عمار الحكيم يقتربُ العراقُ من استحقاقٍ انتخابيٍ جديدٍ مشابهٍ لما سبقه من حيث الممارسة والأداء ومختلفٌ من حيثُ التوقيتُ والتسمية . إذ تتميزُ الانتخاباتُ القادمة بأبعادها المصيرية وقدرتها على حسم المرحلة القائمة والانتقال بالعراق الى مرحلةٍ أكثرَ هدوءاً إذا ما أُحسِنَت إدارةُ الأزمة ، وقد تكونُ أكثرَ توتراً وتصعيداً اذا كان العكس من ذلك . فلهذه الانتخابات مجموعةٌ من الاستشرافات التي نعتقدُ بصحتها ، ففيها أفولٌ لقوىً سياسيةٍ ، وصعودٌ لأُخرى ، وتكريسٌ لمكانةِ قوى سياسيةٍ فاعلةٍ في المشهد ، ولكن أيَّاً كان شكلُ هذه الانتخابات ومخرجاتها ، فإنَّ عليها أن تجدَ إجابةً وافيةً للاستفهام الذي مفاده : "ماذا لو ذهبنا الى الانتخابات المبكرة وانتهت الممارسة الانتخابية من دون أن تتمكنَ من ازالةِ الاحتقانِ واستعادة ثقة المواطن بنظامه السياسي الديمقراطي . إنَّ الحلَّ الذي نراه للأزمةِ العراقية هو ذاته الحل الذي طرحناه في فتراتٍ سابقةٍ وواجهَ اعتراضاً من الكتل السياسية بسبب المزاج السياسي الذي كان يسود في وقتها ، فقد كانت الكتلُ السياسيةُ تخشى المجازفةَ ، وتحدوها رغبةٌ دائمةٌ بالتفكير داخلَ الصندوق لا خارجَه . وتأسيساً على تلك التعثرات فإننا نرى الحلَّ يكمنُ بتشكيل تحالفٍ انتخابيٍ عابرٍ للمكونات ، ممثلٍ للجميع ، وطني التوجه والإرادة ، قادرٍ على ردم الهوة بين الجمهور العام والمنتظم السياسي وبوسعهِ تشكيلُ نواة العمل المتوازن بالنظام السياسي على أساسِ فكرة (الموالاة والمعارضة) . عبرَ قوىً تتفقُ قبل الانتخابات على وجهتها في إدارة الدولة ، وهو سياقٌ مختلفٌ تماماً عن التحالفات التي تتشكل بعد الانتخابات ، والتي يكون فيها العاملُ المشتركُ بين الجميع هو كيفية تقاسم السلطة وفقَ لغة الاستحقاق الانتخابي . وأما التحالفُ العابرُ للمكونات فإنهُ نسيجٌ يشاركُ فيه ممثلون عن قوى سياسية من جميع الساحات ، قوىً تمتلك ثقلاً سياسياً واجتماعياً ، وتاريخاً نضالياً واضحاً الى جانبِ القوى المنبثقة من حراكِ تشرين الذي نترقبُ قدرتَه على إثبات تمثيله السياسي في المرحلة القادمة. إنَّ تشكيلَ التحالف العابر سيفرض بالتراتب تشكيلَ التحالفِ المماثلِ له ، وبالتالي سيعززُ الوصولَ الى الهدف المنشود بإمكانية ان يحظى أحدُ التحالفين بأغلبية البرلمان ويشكلُ الحكومةَ ويختارُ الرئاساتِ الثلاث ، كما يمكنُهُ أن يوفرَ ارضيةً مناسبةً للإصلاحات المنشودة وفي مقدمتها تعديلُ الدستور وتحديثُ النظامِ السياسي وفق متطلبات المرحلة الجديدة. التحالفُ العابرُ للمكونات سيمكّن الناخبَ العراقيَ من حُسنِ الاختيار ويشجعهُ على المشاركةِ وينهي حالةَ البرامج الانتخابية المستنسخة والشعارات المكرورة التي تشتتُهُ وتزيدُ من إحباطه . مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ تشكيل تحالفٍ وطني جامع سيحددُ بشكل واضحٍ من هو المسؤولُ الفعليُ عن النجاح اوالفشل . ولا شكَّ في أنَّ التحالفَ الانتخابي العابرَ سيمثلُ مشروعاً سياسياً وطنياً كبيراً يعبِّرُ عن المبادئ العامةِ التي يتفق عليها العراقيون ، وعلى رأسها (المواطَنةُ وتكافؤ الفرص وتحقيق الخدمات العامة) وسيعمل هذا التحالف المنشود على تقديم الحكومة الخادمة لشعبها ، فهو حلٌّ ينبعُ من عمق المرحلة الحالية وأزماتها ، وهو في ذات الوقت نواةٌ لحلٍّ أكبرَ في المرحلة القادمة . وقد لا يستسيغُ البعضُ هذا الطرحَ من الناحيةِ السياسيةِ ولاسيما القوى التي تعودت منذ 2003 على الغوص في الاماكن المفروزة سياسيا ، وقد لا ينسجم ايضاً مع رغباتٍ دوليةٍ واقليميةٍ تؤثرُ في الوضعِ العراقي وتتأثرُ به ممن اعتادت التعامل مع العراق وفق معادلة تمثيل الساحات العراقية. سيؤسسُ التحالفُ العابرُ للمكوناتِ الى شراكةٍ الأقوياء وسينهي معادلةَ بقاء الجميع محتفظاً بمكانته السياسية من دون السماح للأخرين بالتقدم أو تبادل الأدوار ، فثمةَ شخصياتٌ رشحت لمواقع المسؤولية ورفضتها ، لا لعلَّةِ في سيرتها أو ادائها ، وإنما لأهليتها وكفاءتها وقدرتها والخشية من تقدمها انتخابياً . إنَّ الحلولَ المرجوّةَ للأزمةِ العراقية لابد أن تكون بمستوى التحديات ، إذ لم يعد ممكناً مواجهةُ التحديات الكبيرة بحلولٍ ترقيعية يتم تدويرها وترحيلها من دورةٍ لأخرى . إنَّ ماشهدهُ حراكُ تشرين من جمهور معترضٍ على طبيعة النظام والاداء السياسيين الى جانب أغلبيةٍ متعاطفةٍ مع الحراك ، ومرجعيةٍ عليا مساندةٍ ومؤيدةٍ لمطالبه بالإصلاح ومكافحة الفساد ، كان مؤشراً صارخاً على ضرورة أن يكون الحل شبيهاً بالتداخل الجراحي ، مع التأكيد بأن الكتلةَ العابرةَ لايمكن أن تخرج بعيدا عن معادلة (الدولة واللادولة) لأنها تسعى أولاً الى الوصول الناجز الى أداءٍ نيابيٍ سليم ، بلحاظ قراءة الساحة السياسية العراقية التي تقرُّ بعدم إمكانية ذهاب أيٍّ من الكتل لحسمِ الانتخابات (بالنصفِ زائداً واحد) ، وهذا ما يثبتُ حاجةَ الجميع للجميع ، فلماذا لا نستثمر الوقتَ ونحسنُ قراءةَ المرحلة وضروراتها ، ونهيِّء إلى حلٍّ نهائي يكون التنافس فيه لخدمة العراق وشعبه على أساس المواطنة والمشروع الوطني ؟
باقر الزبيدي بالأمس وأنا أراقب غزارة المطر الذي تساقط بما يقارب (70 ملم) خلال ساعات، وكنت أقلب في صفحات كتاب (السياسية المالية) أمعنت النظر في الموازنات الإنفجارية التي خصصتها وزارة المالية، خاصة (من عام 2011 إلى 2014) وعلى مدى السنوات المنصرمة واللاحقة للطرق والجسور وأمانة بغداد ومشاريع ماء الرصافة ومشروع قناة الجيش ! ورؤساء الوزراء (المسؤول التنفيذي عن السياسات العامة للدولة) و وزراء البلديات والمحافظين وأمناء العاصمة منذ عام 1980 وإلى يومنا هذا، مطالبين بالكشف عن ما قدموه من خطط عمل ومتابعة ومبالغ صرفت وبددت لتنفيذ هذه الخطط، وهل أُنجز شيئ منها على أرض الواقع..؟ ومن هو المسؤول الحقيقي عن كارثة غرق الشوارع ودور المواطنين، ودخول مياه الأمطار إلى غرف منامهم في بغداد والبصرة وباقي المحافظات. أطالب بتشكيل لجان خاصة على غرار (لجنة مكافحة الفساد) تتألف من مختصين في وزارات التخطيط والمالية والبلديات وشؤون المحافظات، والخروج بنتائج، ومكاشفة الشعب بحقيقة من هو المسؤول عن هذا الدمار الذي أغرق العراق ؟
شيرزاد اليزيدي في غمرة انشغال العالم ومنطقتنا خاصة بالانتخابات الأميركية وتداعياتها، مر تصريح جديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أطلقه قبل أيام قليلة، مرور الكرام، دون أن ينال ما يستحقه من توقف. فالرجل تحدث بلغة احتلالية صريحة هذه المرة وبلا مواربة معلناً أن "كل أرض جرت فيها دماء جنودنا هي جزء من أرضنا ووطننا"، مشيرا بالاسم إلى سوريا وليبيا وقبرص وإقليم ناغورني كاراباخ . لوهلة، قد يبدو هذا التصريح للمتلقي كما لو أنه مفبرك أو غير دقيق ومجتزأ، لأنه يتنافى جملة وتفصيلاً مع القوانين والأعراف الدولية، فضلاً عن "ألف باء" السياسة، كما أنه لا يصدر عن رجل دولة عاقل ولا عن مسؤول سياسي متزن. لكنه الرئيس التركي الذات بات صنوا للتهديدات. وما يفرضُ حمل هذا الكلام "السريالي" والفاشي على محمل الجد، أنه وحتى قبل العهد الأردوغاني، تقول القاعدة إن الجيش التركي يبقى محتلاً في أي مكان يدخله، كما هو الحال في شمال قبرص حيث شكلت تركيا دويلة لا تعترف بها إلا أنقرة منذ نحو خمسة عقود وقس على ذلك. ويسعى أردوغان، كما هو جلي، إلى تعميم نموذج شمال قبرص ونسخه في دول أخرى غدت محتلة جزئياً من جانب تركيا، لعل أهمها العراق وسوريا حيث يحتل الجيش التركي أجزاء واسعة من المناطق الشمالية الكردية خاصة في كلا البلدين. رب قائل قد يقول هذا مجرد هذيان لرئيس معزول ومحكوم بهواجس العظمة الإمبراطورية وبأوهام استعادة الحقبة العثمانية، وحتى إن كان هذا الكلائم صائبا، فإنه لا ينبغي التعامل باستخفاف مع هذه التهديدات وهذه الاعترافات الخطيرة بالنوايا والخطط التوسعية والاستعمارية التركية في عموم المنطقة وعلى رؤوس الأشهاد والمقرونة بالترجمة العملية ولو نسبياً. التواجد العسكري التركي المثير للتوتر يمتد من المتوسط إلى الخليج والبحر الأحمر حيث القواعد العسكرية التركية في كل من قطر والصومال. هذه العدوانية الصريحة التي تمجد وتبرر التدخل والغزو واقتطاع أراضي الغير وقضم سيادات دول وامتهان كرامات وحقوق شعوب بأكملها باتت تستدعي مواقف دولية وإقليمية وعربية صارمة وعملية، بعيداً عن الرخاوة والمهادنة والإدانات الكلامية. ذلك أن حجم التدخلات التركية السافرة المهول في مختلف ملفات المنطقة وشؤونها يكاد يشكل سابقة، فحتى إيران التي تشكل مضرب المثل بسياساتها التوسعية في تصدير ثورتها المزعومة ودورها السلبي والتخريبي في المنطقة، باتت تركيا في طورها الأردوغاني تضاهيها، إن لم تكن تتفوق عليها، حتى في التوسع العدواني ورعاية الإرهاب والتطرف.
د. آمال موسى أثار فيروس «كورونا» جدلاً وتحدياً علميين. ولكن الملاحظ أنَّ هذا الجدل تميَّز بالغموض والتناقضات، والتعتيم على أطروحات وتكثيف الضوء على أطروحات مضادة. طبعاً يبدو الأمر في ظاهره غريباً وغير قابل للتفسير والفهم. ذلك أنَّه غموض لا يناسب الموضوع محل الجدل، ولا طبيعة اللحظة الاتصالية العالمية المفتوحة والمتقاربة، فيجب ألا ننسى أنَّ هذه الجائحة التي أصابت الملايين وأودت بحياة ملايين، إنّما تمثل تحدياً علمياً طبياً حقيقياً لعالم كان يعتقد أنه سحق الطبيعة وانتصر عليها وما عادت تقهره. ولكن مع ذلك لم نرَ في شاشات التلفزيونات التي تتجاوز الآلاف في العالم حوارات ونقاشات علمية تشفي الغليل، وتجعل الناس يفهمون مع العلم أنَّ الحاجة للمعلومات، ولفهم مدى إمكانية القضاء على هذا الفيروس باتت عامة، وتشمل الجميع على حد السواء. الأطباء العلماء لم يقتنصوا هذه اللحظة لتأمين نقاشات خارج ما حصل من محاولات تهميش البعض لبعضهم بعضاً. ماذا نفهم من كيفية إدارة بعض النقاشات العلمية حول فيروس «كورونا»؟ لا شك في أن المشكل ليس شخصياً بين العلماء الأطباء، بل إن الكلام عن الحل والدواء واللقاح المنشود وضرورته ومدى نفعيته... هنا يكمن المشكل لأنَّ هذا الكلام يجب أنْ يكون نفعيّاً ورأسماليَّ الغايةِ والتأثير، وكل كلام يشوّش على جهود الشركات العالمية المنكبة من يناير (كانون الثاني) الماضي على إيجاد لقاح ضد «كورونا» يجب أن يخضع للتعتيم الإعلامي وللتقليل من قيمته، وضرب ما يتضمنه من مصداقية الأطروحة وصاحب الأطروحة معاً. ما نستنتجه من هذه الممارسات غير الظاهرة أنها تدخل في سياق استراتيجية تمهيد الطريق، والتقبل النفسي العام لما ستنتهي إليه جهود باحثي المخابر الدولية والشركات الكبرى. بل إنَّه حتى الأخبار التي كانت تبث من حين إلى آخر حول أن الفيروس سيستمر لسنوات، وضرورة التكيف مع إجراءات التباعد والحماية يمكن القول إنّها في جزء منها خاصة المبالغ فيه والواثق من دون أدلة، وأنه ينخرط ضمن تهيئة اللحظة المواتية لتلقي خبر التوصل لابتكار لقاح ضد «كورونا»، فيكون الخبر عظيماً ومفرحاً بما يجعل الطلب عظيماً ومحققاً للربح الوافر. من المهم أن نتذكر ونحن نتعامل مع أخبار اللقاح المبتكر، وخاصة آخر هذه الأخبار التي تقول إن شركتي «بيونتيك» الألمانية و«فايزر» الأميركية على وشك الحصول على تصريح لاستخدام لقاح لفيروس «كورونا» أن تاريخ اللقاحات ومقاومة الفيروسات المستجدة يشير إلى أن العملية تستوجب الوقت والصبر والتريث، وأنَّ هناك مساراً كاملاً يتم على مراحل، وقد يستغرق عقداً من الزمن. في حين أنَّ هذا الفيروس الخطير الذي قهر الإنسان الحديث لم يتجاوز الباحثون حتى الآن العشرة شهور من الأبحاث والاختبارات. أيضا أهمية الوقت في اختبار اللقاحات عامل لا غنى عنه؛ لأنه لا يكفي تطبيق اللقاح على الآلاف كما حصل في الشركتين المشار إليهما، بل أيضاً الانتظار طويلاً، ومتابعة دقيقة لأن الأعراض ليست دائماً سريعة الظهور، إضافة إلى أن اللقاح بشكل عام ليس بالدواء العرضي، بل يتجذر في البنية الفيزيولوجية، ويؤثر على البعد الجيني الوراثي. وبالنظر إلى هذه الاحترازات نتساءل: بناءً على ماذا تتحدث شركتا «بيونتيك» و«فايزر» عن أن اللقاح فعال بنسبة 90 في المائة؟ هل يسمح العلم وصرامته بإطلاق مثل هذه النسبة، أم أننا أمام حملة ترويج تتعامل مع اللقاح بوصفه سلعة كما تنص ثقافة ومبادئ السوق؟ المشكل أنه حتى وسائل الإعلام انخرطت في الدعاية والترويج بعلم منها ومن دونه. لا شك في أنَّ كل خبر يبشر بوجود دواء أو لقاح هو أمل ومبعث فرح، ولكن بما أن هذا اللقاح تنتظره مليارات من الناس في العالم، وبما أن المسألة تتعلق بصحة الإنسان، وبالنظر إلى السرعة التي عرفتها الأبحاث واللقاحات، فإنَّ المطلوب ليس التعامل الانفعالي الأعمى والانقيادي المحض مع هذه الأخبار والإنجازات، بل من واجب وسائل الإعلام تأمين خطاب عقلاني استدلالي حول الموضوع، ومكافحة الباحثين والشركات بالأطروحات المضادة والمخاوف والشكوك، وننصت لمستندات الدفاع عن اللقاح بشكل واضح ومباشر. إنَّ فكرة أنَّ مليارات من الناس سيستعملون آجلاً أم عاجلاً لقاحاً لفيروس خطير سريع التغيير ويتشكل على نحو مختلف، والحال أنه أقصر لقاح في الوقت الذي استغرقته الأبحاث للتوصل إليه هي فكرة مخيفة، وتحتاج إلى الحذر، وإلى الفهم وإعطاء الكلمة للمشككين بشكل علمي وبرهاني وعقلاني في اللقاح؛ لأنَّ خلق هذا الجدل العلمي يقمع جشع السوق ويسهم في تطور العلم. إذا ظهرت أعراض غير متوقعة للقاح المروج له، فإنَّ هؤلاء الباحثين لا أحد سيحاسبهم، فهم مجتهدون وغير مطالبين بالنتائج. في حين أنَّ معاهد البحوث الطبية المختصة ومنظمة الصحة العالمية وأيضاً وسائل الإعلام مطلوب منها ممارسة الوظيفة النقدية: تشجيع الأبحاث والاستبشار بالحلول والابتكارات الطبية، ولكن مع ممارسة النقد وتمرير محاذيرها، والحرص على نشر هذه المحاذير. والمستفيد طبعاً هو الإنسان. شاعرة وكاتبة وأستاذة علم الاجتماع في الجامعة التونسية
رياض محمد خلال السنوات الاخيرة قمت مستندا الى الوثائق العراقية والامريكية بنسف 99% من ما يمكن لي تسميته بالاساطير المؤسسة لنظريات المؤامرة في العقل العراقي. كل ما ينسبه العراقي خطأ الى مؤامرة دولية مثل حروب صدام وانقلابات العراق وحكام العراق الحاليين ...الخ لا يستند الى اي دليل علمي. على العكس فان غالبية ما حدث للعراق كان نتيجة افعال قام بها العراقيون انفسهم حكاما ومحكومين. وبما ان عراب تقسيم العراق بايدن قد فاز بالبيت الابيض وقد اقترب موعد تحقق هذه المؤامرة الشيطانية الصهيونية الماسونية الامبريالية على عراقنا الموحد السعيد فلنتناول هنا تاريخ هذه المؤامرة. لنبدأ اولا ونعترف ان العراق بكيانه الحالي (ارضه وحدوده) لم يعرف الا قبل 100 سنة فقط.. قامت على ارض العراق دول وامبراطوريات واتخذت منه عاصمة كما غزته امبراطوريات اخرى واتخذت منه عاصمة ايضا. لكن العراق كما هو الان لم يخلقه احد الا بفعل قرار بريطاني مؤيد من العالم في اعقاب الحرب العالمية الاولى بتوحيد ولايات بغداد والموصل والبصرة في دولة جديدة اسمها العراق. وهكذا فان المستعمر الانكليزي المتأمر علينا وعلى وحدة العراق هو الذي خلق هذه الطلابة المستمرة من قرن كامل! وفي الحقيقة فلولا دعم هذا المستعمر المتأمر للحكومة العراقية لربما ماكانت الموصل وكوردستان وكركوك جزءا من العراق اليوم لان تركيا طالبت بها بقوة. وهذا المستعمر ايضا كان يمكن له وبالتعاون مع امريكا وروسيا ان يقسم العراق عام 1941 - ونخلص من هالبلوة! - لكنه لم يفعل. وفي عام 1991 كان من الممكن للامبريالي الامريكي المستكبر ان ينشأ دولة جديدة في كوردستان لكنه لم يفعل. والحقيقة وللتاريخ فان كل من دول جوار العراق الكبرى الاربع تركيا وايران وسوريا والسعودية لديها مصلحة في بقاء العراق موحدا حتى لاتخلق دولة كوردية تشجع الكورد في هذه الدول وحتى لايتشجع الشيعة في السعودية ايضا. وفي عام 2003 كان يمكن للمحتل الامريكي المستكبر ان يقسم العراق - ويخلصنا! - لكنه لم يفعل. وفي عام 2014 كان وجود العراق كدولة مهددا لكن دعم الاستكبار الامريكي وايران والعالم قضى على هذه الفكرة. وكان يمكن لامريكا وايران وتركيا ان (تتأمر) لتقسيم العراق خلال استفتاء استقلال كوردستان لكنها جميعا دعمت وحدته وخصوصا ايران. ماهي اذن الدول التي لها مصلحة في تقسيم العراق؟ ربما هناك دولة واحدة هي اسرائيل. لكن مصلحة اسرائيل في ذلك ليست حيوية كما كان ذلك سابقا لان العراق لايشكل اي خطر عليها الان. ماذا عن مشروع بايدن الذي سألني عليه مليار عراقي 100 مليار مرة؟! بايدن قدم مشروع اتحاد كونفدرالي وليس تقسيم للعراق وهذا المشروع طواه النسيان ولا يتذكره بايدن نفسه المصاب بفقدان الذاكرة لكن العراقيين (مجلبين بيه) على انه الدليل الذي يثبت كل شيء! مختصر مفيد لا يوجد احد يتأمر من اجل تقسيم العراق. على العكس من تظنونهم يتأمرون هم من خلقوا هذه البلوة وحافظوا عليها! ساعة السودا!
مصطفى النعمان حتماً سيرحل الرئيس دونالد ترمب عن المكتب البيضاوي، الذي جلس عليه رؤساء ترك كثيرون منهم بصمات في التاريخ، وسيعود إلى مكاتبه في المبنى الذي يحمل اسمه (برج ترمب) وسط مدينة نيويورك، تاركاً خلفه إرثاً عظيماً من التخبط والفوضى وسوء الإدارة سيلقي عبئاً ثقيلاً على خلفه الرئيس المنتخب جو بايدن وإداراته، لإعادة الهيبة والوقار اللذين افتقدهما البيت الأبيض في السنوات الماضية. وسيواجه الرئيس الجديد مهمة صعبة للغاية نظراً إلى الكم الهائل من الألغام السياسية التي زرعها سلفه في الشرق الأوسط وحول العالم، فقد زعم ترمب أنه قادر على ابتكار الحلول لكل مشكلة بـأسلوب تجاري، بعيداً عن قيود التاريخ وضوابط الجغرافيا، فالرجل لا يحتمل تفكيره التعمق في أي قضية، إذ يتصور أنه وحده سيتمكن من إيجاد حلول لها ويكون له منفرداً القول الفصل فيها، فقد كان قليل الخبرة والتجربة في القضايا الدولية، وما كان قارئاً للتاريخ ولا مهتماً بالتفاصيل التي تشكل جوهر الحلول في عديد من الأزمات. خلال أربع سنوات لم يتمكن ترمب من معالجة أي قضية دولية بل أسهم بإمعان في خلق مزيد من بـؤر التوتر في منطقة الشرق الأوسط، وتعمد رفع حرارة الخلافات العربية مع إيران خصوصاً، وعوضاً عن لعب دور المهدئ والوسيط، عمد إلى تعميق الشكوك والمخاوف، ولم يكن ذلك إلا لتحقيق هدف واحد هو ضمان بقاء دولة إسرائيل في موقع التفوق العسكري مهما بلغت المبيعات العسكرية لبعض دول المنطقة. كان واضحاً خلال السنوات الأربع الماضية، أن سياسة البيت الأبيض غير ثابتة ولا مفهومة، وأربكت العالم في محاولة تجنب الصراع معه والسعي لفهم المؤثرات التي تتحكم في اتخاذه القرار، ويمكن الالتفات إلى العدد غير المألوف من التغييرات التي أحدثها ترمب في أهم موقعين داخل البيت الأبيض، وأقصد منصب مستشار الأمن القومي، فقد تعاقب عليه أربعة طرد منهم ثلاثة، ثم موقع كبير موظفي البيت الأبيض الذي مر عليه ثلاثة، بينما ظل الموقع الثابت الذي لم يتبدل هو موقع زوج ابنته جاريد كوشنر الذي مثل الشخصية الأهم الأكثر تأثيراً علـى مجمل القرارات والأكثر نفوذاً في تحديد أولويات السياسة الخارجية، بعيداً عن نطاق وزير الخارجية وأجهزة الاستخبارات. وتعامل ترمب مع الموقع الأخطر في العالم بعقلية صاحب المزرعة، الذي يمتلك كامل أسهمها متصوراً أنه يمتلك الحق في تحديد ما يفعله الجميع، ولم يكن يخفي نرجسيته المفرطة مدعياً قدرته على إنجاز الصفقات من دون تحمل أي تبعات، ومن المـؤكد أن معظم قيادات العالم قد تنفست الصعداء بخسارته بعد سنوات من الاضطرار إلى تحمل صفاقته وإهاناته، التي لم يسلم منها أي حاكم حتى من كان يتصور أنه قريب منه أو متوافق مع رؤيته للعالم. الآن، لا بد من أن الرئيس ترمب يفكر جدياً بما يمكن أن يحدث له في اليوم التالي لتسليم السلطة رسمياً، بل قد يكون السؤال الأهم هو، ما الذي سيفعله خلال الشهرين المقبلين؟ إذ ليس من الواضح أنه قد فكر ملياً بتبعات ما تسبب به من اختلالات سياسية ووظيفية طيلة سنوات حكمه، كما أنه صار يعمل بطريقة غير مسبوقة من حيث إقالة كبار موظفيه في الأيام الأخيرة من حكمه، وما زال يواصل السعي لمزيد من التوتر في مناطق مختلفة، وكانت زيارة مبعوثه الخاص إيليوت أبرامز إلى المملكة العربية السعودية في هذا الإطار، لكنه لم يفلح بالحصول على دعمها لاتخاذ إجراءات جماعية ضد الحكومة الإيرانية. لم يعد أمام الرئيس ترمب إلا أيام معدودة مهما حاول وبذل، وبعدها سيكون في مواجهة شرسة مع مجلس النواب الأميركي، الذي سيعمد إلى تجديد استدعاء كبار الموظفين الذين منعهم ترمب من الشهادة أمام لجانه المختلفة بخصوص قضايا التهرب الضريبي والعلاقة مع روسيا وغيرها، وليس الغرض من ذلك رغبة الديمقراطيين في الانتقام من الرجل فقط ولكن، وهذا هو المهم، التأكد من عرقلة قدرته على الترشح مرة أخرى في العام 2024، فمؤسساته التجارية تتعرض للتحقيق في تضخيم تقييم ممتلكاتها من أجل الحصول على قروض من البنوك، ثم استغلال السلطة للحصول على صفقات خارجية، والتحرش الجنسي والدعوى المرفوعة من ماري ترمب ابنة أخيه ومن محاميه السابق وقضايا أخرى كثيرة. وستشهد بدايات فترة سنوات حكم الرئيس المنتخب بايدن مواجهات على جبهات عدة مع قضايا داخلية على رأسها إعادة البطالة وبطء نمو الاقتصاد الذي تأثر بوباء كورونا، وإعادة الانضباط إلى عمل المؤسسات الأميركية، وعودة واشنطن إلى العمل الجماعي مع بقية دول العالم عبر المنظمات الدولية، وتفعيل المعاهدات الدولية التي وقعها الرئيس السابق باراك أوباما، وما يهمنا هنا أن أسلوب إدارة الملفات سيختلف تماماً، مع ضرورة التنبه إلى أن بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس متأثران بأوباما ونظرته إلى العالم، ولن يكون الرئيس الجديد متطرفاً في تعامله مع قضايا العالم كسلفه. صحيح أن بايدن والحزب الديمقراطي عموماً يوليان قضايا حقوق الإنسان والحريات اهتماماً كبيراً، وذاك تناقض تام مع سياسات ترمب، لكنهما يعرفان أيضاً مدى التغييرات العميقة التي حدثت في العالم وتبدل الأولويات في مناطق كثيرة، ضعفت فيها الحماسة للسياسات التي تصدرت سنوات الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ولا يعني هذا أن مثل هذه القضايا ستنتفي وتختفي، ولكن المؤكد أن التعامل معها سيختلف على الرغم من أن المواجهات فيها ستظل مستمرة ربما بحدة أقل مما كانت عليه في فترة ما قبل ترمب. أمام المنطقة العربية سنوات أربع لن تكون هينة لمواجهة ملفات كان الاعتماد على مواجهتها مبنياً على وجود رئيس تصورناه حليفاً أبدياً، وعليه، فمن الحيوي ألا نعيد تجربة الركون فقط على شخصية الرئيس الأميركي، بل على سد الثقوب التي توسعت في جدران العلاقات الداخلية وكذلك العربية البينية، وفي الوقت نفسه التركيز على البناء الداخلي التوافقي بين مكونات الأوطان وإزالة الحواجز التي تمنع المصالحة الوطنية داخل كل مجتمع. إن القلق الذي ينتاب البعض من عودة رئيس ديمقراطي له مبرراته، ولكنه يجب أن يكون محفزاً لدراسة أسباب هذا الضعف الذي يعتري الجسد العربي أمام المخاطر الداخلية والخارجية، كما أن استمرار الاعتماد على شخصية الرئيس المقيم في "1600 جادة بنسلفانيا" بواشنطن سيجعلنا نعيش داخل الفقاعة نفسها كل أربع سنوات.
رستم محمود كان التقرير الدولي الذي أصدرته مؤسسة كارنيغي البحثية واضحاً تماماً بشأن المستقبل المنظور للاقتصاد العراقي، ذلك الوضوح الذي يمكن اختصاره بجملة واحدة كُررت عشرات المرات أثناء التقرير: "العراق قد يواجه انهياراً مالياً كلياً للدولة". هذه الخلاصة التي تكثف مجمل الوقائع العراقية الحالية، وتكشف جزء وافراً مما قد يواجه هذا البلد في المستقبل المنظور، من مؤسسات ومجتمعات داخلية، لكنه أيضاً يدل على طبيعة السياسات والتوجهات والاستراتيجيات التي اتخذتها السلطات العراقية طوال السنوات الماضية، السياسية منها بالذات، والتي أوصلت البلاد لحالها الراهنة، وحيث إن الكثير من تلك السياسيات ما تزال سارية وفعالة في الحياة العامة والسياسية العراقية. المؤشرات المالية الراهنة، تقول إن مجموع المداخيل الشهرية للحكومة العراقية لا تستطيع إلا أن تغطي نصف حاجاتها المالية، وإن هذا المستوى من العجز المالي إنما سيدفع الحكومة لأن تؤخر من التزاماتها المالية المباشرة، بما ذلك الاستثمار الداخلي ودفع رواتب موظفي الدولة. لكنها ستشكل عاملاً إجبارياً لأن تتخذ الحكومة توجهات للاستدانة العامة، أما داخلياً من البنك المركزي وباقي المصارف المحلية، أو خارجياً من الدول والمؤسسات المالية الدولية. لم يحدث ذلك فجأة، بل نتيجة تلاقي عوامل كانت تتراكم طوال السنوات الماضية، إلى أن أحدثت معا هذا المشهد الاقتصادي/السياسي. فالعائدات النفطية للحكومة العراقية طوال عام 2019 كانت تصل إلى مستوى 6.5 مليار دولار شهرياً، يضاف إليها ما يزيد على مليار دولار من العوائد الشهرية غير النفطية، الأمر الذي كان يوصل ميزانية الدولة العامة إلى قُرابة مئة مليار دولار، التي كانت تغطي كل حاجة الدولة المالية. لكن انهيار أسعار النفط، وتراجع كمية الإنتاج بسبب اتفاقية مجموعة أوبك بسبب تفاقم وباء كورنا، خفضّا تلك العوائد إلى النصف تماماً؛ مما أدخل الحكومة العراقية في هذا المستوى من العجز المالي. هذا الأمر الذي يعني بجوهره أن مجموع الحكومات العراقية السابقة لم تكن تملك أي رؤية اقتصادية/سياسية، بل كانت مركونة إلى "خِدر" اقتصادي، يؤمن بأن العراق بلد ثري للغاية باحتياطاته النفطية، وأن تدفقها سيستمر على الدوام، وسيغطي حاجات البلاد الاقتصادية على الدوام. كانت ذلك بمثابة بداهة أولية بالنسبة إلى كل الحكومات العراقية السابقة، وإن كانت أسوأ خيار على الأطلاق، لأنه ببساطة كان يدفع ملايين المواطنين لأن يعيشوا أشكالاً مركبة من البطالة المقننة. لكن الأحزاب الأيديولوجية المركزية العراقية الحاكمة "الشيعية" كانت تحتاج إلى ذلك الشكل من الفضاء الاجتماعي، لتكون قادرة على فرض أيديولوجياتها الدينية. المستوى الثاني من العوامل يتعلق بالأعداد الهائلة للموظفين العموميين في مؤسسات الدولة، حتى صار مجموع العراقيين الذين يتلقون رواتب ثابتة من الحكومة العراقية أكثر من سبعة ملايين عراقي، الذين تقارب نسبتهم ربع سكان البلاد، وهو من أعلى نسب التوظيف العام في العالم. يستهلك هؤلاء الموظفون أكثر من ثلاثة أرباع عائدات الدولة، على شكل رواتب أو ميزانيات تشغيلية، تستهلك كامل ما يجب أن يُرصد منطقياً للاستثمار وتطوير البنية التحتية وقطاعات التعليم والصحة العامة. لم يكن ذلك بالنسبة للحكومات العراقية السابقة مجرد خيار اقتصادي، بل كانت نهجاً سياسياً محكماً، اتخذته القوى السياسية العراقية منذ عام 2003. بحيث جذبت ملايين العاطلين غير المهيئين للعمل في أي مهنة، وأدخلتهم في قطاعات ومؤسسات الدولة، لتستحوذ على ولائهم السياسي والتنظيمي، بالذات ليكونوا ناخبين مؤمنين، أو أعضاء في الميليشيات المرتبطة والتابعة لهذه الأحزاب الحاكمة. هذا الخيار رفع أعداد الموظفين العموميين في البلاد إلى الملايين، وأحدثوا كل هذا الأثر التحطيمي في الاقتصاد العراقي. المستوى الثالث والأخير كان يتعلق بالخصخصة التي شملت الدولة ومؤسساتها من قِبل القوى السياسية العراقية، الحاكمة منها بالذات، منذ عام 2003 وحتى الآن. لم تكن تلك الخصخصة مجرد بيع مؤسسات القطاع العام إلى نظيراتها من القطاع الخاص. بل كانت عملية استيلاء وتقاسم فيما بينها، بحيث خُص كل حزب أو جهة سياسية بوزارة أو مؤسسة عامة، وصارت تشغلها لصالحها ولصالح مؤيديها، كقطاع ذاتي للمنفعة. كانت تلك الديناميكية متفقاً عليها ضمنياً بين كل القوى السياسية العراقية، بالذات أثناء تشكيل الحكومات وتقاسم الوزارات والمؤسسات فيما بينها، حتى أكثرها حساسية وأهمية، مثل قطاعات النفط والتربية والدفاع. فما كان يجري في العراق لم يكن مجرد فساد اقتصادي في بعض المؤسسات والقطاعات، بل كان أقرب لديناميكيات النهب العام، بحيث تفقد الدولة الغالبية المطلقة من عوائدها، سواء من الثروات الباطنية أو عوائد المنافذ الحدودية، والقسم الذي يأتي منه إلى الخزينة العامة يذهب في سواقي تقاسم مؤسسات الدولة بين القوى السياسية. كل تلك التفاصيل تثبت حقيقتين بسيطتين في المشهد العراقي. تقول الأولى إن الأزمة الراهنة في العراق ليست اقتصادية بأي من مسبباتها، بل فقط بنتائجها، وإن الفاعلية السياسية هي الأساس الذي أحدث كل هذه الوقائع. المسألة الأخرى تتعلق بالحلول الواجب اتخاذها بناء على ذلك. فمجموع الإجراءات التي تتخذها الحكومة في القطاعات الاقتصادية والمالية لن تكون ذات فائدة من دون إعادة إصلاح حقيقي في العملية السياسية، بالذات من حيث سلطات القوى الحزبية المركزية الحاكمة. "سكاي"
أنس شيخ مظهر ثارت المشاعر العبثية للنواب السنة والشيعة . فتامر قتلة الحسين مع من خانوه ، ليعيدوا مشاهد موقعة الطف من جديد ، لكن ليس في كربلاء وانما في البرلمان العراقي ، ولم يكن الحسين هو الضحية هذه المرة بل كان المواطن الكوردستاني الاعزل . فبعد ان صلى البرلمانيون العراقيون صلاة الفجر جماعة ، ابوا الا ان يقدموا الكورد على مذبح تهجداتهم وابتهالاتهم ، فربطوا رواتب موظفي حكومة كوردستان بشروط ملزمة لحكومة الاقليم ليتم بعد ذلك تخصيص مبلغ لرواتب موظفي اقليم كوردستان ضمن قانون تمويل العجز المالي للحكومة العراقية . ان ما حصل في تصويت البرلمان العراقي على قانون تمويل العجز يعتبر سبة في جبين العملية السياسية واخر مسمار في نعش التوافق السياسي الذي تحتاجه كل المكونات السياسية في العراق وليس الكورد فحسب . لو فرضنا جدلا ( تماشيا مع طرحهم وطريقة تفكيرهم) ان اتهامات برلمانيي بغداد لحكومة الاقليم صحيحة ، وان كوردستان تماطل في تسليم واردات النفط الكوردستاني الى بغداد ، وانها ملزمة دستوريا بوضع كل واردات هذا النفط باليد ( الامينة) لبغداد ... فهل ان حل هذه المشكلة القانونية والادارية يكون من خلال استخدام ورقة تجويع شعب كوردستان وقطع رواتب موظفيها للضغط على حكومة الاقليم ؟ اذا اين ذهبت الطرق القانونية التي يفترض ان تسلكها اية جهة متضررة في العراق حسب الدستور ، لا سيما وان البرلمان العراقي متخم باللجان القانونية ؟ ان كان برلمان بغداد واثقا من موقفه ومصداقية حقوقه دستوريا في واردات نفط كوردستان ، فهناك مؤسسة قانونية ورسمية في العراق تسمى المحكمة الاتحادية يستطيع البرلمانيون العراقيون اللجوء اليها لحسم هذا الموضوع ، وان لم تسعفهم تلك المحكمة فالمحاكم الدولية موجودة يستطيعون اللجوء اليها و" اجبار" حكومة الاقليم للانقياد الى الدستور ( حسب ما يدعون ) . اما اللجوء الى القمع الذي شهدناه فهذا يذكرنا باساليب النظام البعثي الذي كان يلجا الى الحلول الدموية في اية مشكلة يواجهها . والا فما علاقة موظفي كوردستان او موظفي العراق بمشكلة سياسية قانونية ادارية بين حكومتي بغداد واربيل ، ولماذا يستخدم الموظفون كورقة ضغط على الاقليم ؟ وهنا نريد ان نطرح سؤالا : لو تصرف برلمان كوردستان بنفس هذه الطريقة ، واقر بفرض حصار اقتصادي على اهالي المناطق المتنازع عليها من العوائل العربية بغية الضغط على حكومة بغداد لحل مشكلة المناطق المتنازع عليها ، هل يعتبر هذا التصرف مقبولا عند الاطراف السياسية العراقية وعند الشعب العراقي ؟ اذا فكيف يمكن لممثلي الشعب العراقي ( السني والشيعي) ربط مصدر رزق مواطني كوردستان بالمشاكل السياسية بين الطرفين ؟ نريد الاشارة هنا الى موقف اخر وهو موقف بعض البرلمانيين الكورد في برلمان بغداد ، والذي لم يختلف عن موقف البرلمانيين السنة والشيعة في هذا الصدد ، بل كان اسوء منه ، فبدلا من توجيه الاتهام الى برلمان بغداد لاجحافهم لحق المواطنين الكوردستانيين ، بدأوا بكيل التهم لحكومة الاقليم ، مختزلين كل الموضوع في عدم شفافية حكومة كوردستان في ملف النفط .. بهذه السطحية تناولوا الموضوع ، متغافلين ( بتقصد) ان هناك مفاوضات مشتركة بين حكومتي بغداد واربيل لحل المشاكل العالقة وهي في مراحلها الاخيرة ، ومتناسين ( ايضا بتقصد) انهم وان كوفئوا على موقفهم الذليل هذا من قبل بعض الاطراف السياسية العراقية والقوى الاقليمية ، فان التاريخ سيسجل مواقفهم هذه على صفحات الخزي والخيانة . المفارقة ان هؤلاء البرلمانيين الكورد لا تكاد تسمع لهم همسا ، يلتزمون صمت الاحجار في كل ما يتعلق بحقوق شعب كوردستان ، ويبدا الحجر هذا بالنطق فقط عندما يكون هناك مجالا لانتقاد حكومة كوردستان ، وكأنهم مبرمجين على ذلك وهو سبب تواجدهم في بغداد ، وهم بذلك لا يختلفون عمن كان صدام حسين يعينهم في مؤسساته الكارتونية ليمثلوا الكورد في بغداد ابان حكم البعث . يجب على الحكومتين في بغداد واربيل تفويت الفرصة على الاطراف السياسية التي تحاول من خلال برلمانييها وضع العصا داخل العجلة لاضعاف الحكومتين (خاصة حكومة الكاظمي) ، وسحب البساط من تحت ارجل هؤلاء ، بتكاتف الرئاسات الثلاث في بغداد مع الرئاسات الثلاث في اربيل لحل هذه الازمة الجديدة قانونيا ، والاستمرار في المباحثات بين اربيل وبغداد لحل جميع المشاكل العالقة دستوريا بعيدا عن تأثير غربان العملية السياسية في بغداد .
رعد أطياف عندما يكون هناك أمل لا حدود له في المستقبل، فإن الأمل، حتى عندما يفتقر إلى القوة، يمكن أن يقود إلى مغامرات يائسة. سبب ذلك أن المشحونين بالأمل يستمدون القوة من أغرب المصادر، من شعار أو كلمة. أريرك هوفر- المؤمن الصادق. في التجربة الروحية الفردية يركز الحكماء على قوة الحاضر، ذلك أن الماضي والمستقبل بمنزلة العدم؛ فالانشغال بهذين الطرفين يقحم الذاكرة النفسية بمزيد من الأسى. والعدم الذي أقصده هنا - خصوصًا فيما يتعلق بالماضي - ليس عدمًا مطلقًا، بل أعني به تحديدًا، هو انتفاء الذاكرة النفسية فحسب. بتعبير أدق: لا يمكن إعدام الماضي كذاكرة وقائع وأحداث، بل الكف عن صيرورته ذاكرة نفسية مؤلمة. إن الأحداث شيء، وتحويلها إلى معاناة نفسية شيء آخر. لذلك يصعب التخلي من الماضي إذا سمحنا لذاكرة الوقائع والأحداث أن تتحول إلى ذاكرة نفسية متأصلة، لأنها، بالتدريج، ستمنحنا وجودًا زائفًا لا يمثل حقائقنا، بل يمثل الحزم النفسية التي كوّنّاها عن أنفسنا. من هنا تكمن قوة التجربة الروحية ومناداتها دومًا بنسيان الماضي. لا لكونه ذاكرة عامة، بل لكونه تلوّث بأمراض الذات وإسقاطاتها. الخوف من المستقبل يعني الحفاظ على سلطة الاستبداد، والإيمان بالمستقبل يعني ولادة حركة تقدمية تؤمن بالتغيير المهم، إن الخوف من الماضي والمستقبل هو الخوف من كابوس حصل في الماضي وكابوس لم يحدث بعد. إن استثمار اللحظة في الاتجاهات الروحانية لا تعني فقدان التطلع للمستقبل. بتعبير أدق، لا تنطلق هذه الرؤية من وجهة نظر محافظة، وإنما خلاصة الفكرة هو الانتباه والتبصر لزمن اللحظة الحاضرة. أي، الانشغال بما يوجد ونسيان الماضي وعدم الخوف مما لم يحدث بعد. ففي هذه النكتة يكمن جوهر السعادة وعبور المعاناة. غير أن الخوف من المستقبل في هذا المثال شيء، وفي الممارسة السياسية شيء آخر تمامًا. إن الخوف من المستقبل في نشاطنا السياسي والاجتماعي يعني فقدان القدرة على التغيير، والتشبّث بالحاضر ليس لأنه حاضر سعيد، بقدر ما يمثل لنا زمنًا سكونيًا رتيبًا مقاومًا لتيار التغيير. هذه أحد الأسباب الجوهرية للخوف من التغيير: إن الماضي والحاضر أصبحا كلًّا واحدًا يصعب التمييز بينهما، ويشكّلان القوة الدافعة للسلطة وجماهيرها لمحاربة التغيير وفقدان الأمل نحو الأفضل. إن المغامرة الروحية تستند على "قوة الآن" لتأسس مقدماتها نحو المستقبل؛ فالمستقبل هو ما كُنّاه في الماضي، ويشكّل صورة طبق الأصل لقوة الحاضر. المستقبل هو النتيجة المنطقية للحاضر. وبهذه النقطة المشتركة يمكن أن نجمع كلا التجربتين (الروحية والسياسية)، من حيث أن التطلع للمستقبل يعني أن نتبصر الحاضر وتناقضاته. غير أن نقطة الافتراق هنا بين الروحي والسياسي هي قوة الأمل؛ بينما يتطلع الروحي لعبور مفهوم الأمل والنظر إلى واقعه النفسي كما هو لا كما تصوره أزماته الدفينة، ففي الجانب السياسي والاجتماعي يٌعتبر الأمل هو القوة المحركة لأي عملية تغيير. "على الراغبين في التغيير أن يوقدوا الآمال الجامحة" لإحداث التغيير، فالقوة لوحدها، حسب أيريك هوفر، لا تأتي بالمطلوب ما لم ترافقها قوة الأمل نحو المستقبل. ثمة مشكل أخلاقي وعائق اجتماعي وسياسي يعد رأس المال الأبرز للسلطة، وهو الخوف من الأمل، الخوف من المستقبل، ما يقودنا بالضرورة إلى الخوف من التغيير. وعادة ما نشاهد عمليات التغيير التي تحدث في منطقتنا تُقابَل بردات فعل عنيفة وموجعة للسيطرة على ذاكرة الماضي والتشبث بأذيالها! إن الماضي هو القوة السحرية والترياق الأعظم الذي ترضعه السلطة لجماهيرها. هذه الحشود المليونية التي تقاعدت تمامًا عن المطالبة بالعيش الكريم، تعاني من ورمات متأصلة يصعب اقتلاعها، أعني بها ورمات الشعور بالماضي الذي أضحى أحد مكوناتها النفسية. لذلك تشكّل هذه الجماهير حرس شديد البأس يحرس بوابة الماضي من المساس بها أو التشكيك في شرعيتها. الخوف من المستقبل يعني الحفاظ على سلطة الاستبداد، والإيمان بالمستقبل يعني ولادة حركة تقدمية تؤمن بالتغيير، وهذا يعني ببساطة شديدة اقتلاع السلطة الاستبدادية من جذورها. المزيد من الغوغائية، والمزيد من الطابور الخامس، والمزيد من احتقار الحياة البشرية، يعني المزيد من الإحباط. ماذا يفعل الإحباط؟ يقود الكثير من الفئات الاجتماعية للانتماء للجماعات، ويرسّخ الجذور العائلية فيما بينها، بحسب هوفر. إن أعظم ما ينتجه الإحباط هو تشكيلات جماهيرية لا تؤمن بالتغيير؛ خائفة، مرعوبة من المستقبل. لذلك لا نستغرب مقدار التشابه بين أفراد الجماعة؛ إنها كتلة بشرية متشابهة تجمع على محاربة التغيير، لأنها إحدى ضحايا السلطة التي أرضعتها الإحباط وصوّرت لها المستقبل كما لو أنه كابوس أسود أو عفريت مخيف، سيلتهم ذاكرتهم العزيزة على قلوبهم. من هنا نفهم مقدار الهستيريا التي تحدثها الجماعات ضد الحركات الاحتجاجية وتحاول شرعنة التهجم عليها وإسقاط مشروعيتها بحجج واهية. إن الامتياز الوحيد الذي تحظى به الجماعات هو الخوف من المستقبل، فإذا فقدت هذا الخوف يعني فقدت هويتها الجوهرية!
عدالت عبدالله لا معنى لقيم المعارضة أو المشاريع الديمقراطية أو الدعوات لمواجهة الإستبداد والديكتاتورية إذا ما لم تنعكس أي منها على أرض الواقع في حقبة ما بعد الإستبداد. العراق بلد عانى الكثير من إستبداد الدولة والزمرة الحاكمة فيها سيما في ظل الحقبة الصدامية، وقد أعطت هذه الحقبة، تلقائياً، مشروعية ما لكل خطاب مقاوم ومعارض للدكتاتورية حتى وإن لم يكن هذا الخطاب خطاباً داعياً، مباشرةً الى الديمقراطية أو قيمها المتعددة المعروفة، ومرد ذلك هو أن أية مقاومة للديكتاتورية، تعتبر، بمعنى من المعاني، ترسيخاً لولادة نقيضها، أي الديمقراطية، حتى ولو تباينت المرامي وأختلفت الايديولوجيات في طرق وأنماط المقاومة للديكتاتورية. ثمة تجربة في هذا الصدد يمكن أن نأخذها هنا كمثال، ألا وهي تجربة المواجهة السوفيتية للمطامح التوسعية لألمانيا النازية. الكل يعلم أن الإتحاد السوفيتي لاسيما في عهد جوزيف ستالين (1878-1953) لم يكن نظاماً ديمقراطياً ولاكانت النخب الحاكمة فيه منذ الثورة البلشفية 1917 الى بداية التسعينيات من القرن الماضي مؤمنةً بالمبادئ الرئيسة للنظام الديمقراطي التي ذُكِرَت في أشهر كتاب معاصر عن الديمقراطية إلا وهو كتاب للمفكر والسوسيولوجي الفرنسي الكبير (آلان تورين) والذي يحمل عنوان (ماهي الديمقراطية، حكم الأغلبية أم ضمانات الأقلية؟) بل كان النظام المتبع هو الشيوعية التي تحولت، بمرور المراحل السياسية، على أرض الواقع، الى نظام قمعي وإستبدادي، لاسيما على يد ستالين الذي قام بقمع وتصفية خصومه السياسيين بل وشمل القمع والتصفية كل من كانت تحوم حوله الشكوك، ومع ذلك ثمة إنجاز للتجربة السوفيتية تمثل في الحد من النازية والفاشية في قلب العالم الحي إلا وهو أوربا والذي آل هذا الحدث الى تقوية مبادئ الديمقراطية وفي النهاية هزيمة النازية والفاشية، ولايُخفى على أحد أن خسائر الإتحاد السوفييتي البشرية في الحرب العالمية الثانية قُدِرَت بـ 21 إلى 28 مليون نسمة، مما يعني لنا هنا حصول مفارقة في هذه التجربة عادت خيراً على البشرية وهي: أن الذين لم يكونوا مؤمنين بالنظام الديمقراطي ساهموا في إعادة بنائه وأستنهاض القوى الداعمة له والبانية لقيمه. وإذا كانت هذه هي أحدى التجارب الحية والكبيرة في تاريخ البشرية فهناك عشرات من التجارب الأخرى التي تؤكد لنا أن كل من قاوم الديكتاتورية يُعتبر مساهم في بناء الديمقراطية ولكن لايعني بالضرورة أنه مؤمن بمبادئ الديمقراطية حتى وإن أدت مقاومته الى إبداع مفاهيم فكرية وأخلاقية متناقضة مع الديكتاتورية والإستبداد أو مفاهيم ومعايير متفاعلة مع ما تنادي به القيم الديمقراطية. وبهذا المفهوم، إذا تعمقنا في الحالة العراقية وسر الإحداث والصراعات السياسية والطائقية والعرقية التي دارت في عراق ما بعد الإستبداد الصدامي، لأتضح لنا حقيقة دامغة وهي أن العراق بالرغم من أنه دخل، من حيث الزمن، مع سقوط النظام السابق 9/4/2003 في عهد ما بعد الإستبداد، إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من تجاوز البنى الفكرية والايديولوجية التي تأسس عليها الفكر الإستبدادي ولا أستطاع أن تُحَوّل قطيعته مع الماضي المقيت، عهد صدام المظلم، من قطيعة زمنية الى قطيعة فكرية تقوم على إجتثاث الأسس التي قامت عليها الايديولوجية الإستبعادية والإقصائية للبعث والبعثوية كايديولوجية شمولية وإستبدادية. صحيح - ويجب أن نعترف بذلك - أن العراق كتجارب بقية المجتمعات البشرية الأخرى دخل في مرحلة إنتقالية هي في الأدبيات السياسية معروفة بمرحلة الإنتقال من الحكم السلطوي الى الحكم الديمقراطي. وصحيح أيضاً أن هذه المرحلة معرضة للوقوع في تجاذبات سياسية وصراعات ايديولوجية وإجتماعية بين القوى السياسية والإجتماعية المختلفة،خاصة إذا كانت مصاحبة لعملية الإنتقال الى الحكم الديمقراطي، ولكن مع ذلك ليس ثمة أية نظرية علمية تؤكد لنا أن الديمقراطية Democratic، كمنظومة قيم أو مفاهيم ومبادئ قائمة علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة وحماية حقوق الأقليّات والأفراد، أو على فصل السلطات والتمثيل والإنتخاب وسيادة القانون والمعارضة الوفية واللامركزية، تتأسس فقط على معارضة الديكتاتورية أو سياساتها وأفكارها، وإنما هي، قبل أي شيء، منظومة من القيم والمفاهيم والمبادئ التي لايمكن إرساؤها أو إنتهاجها أو حتى الإشتغال عليها دون إتباع مشاريع خاصة بالتنشئة الفكرية والسياسية والأخلاقية أو التنمية البشرية والثقافية والتثقيفية، وهذا ما نفتقر اليها بالضبط في عراق اليوم و حتى في كٌردستان العراق والتي أدت عواقبها الى أن تكون قطيعتنا للحقبة الديكتاتورية هي، غالباً، قطيعة زمنية أكثر مما هي قطيعة فكرية.
رێبوار کریم ولي اذا كان ميراث المرحوم نوشيروان مصطفى ( المنسق السابق لحركة التغيير) وبقية قيادات التلة ( حيث المقر الرئيس للحركة ) كان عبارة عن التوريث السياسي ، فإن المسألة لاتباع المرحوم قادر الحاج علي ( قيادي سابق في التغيير) عكس ذلك تماما . * الخلاف الاساسي بين قادر الحاج علي مع المنسق السابق للحركة تمحور وبدأ حول انتهاجه لسبيل اسلافه ؛ فقال لي بشكل صريح ومباشر " لاينبغي تسجيل ممتلكات واموال حركة التغيير باسم مؤسسها بل تحويلها الى ملكية الحركة نفسها ، وفي ايامه الاخيرة طلب نوشيروان مصطفى منه قيادة الحركة كوريث سياسي له ..لكنه لم يقبل بذلك ! كاك قادر لماذا رفضت طلبه ؟ ... ." أخي العزيز الامر كان قد فات اوانه " * المرحوم قادر الحاج علي كان على يقين انه ما كان ليصبح المنسق الحقيقي للحركة ، وفي الافضل الاحوال كان سيمسي العم الكبير ( الوجيه او الواجهة ) و مجرد حارس على الميراث الذي تم تقسيمه مسبقا ! * وكنت قد كتبت قبل سنتين في مقالة لي " انزلوا من التلة ، مادمتم مستأجرين انزلوا الى اسفلها واستأجروا لكم غرفتين " ، فاتصل بي هاتفيا وقال لي ضاحكا " بعضهم يرغبون البقاء مستأجرين في الاعالي ". * كان المرحوم دوما يؤكد هو وصديق عمره عثمان محمود ان ممارسة العمل السياسي ( العمل الحزبي ) أمسى مستهجنا ، في حين كان باستطاعتهما الانشقاق وتقسيم حركة التغيير بل واستمالة القسم الاكبر من اعضاء و مؤيدي الحركة الى جانبهما ، ولكن ماكان يهمه هو ماهية العمل فقط . " الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني ، سائران على نهجهما كما هو ديدنهما ولا ينكران ذلك .. فلا غرابة ، لكن حركة التغيير هي التي خيبت امال الناس " * مسؤولو التلة ( التغيير ) بعد ان ادركوا هذه الحقيقة ، لم يألوا جهدا في تأليب مسؤولي الديمقراطي والاتحاد الوطني على قادر الحاج علي وصديقه عثمان الحاج محمود .فلم يبق شيئا سيئا او موبقة الا حاولوا الصاقها بهما بل ربما حتى القاء باللائمة عليهما في احداث التقاتل الداخلي ( احداث قرناقة وبشت آشان و 23 حزيران ...الخ )! * كان المرحوم قادر الحاج علي ، مؤسس ومسؤول جهاز- مكتب المعلومات ( زانياري ) المخابراتي التابع للاتحاد الوطني الكوردستاني . لكنه لم يستغل معلوماته التي حصل عليها بحكم موقعه السابق في ذلك الجهاز اثناء الحرب الاعلامية التي استهدفت حركته ( بالرغم من ضغوطات منسق الحركة نوشيروان مصطفى ) ، ولم تخرج مجرد صفحة من الصندوق الاسود ." ان ذلك لا ينسجم و اخلاقي المهنية ، الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني لديهما من الموبقات والمآخذ الآنية لا حاجة معها للرجوع الى ماضيهما " * لم يهدف المرحوم قادر الحاج علي وصديقه عثمان محمود الى الانقلاب السياسي او إحداث الانشقاق في الحركة ، على عكس من ذلك حتى تخليهما عن الحركة جرى بهدوء تام ، رغم اتصال الكثير من اعضاء و مؤيدي التغيير بهما آملين تأسيس حزب جديد ، لكنهما ضلا مُصِرًين على التحلي بالصبر في التعامل مع الاوضاع . مؤكدَين ان اي محاولة بدون التمكن من مفاتيح التغيير الحقيقي المسنودة بالمعارضة الجماهيرية الاصيلة ستكون مصيرها الافلا س ( السياسي) والتشويش على الجماهير * لقد المرحوم قادر الحاج علي رجلا مفعما بالاخلاق والمعرفة ، وسياسيا محنكا وصديقا وفيا . كان نقيا وطاهرا كالغيوم ، ولكن بطعم المطر ... ترجمة : عباس المندلاوي
أياد السماوي السيد مسعود بارزاني المحترم / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جناب الأخ أبو مسرور .. ما أكتبه لك اليوم قد لا تسمعه من أي سياسي عراقي على الإطلاق .. ومن المهم جدا قبل الحديث عن الموضوع الذي أريد التحدّث به مع جنابك الكريم أن تتعرّف على رأي السياسي بك شخصيا وبحزبك الذي تقوده وبزعامة أسرتك لهذا الحزب وارتباطاتها بالمخابرات الدولية , وهذا الرأي ليس وليد هذه المرحلة , بل يعود إلى مطلع السبعينات من القرن الماضي , عندما قام جلّاد الحزب الديمقراطي عيسى سوار باختطاف إثنى عشر طالبا شيوعيا كانوا عائدين إلى العراق عبر كردستان بعد انتهاء دراستهم في الخارج , ليلقوا حتفهم على يد هذا الجلّاد , وصديقك فخري كريم يعرف تفاصيل هذه القصّة من الألف إلى الياء , حينها كنت أحد الشباب الشيوعيين الذين ناشدوا والدك المرحوم الملا مصطفى بالعمل على إطلاق سراح هؤلاء الشباب العائدين , ولكن من دون جدوى .. جناب الأخ أبو مسرور .. لم أقتنع يوما أنّكم آل برزان عراقيون وتنتمون لتربة العراق قيد أنملة , أو يهمّكم مصير العراق وشعبه , ورأي الشخصي بزعامتك وأسرتك لشعبنا الكردي لا يقلّ عن رأي بالمقبور صدّام وأسرته , وهذا الكلام قائم على حقائق دوّنتها صفحات التاريخ ويعلمها الكرد قبل العرب .. ولا زال هذا الرأي بك وبحزبك وبأسرتك قائما حتى اللحظة , بل الأخطرمن كلّ هذا جعلتم من كردستان ملاذا آمنا لكل أعداء العراق ونظامه الجديد الذي أنتم جزء منه , وكذلك جعلتم من كردستان بؤرة للموساد الإسرائيلي الذي ترتبطون معهم بعلاقات تاريخية تعود إلى ستينات القرن الماضي , يسرح ويمرح في أرض العراق .. ومع كلّ هذا فأنا من أشدّ المعجبين بأداءك السياسي مع الغمّان الشيعة والسنة في آن واحد , خصوصا عندما تتعامل معهم بعنجهية وغرور وتعالي. جناب الأخ أبو مسرور .. تابعت باهتمام ردة فعلكم شخصيا وردّة فعل حكومة الإقليم على قانون الاقتراض الذي شرّعه مجلس النواب العراقي يوم أمس .. والذي أدهشني من ردّة فعلكم هو إصراركم على أنّ الشيعة والسنّة هم أعداء , وبالتالي فإنّ اتفاقهم على حماية أموال شعبهم , هو عمل مقصود وهو طعنة للشعب الكردي .. بالله عليك يا أبا مسرور ألا يكفيك سبعة عشر عاما من التسلّط والديكتاتورية على أبناء شعبنا الكردي الذي تحكمه بالنار والحديد أنت وأبنائك وأسرتك ؟ ثم ألا تكفيكم عشرات المليارات من الدولارات التي سرقتموها من أموال العرب والكرد وأصبحت أرصدة في البنوك العالمية بأسمائكم ؟ هل تريد من العراقيين أن يسكتوا على نهب أموالهم ؟ ما الذي أزعجكم في هذا القانون ؟ وهل فرّق القانون بين كردستان والبصرة ؟ ولماذا ترفضون تسليم النفط والموارد الاتحادية الأخرى إلى خزينة الدولة أسوة بكل محافظات العراق ؟ ألم يكن ما تمّ تشريعه في قانون الاقتراض قد تم الاتفاق عليه معكم من قبل مع وزارة المالية الاتحادية في شهر آيار الماضي ؟ هل سألت نفسك يا أبا مسرور هل القانون والدستور يعطيك الحق بعدم تسليم النفط والغاز والضرائب والرسوم وإيرادات المنافذ الحدودية والمطارات إلى خزينة الدولة ؟ أين هي الطعنة التي وجهها العرب شيعة وسنّة لكم ؟ أبا مسرور .. هل فكرّت يوما أن عشرات الآلاف من الموظفين الكرد الذين يعملون في الوزارات والمؤسسات الاتحادية هم عبأ ثقيل على كاهل الخزينة الاتحادية وقد آن الأوان لترحيلهم للإقليم ؟ .. أبا مسرور .. ثق واعتقد نحن العرب شيعة وسنّة أكثر حرصا على شعبنا الكردي من حكم إقطاعياتكم العائلية , ونحن على استعداد لتقاسم لقمة العيش مع شعبنا الكردي وبدون أي تمييز .. وكفى عزفا على الوتر الطائفي يا أبا مسرور .. احترامي البالغ لجنابكم.
فاروق يوسف المملكة العربية السعودية لن تغامر بهيبتها في التفاوض مع دولة تحكمها ميليشيات دولة عدوة لذلك فإنهم حين يوقعون اتفاقيات مع العراق فإنهم يدركون جيدا أنهم يتعاملون مع عراق مختلف. ليس هناك شيء غير طبيعي في التقارب العراقي السعودي. الحدث ليس استثنائيا لولا أن ظروف العراق تضفي الطابع الاستثنائي على كل حدث. بالنسبة للسعودية فإنها لا ترمي من وراء مد يد العون للعراق سوى إلى المساهمة في إنقاذ جار شقيق. تكفي إحدى الصفتين لكي تكون مسوغا للقيام بدور إيجابي، يكون من شأنه أن ييسر ما صار إنجازه صعبا. أما بالنسبة للعراق فإن امتناعه عن طلب النجدة من أخوته يعد نوعا من الانتحار الذي لا يمكن القبول به إنسانيا وسياسيا. لقد صار من الصعب بعد كل هذه السنين العجاف التي مرت على العراق تخيل أن يكون تابعا لدولة أخرى ومسيرا من قبلها. فالعراق ليس دولة صغيرة أو قليلة السكان وهو أيضا ليس بلدا فقيرا بالرغم من الفساد الذي نخره سيظل يدفع به إلى حافات الإفلاس. والعراق أيضا لا يفتقر إلى الخبرات في كل المجالات وبالأخص الاقتصادية والنفطية والتقنية والصحية. ليس من المستبعد أن تتوجه عيون العراقيين إلى عرعر باعتبارها بوابة الأمل. ذلك سيكون بداية للتغيير. وهو ما ينتظره العراقيون بعد أن تعبوا من انتظار غير مجد أما وقد انقلبت أحواله رأسا على عقب بعد الاحتلال الأميركي وصار جهلته يديرون شؤونه بحيث صار عراقا آخر. دولة لا يتعرف عليها حتى أبناؤها. فذلك لن يشكل سببا لأن يتخلى عنه أخوته. فالعراق مريض. نعم. العراق مريض بالطائفية التي تم غرز جراثيمها في جسده منذ أن استباح الأميركان كل شيء فيه ولم يحترموا القوانين الدولية التي تدعو المحتل إلى الحفاظ على الدول التي يحتلها. بشرها وثرواتها وقوانينها ومؤسساتها ومظاهر التمدن والبنية التحتية فيها. لقد هدم الأميركان كل شيء. عبثوا بكل شيء. أزاحوا كل شيء عن مكانه. ووضعوا الحكم عهدة بأيدي أحزاب باركت احتلالهم واستمرت في السير على الخط الأميركي في الهدم والسرقة والتدمير والوحشية والقتل إلى أن انتهى العراق بلدا موحشا يقف الفساد بينه وبين رؤية أي نوع من أنواع الثقة على وجوه أبنائه. لا يثق العراقيون بأنفسهم ولا يثقون بالآخر. لقد رأوا من أنفسهم ما لا يتوقع المرء أن يراه في نفسه من شرور. كل هذا من أجل مَن ومن أجل ماذا؟ لقد جروا وراء الأكاذيب فيما كان اللصوص يهربون بثرواتهم. انفصلوا عن محيطهم العربي من أجل أن يكسبوا حب إيران غير أنهم وجدوا أنفسهم يمشون في حقول ألغام أقامتها الميليشيات الإيرانية أو العصابات التي وضعت نفسها في خدمة إيران ولم تكن إيران نفسها لتملك إلا ثقافة الموت بضاعة تعيش عليها وتصدرها وتقدم نفسها إلى العالم من خلالها. في واقع الأمر فإن إيران استهلكت كل ما يمكن أن تقدمه وهي صغيرة في ما تملكه قياسا بالخزين الثقافي العراقي الذي صار يضيق بما يجري حوله رغم فوهات البنادق المصوبة إلى رؤوس الشباب المحتجين. لا يليق بالعراقي أن يعيش بالطريقة التي قررها النظام الإيراني والحرس الثوري. لن تتمكن الأسلحة من تقديم الحل وإيران لا تملك سوى الأسلحة. هنالك قوة أكبر من إيران أجبرتها على الصمت وتجميع عصاباتها في مكان بعيد عن المكان الذي تجرى فيه المفاوضات العراقية السعودية. ليست الولايات المتحدة هي تلك القوة وإن كانت طرفا ثالثا في الاتفاق الاستراتيجي. الشعب العراقي هو تلك القوة. ولا أعتقد أن المملكة العربية السعودية تغامر بهيبتها في التفاوض مع دولة تحكمها ميليشيات دولة عدوة. لا يضع السعوديون أقدامهم على أراض زلقة. لذلك فإنهم حين يوقعون اتفاقيات في مجالات الكهرباء والبتروكيماويات والغاز والزراعة فإنهم يدركون جيدا أنهم يتعاملون مع عراق مختلف، عراق غير ذلك الذي أشاع الإيرانيون أنه صار حديقتهم الخلفية. لقد صار من الصعب بعد كل هذه السنين العجاف التي مرت على العراق تخيل أن يكون تابعا لدولة أخرى ومسيرا من قبلها ولكن ما رأي الميليشيات؟ لا رأي للميليشيات. هناك هدنة ضمنية بين السعودية وإيران موضوعها العراق. فمن غير الاستثمارات السعودية فإن العراق قابل للانفجار. ذلك ما صارت إيران على يقين منه منذ سنوات. وهو ما صار يهدد وجودها في العراق وهو وجود لا بد أن يتهاوى إذا ما أحكم العراقيون سيطرتهم على حياتهم. وليس من المستبعد أن تتوجه عيون العراقيين إلى عرعر باعتبارها بوابة الأمل. ذلك سيكون بداية للتغيير. وهو ما ينتظره العراقيون بعد أن تعبوا من انتظار غير مجد. فهل نحن متفائلون إلى درجة تفاجئ السياسيين، كونهم يتعاملون مع نتائج أعمالهم بحذر؟ العراق المتفائل هو ما تحتاجه المنطقة كلها. وإذا كانت إيران قد تعاملت معه بغباء عبر السنوات الماضية فإنها اليوم في وضع، تحتاج فيه إلى عراق يقيم علاقات سوية مع جيرانه الآخرين.
وفيق السامرائي المثلث المقصود رسم جغرافي رأسه العراق وأضلاعه طرفا الخليج. 1. لاشك في امتلاك أميركا امكانات هائلة لكنها مهما امتلكت من قدرات لاتستطيع الوجود في كل مناطق الصراعات والأزمات خصوصا بعد تطور قدرات وأساليب ووسائل أطراف الصراعات واختلاف غاياتها ومصالحها، وكل الحروب العسكرية غير المحلية أصبحت كلفها هائلة بشريا وماليا. 2. رسم خرائط جديدة لن يكون اختياريا، وفرض متغيرات مهمة بالقوة بأي شكل له تداعيات مدمرة على الأمن الدولي. 3. مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم يعد كما أُسس والخلافات بين بعض أعضائه واضحة وحلولها ليست متاحة حتى الآن. 4. رسائل التهدئة الإيرانية والدعوة إلى التفاهم مع أطراف الخلاف غرب الخليج لايبدو أنها تقابل بتفاعل والوساطات الخارجية المؤثرة لاتزال مفقودة. 5. احتمالات التفاهم الأميركي الإيراني باتت فرصها بعد ترامب عالية والتلميحات الإيرانية المتحفظة تعزز ذلك. 6. الدور التركي في ليبيا وسوريا خف زخمه والصراع الاذربيجاني والأرميني قابل للتطور. والعلاقات بين تركيا وقطر في أقوى مراحلها وكلاهما يحتاج الآخر. 7. المشتركات الاستراتيجية الحالية بين إيران وتركيا أقوى من نقاط الاختلاف والخلاف بينهما. 8. أميركا ستفتح ترسانة أسلحتها أمام دول غرب الخليج، التي تطورت قدراتها الجوية.. كثيرا، خصوصا بعد المتغيرات في موقف إسرائيل والقدرات العسكرية الإيرانية تتزايد مع وجود قوات تتمتع بمزايا حربية. 9. إيران وتركيا تعانيان مشكلات اقتصادية لكنهما أفضل من مراحل قديمة مرت عليهما. لذلك فالتعويل المقابل على هذا الجانب لن يكون فعالا وكل شيء قابل للانقلاب إيجابيا. 10. عراقيا: رفع العقوبات المحتمل عن إيران سينعكس إيجابيا على العراق وتركيا.. وقد سحبت أميركا في عهد أوباما - بايدن ثقلها العسكري الرئيسي من العراق ولن تعود إلى اتجاه مغاير الآن ومستقبلا ولن تتدخل في خصوصياته وجغرافيته ونظامه.. (والأفكار من اسمها افكارا لا تبقى ثابتة ولا تعويل على ما قيل سابقا). 11. فيروس كورونا فتك بالاقتصادات العالمية وقد يدفع إلى حروب يفترض تجنب حدوثها. 12.أميركا منشغلة بكورونا واقتصادها وبتطور صيني هائل وتطور تسليحي روسي وتحد كوري شمالي وتشابك مصالح استراتيجية وتشعر بحرج استراتيجي في مجالات نفوذها عالميا. إذن ماذا؟ ليس متوقعا أن تتفاعل أميركا مع كل ما يحدث عالميا بما في ذلك الخليج الذي لم تعد أهميته كما كان قبل عقود، وتتدخل فقط بما يمس مصالحها الكبرى. ألم نقل سابقا أن التفرد الأميركي إقليميا بصفقات لايجدي؟ نتابع معا قراءات المستقبل.
وفاء العم ليس من المبالغة القول إنَّ السعودية، والإمارات، والبحرين تحبس أنفاسها بانتظار نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، فهل يستمر شهر العسل مع بقاء ترامب أم تعود العلاقة إلى ما كانت عليه في زمن أوباما من فتور وعدم ارتياح؟ ساعات تفصلنا عن نتائج الانتخابات الأميركية إذا لم يطرأ أي تطور دراماتيكي. ساعات يترقّبها الخليجيون، ومن شأنها أن تحدد مصيرهم على المستوى السياسي والاستراتيجي للسنوات الأربع القادمة. ليس من المبالغة القول إنَّ الثلاثي الخليجي (السعودية، الإمارات، البحرين) يحبس في هذه الأثناء أنفاسه، منتظراً النتائج. هل يستمر شهر العسل بوصول ترامب أو تعود العلاقة إلى ما كانت عليه في زمن أوباما من الفتور وعدم الارتياح والاضطرار إلى التكيف مع الواقع الجديد الذي دفع الخليجيين إلى التسريع في التطبيع مع "إسرائيل"، خشية عودة المفاوضات مع إيران وإعادة العمل بالاتفاق النووي، في خطوة استباقية بغرض رمي الأوراق الانتخابية في سلة ترامب من جهة، والاحتماء بـ"إسرائيل" عبر تشكيل تحالف استراتيجي معها في مواجهة إيران من جهة أخرى. إيران ونفوذها وقوّتها أكثر ما يقلق الخليجيين، وإعادة العمل بالاتفاق النوويّ يعني إطلاق يد طهران اقتصادياً وسياسياً، وهذا بطبيعة الحال ما لا ينسجم مع السياسية الخليجية التي أخذت على عاتقها مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. من جانب آخر، لم يرسل بايدن أي رسائل طمأنة للخليج، بل على العكس، انتقد هذه الدول، ووصفها بالاستبداد والاستئثار بالسلطة وانتهاك حقوق الإنسان، وأكَّد ضرورة إعادة تشكيل العلاقة معها، وأهمية تصحيح الاعوجاج في العلاقة التي أرساها ترامب طوال السنوات الماضية. إذاً، هو واقع جديد بانتظار الخليجيين في حال فوز بايدن، ما سيحتّم عليهم التكيّف وتقديم التنازلات؛ تنازلات سيحدّد حجمها وماهيتها الدور الذي يراد للخليج أميركياً أداؤه في المرحلة القادمة، وسقف الخطاب، وحدود العلاقة التي يريد بايدن إرساءها مع حلفائه. ربما من المبالغة الاعتقاد بأنَّ بايدن سيحدث تغييراً جذرياً في علاقته مع الخليج؛ الحليف التقليدي للولايات المتحدة في المنطقة، ولكنه لن يطلق اليد للقادة في هذه الدول، كما فعل ترامب في الحرب على اليمن، إذ تغاضى عنها ودعمها، فيما يعد بايدن بإنهائها فوراً، في قرار من شأنه أن يدفع السعودية مضطرة إلى التفاوض مع حركة "أنصار الله" بشروط جديدة، وربما لتقديم التنازلات، ناهيك بتقليص مبيعات الأسلحة وتقييدها بتصحيح أوضاع حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، يقول مصدر بحرينيّ قريب من السلطة إنَّ الفترة القادمة قد تشهد تغيرات على مستوى الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد منذ العام 2011، ما يؤشر إلى أنَّ المرحلة القادمة، في حال فوز بايدن، قد تفتح ثغرة في جدار الأزمة البحرينية، بعد أن أغلقت السلطة لسنوات أبواب الحوار مع المعارضة، وظلت مغلقة موصدة منذ وصول ترامب إلى الرئاسة الأميركية. كذلك، من المتوقّع أن تمارس إدارة بايدن ضغوطاً على أبو ظبي لإنهاء الأزمة الخليجية، والجلوس على طاولة الحوار مع قطر، إذ لم يعد خافياً أنَّ الإمارات ترفض إعادة العلاقة مع الدوحة، بسبب تشابك الملفات الإقليمية، واستمرار دعم الأخيرة للإخوان المسلمين، والتحالف مع تركيا؛ العدو اللدود لأبو ظبي في المنطقة. في كلِّ الأحوال، بين ترامب وبايدن، يتحضَّر الخليجيون جيداً لاحتمالين أفضلهما وصول ترامب و4 سنوات جديدة من الرخاء، مقابل 4 سنوات عجاف في حال فوز بايدن، على قاعدة التكيف والتّنازل والانتظار إلى حين. إنها قواعد مارسها وأتقنها الخليجيون مع حلفائهم البريطانيين سابقاً، فهم الذين يجيدون فن التكيف مع الحليف.