د. اراس حسين دارتاش  بصورة عامة... كنا نلاحظ،  ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولغاية منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، نوعا من الاستقرار الاجتماعي وحتى السياسي في معظم (( المجتمعات الغربية) التي نعتت إعلاميا وفي القاموس السياسي بـ(المجتمعات الديمقراطية)، حيث كانت تحكم من قبل الانظمة (افترضت) بانها ديمقراطية. نحن هنا لسنا بصدد تقييم تجربة تلك الانظمة الغربية بانها كانت ديمقراطية كاملةً ام نصف او ربع ديمقراطيةً، فلنترك هذا  للباحثين المختصين بهذا الشاًن. لكن.... تبدو ان ظروف تلك المجتمعات في (الديمقراطيات الغربية) اصبحت تشكل مصدرا لاًلهام المجتمعات الاخرى التي كانت تعيش في طل (الانطمة الاشتراكية) السابقة التي انهارت معظمها في بداية التسعينات من القرن الماضي تحت تاًثير (ايجابيات) المجتمعات الغربية تجاه (سلبيات) المجتمعات الاشتراكية. وكما اصبحت....ظروف المجتمعات الغربية، أيضاً، تشكل مصدراً لاًلهام معظم الشعوب الاخرى التي تعيش، في معظمها، في دول النصف الجنوبي للعالم في ظل الانظمة السياسية التي توصف بانها، كامل او نصف او ربع دكتاتورية ، والتي يفتقد فيها (الاًمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي) بصورة او اخرى، حيث اصبحت تلك المجتمعات الغربية محط أنظار الشعوب المتواجدة تحت ظل الانظمة السياسة التي تفتقد فيها (العدالة الاجتماعية و السياسية والاقتصادية) بقسط او اخر. على اي حال..... نحن هنا أيضاً، لسنا بصدد تقييم (الحالة المجتمعية و مستوى الديمقراطية) في هذه الانظمة الغربية ، بل ما يهمنا هو، بقدر ما يحصل فيها الان من الانقسامات الاجتماعية والسياسية والتردي الحاصل  في (الحالة  الديمقراطية)  فيها، التي تظهر في عدد من اعرق الديمقراطيات الغربية بدرجة او اخرى. حيث نلاحظ .... منذ النصف الثاني من العقد الحالي، هذا التردي في عدد من تلك الديمقراطيات خيب امال الشعوب المتواجدة  تحت ظل الانظمة السياسية التى تفتقر الى العدالة بأنواعها. وعلى سبيل الاستذكار لا الحصر ..... نحن لا ريد هنا ان نورد ما حصل من الانقسام في المجتمع الفرنسي بين التيار اليميني  والتيار الليبرالي في الانتخابات الاخيرة التي فاز فيها السيد ماكرون ومن ثم ما رافقها من تظاهرات عنيفة ومستمرة لحد الان، ولانورد ما حصل من الانقسامات قي المجتمع البريطاني ومووًسساته السياسية حول الخروج من منظومة الاتحاد الأوربي ولحد الان، ولا نورد هنا أيضاً التشتت و التفكك الحاصل في اتجاهات الدول الأوربية تجاه القضايا و الصراعات الدولية و الإقليمية التي تمسها، ولانورد هنا التلكؤ الحاصل في عمل و تمويل المنظمات  الدولية المتنوعة التي تشرف عليها الدول الغربية بدرجة كبيرة ، هذا ناهيك عن حدوث  الإرباك و العجز في عمل حلف الشمال الأطلسي تجاه الصراعات الدولية التي تمس مصالح الديمقراطيات الغربية . ما يهمنا هنا هو  ..... ما يحصل الان من  (انقسام أفقي ) داخل المجتمع الامريكي و ( انقسام عمودي ) داخل المووًسسات السياسية فيها المتمثلة بالحكومة و مجلسي النواب و الشيوخ و القضاء خلال  ( انتخابات ٢٠٢٠ ) ، و ما  رافقها من ادعاءات من قبل الرىًيس ترامب  ، حول قيام الحزب الديمقراطي و الأجهزة الانتخابية العائدة  له بعمليات التزوير لصالح ترشيح بايدن ، و قد اتهم ترامب مراراً حكام الولايات و محاكمها ، حتى الجمهورية منها ، بالنفاق و عدم النزاهة و التزوير  ......الخ من احداث غير  دستورية التي رافقت هذه العملية الانتخابية و التي هي معروفة للجميع باتجاه هدم العملية و المووًسسات الدستورية . على اي حال ....ان الرىًيس ترامب ، من دون عادة لبقية  الرووًساء ، استغل هذا الانقسام الحكومي و النيابي و القضاىًي بشاًن مصداقية نتاىًج انتخابات ٢٠٢٠ ، و اهم من هذا و ذاك  استغل الانقسام المجتمعي داخل المجتمع الامريكي ، من خلال الأصوات الموًيدة له و البالغة بحدود ( ٧٥ ) مليون صوت الذي يضم معظم ( التيار اليميني ) ، الامر الذي دفع به ان يدعو مناصره في يوم ( ٦يناير ) الحالي و من خلال خطاب مثير  لعواطف ، ان يقومو باقتحام مبنى مجلس النواب  خلال اجتماعه لمنع عملية تصديق نتاىًج الانتخابات لصالح الرىًيس المنتخب بايدن . خلاصة القول ...... أولاً - ان يوم ( ٢٠٢٠/١/٦ ) يعتبر مفارقة  تاريخية في مسيرة الديمقراطية الغربية لتنحدر نحو الهاوية تدريجيا و ان استمر الحال هكذا ، ان يطلب رىًيس اكبر دولة ديمقراطية في العالم من مواطنيه  ، كما يشاع ، باقتحام مبنى البرلمان الذي صادق عليه ديمقراطياً لكي يصبح رىًيساً لتلك الدولة ، الامر الذي جعل من ذلك البرلمان ان يعمل على اتخاذ اجراءات قانونية او ( ناقصة القانونية )  لعزله من الرىًاسة مرة اخرى . ثانياً- ان هذا التشنج و الانقسام المجتمعي و السياسي واصل الى مستوى مرعب و خطير  داخل النظام الامريكي ، بحيث ان (مكتب التحقيقات الفدرالي) قد حذر  من قيام جماعات يمينية متطرفة باحتجاجات ( مسلحة ) في العاصمة واشنطن في يوم تنصيب الرىًيس المنتخب بايدن رسمياً لاستلام مهام الرىًاسة في ٢٠ يناير الحالي، و ان الجيش لأمريكي ، و لأول مرة في تاريخ هذه الدولة ، يدفع بقواته الى واشنطن و (٥٠) مدينة بعواصم الولايات قبل مناسبة التنصيب ، و يوًدي  كل جندي في هذه الوحدات  ((القسم )) لحماية الدستور توخياً لحصول اي انقلاب عسكري داخل النظام الذي يفترض ان يكون ديمقراطياً . ثالثاً - و كذلك لأول مرة يحصل ان جميع القوات المسلحة الامريكية ( الشرطية و العسكرية )  تدخل في حالة التاًهب و الطوارىً لتاًمين هذه المناسبة و الممارسة الديمقراطية كأنها تستعد  لصد عدواناً عسكرياً متوقعاً . ثالثاً - و اغرب من هذا ، يبدو ان الامر خطير الى درجة ، فان واشنطن لم تكتفي بقوات الجيش و الشرطة العلنية و السرية لحماية المناسبة ، بل استدعت ( الحرس الوطني ) من ولايات أمريكية متفرقة لنشر  ( ٢٠ ألفاً ) من قواته في العاصمة واشنطن لنفس الغرض ، والمعروف  تاريخيا فان قوات الحرس الوطني كانت عبارة عن قوات ( ميليشياوية ) للولايات اضطر الكونكرس خلال عقود من الازمنة ان يوًطرها بإطار  من القوانين المتتالية لأجل كبح جماحها و انفلاتها بسبب حملها للسلاح ، و يفترض ان يكون عملها لمواجهة الاًزمات و الكوارث و التعامل مع الحشود المتظاهرين . باعتبارها قوة احتياطية موازية للجيش الامريكي . ختاماً......اذا كان حال من يقود الديمقراطية العالمية بهذه الصورة الماًساوية ، فكيف سيكون مصير الشعوب الاخرى المتطلعة نحو الديمقراطية و التخلص من استبداد انظمتها . و خير مثل يمكن من خلاله ان نفسر حالة الديقراطيةِ الامريكية الحالية هو : (( اذا كان رب البيت بالطبل ضارباً......فما شيمة أهل البيت سوى الرقص و الطرب ))... القصد هو : ((اذا كان رب الديمقراطية بالتزوير متهما ..... .. فما شيمة الشعوب المقهورة سوى  اللطم و البكاء)) ...  


 عبد الرحمن الراشد     على مدى عقود طويلة كانت الحياة في الولايات المتحدة تدور في فلك مريح محكوم بنواميسَ واضحة، وسائل الإعلام الكبرى ومصادر المعلومات الكبرى، وكالات الأنباء ومحطات الإذاعة والتلفزيون والصحف والإنتاج السينمائي والجامعات وحتى الكنائس والمعابد. الفلك الأميركي واسع وإلى حد ما حرٌ، وفيه هوامشُ كبيرة للأفراد والجماعات، وحرية الاختيار متاحة ضمن إطارها. وكانت هناك أحزاب شيوعية واشتراكية صغيرة جداً، ورغم حظرها إبان الصراع مع موسكو استمرت تعمل، وللشيوعيين مقرٌ بالقرب من «الوول ستريت»، القلبِ الرأسمالي النابض. وفيها أيضاً حزب نازي رغم أن ألمانيا النازية قتلت 400 ألف جندي أميركي في الحرب العالمية الثانية، ومسموح لهم بالدعوة وتسويق الكراهية ضد اليهود والسود. الحرية متاحة في الولايات المتحدة للجميع، لكنها دائماً تحت سقف محدود، حيث إن الدولة تبقى المهيمن ومركز الحركة، حيث لا يسمح لوسائل الإعلام مثلاً بأن تكون تحت هيمنة فرد أو شركة واحدة، ويمنع امتلاك محطة تلفزيون أو إذاعة من دون رخصة بدعوى أن «الشعب هو من يملك الموجات» أو الهواء. ولأسباب سياسية المجاميع المنبوذة لا تمنح رخصاً، وبالتالي تبقى صغيرة ومحاصرة. ومع التقدم التقني المعلوماتي، قررت السلطات تخفيف القيود حتى صار الشق أكبر من الرقعة، وصارت هناك محطات رقمية ووسائل شعبية كبيرة خارج سلطة القانون. في السنتين الماضيتين جرت عشرات الاجتماعات في الكونغرس وداخل اللجان الفيدرالية تبحث في كيفية السيطرة على الوضع، وأشهرها استدعاء قيادات شركات التقنية المعلوماتية الكبرى مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، بحجة أن الأعداء يحاولون التأثير على مجريات الانتخابات الأميركية، مثل الروس. وفي الأيام الماضية تطورت الأمور بشكل درامي وخطير، وجرت أحداث كثيرة منها ما هو معروف، مثل إجماع شركات السوشيل الميديا على منع الرئيس المنتهية ولايته من التعليق والتحريض والاعتراض، ومنها التحرك لقمع «الحريات غير المسؤولة». وسنشهد خلال الأشهر المقبلة نشاطات قانونية وسياسية لفرض المزيد من القيود على وسائل التواصل. الآن، أميركا تواجه عدوين إعلاميين خارجياً وداخلياً. العدو الخارجي تستطيع مواجهته من خلال تقليص عمليات التدخل السياسي. أما العدو الداخلي فهو الخطر الحقيقي، كما ظهر في اقتحام الكونغرس، وما اعتبر مخططاً للسيطرة، وانقلاباً على الدولة. هذا حصل من خلال استخدام الوسائل الخارجة عن السيطرة. وقد أثبتت السلطات الأميركية أنها تملك القدرة على إسكات من تعتبرهم خصومَ الدولة، حتى الرئيس نفسه، رغم سلطاته الهائلة، وجد نفسه محروماً من مخاطبة الشعب الأميركي. ولو استمر الخطاب المعادي لمؤسسات الدولة، الرئاسة والكونغرس والأجهزة التنفيذية والأحزاب، يحرك الجموع، فإن الدولة ستواجه مخاطرَ حقيقية، لهذا اتفق معظم الفاعلين، بما فيهم قادة الحزب الجمهوري، على لجم الرئيس والقوى المناصرة له. الرئيس ترمب، الأرجح من حيث لا يفهم، أطلق العنان للقوى الغاضبة الكامنة التي هبت لفرض ما تعتبره حقها، وهو بدوره لم يستطع إثبات ادعاءاته بالتزوير وسرقة الفوز من خلال القنوات الشرعية. لكن الولايات المتحدة بلد كبير من 328 مليون نسمة، وخليط من أعراق مختلفة، ومن دون ضابط لها فإن الفوضى حتمية ولا تحتمل الخلافات والتحريض الواسع. وسنرى لاحقاً أن المشرعين، والسياسيين، والعاملين في مجال «الأمن» السيبراني، سيضعون الكثير من القيود والعقوبات، وسيعودون إلى زمن السيطرة، من خلال تمكين المؤسسات الإعلامية الكبرى والقضاء على جيش النشطاء والغوغاء.


فرهاد حمزة ظهرت في قرن المنصرم عدة نظريات اقتصادية كانوا يتوقعون نضوب النفط في وقت ما ولكن لم تصدق توقعات جميعهم . (سبنسرديل ) احد الاقتصاديين الكبار يعمل لدى شركة ( B.P ) البريطانية قدم بحثا عام 2015 حول مصير النفط , في بحثه غير معظم مفاهيم التي كانوا يتحدثون عن نضوب النفط بل يتوقع نضوب الطلب على النفط , يقول ( اتوقع نضوب الطلب على النفط وبالنتيجة يهبط سعره) . يعتقد ديل بأنه هناك احتياطيا هائلا من النفط لم يكتشف بعد ويلبي حاجة الانسانية الى اليوم التي ينضب الطلب على النفط . بالرغم من ان سبنسر ديل لم يتحدث عن النفط في زمن فايروس كورونا ولكن الشركة التي يعمل فيها لها توقعات لسعر النفط ما بعد كورونا وهو 55$ لكل برميل من النفط , كذلك اوقف عمل البحث و التنقيب في المناطق ذات الكلفة العالية . نلاحظ بأن دول الاتحاد الاوروبي خصصت ميزانية كبيرة للابتعاد التدريجي عن استعمال النفط , كذلك ( جون بايدن ) الرئيس الامريكي خصص 2 ترليون دولار لتحسين البيئة والاهتمام ببدائل النفط . من المعلوم بأن اكثر من 70% من النفط تستهلك بقطاع النقل لهذا السبب بذل الدول الصناعية جهودها في تشجيع صنع السيارات الكهربائية بدلا من السيارات التي تعمل بالبنزين على سبيل المثال شركة (Tesla) بذل جهودا جبارة في صنع السيارات التي تعمل بالبطارية حيث اخترعوا بطارية مليون ميل وانشأءوا مصانع في عدة بلدان لهذا الغرض . لا يتوقع ابداً بأن يعود العالم الى ما قبل 2020 في استهلاك وقود الطائرات وحتى اذا زاد الطلب على الوقود يخترعون طائرات ذات استهلاك الواطئ للوقود . من جميع التوقعات نلاحظ بأن عام 2020 بداية نضوب الطلب على النفط ولا يتمكن دول اوبك بلاس ان يرفعوا سعر النفط مجددا كما فعلوه عام 2015 . من هذا نستنتج بان فايروس كورونا الذي غير مفاهيم كثيرة على الارض يصبح بداية لنضوب الطلب على النفط ولا يعود الايام التي كانت سعر النفط 100$


سوسن مهنا  كثير من الأخبار والروايات نُسجت حول شخص قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني، الذي حلّت ذكرى اغتياله الأولى في الثالث من يناير (كانون الثاني) الحالي. هذا القائد الغامض اكتسب شهرة عبر الإعلام العالمي، وإعلام "محور الممانعة" الذي أظهره كشخصية أسطورية مطلقاً عليه اسم "رجل الظل" و"الشبح"، وارتبطت هذه الشهرة بموقعه العسكري والأمني، ووُصف أيضاً بـ"قائد الانتصارات في العراق وسوريا ولبنان". هذا الرجل ترك أثاراً وبصمات في المشهد الإقليمي، وكان موضع إعجاب وذم وكره في الوقت نفسه، بحيث انقسمت الآراء حوله وكُتب الكثير عن حياته وكيف عاش وتنقل عبر الحدود كرجل "بلا ظل"، وهذا ما أعطاه قوة وغروراً بحيث أصبح يتكلم بطريقة مُستفزة ومُهددة للجميع في الأشهر الأخيرة من حياته. اغتيل سليماني في الثالث من يناير 2020 في هجوم لطائرة أميركية مسيرة بالقرب من مطار العاصمة العراقية بغداد. في كتابه "THE SHADOW COMMANDER", SOLEIMANI, THE US, AND IRAN’S GLOBAL AMBITIONS),  (قائد الظل: سليماني، الولايات المتحدة وطموحات إيران العالمية)، يقول الصحافي في "اندبندنت فارسية" والمؤرخ الإيراني أرش عزيزي الذي يعمل حالياً على أطروحة الدكتوراه في التاريخ ودراسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك، إن قتل سليماني "صدم الكثيرين"، "لقد تحرك بسلاسة عبر الحدود، كما لو كان يمكن أن يكون حاضراً في أكثر من مكان في الوقت نفسه. كان قائد الظل رجلاً بلا ظل. لكنه الآن مجرد جثة مشوهة". ويؤكد أنه لو لم يأمر دونالد ترمب باغتياله، لكان سليماني سيرشح نفسه للرئاسة عام 2021، وترك مقتله فراغاً هائلاً لم يتمكن خليفته حتى الآن من ملئه. الكثير من الأشياء التي لمسها كانت تقترن باسم القدس (القدس بالاسم العربي لها)، ثكنات تدريب القدس، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، وعمليتان في الحرب الإيرانية العراقية. من هو سليماني ولماذا أصبح بهذه القوة؟ ولد سليماني في قرية قناة مالك في محافظة كرمان الإيرانية في الحادي عشر من مارس (آذار) عام 1957، وفي تقرير لـ"Tablet Magazine" وهي مجلة يهودية - أميركية على الإنترنت، تحدث عن أهم ما ورد في كتاب عزيزي، تقول إن سليماني عانى من طفولة "ديكنزية"، إذ اتسمت بنقص المال والفرص بسبب وقوع الأسرة في ديون ثقيلة، ما أُجبر الشاب سليماني على ترك منزله والبحث عن عمل في مكان آخر، لا سيما في صناعة البناء، وحب الكاراتيه (وهذا ما غير حياته لاحقاً)، وولع بأزياء الرجال على غرار "سكارفيس"، والتطرف الديني. أثناء وجوده في كرمان، شهد سليماني ثورة 1979 الإسلامية. لم يلعب دوراً ملحوظاً في الانتفاضة، لكن مهاراته في الكاراتيه وكمال الأجسام أخذته لاحقاً إلى "الحرس الثوري الإسلامي" المشكل حديثاً. عندما غزا العراق إيران عام 1980، تحوّل الشاب سليماني من متحمس لصالة الألعاب الرياضية إلى جندي. في غضون سنوات قليلة كان يقود العمليات العسكرية. ومع الحرب الإيرانية - العراقية، سعى إلى مشاركة أوثق في الجبهة، بصفته عضواً في "الحرس الثوري الإيراني" الناشئ، وهي ميليشيا "نمت لتُلقي بظلالها على الجيش وتقزّمه... لم يخفِ سليماني الهادئ جداً طموحه. لقد خطط لجعل هذه الحرب حربه الخاصة". أُصيب في عملية "الطريق إلى القدس" التي حملت عنواناً كبيراً، والتي أدت بشكل متواضع إلى تحرير مدينة البستان من السيطرة العراقية. أعقبت استعادة خرمشهر، سلسلة من الأحداث الإقليمية كان من الممكن أن تنهي الحرب، إشارة إلى انتصارات إيرانية، ومحاولة فلسطينية لاغتيال السفير الإسرائيلي شلومو أرغوف في لندن، وما نتج من ذلك من توغل إسرائيلي في لبنان لطرد "منظمة التحرير" الفلسطينية. سليماني و"فيلق القدس" في عام 1998 تم تعيين قاسم سليماني لقيادة "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، ولكن لم يتم تخصيص الوحدة حتى عام 2001 لإحباط الخطط الأميركية في الشرق الأوسط. كما يشير عزيزي، فإن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الإرهابية في ذلك العام، جعلت طهران في صف واشنطن. اعتقدت إيران أنها ستسكتشف التعاون في الحرب على الإرهاب مع الأميركيين، لكن المفاجأة أن واشنطن أعلنت أن طهران جزء من "محور الشر". يكتب عزيزي، "لقد منح فيلق القدس التابع لسليماني العنان الآن من قبل كل من المرشد الأعلى والرئيس، لفعل كل ما في وسعه لتعطيل خطط الأميركيين". "الأميركيون يفهمون لغة القوة فقط، كما ذهب تفكير المرشد الأعلى. كان يجب ضربهم". سيُظهر الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 والانتفاضة السورية عام 2011، ما كان سليماني قادراً عليه. نما بثبات ليصبح أقوى رجل في إيران بعد المرشد الأعلى، وكان السياسيون الأقوياء، بمن فيهم الرئيس الإيراني، عاجزين نسبياً إلى جانبه، وأكسبته شهرته المتزايدة الكثير من المعجبين في الداخل، حتى بين أولئك الذين احتقروا النظام الحاكم. تسليح "حزب الله" و"حماس" لقد حقق التعظيم الذاتي والتسامح مع المذابح التي غُرست في شباب سليماني، أكبر مدى لها في تدمير سوريا من أجل دعم نظام الأسد، وشبه التدمير للبنان من خلال تسليح "حزب الله" ودعم هجماته على إسرائيل. كان سليماني أيضاً فخوراً بشكل خاص بدور "الحرس الثوري الإيراني" في تسليح "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين، وتدريب صانعي القنابل وضباط الخدمات اللوجستية على شن حرب صاروخية وهجمات انتحارية. ويقدم عزيزي رواية رائعة للهجوم الانتحاري الذي نفذته المجموعة الأخيرة في مطعم مكسيم في حيفا في أكتوبر (تشرين الأول) 2003، وبهجة "الحرس الثوري الإيراني" في الوقت نفسه بإراقة الدماء من غرفة آمنة لفيلق القدس في دمشق، "دان ياسر عرفات الهجوم بأشد العبارات، وكان الإيرانيون مبتهجين بالصدقية التي سيجلبها لهم". حرب العراق وتأثيرها في سليماني أظهرت حرب العراق شجاعة سليماني داخل نفسية الشاب المدمرة، دوره في عمليتي الفجر 8 وكربلاء 4 لوحظ مرتين، كلاهما كان كارثة. في الواقع، كانت الحرب الإيرانية غير المجدية ضد العراق من 1982 إلى 1988 "شنيعة"، وصفها جيمس بوكان الناقد والمؤرخ الأميركي بأنها "أعظم كارثة حلت بإيران منذ الغزوات المغولية"، لكن من وجهة نظر سليماني "العالمية" لم تكن هناك "كارثة" أو "ذنب". أيضاً في الوقت الحالي وبعد موافقة الأميركيين على الانسحاب من العراق، كانت الحرب الإيرانية داخل العراق جزءاً من "استراتيجية إيرانية إمبريالية راسخة للسيطرة على الأراضي الأجنبية من خلال الميليشيات القوية التي استجابت لطهران". وبعد "حزب الله" في لبنان جاءت "كتائب حزب الله" في العراق من بين آخرين، والتي تضمنت مقاتلين أفغان وباكستانيين جندهم عملاء إيرانيون بأموال إيرانية. "الحرس الثوري" وسوريا يقول عزيزي إن العديد من  قادة "القاعدة" الذين بقوا على قيد الحياة وجدوا ملاذاً في طهران. ويتابع أنه سواء كان سليماني وفريقه في "الحرس الثوري الإيراني" يفضلون الشراكة مع أسامة بن لادن، أو إذا كانت كلمات جورج بوش الرئيس الأميركي السابق، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر "قلة غير منتخبة تقمع أمل الشعب الإيراني في الحرية" و"السعي إلى الحصول على أسلحة نووية" ووصفه إيران "بمحور الشر"، هي السبب، فقد "نجا سليماني من احتمال الشراكة مع الولايات المتحدة حتى أوتيت المفاوضات ثمارها في ولاية باراك أوباما الثانية"، على حد تعبير عزيزي. كان من نتائج هذا التعاون، دعم نظام القتل الجماعي لبشار الأسد في سوريا، والذي التزم أوباما ببقائه في وقت مبكر من رئاسته، بالاعتراف بـ "المصلحة" الإيرانية التي يمكن أن تستوعبها الولايات المتحدة في مخططه للهيكلية الأمنية الإقليمية حينها، وهذا من شأنه أن "يوازن" القوة الإيرانية المعززة، التي تضمنها الولايات المتحدة، ضد حلفاء أميركا التقليديين وأعداء إيران بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج. لكن النظام الإيراني نفسه لم يكن مجمعاً على الإطلاق في "احتضانه الطاغية الوحشي والفاسد في سوريا"، يقول أحد أعضاء فيلق القدس: "كنا نعلم أن الأسد كان ديكتاتوراً بلا دين". "تذمر بعض الناس بشأن هذا في وقت مبكر. لكن عندما أصبح واضحاً أن القائد قرر شخصياً هذه الاستراتيجية، أطعناه جميعاً". علاقة سليماني بمحاولة اغتيال الرئيس اليمني السابق في مقابلة صحافية مع الكاتب عزيزي مع "مركز كارنيغي للشرق الأوسط"، حول ما ورد في كتابه عن أن سليماني أمر مباشرة بقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وما مدى عمق انخراط إيران في تفاصيل صنع القرار من قبل "جماعة أنصار الله" المعروفة بحركة الحوثيين؟". يجيب الكاتب "لقد قال لي اثنان من فيلق القدس معنيان بوضع سياسة إيران تجاه اليمن هذا بشكل منفصل. بالإضافة إلى ذلك، لقد قال مصدر في قيادة الحوثيين إن هذا كان طلباً من سليماني، وقد وافق عليه الحوثيون أنفسهم. وبالفعل لقد دفعتني الظروف التي وصفوها لي إلى الاعتقاد بأن المعلومات ذات صدقية. كما أنها تتوافق تماماً مع ما أعرفه عن سليماني وأسلوبه في اتخاذ القرار". وتابع "أما بالنسبة إلى الحوثيين، فعلى الرغم من وجود عدد متزايد من الإيرانيين الذين تم إرسالهم إلى اليمن، فإن مشاركة طهران لا تضاهي مستوى مشاركتها مع حزب الله، الذي أسسته إيران وتديره فعلياً سنوات عدة، ولا يزال يعتمد بشكل كبير على الحرس الثوري الإيراني". وأضاف "عندما يتعلق الأمر باليمن، فإن مشاركة إيران هي أكثر من مجرد ذراع. ولها عنصران أساسيان: محاولة مساعدة الحوثيين على أن يصبحوا أكثر تطوراً عسكرياً. ومحاولة منحهم أساساً أيديولوجياً أقوى". ويوضح "لكن أيادي فيلق القدس في اليمن والذين تحدثت معهم، كان لديهم نهج متعال تماماً مع اليمنيين، معتبرين أن التطورات في اليمن انتفاضة قبلية وليست إسلامية بشكل صحيح. ولا أعتقد أن إيران خصصت موارد كافية لزيادة نفوذها فيه". ثاني أقوى رجل في النظام وقت وفاته يقول المؤلف إنه في الصيف الذي سبق مقتل سليماني، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت عن خصمه القديم سليماني في مقابلة إذاعية، قائلاً "هناك شيء يعرفه، وهو يعرف أنني أعرفه، وأنا أعلم أنه يعرفه، وكلانا يعرف ما هو هذا الشيء". وأضاف: "ما هذا، هذه قصة أخرى". يقرأ عزيزي تصريحات أولمرت على أنها تهديد، وربما كانت كذلك، لكن وسط التهديدات المروعة والعنيفة التي انطلقت من طهران على مدى 40 عاماً (موجهة في الغالب إلى بلد أولمرت) يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق حسن الجوار، في المقابل كان سليماني يكره إسرائيل بهوس. يعتبر أرش عزيزي، أن سليماني، بعد 20 عاماً في الظل، بلغ ذروة نشاطه ما بين العراق وسوريا واليمن، وبدا أنه يستمتع بالحماية الفعلية للقوة الأميركية بعد الاتفاق النووي لعام 2015. وأصبحت تهديداته أكثر جرأةً، ووعد بـ "انتفاضة دموية" في البحرين في يونيو (حزيران) 2016، وسخر من الرئيس ترمب في خطاب متفاخر شهير في يوليو (تموز) 2018. لقد خلد بشكل غير شرعي زيارات مقاتليه من الميليشيات في العراق بصور شخصية (Selfies). وفي حين كان بن لادن يتعرض للمطاردة، بدا سليماني واثقاً من أنه ليس كذلك. ويستشهد عزيزي براين كروكر (السفير الأميركي السابق في العراق)، على أنه يلاحظ أن الجنرال "سمح لغروره بالتغلب على تقديره، خرج قائد الظل من الظل، لم يعش طويلاً خارج عالم الظلال".  ويكشف تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية نُشر في فبراير (شباط) 2019، عن أن واشنطن ارتكبت خطأ في العام 2007 عندما سنحت لها الفرصة باغتياله في العراق، ولم تنفذها. قوبل مقتل سليماني بالحزن والابتهاج داخل إيران. يصف عزيزي فرحة السوريين الذين تعرض بلدهم للهجوم من قبل نظام البعث وأسياده الإيرانيين. كان الإيرانيون، ولا سيما الشباب والباحثون عن الحرية، ليتذكروا عنف القوات شبه العسكرية ضد المتظاهرين الذي حرّض عليه سليماني شخصياً، وربما أعربوا عن تقديرهم أيضاً للصواريخ الأميركية التي أحرقته ووفرت لهم طموحه النهائي، "في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، طلب (سليماني) من بعض رجاله النظر في خوض الانتخابات الرئاسية".


  فائق يزيدي شهدت العاصمة الامريكية يوم الاربعاء 6/1/2021، تظاهرات واحتجاجات لم يسبق لها مثيل في بلاد العم سام، وصلت لحد اقتحام انصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى الكونغرس الذي كان يعقد جلسة مشتركة لمجلس النواب والشيوخ لفرز اصوات الناخبين الذين صوتوا في الانتخابات التي جرت يوم 3/11/2020، والتي فاز بها مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن. في الداخل الامريكي اتخذت جملة من الاجراءات لانهاء حالة الفوضى التي تسبب بها انصار ترامب والتي تعد سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث أعلنت عمدة واشنطن فرض حظر للتجوال وتبعه اعلان حالة الطوارئ لحين انتهاء ولاية الرئيس ترامب، وخلال اقتحام مؤيدي ترامب لمبنى الكونغرس دعا بايدن، ترامب ليطلب من انصاره العودة الى منازلهم وهو ما فعله ترامب، وعاد الكونغرس ليستأنف جلسته وصادق على فوز بايدن فيما اعلن ترامب مباشرة ان انتقالا سلسلا للسلطة سيتم يوم 20 كانون الثاني الجاري، وجل هذه الاحداث والتطورات ان دلت على شئ فهي تدل على ان هناك احترام للقانون والدستور والمبادئ العامة التي تسير عليها العملية السياسية في الولايات المتحدة.  في الخارج على عكس الداخل وتحديدا في منطقتنا كانت النظرة مغايرة للاحداث الامريكية، وكالعادة كان التهكم والتقليل من شأن الولايات المتحدة ابرز ما ميز هذه النظرة، واعتبار ما رافق التظاهرات من مقتل متظاهرين واعتقال العشرات منهم قمعا وخنقا للديمقراطية وان الولايات المتحدة نظامها قمعي والديمقراطية الامريكية خدعة وما الى ذلك من المفردات والخطاب المعبر عن حالة يأس وعداء لكل ما هو امريكي، حتى وان كان ذلك مخالفا للواقع.  تظاهرات واشنطن بكل تأكيد مثلها مثل تظاهرات العواصم والمدن الكوردية والعربية في منطقتنا لكن أسلوب تعامل الجهات ذات العلاقة بها هو المختلف، من دعا للتظاهرات وهو ترامب، حتى وان كان شبيها بأحد السياسيين لدينا ممن شارفت ولايته على الانتهاء ودعا انصاره للتظاهر في اربيل، الا ان ترامب احترم القانون في بلده ودعا انصاره للعودة الى منازلهم، ولم يحرضهم اكثر فأكثر ولم يحرك مجلس القضاء الاعلى ليفتي بأحقية بقائه في السلطة، بل لجأ للقضاء والقضاء نظر في طعونه ورفضها ولم يحكم بأهواء ترامب، في الطرف الآخر المؤسسات التشريعية والتنفيذية لعبت دورها واتخذت الاجراءات القانونية، بل وحتى ان الكونغرس علق جلسته لسويعات لكنه عاد وعقدها وصادق على فوز بايدن ولم يكن كما برلمانات منطقتنا يرفع جلسته لاشعار آخر او يغادر اعضاءه البلاد للخارج لحين عودة الهدوء، اي ان النواب والشيوخ التزموا بعملهم واثبتوا ان المؤسسة التشريعية يجب ان تؤدي دورها مهما كانت الظروف.  على مر التاريخ التظاهرات لا تكون سلمية واي انسان او مجموعة حين تتظاهر فهذا يعني انها غاضبة وبالتالي فإن الاحتمالات مفتوحة لما ستؤول له التظاهرات لكن يبقى تعامل السلطات والمؤسسات مع المتظاهرين هو ما يحدد آلية ومصير التظاهرات، في الولايات المتحدة اثبت الامريكيون انهم دولة مؤسسات وان الديمقراطية لا تعني تعريض حياة المواطنين وامن البلاد للخطر، بل ان الديمقراطية هي لخدمة المواطنين وتحسين حياتهم وفي حال خال لرئيس ان يتمرد على القيم والمبادئ الديمقراطية فإن مؤسسات الدولة قادرة على ايقافه عند حده دون الذهاب الى المواجهة وادخال البلد في الفوضي. في المشهد الامريكي هذا والذي يشبه كثيرا مشاهد وقعت في عواصمنا ومدننا، لنا دروس وعبر في كيفية ممارسة الديمقراطية واحترام القانون وكيفية اداء مؤسسات الدولة لمهامها وابعاد النظام السياسي والبلد عن الفوضى، وعلينا ان نستقيها بعيدا عن التقليل من شأن الديمقراطية الأمريكية لأنها بكل بساطة ليست كذبة بل هي تجسيد واقعي وحقيقي لمفهوم الديمقراطية، وما جرى من تظاهرات في واشنطن واقتحام الكونغرس محسوب للديمقراطية الامريكية وهو انتصار لها ولدولة المؤسسات في هذا البلد. ‌


 د. اراس حسين دارتاش في يوم ( ٦ نوفمبر ٢٠٢٠ ) نشرت المقال التالي حول مصير ديمقراطية واشنطن بمناسبة الأحداث الغير الاعتيادية التي رافقت العملية الانتخابية الامريكية ٢٠٢٠، وعلى ضوء الأحداث الجارية حول مبنى الكونكرس الامريكي ومحاولات اقتحامه من قبل أنصار الرئيس ترامب في هذه الليلة والتي تتم فيها المصادقة على نتائج تلك الانتخابات من فبل مجلسي النواب والشيوخ ، لحسم موضوع من سيكون الرئيس المقبل دستوريا،  اجد من المفضل اعادة المقال ومسببات حدوث هذا المفترق التاريخي في الديمقراطية الغربية ..!!. (( هل تلحق ديمقراطية واشنطن باشتراكية موسكو نحو الزوال والتفكك...؟؟ )). منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، بدأ العالم يشهد احداثا غير مألوفة على مستوى الدول والشعوب، و هي خارج المعايير المألوفة  ، و بدأت المنظمات  والأحلاف  و الإتفاقيات الدولية تفقد فعاليتها في توجيه التوازنات الدولية . تاريخياً أخفقت منظمة ( عصبة الأمم ) التى تأسست في عام ١٩١٨ في تحقيق الأمن و السلم الدوليين ونشبت الحرب العالمية الثانية بتفاصيلها المعروفة للجميع . وبعد انتهاء الحرب تاًسست ( منظمة الاًمم  المتحدة ) في عام ١٩٤٥ في مدينة ( سانفرانسسكو ) كبديل لمنظمة عصبة الاًمم الملغية، وبهدف ( كما يفترض ) تحقيق السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان ودعم القانون الدولي . فمنذ عام ١٩٤٥ ولغاية ١٩٩١ اصبح لغدد من ( المبادىء والآليات والأحلاف )  الدولية تلعب دورا واضحاً باتجاه تحقيق نوع من التوازن الدولى بين الاتجاهات المختلفة و مسائل حقوق الشعوب بصورة او اخرى ، و تتمثل اختصاراً بما يلي :- ١- آلية (الاًمم المتحدة) ومنظماتها المتنوعة التي حافظت بصورة ما على مسار التوازن الدولي وخاصةً بين المعسكرين المتصارعين آنذاك المتمثلين بالمعسكر الاشتراكي و المعسكر الديموقراطي . ٢- سيادة ( المبدأ الإشتراكي) المزعوم في العمل في الدول الاشتراكية بقيادة (موسكو)، باتجاه تحقيق مصالح شعوبها حسب قناعة تلك الدول في ممارسة الحكم . ٣- سيادة (المبدأ الديمقراطي) المزعوم في العمل في الدول الراُسمالية بقيادة (واشنطن)، باتجاه تحقيق مصالح شعوبها في ممارسة الحكم .  ٤- وكانت هناك (آليتين) الى جانب آلية الأمم المتحدة تلعبان دوراً بارزاً في المحافظة على مصالح تلك المجموعتين من الدول و شعوبهما، و تتمثل بكل من :- أ -آلية  حلف (الناتو) العسكري الذي تاأسس في (واشنطن) في عام ١٩٤٩، لاجل حماية (الحكم) في  الدول الديمقراطية.  ب- الية حلف (وارسو) الذي تأسس في  عام ١٩٥٥ لاأجل حماية (الحكم) في الدول الإستراكية . باختصار ......ما يراد ان نتوصل اليه انه رغم وجود كل هذه الآليات و منذ عام ١٩٤٥ و لغاية عام ١٩٩١ نرى ان طبيعة العلاقات الدولية لم تكن مستقرة بشكل مطلوب، واستمرت الصراعات والتوترات بين المعسكرين وكذلك بين الدول ضمن المجموعة الواحدة و كانت من نتائجها المعروفة مايلي :-  ١- تفكك  دولة الاتحاد السوفيتي و معها معظم دول المجموعة الاشتراكية . ٢- العزوف عن ممارسة (الاشتراكية) في العمل . ٣- انهيار حلف وارسو . ٤- الفقدان التدريجي لدور وهيمنة  الأمم المتحدة ومنظماتها على الصعيد العالمي . ٥- حصول التضارب و التناقض بين دول المجموعة الديمقراطية وضعف دور اتحاداتها . ٦- حصول الضعف والتردد في دور حلف الناتو العسكري في مسألة حماية مصالح تلك الدول . وأخيرا ..... ما يحصل الان من ممارسات غير مألوفة  في (انتخابات ٢٠٢٠) الأمريكية، سواء من قبل المرشحين الرئاسيين  او ومناصريهما، لامر غير معتاد وغريب ان يحصل مثل هذا الوضع المأزوم بكل سلبياته في اعرق دولة ديمقراطية في العالم . وكما يصف من قبل وسائل الإعلام و المسؤولين والسياسيين الامريكان أنفسهم فان هذه الممارسة الانتخابية  الحالية تتصف بما يلي :- — محاولات اقتحام مراكز الانتخابات . — محاولات ابعاد المراقبين من المراكز الإنتخابية . — غلق أبواب المتاجر بالحديد خوفاً من عمليات نهب مرتقبة . —  التهديد بالسلاح ونشر الرعب بين المواطنين . — حصول  عمليات التزوير والتلاعب بالاصوات وفقدان الشفافية . — احتساب أصوات غير قانونية  . — احتساب أصوات المتوفين . — حدوث  المظاهرات وأعمال الشغب والمشاجرات بين المؤيدين لكل طرف . — حصول استقطاب تام واحتقان حاد في الشارع وبين مؤيدي الطرفين، والتلويح بالحرب الاهلية . — انتشار المفارز الأمنية في المناطق الحساسة لمواجهة اي طارئ .  —اهم من هذا وذاك هو توجيه طعون قانونية مسبقة بنتائج الفرز قبل انتهاء العملية بكاملها، والتهديد بعدم تسليم او تداول السلطة سلمياً، ....الخ . خلاصة القول ..... ان الصفات اعلاه اللصيقة (بانتخابات  ٢٠٢٠) الامريكية لا تختلف عن تلك التي تجري في دول فوضى غير ديمقراطية، وهي تسجل بكل المقاييس خيبة أمل لمعظم الشعوب التي تنظر الى الديمقراطية الامريكية كمثل اعلى يحتذى به، وشوهت الصورة الحقيقية للديمقراطيات الغربية، او ربما بينت حقيفتها المزيفة . ختاماً .... رأينا عمليا  في عام ١٩٩١  (انهياراً)  في تطبيق (المبدأ الاشتراكي) بدءا (بموسكو) ومن ثم ( تفككاً ) في منظومة (الدول الاشتراكية). فهل من المتوقع ان تؤدي (انتخابات ٢٠٢٠) الامريكية الى حدوث (الإنهيار) في تطبيق (المبدأ الديمقراطي ) بدءا بواشنطن و (تفككاً) في منظومة (الدول الديمقراطية ) و تذهب امال الشعوب هباءً ......؟؟!!. دعنا ماذا سوف نرى بهذا الشأن ..!!.


عبد الرحمن الراشد وجد السياسيون المتضامنون مع الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترمب، أنفسهم بين خيارين؛ إما خسارة الحكومة أو خسارة الحكم، الأغلبية اصطفت مع الدولة، فالمؤسسة أهم من الفرد. ما جرى أمس في واشنطن قانوني، بما في ذلك الاعتراض على النتائج وضد ترئيس جو بايدن، باستثناء اقتحام الكونغرس وتهديد أعضائه. اهتزت صورة الولايات المتحدة، البلد الذي يفاخر بنظامه ويحاضر على الأمم الأخرى بأخلاقياته، لكن ما يقال عن انهيار الولايات المتحدة وحرب أهلية وفشل النظام السياسي، لا يمت للواقع هناك بشيء. أميركا بلد مؤسسات، ونظامها راسخ. وما فعله الرئيس ترمب وشكك ملايين الناس في النظام كان امتحاناً لمؤسسات الدولة التي تفوقت عليه في الأخير. هناك فارق كبير بين التنافس على الحكومة والصراع مع النظام السياسي. الدولة أكبر من الحكومة ومن الأحزاب، وهي تمثل المؤسسات المختلفة، الرئاسة والتشريعية والقضائية والحكومة البيروقراطية، والحكومات الفيدراليات، ونشاطاتها ومنشآتها المدنية والعسكرية. والمؤسسة العميقة، المتهم الرئيسي في نظرية ترمب المؤامراتية، هي الأجهزة القوية للحكم، سواء عسكرية أو أمنية أو اقتصادية أو سياسية، مثل الحزبين الحاكمين في أميركا. ومن الطبيعي، بغض النظر عن هراء نظريات المؤامرة، أن هذه المؤسسات ستحمي الدولة، لا الحكومة أو الرئيس، ولن تسمح لترمب أو غيره بتدمير الهيكل أو هزّ أركانه. لا توجد هنا مؤامرة، ترمب فاز بالرئاسة بفضل النظام الذي يهاجمه، سمح له بالترشح والفوز والحكم، مع أنه لم يعمل في حياته في السياسة. نفس النظام الذي أدخل ترمب البيت الأبيض هو النظام الذي يخرجه منه اليوم، من خلال القوانين. وحديثه عن التزوير وسرقة الحكم كلام بلا أسانيد موثقة. النظام الأميركي ليس بريئاً تماماً، فهو يصنع قادته ويسمح للمتنفذين بذلك من خلال التبرعات وقوى الضغط ووسائل الإعلام، ضمن منظومة تشريعات معقدة تنتج مخرجات محددة. ودائماً في داخل الولايات المتحدة فئات ترفض هذا النظام وتتمرد عليه، وقد ثارت عليه في الستينات وكانت ثورتها في حركة الحقوق المدنية أعظم مما شاهدناه اليومين الماضيين وعمت كبريات المدن. لكن النظام الأميركي أكبر منهم جميعاً ولديه القدرة على استيعاب الغاضبين وإشراكهم، لهذا رأينا باراك أوباما من الأفارقة الأميركيين وكامالا هاريس من أصول هندية جامايكية. للأميركيين، الدولة وسلامتها أهم من اعتراضات ترمب وجمهوره، وتلجأ السلطة إلى القوة لحماية نفسها، وإلى عزل الرئيس إن شكل خطراً على نظامها. الجمهوريون بأغلبيتهم وقفوا أمس في الكونغرس ضد رئيسهم لأنهم يعتقدون أنه أصبح يهدد نظام الحكم ويشق صف الشعب. وهم في البداية ساندوه في شكواه وشكوكه في سلامة نتائج الانتخابات. مكنوه من استخدام كل السبل القانونية، رفع 50 دعوى في المحاكم الفيدرالية وخسرها إلا واحدة، كانت على عدد صغير من الأصوات. وذهب للمحكمة العليا التي معظم قضاتها من معسكر ترمب، وهي الأخرى رفضتها. رفاقه وقادة حزبه الجمهوري أيضاً رفضوا اعتراضاته، حكام الولايات المعنية الجمهوريون أيضاً قالوا له إن ادعاءاته غير صحيحة. لا يعقل أن كل هؤلاء متآمرون ضده! الفارق أنهم أبناء المؤسسة الحاكمة وهو دخيل عليها، لكن ترمب يتفوق عليهم بشعبيته الجارفة ومع أن ما يقوله عن المؤامرة والتزوير أوهام، وربما هو مقتنع حقاً بصحتها. وهذا لا ينفي أن خصومه ثعالب يعرفون كيف يديرون المعارك والانتخابات أفضل منه بدليل أنهم سهلوا عملية التصويت بالبريد التي كانت لصالحهم، مستفيدين من ظروف الوباء، وهو نظام لم يعرف ترمب كيف يتحداه مبكراً ويقيده بحيث يحرم خصومه من استغلاله. النظام الأميركي، طالما أنه يملك آلة صناعية هائلة، وسوقاً اقتصادية غنية، وجامعات ومراكز أبحاث مبدعة، وأمة حية، فإنه سيبقى قوة متفوقة. وما حدث أخيراً فصل مخجل ومحرج وسيتجاوزونه.


باقر الزبيدي راهنت أربيل على عدة مشاريع سياسية، بالتعاون والتنسيق مع بعض دول الجوار والإقليم منذ ٩ نيسان ٢٠٠٣ وكان أخرها وليس أخيرها مشروع الإستفتاء لتقرير المصير عام ٢٠١٧ وفي موازات ذلك كان هناك مشروع تديره حكومة الإقليم وهو المشروع الإقتصادي الذي له رعاة إقليميون أبرزهم تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة والذي تستحوذ شركاتهما على النفط المستخرج من الإقليم وكان من أهم الأهداف التي سعى أليها ذلك المشروع وعلى مدى السنوات العجاف من الإرهاب وما تخلله من صراع طائفي إلى جعل أربيل مركز جذب لرؤوس الأموال العراقية ومقراً للشركات الوطنية والأجنبية العاملة في العراق بإعتبارها مكاناً آمناً، ومع الإستقرار التدريجي للوضع داخل العراق بعد القضاء على "د ا ع ش" ومن قبلها على القاعدة وأخواتها بدأت رحلة العودة للرأسمال الوطني وكذلك الشركات إلى بغداد وتوسعت إلى البصرة ومناطق أخرى من الوسط والجنوب، ولم يعد الإقليم يحظى بالمكانة السابقة من الناحية الإقتصادية، وكونه منصة إقتصادية يطل منها على منطقة ملتهبة مركزها بغداد والتي تحولت إلى محور إستقطاب للباحثين عن مزاد العملة ! والتجارة والإستيراد مما دفع بحكومة كردستان إلى التواجد في بغداد عبر واجهات ومصارف وشركات في بغداد وأخرى في البصرة تعمل في مجال النفط، وتأمل أربيل وفق تصوراتها وحساباتها عن المشاريع الواعدة في البصرة وفي مقدمتها ميناء الفاو الكبير وبعد أن بان عجزها المالي وإحتياجها الوجودي إلى بغداد أن تكون في مقدمة المستفيدين من مشروع (الحزام والطريق) في حال مروره عبر الإقليم وصولاً إلى سوريا أو صعوداً إلى تركيا وهو حلم لا يمكن أن يتحقق لأن الإقليم وقيادته السياسية تحديداً لم يعد موضوع ثقة بغداد بعد تحكمه بمقدرات العراق وثرواته وإستهانته بالحكومة الإتحادية في كل تعاملاته في الداخل أو مع الخارج لاسيما وان الخيارات مع تركيا متاحة لوجود مسافة تتراوح ما بين (8-9 كيلومترات) تحد محافظة نينوى بالجارة الشمالية تركيا وبما يتجاوز معبر  إبراهيم الخليل.


د. فرهاد علاء الدين    مع اقتراب الذكرى السنوية لعملية اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ورئيس اركان هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، تصاعدت وتائر الحرب الإعلامية بين واشنطن وطهران على نحو أثار قلق مختلف الأوساط. وقد تصدرت أنباء التصعيدات الأخيرة السوشيال ميديا وفي مقدمتها التغريدات الملغمة بالتهديدات من كلا الطرفين، حيث شهدت حسابات تويتر المرتبطة بالعاصمتين رسم ملامح لمواجهة عسكرية وشيكة. الجانب الأمريكي كثف من جانبه تحركاته العسكرية في منطقة الخليج ومضيق هرمز، عبر إرسال حاملات الطائرات المقاتلة الى جانب تحليق عدد من القاذفات العملاقة إنطلاقا من قواعدها في الولايات المتحدة الأمريكية لتتسيد سماء الخليج العربي في موجة إستعراض للقوة وعلى نحو متناوب طيلة الايام القليلة الماضية. فيما وصف الجنرال فرانك مكينزي قائد القيادة المركزية الامريكية هذه التحركات بأنها “رسالة واضحة الى كل من ينوي إستهداف مصالحنا أو إلحاق الأذى بالامريكيين، نحن لا نسعى الى نزاع ولكن لا يجوز لاحد ان يقلل من قدرتنا على الدفاع عن قواتنا او الرد بحزم على أي هجوم “. وبدورها عمدت طهران الى تأكيد قدرتها على التصدي لأي محاولة أمريكية تستهدفها، حيث تناوب العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين على إطلاق التصريحات المنددة بالتحركات العسكرية الامريكية الأخيرة في المنطقة، ملوحين الى عزمهم ليس على صد اي هجوم محتمل بل “الانتقام الشديد” أيضا، إذ قال قائد فيلق القدس إسماعيل قآاني في تغريده له نشرتها وكالة تسنيم الإيرانية “ان هذا الانتقام ذو وجهين، الأول هو الانتقام من القتلة والامراء، والثاني هو إخراج القوات الامريكية من المنطقة”. بل توجت هذه التصريحات بإطلاق هاشتاغ #اخراجالمحتلثار_قادتنا. مراقبون للوضع الأمريكي تركز إهتمامهم على إنشغال الإدارة الامريكية بمشاكلها الداخلية، حيث ينهمك الرئيس ترامب بكيفية اكمال المدة المتبقية من إدراته في غضون الأيام القليلة القادمة. والملاحظ أن جل اهتمامه انصب على الشأن الداخلي وما آلت أليه الانتخابات الرئاسية، فهو لازال يعتقد بأن لديه فرصة لقلب نتائج الانتخابات، وأن محاولته الأخيرة يوم 6 كانون الثاني تتمثل بإنتظار فرضية إحتمال عدم مصادقة الكونغرس الأمريكي على نتائج الإنتخابات، على الرغم من أن هذه الفرصة مازالت صعبة التحقق على أغلب الظن. لذلك فأن الرئيس ترامب يظهر وكأنه غير مكترث بالسياسة الخارجية بقدر إهتمامه على مايجري بالداخل الأمريكي، وأن من يقود هذه السياسة هم وزير الخارجية وبعض المستشارين الذين يريدون التصعيد في آواخر أيام إدراتهم. ويستبعد المراقبون العسكريون أي ضربة استباقية أمريكية على ايران، حيث قال الجنرال المتقاعد مارك كيميت، مساعد وكيل وزير الدفاع السابق ردا على سؤال: هل هناك أي فائدة عسكرية من توجيه ضربة لإيران في الأيام القادمة فأجاب: ” لا، لكن بالتأكيد أمريكا لن تقوم بضربة استباقية الا اذا كان هناك ضربة من ايران اولا، وفي هذه الحالة سيضطر أي رئيس امريكي للرد”. ولعل انسحاب حاملة الطائرات العملاقة نيميتز من الخليج عشية رأس السنة إشارة إيجابية على ان الولايات المتحدة لا تنوي توجيه ضربة الى ايران وانها ليست بحاجة الى هذه القوة العسكرية في المنطقة. الأعتقاد السائد للمهتمين بالشأن الإيراني يشير الى إيران دولة تحسب لكل خطوة حسابات دقيقة وعميقة، ومعروف عنها قدرتها على المطاولة والمناورة، لذا ليس من المعقول ان تذهب القيادة الايرانية نحو التصعيد العسكري لعدة أسباب منها أولا، ان الإدارة الامريكية الحالية تنتهي ولايتها خلال أقل من ثلاثة أسابيع، لتأتي إدارة جديدة أغلب مسؤوليها وخصوصا وزير الخارجية ومستشار الامن الوطني هم من ساهموا بشكل فعال في مفاوضات أمريكا مع الدول الخمس للوصول الى الاتفاق النووي. وثانيا ان كل الإشارات التي وصلت الى القوى الموالية لإيران في منطقة الشرق الأوسط تؤكد السعي نحو التهدئة وعدم التصعيد. وثالثا أن التصريحات الإيرانية التي تتحدث عن الثأر على المدى البعيد، إنما تهدف الى إدامة الزخم الإعلامي والتحشيد الداخلي لدعم النظام ومحاولة لكسب تعاطف الداخل الإيراني، وهذا التعاطف قد يخسره النظام في حال نشوب حرب مدمرة لايقوى عليها شعب عانى بشدة من قسوة العقوبات الإقتصادية المستمرة منذ سنوات. عليه فان طهران ستعطي الإدارة الجديدة في واشنطن فرصة إستعادة لغة الحوار والتفاهم الديبلوماسي، وفي حال استمرار سياسة الضغط والحصار الاقتصادي التي فرضتها إدارة ترامب، عندها ستلجأ بالتأكيد الى خيارات أخرى. لقد كانت الحكومة الإيرانية واضحة منذ بدء الحصار عليها عام 2017، بإنها لن ترضخ لهذه السياسة طويلا، مثلما رضخ العراق في تسعينيات القرن الماضي، بإنتظار أن تشهد البلاد ساعات الإحتضار القاسي تحت وطأة الحصار. لكن الإيرانيون تحملوا حصار السنوات الأربع بأنتظار رحيل الرئيس ترمب وهذا ماحصل بالفعل، ولو كان في نيتهم شن الحرب في محاولة لكسر الحصار والخروج من هذه العزلة الخانقة لفعلوها منذ بداية المواجهة مع الرئيس الامريكي. بالإضافة الى أن الإيرانيين اكتفوا بقصف قاعدة عين الأسد غربي العراق، كرد على إغتيال سليماني والمهندس، مما يدل على أنهم لايفكرون بالحرب عبر مواجهة مباشرة مع أقوى ترسانة حربية بالعالم قدر تفكيرهم بمغادرة العقوبات الإقتصادية المفروضة عليهم بإقل الخسائر. يبقى الإحتمال الآخر لبلوغ ذروة التصعيد العسكري الذي قد ينتهي الى إندلاع الحرب، يتمثل بقيام طرف ثالث والمقصود هنا إسرائيل بضربة لإيران او لقواعد وأهداف كبيرة تابعة لإيران في محاولة لجرها الى توجيه ضربة مماثلة لمصالح أمريكية في المنطقة. او اذا تم مهاجمة المصالح الامريكية من فصائل موالية لإيران في المنطقة واتهام ايران بهذه الضربات. برغم إمكانية وقوع أحد الإحتمالين أو كلاهما لكن كل المؤشرات القائمة تستبعد ذلك حتى اللحظة على الأقل. أن الحوار الديبلوماسي وإنتهاج سبيل التفاهم مازالا يمثلان الخيار الأفضل لجميع الأطراف. وفي حال تحقق الحوار بين الطرفين، فأن التوصل لحلول مناسبة من شأنها أن تنعكس على إستقرار المنطقة عموما، والعراق بوجه خاص، وبالتالي إستعادة السلام الذي سيشكل حتما بداية حقيقية وواعدة لإعادة البناء والتنمية والإعمار. لاسيما وأن دول المنطقة والغرب عموما اجمع دفعت ثمنا باهضا جراء الركود الإقتصادي الذي أصاب العالم أجمع منذ نحو عام كامل بسبب إنتشار وباء كوورونا ومن قبله موجات الربيع العربي والحروب الداخلية ومواجهة تنظيمات داعش التي اجتاحت دول عدة.


 ستران عبدالله فوت بيها وعلزلم خليها هذه كانت عنوانا لانشودة بعثية رددها مطرب بعثي قبل سقوط الدكتاتور صدام حسين في حرب العام ٢٠٠٣ ولان المطرب لم يكن جديا في دعوته لام المعارك الاخير لسيده ومولاه صدام فقط امكن تأهيله من جديد بعد الانفتاح العراقي فعاد الى موقعه في الفن المبتذل ليغني وصلة ( قلبي) مساهما في تدمير ماتبقى من الذوق الغنائي العراقي الذي كان يشهد له  القاصي والداني قبل سطوة البعث على العراق فنا ونفطا وسياسة. وترك المطرب المنكوب السياسة ونزالاتها للعراقيين الجدد على غرار المحافظين الجدد في الزمن الامريكي بتوقيت جورج بوش الاكثر اعتدالا قياسا بالزمن الامريكي الجديد بحسب  الساعة الترامبية. ولان الديمقراطية العراقية كانت (هدية الاجنبي) بوصف الدكتور فؤاد عجمي فأن العراقيين لم يقدروا الهدية التي وهبت لهم ففعلو بها ماقاله الشاعر الفيلسوف بيرميرد في نقده اللاذع عن ضياع خاتم سليمان على يد العابثين المحليين زمن مملكة الشيخ محمود الحفيد . وكرر الفضاء السياسي العراقي في عهد العراقيين الجدد بداية القرن الجديد  ما دأب عليه كرد بداية القرن العشرين  حيث خسروا التجربة وخسروا الخاتم الذهبي. وظهر بعد سقوط الصنم سياسيين من صنف من قال (ماننطيها) بالرغم الدستور والديمقراطية والبرلمان،  واخرون دخولها امنيين مع بعض بهارات الشعبوية في تظاهرات المنطقة الخضراء حيث حطموا كراسي مجلس النواب بذريعة فسادها وعدم فاعلية الديمقراطية الافرنجية وهم لهم حجتهم على كل حال لايصل الى حد التمادي في الشلع والقلع. وفي الوقت الذي كان فيه العالم يأمل ان تكون التجربة والخطأ ديدن العراقيين كما ديدن التجارب العالم الثالثية التي مازالت تحبو  لكي تستقر على حال افضل و اكثر جدوى للخصوصية الوطنية ،جاء رجل  من اقصى البحار وليس من اقصى المدينة ليقول كما قيل في العراق (ماننطيها) وليدعو انصاره الى فعل كل عمل شنيع  كما دعى احدهم يوما ما  انصاره في كردستان الى فعل كل مايستطيعون فعله دون وازع من خيار ديمقراطي او حلول سلمية للتجربة الهشة اساسا. يقول انصار ترامب (ماننطيها) ويدعو هو  جلاوزته الى خيار (فوت بيها وعلى الزلم خليها) دون الالتفات الى كون امريكا اصبحت على كبرها انموذجا للسياسة والحنكة الديمقراطية وهي مسئولة عن  الالهام السياسي اكثر من مسئوليتها تجاه امريكا نفسها. وفي كل الاحوال فيبدو ان الديمقراطية الغربية في اعلى مراحلها الامريكية  اصبحت منهكة كتجربة  قبل ان نسارع الى تسميتها بالمنتهكة انعكاسا لما جرى في هذه الليلة .  ويبقى سوأل برسم الغد و برسم العقد الثالث من هذا القرن: هل ان القرن الجديد كما القرون كلها لها استحقاقاتها المستجدة وان هذا القرن سيكون له خطابه وتجربته و كلامه المختلف ايضا؟  على كل حال ليلة  سعيدة للجميع


 باقر الزبيدي يتخوف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته ترامب من هجوم إيراني سيكون وصمة عار تختم فترته الرئاسية وتسقِط هيبة الولايات المتحدة في المنطقة والعالم. ترامب يعلم جيداً ان أي عمل عسكري على إيران سوف يكون مُكْلِف وسط معلومات تؤكد إنه يحاول إطالة فترة حكمه عبر صراعات داخلية ؟! أتمنى على السيد ترامب ان يقرأ التأريخ جيداً ليعرف مقدار شجاعة وعزم وصبر الشعب الإيراني والمعارك التي خاضتها الإمبراطورية الفارسية عبر التأريخ. ان أي تصعيد في المنطقة سوف يسبب أضرارًا جسيمة للسوق العالمية التي تعاني أصلًا من تداعيات كورونا،  وستحتاج أمريكا إلى فترة لا تقل عن 9 أشهر لتنظيف مضيقي (هرمز و باب المندب) من الألغام البحرية التي ستوقف 80% من صادرات النفط والغاز الذي تصدره الدول المطلة على الخليج يرافق ذلك كله تحرك لعدد من حلفاء إيران في العراق واليمن ولبنان وفلسطين وسوريا  مما سيزيد من حجم خسائر أمريكا وحلفاؤها. سوف يكون السيد ترامب في غاية السرور لو إنتهت العشرون يوماً من حكمهِ بدون أي عملية ثأر  إيرانية. وأنا على يقين ان عرّاب الإتفاق النووي جو بايدن سوف يعمل على إعادة الإتفاق الذي سيكون بداية لعودة الإستقرار والسلام للخليج والشرق الأوسط.


د. يحيى عمر ريشاوي  مع أن الرقم (2020) كان رقماً جميلاً وبراقاً، واحتفل به العالم أيما احتفال، وتفنن الجميع في عرضه وإبرازه، وذلك ليلة توديعهم لعام (2019)، إلا أنه وبالعكس من شكله الجذاب، فقد كان عاماً مليئاً بالآلام والأحداث المحزنة، عاماً للوباء الصحي والسياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي في العالم أجمع. فمنذ بدايات هذا العام عشنا شهوراً من آلام المرض، وفقدان الأحبة، وفوضى القرارات المتناقضة للدول والحكومات، والتخبط الواضح في التعامل مع المرض، وتجسد الضعف الإنساني في كيفية الوصول إلى علاج هذا الوباء الغريب والمستعصـي، إضافة الى أكاذيب الوصول إلى علاج سحري للداء، هنا وهناك! والأنباء المنتشرة حول دور بعض الدول والمنظمات والأشخاص في انتشار هذا الفيروس، والأرباح الفاحشة لبعض شركات الأدوية من وراء ذلك، وغيرها، وغيرها. عام (2020) كان عاماً كشفت السياسة فيه عن وجهها القبيح، وكيف تحولت العملية السياسية من عملية راقية هدفها خدمة البشـرية، إلى لعبة قذرة بيد أصحاب المصالح وذوي النفوذ في العالم، كما تجسد في تعامل الإدارة الروسية، ومعظم المنظمات الدولية، مع القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، وكذلك في أروقة السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكيفية تعاطي (دونالد ترامب) مع القضايا المختلفة، والمتعلقة بوباء كورونا، والعلاقات مع الدول الأخرى، وتعامله المتعصب مع السود، وأخيراً في العملية الانتخابية ومنافسته لـ(بايدن)، إلى حد السب والشتم وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات! والاقتصاد العالمي لم يكن حظه بأحسن من الواقع الصحي والسياسي: تدهور في أسعار النفط لم يشهده العالم من قبل، وازدياد غنى الأغنياء وفقر الفقراء في العالم أجمع، واستمرار موجات الهجرة من الدول (المفقَّرة والمجوَّعة!) إلى الدول الغنية والمهيمنة على اقتصاد العالم وخيراته، وكذلك ظهور فوضى العملات الإلكترونية، والصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين، الذي تمثل في السيطرة على فضاء الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى حد عودة الرقابة والاحتكار الإعلامي وغيرها. إضافة إلى هذا وذاك، فإن العالم في عام (2020) قد شهد بروز حالة من التعصب في التعامل مع المسلمين في أوروبا، جراء العمليات الإرهابية في بعض دولها، وكان عراب هذا التعامل المنحاز الرئيس الفرنسـي (ماكرون)، الذي خلط الحابل بالنابل، وأطلق تعميمات ليس على المسلمين فقط، بل على الدين الإسلامي! الأمر الذي خلق حالة من الاحتقان الديني بين المؤسسات الرسمية في فرنسا، وبين الجالية المسلمة هناك، والدول الأوروبية الأخرى. باختصار لم يكن عام (2020) عام فأل حسن، وعايش معظمنا فيه القلق والألم والحزن، عسـى ولعلنا نشهد في (2021) ما يسر ويرجع إلى النفس شيئاً من الطمأنينة وراحة البال.. عسـى ولعلّ! مجلة الحوار 


توني بلير   يجب تغيير سياسة التلقيح  البريطانية من أجل إعطاء جرعة واحدة لأكبر عدد ممكن من الناس بهدف إبطاء انتشار فيروس كورونا الآن وقد باتت لدينا تحورات ونسخ مهمة وجديدة عن فيروس كورونا هنا في المملكة المتحدة كما في جنوب أفريقيا، حيث يستدعي الموضوع قدراً أكبر من القلق، ازدادت الصورة وضوحاً، لا يمكننا القضاء على هذا الفيروس تماماً، وعلينا أن نتعايش معه، وسوف يرافقنا عدة سنوات على الأرجح، قد يتغير مثل الإنفلونزا، ويتطلب بالتالي تعديلاً مستمراً في طريقة مكافحتنا له، أما الاستمرار في مسارنا الحالي فيعني فرض حالة إغلاق صارمة إلى حين انتهاء التطعيم.  ولذلك يجب تغيير خطة التطعيم الحالية وتسريعها بشكل كبير. لو اتبعنا النهج الحالي، لن يحصل معظم سكان البلاد على اللقاح قبل الربيع أو الصيف. وسوف يكون الضرر الاقتصادي والصحي، والجسدي والذهني، الذي يتسبب به هذا الجدول الزمني، هائلاً. هذا أضخم التحديات التي تواجه حكومة على الإطلاق. وقد يكون لدى رئيس الوزراء وكبار مستشاريه معلومات لا أملكها شخصياً. إنما على صناع القرار عندنا أن يفكروا كثيراً في ما يلي. على وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية إعطاء الإذن للقاح أكسفورد أسترا- زينيكا في غضون أيام، كي يُضاف إلى لقاح فايزر. لدينا عدة ملايين من الجرعات، وقد يتوفر 15 مليون جرعة إضافية في يناير (كانون الثاني). هذا لقاح من جرعتين، لكن حتى الجرعة الأولى ستعطي كثيراً من المناعة، فيما تتحقق الفعالية الكاملة من خلال جرعة ثانية تُعطى بعد شهرين و ثلاثة، وهي فترة أطول مما اعتُقد سابقاً.  علينا التفكير في إعطاء كل الجرعات المتوفرة في يناير باعتبارها جرعات أولى، أي عدم إبقاء نصفها باعتبارها الجرعات الثانية. ثم مع إنتاج مزيد منها، سيكون لدينا ما يكفي للجرعة الثانية. ومن المفترض أن يصلنا ثلاثون مليون جرعة من لقاح جونسون آند جونسون (وهو لقاح من جرعة واحدة) بحلول نهاية يناير. علينا أن نضع نصب أعيننا ضرورة استخدامها كلها في فبراير (شباط). وعلينا الاستمرار بإعطاء الأولوية للعاملين في الخطوط الأمامية في مجال الصحة والناس الأكثر عرضة للخطر، لكن لا يجب أن يشكل هذا الأمر عائقاً يؤخر تطعيم الآخرين. بل يجب أن نصبو لإعطاء اللقاح إلى أكبر عدد ممكن من الناس خلال الأشهر المقبلة. والحجة المنطقية التي تحكم شرط السن، هي طبعاً زيادة خطر الموت. لكن إن كان انتشار العدوى ما يقلقنا، سيكون من المنطقي أن نلتفت إلى مسألة تطعيم من ينشرونها، لا سيما بعض المجالات المهنية المحددة أو الفئات العمرية مثل الطلاب. فلنُعد التفكير في الخطة العملية اللوجستية كي نتأكد إن كان بإمكاننا زيادة رقعة التطعيم. وفي حال توفر اللقاحات، سيكون من  المستحيل فعلاً (نظراً لخطورة محنتنا) أن نتمكن من تلقيح أغلبية السكان بحلول نهاية فبراير؟ جدوا حلاً لمشكلة الفحص الجماعي! أعلم عما يقال من كون اختبار المستضدات السريع غير دقيق بما فيه الكفاية. ورأيي الشخصي (بناء على الأبحاث التي أجراها معهدي) هو أنه أجل، لا شك أن فحص اختبار التفاعل المتسلسل للبوليميراز PCR هو المعيار الذهبي الأفضل، لكن لاختبارات المستضدات السريعة دوراً مهماً تؤديه. في ليفربول (التي لا تزال في المستوى الثاني) أجرت الحكومة تجربة اختبار الفحص الجماعي وتبين فيها أن 25 في المئة من كافة الإصابات المؤكدة وُجدت في ناقلين للمرض لا تظهر عليهم الأعراض، وقد اكتُشف ذلك من خلال اختبارات التدفق الأفقي السريعة.  على المستوى الوطني، يمكن أن يكشف ذلك مكامن انتشار العدوى الكبيرة ويحد منها. لا شك أن احتمال ظهور نتائج سلبية كاذبة موجود في الاختبارات السريعة، لكن في الوضع الراهن، كل حالات الإصابة بكوفيد التي لا تظهر عوارض مرض، ولم تُفحص هي فعلياً نتائج سلبية كاذبة. قد يكون لدى شخص ثلاثيني مصاب بكوفيد ولا تظهر عليه علامات المرض ولا يعلم بوضعه، كمية كبيرة من الفيروس ويُحتمل أنه يساعد الفيروس على التحور. فلنرفع إنتاجية الأدوية العلاجية التي تنقذ الحياة، ولنعطِ كل مريض الفرصة للاشتراك في تجارب الأدوية. البيانات، نحن بحاجة لأفضل نظام بيانات موجود في العالم ونحتاجه الآن. أرجوكم ألا تصدقوا أن أنظمتنا الحالية مناسبة. ليست كذلك. وهذا يعود إلى تحور الفيروس، وإلى أننا سوف نتعلم أكثر بكثير في العام 2021 مما تعلمناه في العام 2020. علينا حفظ وجمع كل ما قُدم من اختبارات ولقاحات وأدوية في سجل واحد.  حضروا لنوع من جواز السفر الصحي الآن. أعلم ما هي الاعتراضات كلها، لكن ذلك سيحدث. وهي الطريقة الوحيدة كي يستمر العالم بالسير والعمل، وكي لا يعود الإغلاق  السبيل الوحيد  للتصرف. لا شأن للسياسة بهذا الموضوع. كل ما أريده هو أن تنجح الحكومة في التغلب على هذا الفيروس. لكن لا مجال للخطأ في خطة التطعيم هذه.   


مينا العريبي كان عام 2020 حافلاً بالأحداث والتطورات، خاصة بسبب وباء «كوفيد-19»؛ توفى نحو 1.7 مليون شخص حول العالم بسببه، وخسر الملايين وظائفهم ولقمة عيشهم، ودخلت مفردات في لغتنا اليومية، مثل الجائحة والكمامات والتطعيم وغيرها، وأصبحت محور اهتمام غالبية الناس حول العالم. ندخل عام 2021 وما زال الطريق طويلاً قبل التعافي من هذه الأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية. لكنَّ هناك دولاً تمرُّ بأزمات ضخمة تقلل من أهمية تبعات الوباء، بسبب المشكلات اليومية التي تواجه شعوبها. في مقدمة هذه الدول العراق الذي من الصعب معرفة حقيقة مدى تفشي الوباء، أو رصد عدد الوفيات فيه من جراء «كوفيد-19»، بسبب شبه انهيار المنظومة الصحية في البلاد، رغم الجهود الجبارة للأطباء العراقيين. استيقظ العراقيون صباح 1 يناير (كانون الثاني) لعام 2020 على وقع تداعيات الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد في الليلة السابقة من قبل أحزاب وميليشيات موالية لإيران. وبعد يومين، جاء الرد الأميركي عبر صاروخ قضى على زعيم «فيلق القدس» قاسم سليماني، والرئيس الفعلي لـ«الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس. كان استهدافهما تذكيراً من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنها مستعدة لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد من يهدد مصالحها مباشرة. وأعيدت الحسابات داخل العراق، إذ توقع بعضهم أن يتخذ الأميركيون إجراءات إضافية ضد الميليشيات، بينما زاد معارضو واشنطن من مطالبتهم بإخراج القوات الأميركية من البلاد، سعياً لتدارك الوضع. وتكلَّلت تلك المطالب بتصويت البرلمان على قرار يطالب بسحب القوات فعلياً، الأمر الذي يتماشى مع سياسة ترمب العامة التي تسعى لإعادة القوات الأميركية إلى البلاد. ورغم اهتمام الشارع العراقي بهذه الأحداث، فإنه لم يكن يتوقع خيراً منها، إذ إن هذه الصراعات لا تهدف إلى حل مشكلات الشعب، أو تحقيق مطالبه التي أهمها العيش بسلام، والحصول على لقمة العيش بكرامة، وهما الأمران اللذان يمنعهما الفساد والعصابات المسلحة. المظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير والإصلاح في العراق التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ما زالت مستمرة، وكل العوامل التي دفعت بالعراقيين إلى التظاهر والمطالبة بالتغيير ما زالت قائمة، رغم استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. لم يتم الاتفاق على خلفه، مصطفى الكاظمي، حتى أبريل (نيسان) 2020 بسبب الصراعات حول المصالح الحزبية، لا الاختلاف على التوجه السياسي المطلوب لينهض البلد مجدداً. وجاءت تسمية الكاظمي بعد مساعي الرئيس العراقي برهم صالح لاختيار شخصية جامعة لم تتسلَّم منصباً حكومياً سابقاً، ولا تأتي من حزب سياسي معين، تماشياً مع مطالب المتظاهرين الذين مات من بين صفوفهم أكثر من 700 شاب بحثاً عن مستقبل أفضل لبلادهم. كان هناك تفاؤل حذر ملحوظ بتنصيب الكاظمي الذي وصف بأنَّه وطني، غير طائفي، ساعٍ لتحسين الحياة المعيشية للعراقيين، حريص على صيانة سيادة الدولة. ولكن كان هناك من يخشى من مجيء الكاظمي وإحداث التغيير السياسي، لأن ذلك البرنامج الحكومي يستهدف الفساد والعصابات. فعمل هؤلاء، خاصة أتباع الميليشيات والخارجيين عن القانون، منذ اليوم الأول على إضعاف الحكومة. مرَّت أسابيع والصواريخ تستهدف السفارة الأميركية والمنطقة الخضراء للضغط على الحكومة، بينما استمر الفساد، وتصاعدت الأزمة المالية العالمية، وبقت أسعار النفط منخفضة. فور وصوله لرئاسة الحكومة، تحدث الكاظمي وفريقه الحكومي عن الأزمة المالية التي تواجه البلاد، والإصلاحات الضرورية لمعالجتها. وأصبحت «الورقة البيضاء» التي قدمها وزير المالية علي علاوي تجسد الإصلاحات الضرورية لإنقاذ الاقتصاد العراقي؛ الإجراءات التي طرحها الوزير علاوي نظرياً سليمة وأساسية لنهوض الاقتصاد، وتتماشى مع مطالب المؤسسات المالية العالمية، لكن الأمر النظري شيء والواقع شيء آخر. فعلى سبيل المثال، تقليص إنفاق الدولة على رواتب الموظفين الحكوميين مهمة، ولكن فقط عندما تكون هناك بيئة لنهوض القطاع الخاص محمية من تهديدات العصابات والرشى. وعمليات تهريب النفط، والتلاعب بأموال الدولة من خلال الرشى وعدم دفع الجمارك للدولة، واستيراد المنتجات الإيرانية بأضعاف سعر السوق (خاصة الغاز الذي يحرقه العراق)... كلها مستمرة. وقد ارتفع معدل الفقر في هذا البلد الغني إلى 40 في المائة من سكانه. واتخذت الحكومة قرارات عدة لسد العجز المالي لموازنة عام 2020 الذي تجاوز 65 مليار دولار، آخرها قرار تخفيض سعر صرف الدينار العراقي من 1190 ديناراً عراقياً في مقابل الدولار الأميركي إلى 1450 ديناراً. بين ليلة وضحاها، خسر الدينار العراقي نحو 23 في المائة من قيمته، والمتضرر الأول الفرد العراقي الذي يتعامل بعملة بلاده لا بالعملة الصعبة. حدثت بلبلة شديدة في الشارع العراقي، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بنسبة تصل إلى 50 في المائة. لا تلجأ الدول لتخفيض عملتها إلا بعد أن تستنزف كل الإجراءات الأخرى؛ لم يحدث ذلك في العراق، فتحمل الشعب العراقي مجدداً تبعات قرارات سياسية غير مسؤولة. الكاظمي جاء للحكم بطموح كبير، ووعود بتغييرات لطالما انتظرها الشعب العراقي، من بينها التصدي للفساد والسلاح الخارج عن الدولة، ووقف التهريب عبر الحدود، والأهم من كل ذلك صيانة سيادة العراق. وعلى الرغم من نوايا الكاظمي، بعد أكثر من نصف سنة من تشكيل حكومته، لا يوجد مسار واضح حول كيفية تطبيق هذه الأهداف. ومن المتوقع خلال الأيام المقبلة أن تزيد الميليشيات الموالية لإيران من إطلاق الصواريخ على السفارة الأميركية، ومقار الحكومة العراقية، ضمن الحملة الإعلامية لها، والادعاء بأنها تأخذ بثأري سليماني والمهندس، تزامناً مع الذكرى الأولى لمقتلهما. وعلى الرغم من بيانات الاستنكار والاستهجان، ليس بيد رئيس الوزراء الكثير الذي يمكن أن يقوم به لمنع الصواريخ أو عمليات الاغتيال والاختطاف المستمرة في البلاد. وما زال قتلة الناشط العراقي هشام الهاشمي طلقاء. شعبية الكاظمي داخل العراق تتراجع، ولكن للإنصاف لا يمكن لومه بمفرده، أو تحميله مسؤولية الدمار الذي تعيشه البلاد. وجاء قرار تخفيض سعر صرف الدينار ليدفع العراقيين للتساؤل عما إذا كانوا ينهون عام 2020 بوضع أسوأ من ما بدأوا به العام -ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟ * نقلا عن "الشرق الأوسط"


عادل عبد المهدي 1- الأصل تاريخياً في العملة إنها سلعة. فكان الناس يقايضون سلعهم وخدماتهم بسلع وخدمات الآخرين . 2- توسعت الأسواق وكثرت السلع والخدمات ولم يعد عملياً التعامل سلعة بسلعة. فتوجه الناس إلى سلع يسهل حملها وحفظها وتجزئتها فكانت السلع المعدنية. فولدت العملة المعدنية من الذهب والفضة والنحاس وغيرها، والتي تحمل قيمتها بقيمتها. 3- كثرت المعاملات فبدأ الناس يحتفظون بذهبهم أو معادنهم في بيوتات، ويصدرون وثيقة أو شهادة بقيمة موجوداتهم المعدنية من الذهب والفضة، فولدت المصارف والأوراق النقدية المغطاة بالخزين أو الاحتياطيات أو الغطاء المعدني، فاصبحت هي "المعادل" الذي تتوازن فيه قيم السلع والخدمات والأعمال ، الخ. 4- لاحظت البيوتات المالية أو المصارف إن الناس الذين يودعون الذهب أو الفضة لديها لا يسحبون أموالهم دفعة واحدة، بل إن القسم الأكبر يدخرها، مما سمح لها بأن تصدر أوراقًا نقدية Banknotes بدون أن يكون لها غطاء حقيقي. أي صارت تستثمر أموال غيرها، وتحقق لنفسها أرباحا تفوق بكثير أرباح العمولات التي تستحصلها من إيداع الأموال لديها. 5- تطورت الحياة الاقتصادية أكثر كما تطور الفهم والتجربة لدى البيوتات والمصارف والحكومات والدول، أي كل من يمثل السلطة النقدية بأن العبرة ليست بالمعدن ، بل بالمعاملات من السلع والخدمات التي ينتجها ويتداولها الناس. وإن العملة ما هي سوى "معادل" بات مقبولاً لدى الناس، لما يعادل قيمة هذه المعاملات. وإن واجب السلطة النقدية هو اصدار أوراق تعادل الحاجة لانسيابية وحسن تداول السلع والخدمات. فإن أصدرت أكثر فسيكون هناك تضخم ،وإن أصدرت أقل فسيكون هناك انكماش. أو ما اسماه "المقريزي" ابن القرن الخامس عشر بـ"رواج الفلوس" للاول، و"كساد الفلوس" للثاني، وذلك مع كثرة لجوء سلاطين ذلك الوقت بسد عجز خزائنهم باستخدام "الكاغد" كورقة للتعهد بالسداد، أو ما نسميه اليوم بالأوراق المالية. 6- العملة السلعية أو المعدنية تحمل قيمتها معها ،لذلك يطمئن لها الناس، أما العملة الورقية فلابد من توليد الثقة بها لتستقر وتصبح اداة أساسية للتداول. سيفرح الناس إن استيقظوا يوماً ووجدوا أن قيمة عملتهم قد إرتفعت ، وهذا أمر قليل الحصول، لكنهم غالباً ما يصدمون ويحزنون عندما يستيقظون يوماً ويجدون أن  قيمة عملتهم قد هبطت، فتراجعت بالتالي موجوداتهم وقدراتهم الشرائية الحقيقية. عدا ذلك فإن الأسواق والنشاطات الاقتصادية خصوصاً المتوسطة والطويلة الأمد تحتاج إلى استقرار قيمة العملة ليقدم الناس للتعامل معها وليس مع غيرها. 7- خلاصة القول ؛إن احتياطي العملة أو غطاءها الذي كان قديماً شرطاً "سابقاً" لاصدار العملة الورقية تطور خلال العقود الأخيرة-خصوصاً بعد التخلي عن قاعدة الذهب وفق "بريتون ودز" بعد الحرب العالمية الثانية وكذلك في بداية السبعينات بعد أن انفك الدولار عن الذهب- إلى امكانية أن يصبح حقيقة "لاحقة" لاصدار العملة أو عرضها. فالاحتياطي أو الغطاء تحول بالتدريج في معظمه إلى حالة افتراضية وإلى نسب ومعادلات لتحديد حجم عرض العملة بما يجب أن يلبي الحاجة لحركة انتاج وتداول السلع والخدمات. فليس كل وحدة نقدية صادرة يقابلها بالضرورة ما يعادلها من احتياطات حقيقية. فظهرت نظريات وممارسات عديدة تذهب للتجريد والافتراضيات أكثر من البقاء ملتزمة الياً بالاحتياطيات وقيمها. واخذت البنوك والسلطات النقدية تكثر من اصدار العملة باشكالها المختلفة ومنح التسهيلات المصرفية والائتمانية بدون غطاء أو احتياطيات مقابلة تطابقها، وهذه الاصدارات بعضها مبرر ومشروع وبعضها غير مبرر وغير مشروع. 8- مبرر ومشروع ،لأنه يجلب الفوائد إن  ذهب إلى عالم المعاملات وانتج المزيد من السلع والخدمات التي ستسد الفجوة بين الاحتياط أو الغطاء الافتراضي مع الكتلة النقدية وعرض العملة، فيعود التوازن الذي اختل بعد فترة من الزمن. انه كالدفع الآجل والعاجل اللذين محورهما قيمة العمل المقدم. 9- وغير مبرر وغير مشروع فيجلب الاضرار ،إن ذهب للمضاربات والاثراء والنزعات الربوية وجمع الأموال والتضخم المفرط المنفلت، بدون أن يقابل ذلك كله عمل وانتاج حقيقي للسلع والخدمات، فتزداد الفجوة بين حجم السلع والخدمات وعرض العملة، فتحصل الأزمات وتنهار قيمة العملة كما إنهارت قبل 2003، بل فقد الناس الثقة بها فتعاملوا مع عملات اجنبية يثقون بها أكثر . فاصبح لدينا دينار "رانك زيروكس" والدينار السويسري والدولار والليرة التركية والريال الايراني، وهلمجرا، والذي كلفنا كثيراً قبل أن نعيد الثقة للدينار وتوحيد كل المعاملات والحسابات الوطنية بموجبه. 10- وفي العراق، برغم ادعاءات مجمل نظمنا التي مررنا بها خلال القرن الحالي والسابق، بأننا تحررنا وحررنا عملتنا الوطنية لكننا ما زلنا نعمل بممارسات قديمة يوم كان الدينار مرتبطاً بالجنيه الاسترليني، اي إن عملتنا لا ترتبط بانتاج كافة السلع والخدمات التي ننتجها بل ترتبط بغطاء، وهو اليوم الدولار اساساً الذي يمتلك البنك المركزي احتياطات قدرت بداية 2020 بما يقارب 67 مليار دولار، مما يضع العراق في المرتبة الثالثة عربياً، وسبائك الذهب (نمتلك منه 96،3 طناً ونحتل المرتبة 35 عالمياً والخامس عربياً). وسبب ذلك اننا دولة ريعية نفطية، وإن  النفط يباع بالدولار، لذلك باتت احتياطاتنا التي هي المؤشر الأساس لاصداراتنا النقدية تعتمد على ما لدينا من دولارات أو قطع اجنبي أساسا أو ما نشتريه ونخزنه من ذهب، يجب أن تكفي لنصف عام على الأقل من استيرادات ضرورية للبلاد بحسب معادلات صندوق النقد الدولي. 11- الموازنة تعتمد على ذلك، والاقتصاد يعتمد على ذلك، والمرتبات والحقوق ومستحقات المزارعين والمقاولين كلها تعتمد على ذلك، باختصار الأسواق بمجملها تعتمد على ذلك. فعندما فرض الحصار وتوقفت الصادرات النفطية تراجع الدينار من 0،333 دينار للدولار إلى 3000 دينار للدولار. وعندما تنخفض أسعار النفط أو تنخفض صادراتنا يتراجع كل شيء ولا يقف أمامه اقتصاد وطني معادل يستطيع عبور الأزمة وتلافي تداعياتها، وحماية العملة الوطنية التي هي عنوان أساسي من عناوين السيادة والاستقلالية. 12- لهذا هيكَلنا صندوق النقد الدولي أو هيكْلنا أنفسنا أمام صندوق النقد وفق هذه المعادلة القاتلة التي لا مخرج لها إن لم نعالج الحقيقة النقدية بالحقيقة الاقتصادية. فصارت الحقيقة النقدية خانقة بالمطلق للحقيقة الاقتصادية وحاجزاً أمامها. بينما الصحيح إن الاقتصاد هو الأساس وليس العملة أو النقد. وإن العملة يجب أن تكون بخدمة الاقتصاد وليس العكس. 13- لهذا بقي اقتصادنا يعتمد العملة الورقية Cash Economy، مع ثروات عظيمة تقف خارج المصارف، خائفة من الاجراءات التعسفية لتصبح هذه الأموال أقرب لتفشي الفساد وللاكتناز منها للاستثمار واطلاق دورات الانتاج الموسعة وتحقيق التقدم والنمو المستدام. ولهذا بقي ما يسمى بالعملة الضيقة Narrow Money او العملة الورقية هي الأساس، فاختفت الكمبيالات والعملة الرقمية والالكترونية، بل تراجع استخدام الصكوك، وتراجعت الادخارات، وباتت معظم العملة خارج الدورة المصرفية، فتغيب معها الاليات الحقيقية للادخار والاستثمار، واختفى الدور الائتماني للمصارف كممول للمشاريع، ولم يعد همها سوى المضاربة بالعملة لتحقيق الارباح. 14- في السنوات الأخيرة ، الموارد النفطية 40-60 مليار دولار سنوياً، والناتج الوطني الاجمالي 5-6 أضعاف هذا الرقم، اي هناك جزء مهم من الناتج الوطني الاجمالي، أو الدخل القومي، أو مجموع انتاج السلع والخدمات ينتج وطنياً سواء بالاستناد إلى الموارد النفطية أو غير النفطية. 15- هنا يمكننا أن نحدث اختراقاً لتحريك الاقتصاد ودعم العملة الوطنية وتقليل مخاطر الاعتماد المطلق على العملة الاجنبية، من خلال تشجيع الدولة، وبضماناتها المباشرة وغير المباشرة، لوسائل الدفع بما يسمى بالعملة العريضة او الواسعة Broad Money (M2, M3, M4) شبه المجمدة حالياً، وغير المستثمرة عملياً. فعند تنشيط هذه الاتجاهات ومنحها الثقة والحماية سنوفر سيولات كبيرة يحتاجها الاقتصاد والخزينة والموازنة والتي سيتم تغطيتها وتسديدها من توسع النشاطات الاقتصادية. 16- نقول المجمدة؛ لأن جزءاً من السيولة التي ستوفرها زيادة التسهيلات في "العملة العريضة" سيتأتى غطاؤه من السلع والخدمات التي تنتج خارج الموارد النفطية، وهو ما سيسد لاحقاً الفجوة بين عرض العملة وغطائها أو احتياطاتها. 17- لكن للنجاح في ذلك هناك شروط تبدو ممكنة ويمكن للسلطة الاقتصادية تبنيها بسهولة نسبية، شرط تقبل العقول لها. ففي العراق هناك "طلب فعال" مهم سببه كثرة الانفاق، يتم تلبيته الآن عن طريق الاستيرادات والحاجة المتزايدة للقطع الاجنبي. وفي العراق هناك خبرة وقدرات انتاجية عطلتها الحروب والحصار والتوجهات الاقتصادية الريعية وغير الريعية الخاطئة. خصوصاً في الحاجيات التي يمثل "الميل الحدي للاستهلاك" (غلبة الانفاق الاستهلاكي الحياتي الضروري) عنصراً اساسياً لها. هذا "الطلب الفعال" الذي معظمه لأصحاب الدخل المحدود يمكن تمويله ابتداءاً عن طريق "العملة العريضة" وبضمانات سيادية مباشرة وغير مباشرة، حتى وإن لم تكن لها غطاءات أو احتياطات ابتدائية تقابلها. وبشروط معينة يمكن للطلب هنا أن يحرك الانتاج الوطني اللاحق الذي سيسد الفجوة ويعيد التوازن ويجعل للعملة الوطنية "العريضة" مقابل أو معادل من السلع والخدمات الاضافية. وهكذا، تتحرك النشاطات والانتاج والأسواق والعمالة، وتتولد دورة انتاج موسعة جديدة ترفد الاقتصاد وتساعد على تصاعد الاحتياطيات وتمويل الخزينة والموازنة بالمزيد من العملة الوطنية والإيفاء بما سعت الضمانات لتحقيقه، فتقلل من الاعتماد على القطع الاجنبي (الدولار اساساً) وتزيد نسبة ناتج القطاع غير النفطي في الناتج الوطني الاجمالي. 18- أما الشروط، فهي جعل تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، الفردية والجماعية، الوطنية والاجنبية ومنح الاجازات والتسهيلات أولوية تتراجع أمامها كل العقبات الشاذة غير المبررة لتكون الفلسفة اولوية الانطلاق وليس الكبح. معوقات كثيرة قانونية وبيروقراطية ومجتمعية وسياسية وفكرية وشكلية داخلية وخارجية، لا تنفع سوى في زيادة الابتزاز والعطل والفساد. والاهتمام بالمخرجات كأولوية ومعيار للنجاح في التعاقدات والأعمال ، ولتوفير المدخلات الضرورية سواء في العقود الحكومية أو المشاريع الخاصة. وحماية الانتاج والمنتجين سواء باجراءات الحماية كلما أمكن ذلك، أو بتشجيع المنتج وترويجه وتقديم المساعدة مادياً وفي السماحات والاعفاءات والدعم، وكل ما يتطلبه الأمر للنجاح في ذلك.


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand