غسان شربل    ساعةَ تلقيه نبأَ قتلِ العالمِ فخري زاده، «الصندوق الأسود» للبرنامج النووي، وجدَ المرشد الإيراني علي خامنئي نفسَه في وضع شبيه تقريباً بذلك الوقت الذي تلقى فيه نبأ قتل قاسم سليماني، على رغم الفوارق بين الرجلين. كان سليماني الأقرب إلى قلب المرشد، وكان حارس حلم «تصدير الثورة» إلى الإقليم. وثمة من يعتقد أن فخري زاده كان «سليماني الحلم النووي». وما يربط بين الحدثين هو أنَّ الأول تمَّ بأمر من دونالد ترمب، والثاني يُعتقد أنَّه نُفّذ بأمر من بنيامين نتنياهو، مستفيداً من «أسابيع الجمر» التي تفصلنا عن موعد انتقال البيت الأبيض إلى سيّده الجديد جو بايدن. المبالغة تقليد عريق في منطقتنا. نضخّم حجم الأحداث ونروح نتكهن حول الردود والأثمان. ومنطقتنا تساعد على ذلك. إنَّها منطقة العداوات التي لا تنتهي. والخناجر التي تتظاهر بالاستكانة، لكن من دون أن تتقاعد. منطقة ضربات وأخطار لم تتعلم من ولائمها الدموية القديمة والحديثة. لنترك الإفراط في المبالغات. يمكن العثور على بديل لأي رجل مهما كان لامعاً. يمكن إعادة إعمار أي منشأة مهما كانت حساسة. الأصعب هو معالجة الجروح التي تصيب الصورة. صورة النظام أو سيده أو الآلة الممسكة بخيوطه. ولا مبالغة في القول إنَّ إيران تتَّجه إلى ختام السَّنةِ الحالية مصابةً بجرحين كبيرين. الأول افتتحت به السَّنة وهو الهجوم الأميركي الذي قتل في بغداد الجنرال سليماني الذي يتحدَّث عنه رفاقه وكأنَّه غيفارا الثورة الإيرانية؛ خصوصاً بعدما غيّر هويات دول وعواصم. ويصعب الاعتقاد أنَّ طهران تمكَّنت من الرد على هذا الجرح بما يوازيه ولهذا سمعنا تكراراً عبارة «الصبر الاستراتيجي» فضلاً عن عبارة «في الزمان المناسب والمكان المناسب». أغلب الظن أنَّ إيران كانت تستبعد أن يتخذ أي رئيس أميركي قراراً بقتل سليماني. استهدافه مختلف عن استهداف أسامة بن لادن أو أبو بكر البغدادي. ولعلَّها كانت تعتقد أنَّ دونالد ترمب نفسه، صانع المفاجآت، لن يجرؤ على تخطي «الخط الأحمر» الذي يشكله استهداف من أدَّى رقصة النصر فوق خرائط «الهلال الإيراني». الاستهداف المبرمج للأميركيين في العراق لم يرتفع إلى مستوى الرد الذي يغسل الضربة فبقي جرح الهيبة ينزُّ. لم يكتف ترمب بذلك. واصل سياسة «الضغط الأقصى» على إيران ملحقاً الخسائر باقتصادها وبشبكة تمويل مؤسساتها وأذرعها. وبطريقة لا تخلو من الاستفزاز كان ترمب يضع إيران دائماً في خيار صعب، إما تجرّع مزيد من الخسارات، وإما الانخراط في مواجهة شاملة غير متكافئة. وشكَّلت صعوبة التكهن بالمدى الذي يمكن أن يذهب إليه سيد البيت الأبيض عنصراً رادعاً منع طهران وحلفاءها من تنظيم رد موازٍ لقتل سليماني. والحقيقة أنَّ الضربة الأولى تمثلت في خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي شكَّل فرصة تاريخية لإيران، حين وافق على إلغاء العقوبات في حقّها، في مقابل القيود النووية، ومن دون التطرق إلى الهجوم الذي تشنُّه في الإقليم، وترسانتها الباليستية. تبادل الضربات الإيرانية - الأميركية قديمٌ، وهو من عمر الثورة الخمينية. لكن الضربات من الجانب الأميركي اتَّخذت في عهد ترمب بعداً غير مسبوق، ويمكن اعتبارها نوعاً من إلغاء الخطوط الحمر للرد على الجروح السابقة. وكانت الممارسات الإيرانية التي بدأت باحتجاز الأميركيين رهائنَ في سفارة بلادهم في طهران، وتفجير مقر المارينز في بيروت وخطف الرهائن شكلت عملياً نوعاً من إلغاء الخطوط الحمر التي تفرضها القوانين الدولية حتى في حال الاشتباك. ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل عالماً نووياً على الأرض الإيرانية. فعلت ذلك في بدايات العقد الماضي. جديد العملية الأخيرة هو اسم الرجل وأهميته وعجز سلطات بلاده عن حمايته على رغم تسميته قبل عامين من قبل نتنياهو على مرأى من العالم بأسره، في إطار كشف الوثائق النووية التي سرقها «الموساد» من الأدراج الإيرانية. جديدها أيضاً هو حجم الاختراق الإسرائيلي على الأرض الإيرانية، فالهجوم يحتاج إلى بنية لتوفير المتفجرات والأسلحة والانتقال ثم الانسحاب، أي أنه يحتاج إلى تواطؤ من داخل أجهزة أو التسلل من خلال ثقوبها. وجديد العملية أيضاً توقيتها قبل انتهاء ولاية ترمب بأسابيع، ما يعني أنَّ إدارة بايدن قد تجد نفسها أمام وقائع جديدة تعقّد أي عودة أميركية إلى الاتفاق النووي. يضاعف من وقع اغتيال فخري زاده على إيران أنَّه يأتي بعد الكشف عن اغتيال «أبو محمد المصري» أحد كبار مسؤولي «القاعدة» وفي طهران بالذات، ما يؤكد الاتهامات السابقة ضد الأجهزة الإيرانية. كما أنَّه يأتي في وقت تواصل فيه إسرائيل حرباً معلنة على «التموضع» الإيراني على الأراضي السورية. تحظى هذه الحرب بتأييد أميركي كما تحظى عملياً بقبول روسي. وعلى رغم تكرار الهجمات الإسرائيلية لم تستطع طهران تنظيم رد موازٍ، لا عبر الجبهة السورية، ولا عبر الجبهة اللبنانية، ما يوحي بمحاولة فرض قواعد اشتباك جديدة أو العودة إلى امتلاك ورقة الردع. ويقول الخبراء إنَّ روسيا ليست في وارد دعم رد إيراني صاروخي انطلاقاً من الأراضي السورية. يقولون أيضاً إنَّ الجيش السوري ليس قادراً على احتمال تبعات انطلاق مثل هذا الهجوم من الأراضي السورية. يلفتون كذلك إلى أنَّ الانهيار الشامل الذي يعيشه لبنان يمنع «حزب الله» من تنظيم عملية واسعة للرد انطلاقاً من لبنان. يضاف إلى كل ما تقدَّم أنَّ العملية الأخيرة جاءت بعد تحوّل كبير في المنطقة تمثَّل في إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين على قاعدة القلق المشترك من السياسات الإيرانية. وهذا يعني عملياً أنَّ برنامج التطويق الشامل للدول البارزة في الإقليم الذي أطلقته إيران قبل سنوات أصيب بتصدعات كبيرة. ها هو الشرق الأوسط يعيش بلا خطوط حمراء، وتتلوى بعض خرائطه على نيران الحروب الأهلية أو الأحقاد المذهبية أو التدخلات الخارجية وسط تصاعد المخاوف وتغير الأولويات. عبر اختراق الخرائط واحتجاز المدن وتغيير الملامح والاغتيالات والغارات سقطت الخطوط الحمر في المنطقة. طبيعي أنْ يتصاعدَ القلق، وأن تأملَ كلُّ عاصمةٍ أن تبقى بمنأى عن وليمة الجمر إذا فتحت على مصراعيها.


كتب: ستران عبدالله احدهم بالقلم حاز على نوبل الاداب والاخر بالقدم حاز على كأس العالم هذا هو الواقعية السحرية في امريكا اللاتينية التي تغلبت على الدكتاتوريات اليمينية العسكرية و مازالت تجاهد من اجل يسار يمزج بين الوطنية و المساواة بمسحة روحية مسيحية لم تفلح في توليفه يساريات العالم الاسلامي على قدمها في الموائمة بين الاتجاهات المزدحمة ولعل هذا ماقصده المفكر الباكستاني طارق علي بترنيمة (قراصنة أمريكا الجنوبية) في وصفه للمواجهة العالمية بين تجارب امريكا اللاتينية من اجل الفكاك من قبضة مصالح الشركات العالمية المحتكرة من جهة  و بين الولايات المتحدة التي تعتبر بلدان امريكا الجنوبية حديقتها الخلفية في الاستثمار غير المتكافئ، و الاصح تعتبرها مخزن حاوية  لنفاياتها الخلفية وهامش لتصفية  حسابات غسيلها  السياسي القذر مما لا تقدر عليه ضمن منظوماتها المكشوفة. وسمى طارق علي تلك النخبة النادرة من القادة اللاتين وتجاربهم المثيرة للجدل بقراصنة امريكا الجنوبية (أبطال يتحدون الهيمنة الامريكية) . وقد برع هؤلاء القراصنة في تطوير تحالف واسع و فضفاض من فاعلي اليسار والاحزاب الوطنية والشعبوية مع رموز الدين من القساوسة والكنائس الثورية المرتبطة بالطبقات الفقيرة من احباب المسيح والسيدة العذراء. وسر الوصفة الشعبية يلعب الدور الاكبر.  فاتحاد هذا الخليط العجيب بسحر اللحظة الثورية هي التي حققت انتصارات باهرة لليسار الشعبي في العديد من بلدان امريكا اللاتينية، سواء بالتغيير المسلح كما في كوبا اواخر خمسينات القرن الماضي او بالتغيير السلمي والديمقراطي كما في فنزويلا و البرازيل و بوليفيا و غيرها ، في  اواخر عهود الدكتاتورية العسكرية. وما يوحد الاطراف المختلفة و يطيب خاطر الاطياف الملونة هو احلام المستقبل الاتي  و مصالح الغنيمة التي سرعان ماتتقاطع وتكشف التناقضات. كل هذا ومن هذا العجين المتنوع كان غابريل غارسيا ماركيز يستنبط مادة رواياته في الواقعية السحرية التي تميزت بها ادب امريكا اللاتينية، وكان هو رائدها بالطبع. فجنرال يعيش في خريفه البطرياركي و كولونيل ليس لديه من يكاتبه و اجمل غريق في العالم قصة ادبية و ريبورتاجا صحفيا يشكل خزينا حيويا لكاتب اشتراكي الهوى يغازل بسحر الخيال مادته الواقعية. ومائة عام من عزلة الجنرال في متاهته ينتهي بأدب ثري يحصد جائزة نوبل في الادب مع مايعقب ذلك بداهة من ثراء في المعيشة نتيجة لايرادات الروايات ودهاليز البلاط النوبلي وممراته. وفي ساحات الملاعب يحصد الهداف المراوغ ماريو كامبس في عام ١٩٧٨ كأس العالم لبلده الارجنتين،  ليجمل بشاعة اطلالة الحكم العسكري في سابقة خطيرة  لتدخل السياسة في الملف الكروي. حيث قدم كيسنجر المنبوذ كردستانياً و المتورط لاتينيا جائزة كأس العالم هدية رخيصة للدكتاتور خورخي فيديلا طمعاً في تحسين صورته وصورة أمريكا في بلاد التانجو الارجنتيني. مع ما اعقب ذلك من حكم الجنرالات من اصدقاء خريف البطريارك بحسب الرواية الماركيزية. فبلاد العم السام المهوس بكرة القدم الامريكية لايهمها مصير مسارات اللعبة الشعبية في العالم. وسنة الفوز الملتبس بكأس العالم هي  السنة التي شهدت تعزيز الولادة الكروية لمارادونا الساحر والذي حصد نوبل العالم في كرة القدم عام ١٩٨٦ بمراوغات قدمه الذهبية كما بهدفه (الحرام) باليد في الشباك الانكليزي والتي سماها مارادونا بيد العناية الالهية ليغطي على خسارة العسكر الارجنتيني امام استعمار السيدة الحديدية ماركريت تاتشر في حرب جزر الفوكلاند عام 1982. ويظل السجل الكوروي لامريكا اللاتينية كما لادبها الواقعي السحري مرتبطاً بالسياسة والجنرالات والدكتاتوريات يميناً ويساراً. فغابريل غارسيا ماركيز الذي فضح في روايته خريف البطريارك البطل الدكتاتوري اليميني ببزاته العسكرية ونياشينه من الصفيح هو نفسه التبست عليه الصورة في واقع الحياة حينما تعلق الامر بالدكتاتورية اليسارية في كوبا فيدل كاسترو التي أطالت عمرها في الحكم مستعينة بماضي ثوري مجيد وتحدي عادل ومشرف لسياسات امريكا ،...وأيضاً مما هو مأسوف عليه، من تحالف هش ومخجل مع دكتاتوريات العالم الثالث وعلى رأسهم كاستروالعراق.  أما رواية اليسار الرياضي ممثلاً بالاسطورة ديغو مارادونا فقصته كانت أكثر التباساً وغموضاً، فهذا الساحر الذي جمع بين الاحتراف الملياردي و نزعته اليسارية،  أو بالاصح نزوعه نحو الطبقة الكادحة التي خرج هو منها، ارتبط في محطات من حياته بملف المنشطات المخجل وببعض من مواقف الشغب السياسي التي سرعان ما كان ينسحب منها بمجرد أعادة ترتيب اولويات عرف بها حريفو كرة القدم كما حريفو السياسة.  فقد كان مارادونا معجباَ بجيفارا الثوري العالمي الاشهر وهو من مواطني بلده الارجنتين وكان صديقا لكاسترو بطرياك كوبا و هوغو شافيز اخر السادة المحترمون في نادي قراصنة امريكا الجنوبية من فنزويلا. ولم يجمع قصة تحدي كرة القدم وقصة الكفاح الادبي بين ماركيز ومارادونا،  فمجالات الابداع  مختلفة . ولكن جمعهما الحب الرومانسي والاعجاب الكبير بكاسترو . حيث كان كاسترو صديقاً لكليهما وأستفاد من شهرتهما لتلميع صورته بعد ظهور تجاعيد سياسية على ملامحه حيث ذبل وبهت مشهد الزعيم الثوري العظيم لصالح مشهده الاخير كزعيم طويل القامة وطويل الاقامة في الحكم. وربما سيجمع بينهما بوتريت فني بقلم روائي آخر من روائي الواقعية السحرية في القارة البرونزية،  حيث السحر واليسار والعسكرية و توابل روحية لا بد منها.


  إيفان شاكر الدوبرداني      تمثل تقنية بلوكتشين أو سلسلة الكتل إحدى أهم تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وتعد تقنية بلوكتشين عالم ما بعد الإنترنت وستغير شكل العالم بجميع مجالاته خلال سنوات المقبلة، ومن مميزاتها الرئيسية خفض الرسوم في جميع المجالات وكذلك خفض الرسوم البنكية وتقليل الأخطاء البشرية مما يوفر المال والوقت والجهد ومما يؤدي إلى تحسين الاقتصاد العالمي وقد وصفها منتدى الاقتصادي العالمي في دافوس قبل نحو أربعة أعوام بأنها ستكون القلب النابض للنظام المالي العالمي ومن المتوقع أيضاً في غضون عام 2028 أن نحو 10% من الدخل المحلي الإجمالي في العالم سيكون مسجلا من خلال تقنية بلوكتشين أي ما يقدر بنحو 9 تريليون دولار من أصل 90 تريليون دولار من إجمالي الدخل العالمي. وقبل أن ندخل في صلب الموضوع سوف اشرح لكم شرح مبسط عن تقنية بلوكتشين وطبيعة عمله: تقنية "بلوكتشين" (blockchain) تعني سلسلة الكتل وهي نظام لسجل عام إلكتروني مشترك وآني ومشفر وقواعد بيانات لامركزية وإتمام التعاملات دون وسيط ثالث وتؤدي إلى تقليل في التكاليف والمدة، وكل كتلة مرتبطة مع بعضهما بسلاسل وتقنية بلوكتشين تستخدم في مجالات عديدة ليست فقط في العملات الرقمية وظهرت هذه التقنية في عام 1991 لأول مرة وفي تقنية بلوكتشين تكون كل كتلة مشفرة بحيث هذه التقنية تعتمد على عنصر الأمان وتشفير الهوية بحيث لا أحد يعرف من هو صاحب هذه الكتلة (بلوك) ولكن فقط تكتب على هيئة رموز مشفرة وكل كتلة تحتوي في داخلها على مجموعة من بيانات مثلا  صاحب كتلة x1 يرسل بيانات مشفرة الى صاحب كتلة x2 ولكن هذه بيانات مشفرة لا يعلم أحد ما في داخلها غير هذه الكتلتين ولكن تتم هذه عملية أمام أصحاب جميع الكتل البقية في شبكة بلوكتشين حول العالم والكل سوف يعلم بأن هذه العملية تمت لكن بدون معرفة ما في داخل هذه البيانات المشفرة وتكون كل كتلة لديها بصمة إلكترونية تشفيرية وتسمى بال Hash ويكون لديها كود خاص مما يضمن الخصوصية ومن الصعب اختراقها وتكون نسبة الشفافية فيها عالية جداً لأن البيانات تنتقل بأمان من دون فك شفرتها وعملية اختراق البيانات ستكون شبه مستحيلة. وتقنية بلوكتشين ستغير شكل المؤسسات والحكومات خلال السنوات المقبلة ولأن تقنية بلوكتشين تعتمد على التشفير لتأكيد المصداقية والأمن وتكون إدارتها لامركزية ومن أهم الأهداف التي سوف تحققها تقنية بلوك تشين في المستقبل القريب أنها سوف ستلغي دور الوسيط ومنع التلاعب في سجل البيانات وتبادل امن للمواد القيمة، وذلك لقدرتها الفائقة على تسريع العمليات بأقل تكلفة واقل جهد وبفترة زمنية قياسية. وأيضا ستنهي تقنية بلوكتشين حقبة الإدارة البيروقراطية والروتين المُمل في معاملات الحكومية التي تستغرق أسابيع لكي تتم إتمام المعاملة ولكن بواسطة تقنية بلوكتشين ستستغرق هذه المعاملات اقل من ساعة أو عدة ثواني وتحسن جودة البيانات والحد من التزوير ومكافحة الفساد وصولاً إلى خفض تكلفة المعاملات وتسريع وقتها وتقليل أخطار الاحتيال ويوفر لدولة أموال وتقلل تكاليف الإنفاق. ولذلك عديد من الحكومات والشركات تستخدم الآن تقنية بلوكتشين في عدة مجالات ومنها: 1- في مجال العملات الرقمية المشفرة يتم إنشاء العملات الرقمية المشفرة باستخدام تقنية بلوكتشين (blockchain) ويتم تداولها إلكترونياً عبر منصات عديدة وفي عام 2009 أنشأ شخص مجهول باسم مستعار يدعى ساتوشي ناكاموتو أول عملة رقمية مشفرة وهي بيتكوين والتي تعد بمثابة شرارة الانطلاق لهذه التقنية المبهرة التي تم اعتماد عليها في إنشاء العديد من العملات الرقمية المشفرة وكذلك تم استخدامها في عدة مجالات أخرى وأن عدد العملات الرقمية المشفرة المتداولة حالياً في العالم حوالي 2000 عملة رقمية مشفرة مثل بيتكوين وريبل وإيثيريوم وغيرها من العملات الرقمية المشفرة، وتعتبر تقنية بلوكتشين الآن العمود الفقري للعملات الرقمية المشفرة. 2- وفي مجال الاستثمار تساهم تقنية بلوكتشين في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لأنها تقلل الجهد ويوفر المال والوقت والسرعة في إنجاز المعاملات بفترات زمنية قياسية والابتعاد عن روتين المُمل والتعقيدات الإدارية البيروقراطية ولأن نسبة الأمان والشفافية عالية جداً في تقنية بلوك تشين وهذا يعتبر عامل مهم جداً لجذب المستثمر وبدأ في أنشاء مشاريع استثمارية. 3- وأيضاً في مجال العقارات بدأت عدة دول بتطبيق تقنية بلوكتشين وفي مقدمتها دولة الإمارات وأيضاً قامت دولة السويد بتطبيق تقنية بلوك تشين في تنفيذ عمليات تسجيل الأراضي والعقارات و تضم العملية خمسة أطراف دائرة الأراضي والبائع والمشتري والوسيط العقاري و المصرف التجاري، مما أدى إلى تقليص مدة إجراء المعاملات من عدة أشهر الى بضعة ساعات قليلة  وبالتالي وفرة الوقت والجهد والمال للحكومة السويدية وتستفيد جميع الأطراف من مزايا بلوك تشين المهمة كالأمان والموثوقية لان من مستحيل أن يتم تهكيره أو تزويره والتلاعب به لأن ببساطة  عملية تتم أمام جميع أعضاء المشاركين في تقنية بلوكتشين. 4- وفي مجال الخدمات المصرفية تساهم هذه التقنية في منع عمليات التزوير في الصكوك وتقليل تكاليف وخفض الرسوم البنكية وعدم الاعتماد على الإجراءات التقليدية وتوفير الوقت وتقديم خدمات أرخص وفي نفس الوقت تزيد من هامش الربح للمصارف. 5- وكذلك في مجال تعاملات التجارية للاستيراد والتصدير حيث تقوم بالاطلاع على بيانات الشحنات المختلفة مثل وضعها الحالي وموعد استلامها وبشكل فوري وبسرعة أفضل ويتم إنجاز المعاملة بيوم واحد فقط ما يعزز من الحركات التجارية والابتعاد عن الإجراءات التقليدية التي تؤخر عمليات الاستيراد والتصدير لعدة أسابيع ما يسبب ضررا للحركات التجارية وقامت مؤخراً شركة علي بابا بتطبيق تقنية بلوك تشين وإطلاق منصة خاصة بها وهذا خير دليل على أن هذه التقنية بدأت تأخذ حيزاً كبيراً من أهمية لدى الشركات التجارية العالمية. 6- وكذلك في المجال القانوني يستطيع المحامون إنشاء عقود ذكية في صورة كود مشفرة وكذلك يساعدهم على صياغة عقودهم وتسجيل المعاملات التجارية وتفادي تكرار الوثائق وحيث سيتم تخزين كل البيانات والمستندات مع التحقق منها وكما سيتم توثيق أي تغييرات على المستندات وتخزينها وكذلك المحاكم تستطيع عبر تقنية بلوك تشين تسوية المنازعات عبر الحدود بطريقة بسيطة وسلسلة وأكثر كفاءة. 7- وفي مجال الرعاية الصحية يستخدم أيضاً هذه التقنية لمنع التجارة بالأعضاء البشرية ومساعدة المرضى في تحقق من سلامة الدواء وإذا تعرض المريض لأي تأثيرات سلبية بعد تناول الدواء يمكنه إبلاغ السلطات الصحية والشركة المصنعة من خلال تقنية بلوك تشين وهذا يساعد على سحب الدواء عند حدوث أي مشكلة ومحاسبة الشركة المصنعة للدواء. 8- وفي مجال الطيران تستخدم تقنية بلوك تشين في تقليص الوقت المعالجة والسماح للعودة زمنيا لنقاط معينة، مع التحصين والأمن اللازم للحفاظ على المعلومات ومؤخرا بدأت شركات الطيران حول العالم بالاهتمام بهذه التقنية لأهميتها البالغة في مجال الطيران. 9- وكذلك في القطاع الزراعي تستخدم تقنية بلوك تشين في تتبع حركات الماشية والمدفوعات والملكية وفي تجارة القمح أيضاً ومما يتيح سهولة تبادل المعلومات بين الشركات المشاركة في مجال الزراعة ويتم تأمين هذه المعلومات وحمايتها من عمليات الاحتيال. مما يسهل هذه التقنية عمل الحكومة ويطور عملها ويمنع عملية الاحتيال والأخطاء وعديد من الحكومات طبقت تقنية بلوكتشين وبحسب تقرير أصدره مركز الإمارات للثورة الصناعية الرابعة في الإمارات بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي ومؤسسة دبي للمستقبل وتحقق دولة الإمارات وفراً سنوياً يتجاوز 11 مليار درهم أي ما يقارب 3 مليار دولار أمريكي من تبني تكنولوجيا التعاملات الرقمية بلوكتشين إضافة إلى الحد من استخدام 398 مليون ورقة مطبوعة وتوفير 77 مليون ساعة عمل سنوياً. وتعد تقنية "بلوكتشين" هي الحل الجوهري لحكومة إقليم كوردستان للقضاء على البيروقراطية ولهذا نتمنى من حكومتنا في إقليم كوردستان أن تطبق تقنية بلوكتشين بأسرع وقت في بعض المجالات على أقل تقدير وأن تواكب العولمة وتكون سباقة في التطور وحيث تعد تقنية بلوكتشين ثورة صناعة رابعة ومن خلالها سوف تستطيع حكومة إقليم كوردستان القضاء على البيروقراطية و الروتين القاتل في بعض قطاعات الحكومية  وسينهي زمن المعاملات الورقية الحكومية و سوف يقلل من إنفاق الحكومة وسيوفر للحكومة أموالا وكذلك سيستقطب رؤوس أموال أجنبية للاستثمار في داخل إقليم كوردستان، و سأعطي مثالاً على ذلك مثلاً  شخص أو مستثمر اجنبي يعيش في أوروبا وبدون الحاجة أن يسافر إلى إقليم كوردستان يستطيع شراء عقار في إقليم كوردستان مثلاً في مدينة أربيل بواسطة تقنية بلوكتشين وبغضون دقائق بدون الذهاب إلى دائرة العقار وبنفس الوقت سيضمن الشفافية و المصداقية وعدم التزوير وبدون أي تعقيدات. ولان تكنولوجيا هي محرك الاقتصاد في قرن الـ21 والتكنولوجيا هي التي ستقود الاقتصاد العالمي في نهاية المطاف، ولذلك مهم جداً تأسيس حكومة إلكترونية ذكية تلبي كافة الطموحات، ولأن العالم مقبل على عولمة جديدة وتعتبر تقنية بلوكتشين جيل جديد من هذه العولمة، والقصد من مقالتي هي ترقية الاقتصاد الكوردستاني نحو أفضل و مواكبة التطور التكنولوجي والاستفادة منه، ولذلك أتمنى من حكومة إقليم كوردستان بأخذ مقترحي بمحمل الجد.   * باحث في الشؤون الاقتصادية


برهان غليون أولا، القضية السورية في الطريق المسدود: بعد ما يقرب من عشر سنوات من الصراعات الدموية داخل سورية وعليها، وما رافقها من حرب الإبادة والتغيير الديمغرافي، وما نجم عنها من انهيارات في الدولة والمجتمع والثقافة والخدمات الاجتماعية، ومن دمار العمران وتهجير ملايين البشر وإلحاقهم بمخيمات النزوح واللجوء، وأكثر من عقد للخروج بتسويةٍ، ولو على حساب تنازلات شعبية كبيرة، لا تزال القضية السورية في طريق مسدود، ولم ننجح في التقدّم خطوة واحدة على طريق حلها، بل إنها تزداد تعقيدا، مثلما يزداد الوضع تعفنا على جميع المستويات. والسبب هو، ببساطة، أننا خسرنا الحرب، لكن النظام لم يربح شيئا، ولكنه غرق في الدماء التي سفكها، وسوف يزداد غرقا كلما تقدّم الزمن، ولا يملك أي مخرج بديل للمخرج الذي يسعى، هو وجميع حلفائه، لتجنبه، أي السقوط الحر في هاوية الفوضى والخراب والعذاب التي لا قعر لها. والقضية التي نتحدث عنها ليست معجزة. إنها، ببساطة، التغيير السياسي، والانتقال من حكم الأسرة والعشيرة والمافيا، الذي فقد مرتكزاته الداخلية تماما بعد ثورة السوريين، إلى حكمٍ يخضع لإرادة الشعب، بالمعنى المتعارف عليه، والمعبّر عنه بصندوق الاقتراع، كما أصبح عليه معيار الحكم الصالح في هذا العصر في كل بقاع العالم. وهي القضية التي لا تزال معلقةً وممنوعة من الصرف، والتي من المستحيل، في الوقت نفسه، تجاوزها أو المرور من فوقها، ليس لأن ثمنها دفع مسبقا من دماء ملايين الناس وذلهم وقهرهم وتهجيرهم وتعذيبهم، ولكن أكثر من ذلك، لأنها أصبحت طافيةً على سطح الأحداث والأفكار والحياة السورية بأكملها، وصارت مصدر خرابٍ تشكل الدولة ذاتها أكبر ضحاياه. ولم يعد بالإمكان إيجاد أي حلٍّ لأي مشكلة، صغيرة أو كبيرة، اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو تربوية أو صحية، من دون إصلاحها. وكلما تأخرت المواجهة والحل زاد التعفّن والخراب، وتفاقمت مشكلات السوريين جميعا، من القاعدة إلى القمة. خسرنا الحرب، والنظام لم يربح شيئا، فقد غرق في الدماء التي سفكها، وسوف يزداد غرقا كلما تقدّم الزمن هناك بالتأكيد أنظمة استبدادية أو ديكتاتورية دموية ربحت الحرب ضد ثورات شعبية، واستطاعت أن تستعيد توازنها، وتعيد ترميم بعض الشرعية، لأنه كان لديها مشروع سياسي للمجتمع والدولة، ولو عملت عليه بوسائل قمعية. وهذا كان مصير نظم شيوعية قديمة عديدة. أما الأسد فلا يحمل في جعبته ومعسكره أي مشروع سياسي يعني المجتمع بأكمله، ولا حتى طبقة منه، وإنما الإصرار على إعادة تثبيت السلطة العائلية المافيوية، وهذا ما يتطلب بعد ثورة عارمة تجديد وزيادة الاستثمار في إعادة بناء آله القهر والقمع والتلاحم أكثر مع قوى الاحتلال الأجنبية التي أصبحت صاحبة الكلمة الطولى في كل القرارات السياسية، المصيرية وغير المصيرية، واستكمال حرب الإبادة الجماعية والتفرقة الطائفية، تنويع سبل البلطجة والسلب والنهب لموارد البلاد والسكان، لتعويض ما حرمته منه الحرب من عوائد وكلّفته من نفقات. ما يعني أيضا تعزيز سياسة التغيير الديمغرافي، وتجزئة البلاد وتفكيكها، وتحييد كل منطقة بالمنطقة المجاورة، وتسعير الخلافات والنزاعات الطائفية والمذهبية والأقوامية. هذا هو المشروع الوحيد الذي يحمله تجديد حكم الأسرة، أي وضع الدولة، كما لم تكن في أي وقت سابق، في خدمة النشاطات المافيوية، وتعميم طرق عملها ووسائلها في القتل والعنف والاحتيال، وتحويل الشعب إلى أدوات وخدم يتسولون لقمة عيشهم على أبواب مليشياته، وفي حاويات فضلات جيوش احتلاله، ولا خيار لهم سوى الركوع أمامه والتضرّع له. وهذا لا يعني في الواقع سوى شيء واحد، هو استمرار الحرب لكن بوسائل أخرى، فلن تستطيع المافيا التوقف عن العنف، ولن يتوقف الشعب عن المقاومة، مهما كلفته من خسائر وتضحيات. في المقابل، لا يبدو أن هناك عند أحد مما يسمى المجتمع الدولي، أو ينتمي إليه، أي اعتبار لمصير الملايين من الناس المشرّدين والأطفال المحرومين من التعليم، بل من الكساء والدواء والطعام. وحتى شهرزاد الدول التي سمّت نفسها "تجمع أصدقاء الشعب السوري" سكتت عن الكلام المباح. لا يوجد، منذ عشر سنوات، إلا الألاعيب السياسية الصغيرة والغش والاحتيال الدبلوماسي واللفظي والاستهزاء بعقول الناس ومشاعرهم، وتركهم لمصيرهم. يتهرّب الجميع من مسؤولياته، ويخفي هربه وراء دعم بعض المنظمات الإنسانية، في انتظار معجزةٍ لم تأت ولن تأتي. لا يبدو أن لدى المجتمع الدولي أي اعتبار لمصير الملايين من الناس المشرّدين والأطفال المحرومين من التعليم، بل من الكساء والدواء والطعام ولا يختلف عن ذلك موقف مؤسسات المعارضة التي تحاول التغطية على عجزها ومراوحتها في المكان ببعض الاستعراضات المضحكة. بالمقابل، لا تكفّ معنويات الناس عن التدهور والانهيار بوتيرة تدهور شروط حياتهم اللاإنسانية وانهيارها، حتى بلغ اليأس مداه، بينما لا تزال مافيا النظام وحماتها من الروس والإيرانيين يراهنون على خداع المجتمع الدولي، ويسعون إلى كسب الوقت لإعادة تأهيل النظام. ثانيا، وهم الرهانات الخارجية ما الذي أودى بنا إلى هذه الهاوية، وأفقدنا أي مقدرة على التأثير على مصيرنا، وحرمنا من أي اختيار؟ لا يوجد عامل واحد وراء الأحداث الكبيرة، وإنما تضافر عوامل متعدّدة. وفي حالتنا المأساوية، لا يمكن الشك في أن الصراعات الإقليمية والدولية المستمرة، والموقع الجيوسياسي والاستراتيجي الذي تمثله سورية، كانا حاسميْن في تحويل الصراع من صراع سياسي داخلي إلى صراع إقليمي ودولي، لم يعد للسوريين مكان مؤثر فيه. لكن افتقارنا، في الثورة والمعارضة، إلى استراتيجية واقعية وناجعة، للرد على هذا العداون المتعدّد الأطراف، الداخلي والخارجي، لعب دورا لا يمكن إنكاره في ما وصلنا إليه. وأعتقد أن ما حدّ من قدرتنا على بلورة مثل هذه الاستراتيجية الناجعة تعلقنا بأوهام ثلاث، لا نزال لم نتحرّر منها. الوهم الأول وجود التضامن الدولي مبدأ فاعلا في السياسة. اعتقدنا، مثل شعوب ضعيفة كثيرة في حالتنا، أن العلاقات الدولية مبنية على مواثيق وقوانين وأعراف دولية، لا يستطيع أي طاغية أن يتجاوزها، أو أن لا يحسب حسابها، أو على الأقل أن يمرّ بمشروع حربه الإبادية من دون أن يستثير رد فعل من الموقعين على تلك المواثيق والقوانين، وأن يدفع ثمن خرقها. لكن أثبتت الوقائع، للأسف، أنه لا يزال من المبكر رهان الشعوب الضعيفة على مثل هذا المبدأ الأخلاقي في الحياة الدولية، فقد مرّ الأسد بمشروعه، واستمر في حربه الإبادية من دون أن يستفز أحدا أو ينال عقابا من أحد. الموقع الجيوسياسي والاستراتيجي الذي تمثله سورية كانا حاسميْن في تحويل الصراع من صراع سياسي داخلي إلى صراع إقليمي ودولي الوهم الثاني انحياز الغرب الديمقراطي، بل دعمه الحتمي أي مشروع ثورة أو تغيير ديمقراطيين في العالم. وهو الوهم الناجم عن الاعتقاد بوجود تناقض استراتيجي وحتمي بين معسكري الديمقراطية والديكتاتورية، وأن الغرب الديمقراطي لا يمكن، من منطلق حماية مصالحه ذاتها، أن يتخلى عن دعم حركاتٍ ديمقراطيةٍ تقرّب منه بلدانا وشعوبا ترزح تحت سلطة الاستبداد. وقد شهدنا في سورية تعاونا استثنائيا بين الدول الديمقراطية الغربية والنظم شبه الشمولية في موسكو وطهران، لم نعهده أو لم ندرك إمكانية تحققه من قبل. وكم كان صعبا إقناع النشطاء في السنة الأولى للثورة بأن الغرب الديمقراطي لم يكن جاهزا لنجدة الثوار السوريين، حتى لو طالبوا بذلك، وأعلنوا يوما للتظاهر باسم "جمعة التدخل الدولي". لكننا ندرك اليوم أن دمقرطة العالم ليست على أجندة أيٍّ من الدول الديمقراطية، وأن ما يهم هذه الدول، وما يهيمن على جدول أعمالها، بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة، هو "الأمن" والأمن وحده، قبل أي مبدأ أو غاية أخرى. وهي تعتقد، لسوء حظها وحظنا، أن أمنها الذي يتخذ طابعا هوسيا اليوم يتحقق بشكل أفضل أو أوثق من خلال دعم النظم الديكتاتورية، خصوصا في تلك البلدان التي تعرف مسبقا أن أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسة عميقة ومعقدة، لا يستقيم حلها من دون تعديلاتٍ في السياسات العالمية، وتقديم تنازلاتٍ مكلفة من الدول المتقدّمة للدول النامية والفقيرة في المسائل الاقتصادية والاستراتيجية. الوهم أن الدول التي تبني قوتها على استغلال البلدان الفقيرة واستخدامها لتحقيق مآربها الاستراتيجية يمكن أن تكون عونا في دعم التحولات الديمقراطية خارج نطاق ناديها هو من مخلفات أوهام الحرب الباردة. والوهم الثالث حتمية انتصار الحق، والاعتقاد بأن الحق سلطان، وأن عدالة ثورتنا السلمية لا يمكن أن تخفى على أحد، وأن الظلم الفادح الذي يتعرّض له شعبنا، الواضح كوضوح الشمس، لا يمكن ألا يستفز ضمير العالم ويحثّه على الانتصار لقضيتنا والتفاعل معنا. وقد تبيّن لنا أن الحق لا ينفصل في السياسة والعلاقات الدولية عن المصلحة، وأنه من الممكن لتوافق مصالح أخرى أن يغيبه تماما، أو حتى يحول دون الاعتراف به وإنكاره إذا اقتضى الأمر، حتى من دون أن تكون هذه المصالح المتوافقة شرّيرة بالضرورة أو قائمة على نية الشر. وهذا يعني أن الحق في عالمٍ قائمٍ على التنازع والصراع لا يضمن بالوراثة، ولا يثبت بالقانون وحده، وإنما ينتزع ويفرض بالقوة. وأن القانون من دون قوة تطبيقه لا قيمة له ولا أثر. وفي حالتنا السورية، لم نكن ضحية تحالف مصالح مناقضة لتثبيت حقنا في التغيير والسيادة والتنمية والحرية فحسب، وإنما أكثر من ذلك ضحية تقاطع مصالح دولية يصعب التوفيق بينها. فكما أن لدى دول كثيرة، إقليمية وغير إقليمية، مصالح مشتركة في أن تبقى سورية مسرح حرب تخوض عليه معاركها وتحل عقدها، ليس لديها أي مصلحة مشتركة في أن تعود سورية مستقلةً وحرّة وموحدة. دمقرطة العالم ليست على أجندة أيٍّ من الدول الديمقراطية، فما يهمها بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة، هو "الأمن" والأمن وحده ليس من مصلحة طهران وقف النزيف السوري، وإنما بالعكس، الدفع نحو مزيد من التفكّك والتمزّق والتعفّن، لتحقيق حلمها في تغيير مذهبي وديمغرافي واستراتيجي إقليمي، تعتقد أنه من مصالحها الاستراتيجية وحقها، وقد تقدّمت خطوات واسعة على طريق إنجازه. وفي المقابل، من مصلحة روسيا تأهيل النظام، وعدم المغامرة بما حققته من مكتسبات استراتيجية كبرى في ظله ومعه، وأي حل للقضية السورية يهدّد هذه المكتسبات أو يعيد النقاش فيها. ولا يمكن لإسرائيل أن تحلم بوضع أفضل على حدودها الشمالية من الوضع الذي أخرج سورية من أي حساباتٍ استراتيجية عقودا طويلة مقبلة، وربما أدى إلى زوالها كدولة موحّدة. ومن الأفضل لأنقرة، بل لا خيار لها، خوض الحرب الكردية التركية المستمرة منذ أكثر من خمسة عقود على الأرض السورية من خوضها على الأراضي التركية. أما دول الخليج، فيشكل الانهيار السوري فرصة لا تفوّت للتحلل من التزاماتها العربية القومية السابقة، وتجاوز حاجز القضية الفلسطينية للتفاهم مع إسرائيل، والتعويض عن انسحاب الإدارة الأميركية الاستراتيجي من المنطقة، بتحالف استراتيجي إقليمي قوي ليس في مواجهة طهران فحسب، ولكن في مواجهة ثورات الشعوب الجديدة القادمة. أما أميركا فقد وجدت في الجزيرة السورية أرضا داشرة، تبني عليها قواعد عسكرية ومشاريع خاصة، من دون أي التزامات قانونية تجاه أي دولةٍ أو سلطة سيادية. ولا يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن الجديدة ستغير موقفها جذريا، وتحمل على عاتقها عبء العمل على إزالة الانتداب/الاحتلال المتعدّد الأطراف على سورية. ثالثا، في سبيل وقف التفكّك والانهيار كنت دائما أعتقد، ولا أزال، أن القضية السورية لا حل لها إلا بأحد أمرين: تفاهم دولي أو تفاهم وطني داخلي. التفاهم الدولي، كما شهدنا، كان أحد رهاناتنا الوهمية الخادعة، وهو غير متوفر وغير محتمل حتى الآن. ولو استسلمنا له سوف ننتظر على الأغلب طويلا. وحتى لو تبدّلت الأوضاع وصدف وحصل التفاهم بين بعض الدول المعنية، فلن تكون التسوية فيما بينها إلا على ما يوافق مصالحها، ولن يهتمّ أحدٌ منها بتلبية مطالب الشعب، ولن يكون من مصلحة أحد مساعدتنا على استرجاع سيادتنا ورد حقوقنا المسلوبة. أما القرارات الدولية فبإمكانها الانتظار سنوات طويلة، كما حصل لأشقائنا الفلسطينيين من قبل. ليس من مصلحة طهران وقف النزيف السوري، بل الدفع نحو مزيد من التفكّك والتمزّق والتعفّن، لتحقيق حلمها في تغيير مذهبي وديمغرافي واستراتيجي إقليمي أما العودة إلى الحرب والحلول العسكرية، فقد استنفدت أغراضها وتجاوزها الزمن. ولم يبق لنا من وسائل التغيير، اليوم، سوى العمل السياسي والاستثمار في إعادة بناء الوطنية، ولا أعني بها هنا إلهاب الحماس العاطفي أو التعصب القومي، إنما السياسة التي تهدف إلى إعادة توحيد الشعب الذي قسّمته الحرب وحكم العصابة المافيوية والاحتلالان، الداخلي والخارجي. وهذا لا يأتي من تلقاء نفسه مهما أطلنا الانتظار، ولا يمكن المراهنة في تحقيقه على المبادرات الخارجية، حتى الإيجابية منها. إنه يحتاج إلى عمل بطيء ومثابر وطويل وشاقّ لرأب الصدع. ويستدعي الابتكار في كسر جدران الكراهية والحقد والانتقام التي ولدتها الحرب، كما يتطلب الإبداع في فتح النوافذ والمعابر الصغيرة لإعادة التواصل واستعادة روح الحوار والاهتمام والاحترام المتبادل المفقود. لا ينفي هذا المسار ولا يستدعي التخلي عن القرارات الدولية التي أقرت للسوريين الحق في الانتقال السياسي الديمقراطي، ولكنه يردّ على فشل المجتمع الدولي في تطبيقها، بعد ما يقارب السنوات العشر من إقرارها. وهو ينطلق من اعتبار ما أظهره النظام من فشل في تحمّل أي ذرةٍ من المسؤولية تجاه محنة الشعب التي تسبب فيها، واستمرائه في معاقبته وتعظيم معاناته وعذاباته، ومن التطلع إلى توحيد إرادة السوريين في التحرّر من براثن حكمه المافيوي، ومن الأمل في عودة الوعي إلى عديدٍ من فئات الشعب التي خدعها الأسد، بعد انكشاف ما آلت إليه حياة جميع السوريين، بسبب سياساته اللاوطنية، بل الانتحارية. هذا هو الطريق لتجاوز العطالة والعجز والدوران في الحلقة المفرغة المستمر منذ سنوات. ولا ينبغي، وليس من مصلحة السوريين الاستسلام لأمل تفاهم دولي سريع محتمل لتحقيق مصالحةٍ لا يمكن لأحد إنجازها غير السوريين، ولا يمكن إنجازها إلا بإنصاف الضحايا وإنزال العقاب العادل بمرتكبي جرائم الحرب من كل المناطق والانتماءات. هل نستطيع، نحن السوريين، أن نخرج من خندقي المعارضة والموالاة، ونفكّر معا كشعب في شروط الخروج من الحرب وإقامة السلام لا أظن أن أحدا يملك رؤية واضحة للطريقة التي يمكن أن نتغلب فيها على حاجز الشك والخوف والكراهية، ونتجاوز خنادق العداء وانعدام الثقة، والتجرّؤ على المكاشفة ومصارحة الذات. ولا توجد أي إجابة جاهزة أو سهلة على مثل هذه الأسئلة الصعبة. ولكن بسبب ذلك أيضا أردت أن يكون هذا المقال مبادرة لدفعنا جميعا، على مختلف مشاربنا وطوائفنا واتجاهاتنا السياسية والفكرية، إلى التفكير والتأمل في مصيرنا الجماعي والوطني، والبحث معا عن خياراتٍ أخرى غير خيار التوكل والانتظار. هل نستطيع، والمقصود هنا السوريون، أن نخرج من خندقي المعارضة والموالاة، ونفكّر معا كشعب في شروط الخروج من الحرب وإقامة السلام، ووضع أسس نظامٍ جديدٍ لا يقوم على الخوف والترويع المتبادل، ولا يستند إلى قوة القهر والإقصاء والعنف، ولكنه يراهن على تنمية روح المواطنة الحرّة والمسؤولية الجماعية والقيم الإنسانية، ويحل مشاعر الألفة والأخوة والعدالة محل مشاعر التعصب والعصبية القبلية، والألفة والثقة الوطنية محل الانحيازات الطائفية والانقسامات القومية؟ هذا هو التحدّي الكبير الذي نواجهه اليوم كسوريين، وليس كمعارضة فحسب. ولا يوجد تحد آخر سابق عليه. والتوافق على هذا المبدأ ــ الحوار هو خطوة أولى لإطلاق التفكير بأي حل. فكي نعيد بناء سورية دولة واحدة، ينبغي أن يكون هناك شعب واحد، وأن تكون لدينا القدرة والاستعداد معا للعمل من أجل تحقيق هذه الغاية الضرورية والنبيلة معا. ولا أشك في أن سورية تمتلك ما يكفي من العقول الحكيمة والنيرة وأصحاب الإرادة الطيبة الذين يدركون أن السير في هذا الطريق، الذي يعني للكثيرين منا تجرّع السم، ليس خيارا، ولكنه الشرط الأول لتقصير زمن المحنة والمعاناة عن أبنائنا، وتقريب زمن التعافي وتجنيب سورية، بلدا وشعبا، مخاطر التفكّك والانحلال. وأنا على ثقةٍ من أن لدى الروح التي تسكن هذه البقاع، العريقة في حضارتها وإبداعها، القدرة الدائمة على أن تولد من رمادها، كطائر الفينيق الذي نسجته من خيالها منذ آلاف السنين، والذي يبقى الأعمق والأجمل بين رموز خرافاتها الغنية والملهمة.   العربي الجديد 


كفاح محمود   منذ أن أدغمت كوردستان بأجزائها الأربعة في دول لا ناقة لشعوبها فيها ولا جمل، وكل انظمة حكمها ترعب الكورد وترهبهم من تبعات استقلال الجزء الذي تسيطر عليه تلك الدولة، وان كوارث عظيمة ستنال شعب كوردستان.  بل وقد ذهب البعض الى تأييدنا من منطلق حق تقرير المصير، لكنه وفي أول محاولة جدية للاستفتاء على الاستقلال انبرى هؤلاء المؤيدون لحق تقرير المصير وجلهم من اليساريين والتقدميين والديمقراطيين، انبروا إلى إعلان خشيتهم علينا من الغول التركي والايراني، وإننا سنكون دويلة محاصرة ستنهار حالها حال شقيقتها في كوردستان الشرقية، التي اغتالها التوافق السوفييتي الإيراني بصفقة غير طاهرة، بالضبط كما كان يرهبنا صدام حسين وحزبه والقذافي ولجانه الشعبية وبعث سوريا وأسده، من إن أي محاولة لإزالتهم من الحكم ستقوم القيامة، بل هدد صدام حسين بأنه سيحيل العراق إلى حفنة تراب إذا اخذوا الحكم منه.  بهذه الثقافة والعقلية تعاملت معظم الأنظمة العنصرية والمحتلة لكوردستان في أجزائها الأربعة، مع طموحات شعب يتجاوز تعداده الأربعين مليون نسمة، يرفض الاستكانة ومحاولة إلغائه، ويصر على أن يمارس إنسانيته وحريته وخياراته الاجتماعية والثقافية والسياسية وبشكل حضاري، دونما الذهاب إلى خيارات أخرى لولا انه اضطر إزاء عمليات الإبادة، الدفاع عن نفسه، كما حصل في معظم الثورات والانتفاضات عبر تاريخه.    لقد اختار الكورد في ولاية الموصل، التي كانت تضم معظم كوردستان العراق، الانضمام إلى المملكة العراقية، ورفضوا اعتبارهم ولاية تركية مقابل الاعتراف بحق تقرير المصير وتحقيق طموحاتهم السياسية والثقافية، واحتراماً للعائلة الهاشمية التي كانت تتمتع بمقبولية كبيرة لدى الأهالي، الذين يدينون في غالبيتهم بالإسلام، ورغم ذلك وبعد سنوات ليست طويلة ظهرت بوادر الغدر والتحايل والتخلي عن تلك الوعود، بل وذهبت حكومات بغداد المتعاقبة، ومن مختلف التوجهات والعقائد، إلى كبح جماح طلائع الكورد واعتقالهم وإعدامهم وشن حرب شعواء على كوردستان، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى غزوة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية داعش، التي اعتبرت الكورد مرتدين وجب إبادتهم كما فعل صدام حسين وعلي كيمياوي في حلبجة والانفال وأقرانهم في سوريا.      لقد تعرض شعب كوردستان العراق إلى أقسى أنواع الاضطهاد والإقصاء بل والإبادة الجماعية، كما حصل في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وفي الأنفال في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، حيث تم قتل ما يزيد على ربع مليون مواطن كوردستاني، وتدمير خمسة آلاف قرية من أجمل قرى الشرق بما فيها من نبات وحيوان وبشر.  ولا تكاد توجد قرية أو بلدة أو مدينة في كوردستان، إلا وتختزن في ذاكرتها تلك المآسي التي اقترفتها كل الأنظمة المتعاقبة دونما استثناء، حتى وصل الأمر بأنهم لم يكتفو بإبادة السكان بل عملوا على إبادتهم في هويتهم وانتمائهم، فأصدروا جملة من القوانين العنصرية التي تمنع تملك الكوردي أي عقار أو سيارة في نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين، إلا أن يغير قوميته ويجد له أصلا غير أصله، كما في قانون تصحيح القومية سيء الصيت، ناهيك عن عمليات التعريب البشعة والتهجير والترحيل القسري للسكان واستقدام مجموعات قومية عربية من خارج المنطقة وإسكانها بدلاً منهم كما حصل في كركوك وديالى والموصل.      لقد تجاوزت تلك الحكومات في تعاملها مع الكوردستانيين حتى إسرائيل وجنوب افريقيا في تعاملهما مع السكان الأصليين سواء الفلسطينيين أو الأفارقة، حيث استنسخت وببشاعة ثقافة الاستيطان وعملت على تطويق كوردستان بحزام ناري من العنصريين والفاشيين، الذين تم إسكانهم على أطلال قرى وبلدات الكوردستانيين، كما حصل في كركوك وأطرافها وسنجار وأطرافها وخانقين وأطرافها، وبعد سنوات الضيم والطغيان،  تباشر شعب كوردستان بإسقاط تلك النماذج المقيتة، التي مثلها البعث والعنصريين الآخرين في نيسان 2003م.  لكن الأحداث التي مرت خلال السنوات السبعة عشر، بعد إسقاط نظام صدام حسين، أثبتت إن التعايش أو الشراكة الحقيقة لا يمكن تحقيقها، خاصة وان ما حدث خلال تلك الفترة كرس ذات الثقافة التي تعاطت مع شعب كوردستان، حيث تم إقصائه وتهميشه بأساليب خبيثة، ربما أكثر إيلاماً مما حدث سابقا، فقد تمت محاصرة الإقليم وإشاعة الكراهية والحقد ضده وضد قياداته ورموزه، والعمل على شق صفوفه والعودة إلى سياسة تصنيع ما كان يسمى بـ (الجتة) أو (الجحوش) ، كما يسمونهم في كوردستان من عملاء أنظمة بغداد، ومحاولة تدميره من خلال قطع حصته من الموازنة السنوية، بما في ذلك مرتبات الموظفين والبيشمركة التي عملوا على إضعافها بل وتدميرها.      لقد كان الإقليم قاب قوسين أو ادني من أن يكون واحدا من أكثر الأقاليم بل الدول ازدهارا وتقدما في الشرق الأوسط، مما أرعب الحاكين في بغداد، الذين عملوا على إيقاف تلك التجربة التي خفضت نسبة الفقر من 50% عشية إسقاط نظام صدام حسين، إلى اقل من 7% في 2013م حسب إحصائيات وزارة التخطيط العراقية، وكذا الحال في الصحة والتعليم والتعليم العالي وخدمات المواطنين وفي مقدمتها الكهرباء، التي غطت كل ساعات اليوم قبل 2014م. لا نريد الخوض في تفاصيل المآسي التي سببتها حكومات العهد الديمقراطي، منذ أول حكومة بعد نيسان 2003 وحتى الأخيرة، فلم تتغير خارطة الطريق التي استخدمتها كل حكومات بغداد منذ قيام المملكة العراقية وحتى يومنا هذا، وما تحقق في كوردستان إنما أنجزه شعب كوردستان وفعالياته السياسية والاجتماعية، وما صموده أمام الحصار والتآمر والحرب القذرة التي شنها العنصريون والفاشيون القوميون والدينيون على كوردستان، باسم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، منذ أكثر من ست سنوات إلا استكمالا للأنفال والحرب الكيماوية والحصار الذي استخدمه المالكي وتبعه العبادي في ذات النهج، هذا الصمود والصبر الذي أكد إيمانه بالاستقلال، والخلاص من هذا الإلحاق القسري بنظام ودولة لا تمت بأي صلة إلى كوردستان تاريخيا وجغرافيا وقوميا وثقافيا وحضاريا. لأجل ذلك وبعد فشل كل محاولات الإقليم وقيادته من ترتيب الأوضاع مع بغداد، وحرصه على إقامة دولة مواطنة مدنية ومشاركة حقيقية، وبعد فشل كل محاولات الاقليم لحل الاشكاليات مع بغداد، وتحذير قيادة الاقليم بانها ستلجأ الى الشارع الوطني في كوردستان، ذهبت القيادة إلى تنفيذ إرادة شعبها في الاستفتاء بأسلوب مدني حضاري يوم 25 ايلول 2017م، معتمدة على الاعراف والعهود والقوانين الدولية، وأجرت  حوارات مع بغداد لانجاز تحقيق مطالب شعب كوردستان، معلنة بانها لن تعلن قيام الدولة الا بعد التفاوض والاتفاق مع بغداد التي اعتبرتها عمقا استراتيجيا لكوردستان. إلا أن ما حدث من ردود أفعال بعد اجراء الاستفتاء وبأقل من شهر وبتخطيط وتوافق مع ايران وتركيا ومع زمرة تاجرت بمصالح كوردستان العليا وسلمت مقدراتها بايدي هؤلاء، أكدت إن التوجه العدواني والعقلية الاقصائية للحاكمين في بغداد لم تتغير، فقد شنوا هجوما عسكريا واسعا على كوردستان وخطوطها الدفاعية الاولى في كركوك وسنجار وخانقين، وبغض نظر فاضح من القوى العظمى، وباستخدام احدث الاسلحة الأميركية من دروع ودبابات اجتاح الجيش وميليشيات الحشد الشعبي معظم المناطق الكوردستانية خارج ادارة الاقليم والمسماة ( المتنازع عليها) في أخطر خرق للدستور الذي يحرم استخدام المؤسسة العسكرية في النزاعات السياسية بين الاقليم والحكومة الاتحادية.  وهددوا كيان الاقليم السياسي والدستوري بمحاولتهم التقدم الى اربيل ودهوك، وفرضوا حصارا عدوانيا قاسيا على الاقليم وشعبه بغلقهم الحدود والمطارات وقطع معاشات الموظفين وحصة الاقليم من الادوية والوقود، بل والامتناع عن دفع مستحقات فلاحي كوردستان الذين سلموا كل منتوجهم من الحبوب منذ 2014، ناهيك عن قطعهم لحصة الاقليم من الموازنة السنوية لخمس سنوات متتالية والبالغة اكثر من اربعين مليار دولار، وما ترتب عن عمليات الاجتياح لتلك المناطق من تهجير اكثر من مائة الف مواطن في كركوك وقتل مئات المواطنين الكورد وحرق ممتلكاتهم ومحلاتهم والسيطرة على بيوتهم، حيث أعادوا سياسة التغيير الديموغرافي في كركوك وسهل نينوى وسنجار وخانقين. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تشن ميليشياتهم الولائية هجمة دعائية على كوردستان من خلال مجموعة قنواتها المعروفة باتحاد القنوات الاسلامية، والتي تمخضت مؤخرا عن قصف محيط عاصمة الاقليم اربيل بالصواريخ من سهل نينوى الذي تهيمن عليه احدى تلك الميليشيات، ومن ثم الهجوم على مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني في بغداد وحرقه.    ووسط هذا الفشل الذريع في التعامل مع الشريك واضطهاده وبوجود دستور دائم ينظم العلاقة بينهما، يتم خرقه في اكثر من 55 موضع، يبقى السؤال المرير هو:   هل أخطا الكورد بالذهاب الى بغداد وتخليهم عن استقلالهم في 2003 من أجل قيام دولة ديمقراطية مدنية فيدرالية تعترف بحقوقهم وخياراتهم بعد ما يقرب من مليون شهيد وتدمير ثلثي كوردستان، يعود دولاب الاضطهاد والاقصاء ومحاولة الإذلال بالحصار الاقتصادي وإشاعة الكراهية والأحقاد ضد كل ما يمت بالكورد وكوردستان بصلة، ترى هل سنسأل ثانية حينما نطلب تطبيق مخرجات الاستفتاء واستحقاقاته كوثيقة قانونية ديمقراطية حان تنفيذها على الارض كما فعلت جيكوسلوفاكيا وتيمور الشرقية وجنوب السودان؟


أحمد الفيتوري احتار صديقي في أمره، لقد سُجن بتهمة تأسيس حزب، وكانت العقوبة عند معمر القذافي القائد الليبي، الإعدام ما قد يُخفّف للمؤبد، حيرة الصديق مأتاها من أنه المتهم الوحيد في هذا الحزب، ثم مما زاد الطين بلّة، أن طُلب منه اختيار هوية الحزب بين شيوعي وإخواني، وفي الأخير حُكم عليه بالبراءة. ثم ضم إلى قسم البراءة بالسجن، حيث قضى أكثر من عقد من الزمان، وهو يسمع الحرس وإدارة السجن يرددون قسم البراءة، فأمسى كل السجناء يرددون هذه الكنية، على القسم الذي قضى فيه ردحاً من العمر، من دون أن تتبيّن دلالة كنيته: سجين البراءة.  خلط الأوراق، هذا يمكن أن يكون استراتيجية، تتمظهر كما تكتيك، جعلت من آل تونس يرددون عن الحال الليبية آنذاك وحتى الآن: تحب أن تفهم تدوخ. لقد نبّهني لحالنا تلك، الرئيس الأميركي دونالد ترمب خالط الأوراق البارع، لقد أراد أن يكون: من لا يتوقع فعله وردّ فعله وقبل ما سيقول، ثم إن قال أو فعل هل سيتراجع؟ ورأيت في هذا الأمر، أنها كما حقوق وطنية، حقوق الملكية الفكرية، فالسبق للعقيد الليبي!، في هذا الشأن. وزد على ذلك، أن اعتبرت هذا المشترك، لا يجعلنا في الهمّ شرقاً فقط، بل غرباً أيضاً. يبدو خلط الأوراق استراتيجية قديمة، لكن ممارستها تغيب وتحضر، فتكون في الحال كما تكتيك، يمارسه بعض القادة عند اللحظة المأزومة، عندما يكون ليس ثمة حل مأمول في الأفق. لكن جوهر خلط الأوراق يكون استراتيجياً عند أمثال الديكتاتور الشرقي، كما عند الديكتاتور بالطريقة الأميركية في الألفية الثالثة، ففي الديمقراطية الأميركية تكون مكنة الديكتاتور: ما استطاع إليه سبيلاً، ومن هنا عبّر دونالد ترمب عن حسده لزعماء شرقيين كثيرين. لم يكن ممكناً لـ"الترمبية"، إعادة إنتاج الخلط بالطريقة الليبية أو اللبنانية وغيرهما، إذ ممكن لزعماء لبنانيين متهمين بالفساد، أن يدينوا الفساد والمفسدين، وبإلحاح يؤكدون زعامتهم كمحاربين ضد الفساد، في وقت هم مسؤولون عن ازدهار الخراب في البلاد. كما في الجزائر عند خروج الرئيس المريض على الجماهير، إذ يظهر بجسده المعطل والفاقد الحياة، لكن باعتباره قلب الأمة النابض، فعقلها المفكر والمدير لزمام أمرها، هذا الرئيس يتمظهر كضد للناموس والناسوت. والغرابة ليست في ذلك، فتلك المرحلة تمت تصفيتها تحت دعاوى أن من كان يقود البلاد العصابة!، الغرابة إعادة إنتاج الفيلم ذاته، بالسيناريو ذاته، وحتى المخرج. هذا قليل من كثير يبيّن أن خلط الأوراق، بأشكاله المختلفة وطرقه الفذة، يثبت أن مسألة الخلط الاستراتيجية، التي تهيمن على الحياة في أوقات عدة، لكنها في التوّ الوسم الرئيس، والبصمة المميزة حيثما ولّيتَ وجهك. ولذلك فإن ما أشيع عن غوبلز، من خلط أوراق تحت شعار: إكذب ثم إكذب حتى تصدّق نفسك، يتضح كم هو ضئيل مع المحدّث في العصر السيبراني.  في هذا العصر، الالتباس ليس التباساً مفهومياً أو حتى إجرائي، لكن يسيطر على مجمل التفاعل السيوسياسي، والمدهش أن قادة في المجتمعات الديمقراطية، باتوا جهاراً نهاراً يصوغون مشروعهم السياسي بـ"مبدأ خلط الأوراق"، مثلاً أنت لا تستطيع الإمساك بالغاية، التي يبتغيها الرئيس الفرنسي ماكرون، حين صرّح تلك التصريحات حول الإسلام، ثم عاد بغتة الإرهاب في صورة يدوية "سكين"، ثم رفع ماكرون من سقف مشروعه في مواجهة "التطرف الإسلامي". لقد ظهر بشكل فج واستعراضي موقف ماكرون، فقيل عن ذاك في لغو إعلامي، حول أن الغاية عبارة عن وسيلة للفوز بالانتخابات. التقط أردوغان بهرولته المعتادة الخيط، واعتلى المنبر كسلطان، سلطان يستعيد أمجاد الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، ودسّ مسألة عراكه حول ثروات شرق المتوسط، تحت رداء الذائد عن الرسول محمد نبي المسلمين. خلط الأوراق اختلط عندي، لكن وفاة مارادونا الزعيم الكروي، من بات بطلاً بسرقة كروية جميلة ومميزة، ما شعاره إن أردتَ الفوز، فالبس جلباب الفائز أبداً. هذا ما نبّهني أن الخلط سمة شعبوية، وأحياناً تلبسها الجماعة الضد شعبوية التي تتخذ وسيلة شعبوية. فمثلاً ماكرون ضد ترمب لكن ثمة تماهٍ بينهما في الأسلوب: خلط الأوراق بحيث تلتبس المواقف، ما يحتّم الغايات، ويموّه الهدف الرئيس، فقد حيّر "الترمب" العالم، حتى اللحظة الأخيرة من رئاسته، وبهذا سرق العقول، كما مارادونا من كان على الأقل يُسلّي البشر.  


باقر الزبيدي   أتمنى أن لاتصل الأزمة الراهنة بين الحكومة الإتحادية والإقليم إلى حلول ترقيعية أو مساومات وإتفاقات تحت الطاولة، كما حدث في 2010 عند تشكيل (حكومة الأزمة). إن الطريق الوحيد لإنهاء هذه العقدة الدائمة هو أن يلتزم الإقليم بتسليم كافة إيرادات المنافذ الحدودية والضرائب والغرامات وعائدات النفط سواء كانت الرسمية أو النفط المهرب من حقول كركوك ونينوى أسوة بمناطق الوسط والجنوب والغربية والتي تعتمد الموازنة بالأساس على خيرات أهلها، وأن يعاد توزيع حصص المحافظات من الموازنة خصوصاً محافظات الوسط والجنوب التي ظُلمت ومحافظات شمال العراق التي تُسرق موازناتها الإنفجارية ولايصل منها شيئ للمواطن الكردي، وأن يتم إعادة بناء الموازنة بشكل يسمح بتقليل العجز والإبتعاد والنأي عن ممارسة أسلوب الإقتراض عند كل أزمة خصوصاً ونحن نشهد إرتفاع أسعار النفط والإسراع لإقرار الموازنة من أجل تجنب تأخير الرواتب مرة أخرى. على المسؤولين عند إتخاذهم القرار أن يضعوا بحسبانهم إن الحالة المعيشية للمواطن العراقي هي الأولوية، ولايمكن أن يكون هناك إصلاح من دون ضمان حياة كريمة للفرد العراقي تحت أي ظرف ومهما كانت الصِعاب.  


عثمان ميرغني الذين يحاولون قراءة سياسات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن من خلال سياسات أو مذكرات الرئيس السابق باراك أوباما، يخطئون، والأسباب كثيرة. فبايدن عندما يتسلم الرئاسة رسمياً في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، سيجد الأوضاع المحلية والدولية مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل أربع سنوات عندما غادر البيت الأبيض مع أوباما. أربع سنوات تغير فيها المشهد بفعل عوامل كثيرة، وأيضاً بسبب سياسات وأسلوب الرئيس دونالد ترمب. بايدن نفسه تطرق لهذا الأمر في المقابلة التي أجرتها معه شبكة تلفزيون «إن بي سي» الأميركية هذا الأسبوع عندما قال في رده على سؤال مباشر في هذا الموضوع، إن إدارته «لن تكون مثل ولاية ثالثة لأوباما». وبعدما نوه إلى أن العالم مختلف اليوم عما كان عليه في سنوات أوباما، أشار بالتحديد إلى سياسة «أميركا أولاً» التي انتهجها ترمب واعتبر أن هذه السياسة عزلت أميركا وأضعفت دورها القيادي في العالم. عموما بايدن كان نائباً للرئيس، وإن حظي بدور وتأثير مع أوباما، فإن السياسة العامة في نهاية المطاف يقررها الرئيس ويبقى مسؤولاً عنها وعن تبعاتها. وتأكيداً لهذا الأمر فإن بايدن على سبيل المثال لم يكن متحمساً لفكرة تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا، وهو التدخل الذي أسهم في إطاحة العقيد معمر القذافي في 2011، كذلك فإنه يرى أن أميركا تحتاج اليوم لأن تكون أكثر حزماً مما كانت عليه في السابق مع الصين، وقد أوضح تفكيره في مقال نشر في مجلة «الشؤون الخارجية» في يناير الماضي. بعض الناس قد يكونون رأوا أن وجود عدد ممن عملوا مع أوباما في إدارة بايدن المتوقعة يعني أنها ستكون امتداداً لسياسات الرئيس السابق، لكن هذا أيضاً قد يقود إلى نتائج خاطئة. خذ على سبيل المثال أنتوني بلينكن الذي عمل في إدارة أوباما نائباً لمستشار الأمن القومي ثم نائباً لوزير الخارجية، وهو اليوم مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية. فقد بات يرى اليوم أن السياسة التي انتهجت إزاء الأزمة السورية في عهد إدارة أوباما كانت خاطئة، وعبر عن هذا الأمر في مقابلة منتصف العام الحالي قال فيها إنه لا بد من الإقرار بأن تلك السياسة فشلت في منع مأساة فظيعة أودت بحياة آلاف السوريين. بايدن وفريقه سيرون العالم بعين مختلفة عن إدارة أوباما، لأن الأوضاع تغيرت، ولأنهم يحتاجون في الفترة المقبلة إلى رسم سياساتهم الخاصة التي تتناسب مع المشهد الراهن ومع الأولويات الضاغطة. أولى الأولويات للرئيس الجديد ستكون التعامل مع جائحة الكورونا التي طغت مع آثارها الإنسانية والاقتصادية المدمرة على كل ما عداها وكانت من بين الأسباب الرئيسية التي أسهمت في إسقاط ترمب. فأميركا تتربع على رأس قائمة الدول المتضررة من الجائحة بأكثر من 12 مليون إصابة و260 ألف حالة وفاة، وتواجه اليوم ارتفاعاً كبيراً في الإصابات. وسيكون على الإدارة الجديدة التعامل فوراً مع الأزمة وتنظيم عمليات التطعيم مع بدء إنتاج وتوزيع اللقاحات الجديدة التي يؤمل أن تساعد في كبح جماح الفيروس الذي غيّر حياة الناس وضرب الاقتصادات بشكل لم يمر على العالم منذ الكساد الكبير في نهاية عشرينات وبداية ثلاثينات القرن الماضي. في الوقت ذاته سيكون على الإدارة العمل على النهوض بالاقتصاد الأميركي مجدداً، وجزء كبير من هذه المهمة سيكون على عاتق جانيت يلين التي يتوقع أن يعلن بايدن ترشيحها لتكون أول امرأة تقود وزارة الخزانة في تاريخها. في مضمار السياسة الخارجية ستهتم إدارة بايدن أولاً بترميم علاقات أميركا مع المجتمع الدولي ومع حلفائها الغربيين بعد الشروخ التي أحدثتها صدمات ترمب. كان هذا واضحاً في كلمة الرئيس المنتخب التي قدم بها مرشحيه الذين أعلنهم أول من أمس وشدد فيها على أن فريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي يوضح «عودة أميركا واستعدادها لقيادة العالم لا الانسحاب منه»، ويمثل قناعته بأن أميركا أقوى عندما تعمل مع حلفائها، وأنه يتوقع من هذا الفريق «أن يقول لي ما يجب أن أعرفه، لا ما أريد أن أسمعه». هذه العبارات تحمل في طياتها نقداً لنهج ترمب وطلاقاً مع سياساته وتأكيداً على أن الإدارة القادمة تضع في أولوياتها إصلاح العلاقات مع حلفائها في الناتو، وتنشيط دورها في حوض المحيط الهادي، والانضمام مجدداً إلى اتفاقية باريس للمناخ، واستئناف مساهمتها في منظمة الصحة العالمية. خلال المائة يوم الأولى لإدارة بايدن سيتضح للعالم أيضاً ما إذا كانت تنوي اتباع سياسة خارجية حذرة تنأى عن المشاكل ولغة الحرب الباردة، أم أنها ستتبع نهجاً أكثر حزماً لاستعادة دور أميركا في وقت تواجه فيه منافسة قوية من الصين، وتحديات مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران. بالنسبة للتدخلات العسكرية فقد أوضح بايدن موقفه أن إدارته لا تريد الخوض في أي حرب «غير ضرورية»، كما قال إنه يفضل حصر دور أميركا العسكري في أفغانستان في قوة صغيرة مهمتها تنصب على الحرب ضد الإرهاب. إدارة العلاقات المعقدة مع الصين ستكون أحد التحديات الحساسة لبايدن، فهو يريد نهجاً أكثر دبلوماسية من ترمب، وفي الوقت ذاته يرى أن أميركا لا بد أن تتصدى بحزم لحماية دورها ومصالحها أمام التنين الصيني الزاحف. وفي مقالاته التي نشرتها مجلة «الشؤون الخارجية» خلال العام الحالي يوضح بايدن موقفه بأن الولايات المتحدة تحتاج لأن تكون أكثر حزماً مع الصين ومع روسيا أيضاً من منظور أن كلاً منهما يشكل تهديداً مختلفاً للمصالح الأميركية. ويشعر بايدن والحزب الديمقراطي بغضب شديد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرون أن تدخلات أجهزته الاستخباراتية في انتخابات عام 2016 كانت من أسباب فوز ترمب على هيلاري كلينتون. ماذا عن قضايا الشرق الأوسط والخليج وأفريقيا؟ الأمر المؤكد أن الإدارة الجديدة ستكون داعمة بشدة لإسرائيل، فبايدن يصف نفسه بأنه كاثوليكي وصهيوني، وقال في أحد خطاباته إنه لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أميركا أن توجدها لحماية مصالحها. لذلك يتوقع أن يستمر الدعم المطلق لإسرائيل وتشجيع الدول على التطبيع معها، لكن من دون الخوض في ملف السلام الشائك في هذه المرحلة، علماً بأن جيك سوليفان الذي رشحه بايدن لمنصب مستشار الأمن القومي لديه دراية جيدة بهذا الملف وقد قاد مفاوضات الهدنة في غزة عام 2012، كما لعب دوراً في المفاوضات السرية مع إيران التي قادت إلى توقيع الصفقة النووية. وفي هذا الصدد فإن إدارة بايدن يتوقع أن تعدل سياسة الانسحاب من الصفقة النووية التي عمد إليها ترمب، لكنها على الأرجح ستريد إدخال تعديلات على الاتفاقية وتضمينها بنوداً تسد بها بعض الثغرات التي ظهرت وأزعجت دول الخليج وإسرائيل أيضاً. ورغم الكلام عن اهتمام بايدن بموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد تطرق إليه في مقالاته المنشورة وفي بعض تصريحاته السابقة، فإنه لن يكون في أولويات إدارته في ظل جبل المشاكل الذي تواجهه، وستبقى حماية المصالح هي الموجه للسياسات الأميركية. ومن المرجح أن الإدارة الجديدة ستعطي اهتماماً أكبر بأفريقيا من ترمب، وذلك ضمن حسابات التصدي للنفوذ الصيني المتنامي، ولأن الإدارة ستضم وجوهاً لها معرفة جيدة بأفريقيا مثل ليندا توماس غرينفيلد المرشحة لمنصب مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة التي عملت دبلوماسية في أفريقيا (سفيرة لدى ليبريا)، وشغلت منصب مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية من 2013 وحتى 2017. كذلك يتوقع أن يمنح بايدن منصباً ليوهانيس أبراهام وهو أميركي من أبوين إثيوبيين مهاجرين عمل مع إدارة أوباما ويشغل الآن منصب مدير الفريق الانتقالي الذي يشرف على ترتيبات تسلم إدارة الرئيس المنتخب لمهامها من إدارة ترمب. بايدن سيكون بالتأكيد رئيساً مختلفاً عن أوباما، فالرجل لديه خبرة تمتد لأكثر من أربعة عقود في العمل السياسي ما بين عضويته الطويلة في مجلس الشيوخ وعمله في البيت الأبيض، ولديه رؤاه التي يريد تطبيقها. والأهم من ذلك أنه يواجه عالماً مختلفاً عن ذلك الذي كان في فترة أوباما.   الشرق الاوسط


أياد السماوي في يوم 08 / 10 / 2020 أصدر قاضي محكمة الفساد البريطانية الحكم على البريطاني من أصل عراقي ( باسل الجراح ) ممثل شركة ( يونا أويل ) الفرنسية , بالحبس لثلاث سنوات وأربعة أشهر بتهمة إفساد موظفين بوزارة النفط العراقية من خلال دفع رشاوى تزيد على 17 مليون دولار , منهم من كان على رأس وزارة النفط ( وزير ) , وآخر كان مدير عام شركة نفط الجنوب الجنوب والذي أصبح وزيرا أيضا فيما بعد , حيث قاموا بإحالة عقود كبيرة على شركات أجنبية يمّثلها في العراق شركة ( يونا أويل ) الفرنسية , وقد وصلت قيمة العقود حوالي مليار وسبعمائة مليون دولار أمريكي .. وفضيحة شركة ( يونا أويل ) كانت قد أثيرت في حزيران عام 2016 من قبل صحيفة ( هفنغتون بوست ) الأمريكية , حيث كشفت الصحيفة حينها أن تحقيقات أجرتها مؤسسة ( فيرفاكس ميديا ) الأسترالية والصحيفة الأمريكية , أثبتت فضيحة فساد كبرى تتعلّق بصفقات النفط العراقية محورها الرئيس شركة ( أونا أويل ) الفرنسية التي تتخذ من إمارة موناكو مقرا لها .. وكشفت الصحيفة أنّ اللاعبين الرئيسين في القضية هما كلّ من باسل الجراح الذي حكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات وأربعة اشهر من قبل محكمة الفساد البريطانية وشخص آخر هو المدير التنفيذي للشركة ( سايروس احسني ) , وقد كشفت الصحيفة تفاصيل كثيرة عن هذه الفضيحة الكبيرة .. الجديد في هذه الفضيحة أنّ الشرطة الأسترالية قد ألقت القبض الأربعاء الماضي على رجل له صلة وثيقة برشاوى قيمتها 78 مليون دولار , استخدمت لتأمين عقود نفطية عراقية مرتبطة بشبكات فساد دولية .. وذكرت وسائل الإعلام الأسترالية أنّ الشخص الذي تم القبض عليه هو ( راسل ووه ) المدير التنفيذي السابق لشركة ( لايتون أفشور ) , وتقول الشرطة الاسترالية أنّ هذه الشركة دفعت رشاوى من خلال متعاقدين من بينهم شركة ( يونا أويل ) ..ويقول المحققون الاستراليون أنّ الرشاوى استخدمت للتعاقد في بناء خطوط أنابيب نفطية تبلغ قيمتها مليار ونصف دولار أمريكي , واضاف المحققون الأستراليون أنّ الرشوة دفعت لمسؤولين كبار في وزارة النفط العراقية وشركة نفط الجنوب .. والتحقيق الذي استمرّ لمدة تسعة سنوات قد شاركت فيه بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية .. المثير في هذه الفضيحة المدّوية , أن السلطات الثلاث في العراق لم تحرّك ساكنا , علما أنّ الأموال المنهوبة هي أموال الشعب العراقي .. فلا السلطة التشريعية ممثلّة بمجلس النواب العراقي قد فتحت تحقيقا في هذه الفضيحة , ولا السلطة القضائية ممثلّة بالادعاء العام العراقي هي الأخرى قد فتحت تحقيقا , ولا السلطة التنفيذية ممثلّة بهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية قد فتحت تحقيقا , وكأن هذه الأموال المنهوبة هي أموال دولة ( واق واق ) وليست أموال الشعب العراقي .. والسؤال الذي يدور على لسان حال الجميع هو أين الخلل ؟ هل الخلل في بنية النظام السياسي القائم ؟ أم في قوانين البلد التي تمنع ملاحقة الفاسدين ؟ أم في فساد السلطات الثلاث في البلد ؟ أم في فساد الطبقة السياسية الحاكمة ؟ أم في فساد كلّ هذه الأطراف مجتمعة ؟ .. السيد رئيس هيئة الادعاء العام العراقي والسيد رئيس هيئة النزاهة , هل أنتما متورطان بهذه الفضيحة ؟ فإذا كان الجواب بالنفي , فلماذا لم تفتحا ملّف هذه الفضيحة حتى الآن ؟ وكيف لي أنا المواطن البسيط أن اقتنع أنّكما غير متورطين في هذه الفضيحة ؟ وهل أجريتم تحقيقا في هذه الفضيحة المدوية ؟ وأين هي نتائج هذا التحقيق ليطّلع عليها الرأي العام ؟ وهل يعقل أن تفتح ثلاثة دول كبرى تحقيقات في هذه الفضيحة , والعراق المنهوبة أمواله صامت كصمت أهل القبور ؟؟؟ ..


د. ياسر عبد العزيز أحد أصدقائي يعمل في وظيفة تعليمية مرموقة، ويحمل شهادة الدكتوراه في أحد فروع العلوم التطبيقية، لكن هذا لم يمنعه أبداً من محاولة إقناعي بأن فيروس «كوفيد - 19» ليس سوى خدعة، وأنه «غير موجود على الإطلاق»، وقد كان هذا دأبه مع نهاية الشتاء الماضي، حين كانت الإصابات في منطقتنا محدودة، بينما تأتي لنا الأخبار عن وقائع انتشار وحالات وفاة عديدة في دول الغرب. ما حدث لاحقاً أن صديقي هذا بات يعتقد أن «كوفيد - 19ا» موجود، بدليل أن بعض أفراد عائلته أُصيب به، كما أن أحدهم مات متأثراً بإصابته تلك. لكنه مع ذلك، وجد تفسيراً آخر، راح يحاول إقناعنا به على مدى نحو شهرين لاحقين، وهو أن «الغرض من تخليق هذا الفيروس هو تقويض الإسلام»، والدليل على ذلك أن الإجراءات الاحترازية آنذاك شددت على ضرورة تجنب الصلاة في المساجد. لم يقف الأمر عند هذا الحد بطبيعة الحال، فالرجل نفسه تبنى في وقت آخر مقولة إن «كوفيد» تم تخليقه في مختبر صيني، قبل أن يعود وينفي ذلك مؤكداً أن التخليق قد حدث لكن في مختبرات الجيش الأميركي. أما آخر مستجداته فليست سوى أن «كوفيد» مؤامرة تستهدف إحكام السيطرة على العالم، عبر شبكات الجيل الخامس، قبل أن يطرح فكرة أن الفيروس يستهدف الحد من سكان العالم، وفق ما يؤكد أنه كلام مكتوب على «ألواح جورجيا الغامضة». لا يتعلق هذا الأمر بشخص واحد بطبيعة الحال، بل هو عرض منتشر بين الملايين. وفي إحدى المقابلات التي أجريت معي عبر فضائية دولية قبل أربعة شهور تصادف أن توزع الحوار بيني وبين طبيبة متخصصة من فرنسا، وعندما حاولتُ الحديث عن أن الدعاوى المناهضة للقاحات يمكن أن تؤثر في فاعلية خطط بعض الدول لإجراء تطعيمات لمواطنيها، راحت تؤكد منظور التشكيك في اللقاح، فقالت بوضوح: «لن أُحقن بلقاح في حال توافره». ليست تلك سوى آثار متوقعة لشيوع «نظرية المؤامرة». وقد عرفنا أن تلك النظرية تزدهر في أوقات الأزمات والصراعات الحادة، وعند شيوع الغموض وتزعزع اليقين. في تلك الأثناء بالذات، يصعب جداً القول إن ما نطالعه ونتداوله من معلومات، أياً كانت مصادرها أو أدلة التثبت المرفقة بها، يمكن أن ترقى إلى مستوى الحقائق، بل هي مجرد «روايات تتنافس». أما ما يجعل أحدهم قادراً على الركون لإحداها أو تبني بعضها، فقد يكون مبعثه هروبه أو ارتداده إلى معتنقات آيديولوجية أو «ثوابت» عقائدية أو أساطير شائعة في محيطه الاجتماعي. على مدى القرن الماضي، لم يمر حدث عالمي رئيسي من دون أن يحظى بتفسيرات تعيده إلى «نظرية المؤامرة». وقد حدث هذا في تفسير أسباب الحرب العالمية الأولى، والكساد الاقتصادي العالمي، أو في واقعة «بيرل هاربور»، وفي «أحداث سبتمبر (أيلول) 2001»، أو إزاء حقيقة وفاة ألفيس بريسلي على سبيل المثال. يمثل «كوفيد - 19» بيئة خصبة ومثالية لازدهار «نظرية المؤامرة»، وهو أمر تورط فيه علماء وأشخاص تلقوا تعليماً جيداً وسياسيون وقادة يحكمون أقوى دول في العالم، ويعد ذلك أمراً مفهوماً، بطبيعة الحال، لما تنطوي عليه أزمة الجائحة من تأثيرات حادة وانتشار كوني وغموض وتضارب في المعلومات. لكن ما جعل «كوفيد - 19» تربة أكثر ثراء لـ«نظرية المؤامرة» يكمن في طبيعة المشهد الاتصالي الراهن، وهو مشهد تلعب وسائط «التواصل الاجتماعي» فيه دوراً جوهرياً، وعبر آليات الاتصال السهلة التي توفرها، وارتفاع أسقف الحوار عبرها بغير حدود، استطاعت أن تخلق بؤراً لتخليق هذا الفكر والاستثمار فيه. في شهر مايو (أيار) الماضي، انتشر عبر تلك الوسائط فيلم تحت عنوان «جائحة مخطط لها» (Plandemic)، وهو الفيلم الذي شوهد أكثر من 8 ملايين مرة، قبل أن تبدأ المنصات في ملاحقته وحذفه. وفي الشهر الجاري انتشر على الوسائط ذاتها فيلم «هولد أب» (Hold Up)، وهو عبارة عن دراما اتخذت شكل الأفلام الوثائقية، بهدف إثبات أن الفيروس «وليد مؤامرة عالمية»، وقد شوهد نحو ثلاثة ملايين مرة على «الإنترنت»، كما حظي بدعم نجوم وشخصيات شهيرة. يستخدم الفيلمان تقنيات متشابهة تقوم على مراكمة الحجج الداعمة لفكرة «المؤامرة»، وترسيخ الانطباع، والحذف الانتقائي، وتقديم ما يُزعم أنها حقائق بغرض الوصول إلى استنتاجات زائفة. ومع أن أي مشاهد حصيف أو مدقق يمكنه ببساطة اكتشاف الخلل في الطرح، فإن مثل هذه الأعمال تلقى رواجاً وتكسب جمهوراً يوماً بعد يوم.


د. ياسر عبد العزيز أحد أصدقائي يعمل في وظيفة تعليمية مرموقة، ويحمل شهادة الدكتوراه في أحد فروع العلوم التطبيقية، لكن هذا لم يمنعه أبداً من محاولة إقناعي بأن فيروس «كوفيد - 19» ليس سوى خدعة، وأنه «غير موجود على الإطلاق»، وقد كان هذا دأبه مع نهاية الشتاء الماضي، حين كانت الإصابات في منطقتنا محدودة، بينما تأتي لنا الأخبار عن وقائع انتشار وحالات وفاة عديدة في دول الغرب. ما حدث لاحقاً أن صديقي هذا بات يعتقد أن «كوفيد - 19ا» موجود، بدليل أن بعض أفراد عائلته أُصيب به، كما أن أحدهم مات متأثراً بإصابته تلك. لكنه مع ذلك، وجد تفسيراً آخر، راح يحاول إقناعنا به على مدى نحو شهرين لاحقين، وهو أن «الغرض من تخليق هذا الفيروس هو تقويض الإسلام»، والدليل على ذلك أن الإجراءات الاحترازية آنذاك شددت على ضرورة تجنب الصلاة في المساجد. لم يقف الأمر عند هذا الحد بطبيعة الحال، فالرجل نفسه تبنى في وقت آخر مقولة إن «كوفيد» تم تخليقه في مختبر صيني، قبل أن يعود وينفي ذلك مؤكداً أن التخليق قد حدث لكن في مختبرات الجيش الأميركي. أما آخر مستجداته فليست سوى أن «كوفيد» مؤامرة تستهدف إحكام السيطرة على العالم، عبر شبكات الجيل الخامس، قبل أن يطرح فكرة أن الفيروس يستهدف الحد من سكان العالم، وفق ما يؤكد أنه كلام مكتوب على «ألواح جورجيا الغامضة». لا يتعلق هذا الأمر بشخص واحد بطبيعة الحال، بل هو عرض منتشر بين الملايين. وفي إحدى المقابلات التي أجريت معي عبر فضائية دولية قبل أربعة شهور تصادف أن توزع الحوار بيني وبين طبيبة متخصصة من فرنسا، وعندما حاولتُ الحديث عن أن الدعاوى المناهضة للقاحات يمكن أن تؤثر في فاعلية خطط بعض الدول لإجراء تطعيمات لمواطنيها، راحت تؤكد منظور التشكيك في اللقاح، فقالت بوضوح: «لن أُحقن بلقاح في حال توافره». ليست تلك سوى آثار متوقعة لشيوع «نظرية المؤامرة». وقد عرفنا أن تلك النظرية تزدهر في أوقات الأزمات والصراعات الحادة، وعند شيوع الغموض وتزعزع اليقين. في تلك الأثناء بالذات، يصعب جداً القول إن ما نطالعه ونتداوله من معلومات، أياً كانت مصادرها أو أدلة التثبت المرفقة بها، يمكن أن ترقى إلى مستوى الحقائق، بل هي مجرد «روايات تتنافس». أما ما يجعل أحدهم قادراً على الركون لإحداها أو تبني بعضها، فقد يكون مبعثه هروبه أو ارتداده إلى معتنقات آيديولوجية أو «ثوابت» عقائدية أو أساطير شائعة في محيطه الاجتماعي. على مدى القرن الماضي، لم يمر حدث عالمي رئيسي من دون أن يحظى بتفسيرات تعيده إلى «نظرية المؤامرة». وقد حدث هذا في تفسير أسباب الحرب العالمية الأولى، والكساد الاقتصادي العالمي، أو في واقعة «بيرل هاربور»، وفي «أحداث سبتمبر (أيلول) 2001»، أو إزاء حقيقة وفاة ألفيس بريسلي على سبيل المثال. يمثل «كوفيد - 19» بيئة خصبة ومثالية لازدهار «نظرية المؤامرة»، وهو أمر تورط فيه علماء وأشخاص تلقوا تعليماً جيداً وسياسيون وقادة يحكمون أقوى دول في العالم، ويعد ذلك أمراً مفهوماً، بطبيعة الحال، لما تنطوي عليه أزمة الجائحة من تأثيرات حادة وانتشار كوني وغموض وتضارب في المعلومات. لكن ما جعل «كوفيد - 19» تربة أكثر ثراء لـ«نظرية المؤامرة» يكمن في طبيعة المشهد الاتصالي الراهن، وهو مشهد تلعب وسائط «التواصل الاجتماعي» فيه دوراً جوهرياً، وعبر آليات الاتصال السهلة التي توفرها، وارتفاع أسقف الحوار عبرها بغير حدود، استطاعت أن تخلق بؤراً لتخليق هذا الفكر والاستثمار فيه. في شهر مايو (أيار) الماضي، انتشر عبر تلك الوسائط فيلم تحت عنوان «جائحة مخطط لها» (Plandemic)، وهو الفيلم الذي شوهد أكثر من 8 ملايين مرة، قبل أن تبدأ المنصات في ملاحقته وحذفه. وفي الشهر الجاري انتشر على الوسائط ذاتها فيلم «هولد أب» (Hold Up)، وهو عبارة عن دراما اتخذت شكل الأفلام الوثائقية، بهدف إثبات أن الفيروس «وليد مؤامرة عالمية»، وقد شوهد نحو ثلاثة ملايين مرة على «الإنترنت»، كما حظي بدعم نجوم وشخصيات شهيرة. يستخدم الفيلمان تقنيات متشابهة تقوم على مراكمة الحجج الداعمة لفكرة «المؤامرة»، وترسيخ الانطباع، والحذف الانتقائي، وتقديم ما يُزعم أنها حقائق بغرض الوصول إلى استنتاجات زائفة. ومع أن أي مشاهد حصيف أو مدقق يمكنه ببساطة اكتشاف الخلل في الطرح، فإن مثل هذه الأعمال تلقى رواجاً وتكسب جمهوراً يوماً بعد يوم.


كفاح محمود كريم من محاسن انتشار الوباء الأخير وانهيار اقتصاديات العالم ومغذيها الأساسي (برميل النفط)، أنه كشف عورات تلك الأنظمة الفاسدة وفضح المستور من مخازيها التي أخفتها تحت مُسميات وشعارات وطنية وقومية ودينية زائفة، خاصةً تلك التي تدعي امتلاكها تفويضاً من الرّب للعمل والتحدث والحكم باسمه وكالةً أو تلك التي تحمل رسالة أمة إلى الحاضر والمستقبل، وهي ترتدي خرق التاريخ البالية، وما بين الحكم باسم الرّب والأمة ضاعت الأوطان وسُرقت الأموال ونُهِبت الثروات، وأصبح حال البلاد كما نراها اليوم، من أفشل بلدان العالم وأكثرها فساداً، بل وأكثرها ادّعاءًا بالنضال والوطنية والمقاومة ومقارعة الاستعمار والصهيونية!؟ هذا الوباء وانهيار أسعار النفط وتوقف عجلة الإنتاج، بل ومنع الملايين من مزاولة أعمالهم بسبب الحظر ولفترات طويلة، فضحت كثير من المستور خاصةً تلك الرواتب والمخصصات التي يتمتع بها بعض من شريحة المناضلين وأصحاب القضايا السياسية أو الإيمانية العقائدية أو معارضي النظام السابق، خاصةً ونحن إزاء ممارسة غريبة جداً، بل ومقززة في آنٍ واحد ألا وهي تشريع قوانين تُمنح بموجبها تعويضات ورواتب وامتيازات لا مثيل لها في التاريخ لهؤلاء، نظير تقديمهم خدمات نضالية وإيمانية عقائدية أو لتعرضهم للملاحقة أو الاعتقال والسجن والتعذيب، وهذه التخصيصات المالية كتعويض أو كرواتب يتمتع بها الموصوفين أعلاه مع أسرهم صغاراً وكباراً، وبالتأكيد من ضمنهم الآلاف من الذين هربوا من العراق لأسبابٍ لا علاقة لها البتة بالسياسة أو بالنضال، بل بحثاً عن فرصة للعمل أو الدراسة أو الهجرة أو هروباً من جنايةٍ أو جنحةٍ جنائية غير سياسية، والجميع تمّ تعريفهم أو تكييف هروبهم بحجة ملاحقة النظام لهم. نأتي إلى لبِّ الموضوع وما استشرى في العراق بعد أن أسقطت الولايات المتحدة نظام الدكتاتور صدام حسين، وإصدار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تحول بموجبها العمل الوطني إلى تجارة وتعويض خسائر ورواتب بأثرٍ رجعي، حتى أصبحت امتيازات شريحة واحدة من الذين هربوا إلى أراضي المملكة العربية السعودية إثر سحق انتفاضة الربيع في الجنوب والوسط العراقي، تفوق رواتب جميع أساتذة الجامعات العراقية بكافة مستوياتهم العلمية، وأكثر هذه القوانين إهانةً لمبدأ العمل الوطني والمعارضة الحقيقية هو القانون الذي يمنح هذه الشرائح التي تركت البلاد ولجأت إلى إيران أو الالاف من الذين سجنوا لأسباب جنائية أو أخلاقية أو هروب من الجيش او خيانة الأمانة وغيرها مما لا علاقة له بالسياسة وتم اعتبارهم مناضلين، وهربوا الى دول الجوار ومنها الى اوروبا، هذه القوانين التي منحتهم تعويضات خيالية أنهكت موازنة البلاد وساهمت في إيصالها إلى الإفلاس، وفرض طبقة رثة على الدولة والمجتمع، وحقيقة فأن الاعتراض ليس على ما يُعطى تكريماً متوازناً ومعقولاً للمناضلين الوطنيين الحقيقيين، بل الذي يمنح لآلاف مؤلفة من المرتزقة وبتعويضات هائلة وكأنهم عملاء بنوك وتجار أوطان ومافيات. وإذا ما حسبنا بعد ذلك الرواتب الضخمة المخصصة للرئاسات ولأعضاء الحكومة والبرلمان وملحقاتهم ونثرياتهم وما ينفقونه صدقا او تحايلا، لأدركنا أي لصوص جوعية يسيطرون على خزائن البلد التي كسحوها بالكامل في اول ازمة عالمية، يدفع ثمنها هذا الشعب المخدر بالشعارات والذي ينتخبهم كل أربع سنوات وهو صاغر! لو لم يكن العمل الوطني شركة تجارية ربحية بهذا الانفاق الخيالي والرواتب والمغريات الضخمة لما تنافس على البرلمان والحكومة الا الوطنيين الحقيقيين والاصلاء في هذا الوطن المباح، ولما كان عدده بالمئات وربما الالاف مع موظفيه وحماياته. رحم الله الصحفي المصري محمد حسنين هيكل حينما وصفهم باختصار: "انهم مجموعة لصوص سطت على بنك!".


باقر الزبيدي على كل مسؤول أن يفهم إن إدارة الدولة : هي مسؤولية إنسانية وأخلاقية قبل أن تكون مسؤولية وطنية، إبان تسنمنا حقيبة وزارة المالية كنا حريصين على أمرين : الأول هو توفير سيولة (مدور) من أجل مواجهة أي هزة مالية، كما حصل عام 2009 حين إنخفضت أسعار النفط (من 70 $ إلى 30 $) ورفضنا رفضاً قاطعاً تخفيض الرواتب وإيقاف التخصيصات الإستثمارية بسبب توفر سيولة مالية تجاوزت ال25 مليار دولار وهي غير الإحتياطي النقدي الموجود في البنك المركزي. الأمر الثاني الذي حرصنا على متابعته وتنفيذه : هو زيادة رواتب المتقاعدين ومنحهم زيادة (100) ألف دينار شهريا وتسهيل عملية حصولهم على السلف والقروض السكنية من أجل توفير حياة كريمة وسكن لائق لهذه الشريحة التي بذلت جهوداً مضنية لخدمة الوطن. الحديث المستمر عن التلاعب برواتب الموظفين والمتقاعدين لحل الأزمة الإقتصادية سوف يخلق مشاكل كثيرة وكبيرة وسوف يضع المواطن في مأزق بعد إن كيّف حياته اليومية على دخل محدد وإرتبط بإلتزامات، وهذا الأمر يزيد على المواطن ضغوط إضافية سوف تؤدي إلى أزمات مجتمعية تدمر بنية الأسرة العراقية. أدعو مجلس الوزراء إلى عقد جلسة طارئة لتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والمستشارين والموظفين من الدرجات الخاصة وتشكيل لجنة مختصة لإدارة وإستثمار كافة أملاك الدولة في (الداخل والخارج) والتركيز على الواردات غير النفطية ( گمارك وضرائب) والتي تعاني بعض دوائرها من إنتشار الفساد بشكل كبير والتوجه نحو وزارة الصناعة وإستثمار كافة المصانع المتوقفة. الحذر ..الحذر من المساس برواتب شعبنا الصابر..  


 غسان شربل    أنهكَ الوباءُ العالم الذي توهم أنَّ الأوبئة القاتلة صارت جزءاً من الماضي. أنهك البشرَ وسجَّل في القتل رقماً مخيفاً وفي الإصابات رقماً مقلقاً. أنهك الدولَ أيضاً. هزَّ الاقتصادات وشلَّها وفكَّك سلاسلَها وعطَّل مصانعَها وأسكتَ المطارات والقطارات. ضرب السياحة، وتركَ الفنادقَ والمطاعم والأسواق في عهدة الفراغ والكآبة. دفع عشرات الملايين إلى البطالة وعدداً هائلاً من الشركات إلى الإفلاس. أفقر الوباءُ الناسَ ووزَّع عليهم أرغفة الخوف والقلق، وأرغمهم على الإقامة وراء كماماتهم يتساءلون يومياً عن الأرقام القياسية الجديدة التي حققها هذا القاتل المتسلسل. قصمَ الوباءُ ظهرَ المستشفيات وأصاب الأطقم الطبية. ضرب المحاصيل وألحق ضرراً فادحاً بالتعليم. ليست المرة الأولى التي يتعرَّض فيها العالم لهجمة وباء. لكن الهجمات الكبرى السابقة كانت قبل أن يتسلَّحَ الإنسان بهذا التقدم العلمي الذي حصَّنه وحسَّن ظروف معيشته، وقبل الثورات التكنولوجية المتعاقبة التي ضاعفت قدرات الإنسان في وجه أعداء سلامته. ربما لهذا السبب أصيب العالم بما يشبه الذعر. الشهور الماضية ضُخَّت في عروق الناس أمواجٌ من الكآبة. بدا العالم عالقاً في فخ «كورونا» من دون وعد قريب بالخروج أو الإفلات. كان العالم في أمس الحاجة إلى بارقة أمل. أمل في اكتشاف اللقاح ووصوله إلى الجميع، وأمل في تضميد جروح الاقتصاد العالمي على قاعدة التضامن في مواجهة الكارثة، ومساعدة الدول التي ترزح تحت أعباء الديون أو الفقر. من حسن الحظ أنَّ قمَّة الرياض لـ«مجموعة العشرين» بعثت برسالة الأمل هذه. بدا واضحاً من كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أنَّ السعودية تصرُّ على «توزيع عادل ميسر للقاحات»، وتشدّد في الوقت نفسه على حشد طاقات الدول المشاركة لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي نجمت عن الجائحة. والحقيقة أنَّ نجاح قمة الرياض هو تتويجٌ لجهود سعودية بدأت عملياً غداة قمَّة أوساكا. فعلى الرغم من القيود التي فرضها الوباء، بما في ذلك التباعد وصعوبة الانتقال، كانت السعودية على مدار الشهور الماضية، وبعد القمَّة الاستثنائية التي دعت إليها في مارس (آذار) الماضي، ورشة لا تهدأ لبلورة صيغة ترتفع إلى مستوى التحدي غير المسبوق الذي يواجهه العالم. سهَّل حشد الطاقات انخراط السعودية العميق في السنوات الأخيرة في معركة التقدم والإصلاح والتحديث وتمكين المرأة وامتلاك التكنولوجيا وبناء الشراكات، وسهَّل الانخراط البرنامج الطموح لـ«رؤية 2030» التي يسهر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تنفيذها، بعدما نجحت في استقطاب الطاقات الشابة، وأسقطت هيمنة الأفكار المعيقة للتقدم والتفاعل. وسهَّل نجاح القمة نهج المسؤولية الدولية الذي تمارسه السعودية في تعاملها مع ملفات المنطقة والعالم. لقمم مجموعة العشرين هالة تفتقد إليها أي قمم أخرى. يشعر المتابع لها أنَّها اللقاء الكبير لمن يحملون المفاتيح؛ مفاتيح الحاضر ومفاتيح المستقبل. وهذا يعني بالتأكيد الاقتصاد والتنمية والصحة والتعليم والبيئة، فضلاً عن السياسة والأمن. وليس بسيطاً أنْ يجمع لقاء من يمثلون ثلثي عدد سكان العالم وتجارته، وأكثر من 90 في المائة من الناتج العالمي الخام. إنَّها مواعيدُ القوى الواعدة القادرة المؤثرة. الدول التي تشارك في هذه القمم تملك بعضاً من أهم ما في هذا العالم: أقوى الاقتصادات وأكبر الثروات، أفضل المختبرات والجامعات، أبرز الاختراقات التكنولوجية والشركات العملاقة، أكبر الجيوش وأخطر الترسانات. وهذا يعني عملياً أنَّ المشاركين يحملون فعلاً مفاتيح الاستقرار والازدهار، ومن واجبهم جبه التحديات المحدقة بـ«القرية الكونية»، سواء أتعلق الأمر باقتصادها أم بأمنها أم بالأخطار البيئية والمناخية المتوقعة. امتلاك المشاركين في قمة العشرين قدرات هائلة لا يعني أنَّ الحلول السحرية متوفرة؛ لا بدَّ دائماً من الالتفات إلى أنَّ المجموعة تضم دولاً من قارات مختلفة، ومن مدارس مختلفة في السياسة والاقتصاد وفي قراءة الأزمات والسعي إلى استكشاف الحلول. إنَّها دول تخوض سباقات للتفوق وحجز المواقع والدفاع الشرس عن مصالحها. لكن على الرغم من التباينات والتنافسات، سجَّلت السنوات القليلة الماضية تزايد القناعة بما يشبه وحدة المصير، نظراً للترابط المتزايد بين الاقتصادات في عالم تضاعف فيه مرات كثيرة معدل تدفق السلع والأشخاص والأفكار. إذا كانت قمة العشرين شديدة الأهمية أصلاً، فإنَّ ظروف انعقادها في اليومين الماضيين ضاعفت أيضاً من أهميتها. لا مبالغة في القول إنَّها عقدت في عالم مختلف عن ذلك العالم الذي عقدت فيه العام الماضي قمة العشرين في أوساكا اليابانية؛ يتذكر الصحافيون الذين شاركوا في تغطية القمة، وكنت واحداً منهم، مدينة تضجُّ بالحدث. ويتذكرون أيضاً مصافحات شهيرة وعناقات بارزة ولقاءات في كواليس القمة، فضلاً عن رؤية الكبار يتحلَّقون حول الطاولة نفسها، وكأنهم لجنة أطباء معنية بتوفير ما يخفض أوجاع الاقتصاد العالمي. لم تكن القمة بلا مشكلات، لكنها كانت تواجه مشكلات طبيعية في عالم طبيعي. لدى انعقاد القمة، لم تكن هبَّت على العالم بعد رياح الوباء الغامض المخيف الذي لم يتأخر كثيراً في فرض قانونه المؤلم على مختلف العواصم والقارات. لم تكن القمم السابقة بلا أزمات، لكن أزماتها كانت من ذلك النوع الذي يدور في المصارف وأسواق المال وشروط التجارة وانتقال الاقتصاد من حقبة إلى أخرى، وضرورة رفع مساهمة المشاركين في اتقاء الكوارث البيئية المتوقعة ما لم يسارع سكان الأرض إلى اعتماد سياسات صارمة رشيدة. بعد قمة أوساكا، تسلَّمت السعودية، وهي الدولة العربية الوحيدة المشاركة في المجموعة، رئاسة المجموعة ومسؤولية التحضير للقمة الحالية. ومن حسن الحظ أنَّ قمة الرياض لـ«مجموعة العشرين» بدت بداية إعادة تأهيل العالم لمرحلة ما بعد الجائحة، خصوصاً أنَّ وصول اللقاحات بات يُقاسُ بالأسابيع. لقد بعثت القمة برسالة أمل وتضامن كان يحتاجها العالم الذي يستعد للخروج من النفق.


علاء بيومي منذ الفشل الذي منيت به في حرب العراق، وتحديدا منذ عام 2005، والولايات المتحدة حريصةٌ على رفع يديها تدريجيا من لعبة الشرق الأوسط عالية التكلفة. ولولا النفط وإسرائيل لأهملت أميركا المنطقة كثيرا. ولكن حفاظا على تدفق النفط وعلاقتها القوية بإسرائيل، قرّرت أميركا تخفيف وجودها أو رفع يديها تدريجيا عن المنطقة تخففا من أعباء التدخل العالية، وفي مقدمتها الحروب والصراعات المزمنة. وهي سياسةٌ بدأت مع جورج دبليو بوش، والذي دعا بقوة إلى التركيز على اكتشافات النفط الصخري الداخلية، لتقليل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط. واستمرت مع خلفه الرئيس أوباما، والذي دعم الربيع العربي بخجل، قبل أن يغض الطرف عن الثورة المضادة. وترسخت مع الرئيس ترامب، والذي طالب بعض دول الخليج علانية بتحمّل تكاليف الحماية الأميركية بشراء مزيد من أسلحة بلاده، واستثمار عائدات النفط فيها. كما حرص ترامب على سحب القوات الأميركية من سورية والعراق، ولم ينسَق إلى حرب في إيران، على الرغم من كل استفزازاته العلنية لها واغتياله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إذ حرص على عدم الدخول في صراع مسلح جديد في المنطقة، مفضلا سلاح العقوبات الاقتصادية. وهي استراتيجية يُتوقع استمرارها مع الرئيس المرتقب، جو بايدن، والذي يعاني داخليا أكثر من سابقه، حيث يرث بلدا منقسما بشدة، تنتشر فيه نظريات المؤامرة، وتقتنع فيه نسبة لا بأس بها من اليمينيين المتشدّدين بأنه فاز بالتزوير أو سرق الانتخابات. كما يرث بايدن تبعات جائحة كورونا، واقتصادا يعاني، وتحالفاتٍ دولية تحتاج لترميم، ومنافسة اقتصادية وسياسية أكبر مع الصين. على بايدن أن يرمّم تحالفاته، وخصوصا مع الدول الأوروبية التي تريد العودة، قدر الإمكان، إلى رقعة عام 2016 باستعادة الاتفاق النووي مع إيران سيرث بايدن أيضا رقعة شطرنج شرق أوسطية أشد تعقيدا بكثير من التي تركها أوباما منذ أربع سنوات. خلال حكم ترامب، عزّزت روسيا وجودها في سورية وتوغلت في ليبيا، وزوّدت تركيا بمنظومات دفاع جوي متقدمة، وتعاونت معها في أكثر من ملف شرق أوسطي. كما توغلت الصين أكثر في الشرق الأوسط من خلال استثماراتها وقروضها، كما هو الحال في مصر. وخلال السنوات الأربع الأخيرة أيضا، زاد الدور الذي تلعبه دول الثورة المضادّة الخليجية، كالإمارات السعودية، في البلدان العربية المختلفة، حيث توغلت هاتان أكثر في حرب اليمن، وعملتا على تقسيم البلد من خلال دعم قوى الجنوب الانفصالية. كما فرضت هذه الدول (الإمارات ومصر والسعودية والبحرين) حصارا على قطر، ودعمت حرب اللواء المتقاعد المتمرد، خليفة حفتر، على طرابلس، وتقاربت مع إسرائيل، وقام بعضها بالتحالف العلني معها، كما استمرّت هذه الدول في هجومها على قوى التغيير والديمقراطية في المنطقة، وفي دعم النظم الاستبدادية، والتي رسخت حكمها بشكل كبير. في الوقت نفسه، قوت قطر وتركيا من تحالفيهما، وبات للقوات التركية قاعدة عسكرية في قطر. هذا بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه تركيا في سورية وليبيا، وفي الصراع على موارد الطاقة شرق المتوسط. وهذا يعني أن بايدن سيواجه برقعة شطرنج جديدة، وأكثر تعقيدا بكثير من التي تركها أوباما. منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، ضاعفت إيران إنتاجها من اليورانيوم المخصّب اثنتي عشرة مرة، ورفعت نسب التخصيب وقبل اللعب أو محاولة تغيير رقعة الشطرنج، لا بد أن يبدأ بايدن بترميم تحالفاته، وخصوصا مع الدول الأوروبية التي تريد العودة، قدر الإمكان، إلى رقعة عام 2016 من خلال استعادة الاتفاق النووي مع إيران، والوحدة الخليجية، وحل الدولتين في فلسطين، والخطاب الداعم للحريات والديمقراطية، والتأكيد على الاستقرار ووقف الحروب الأهلية التي تجتاح المنطقة.  ولعل قطعة الشطرنج الأكبر التي سيحاول بايدن تحريكها هي استعادة الاتفاق النووي مع إيران. وهي خطوة لن تكون سهلة بأي حال، فمنذ انسحاب ترامب من الاتفاق، ضاعفت إيران إنتاجها من اليورانيوم المخصب اثنتي عشرة مرة، ورفعت نسب التخصيب، وربما نقلته إلى مواقع جديدة، كما تتهمها الوكالة الأممية، هذا بالإضافة إلى توسّع المليشيات المتحالفة مع إيران في سورية واليمن، وترسيخ أقدامها هناك. لذا لا بد وأن يساوم بايدن إيران على الملفات السابقة، وأن يحاول تهدئة مخاوف دول الخليج وإسرائيل. ولا شك في أن عودة (أو إعادة) دمج إيران دبلوماسيا، وانفتاح إدارة بايدن عليها، سوف يؤثران على ملفات كثيرة، في مقدمها الحرب في اليمن التي انتقدها بايدن بقوة. وربما ترحب دول التحالف السعودي الإماراتي نفسها بوضع حد لها بسبب تكاليفها الباهظة وصعوبة حسمها. وهذا يعني أن المنطقة قد تشهد نشاطا دبلوماسيا مكثفا لإعادة دمج إيران من ناحية، ووضع نهاية لحرب اليمن، وحلحلة الأزمة السياسية اللبنانية الداخلية، وتحقيق بعض الاستقرار والاستقلالية في العراق، وربما التخفيف من حدّة الأزمة السورية، وكذلك التأثير على الأزمة الخليجية نفسها، فمن شأن التقارب الدبلوماسي بين أميركا وإيران التأثير على ملفات عديدة، وإعادة توزيع موازين القوى الإقليمية. سيسعى بايدن إلى العودة إلى حل الدولتين للقضية الفلسطينية. وربما يعيد افتتاح مكتب منظمة التحرير  في واشنطن سيحاول بايدن كذلك وقف التمدّد التركي في الإقليم والحدّ منه، وفكّ التقارب الروسي التركي، وسيواجه بتحالف تركيا مع روسيا، وبرغبة دول أوروبية، كألمانيا، بعدم خسران تركيا والحفاظ على التحالف معها. كما سيواجه أيضا بالتمدّد الكبير الذي حققته تركيا في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، بفضل الانسحاب الأميركي نفسه، والذي ترك مساحات فراغ واسعة، وبفعل سياسة الرئيس أردوغان التي لا تتردّد في المواجهة. وقد يدفع التفاوض الأميركي مع تركيا إلى حلحلة بعض الملفات، كالأزمتين، الليبية والسورية، وربما أيضا الأزمة الخليجية، حيث سيطالب الأتراك بايدن بالضغط على الأطراف الأخرى في هذه الأزمات لتقديم تنازلات مماثلة. سيسعى بايدن أيضا إلى العودة إلى اللغة الدبلوماسية الدولية، وحل الدولتين للقضية الفلسطينية. وربما يعيد افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ويستأنف المساعدات الأميركية للفلسطينيين، ويحاول الوقوف ضد التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ولكنه قد لا يحاول إعادة بث الروح في مفاوضات السلام نفسها، والتي عجزت عن التقدم منذ أوائل التسعينيات.  ومن شأن عودة بايدن إلى الخطاب الأميركي المطالب بالديمقراطية والحريات في المنطقة، وخصوصا بعد الانتقادات اللاذعة التي وجهها إلى النظامين، السعودي والمصري، خلال حملته الانتخابية، أن تساعد في حلحلة المواقف الداخلية في عدة دول، ودعم الأصوات المعارضة وتخفيف الضغوط المفروضة على النشطاء السياسيين والحقوقيين. ولا بد أن يواجه بايدن معارضة قوية من تلك النظم وتهديدات بالتقارب أكثر مع روسيا والصين، ومحاولات لاستخدام العلاقة مع إسرائيل، والتقارب معها كورقة للضغط على بايدن وسياساته. وهذا يعني أن الرئيس الأميركي الجديد سوف يواجَه بشرق أوسط أكثر تعقيدا وتشابكا، ونظمٍ توسعت كثيرا خلال عهد ترامب، تسعى إلى تعظيم مصالحها، ولن تتردد في مساومة الولايات المتحدة على مختلف الملفات، وفي مقدمها العلاقة مع إيران والاستقرار الإقليمي والديمقراطية. ولكن ذلك لا يعني ان إدارة بايدن ستقف عاجزةً بلا تأثير، فتدخلها في مختلف الملفات، وفي مقدمها الملف الإيراني، سيوجد مساحاتٍ واسعة للغاية للعمل والتغيير، فإعادة دمج إيران تكفي وحدها لتحريك مياه كثيرة راكدة في أكثر من ملف رئيسي في المنطقة. وهذا يعني أن رقعة شطرنج الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات هامة وعديدة، وأن الفرصة متاحة أمام مختلف القوى لتعظيم مصالحها. ولعل في هذا دعوة إلى الدول والجماعات المعنية بالإصلاح السياسي في المنطقة لإعادة تنظيم صفوفها، والتفكير في سبل تعظيم مكاسبها. سوف يستمر بايدن في استراتيجية الانسحاب التدريجي من المنطقة، ولن يخوض صراعاتٍ مكلفة، ولكنه لن يقف صامتا أمام ما يحدث، ولا بد أن يتدخل لتحريك ملفات عالقة، في مقدمها الأزمة الإيرانية. وسيؤدي التحرّك الأميركي إلى إيجاد مساحات وفرص جديدة للحركة. ويبقى السؤال الأهم هو عن مدى استعداد مختلف القوى لتعظيم مصالحها، مستفيدة من تحرّكات بايدن المتوقعة؟   العربي الجديد 


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand