفيروس كورونا، وقد تضاعف عددهم، تنبئ بوضع كارثي، وبتداعيات تشمل مختلف مرافق الحياة والعيش المشترك. فعل الثورة ليس خطّياً، والجدليات التي يقيمها مع التاريخ في جريانه تخضع لعوامل معقدة ومركبة نتبيّن، ونحن نراجع مسارات الأحداث وتطورها، أن فعل الثورة ليس خطّياً، وأن الجدليات التي يقيمها مع التاريخ في جريانه تخضع لعوامل معقدة ومركبة، خصوصاً عندما تتخذ الثورات في بعض أوجهها مظاهر عفوية، أو لا يقودها فريق واحد، أو تساهم في تدبير جوانب منها أصابع أجنبية، أو تكون ثورة شبابٍ ينخرط فيها ويقودها تحت ضغط مختلف أوجُه الحرمان، شباب لم يعد مقتنعاً تماماً بلغة المؤسسات السياسية وأفعالها المتواطئة مع الطائفية والاستبداد والتخلف... ثورة يلتحق بميادينها فاعلون بخياراتٍ سياسيةٍ متعدّدة ومتناقضة وهدف مركزي جامع، يتمثل بإسقاط أنظمة الاستبداد والفساد وبناء مجتمع جديد. ننتظر استئناف الحراك الثوري، وذلك بمزيد من العمل بتفاؤلٍ كثير، من أجل اختراق حواجز الثورات المضادّة، مواجهة هرولة المطبّعين القدامى والجدد، مواجهة ضغوط الوباء وتداعياته، مواجهة الفروق الاجتماعية التي ساهمت الأزمة الصحية في فضح أوجُهها الأخرى.. الوقوف في وجه تسلّطية الأنظمة التي تمارس، زمن الوباء، تجريب وسائل وأدوات أخرى لمزيد من ضبط المجتمع.. ننتظر العودة إلى الحالة الثورية العربية، للانتصار على حالة الجمود والانقسام الفلسطيني في الأرض المحتلة، ووقف التغلغل الأجنبي في مجتمعاتنا.
كرس المناضل بهاءالدين نوري كل حياته من اجل الحرية والعدالة والوطن والكادحين. ناضل مخلصا وفيا مقداما وقياديا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي لعقود طويلة. يقينا يتكلل سجل مسيرته الطويلة في الحزب بالتضحيات والمواقف والانجازات المعروفة والكثيرة، وفي نفس الوقت يتحمل كقيادي في مراحل نضالية مختلفة مسؤولية الاخطاء والاخفاقات. بتقديري ان المرحلة الاكثر أهمية في حياة هذا الرجل العنيد الوفي والملتزم بقضيته حتى وهو خارج الحزب، هي مرحلة حياته الاخيرة، مرحلة مساهماته المتواصلة وطروحاته ومواقفه ومواجهاته الفكرية والسياسية وانتقاداته الواضحة والموضوعية للسلطات والاحزاب المتنفذة في اقليم كردستان وفي العراق. بهاء الدين نوري رفض العزلة والركون الى الهدوء ومراقبة اوضاع الوطن والناس من بعيد. على عكس أقرانه ورفاق دربه وقادة الحزب الآخرين من جيله، سجل بأستمرار حضورا مثيرا ومتميزا وكان صوتا عاليا مسموعا، دائم المواجهة في فضح السلطات والفساد والمزايدات القومية ومدافعا عن مصالح الجماهير وقضية الشعب الكوردي الوطنية والديمقراطية، وبذلك قدم للأجيال القادمة دروسا ثمينة، واكتسب المزيد من التقدير والاحترام والتأثير على الرأي العام وعلى مواقف وتفكير الشباب. التقيت الرفيق بهاء الدين نوري قبل حركة الانصار في اكثر من مناسبة، في الانصار عملت معه في قاطع السليمانية ولفترة قصيرة في الاذاعة في جبل نۆڕێ. كانت لنا بحكم حيويته المعهودة حواراتنا ومناقشاتنا ومعايشاتنا عن قرب، عرفتني عليه بشكل افضل وأغنت تجربتي الحياتية ومدتني بالخبرة النضالية. لروح المناضل المخضرم بهاء الدين نوري الف سلام وسكينة ولأهله ومحبيه ورفاقه التعازي والمواساة.
عدالت عبدالله يبدو إن الإتحاد الوطني الكردستاني أمام خيارين لا ثالث لهما، الخيار الأول هو عدم إيلاء أي إهتمام بما يدور في الشارع الكردستاني من إستياء جماهيري عارم تجاه الوضع المتأزم الراهن والسكوت أمام تفرد حزب الديمقراطي الكردستاني بزمام الأمور والسلطة في الإقليم وبالتالي القبول بتبعية سياسية مشينة ومخزية كانت وراء خسارة شعبيته ونفوذه في العقد الأخير، والخيار الثاني هو التنسيق مع الأحزاب الكُردية الأخرى لإيجاد مخرج سياسي عقلاني للأزمة المالية الراهنة، التي يدفع اليوم المواطن وموظفي إقليم كُردستان ثمانها الباهض. ليس لدى الإتحاد، دون أدنى شك، معالجات سحرية وجاهزة للوضع القائم، ومشروع اللامركزية الذي يُطرح ويتم الترويج له في أوساط إعلامية، ما زال قيد البحث ويجري الحديث عنه سياسياً بشيء من الحذر الموضوعي، ذلك لأن هناك تفسيرات وتأويلات متباينة بصدد اللامركزية فضلاً عن إنعدام رؤية مستقبلية واضحة حول تداعياتها ونتائجها السياسية والإدارية المرجوة، وكذلك غياب إتفاق حقيقي بشأنه داخل كل من الإتحاد الوطني وحركة التغيير أيضاً. الآن، كل ما هنالك، هو أن حزب الطالباني لايريد أن يبقى مكتوفة الأيدي وبلا موقف يعكس جدواه السياسي للشارع الملتهب والغاضب ربما من كل شيء!، لاسيما أن هناك مطالبات سياسية وإعلامية بلعب هذا الحزب دوراً ما للحيلولة دون إنفراد أي طرف سياسي لمجريات الأحداث في الإقليم وبالتالي تفاقم الأوضاع لحد إنفجار الشارع. بمعنى آخر، إن الأتحاد الوطني، لا يزال مؤمن بنجاعة وأهمية التفاوض مع الحكومة الإتحادية لحل الأزمة المالية، وبالتالي إدارة حوار وطني جاد مع بغداد يعيد الثقة بين الإقليم والحكومة الإتحادية من خلال تطبيق التفاهمات والإتفاقيات المبرمة وتنفيذ ما تتطلع اليه بغداد وما وضعته كشروط جديدة للدخول في تفاوض مُجدي للطرفين. و ربما إجتماعات الإتحاد الوطني مع حركة التغيير والأحزاب الأخرى في هذه الأيام تأتي في هذا السياق تحديداً، ولكن دون أن يعني ذلك أبدأ أن الإستقطاب المستجد هذا هو لمرامٍ سياسية وحزبية كما يفقه الحزب الديمقراطي بهذه اللغة!، وإنما على عكس من ذلك، كان ومازال على هذه الأخير أن يتعاطى مع التطورات هذه، بحكمة وبموقف واقعي والنظر لما يعاني منه المواطن والشريحة الموظفة بمسؤولية وبعقلية التمثيل السياسي لمطالب الشعب، خصوصاً بعد أن أخفقت حكومة إقليم كُردستان في تحسين الأمور كما وعدت بذلك مرارا وتكراراً وتصحيح المسار مع بغداد وتأمين مستحقات الموظفين ورواتبهم الشهرية في مواعيدها المحددة.
غسان شربل ساعةَ تلقيه نبأَ قتلِ العالمِ فخري زاده، «الصندوق الأسود» للبرنامج النووي، وجدَ المرشد الإيراني علي خامنئي نفسَه في وضع شبيه تقريباً بذلك الوقت الذي تلقى فيه نبأ قتل قاسم سليماني، على رغم الفوارق بين الرجلين. كان سليماني الأقرب إلى قلب المرشد، وكان حارس حلم «تصدير الثورة» إلى الإقليم. وثمة من يعتقد أن فخري زاده كان «سليماني الحلم النووي». وما يربط بين الحدثين هو أنَّ الأول تمَّ بأمر من دونالد ترمب، والثاني يُعتقد أنَّه نُفّذ بأمر من بنيامين نتنياهو، مستفيداً من «أسابيع الجمر» التي تفصلنا عن موعد انتقال البيت الأبيض إلى سيّده الجديد جو بايدن. المبالغة تقليد عريق في منطقتنا. نضخّم حجم الأحداث ونروح نتكهن حول الردود والأثمان. ومنطقتنا تساعد على ذلك. إنَّها منطقة العداوات التي لا تنتهي. والخناجر التي تتظاهر بالاستكانة، لكن من دون أن تتقاعد. منطقة ضربات وأخطار لم تتعلم من ولائمها الدموية القديمة والحديثة. لنترك الإفراط في المبالغات. يمكن العثور على بديل لأي رجل مهما كان لامعاً. يمكن إعادة إعمار أي منشأة مهما كانت حساسة. الأصعب هو معالجة الجروح التي تصيب الصورة. صورة النظام أو سيده أو الآلة الممسكة بخيوطه. ولا مبالغة في القول إنَّ إيران تتَّجه إلى ختام السَّنةِ الحالية مصابةً بجرحين كبيرين. الأول افتتحت به السَّنة وهو الهجوم الأميركي الذي قتل في بغداد الجنرال سليماني الذي يتحدَّث عنه رفاقه وكأنَّه غيفارا الثورة الإيرانية؛ خصوصاً بعدما غيّر هويات دول وعواصم. ويصعب الاعتقاد أنَّ طهران تمكَّنت من الرد على هذا الجرح بما يوازيه ولهذا سمعنا تكراراً عبارة «الصبر الاستراتيجي» فضلاً عن عبارة «في الزمان المناسب والمكان المناسب». أغلب الظن أنَّ إيران كانت تستبعد أن يتخذ أي رئيس أميركي قراراً بقتل سليماني. استهدافه مختلف عن استهداف أسامة بن لادن أو أبو بكر البغدادي. ولعلَّها كانت تعتقد أنَّ دونالد ترمب نفسه، صانع المفاجآت، لن يجرؤ على تخطي «الخط الأحمر» الذي يشكله استهداف من أدَّى رقصة النصر فوق خرائط «الهلال الإيراني». الاستهداف المبرمج للأميركيين في العراق لم يرتفع إلى مستوى الرد الذي يغسل الضربة فبقي جرح الهيبة ينزُّ. لم يكتف ترمب بذلك. واصل سياسة «الضغط الأقصى» على إيران ملحقاً الخسائر باقتصادها وبشبكة تمويل مؤسساتها وأذرعها. وبطريقة لا تخلو من الاستفزاز كان ترمب يضع إيران دائماً في خيار صعب، إما تجرّع مزيد من الخسارات، وإما الانخراط في مواجهة شاملة غير متكافئة. وشكَّلت صعوبة التكهن بالمدى الذي يمكن أن يذهب إليه سيد البيت الأبيض عنصراً رادعاً منع طهران وحلفاءها من تنظيم رد موازٍ لقتل سليماني. والحقيقة أنَّ الضربة الأولى تمثلت في خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي شكَّل فرصة تاريخية لإيران، حين وافق على إلغاء العقوبات في حقّها، في مقابل القيود النووية، ومن دون التطرق إلى الهجوم الذي تشنُّه في الإقليم، وترسانتها الباليستية. تبادل الضربات الإيرانية - الأميركية قديمٌ، وهو من عمر الثورة الخمينية. لكن الضربات من الجانب الأميركي اتَّخذت في عهد ترمب بعداً غير مسبوق، ويمكن اعتبارها نوعاً من إلغاء الخطوط الحمر للرد على الجروح السابقة. وكانت الممارسات الإيرانية التي بدأت باحتجاز الأميركيين رهائنَ في سفارة بلادهم في طهران، وتفجير مقر المارينز في بيروت وخطف الرهائن شكلت عملياً نوعاً من إلغاء الخطوط الحمر التي تفرضها القوانين الدولية حتى في حال الاشتباك. ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل عالماً نووياً على الأرض الإيرانية. فعلت ذلك في بدايات العقد الماضي. جديد العملية الأخيرة هو اسم الرجل وأهميته وعجز سلطات بلاده عن حمايته على رغم تسميته قبل عامين من قبل نتنياهو على مرأى من العالم بأسره، في إطار كشف الوثائق النووية التي سرقها «الموساد» من الأدراج الإيرانية. جديدها أيضاً هو حجم الاختراق الإسرائيلي على الأرض الإيرانية، فالهجوم يحتاج إلى بنية لتوفير المتفجرات والأسلحة والانتقال ثم الانسحاب، أي أنه يحتاج إلى تواطؤ من داخل أجهزة أو التسلل من خلال ثقوبها. وجديد العملية أيضاً توقيتها قبل انتهاء ولاية ترمب بأسابيع، ما يعني أنَّ إدارة بايدن قد تجد نفسها أمام وقائع جديدة تعقّد أي عودة أميركية إلى الاتفاق النووي. يضاعف من وقع اغتيال فخري زاده على إيران أنَّه يأتي بعد الكشف عن اغتيال «أبو محمد المصري» أحد كبار مسؤولي «القاعدة» وفي طهران بالذات، ما يؤكد الاتهامات السابقة ضد الأجهزة الإيرانية. كما أنَّه يأتي في وقت تواصل فيه إسرائيل حرباً معلنة على «التموضع» الإيراني على الأراضي السورية. تحظى هذه الحرب بتأييد أميركي كما تحظى عملياً بقبول روسي. وعلى رغم تكرار الهجمات الإسرائيلية لم تستطع طهران تنظيم رد موازٍ، لا عبر الجبهة السورية، ولا عبر الجبهة اللبنانية، ما يوحي بمحاولة فرض قواعد اشتباك جديدة أو العودة إلى امتلاك ورقة الردع. ويقول الخبراء إنَّ روسيا ليست في وارد دعم رد إيراني صاروخي انطلاقاً من الأراضي السورية. يقولون أيضاً إنَّ الجيش السوري ليس قادراً على احتمال تبعات انطلاق مثل هذا الهجوم من الأراضي السورية. يلفتون كذلك إلى أنَّ الانهيار الشامل الذي يعيشه لبنان يمنع «حزب الله» من تنظيم عملية واسعة للرد انطلاقاً من لبنان. يضاف إلى كل ما تقدَّم أنَّ العملية الأخيرة جاءت بعد تحوّل كبير في المنطقة تمثَّل في إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين على قاعدة القلق المشترك من السياسات الإيرانية. وهذا يعني عملياً أنَّ برنامج التطويق الشامل للدول البارزة في الإقليم الذي أطلقته إيران قبل سنوات أصيب بتصدعات كبيرة. ها هو الشرق الأوسط يعيش بلا خطوط حمراء، وتتلوى بعض خرائطه على نيران الحروب الأهلية أو الأحقاد المذهبية أو التدخلات الخارجية وسط تصاعد المخاوف وتغير الأولويات. عبر اختراق الخرائط واحتجاز المدن وتغيير الملامح والاغتيالات والغارات سقطت الخطوط الحمر في المنطقة. طبيعي أنْ يتصاعدَ القلق، وأن تأملَ كلُّ عاصمةٍ أن تبقى بمنأى عن وليمة الجمر إذا فتحت على مصراعيها.