باقر جبر الزبيدي     قبل الحديث عن الإنسحاب الأمريكي المقرر نهاية العام الحالي لابد أن نشير إلى أن أي حديث سابق عن خروج القوات الأمريكية من العراق هو مخالف للواقع. وما جرى من إجراءات في حكومة الأخ نوري المالكي الثانية عام 2011 كان يدخل ضمن إطار تغيير تسمية القوات المتواجدة من عسكرية إلى مستشارين أو خبراء وبقاء بضعة آلاف منهم متواجدين في العراق. وستبقى ذريعة طلب الدعم الدولي قائمة كما حصل عندما طلبت حكومة الأخ حيدر العبادي الدعم من أجل مواجهة "د ا ع ش" ولم تنسحب هذه القوات رغم أن حكومة العبادي أعلنت النصر على الإرهاب. إحقاقاً للحق، فقد كان هناك دور لقوات التحالف من خلال الغطاء الجوي والقصف المدفعي الذي ساعد أبطال قواتنا الأمنية على التقدم في ساحة المعركة أما الحديث عن إنسحاب جديد فهو يخالف كل المعطيات على أرض الواقع.  الولايات المتحدة مستمرة بتوسيع وتطوير قواعدها في العراق لاسيما عين الأسد في الأنبار وقاعدة  حرير في شمال الوطن. هذه القواعد لا تضطلع اليوم بدور عسكري وإستخباري فقط إنما أصبحت مركز لتهريب النفط السوري والعراقي لتمويل قواتها ومن يتعاون معها كما تقوم بدور غاية في الأهمية وهو تدريب مليشيات وعناصر إرهابية أغلبهم من بقايا التنظيمات التي هُزمت في العراق وسوريا. ماجرى ويجري الآن من أحداث هو محاولة جديدة لتثبيت بقاء هذه القوات ولكن هذه المرة بصيغة تختلف خصوصاً أن بعض الأطراف السياسية التي أيقنت بأن دورها إنتهى،  تشعر بأن بقاء القوات الأجنبية هو ضمانها الوحيد للإستمرار والبقاء. الصيغة الجديدة ستكون إجماع دولي يتدخل في العراق بحجة حماية العملية السياسية والديمقراطية. العراق يحتاج الدول الكبرى والولايات المتحدة كشريك سياسي وإقتصادي مهم شريطة أن لانكون ساحة لتصفية الحسابات أو مشاريع إقليمية ودولية تطمح إلى تقسيم البلدان وإعادة تشكيلها.  وزير الداخلية الأسبق ٨ تشرين الثاني ٢٠٢١


د. أبوبكر صديق عمر ان الدستور العراقي أقر على تنظيم العلاقة بين إقليم كوردستان العراق والدولة العراقية ( على مستوى الحكومة الاتحادية )على ثلاثة اسس رئيسية ، يتمثل الاولى ، الاساس الارضي ، الذي خُطِط لكيفية معالجة القضايا المتنازعة على الحدود والاقليم الارضي لشعب اقليم كوردستان ، حيث تنضوي المادة 140في دستور 2005 ، الحلول الدستورية لهذا التنازع .اما الاساس الثاني ، هو الذي يحدد ويخطط لكيفية تنظيم العلاقة والمشاركة السياسية لمكون الكوردي في السلطات الاتحادية وسبل المشاركة في صنع القرارات السياسية واصدار القوانين . اما الاساس الثالث ، يمثل الاساس المالي الذي يحدد سبل حصول سلطات اقليم كوردستان على الواردات المالية الاتحادية . هذه المستويات ، التي قوننتها المواد المنضوية في الدستور العراقي ، تحكم سبل معالجة القضايا العالقة بين اقليم كوردستان والدولة العراقية على مستوى الحكومة الاتحادية .ولكن هناك ثغرات كثيرة وجوهرية في هذا التتقنين ، تغاضى عن ادراجها  المشرع الدستوري في احكام الدستور . ومن اخطر هذه الثغرات ، هي عدم اقرار المشرع في احكام وقواعد دستور 2005 على حق النقض( الفيتو)لموجهة القوانين او القرارات المزمع تمريريها الاكثرية النيابية او الوزارية داخل سلطتي التشريعية والتنفيذية .حيث يعتبر هذا الحق ( حق النقض) أحد اركان الديمقراطية التوافقية . وخصوصا عند الحديث عن المادة 65 من دستور 2005 ، التي تقضي بانشاء مجلس اتحادي ،يتمثل فيه ممثلي الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ، حيث تغاضى المشرع الدستوري عن الاقرار على منح حق النقض لممثلي الاقاليم او المحافظات ، للتصدي للقرارات او القوانين التي تمس كيان او اقليم او محافظة ما في المجتمع العراقي وتنوي الاكثرية النيابية ، اصدارها . ان كل من يود ان يشغل وظيفة سياسية داخل السلطات الدستورية في الحكومة الاتحادية ، يتوجب ان يمتلك ثقافة دستورية وقانونية وسياسية كي يتمكن ان يخاطب المكون العربي ، الذي هو صاحب الحصة الكبيرة في صنع  القوانين و اصدار القرارات الادارية و المالية والسياسية من جهة ، ومن جهة ثانية ،ان المجلس النواب العراقي هو الذي يمتلك القدرة على محاسبة الحكومة من خلال ما يمتلكها من سلطة رقابية وحقه في الاقرار على قانون الموازنة . وهذا يفرض على الممثل المكون الكوردي في المؤسسة التشريعية ان يكون لديه الالمام الكامل بالحقوق المقِرة لشعبه في الدستور وان يمتلك القدرة اللغوية والقانونية لتعبئة الكتل العربية - سونية كانت ام شيعية -وخصوصا عند اصدار القوانين التي تمس سلطتي وصلاحيات المؤسسات الدستورية في الاقليم وذلك للحيلولة دون المساس بالحقوق المقرة والمكتسبة في الدستور العراقي . ان على من ينال ثقة الشعب في اقليم كوردستان ، كي يكون عضوا في مجلس النواب العراقي ، يتعين ان يعمل على الاتجاهات التالية :- الاتجاه الاول :-العمل على الولوج في المحافل والاوساط التي يتم فيها حضور المكون العربي – الشيعي او السني- والمراجع التي تحكم على مصدر القرار العربي – الشيعي او السني –وذلك للحيلولة دون اصدار القوانين او القرارات التي من الممكن ان تمس الحقوق القومية لشعب كوردستان . اي انه من الضروري العمل على انشاء لوبي داخل السلطات الاتحادية والمراجع الدينية او المذهبية والكتل السياسية الشيعية والسنية المختلفة ، بهدف شرعنة حقوق ومطالبنا ومصالحنا القومية في اذهان هذه الجهات على ان تكون هذه الشرعنة مبنية وناتجة عن تعميق الصداقة بين الكورد والعرب على كل المستويات . والتي من شأن هذه الصداقة ان تقضي على اوكار وافكار الشوفينية الموجودة في الشاررع العربي ضد تطلعات الكوردية المصادق عليها من خلال الدستور. الاتجاه الثاني:- العمل على تحقيق الوحدة بين الكتل الكوردستانية ، وعدم فسح المجال، لإنتقال الخلافات السياسية الكوردية من إقليم الى المؤسسات الدستورية الاتحادية .اي انه علينا ان نضع خلافاتنا ، ككورد ،في قشتبة وقرهنجير وان نوحد صفوفنا في بغداد ، لتحقيق  حقوقنا السياسية والارضية والمالية .ويستدعي ذلك ان نؤسس شعبة او مؤسسة او غرفة قومية ستراتيجية ، لخلق وانشاء السياسات الكوردية وبناء خطاب قانوني – سياسي تجاه السياسات التي تباشرها الحكومة والسلطات الدستورية ، تجاه اقليم كوردستان . الاتجاه الثالث :- ان كل من ينال ثقة الشعب ليكون عضوا في البرلمان العراقي يتوجب عليه ان يتعمق في احكام الدستور كي يكون لديه  فهما دستوريا عميقا بالحقوق السياسية والارضية والمالية المثبتة في الدستور العراقي . وعند الحديث عن القضايا العالقة تقسم هذه القضايا الى ثلاثة مجالات رئيسية يقتضي ان يسلك كل ممثل كوردي في البرلمان العراقي المسالك التالية  وهي :- اولا: المجال المالي :- يقع على كاهل العضو البرلماني للمكون الكوردي في مجلس النواب العراقي ، ان يبذل قصارى جهده القانونية والسياسية بهدف تفعيل المادة 106 من الدستور العراقي التي تقضي بإنشاء هيئة مستقلة تمثل فيها ممثلي الاقاليم و الوزارات والمحافظات غير المنتظمة في الاقليم . وتختص هذه الهيئة بمراقبة مصادر  تحصيل الواردات الدولة الاتحادية وسبل توزيعها على الشعب العراقي بصورة عادلة .ان تطبيق هذه المادة والتركيز على مباشرة اختصاصاتها الرقابية المالية ، تكون وسيلة رادعة للحد من تقاعس وتنصل سلطتي التشريعية والتنفيذية بما يتمتع بها شعب اقليم كوردستان من حقوق وحصص من الموارد المالية الاتحادية .  ثانيا : في مجال المشاركة السياسية  يقع على عاتق الممثل الكوردي في البرلمان العراقي مهمة العمل على اصدار قانونٍ وفقاَ لمقتضيات المادة 105 من دستور 2005 والتي تقضي بإنشاء هيئة مستقلة تمثل فيها الاقاليم والوزارات والمحافظات غير المنتظمة في الاقليم . وذلك بهدف مراقبة عملية المشاركة السياسية وفقا لمقتضيات الاحكام المنضوية في دستور 2005 والمتعلقة بالمشاركة السياسية في المؤسسات الدستورية والهيئات الادارية والوزارارات .. الخ ،  لمختلف المكونات في المجتمع العراقي . ثالثا :-في المجال الارضي  العمل على تفعيل المادة 140 في الدستور العراقي . ومن ابرز الوسائل الناجعة والرادعة للاحتفاظ بفحوى هذه المادة من حيث النفاذ والتنفيذ ، هي اللجوء الى الجهات القضائية المختصة كالمحكمة الاتحادية العليا ومجلس الدولة ، كل حسب اختصاصاتها. وترجع اسباب اللجوء الى المحاكم والسلطات القضائية لاستدامة نفاذ هذه المادة وتفعيل تنفيذها ، الى تقاعس وتنصل السلطات الاتحادية – التشريعية والتنفيذية – عن تطبيق هذه المادة من جهة ومن جهة اخرى قد تلجأ هذه السلطات الى اصدار القوانين او القرارات من الممكن ان تمس الحقوق والمكاسب السياسية المثبتة في النصوص الدستورية وخصوصا بما حواها المادة 140 . ففي هذه الحالات لابد اللجوء الى السلطة القضائية الاتحادية للحد من اعتداءات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على الحقوق السياسية الاساسية وخصوصا الحقوق الارضية لشعب اقليم كوردستان .


باقر جبر الزبيدي رغم أن الدور الإقليمي والدولي كان حاضراً في عدة دورات إنتخابية سابقة ألا أن ماشهدته الإنتخابات الأخيرة من تدخل إقليمي ودولي كان أكبر من كافة الدورات الماضية وبعدة طرق ووسائل. المعلومات التي تتحدث عن وجود (سيرفرات) لمفوضية الإنتخابات في الإمارات وإعلان بعض الدول بشكل صريح رغبتها بفوز جهة على حساب جهة أخرى كشف بما لايقبل الشك عن التدخل الكبير في شؤون العراق الإنتخابية بشكل صارخ. ولعل مايثير الإنتباه أكثر أن التدخل الإماراتي في الإنتخابات يأتي بعد فترة قليلة من التطبيع مع اسرائيل !! والتصريحات التي تخص الإنتخابات الأخيرة. أما التدخل البريطاني فقد تجاوز التدخل منذ احتلاله للعراق عام 1914 ولدينا معلومات إن رؤساء ووزراء في كل العهود السابقة كانت بريطانيا لها اليد الطولى في توجيههم. خلال الايام الماضية كان على بريطانيا بدل من لعب هذا الدور أن ترحل وتسلم أحد مجرمي الحرب الذي إنتقل إليها من الأردن والتي اقام فيها طويلاً إلا أنها منحته حق اللجوء رغم إنه ملطخ بدماء شهداء الأهوار وحلبجة. فرنسا بعد أن نجحت وبغطاء بريطاني - أمريكي أن تحصل على عقد توتال خارج سياقات الأنظمة والقوانين الحكومية للعقود حصلت على حصتها من الكعكعة العراقية وتريد المحافظة عليها عن طريق الحكومة القادمة. أما الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا تسعيان إلى بقاء قواتهما المحتلة إلى أمد طويل فيما إيران التي تدخلت في إنتخابات 2018 إنحسر دورها في الإنتخابات الأخيرة. هذه التدخلات الإقليمية والدولية هي إستهانة واضحة بخيار الشعب وخرق يمس سيادة العراق كدولة وللأسف فأن بعض الجهات المتماهية مع هذه التدخلات لازالت تمارس الاعيب وحيل في سبيل خدمة المشاريع الخارجية ضاربة بعرض الحائط مفاهيم الوطنية والولاء للوطن. وبحسب المعلومات التي وصلتنا فإن بعض الأطراف المشاركة في الإنتخابات طلبت تدخل إقليمي من دول لديها مشاريع هدامة في العراق ودول تحتل أجزاء من الوطن وهذه قمة العمالة. إن الوعود التي حصل عليها هؤلاء الحالمون بالتقسيم والأقاليم هي (هواء في شبك) وكما فشل رهانهم على الإرهاب والبعث سوف تفشل خطواتهم في تقسيم العراق بسواعد أبطالنا في القوات الأمنية "وا ل ح ش د ا ل ش ع ب ي". * الأمين العام لحركة إنجاز ١٨ تشرين الأول ٢٠٢١


غسان شربل *   كان الحديث عن السودان والثمن الذي يدفعه بسبب تحول رئيسه عمر البشير مطلوباً لدى المحكمة الدولية. غلبتني البراءة فقلت يكفي أن يستقيل البشير حتى لو لم يسلم نفسه فمصلحة الشعب السوداني يجب أن تتقدم. ابتسم الرئيس جلال طالباني، وأجاب: «إقامتك في لندن أنستك أننا في الشرق الأوسط. هنا يغادر الشعب لا الحاكم». ما أصعبَ أن تكون صحافياً في الشرق الأوسط. وما أفظع أن تكون من لبنان. تستغرب وجود حكومات تعمل من دون احتقار الدستور. وتستهجن وجود مسؤول لا يستبيح المال العام. تحسد الدول التي تنجب قامات تصلح جسوراً إلى الاستقرار أو مظلات له. لقد استحكمت الرداءة وشاع الإسفاف وسقط القرار في أيدي الخبراء في تفكيك الدول وإتلاف المدن. صرنا لا نصدق أن رئيساً يختار التقاعد بإرادته من دون أن يطرده الشعب من مقره أو يلف الحبل حول عنقه. والحقيقة هي أنه لولا ذلك النهار لما كان لهذه القصة أن تكتب. اليوم الذي شهد سقوط الجدار وغير مصير ألمانيا وأوروبا وتلك الفتاة التي تفوقت في ألمانيا الشرقية في مادتي الرياضيات واللغة الروسية. لولا ذلك اليوم لكانت متقاعدة بعد عمل طويل في الأبحاث بعد نيلها الدكتوراه في علوم الفيزياء. وكان من الصعب توقع مستقبل سياسي لها في بلاد إريش هونيكر. صمتها لم يكن من النوع الجذاب للحزب الشيوعي الحاكم والأوصياء الروس عليه. وربما كانت دفعت ثمن كونها ابنة قس على رغم أن والدها رتب علاقاته مع الأجهزة ما سمح له بتنظيم رحلات عدة إلى الشق الغربي من برلين. فتح يوم سقوط الجدار الفرص لكثيرين. ففي ذلك اليوم هُزم معسكر وهُزم نموذج. ألقت ألمانيا الشرقية نفسها في حضن الوطن الأم فخطف المستشار هلموت كول ألمانيا الموحدة على رغم مخاوف فرنسوا ميتران ومارغريت ثاتشر. كول نفسه سيدخل من كان يسميها «ابنتي» إلى المقاعد الحكومية. ولعله لم يتخيل أن تتخلى عنه يوم تلطخت سمعته بفضيحة «الصندوق الأسود» للمساعدات التي تلقاها الحزب. باستطاعة أنجيلا ميركل أن تغادر مبنى المستشارية من دون الوقوع في طقس المرارة والخسارة. ونادراً ما تيسر هذا الأسلوب في المغادرة إلا لمن كانوا أكبر من مناصبهم وأرحب من مكاتبهم. إنها شجاعة استثنائية أن يختار أحد ترك اللقب اللامع والأوسمة وفلاشات المصورين والذهاب إلى التقاعد. اختارت ميركل موعد مغادرتها. لا الدستور أمرها بذلك ولا تنكر الناخبون لها. كان الدستور يسمح لها بالاستمرار وكانت شعبيتها قادرة على تجديد التفويض. لم تقل إنها تعبت. ولم تزعم أنها مصابة بالخيبة. قبل ثلاثة أعوام قالت إنها لن تبحث عن ولاية خامسة. والتزمت ذلك التصريح من دون إعطاء أبعاد درامية للقرار. تصرفت برصانة من يخامره شعور بأنه أدى واجبه في ضوء المعطيات التي كانت قائمة. لم تزعج الشعب بجردة حساب. ولم تخاطب التاريخ كأنه نادل في مكتبها. لم تشعر بالقلق لا من المعارضة ولا من وسائل التواصل الاجتماعي. ليس لديها ما تخفيه وليس لديها ما تخافه. لا يجرؤ سياسي على اتهامها بأنها سرقت المال العام أو أهدرته. أو أنها زرعت في الإدارة أقرباء ومحازبين. أو أنها شجعت صفقات مع الخارج وسهلت تدفق العمولات إلى حسابات عناصر الدائرة الحميمة. لا يجرؤ أحد على اتهام ميركل بالفساد. ربما يأخذون عليها الإفراط في التمهل في اتخاذ بعض الخطوات. أو الذهاب بعيداً في استقبال اللاجئين. أو الإسراف في احتمال أمزجة المتعاقبين على المكتب البيضاوي. أو حرصها على دفع ثمن إنقاذ اقتصادات أخرى حفاظاً على الحلم الأوروبي الذي يتعرض للهجاء على يد شعبويين وخائفين على المساعدات والهويات. يمكن العثور على أسباب للانتقاد لكنّ أحداً لا يمكن أن ينكر أن ألمانيا شعرت على مدى ستة عشر عاماً باستقرار لم تذق مثله من قبل. في مقر المستشارية كانت ميركل مخلصة لبلادها ونفسها معاً. السيدة الوافدة بتسريحة تتكرر وجاكيتات متشابهة الخطوط مختلفة الألوان لا ترش التعابير السحرية والمخملية لخداع الناس أو رشوتهم. تقرأ التقارير. وتحترم الأرقام. وتحترم التزامات حكومتها في الداخل والخارج معاً. شعور عميق بالمسؤولية ونزاهة لم يستنزفها الوقت. لم تقترب أبداً من ممارسات برلسكوني ولم تُتهم بما اتُهم به ساركوزي. المرأة الأقوى في ألمانيا. وفي أوروبا. وفي العالم. شاشات وأغلفة مجلات. كل هذا اللمعان لا يمنع المستشارة من الذهاب إلى السوبر ماركت. وطهي عشاء متواضع. وتحريك المكنسة الكهربائية لتنظيف الشقة المتواضعة. كل الحملات المنافسة لم ترغمها على تغيير أسلوبها في الداخل والخارج. يكفي أنها تعاملت مع الرؤساء الأميركيين مغلبة روح التعاون على اختلاف الحسابات والسياسات وتصاعد الأنانيات. ويكفي أنها فاوضت رجلاً صعباً اسمه فلاديمير بوتين وزعيماً صينياً صعباً اسمه شي جينبينغ. هذا من دون أن ننسى مشاركتها في الرقصة الأوروبية مع فرنسا خصوصاً بعدما استقالت بريطانيا من رحلة الاتحاد. ما أقسى الدرس الألماني. لكن من قال إننا نتعلم؟ لو استقال البشير باكراً لما كان حال السودان ما هو عليه. يمكن قول الشيء نفسه عن القذافي وصدام وكثيرين. لكننا في الشرق الأوسط. راجع جلال طالباني تاريخ المنطقة وحاضرها واكتشف أننا في منطقة يغادر فيها الشعب لا الرئيس.   * رئيس تحرير «الشرق الأوسط»


عدالت عبدالله رغم إننا مع مبدأ تشجيع أي خطوات أو مبادرات عراقية بإتجاه إحتواء التحديات التي تواجهه من كل مكان وفي كل أزمان، إلا إننا نعتبر أنه من واجبنا أيضاً أن نُذَكّر المسؤولين في البلد بأن ثمة تحديات حقيقية ذات طابع بنيوي لايمكن مواجهتها بهذه بسهولة كما نتخيل، أو من خلال تنظيم بعض المناسبات المعنوية كالمؤتمرات والقِمَم، أو الحصول على تعهدات ووعود سياسية لا أحد يعلم كيف ستُتَرجم على أرض الواقع!، لاسيما مع التجارب المريرة التي مر بها العراق منذ سقوط النظام البائد الى يومنا هذا. من التحديات التي نعتبرها بنيوية وغير قابلة للتغيير على المدى القريب، هو التحدي الجيوسياسي Geopolitical challenge، ونعني بها إكراهات قدرية الموقع الجغرافي السياسي للعراق، الذي تحيط به دول إقليمية متعددة أظهرت لنا التجارب الماضية والحية بأن بعض منها- إن لم نقل معظمها!- لا تريد الإستقرار للعراق بصيغته العراقية الخالصة للأسف أو كما يتطلعون اليه أبناء هذا البلد، وأنما تتدخل هذه الدول دوماً في شؤون العراق الداخلية بشتى الأشكال، وتستغل التمايزات المجتمعية والهويات الثقافية للبلد لتحقيق أجنداتها السياسية والإقتصادية الخاصة بها، وكل مرة بمسوغات ضمنية أو مُفارقات مواقفية، هي إما إدعاء الدفاع عن هوية طائفية أو عرقية ما، أو الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً!. ومع السوسيولوجي الفرنسي الإيراني "فرهاد خسرو خافار" يمكننا أن نستدل على ذلك بمثال، يفيد:" أن صحراء كربلاء والمدن المقدسة، كالكوفة والنجف والشام كانت ولاتزال تمثل جزءاً مكملاً للمتخيل الإيراني. كما وأن كثرة الحديث المخادع للأتراك عن المكون التركماني وحقوقه، أو مشاركتها في تحرير الموصل من الداعش، لاتأتي، هي الأخرى، إلا من منطق ادعاءات تاريخية خاصة بالموصل وكركوك، أي المدينتين اللتين لم تغيبا، على حد قول الباحث التركي، بولند آراس، عن المخيلة الوطنية التركية. ومعلوم لنا أن هذا التحدي الجيوسياسي الذي يشكل تهديداً دائماً لإستقرار العراق وهويته كدولة مسؤولة عن إدارة تعددياتها الثقافية والمجتمعية، لم يطرأ عليه أي تغيير بتَغَيُّر حكومات وأنظمة الدول التي تحيط بالعراق، وأنما ظل ولا يزال تحدياً قائماً وسارياً بحيث أقل ما يستوجب على العراقيين فعله، هو توخي الحيطة والحذر منه في كل الأوقات والأزمان، ذلك لأن الحاجات والمصالح السياسية والإقتصادية، أو الهواجس الأمنية والثقافية ليست هي وحدها التي تحدد مسار سياسات ومواقف تلك الدول المحيطة بالعراق، وإنما ثمة أسباب بنيوية حقيقية تحرك ذلك المسار وتوجهه، وذلك كله من خلال إستثمار الواقع الجيوسياسي للدولة العراقية ولضرب هذه الأخيرة ضمنياً وعلانيةً!.


 راجح الخوري  في الثامن من مارس (آذار) 2015 قال علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني: «أصبحنا إمبراطورية كما كنا عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا كما في الماضي، وإن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة؛ إما نتقاتل معاً وإما نتحد»! كان ذلك يوم راحت إيران تزعم أنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، في إشارة واهمة إلى الإمبراطورية الفارسية الساسانية، التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها، لكن لم يكن في حساب النظام الإيراني أنه سيأتي وقت تعمّ بغداد مظاهرات عارمة تدعو إلى خروج الإيرانيين «إيران برّا برّا»، وأن العراق سيعمل جدياً وبقوة على استعادة سيادته وحريته، وأن زمن نوري المالكي، رجل طهران في بغداد، سيتهاوى كما تهاوى «داعش» الذي انبثق من سياسته الفئوية، التي سلمت الموصل من دون أي مقاومة من الجيش الوهمي الذي كان يزعم أنه يحرسها. منذ ذلك الوقت بدأ العراق يستعيد هويته وحريته رغم كل الضغوط وممارسات الهيمنة الإيرانية، التي تمثلت في محاولات تقوية الميليشيات المسلحة الإيرانية وجمعها تحت اسم «الحشد الشعبي»، الذي صحيح أنه قاتل ضد تنظيم «داعش»، لكنه كان وما زال يخطط لتكون له اليد الأمنية الطولى في البلاد، على ما يجري في لبنان حيث تبدو السيطرة لـ«حزب الله» الذي يقول أمينه العام حسن نصر الله إنه مقاتل في ولاية الفقيه! في 18 يونيو (حزيران) الماضي، قال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، إنه سيذهب إلى الولايات المتحدة لتنظيم مستوى العلاقات العراقية - الأميركية، خصوصاً الوجود الأميركي في العراق وعملية انسحاب القوات القتالية، مؤكداً أن أميركا دولة مهمة وقوة عظمى ساعدت العراق في هزيمة «داعش»، وأن زيارته لن تقتصر على الجانب العسكري فقط بل ستتناول الجوانب الاقتصادية والثقافية والتعليم، وكل ما يصبّ في مصلحة الشعب العراقي ومستقبل العلاقات بين البلدين. وأضاف: «نتحدث مع الجانب الإيراني لأننا في حاجة إلى الاستقرار، ولأننا لا نرغب في أن يكون العراق ساحة للصراع الأميركي - الإيراني، ونعمل على آليات للتوافق بين الدولتين». اقترنت زيارة الكاظمي لواشنطن وقمته مع الرئيس جو بايدن بتزخيم دعوات العراق لأن يكون ساحة لنسج تفاهمات إقليمية ولخلق جو من التعاون بين دول الجوار. وفي هذا السياق، ركّز الكاظمي على أهمية أن يعمل العراق على استضافة حوار إيراني - سعودي تحديداً، وانتهت القمة مع بايدن بالتأكيد الأميركي على الشراكة الاستراتيجية مع العراق، وعلى تعزيز الديمقراطية وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة برعاية الأمم المتحدة. يوم السبت الماضي عُقدت في بغداد نتيجة جهود الكاظمي والقيادة العراقية، «قمة دول الجوار» أو «مؤتمر التعاون والشراكة» بمشاركة تسع دول هي: السعودية والإمارات والكويت وقطر ومصر والأردن وتركيا وإيران وفرنسا، إضافةً إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي. كان هدف هذه القمة أو المؤتمر ترميم علاقات العراق بمحيطه العربي والإقليمي، إضافةً إلى تخفيف التوترات الدبلوماسية في المنطقة، وتكتسب القمة أهمية وحساسية في هذا الوقت، قياساً بما تمر به دول المنطقة من أوضاع متوترة، وهذا ما يعطي العراق دوراً فاعلاً كساحة حيوية دبلوماسياً على صعيد تنشيط العمل لتحسين العلاقات وطي صفحة الخلافات، وإيجاد مساحة مشتركة للتفاهم بين المحورين العربي والإقليمي وتقليص فجوة الخلافات بينهما، وأجمع المراقبون على أهمية نجاح العراق في تنظيم هذه القمة، من منطلق أنه قلّما تشهد الساحة السياسية العربية والإقليمية مثل تلك القمم. ويرى المراقبون أن القمة جاءت ضمن تنشيط السياسة الخارجية العراقية، وتشكّل إسهاماً واضحاً في إبعاد العراق عن صراع الأقطاب، الذي ينعكس سلباً على البيئة العراقية، وكما قال الكاظمي في كلمته الافتتاحية، إن القمة تشكّل وفاءً لما عاهدت به حكومته بإعادة العراق إلى دوره الريادي في المنطقة، وأنه يأمل أن يشكل المؤتمر منطلقاً وقاعدة لإعادة إعمار ما دمّرته الحروب، مشدداً على رفض بلاده استخدام أراضيها ساحة للصراعات. وبدا واضحاً أن العراق يعوّل على المؤتمر لتعزيز الشراكات والمشاريع مع الدول المشاركة، وأنه يعوّل على أن يكون المؤتمر خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة، إضافة إلى استعادة دور بغداد الإقليمي والدولي وتحقيق أجواء إيجابية بين جميع الدول التي شاركت في المؤتمر. إيران التي لطالما رأت وتصرفت على قاعدة أن العراق يشكّل حديقتها الخلفية، وأنه يمثل القاعدة الشرقية لجسر تدخلاتها ونفوذها الممتد عبر سوريا إلى لبنان وغزة، لم تكن مرتاحة قطعاً لأن يلعب العراق هذا الدور الإقليمي خارج أسوارها، خصوصاً أن تركيز مصطفى الكاظمي على أن دور الدولة يجب أن يسيطر على ما يسميه دور اللادولة، في إشارة واضحة إلى «الحشد الشعبي» الذي تديره إيران كجيش رديف ينافس الجيش العراقي، تماماً كما يحصل في لبنان حيث يشكّل «حزب الله» دويلة تسيطر تقريباً على دور الدولة العاجزة عن تشكيل حكومة، والذي أعطى نفسه مثلاً حق استيراد المحروقات من إيران من دون أن يسأل الدولة رأيها أو يتوقف عند العقوبات التي ستلحق بلبنان إذا استورد نفطاً من إيران! وفي هذا السياق كان من الواضح جداً أن دعوة الكاظمي إلى عقد هذا المؤتمر المهم، جعلت النظام الإيراني يكظم غيظه العميق، وقيل إن طهران أشارت أولاً إلى أنها ستقاطع المؤتمر لأن الرئيس إبراهيم رئيسي ليس مستعداً بعد للقيام بزيارات خارجية، وهو ما دفع الكاظمي إلى إرسال وزير خارجيته فؤاد حسين، إلى طهران لإقناعه بعدم التغيّب، فكان أن أوفدت طهران وزير خارجيتها أمير حسين عبد اللهيان، الذي أثار منذ اللحظة الأولى استياء واستغراب الوفود، التي تعرف ضمناً أن نجاح العراق في تنظيم مؤتمر إقليمي مهم من هذا النوع، يشكل دليلاً على أنه خرج ويخرج عن الوصاية التي تحاول إيران فرضها عليه ولو بالقوة أحياناً. وهكذا برزت عنجهية عبد اللهيان وغطرسته وفظاظته حتى، منذ اللحظة الأولى، ففي خطوة مفاجئة وخلال وقوف الرؤساء والمسؤولين المشاركين في المؤتمر لالتقاط الصورة التذكارية، تحرك عبد اللهيان تاركاً المكان المخصص له بروتوكولياً في الصف الثاني مع وزراء الخارجية، وتقدم بلامبالاة ليقف في الصف الأول المخصص للرؤساء والزعماء والأمراء والشيوخ، رغم أن المشرفين على البروتوكول لفتوا نظره إلى ذلك بتمرير ورقة إليه، لكنه كان واضحاً أنه يتعمّد الإيحاء بأن لإيران دورها الحاسم في العراق، وحتى في كلمته قفز فوق الروح التصالحية التي سادت جو المؤتمر ليتحدث متدخلاً في الشؤون الداخلية العراقية، من خلال مطالبته بخروج القوات الأميركية من العراق، وانتقاده القيادة العراقية لعدم دعوتها النظام السوري للمشاركة في أعمال المؤتمر. وأكثر من هذا زعم في كلمته أن حجم التبادل التجاري بين العراق وإيران هو 300 مليار دولار، ما أثار استهجان الحاضرين وسخريتهم، ليصحح كلامه بالقول إن التبادل بلغ 13 مليار دولار، وزيادة في التدليل على انزعاج وضيق طهران من المؤتمر انتقل عبد اللهيان فور انتهاء أعمال المؤتمر ليقوم بزيارة إلى دمشق! تستطيع طهران أن تكظم غيظها وغضبها من نجاح مصطفى الكاظمي والدولة العراقية في تنظيم هذا المؤتمر المهم، الذي يسهم عملياً في زيادة سحب السجادة العراقية من تحت أقدام النظام الإيراني، الذي مضى بعيداً في التعامل مع العراق كأنه مجرد إقليم ملحق به، أو مجرد جسر شرقي لنفوذه الميليشياوي في دول المنطقة وصولاً إلى بيروت وغزة، ولكنه العراق في النهاية!


عبد الرحمن الراشد   يُعتقد أن النظام الأفغاني، كما نعرفه اليوم، قد ينتهي قبل نهاية العام بحكومته وبرلمانه وسياسته، وربما قبل ذلك. فقد خرجت معظم الجيوش الأميركية ودول التحالف لتختتم عشرين عاماً من الوجود العسكري الذي وصل إلى نحو 150 ألف جندي من جنسيات متعددة، ثم انحسر مع فشل توحيد البلاد تحت سلطة مركزية. الخروج الأميركي لن يمنح الأفغان السلام بل سيخلق فراغاً ربما يتسبب في حروب على جبهات مختلفة، وقد تكون إيران واحدة منها. فهل الوضع الجديد خطر على إيران؟ وهل طالبان عدو طبيعي لنظام طهران؟ حدود إيران مع أفغانستان نحو ألف كيلومتر، هذه المسافة الطويلة جداً كافية لإخافة النظام الإيراني من الوضع في أفغانستان سواء إن كان مستقراً تحت سلطة حركة طالبان أو في حال اندلعت حرب أهلية هناك. ليس من المؤكد كيف ستسير الأمور، لكن من الخطأ تبسيط تحليل العلاقات في ذلك الإقليم من العالم. قد تكون طالبان عدواً شرساً لإيران، وتفتح جبهة حرب دامية، فتذيق النظام الإيراني ما فعله ويفعله بدول مثل العراق واليمن، ويصبح لأول مرة في موقف الدفاع. وقد تكون طالبان الحليف الذي يتمناه الإيرانيون، وسعوا لدعمه لسنين ضد الأميركيين في أفغانستان. الفروقات المذهبية، طالبان السنية ضد نظام الولي الفقيه الشيعي، ليست كافية للاستنتاج بحدوث صراع بين نظامي الجارتين المتطرفتين. لطالما اعتمدت طالبان على دعم إيران في السنوات التي أعقبت إخراجها من الحكم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 ضد الولايات المتحدة والتي خططت في أفغانستان. قدمت إيران الدعم العسكري للحركة، وفتحت حدودها للفارين من قيادات «القاعدة»، ويعتقد أن أيمن الظواهري، الرجل الثاني في التنظيم قد لجأ وعاش السنوات الماضية، ويقال مات ودفن هناك. أيضاً، رعت إيران أفراد عائلة أسامة بن لادن. وهي لا تزال الممول الرئيسي لـ«حماس» و«الجهاد الاسلامي» في فلسطين وحليفا لجماعة «الإخوان». وأبرز انتصاراتها في العراق جاءت من استخدامها المعارضة السنية المسلحة والتنظيمات المتطرفة في العراق ضد القوات الأميركية. إيران وطالبان كانتا حليفتين لسنوات وقد يستمر هذا التعاون، حيث تعددت زيارات وفود طالبان إلى طهران بشكل مكثف منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي وسبق أن امتدح المرشد الأعلى علانية طالبان. لا أريد الاستعجال في الحكم على طالبان وسياستها بشكل عام، وموقفها من طهران تحديداً، إنما الماضي لا يشهد للحركة بالحكمة. وعلاقتها مع النظام الإيراني لن تبقى محايدة نظراً لطبيعة الجماعتين الآيديولوجية الدينية المسلحة، التي ستنتهي إما بالتعاون أو الاقتتال. وللأسف الشديد ليست هناك توقعات باستتباب الأمن وانتهاء النزاع، سواء بقيت الحكومة الأفغانية أو استولت طالبان على العاصمة كابل والحكم. فالتنافس محموم بين القوى الكبرى. أفغانستان يبدو أنها الأماكن القليلة في العالم التي يتنافس فيها الصينيون والروس والأميركيون، وهناك القوى الإقليمية باكستان والهند وإيران التي لها نفوذها المحلي وعازمة على الاحتفاظ به.


عبد الرحمن الراشد   منذ سنوات والروايات عن سيف الإسلام القذافي تتردد عن اعتقاله، ووفاته، وهروبه، واكتشافه حياً في معتقل للثوار، وأخرى عن أنه مختفٍ في جنوب فرنسا. حديثه الصحافي أمس، أعاده للواجهة، قدم رؤيته للعالم، ولأول مرة، منذ اعتقاله إبان الثورة الليبية. موجود في ليبيا، حر طليق، أو كما قال، صار سجانوه هم حراسه وأصدقاءه، بعد أن «تحرروا من وهم الثورة». في ليبيا الممزقة ربما لو عاد القذافي الأب من قبره يحكم، بعد عشر سنوات دامية حكمت فيها الميليشيات والمرتزقة البلاد. وقد لا يوافق على هذا الرأي، بالقبول بالقذافي، قطاع كبير من الشعب الليبي، لكن حتى هؤلاء لا يملكون بديلاً للوضع السيئ الذي لا نرى له نهاية. هل يعود سيف للعمل السياسي، ويستعيد حكم أبيه؟ يستطيع، لكن أمام حلمه هذا، طريق إضافي معبد بالدم والآلام نتيجة لتراكمات من النزاعات الليبية المحلية، مناطقية وقبلية وشخصية. وهناك التحديات الخارجية من دول لها نفوذ أو تأثير جزئي، عربية وأخرى مثل تركيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة. هل هي عودة نابليون من المنفى مستفيداً من الغضب والفوضى، أم مجرد حلم المنفيين في كهوفهم الذين زادوها فوضى؟ المأساة الليبية، مثل المأساة السورية، وصلت إلى نهايتها لكن بدون فارس منتصر حقيقي. من الصعب إصلاح الحكم المكسور كما كان الذي يتطلب الكثير من الحكمة والتصالح والتنازل. سيف الإسلام يقول إنه سيعود بالكتاب الأخضر، وهذا ليس بالوعد الانتخابي الجذاب. سيف ليس معمر وإن كان ابنه. كنا نعلم أن الابن حاول تغيير الجماهيرية، بالانفتاح والانتفاع من الثروة داخلياً، وإنهاء مغامرات والده الخارجية، ونجح جزئياً خلال آخر سنوات حكم الأب، لكن سيف لم يكن في كرسي الحكم حتى يُحكم عليه. من السهل الإشارة إلى الوضع المفجع الذي آلت إليه ليبيا والليبيون بعد انهيار النظام والقول الخيار المثالي هو إعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل فبراير (شباط) 2011. عالم القذافي الأب كان حالة تجريدية خارجة عن الواقع الذي يريد أغلبية الناس العيش فيه. في المقابل أي زعيم سيرفع وعد تحقيق الأمن والاستقرار والعيش الكريم حتماً سيجد المساندة بعد عقد من الفوضى وحكم الجماعات المتناحرة والتدخلات الأجنبية. ومعضلة ليبيا بعد مضي عشر سنوات من الثورة الفاشلة، لم تعد عن رفض لنوع من نظام الحكم؛ هي ضد الانهيار التام وتقسيم البلاد نتيجة اقتتال الزعامات. في ليبيا لم تعد هناك دولة، بل دويلات تحكمها ميليشيات. في الحالة الراهنة يمكن لسيف القذافي أن ينافس ويصل إلى كرسي الحكم، كان هذا الاحتمال مستحيلاً في السابق، أما اليوم فهو من بين الرهانات المطروحة. وحتى يتحقق، هل يقبل به الشعب الليبي؟ وهل ستسمح به الدول الكبرى؟ والتحدي الأكثر صعوبة، هل بمقدوره الانتصار فيما عجزت كل القوى المحلية عن تحقيقه خلال العشر سنوات الماضية، بتوحيد البلاد وحكمها من العاصمة؟ بلوغ هذا المنال لا يكفيه حديث لـ«النيويورك تايمز».


سعد الهموندي  ليست المرة الأولى في التاريخ الكوردي التي تواجه فيه كوردستان  خطر التدخل الخارجي ، فمن هيمنة العثمانيين على مقدرات المنطقة حتى أوائل القرن الماضي، إلى تدخل القوات البريطانية، وصولاً إلى الحروب التي خاضها البيشمركة مع الأنظمة الدكتاتورية. وعند كل تهديد بالعدوان على كوردستان كانت بعض الواجهات الداخلية العاملة، تبدأ التهليل لهذا العدوان وتلميع صورته، رغم أنها حاضرة على الساحة السياسية، فتسعى بذلك إلى استثمار الرافعة السياسية التي قد يؤمنها لها العدو، بعد استنفاد إمكانيتها الذاتية على تأمين رافعتها الشعبية بعملها السياسي على الصعيد الداخلي، وذلك أن رصيدها السياسي مرهون بتحقيق الأهداف الخارجية لهؤلاء الأعداء.. فحل أزمات البلاد المتراكمة، حسب زعمهم، هو ثمنٌ باهظ على المنهوبين لكي يدفعوه، مقابل إنجاز مطالبهم المحقّة، وعليه يدخل هؤلاء في عملية طويلة يجاهدون فيها لإقناع فقراء البلد بضرورة التدخل الخارجي، كحلٍ وحيد لأزمتهم المتفاقمة.. وقد جاء تغييب البرنامج السياسي لهذه القوى اللاوطنية، ليعبر في جوهره عن ارتهانها لإجندات هذه الدول التي سعت، ومازالت تسعى، إلى تفكيك بنية جهاز أمن كوردستان وإضعاف الانتماء للوطن فكانت مواقفهم على الدوام صدى لمواقف هذه الدول كيفما جاءت... وإن موقف الدول المجاورة برفضه الاستفتاء، كان لسان حال القوى اللاوطنية التي كانت تتلقف تصريحات الدول المجاورة على اختلافها، وتعيد صياغتها كمواقف ومبادرات تعبر عنها علانية... لذلك فلا يحق اليوم لأحزاب الديكور التي ولد بعضها من رحم أحزاب أخرى أن تدعي البطولة وأن تحمل خطابا ثورياً، في حين كانوا هم المتنفذين داخل الأحزاب الحاكمة وكانوا ينهبون الشعب ويأكلون من خيرات الوطن. كما لا يحق لمن دعم أهداف أعداء الكورد أن يكون صاحب قرار سياسي أو أن يكون طرفاً في لعبة خسيسة هدفها تشويه حكومة مسرور البارزاني، خاصة أنهم اليوم يلعبون دور الضحية محاولين خلط أوراق الحقيقة بالأوراق المزيفة، لكن هذا الشعب ذكي وفطن ولن يثق بهم، وعليه فإن أرادوا استرجاع احترام الكورد جميعاً عليهم أن يعتذروا للشعب كما فعلت شخصيات سياسية وإعلامية في زمن ملا مصطفى ومسعود البارزاني ، بعد أن ندموا على ماضيهم التعيس. فالمشكلة اليوم أن الكثير من الأحزاب المعارضة في كوردستان إذا أرادت أن تتميز دون عناء تبدأ بانتقاد سياسة مسرور البارزاني الأمنية التي تعمل دوماً على جعل الآمان الخط الأول، وهذا بالضبط ما يقلق أعداء الكورد فهؤلاء المتسلقون يريدون أولاً إبعاد مسرور عن خطوات أبيه الذي حمل راية الإصلاح والانتماء، وثانياً يريدون إضعاف هذه العائلة السياسية التي صنعت تاريخ هذه الأرض. لذا فعلى الشعب الكوردي اليوم أن يلعب دور المصفاة التي تُميّز الصالح من الطالح من الخبيث، وأنا على يقين بأن الشعب قادر على أن يفرق بين الحقيقي والمزيف دون وصية من أحد، وسيبقى هذا الشعب هو الضامن الوحيد لحياة سياسية تتمتع بديمقراطية حقيقية وآمان مستدام.


سعد الهموندي  الوطن هو الخيمة الكبيرة التي يستظلّ بها الجميع، وهو الشجرة المثمرة التي تمنح أبناءها أطيب الثمار دون كللٍ أو ملل، وهو السماء العالية التي تحتضن كل مواطنٍ، لهذا فإنّ حبه واجبٌ تفرضه الإنسانية أولاً والانتماء الحقيقي ثانياً، لهذا فإنّ من واجب الأم والأب والمعلمين وجميع أفراد المجتمع تعليم حب البلاد للأطفال حتى يكبروا على هذا الحب، وأن يكونوا مستعدّين للدفاع عنه وفدائه بالروح والمال والدم، وغرس الانتماء في داخلهم، وهذا لا يكون بالقول فقط، بل يجب أن يُظهر الجميع القدوة الحسنة أمام الأطفال في الدفاع عن أوطانهم التي تمثل كرامتهم. فحُبُّ الوطن ليس تعبيرات رمزية لحظية، أو شعارات وصور وأعلام تبرز في يوم من أيام السنة، أو عبر يوم إجازة رسمية، أو برنامجاً إذاعياً مدرسياً أو إخبارياً، بل هو ثورة ذاتية ملتهبة في النفس، تصدر من عمق الأرض ورحمها، فترسلُ أشعة نورها إلى القلب، فتحرِّك حرارتُها الأعضاء وتنير أمامها سبيل الحياة.. تلك الوطنية والوطن، المصطلحُ الرائج بين الأمم والحضارات والشعوب على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم ومذاهبهم، يتغنَّون بنشيده، يمجِّدون تاريخه وأمجاده، ويصطبغون بلون ترابه وطهره، يرسمون بسمة فخر ونشوة فرح واعتزاز غامر "مستديم" يحتّم علينا تفهمه وتشبعه وإرضاعه للأجيال . حب الوطن ليس مجرّد كلمات رنانة يقولها الشعراء والأدباء، بل هو حبٌ بالأفعال والدفاع عن كيانه ووجوده، والشعور بأنّ أمنه جزء من الأمن النفسي والشخصي، لهذا فإنّ حب الوطن يظهر في تصرفات أبنائه وخوفهم عليه وحمايته من أي تدمير محتمل، واستعدادهم للدفاع عنه باستماتة ضدّ جميع المتربصين، وهذا لا يكون سوى من خلال التضحية بالروح مقابل أن تظلّ راياته خفاقة عالية تلوح في الأفق، وحبه يكون بالسعي لتطويره وتقدمه، ويكون هذا السعي للعلم وطلبه بجدٍ واجتهاد، والاختراعات والاكتشافات التي يقوم بها أبناء الوطن لرفعته ونصرته ووضع اسمه في المقدمة. الدفاع  عن الوطن لا يكون فقط عندما يتعرض الوطن للاعتداء، بل في رفعته وسموه كل يوم، لكن أخطر أشكال الاعتداء هي: النوع الأول: الاعتداء من قِبل دولة أخرى على هذا الوطن بقصد تسخير الشعب، وامتلاك ثروات أرضه كافة، أو بهدف التوسع الجغرافي للدولة الأخرى المحتلة على حساب دولة أخرى. وربما يكون هذا الاعتداء لأسباب عقائدية وأيديولوجية. وأيضاً قد يكون بهدف الطغيان. فكل أنواع الاعتداءات هي طغيان. النوع الثاني من الاعتداء على الوطن: هو أن يتعرض هذا الوطن لمخطط تقسيم أرضه وشعبه إلى فئات متناحرة ومتذابحة بعد أن كانوا يعيشون جيراناً على أرض واحدة بذكريات واحدة. وهذا الاعتداء هو تمهيد في الغالب للاعتداء الأول. وربما يكون هذا الاعتداء من قِبل الآخرين بأيدي أبنائه الذين سُممت أفكارهم، وغُذيت بالكراهية والحقد وعدم تقبُّل الآخرين المختلفين عقديًّا أو أيديولوجيًّا، وتقبُّل فقط المساومين المتطابقين بكل شيء.  أما النوع الثالث من الاعتداء على الوطن هو عن طريق الفساد الداخلي لأبناءه، عن طريق نهب ثرواته، وعدم تحمُّل أمانة المسؤولية العظيمة التي أُلقيت على عاتقهم في صون مقدرات الوطن وثرواته وثروة المواطنين جميعهم. وهذا هو السبب الرئيسي لضياع الأوطان.  النوع الرابع هو في بعض مواطنيه أنفسهم الذين يخونون وطنهم في اللحظات الحرجة التي يحتاجهم إليها، فحينها نجد هؤلاء صامتين، وقد خمدت تغريداتهم وكأن على رؤوسهم الطير ، رغم أن الصمت في أوقات الأزمات خيانة للوطن، فمصالحهم الشخصية المتفق عليها مع الطرف الآخر ستتعارض لو فعلوا، وهنا يبيعون أوطانهم وكأنهم يبيعون قطعة حلوى مرمية على قارعة الطريق متناسين أن الوطن في النهاية مثله كمثل الأرض الأصيلة سيلفظ كل نبات لن تمتد جذوره إلى أعماقه! حب الوطن حب فطري يولد مع كل كائن في الوجود، فالوطن هو الحضن والملاذ الآمن الذي تأوي إليه الروح، الوطن ليس مجرد أرض وأشجار وتراب، بل هو مجموعة من أشياء كثيرة لا يمكن فصلها أبداً، حب الوطن حب عظيم يجب آلا يخالطه رياء أو نفاق، لأن من لا يحب وطنه بحق لا يستحق أن ينتمي إليه أو يعيش فيه، ومن لم يكن وفياً لوطنه في الحرب لا يستحق أن يعيش فيه وقت السلم، الوطن هو الوطن بجميع حالاته وتقلباته، فإن تعرض لأي خطر فلا بد أن يتحول جميع أبنائه إلى جنود جاعلين كرامة الوطن فوق كل اعتبار. نعم ما يلزمنا اليوم هو الحب والانتماء للوطن فقط.


هيوا عثمان    بعد ثلاثين عاماً، لا يزال الفساد منتشراً في كردستان، وتسيطر النخبة السياسية على الثروة. قوات البيشمركة ما زالت منقسمة بين أربيل والسليمانية، على رغم وعود الأحزاب بتوحيدها. شهدت السليمانية حدثاً لا مثيل له في التاريخ السياسي الكردي. أطاح الرئيس المشارك لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني”، وهو الحزب الحاكم في السليمانية، بافل طالباني (نجل رئيس الجمهورية العراقية الراحل جلال طالباني)، بالرئيس المشارك الآخر، لاهور شيخ جنكي (ابن شقيق جلال طالباني)، وغيّر رؤساء أجهزة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى جانب سلسلة من التغييرات الأخرى في الهيئات التابعة للحزب الذي صادق عليها لاحقاً. لم تكن الأحداث مفاجئة لمن يتابع الوضع منذ تولي الأحزاب السياسية الكردية السلطة في إقليم كردستان عام 1991. بل إنها في الحقيقة نتيجة طبيعية لفشل الأحزاب الكردية في مأسسة إدارة الإقليم الذي كانت تديره طيلة الثلاثين عاماً الماضية. الشعارات المتكررة التي يستخدمها كل حزب في كردستان هي تقديم خدمات جيدة للشعب، فصل الحزب عن الحكومة وعدم التدخل في شؤونها، استقلال القضاء، محاربة الفساد، توحيد قوات البيشمركة والأمن والاستخبارات تحت سلطة حكومة إقليم كردستان. لكن في الواقع، حدث العكس. تسمع كل يوم في كردستان الكثير من القصص عن قساوة أن تكون مواطناً عادياً مستقلاً، وعن امتيازات كونك عضواً فعالاً في الأحزاب السياسية. بعد ثلاثين عاماً، لا يزال الفساد منتشراً في كردستان، وتسيطر النخبة السياسية على الثروة. قوات البيشمركة ما زالت منقسمة بين أربيل والسليمانية، على رغم وعود الأحزاب بتوحيدها. نعم لا تزال قوات البيشمركة اليوم تحت قيادة الأحزاب السياسية وتحديداً تحت امرة بعض القادة داخل الأحزاب، ولهؤلاء قواتهم الخاصة داخل أجهزتها. ثقة الجمهور بالقضاء في أدنى مستوياتها. تاريخياً، عُرف النضال الكردي من أجل الحرية بأنه كفاح شرف وكرامة وتضحية. نضال كان يميز الصواب من الخطأ، وقد نقلت الأجيال الكثير من قصص الفخر إلى أطفالها. اليوم، التحدي الاصعب للآباء هو أن يحكوا لأطفالهم عن النموذج الصحيح الحديث للكوردايتي (خدمة القضية الكردية). القادة والسياسيون هم الأغنى والأكثر “إنجازاً” في مجتمعنا، هم الأقوياء المحصنون، ويأتي في المرتبة الثانية ممثلوهم في مختلف القطاعات العامة والخاصة السياسية والأمنية. اما البقية من علماء ورجال أعمال ومهنيين وأفراد كادحين، غير مستفيدين من نظام المحسوبية، فهم في الغالب مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة. رزقهم وحياتهم اليومية يعتمدان إلى حد كبير على المحصنين. تسمع كل يوم في كردستان الكثير من القصص عن قساوة أن تكون مواطناً عادياً مستقلاً، وعن امتيازات كونك عضواً فعالاً في الأحزاب السياسية. في معظم التعيينات في الخدمة العامة، المحسوبية والولاء للحزب والمحصنين هما المعيار الوحيد تقريباً لتولي مناصب مهمة في مؤسسات الدولة. ونتيجة لذلك فإن هذه المؤسسات المكلفة بتسيير حياة الناس صارت غير فعالة وغير منتجة. من المألوف أن تدخل  إلى دائرة من دوائر القطاع العام، سواء كان ذلك في مجال الصحة أو التعليم أو أي مجال آخر، وأن تجد أن من يرأسها شخص عديم الخبرة أو غير مؤهل، ووجوده في هذا المكان هو لمجرد ولائه لحزب أو قائد معين. إذا كنت موظفاً حكومياً غير منتم لأي حزب، فستعاقب على أصغر خطأ ترتكبه، وإذا كنت في منصبك وأنت من حصة حزبك، فبالامكان التسامح مع أفدح اخطائك ومخالفاتك. لا تستطيع أي شركة محلية أن تستمر في النجاح إذا لم تحصل على دعم عضو بارز في حزب سياسي، والدعم يكون عادة مقابل حصة أو رشوة. لا تستطيع أي شركة دولية العمل بشكل مريح في أي منطقة من دون استرضاء القائد الحزبي العسكري المحلي من خلال منح دائرة أقاربه أو أصدقائه بعض عقود الخدمة أو الخدمات الأمنية، كطريقة مهذبة لدفع الإتاوات. مع هذا المشهد، وفي تحديد الأولويات، من الطبيعي أن نرى أجندات القادة السياسيين الفردية تأتي أولاً لضمان قوتهم وحصانتهم، وتأتي مصالح الأحزاب السياسية في المرتبة الثانية. أما قوة الحكومة والمؤسسات الأخرى التي يفترض أن تخدم الشعب، فهي في أسفل سلم أولويات أي سياسي هنا. هذا المشهد لا يقتصر على منطقة واحدة أو حزب حاكم واحد في كردستان. الجميع يشترك في الخصائص ذاتها ومتورط في الارتكابات ذاتها. وبالتالي من الطبيعي أن تتعارض الأجندات الشخصية على مستوى القيادة. ما حدث في السليمانية كان متوقعاً، بقدر ما كان عكسه متوقعاً أيضاً. الأمر يتعلق بمن يتخذ الخطوة الأولى، وحسب.


  آلدار خليل يعتبر تأسيس مشروع الإدارة الذاتية قفزة نوعية على الصعيد الإداري في سوريا والمنطقة بعد أن كان نظام الحكم المركزي والتسلطي هو القابع والجاثم على صدور الشعب. الظروف والأوضاع التي انطلقت منها الإدارة والتي كانت صعبة جداً ساهمت في تحقيق بناء الإدارة والقرار لعموم الشعوب في شمال وشرق سوريا، لهذه الأسباب وكونها، أي الإدارة الذاتية، تمثل مشروعاً نابعاً من إرادة وحاجة الشعب، وتصر على بناء إرادتهم وقرارهم الحر وتطوير فلسفة الحماية الذاتية والدفاع الذاتي وإحياء كل ما تم مصادرته من ثقافة ولغة وهوية وتاريخ وفن؛ فإن هذه الإدارة كانت ولا تزال مستهدفة من طرف من لا يريد لهذه الأمور أن تتحقق. تتعرض الإدارة الذاتية لهجمات قوية منذ تأسيسها بهدف منع الشعوب من أن تكون واحدة في عيشها وقرارها وإرادتها؛ هذه المحاولات تكشف وبشكل جلي الهدف الرئيسي لهذه القوى والأطراف بعد أن فشلت في منع تطور تجربة الإدارة الذاتية، فحولوا الثقل برمته إلى استهداف حالة التجانس المجتمعي وشكل العيش المشترك والأخوّة بين شعوب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ بهدف إفشال المشروع، كما حاولوا سابقاً، لكن هذه المرة عبر استهداف الشعوب في وحدتها من خلال خلق الفتن، حيث باتت هذه ورقتهم الأخيرة ضد الإدارة فقط؛ لأن الإدارة تحافظ على هوية ووجود الشعوب وتشكل خطراً على جميع مشاريع الإبادة والتصفية والإنكار التي يريد أعداء شعبنا تطبيقها عليه. وإضافة لكل الممارسات والانتهاكات التي تتم في المناطق التي تحتلها تركيا ورغبة في إشباع دوافعهم بإبادة شعبنا، فإنهم يجهدون اليوم في ضرب مشروع الإدارة في المناطق التي أثبتت فيها الإدارة نفسها كمشروع ريادي في سوريا ووفرت الأمان ومنعت إجراءات تطور الإرهاب والتطرف والتآمر على الشعب السوري. ما يحدث في منبج وقبلها في مناطق أخرى هو بشكل واضح استغلال للمطالب الشعبية وحق الاحتجاج السلمي والديمقراطي الذي تقره الإدارة الذاتية؛ من خلال هذا الاستغلال تحاول تركيا تمرير مخططاتها عبر مرتزقتها في تلك المناطق، ويتناغم معها النظام السوري في المسلك من أجل تقاسم النتائج الناجمة عن تلك التدخلات والفتن على حساب استقرار أهلنا وتضحياتهم التي قدموها في سبيل تحرير منبج وباقي المناطق من هيمنة وعنهجية البعث كذلك من تركيا ووكلائها، سواء داعش أم المرتزقة. الإدارة الذاتية تمثل اليوم مشروعاً هو طموح لكل السوريين، وتقف أمام محاولات تفتيت سوريا وشعبها وتطور ما يمكن من خلاله الحفاظ على الهوية من الإبادة؛ لذا حينما يتم استهدافها، فإن إرادة كل السوريين مستهدفة، وإن أي بديل لمشروع الإدارة سيكون مثالاً حياً من مشروع الإخوان والمرتزقة المدعوم تركياً ومشروع الهيمنة والتسلط الذي يتبناه النظام السوري ويسعى لفرضه على السوريين.


بقلم ستران عبدالله كتبت هذا المقال في عام 2018 استذكارا لكاك نوشيروان و ربما يلخص هذا النص جزءا من سيرته برؤية اتحادية من وجهة نظر صحفي حزبي ملتزم . ارتأيت نشره من جديد في ذكراه الخامسة  تحية لذكرى كاكه نەوە، رفيق سلاح مام جلال و العضو المؤسس للاتحاد الوطني وزعيم حركة التغيير تحية لذكراك ايها المناضل  والرفيق المؤسس كاكه نەوە ايها التراث المشترك بين الحليفين اللدودين:   گوران والاتحاد، تحیة لذكراك يوم كنت مع مام جلال ورفاقه  تنتصرون للقضية الوطنية الكردستانية و تخططون لحق تقرير  المصير، تحية لك يوم اختلفتم على الاولويات فاستقليت بتيارك السياسي و اجتهدت في الاصلاح و حملت لواء الاولوية للتغير وبقي الرئيس مام وتلامذته مستمرون على نهج الثورة الجديدة لان المكاسب  الكردستانية كانت ولاتزال على  المحك، تحية لك ايها المناضل الصلب ولذكراك يوم تصارع الفرسان الاصلاء وجمهرهم على منطقة اللون  الرمادي سنوات محتدمة الى ان التقيا في محطة دباشان  فكان الاتفاق  والاحتضان وكأن شيئا لم یکن،   تحية لذكراك الطيبة اذ اختلفنا معك اختلاف التلميذ مع اساتذته وخضنا معك ثم ضدك معارك صحفية وحزبية  اجتهدنا فيها ان نحتفظ بالاحترام لمكانتك التأريخية ولمكانك في القلب مع حقنا الديقراطي في انتقادك دفاعا عن قناعاتنا الجلالية بل و دفاعا عن اتحاد انت كنت من مؤسيسه  ثم اختلفت معه اختلاف جنتلمان اراد ان يختط طريقا جديدا للسياسة يتماشى مع القرن الواحد والعشرين فيما اراد الرئیس مام جلال هذا الطريق نفسه ولكن بشرط ضمان الاستمرارية للمنجز التأريخي، وفي ذلك فليجتهد المجتهدون وليتنافس المتنافسون  تحية لذكراك العطرة يا كاك نوشيروان  اذ تصالحنا معك  بعد تصالحكما انت ومام في القمة،  مما مهد الطريق للقاء الاحبة فقلت لنا كما لبيشمركتك الاعلاميين  مامعناه : يحدث هذا في احسن العائلات ، وفي التصارع الانتخابي يحدث مايجب تفاديه بعد الاتفاقيات  وكعادة مام جلال ولانك من المدرسة نفسها،  مدرسة الاتحاد الوطني والثورة الجديدة للكوردايتي،  كنت رجل المبادرة ففتحت معنا صفحة جديدة وشوقتنا لكتابة  صفحة جديدة اتحادية تغيرية يصل الى حد اعادة التوازن لميزان مختل في كردستان وفي العراق ايضا، تحية لذكراك وروح التفاؤل عندك حيث کدنا ان نصل الى مرحلة جديدة من الاصطفاف الكردستاني  قبل ان يختطفك يد القدر من رفاقك في التغيير  ومن رفاق الاتحاد وقبل كل شيء من الشعب الكردستاني الذي تغنى  بتصالح واتفاق رفقاء السلاح ، تحية لدورك التأريخي الكبير سواء المتفق عليه  او المختلف حوله   وكلنا امل ان تنجلي غيوم الخلاف الانتخابي الملبدة للسماء الكردستانية وتكون ذكراك الاولى دافعا لصفاء النفوس  تمهيدا لمتابعة خارطة الطريق الدباشانية  على الرغم من التقاطعات والتعرجات بل والتحويلات المؤقتة الكثيرة ومازلت كصحفي كردستاني متورط في كل السجالات السياسية وبيشمركه متواضع في صفوف الحركة الوطنية الكردستانية مقتنعا بأن طريق المكاسب الذهبية للجميع ولوحدنا ومع الجميع مرتبط بالتفاهمات اكثر من ارتباطه بالاختلافات خدمة للقضية الكردستانية كما لدعاوي الاصلاح والتغير والتجديد  والله اعلم


جرجيس كوليزادة  مهما ادعت دولة اسرائيل بحكوماتها المتعاقبة من تاييد ومناصرة للكرد بصورة عامة ولكرد العراق خاصة فهي كاذبة وخادعة، والادلة كثيرة للبرهان على ذلك، منها عدم لعب اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة في الستينات اي دور لتحقيق الهدف الوطني والقومي للكرد في تلك الفترة، ومنها ايضا افشال ثورة الحركة الكردية في منتصف السبعينات بتخطيط امريكي غير مباشر وذلك لدفع البلدان العربية وخاصة مصر الى اجراء مفاضات السلام مع اسرائيل، ومنها ايضا عدم دفع الكرد الى اعلان الاستقلال وقيام الدولة الكردية سنتي واحد وتسعين والفين وثلاثة، ومنها كذلك عند اجراء الاستفتاء باقليم كردستان حيث تملصت حكومة اسرائيل وقفلت ابوابها امام النوايا السياسية الانفصالية لمسعود برزاني، فاوقعت الاخير في دهليز مظلم مشابه لانتكاسة الثورة الكردية في السبعينات، حيث وقع البرزاني في فخ صاعق للدول الاقليمية خسر الاقليم من خلاله واحد وخمسين بالمئة من الاراضي. واضافة الى ذلك، فان اسرائيل لعبت دورا عدائيا ضد الكرد، فقد لعب جهار المخابرات لتل ابيب دورا رئيسيا في القاء القبض على عبدالله اوجلان زعيم الحركة الكردية التحررية في تركيا، وذلك بطلب من حكومة انقرة ومن جهاز مخابراتها، ولولا الدور الاسرائيلي لما تمكنت تركيا من القاء القبض على الزعيم الكردي اوجلان، ولهذا فان الكرد عليهم ان لا يحسبوا ان اسرائيل دولة مساندة لهم ولحركاتهم التحررية ولتطلعاتهم الانسانية والوطنية والقومية، ولابد عليهم ان يحذروا منها كثيرا وخاصة من خططها الاقليمية. وبالعكس من ذلك، فان ما بين فلسطين والكرد، وبين الشعبين العتيقين، الكثير من الصلات والعلاقات التاريخية والاجتماعية والسياسية، بالرغم انهما مازالا يناضلان من اجل الحربة والكرامة وتحقيق الاستقلال لضمان الحاضر والمستقبل، ولبيان العلاقات التاريخية نجد ان الحضرة الايوبية الكردية بقيادة السلطان صلاح الدين الايوبي، لعبت دورا اسلاميا وانسانيا لانقاذ ارض فلسطين والعالم الاسلامي والقدس الشريفة من الحملة الصليبية الافرتجية، ومازالت اجراس السلام تدق في حاضرة الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، صغارا وكبارا، نساءا ورجالا، لالهامهم للصد عن الظلم الحاصل بحقهم في الماضي وفي الحاضر. وقضية اجلاء حي شيخ الجراح (باسم طبيب السلطان صلاح الدين الايوبي) في القدس من قبل سلطات دولة اسرائيل، دليل على الاعتداء والاستيلاء الظالم بشتى وسائل الضغط لاخراج الاراضي من ايدي الفلسطينيين، وما لهيب الرفض الذي لاحق الحدث ما كان الا هديرا لصوت الحق ضد الجور المفروض بقوة الاحتلال، وما لاحق ذلك من الاحتجاجات ثم رد ورد فعل، واستخدام عنف عسكري شديد، كان بالاساس نتيجة طبيعية لثوران البركان الثائر على الاراضي الفلسطينية التي مازالت تبحث عن الحقوق المهضومة لشعبها المناضل الاصيل الذي يكافح من اجل تحقيق هويته الحقيقية. وتوازيا نجد ان الكرد في تركييا وايران وسوريا مثل الفلسطينيين حقوقهم مهضومة الى حد السحق، ولكن كرد العراق تحقق لهم كيان فيدرالي بادارة حكومية شبه مستقلة منذ سنة واحد وتسعين، وهي شبيهة بالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بنواحي كثيرة. ومن حيث الاستدلال بالعلاقات التاريخية بين فلسطين والكرد، فانها ليست وليدة اليوم، فهي كما تذهب اليها بعض المصادر تعود الى ايام فتح القدس الشريفة على يد سلطان المسلمين صلاح الدين الايوبي الكردي الاصل، حيث في ايامها توطدت علاقات وطيدة بين قوات كردية تابعة للقائد السلطان مع مسلمي ومسيحي ويهود فلسطين، وقد تمخضت بعض العلاقات بالقرابة والزواج، وتشير مصادر موثوقة ان اربعين بالمئة من العشائر الفلسطينية تعود بجذورها الى عوائل كردية في عهد السلطان الايوبي. وفي التاريخ الحديث تذكر المصادر ان قوات عراقية كردية بقيادة ضباط اكفاء من الكرد شاركت في حرب تحرير فلسطين سنة ثمانية واربعين، وقد حققت تقدما كبيرا في جبهة العمليات العسكرية، وذكر ان احد اسرار نجاح هذه القوة العسكرية العراقية في فلسطين، هو اعتماد قائد القوة العقيد المرحوم عمر على على كتابة خططه العسكرية الميدانية باللهجة الهورامية الكردية، في حين كان نصيب بقية القوات للدول العربية الفشل والاستسلام نتيجة الخيانة وكشف مخططاتهم العسكرية للقوات اليهودية. وفي نهاية الستينات، بداية تأسيس جبهة الكفاح واعلان النضال المسلح لمنظمة التحرير الفلسطينية، انضم الى صفوف القوات الفدائية بعض الشباب من كرد العراق بصفة فدائيين وقد استشهدوا عند القيام بعملياتهم الفدائية، ويقال ايضا ان بعض الشباب الكردي من سوريا وتركيا اشتركوا في صفوف فدائيي فلسطين بالسنوات اللاحقة، ولكن ما يتعلق بفدائيي كرد العراق موثوق ومدون في سجلات الفصائل والمنظمات الفلسطينية، وللتاكيد على اثبات ذلك فقد قام القنصل الفلسطيني في اقليم كردستان بالسنة الماضية بتكريم عوائل شهداء الكرد بالعقود السابقة في فلسطين العزيزة. وللدلالة على استمرار العلاقة القلسطينية الكردية، فان الكثير من قادة الكرد اعترفوا بعلاقات وثيقة بينهم وبين قادة الحركات الفلسطينية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وكانت لهم ولاحزابهم ولمجموعاتهم المسلحة من قوات البيشمركة صلات وثيقة وعلاقات ثورية مع فصائل وقادة منظمة التحرير الفسطينية، ومنهم خاصة علاقات جلال الطالباني ومسعود برزاني وعبدالله اوجلان مع القائد المرحوم ياسر عرفات والرئيس الحالي محمود ابو العباس وشخصيات اخرى على مستوى القيادة. وفي الاونة الاخيرة نجد ان ما جاء من اخبار عن قيام الرئيس التركي بتوطين خمسمئة عائلة فلسطينية في عفرين بكردستان سوريا، هو بلا شك عمل عنصري محسوب على الحكومة التركية، وعير محسوب على القضية الفلسطينية العادلة، فمقابل ذلك نجد ان القائد الفلسطيني خالد مشعل دعا تركيا وايران وسوريا الى حل القضية الكردية بالحوار السياسي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس لا ينسى انه أول رئيس من العالم العربي قد زار اقليم كردستان قبل سنوات معبرا عن فخره واعتزازه بما حققه كرد العراق. وللتأكيد فان ما يجري من اعمال عنف وعمليات عسكرية ضد اطفال فلسطين ونسائها ومدنييها ما هو الا عدوان على الانسان وكرامته، وهو سحق للحقوق الطبيعية للانسان، وما يجري من حرب بصواريخ متبادلة هي تفجير للمعاناة والماسي الانسانية، لهذا لابد من خطوة وقف النار بصورة عاجلة لانها بداية لوقف المأساة والمعاناة، وتمهيد لفتح الحوار لتحقيق خطوات السلام للشعبين الفلسطيني واليهودي، وثم السعي الجاد بمساندة المجتمع الدولي لتنفيذ خريطة قيام الدولتين لضمان حقوق الطرفين في الحاضر والمستقبل. وبالختام نقول، ان فلسطين لكرد العراق اقرب من حبل الوريد، والكرد للقلسطينين اقرب من حبل، فنأمل ان يعم فلسطين السلام بصورة عاجلة، ونأمل ايضا ان تستمع حكومات انقرة وطهران ودمشق الى نداء السلام الصادر من السيد مشعل لحل القضية الكردية في بلدانهم بالحوار السياسي المستند الى احترام حقوق الانسان وتحقيق الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والمواطنة الصحيحة بجميع صفاتها الوطنية والمدنية. والله من وراء القسد..


مينا العريبي في آخر أيام شهر رمضان الفضيل، شهدت مدينة كربلاء عملية اغتيال تظهر مجددا عدم احترام المجموعات المسلحة لأي مبدأ من مبادئ الإسلام، اغتيال رجل أعزل لا يحمل السلاح، ولم يقدم إلا كل خير لبلده. قتل هذا الشاب العراقي لأنه شكل تهديدا لكل من ينتفع من الفساد والسلاح الخارج عن سلطة الدولة. هزت هذه العملية العراق، إذ كان المستهدف الناشط المدني إيهاب الوزني الذي كان من أبرز الشباب الناشطين المطالبين بمنع هدر المال العام، وحماية البلاد من الفساد والميليشيات، ومنع التوسع الإيراني في البلاد. ترأس الوزني تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء، ومد جسورا مع الناشطين في مدن أخرى في العراق، ضمن الحركة الاحتجاجية المعروفة بـ«ثورة تشرين» التي انطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وقد نجا الوزني من محاولة اغتيال في ديسمبر (كانون الأول) 2019، ولكنه شهد مقتل رفيقه فاهم الطائي، أول ضحايا الاغتيالات التي استهدفت الناشطين العراقيين. لائحة أسمائهم تطول، إذ تعدى عدد القتلى بين صفوف المتظاهرين السلميين الـ700 منذ زمن، وكل منهم حمل رسالة تهدف إلى إنقاذ العراق من الفساد والمجموعات المسلحة والتوسع الإيراني في البلاد. قتل الوزني، مثلما قتل غيره، أمام منزله، وأمام كاميرات المراقبة. يبدو أن القتلة لا يخشون الكاميرات، ولا يخشون القوى الأمنية، لأن أمثالهم من القتلة لم ينالوا أي عقوبة. فقبل الوزني قتل المحلل الناشط هشام الهاشمي أمام منزله أيضا، وقد مر على مقتله عشرة أشهر من دون إلقاء القبض على قاتليه. سجل مقتل الوزني والهاشمي وغيرهما من قبل كاميرات المراقبة، وتنشر تسجيلات حادثة مقتلهما، مما يزيد شعور الحسرة والغضب في قلوب العراقيين. فما نفع كاميرات المراقبة إذن، إذا كان واجبها التقاط صور الجريمة من دون أي محاسبة، أو حتى من دون أن تكون رادعا لمن يفكر في القيام بمثل هذه الجرائم البشعة؟ فور الإعلان عن مقتل الوزني، أعلنت الحكومة العراقية عن فتح تحقيق بهذه الجريمة. ولا شك أنها ستفعل ذلك حقا، ولكن التحقيق لا يجلب نتيجة. فالتحقيقات السابقة التي خصصت للكشف عن المسؤولين عن اغتيال ناشطين عراقيين لم تخرج بنتيجة ملموسة، ولم يتم محاسبة من يقوم بإعطاء أمر الغدر. وكان الوزني نفسه قال في إحدى المظاهرات إنه سيحمل القوات الأمنية مسؤولية مقتل أي ناشط آخر، مطالبا بإزاحة من يفشل في حماية المدنيين، واستبدال من يستطيع ذلك به... «هناك كفاءات كثيرة بالبلد»، هذا ما قاله الوزني في تسجيل انتشر في حينها. المشكلة أن العراق بات بلدا لا تعني فيه التحقيقات الوصول إلى نتائج ملموسة، أو تشكل رادعا للقتلة. والدليل على ذلك أنه بعد 24 ساعة من مقتل الوزني، تمت محاولة اغتيال الصحافي العراقي أحمد حسن، عند نزوله من سيارته أمام منزله. وقد نجا بأعجوبة، لكنه ما زال في المستشفى يتعافى من إصاباته. اغتيال الوزني يأتي ضمن سلسلة اغتيالات ممنهجة مدروسة. حملة الاغتيالات تستهدف نوعا معينا من الشباب العراقي، وهو الناشط الشاب الذي يتمتع بمصداقية بين العراقيين، ويرفض المساومة على مفهوم المواطنة. الهدف يبدو منع ظهور شخصيات وطنية ترفض نظاما سياسيا مبنيا على الطائفية، ويقبل التوغل الإيراني في مفاصل الدولة كافة. عانى العراق من الاغتيالات الممنهجة منذ عام 2003، عندما تم استهداف مجموعات مختلفة من المهنيين العراقيين على يد مسلحين مجهولين لديهم أجندات خارجية. بدأت الحملة بالطيارين الذين حاربوا في حرب العراق وإيران، وقتل أكثر من 30 منهم في الأشهر الأولى بعد سقوط النظام السابق. وتم استهداف الأطباء والصيادلة الذين تمت تصفيتهم من دون أي رادع في أرجاء العراق كافة. لائحة الاغتيالات السياسية التي انطلقت في أكتوبر 2019 تصب في اتجاه الاغتيالات نفسها التي استهدفت المحترفين من أطباء وأساتذة جامعة وغيرهم في البلاد؛ الهدف إضعاف العمود الفقري للمجتمع العراقي، وكل من يسعى إلى بناء دولة مدنية ترفض التقسيمات الطائفية والوصاية الخارجية. قبل كل دورة انتخابات في العراق تتصاعد وتيرة العنف؛ هناك قوى تسعى إلى فرض نفسها على الساحة السياسية من خلال التخويف والترهيب. كما أن هناك قوى تريد أن تظهر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي غير قادر على حماية الشعب، مما يقلل من فرصه لتشكيل الحكومة المقبلة. وفي حين تدور هذه التطورات في الشارع العراقي، ينشغل الساسة باللقاءات المتصاعدة في البلاد؛ تظهر صورهم وهم يجلسون في قاعات فارهة، ويدلون بتصريحات حول نواياهم للانتخابات المقبلة. بالطبع، لا مانع من أن تجتمع القيادات السياسية في العراق، وأن تتبادل الآراء، وحتى أن تخطط للحصول على مناصب في الحكومة المقبلة. المشكلة هي أن المشاورات والاجتماعات لا تدور حول فكر سياسي أو برنامج حكومي، بل غالبا ما تدور حول كيفية تقسيم «كعكة السلطة». الحديث عن صفقات انتخابية بدأ فور إعلان الكاظمي عزمه إجراء الانتخابات؛ اليوم المشاورات تحتدم مع اقتراب موعد إجراء الاقتراع في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. في دورتي الانتخابات السابقة، لم يشارك غالبية العراقيين في الإدلاء بصوتهم في الانتخابات لأنهم لم يؤمنوا بأن صندوق الانتخابات سيجلب التغيير المرجو. ويدرك الساسة ذلك، لذا يسعون إلى جلب عدد من الناشطين والشباب إلى قوائمهم الانتخابية. أمام الناشطين الشباب ثلاثة خيارات: أولا تنظيم أنفسهم سياسيا تمهيدا لخوض الانتخابات، ولكن ذلك يعني الانخراط بعملية سياسية لم يطرأ عليها أي إصلاح ملموس. ثانيا الإعلان عن دعم قائمة أو جهة سياسية معينة، مقابل ضمانات جدية لمعالجة الفساد والطائفية وغيرها من مشكلات في العملية السياسية. أما الخيار الثالث فهو مقاطعة الانتخابات، والمطالبة بعدم إجراء انتخابات تضفي شرعية على نظام سياسي لا يختلف أحد على أنه أضر بالبلاد. وهذا الخيار هو الذي بدأ يطالب به الناشطون المدنيون، بعد أن سئموا من إمكانية إحداث تغيير للنظام الحالي، خاصة أنه لا توجد فرص متكافئة لكل الأطراف التي تخوض الانتخابات؛ هناك أحزاب استحوذت على الملايين من الدولارات يمكنها أن تنفقها في الحملات الانتخابية, وهناك أحزاب تدعمها ميليشيات مسلحة ترهب نسبة من الناخبين، وتدفعهم إلى التصويت لصالحها، وتستخدم السلاح وعمليات الخطف لإزاحة منافسيها في مناطقها الانتخابية. «كلا كلا للعملاء... كلا كلا للخونة» كانت هذه هتافات يرددها الوزني وهو يقود المسيرات في كربلاء. على من يؤيده ويريد أن يبقي ذكراه حية أن يرفض كل من خان العراق، وساهم في سفك دماء أبنائه، ويتصدى له من خلال صناديق الاقتراع.


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand