قصف مطار اربيل بطائرة مسيّرة: سيناريو “الحوثي” يتكرر في كردستان؟
2021-04-19 07:30:48
صلاح حسن بابان
بعد نحو شهرين على آخر هجوم استهدف، مجمعاً عسكرياً في مطارها الدولي، عادت أربيل مرةّ جديدة لتكون ساحة صراع إقليمي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، بعد هجوم بطائرة مسيّرة مفخخة بمادة “تي أن تي” على قاعدة لقوات التحالف داخل مطار أربيل الدولي. إلا أن الفصل الجديد الذي أضيف لفصول هذا الصراع هو دخول الجانب التركي على الخط.
تزامن الهجوم على المطار، مع وقوع هجوم آخر في محافظة نينوى المحاذية لأربيل استهدف قاعدة زليكان العسكرية التركية في جبل بعشيقة بخمسة صواريخ، ثلاثة منها سقطت داخل المعسكر، و اثنان سقطا على قرية مجاورة، ليتسبب الهجوم الصاروخي بمقتل جندي واحد بحسب الإعلام التركي. وتتولى قوات حرس نينوى التابعة لمحافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي المقرّب من تركيا، حراسة بوابات المعسكر الرئيسية، بينما تتواجد القوات التركية داخله.
هجوم صاروخي ثالث استهدف معسكر اللواء 30 في الحشد الشبكي وهو لواء يتكوّن عناصره من جماعة الشبك، وهو تابع للحشد الشعبي في ناحية برطلة ذات الغالبية المسيحية في مناطق سهل نينوى، وقد جاء “كردّ فعل” على استهداف مطار اربيل، بحسب تفسير عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة نينوى قصي عباس وهو من الشبك أيضاً، من دون الإشارة إلى الجهة المسؤولة عن ذلك. في المقابل يوجه كثيرون اصابع الاتهام نحو حزب العمال الكردستاني.
لكن عضو العلاقات الخارجية في الحزب كاوه شيخ موس ينفي أي صلة لهم بالهجوم: “ليس لدينا أي تواجد في المنطقة أو المناطق المجاورة لها، ولكن إذا قامت جهات رافضة للوجود التركي بهذا الاستهداف فهو يُعبّر عن رفض الشعوب لهذا التواجد، وإذا أردنا استهداف القوات التركية فنستهدفها داخل الأراضي التركية ونتبنى العملية دون خشية من أحد”.
الكاتب والمحلل السياسي الكردي عدالت عبدالله يصف وجود القواعد العسكرية التركية داخل أراضي إقليم كردستان بـ”غير الشرعية” وهو شكل لا يختلف أبداً عن “الإحتلال”.
لكن بالعودة إلى استهداف مطار اربيل، فإن المؤشر الأخطر في الحادثة أنها نُفذت بتكتيك مغاير وغير مألوف عن الهجمات السابقة، بإستخدام طائرة مسيّرة هذه المرة، على غرار ما يقوم به الحوثيون في استهدافهم المواقع السعودية. وقد جرى التلميح بوضوح إلى ضلوع الميليشيات التابعة لايران بهذا الهجوم، وهو ما ظهر في تغريدة القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ووزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري: “يبدو أن المليشيا نفسها التي استهدفت المطار قبل شهرين تعاود الكرّة. هذا تصعيد ملموس وخطير”.
يعزو المحلل السياسي الكردي كوران قادر في حديثه لـ"درج" استهداف أربيل دون غيرها من المدن الكردية الأخرى إلى أن موقعها جغرافياً يجاور مدينتي نينوى وكركوك، كما انها متاخمة للحدود التركية وكذلك الايرانية، و”يمكن ان يكون استهدافها بمثابة رسالة الى تركيا المتصارعة الأزلية مع إيران في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أنها عاصمة الاقليم وفيها الحكومة والبرلمان وتصدر القرارات الحكومية الرسمية منها”.
أربعة أحداث مُتتالية، في أربعة أوقاتٍ متقاربة جداً، يمكن لقراءتها ان تساعد في فكّ طلاسم لغز القصف الأخير على أربيل والقاعدة التركية. الأوّل يتمثل في الزيارة “المستغربة” لرئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني “المقرّب” من أنقرة إلى فرنسا قبل أيام ولقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويبدو أنه حمل معه رسالة تركية إلى فرنسا، تُطالبها بوقف دعم الفصائل الكردية “المتمردة” في سوريا. أما الثاني فيتمثل بزيارة نيجيرفان إلى بغداد فور عودته من فرنسا، وما قاله في مؤتمر صحفي أثناء تواجده في العاصمة العراقية أن “مشكلة إقليم كردستان مع بغداد لا تنحصر في مسألة الموازنة، بل ترتبط بقضية المادة 140 الدستورية، وترتبط بكركوك وسنجار والمناطق الأخرى”. الحدث الثالث، يتمثل باستئناف “الحوار الإستراتيجي” افتراضياً بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، وجاءت نتائجه لتزعج ايران والميليشيات العراقية التابعة لها. أما الرابع فهو الهجوم الذي تعرضت له منشأة نطنز النووية الإيرانية الأحد الماضي، وما تلاه من رد فعل “إعلامي” عليه.
ويبدو أن الرد الإيراني جاء عبر تسريب أخبار عبر وسائل إعلام إيرانية ، أبرزها “برس تي في” و”ايران بالعربية”، عن استهداف مركز معلومات وعمليات خاصة تابع للموساد الإسرائيلي في مدينة أربيل من قبل مجموعة مجهولة الهوية. مؤكدةً مقتل وإصابة عدد من عناصر الموساد، واصفةً العملية بأنها “ضربة جدية” لإسرائيل، واعدةً بنشر تفاصيل إضافية عن العملية في وقت لاحق.
المتحدث الرسمي باسم حكومة الاقليم جوتيار عادل سارع إلى نفي وجود أي مركز استخباراتي إسرائيلي في الإقليم. والقيادة الكردية، كما يرى الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر، ليست على هذه الدرجة من عدم الدراية بمغبّة إقامة علاقات استخباراتية مع دولة مثل اسرائيل. ويرى البيدر أن الهدف من نشر هذه الشائعات، هو “شيطنة” القيادة الكردية ومحاولة تحقيق انتصار معنوي للجهات المرتبطة بإيران عبر ايهام جمهورها بوجود مخططات كبيرة لاستهدافهم.
الردّ الرسمي على استهداف اربيل اقتصر هذه المرة أيضاً، كما هي الحال مع الهجمات السابقة التي تعرضت لها العاصمة الكردية، على بيانات الاستنكار فقط. بارازاني اتصل بوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو وأدان “الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت أربيل وبعشيقة”. ثم قام بالاتصال برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي “لإعادة التأكيد على هدفنا المشترك المتمثل في محاسبة هذه الجماعات الخارجة على القانون”. مؤكداً لشعب إقليم كردستان أن “أعضاء الجماعة الإرهابية المسؤولة عن هذا الهجوم سيُحاسبون على أعمالهم”.
الممثلة الأممية الخاصة في العراق جینین بلاسخارت، اعتبرت بدورها في تغريدة لها على تويتر، إن ما حدث في أربيل “مثال آخر على المحاولات الطائشة لتأجيج التوترات وتهديد استقرار العراق”. داعية الحكومتين الاتحادية وإقلیم کردستان إلى “التحرك بسرعة وانسجام لمنع المزيد من التصعيد”. أما رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي فقد أمر بفتح تحقيق فوري، واصفاً عملية استهداف مطار أربيل بـ”الإرهابية”. وبما ان الرسميين لا يشيرون بوضوح إلى الجهة الفاعلة، ولا تتبنى أي جهة هذه العمليات التي تبقى مجهولة المصدر، ينتظر الأكراد تكرارها، طالما ان الكباش الأميركي- الايراني مستمر، والى جانبه كباشات أخرى تستخدم الطاولة الكردية في لعبة “ليّ الأذرع” الإقليمية.