عن القواعد التركیة في العراق وكُردستان..
2021-04-21 08:31:08
عدالت عبدالله
ليس هناك إتفاق عراقي – تركي ما، على وجود قوات تركية مسلحة على الأراضي العراقية، خصوصاً مع زوال النظام السابق(1968-2003) وإتفاقياته المشؤومة. ولا ثمة أي قبول رسمي وشعبي حتى الآن لبقاء القواعد التركية العسكرية ومقراتها الأمنية، التي تضم– حسب بعض المعلومات المخابراتية - حوالي ثلاثة آلاف مسلح، أُنتُشِروا في أكثر من 21 معسكراً تم إنشائه في مناطق مختلفة منذ أكثر من عقدين، وأصبحت الأراضي العراقية، بموجبه، منذ ذلك الحين الى يومنا هذا، مسرحاً مفتوحاً لمرور وإستعراض ارتال من الدبابات والمدرعات والمدافع التركية والقيام بعمليات عسكرية مكثفة بكامل الحرية.
وقد لوحِظ إنتهاكات هذه القوات ومساويء وجودها العسكري داخل الأراضي العراقية، في التحشدات والعمليات العسكرية المتواصلة، التي تشنها بين حين وآخر وتستهدف بها قرى كردستانية ومرافق حكومية وأهلية، لاسيما في مناطقة قريبة من عاصمة الإقليم أربيل، وكذلك بالقرب مناطق بامرني وشيلادزي و باتوفان و كاني ماسي و كيريبز و سنكي و سيري و كوبكي و كومري و كوخي سبي و سري زير، فضلاً عن مدن مثل زاخو والعمادية و دهوك و سوران وبعشيقة..الخ.
ومن المعلوم أن كُل هذا يَحدُث دوماً بذرائع مختلفة، هي إما محاربة الحزب العمال الكردستاني PKK، أو تدريب قوات عراقية في المناطق ذات الغالبية السنية، أو بحجة حماية الأقلية التركمانية من تهديدات داعش وجهات أخرى متفرقة يُمكن لأنقرة إتهامها في أي وقت! تسويغاً منها لتدخلات سياسية وعسكرية في الشأن العراقي الداخلي، بل تعظيم دورها، تدريجياً، كقوة محورية أخرى يمكنها التحكم متى ما شاءت بالمعادلة العراقية وبمستقبل العراقيين، وذلك على غرار نظيراتها الإقليمية تماماً وإملاءآتها على العملية السياسية والقوى المتنفذة في البلد.
والحقيقة، برأيي، أن الأمر، في مجمله، أو في النهاية، لا يتعلق وحسب بمرامٍ سياسية وإقتصادية لمثل هذه الدول التي تدعي حُسن الجوار وتتعاطى بخطاب سياسي مخادع للرأي العام العراقي والإقليمي والعالمي، لاسيما إذا ما تأملنا في تدخلاتها الإقليمية المعهودة ومطامعها التوسعية في المنطقة، وإنما العلة، بل كل العلة، تكمن أساساً في الحالة العراقية البائسة نفسها، وفي وصول البلد بفضل (الساسة) غير الوطنيين الى حد القبول بالإذلال والركوع المجاني أمام كل أجنبي وفقدان الحد الأدنى من المناعة إزاء ما تتعرض لها يومياً السيادة العراقية وأراضي البلد وأهالي المناطق المختلفة في العراق نتيجةً لوجود مثل هذه القوات المُنتهكة لسيادة العراق وحقوق العراقيين وحقهم في العيش بسلام وأمان على أرضهم وفي بلدهم.
نعم أن الأمر مرتبط بغياب دولة عراقية تعي، قبل أي شيء، خطورة التعود على هذه الإنتهاكات والإعتداءآت التركية وغير التركية، والتعامل معها بعقلية دولة مستقلة ذات سيادة وكرامة. ولا تكتفي بإصدار البيانات والتنديدات تجاه التهديدات الأجنبية وإعتداءآتها، أو إستدعاء الدبلوماسيين فقط وتسليمهم مذكرات الإحتجاج.
أن الأمر لم يعد قابلاً للمعالجة أو التغطية بهذه الطرق التقليدية غير المُجدية، وإنما يستوجب على النخبة الحاكمة في العراق أن ترفض تماماً أي تعاون أو تواطؤ مع الأجنبي على حساب سمعة البلاد وأرواح أبنائها، أو لقاء ثمن بخس هو بمثابة رشاوي للخضوع والقبول بالصمت إزاء جرائم أُقتُرِفَت بحق ضباط وجنود عراقيين تعرضوا للقصف التركي كما حدث في غارة جوية على دورية عسكرية تابعة لحرس الحدود العراقي في الصيف الماضي(2020م) وكما تتعرض له أسبوعياً أبناء كُردستان وقراها الحدودية منذ أكثر من ثلاثة عقود متتالية.
كما أن على الحكومة العراقية أن تُطالب المجلس الأمن بإتخاذ موقف دولي إزاء الإعتداءآت التركية داخل الأراضي العراقية، خصوصاً مع تزايد أعداد الضحايا في صفوف المدنيين في المناطق الحدودية والتي وصلت الى أكثر من 500 مواطن عراقي كُردستاني منذ عام 1991 الى اليوم، وتدمير أو تهجير مئات القرى وحرق المناطق المأهولة بالسكان والأراضي الزراعية وتشريد أهاليها بطريقة مأساوية فضيعة. وأن تُطالب الحزب العمال الكُردستاني PKK أيضاً بنقل مقراتها العسكرية الى داخل الأراضي التركية.
من جانب آخر، ينبغي على الدولة، بكافة مؤسساتها الرسمية، أن تُعيد الهيبة الى الدولة العراقية وترفض تعاون أي طرف أو حزب سياسي في العراق أو إقليم كُردستان مع القوات التركية والإستقواء بها لحسم خلافاته مع الخصوم، ويجب أن يُناقَش هذا الملف في مجلس النواب وتُتخذ قرارات أو تُشَرَّع قوانين تَحظُر أي حزب أو تيار ما من مزاولة النشاط السياسي إذا ما تعاون مع قوى إقليمية لمصالح حزبية ذاتية ودون أخذ قوانين الدولة الإتحادية وقواعدها في التعاطي مع الدول بعين الإعتبار.
كاتب وأكاديمي – من كُردستان العراق