روبرت فورد كانت لي محادثات جادة مع نائب الرئيس جوزيف بايدن، أثناء رحلاته إلى بغداد في عام 2009 وأوائل عام 2010، وكنت إلى جواره على مائدة العشاء في كلتا المناسبتين. ولقد أوضحت إحدى الدبلوماسيات من الشباب بالتفصيل أسباب مجادلة بعض السياسيين العراقيين حول مسألة من المسائل. ولقد قاطعها السيد بايدن بعد دقيقة ليقول: «لدي بنفسي، بعض الخبرة في الأمور السياسية». إنَّ جوزيف بايدن مستمع جيد، غير أنَّه لا يتحمل إلقاء المحاضرات الطويلة الممتدة على مسامعه. فضلاً عمَّا يملكه من خبرات واسعة في المجال السياسي، كانت أولى تجاربه الانتخابية لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي في عام 1972، عندما كان الرئيس ريتشارد نيكسون حاكماً على البيت الأبيض. ولم يبرح السيناتور بايدن مقعده في مجلس الشيوخ طيلة 38 عاماً منذ ذلك الحين. ثم هو شغل منصب نائب رئيس الولايات المتحدة لثماني سنوات متتالية أخرى. ويشدد السيد بايدن، على العكس من باراك أوباما، على أهمية العلاقات الشخصية بأكثر من الاستناد إلى التحليل المجرد أو الحجج القانونية الرصينة. وهو أكثر الناس شبهاً بالسيد جون كيري، من حيث الحديث بصورة مباشرة من دون مواربة، وأحياناً بدرجة أكثر من اللازم. ويفضل كلا الرجلين مناقشة الأمور السياسية والقضايا ذات الأهمية، ويصيران أكثر حماساً وسروراً مع تعمق المناقشات – وذلك طالما أنهما يشعران أن أطراف المناقشة من الجانب الآخر يكنان نفس قدر الاحترام إليهما. تشير شخصية السيد بايدن وخبرته السياسية الطويلة إلى أنّه يعرف الكثير من الناس – ولا بد أن هاتفه الخلوي الخاص يحمل أفضل قائمة من الشخصيات المهمة في كافة أرجاء الولايات المتحدة، سيما داخل المعترك السياسي. وهو على معرفة جيدة بقادة الحزب الجمهوري المعارض، وعلى وجه الخصوص السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية الأسبق في مجلس الشيوخ. ويشدد السيد بايدن رفقة المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض السيدة جين ساكي على الوحدة الوطنية في البلاد. وجوزيف بايدن مخلص للغاية في ذلك. ولقد دعا قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي لمرافقته إلى قداس الكنيسة قبل مراسم التنصيب الرسمية في 20 يناير (كانون الثاني) من العام الجاري، ولم يتخلف منهم أحد.   ويعتبر السيد بايدن، على غرار وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر، من حيث اهتمامه بالجوانب العملية البراغماتية وتفضيلها على الأطروحات الآيديولوجية. فإنّه سيبحث عن الوسائل المؤدية إلى التسوية والوصول إلى إبرام الصفقات السياسية، كما سيحتاج إلى الاستعانة بهيبته وجاذبيته الشخصية، وإخلاصه الوطني، واستعداده الكبير لعقد المساومات إن كان يرغب حقاً في التعامل والتعاون مع الحزب الجمهوري المعارض الذي ما يزال غاضباً للغاية من نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وإذا ما نجح جوزيف بايدن في ذلك الأمر، ستنشأ جولات بالغة الاحتدام من المفاوضات المكثفة، حول إجراءات الحكومة الأميركية في مواجهة جائحة فيروس «كورونا»، وبشأن مقترح السيد بايدن بإنفاق 1.9 تريليون دولار في مساعدة الأفراد، والشركات، والولايات في مكافحة التداعيات السلبية للوباء الراهن على المجتمع الأميركي. وصرحت السيدة جين ساكي المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض في وقت سابق من الأسبوع الجاري، بأن السيد بايدن يذهب إلى النوم وهو منشغل بالتفكير في كيفية الاستجابة إلى مواجهة الوباء، ثم هو يستيقظ في الصباح وما يزال يفكر في نفس الأمر. إنني أعرف السيدة ساكي جيداً منذ أن كانت تشغل منصب المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الأميركية في وزارة السيد جون كيري، وهي امرأة ذكية، وعلى قدر كبير من الوعي السياسي. فإن صرحت تقول إنَّ الوباء هو جل أولويات السيد جوزيف بايدن، فإنني أثق بقولها تماماً. ومن ثم، ليس من الواضح حتى الآن مقدار الوقت الذي يمضيه الرئيس الجديد بعيداً عن الاجتماعات والمفاوضات بشأن محاولة التغلب على الوباء الراهن، ومن أجل صياغة أجندة السياسات الخارجية لإدارته الجديدة. يعرف السيد بايدن الكثير من قادة العالم، من الرئيس شي في الصين إلى الرئيس بوتين في روسيا، وأنجيلا ميركل في ألمانيا وحتى جوستين ترودو في كندا. (ومن المثير للاهتمام في السياق نفسه، أنَّه يعرف العديد من العراقيين غير أنَّه لا يعرف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي كان صحافياً، إبان إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما). كانت أولى محادثات جوزيف بادين الخارجية كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، مع السيد جوستين ترودو رئيس الوزراء الكندي. وهذه عبارة عن رسالة مقصودة مفادها أن الولايات المتحدة تطمئن حلفاءها التقليديين إلى أنَّه سيواصل تنسيق التعاون معهم في مواجهة التهديدات المشتركة. وهناك قائمة مطولة من المكالمات الهاتفية التي يجري إعدادها لأجل الرئيس بايدن مع مختلف القادة الأجانب كرئيس جديد للبلاد. غير أنَّ المكالمات مع الحلفاء التقليديين تأتي على رأس الأولويات قبل مهاتفة الخصوم السياسيين من هنا أو هناك. ومن شأن جوزيف بايدن أن يتحدث بصراحة في بعض الأحيان. على سبيل المثال، لقد اتخذ قراره بإلغاء مشروع خط أنابيب النفط مع كندا الذي كان السيد ترودو يدعمه، ولقد وافق عليه الرئيس الأسبق دونالد ترمب، نظراً لأنَّ الرئيس بايدن يضع الأولوية القصوى للإقلال من الاعتماد على المصادر الهيدروكربونية مع إبطاء التغييرات المناخية. كما يمنح السيد بايدن، وهو السياسي الديمقراطي التقليدي، أولوية أخرى لملف حقوق الإنسان. ولفريقه موقف مختلف في اليمن، مع محاولة لإعادة النظر في إدراج الحوثيين على قوائم المنظمات الإرهابية من وزير الخارجية الأميركي الأسبق مايك بومبيو. لكن لا بد أن نتذكر أنَّ جوزيف بايدن رجل براغماتي. إذ تستشعر الإدارة الأميركية الجديدة القلق بشأن إجراءات بومبيو ضد الحوثيين ليس استناداً إلى التعاطف الآيديولوجي معهم، وإنما بسبب أنهم لا يرغبون أن يسفر إدراجهم على قائمة التنظيمات الإرهابية إلى حجب قنوات المساعدات من الوصول إلى أجزاء في اليمن ترزح تحت سيطرة الحوثيين حتى الآن. ومن شأن السيد بايدن وفريقه الرئاسي أيضاً أن يتوجه بالانتقادات إلى أوضاع حقوق الإنسان في بلدان في الشرق الأوسط وأمور أخرى. وستكون الانتقادات بشأن حقوق الإنسان قوية، وقاسية، وعلنية، لكنها لن تعني أن الحكومة الأميركية الجديدة ستلغي كافة أشكال التعاون والحوار مع البلدان المعنية. وسيستمر السيد بايدن العملي للغاية، في البحث عن سبل التعاون بشأن المصالح المشتركة من شاكلة مكافحة التطرف، وإبطاء التغيرات المناخية، حتى مع البلدان التي ينتقدها بسبب ملفات حقوق الإنسان. ذلك هو أسلوبه وتلك هي شخصيته. والتساؤل الكبير في هذا السياق، ما إذا كان الأصدقاء والحلفاء القدامى للولايات المتحدة، على استعداد حقيقي لرؤية الولايات المتحدة تستأنف دورها القيادي على الصعيد العالمي من دون أسئلة.   * السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن


     كفاح محمود كريم تنّهمك الطبقة السياسية العراقيّة في ترتيبات إجراء انتخابات جديدة مبكرة منذ أكثر من سنة، ردّاً على احتجاجات تشرين 2019، التي أدّت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، والدخول في ماراثون المرشح البديل لحكومة الانتخابات المقترحة، وفي خضم هذا التهافت على إنتاج برلمانٍ بمجلسٍ واحد على ما يبدو خلافاً للدستور، تتكاثر الأحزاب تكاثراً شباطياً وانشطارياً، حيث تقترب من 300 حزب تحت مُسميات تبعد عنها الشبهة بالطبقة السياسية التي تتحكم بالنظام البديل لنظام الرئيس صدام حسين منذ 2003، والتي رفضتها تظاهرات ملايين العراقيين في بغداد وفي الوسط والجنوب العراقي، وهي في حقيقتها عملية تمويه لاستنساخ أحزاب وكتل بعناوين مختلفة عن النسخ الأصلية المتنفذة، وهذه المرة بأذرع ميليشياوية تُهيمن على الشارع، وعلى شريحة واسعة من المراهقين المغامرين والمهوسين بالنشاط الميليشياوي، مستخدمةً أجهزة دعاية تقدمها مجموعة كبيرة من الفضائيات المؤدلجة التي تستثمر نزعات طائفية وقبلية وعرقية في توظيف إشكاليات محلية ودينيّة وخارجية ومن بينها الخلافات بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية بما يتناغم مع إذكاء الشعور بالمظلومية، جرّاء فشل تلك الأحزاب من إحداث تغيير نوعي في طبيعة حياة مواطنيها، وتعليق الأمر بشماعة الإقليم، للتغطية على كميات الفساد الهائلة التي رافقت حكمها منذ إسقاط نظام البعث وحتى يومنا هذا. وفي خضم هذا المشهد المعقد من الصراعات السياسية البينية والخارجية، والتورط في إشكاليات إقليمية ودولية لا مصلحة للعراقيين فيها، يبدو أن إجراء انتخابات مبكرة ونزيهة صعباً إن لم يكُ مستحيلاً في هكذا بيئة ومجتمعات تغصّ بالأمية الأبجدية والحضارية، وتتحكم فيها الأعراف القبلية والطائفية، وتفتقد إلى أبسط مفاهيم المواطنة الجامعة، وتُشرف عليها هيئة انتخابية مرتهنة لطبقة سياسية، أثبتت فشلها الذريع وتسببت وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً في وصول البلاد إلى هذا المستوى من الانحدار، حيث الأزمة الاقتصادية الخانقة، وعدم وجود محكمة اتحادية دستورية مكتملة، ناهيك عن طبيعة المجتمع ونسيج عاداته وتقاليده التي تؤثر بشكل بالغ على نوعية من يصل إلى هيئة التشريع، فإذا كانت الديمقراطية حلاً لكثير من مشاكل النّظم السياسية في العالم، فإن أحد أهم أدواتها ووسائلها في تداول السلطة بواسطة صناديق الاقتراع ليست حلاً لمشاكل مجتمعنا، بل بالعكس تماماً غدت كارثة أكثر إيلاماً من الشموليات التي انفرد فيها حزب قائد ودكتاتور أوحد، وما يجري اليوم في معظم بلداننا الشرق أوسطية تحديداً وفي العراق خاصةً منذ 2003، يؤكد على فشل استخدام هذه الآليات وأدواتها في هكذا بيئة، وضرورة البحث عن وسائل وأدوات أخرى غير تلك المعتمدة في دول الديمقراطيات العريقة والمجتمعات التي تختلف كلياً في تركيبتها الاجتماعية والقيمية عن مجتمعاتنا، مع الحفاظ على روحية النظام الديمقراطي والعمل على تكريسه تربوياً وتعليمياً واجتماعياً، بدءاً من الأسرة والمدرسة لإحداث تغييرات نوعية في بناء المجتمع وتهيئته لتطبيقات ديمقراطية ناضجة.


حسين عبد العزيز يكاد يكون مصطلح الشعبوية من أكثر المصطلحات السياسية غموضا، فهو مائع من جهة، لأنه يفتقر إلى بنية مفهومية واضحة، ولزج من جهة أخرى، لأنه يرتبط بمقارباتٍ أيديولوجيةٍ من دون أن يتحول إلى أيديولوجيا كاملة. تتقاطع مع الكفاح من أجل البناء الوطني، ومع مضامين سياسية في لحظات معينة، ومع استياء شعبي تجاه الآخر في البيئة الوطنية، ومع القومية، فتظهر عند اليمين كما اليسار، والشعب كما النخب، وتظهر في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية والاشتراكية، كما في الأنظمة الاستبدادية. لهذا السبب، لا يوجد تعريف محدّد للشعبوية بين المفكرين الذين درسوا الظاهرة، وإن كان قاموس أكسفورد قد عرّفها بأنها "ضرب من السياسة يسعى إلى تمثيل مصالح ورغبات الناس العاديين الذين يشعرون بأن جماعات النخبة المترسخة تتجاهل شواغلهم". وقاموس بوتي روبير بأنها "خطاب سياسي موجه إلى الطبقات الشعبية، قائم على انتقاد النظام ومسؤوليه والنخب". ولكن هذين التعريفين لا يحيطان بالمفهوم إحاطة كاملة، وهو ما دفع عالم الاجتماع الفرنسي، برتران بادي، إلى القول إن شدة المحاولة في جعل الشعبوية نظاما موصوفا متميزا، تؤدي إلى الفشل في إيجاد أسس نظرية له. من هنا دعت ناديا أوربيناتي إلى التوقف عن المناقشات المتعلقة بماهية الشعبوية وأسبابها العميقة، والانتقال إلى دراسة نتائجها باعتبارها مشروع حكم. تسلط هذه المقالة الضوء على خمس مقارباتٍ تناولت إشكالية الشعبوية، من حيث الأسباب التي أدّت إلى نشوئها، والنتائج التي تتوخّى إحداثها داخل البيئة السياسية. موفي ولاكلاو  يكاد يتفق معظم دارسي الشعبوية على أنها ظاهرة موجودة في كل الأنظمة السياسية على السواء، بيد أن اهتمام الباحثين تركّز على هذه الظاهرة داخل البلدان الديمقراطية ـ الليبرالية، لأنها أكثر وضوحا، ولأنها ناجمة عن أسباب موضوعية شبه مستدامة في ظل النظام السياسي القائم. التوتر بين الديمقراطية والليبرالية انتهى بعد انتصار النيوليبرالية وإخماد الديمقراطية التي تحولت إلى احتفال بالانتخابات فقط تعتبر عالمة الاجتماع البلجيكية شانتال موفي أن الوضع الذي تعيشه البلدان الديمقراطية ـ الليبرالية يمكن تسميته "ما بعد الديمقراطية"، لأن التوتر بين الديمقراطية والليبرالية قد انتهى بعد انتصار النيوليبرالية (تمدّد القطاع المالي على حساب القطاع الإنتاجي، تزايد الخصخصة) وإخماد الديمقراطية التي تحولت إلى احتفال بالانتخابات فقط. تدرك موفي، منذ البداية، صعوبة الجمع بين التزام التعدّدية الاجتماعية والتزام المساواة بمتانة، لأن البنى المصمّمة لتعزيز المساواة تقيد الالتزام الأول. ولكن انتصار النيوليبرالية بهذا الشكل، وما نتج عنها من نشوء أوليغارشية فجّة، جعلها من أنصار الدعوة إلى إعادة بناء "الديموس"، وهذا لا يحصل إلا بتدخلٍ سياسي شعبوي، من أجل إعادة القوة إلى ديمقراطيةٍ تنادي بالمساواة من دون إلغاء التعدّدية.  مقاربة شانتال متأثرة بالتأكيد بنظرية لاكلاو (زوجها) الذي يعتبر الشعبوية مقاربة إيجابية، لأنها تنتج هوية جمعية، تجعل السياسة ممكنةً لفئةٍ كبيرةٍ في المجتمع، لمواجهة خطر البيروقراطية وخطر استبداد الأوليغارشية. يؤكّد لاكلاو وموفي أن الديمقراطية ـ الليبرالية هي سبب نشوء الشعبوية، وأن الديمقراطية الراديكالية (ديمقراطية الشعب أو الديمقراطية المباشرة) هي الحل، لأنها تتجنّب المذهب الاستبدادي المرتبط باليقين الحديث بوجود حقيقة وقيمة مطلقتين من جهة، وبتصدّع التضامن الاجتماعي وتفكّكه المرتبطين بالألعاب اللغوية لما بعد الحداثة من جهة أخرى، وفق كلمات كيث ناش. بالنسبة لـ لاكلاو، يوجد شرطان لنشأة الشعبوية: نشأة السلسلة المتكافئة من المطالب، ونشأة الحد التخاصمي بين السلطة وسلسلة المطالب، ثم حصول توحيد رمزي لسلسلة المطالب. بعبارة أخرى، تنشأ سلسلة من المطالب الاجتماعية المختلفة في وجه السلطة. وعند هذه المرحلة لا تنشأ الشعبوية، لأننا أمام مجرد مطالب، وعندما يحدث توحيد رمزي لهذه المطالب مجتمعة، تحدث خصومة حادّة مع السلطة، هنا تنشأ الشعبوية. ولكن هذه المعطيات الثلاثة تتوفر في أية انتفاضة شعبية ضد النظم الاستبدادية، وبالتالي هي غير كافية لتحديد التمايز بين الشعبية والشعبوية. وقد تنبه إلى ذلك المفكر السلوفيني سلافوي جيجك الذي كان ردّه على لاكلاو عاملا مساعدا في فهم نظرية الأخير. يرى جيجك أن العناصر الثلاثة التي تحدّث عنها لاكلاو لنشوء ظاهرة الشعبوية لا تكفي لوصف أي حركة اجتماعية بوصف الشعبوية، فهناك حركاتٌ اجتماعيةٌ لم تكن شعبوية، مثل حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة. يرد لاكلاو أن هذه الحركة لم تُحدث خصومة سياسية مع السلطة، وبالتالي لا يمكن أن تكون استراتيجية سياسية للقوى الديمقراطية. حل التوتر بين الديمقراطية والليبرالية لا يكون إلا من خلال نضال وصراع حاد ضد النخبة الحاكمة، وليس من خلال الحوار العقلاني  تطرح نظرية لاكلاو إشكالات كثيرة، لأن فكرة الحد التخاصمي بين فئة اجتماعية من جهة والسلطة من جهة أخرى، كانت حالة متوفّرة في كل الحركات أو الانتفاضات الاجتماعية، خصوصا في الأنظمة الاستبدادية، وفي الأنظمة الديمقراطية الناشئة. الغريب في مقاربة لاكلاو أنه في وقتٍ يؤكّد فيه أن منشأ الشعبوية كان نتيجة التوتر بين الديمقراطية والليبرالية، يقدم حلا من خارج السياق الديمقراطي ـ الليبرالي، حيث يعتبر أن حل التوتر بين الديمقراطية والليبرالية لا يكون إلا من خلال نضال وصراع حاد ضد النخبة الحاكمة، وليس من خلال الحوار العقلاني.   من الواضح أن فكرة الصراع ناجمةٌ عن الخلفية الماركسية للاكلاو، وناجمة أيضا عن معاينته التجربة السياسية في أميركا اللاتينية، حيث كان الصراع ضد النخب السياسية ـ الاقتصادية حادا. موده وكالتواس يتفق كاس موده وكالتواس مع لاكلاو وموفي في أن الشعبوية هي نتاج الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية، وأنها رد فعل ديمقراطي على التجليات غير الديمقراطية لليبرالية، ويتفقان معهما أيضا في أن الشعبوية ديمقراطية في جوهرها، ولها بعد إيجابي (مشاركة جمهور الناخبين في السياسة)، وإن كانت تختلف عن الأنموذج الديمقراطي ـ الليبرالي السائد، من حيث أنها ترفض تقييد إرادة الشعب، وترفض فكرة الليبرالية القائمة على التعددية. ولكن موده وكالتواس يختلفان مع لاكلو وموفي في اعتبار أن للشعبوية منطقا سياسيا، وأنها تعيد الحياة للديمقراطية، فبرفض الشعبوية الليبرالية، قد ننتهي بنزعة استبدادية هوياتية تدمر النظام السياسي القائم. وبالنسبة لـ موده تحديدا، التقسيم الأخلاقي للعالم هو السبب في نشوء الـ "نحن"/ "الشعب"، مقابل الـ "هم"/ "النخبة"، الأولى خيرة والثانية فاسدة. وعلى الرغم من ذلك، يرى موده وكالتواس أن الشعبوية قد يكون لها تأثير إيجابي في الديمقراطيات الناشئة في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية المتطوّرة. وفي حالة الديمقراطيات الناشئة، ثمّة أثر إيجابي للشعبوية، خصوصا في المرحلتين، الأولى والثانية، من عملية الانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي. في المرحلة الأولى، تطبيق الليبرالية، تبدأ الشعبوية في تطبيق الليبرالية، حين يرفع نظام استبدادي بعض القيود، ويوسّع بعض الحقوق الفردية والجماعية، وهي من هذا الجانب عامل إيجابي للديمقراطية. وفي المرحلة الثانية، مرحلة الانتقال من الليبرالية إلى الديمقراطية، تلعب الشعبوية دورا إيجابيا، بسبب دفاعها عن مبدأ انتخاب الناس لمن يحكمهم. تمظهر الشعبوية في معاداتها البعد الليبرالي قد يوضح تجليات الشعبوية على مستوى الخطاب السياسي، لكن لا يوضح الأسباب العميقة للظاهرة أما تأثير الشعبوية في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية، فهو إيجابي وسلبي، فهي من جهة تكون مصححة لمسار الديمقراطية من حيث إسماعها صوت جمهور الناخبين الذين لا يشعرون بأن النخبة تمثلهم. ومن جهة ثانية، تؤثر الشعبوية سلبا من خلال ادّعائها عدم أحقية أي مؤسسة في تقييد حكم الأغلبية، وهي عمليةٌ قد تنتهي بالقوى الشعبوية إلى مهاجمة الأقليات، وتقويض جهد المؤسسات المتخصصة في حماية حقوق الإنسان الأساسية، وإن كان موده وكالتواس يستبعدان حصول ذلك بسبب قوة النظام الديمقراطي ـ الليبرالي. لا تسعف هذه المقاربة في تحديد الفرق الجوهري بين الشعبي والشعبوي، فوفقا لمقاربة موده وكالتواس، يصبح كل ضغط شعبي على الأنظمة الاستبدادية ظاهرة شعبوية، وتصبح كل حركة اجتماعية ـ سياسية مناهضة للاستبداد أو داعية إلى تصحيح العلاقة المتوترة بين الديمقراطية والليبرالية، هي حركة شعبوية. ومع أنهما أوضحا في مقدمة كتابهما "مقدمة مختصرة في الشعبوية" أن دراستهما الشعبوية تأتي من منظور ديمقراطي ـ ليبرالي، لأن الشعبوية تتضح إذا ما قورنت بالديمقراطية ـ الليبرالية، فإن تمظهر الشعبوية في معاداتها البعد الليبرالي، قد يوضح تجليات الشعبوية على مستوى الخطاب السياسي، لكن لا يوضح الأسباب العميقة للظاهرة. فيرنر مولر عمل فيرنر مولر على تكثيف مفهوم الشعبوية، من أجل تمييزها عن الظواهر السياسية الأخرى المشابهة، فلا يجب أن نستخلص منها أساسا قوميا أو عنصريا. ولا يجب ربطها بالزعامة، ولا يمكن معرفة الشعبويين من خلال معرفة ناخبيهم في أسفل الطبقة الوسطى، ولا يمكن اعتبار نقد النخبة معيارا كافيا لتحديد المفهوم، ولا يمكن اعتبار معاداتها التعدّد سمة خاصة بها. وفي مقابل هذه التوضيحات، يقدم مولر سماتٍ تميز الشعبوية: ادّعاء أنهم يمثلون إرادة الشعب من أجل ضرب المؤسسات الديمقراطية التي لا يسيطرون عليها، رفض الشعبوية التعدّد (الليبرالية)، رفضها النخبة الحاكمة، رفضها البرلمان بوصفه مؤسسة وسيطة، تحويل عملية التمثيل السياسي إلى عملية تفويض كامل. لا تظهر هذه السمات إلا في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية. ولذلك يعتبر مولر أن ظاهرة الشعبوية ستبقى ما بقيت الديمقراطية قائمة، وأنها ظاهرة معادية ليس فقط لليبرالية، بل أيضا للديمقراطية (بخلاف لاكلو وموفي وموده وكالتواس) لأن الشعبوية تضع سيادة الإرادة الشعبية فوق كل شيء، وتجري تقسيما أخلاقيا بين "نحن" و"هم"، تقسيم سرعان ما يحمل بعدا أخلاقيا ومن ثم هوياتيا، في عودة ما ورائية إلى ما قبل مكيافيلي لربط السياسة بالأخلاق ربطا محكما. الشعبوية ارتبطت بالديمقراطية في سياق تاريخي خاص، وهو الأمر الذي جعلها تتميز عن التيارات السياسية المعارضة للديمقراطية أو المنافسة لها الشعبوية هي انعكاس لسياقاتٍ ثلاثة غير مسبوقة تعيشها الديمقراطية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: سياق الإشكالية السياسية التي طرحتها النازية بديلا للمؤسسات الديمقراطية، من داخل الديمقراطية ذاتها التي كانت حكومة فايمار تجسيدا لها. سياق شعبوي نشأ في أوروبا الشرقية ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ووجّه نقده إلى الاتحاد الأوروبي كمؤسسة محكومة من بيروقراطية غير منتخبة، تفتقر لأي بعد ديمقراطي. سياق الأزمة المالية ـ العقارية في الولايات المتحدة عام 2008، وما فرضته من سياسات تقشف أثّرت سلبا على فئات اجتماعية كبيرة.   تؤكد هذه السياقات الثلاثة، وفقا لمولر، أن الشعبوية ارتبطت بالديمقراطية في سياق تاريخي خاص، وهو الأمر الذي جعلها تتميز عن التيارات السياسية المعارضة للديمقراطية أو المنافسة لها، فليست كل التيارات المعادية أو المنتقدة للديمقراطية شعبوية، وليست كل التيارات التي تتحدّث باسم الشعب شعبوية، فما يميزها عن التيارات السياسية أن الشعبوية تعارض الديمقراطية من قلب فكرة الديمقراطية نفسها. ناديا أوربيناتي ليست الشعبوية أيديولوجيا أو نظاما سياسيا محددا، بل هي سيرورة تمثيلية، تتكوّن عبرها ذات جمعية، بحيث يكون في مقدورها الوصول إلى السلطة. تحاجج أوربيناتي في أن الديمقراطية الشعبوية اسم نمط جديد من الحكم التمثيلي، يرتكز على ظاهرتين: علاقة مباشرة بين الزعيم وأولئك الذي يعرفهم الزعيم بأنه صالحون أو أخيار. تخويل سلطة مفرطة لجمهور المتلقين، وأهدافها المباشرة هي العقبات التي تعترض تطوّر هاتين الظاهرتين: هيئات صنع الرأي الوسيطة (الأحزاب، وسائل الإعلام، الأنظمة ذات الطابع المؤسسي المخصصة لرصد السلطة السياسية ومراقبتها). تنامي أوليغارشية مستفحلة وجشعة تجعل السيادة سرابا. الشعبوية إذا، مشروع حكمٍ جديدٍ للحكم التمثيلي، إلا أنه مشوّه، لأنه يبعد المعارضة ويجعل السياسة غير ممكنة. وهذا لا يتحقق إلا بإجراء تحويل في ركائز الديمقراطية الحديثة الثلاث: الشعب، مبدأ الأغلبية، التمثيل، وهذا هو هدف كتابها "أنا الشعب: كيف حوّلت الشعبوية مسار الديمقراطية". تتفق ناديا أوربيناتي مع نقد جيجك لاكلاو بأن من غير الصحيح التعامل مع الشعبوية بوصفها متطابقة مع الحركات الشعبية أو الاحتجاجية، إذ قد تتضمّن الحركات الشعبية بمفردها خطابا شعبويا، لكنها لا تمتلك مشروع سلطة شعبوية. ثمّة فرق بين حركات ديمقراطية معترضة على اتجاه اجتماعي يرى المواطنون المعبأون خيانة للمبادئ الأساسية للمساواة، ومقاربة شعبوية تسعى إلى التغلب على المؤسسات التمثيلية والفوز بأغلبية حكومية من أجل نمذجة المجتمع وفق أيديولوجيتها الخاصة بالشعب. فقدان الثقة في من يتولون السلطة وانتقادهم هما مكونان من المكونات الأساسية في الديمقراطية، ولا يفسّران الشعبوية وفي سياق ردّها على نظرية لاكلاو وموفي، تتوجه أوربيناتي مباشرة إلى القول إن بنية الشعبوية لا تميل من تلقاء نفسها إلى نوع من السياسة التحرّرية، مهما حاول يساري، مثل لاكلاو، ترويجه. وإذا وصفت الديمقرطية بأنها إستراتيجية للظفر بالسلطة قائمة على القبول، ينتهي توصيف لاكلاو الشعبوية باحتواء السياسة الديمقراطية عامة، ووفقا لرؤية لاكلاو تصبح كل السياسات شعبوية.  تتفق أوربيناتي مع مولر في اعتبار الشعبوية مضادّة للديمقراطية، لكنها ترفض حججه، فالتقسيم المانوي الأخلاقي الذي وضعه مولر وكوده وكالتواس في صلب الشعبوية "نحن" و"هم"، لا يفسّر خصوصية الشعبوية، ذلك أن "نحن" و"وهم" هي محرّك أنماط التجمع الحزبي كافة، وإن كان ذلك بكثافاتٍ وأساليب متباينة، فضلا عن أن فقدان الثقة في من يتولون السلطة وانتقادهم هما مكونان من المكونات الأساسية في الديمقراطية، ولا يفسّران الشعبوية. وترفض أوربيناتي مقاربة موده وكالتواس في أن الشعبوية تعادي النموذج الديمقراطي ـ الليبرالي فقط، ولا تعادي الديمقراطية في ذاتها، فمن وجهة نظرها إن التمييز بين الديمقراطية والليبرالية في الأنظمة المعاصرة لا يوضح منشأ الشعبوية، لأن الديمقراطية تحيل إلى مزيج من السيادة الشعبية وحكم الأغلبية، وإن إسناد قيمة الحرية إلى الليبرالية لا إلى الديمقراطية يعجز عن توضيح العملية الديمقراطية نفسها. ومن منظور ثنائية الحكم الذي تعتمده، تدحض أوربيناتي الحكمة التقليدية التي تُفهم الشعبوية وفقها بوصفها ديمقراطية غير ليبرالية، فديمقراطية تنتهك الحقوق السياسية الأساسية، وتمنع تشكل أغلبيات جديدة ليست ديمقراطية على الإطلاق. ولذلك التمييز بين ديمقراطي وديمقراطي ـ ليبرالي فعل مضلّل. ليست كل استراتيجية شعبية هي شعبوية، لكنها قد تتضمّن عناصر شعبوية يكمن القصور الرئيسي في المقاربات الأيديولوجية في حقيقة أنها لا تولي اهتماما كافيا بالجوانب المؤسسية والإجرائية التي تتّصف بها الديمقراطية وتظهر الشعبوية ضمنها. لا توضح هذه المقاربات، وفقا لأوربيناتي، ما الذي يجعل تركيز الشعبوية المتصل بمناهضة مؤسسة الحكم مختلفا عما نجده في الباراديغم الجمهوري، أو في السياسة المعارضة التقليدية، أو حتى في التحزّب الديمقراطي؟ عزمي بشارة قد يبدو الخلط بين الشعبية والشعبوية مفهوما إلى حدّ ما في الأنظمة الاستبدادية والأنظمة التي تنتقل نحو الديمقراطية بسبب صعوبة تلمّس الظاهرة بعيدا عن الحالة الشعبية الغاضبة، وهي مسألة حرص عزمي بشارة على تأكيدها في مقدمة كتابه "في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، حين قال "ليست كل استراتيجية شعبية هي شعبوية، لكنها قد تتضمّن عناصر شعبوية"، لكن الخلط بين الشعبية والشعبوية في الأنظمة الديمقراطية ـ الليبرالية يبقى غير مفهوم. لم تكن مهمة كتاب عزمي بشارة "في الإجابة عن سؤال: ما الشعبوية؟" تقديم سرد نظري للشعبوية، بقدر ما هي قراءة للبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلدان والمجتمعات المتطوّرة، بحيث لا يمكن فهم الشعبوية من دون فهم آليات عمل النظام الديمقراطي ـ الليبرالي ومشكلاته. إنها علاقة جدلية: تُفهم الشعبوية من خلال فهم النظام الديمقراطي ـ الليبرالي، بقدر ما تُفهم مشكلات الأخير من خلال الشعبوية، كتجلٍّ للتوتر الدائم في هذه الأنظمة. يتفق بشارة مع دارسي الشعبوية في أنها نتاج للتوتر بين التقليدين، الديمقراطي والليبرالي، لكنه يغوص أكثر في فهم الميكانيزمات الاجتماعية والسياسية لهذا التوتر. ويحدد عناصر الأزمة في النظام الديمقراطي ـ الليبرالي بثلاثة توترات بنيوية: 1ـ التوتر القائم بين البعد الديمقراطي المتعلق بالمشاركة الشعبية القائمة على افتراض المساواة الأخلاقية بين البشر وافتراض المساواة في القدرة على تمييز مصلحتهم التي تقوم عليها المساواة السياسية من جهة، وبين البعد الليبرالي القائم على مبدأ الحرية المتمثلة في الحقوق والحريات المدنية من جهة ثانية. 2ـ توتر داخل البعد الديمقراطي ذاته، بين فكرة حكم الشعب ذاته وضرورة تمثيله في المجتمعات الكبيرة والمركبة عبر قوى سياسية منظمة ونخب سياسية. 3ـ توتر بين مبدأ التمثيل بالانتخابات الذي يقود إلى اتخاذ قرارٍ بأغلبية ممثلي الشعب المنتخبين، أو بأصوات ممثلي الأغلبية من جهة، ووجود قوى ومؤسسات غير منتخبة ذات تأثير في صنع القرار (الأجهزة البيروقراطية للدولة) من جهة أخرى. ينبه عزمي بشارة الباحثين الليبراليين الذين شخّصوا خطر الشعبوية في تشويه تقاليد المساواة بتحويلها إلى قيم مطلقة، إلى أنهم لم يولوا الاهتمام الكافي بمعالجة المصادر الاجتماعية والثقافية للشعبوية ليست هذه التوترات عابرة، بل هي دائمة وجزء رئيسي داخل منظومة العلاقة بين الديمقراطية والليبرالية. لكن في حين اعتبر مولر أن هذه التوترات الثلاثة هي سبب نشوء الشعبوية، لا يعتبر عزمي بشارة أن هذه التوترات في ذاتها سبب لنشوء الشعبوية، لأنها لا تؤدي تلقائيا وبالضرورة إلى غضب قطاعات اجتماعية، أو إلى نشوء خطاب شعبوي، فغالبا ما لا يفكّر الناس في هذه التوترات. هنا، ينتقل بشارة إلى البنية الاجتماعية ـ الاقتصادية، فالتفاوت بين المساواة الاجتماعية والمساواة السياسية، وفجوات توزّع الدخل وتشوهه، وإشكالية الحرية في غياب المساواة الاجتماعية، ومسألة الهويات والحقوق الجماعية، والثقافة والتقاليد السائدة، هي مصدر التهميش ووجود فئات متضررة وأخرى مستفيدة من النظام. وتتغذّى الأزمة بتعمق اللامساواة مع انهيار إجماع ما بعد الحرب العالمية الثانية على دولة الرفاه وهيمنة النموذج النيوليبرالي وتضرّر الطبقة الوسطى والعمال الصناعيين. ولذلك ينبه بشارة الباحثين الليبراليين الذين شخّصوا خطر الشعبوية في تشويه تقاليد المساواة بتحويلها إلى قيم مطلقة، في أنهم لم يولوا الاهتمام الكافي بمعالجة المصادر الاجتماعية والثقافية للشعبوية. وافق بشارة على مقاربة ديفيد غودهارت في أهمية مسائل الهوية والانتماء والثقافة في تفسير الشعبوية. وقد ميز غودهارت بين فئتين اجتماعيتين في الغرب الديمقراطي: تنتمي الأولى إلى بيئة محلية، وتحافظ على قيمها وتقاليدها، ويتسم أعضاء هذه الفئة بأنه لم يغادروا بيئتهم المحلية. والثانية هي فئة اللامحليين أو المتنقلين الذين لا ينتمون إلى مكان محدّد، وبسبب تنقلهم المستمر بحكم عملهم، تفاعلوا مع الثقافات الأخرى. الفئة الأولى، هي التي ترفض الغريب والطارئ. ولذلك هي الأكثر تعرّضا لخطاب الشعبوية، خصوصا في جانبه المضاد للهجرة، في حين أن الفئة الثانية غير قلقة من الهجرة والاندماج. وقد دافع غودهارت عن الفئة الأولى من خلال دعمه الشعبوية اليمينية، فما يجب حمايته ليس حقوق الفرد، وإنما حقوق الجماعة والأعراف والتقاليد الأصلية. وينتقد بشارة الحلول التي قدّمها غودهارت، لأنها تعني أن معركة التعدّدية الثقافية ستكون خاسرة، وأن اليسار يجب أن يتبنّى سياساتٍ ثقافيةً إثنيةً كي يجتذب هذه الفئة بعيدا عن اليمين الشعبوي. ويتجاهل هذا الرأي أو التيار أيضا، بحسب بشارة، أهمية الحقوق الاجتماعية ورفع مستوى التعليم في مقابل التشديد على تعظيم عنصر الثقافة. الحركات الاجتماعية مثلت، في ظل النظام الديمقراطي أيضا، توجها لتحديد سلطة الدولة من خلال إعادة الحياة لسلطة المجتمع المدني فكرة المحلوية غير كافية لتفسير الشعبوية، الأمر الذي دفع بشارة إلى توجيه نقد لتحديدات موده الشعبوية في المحلوية والسلطوية وعدم الثقة بالنخب، لأن ثالوث السياسات الشعبوية هذا في المجتمعات المتطوّرة يجمع بين أحزاب كثيرة في أوروبا، وبالتالي تصبح الشعبوية غير مختلفة نوعيا عن التيار المركزي. يسلط بشارة الضوء على التداخل الحاصل بين الشعبوية والحركات الاجتماعية الشعبية، ويأخذ على ذلك مثال عملية وضع الحدود لسلطة الدولة، فيقول إن عملية تحديد سلطة الدولة لم ترتبط بالليبرالية فقط، فالحركات الاجتماعية مثلت، في ظل النظام الديمقراطي أيضا، توجها لتحديد سلطة الدولة من خلال إعادة الحياة لسلطة المجتمع المدني. وهذا يقتضي أن ثمّة استنتاجات غير شعبوية مستخلصة من الاغتراب عن المؤسسات والقيادات السياسية، إذ تُطرح صيغ من الديمقراطية غير المركزية في البلديات الصغيرة ووحدات الإنتاج الصغيرة وتستخدم البلاغة الشعبوية، لكنها ليست شعبوية، لأنها لا تمتلك أيديولوجيا تعتبر الشعب خيرا في حد ذاته. فكرة الشعب بأنه خير في ذاته مقابل النخبة، قد تنتهي إلى نشوء الـ "نحن" مقابل الـ"هم"، إذا زاد منسوب الكراهية وشيطنة الآخر، وهنا ثمّة فرق بين رؤية بشارة الـ"نحن" و الـ"هم"، مغايرة لرؤية موده وكالتواس. بالنسبة لبشارة، ليست الرؤية الأخلاقية للعالم عند فئة اجتماعية معينة سبب نشوء الـ"نحن" مقابل الـ"هم"، فهذه الثنائية هي نتاج الخطاب الشعبوي، أو بالأحرى هي أحد أشكالها الأخيرة، فليس ثمّة موقف أخلاقي حدي مكتمل وناجز عند فئة اجتماعية قبيل نشوء الخطاب الشعبوي من البنية الفوقية (الزعيم أو الأحزاب السياسية).  


 عبد الرحمن الراشد   عندما توفي هنري الثالث ملك إنجلترا وكان ابنه إدوارد يقاتل على الجبهة، قرر المجلس الملكي تنصيبه فوراً، معلناً: «العرش لا يبقى خالياً، والبلاد لن تكون بلا ملك». وفي فرنسا أيضاً عندما توفي تشارلز السادس وتم إعلان ابنه ملكاً فوراً، قيلت العبارة المأثورة: «مات الملك، عاش الملك»؛ حيث لا فراغ في الحكم. جو بايدن هو الرئيس، والولايات المتحدة هي الإمبراطورية، والفراغ في الحكم والاختلاف عليه أخطر ما يهددها. لهذا فالترتيبات الرئاسية لا تسمح بالفراغ والتشكيك والفوضى. يؤدي «الرئيس المنتخب» القسم من 35 كلمة أمام رئيس قضاة المحكمة العليا، بعد أن يغادر الرئيس الذي انتهت ولايته. وفق النظام الأميركي، تنصيب بايدن كان مؤكداً، رغم الهرج والتشكيك؛ لأن المسارات الشرعية تدعم ذلك، بما فيها أعلى سلطة تشريعية (الكونغرس)، وأعلى سلطة قضائية (المحكمة العليا) التي رفضت دعوى ترمب. وترمب نفسه فشل في إقناع رفاقه ووزرائه، وقيادات حزبه. ورد عليه وزير عدله الذي احتج واستقال: «ما تقوله عن تزوير الانتخابات هراء، والذين حولك هم زمرة من المهرجين». كلهم رفضوا السير خلفه في حكاية أن الانتخابات زُورت والرئاسة سُرقت. لكن خروج ترمب لن يمحو آثاره الكبيرة في الداخل والخارج. فمواجهة الصين مثلاً - وهي القضية الأهم للولايات المتحدة - ستستمر، كما أكدت ذلك مصادر الإدارة الجديدة. ماذا عن الرئيس الجديد وفريقه حيال منطقتنا؟ لا يمكن الجزم بالخطوات المقبلة؛ لكن قد يكون التخوف مبالغاً فيه، وكذلك اعتبار بايدن امتداداً لسياسة أوباما. بالفعل، العديد من الوجوه التي أعلن عن ترشيحها عملت ضمن كوادر أوباما؛ لكن وجودهم لا يعني أنها ستكون سياسة طبق الأصل. لقد فشل أوباما خلال رئاسته في تسويق سياسته، تحديداً فرض التعامل مع إيران على الدول الخليجية العربية وإسرائيل. ثم جاء ترمب وحاصر أذرع إيران، ودمر قدراتها المالية والاقتصادية. وبالتالي، العودة إلى النقطة نفسها التي تركها أوباما أمر شبه مستحيل، وهناك معطيات جديدة في الأربع سنوات الماضية: دخول الروس الصراع في سوريا، والتغول الإيراني في العراق ضد المصالح الأميركية، وتهديد إيران الممرات البحرية للنفط، والتحالف الخليجي الإسرائيلي ضد إيران، إضافة إلى استمرار نشاط طهران التخريبي في اليمن ولبنان. تصريحات الرئيس بايدن ورجاله ونسائه خلال وجودهم في المعارضة، ثم زمن حملات الانتخابات، تبعث على القلق؛ لكن في الأيام القليلة الماضية تبعث على التفاؤل. فوزير الدفاع المرشح أيد وأثنى على اغتيال قاسم سليماني، وهو موقف لا بد من أنه صدم الإيرانيين. وكذلك وزير الخارجية المرشح أنتوني بلينكن لام الحوثيين، وحمَّلهم المسؤولية الكبيرة حيال ما يحصل في اليمن. ولا ننسى أنه كان نائب وزيرة الخارجية عندما نشبت الحرب بعد استيلاء الحوثيين على السلطة، وقال حينها في 2015: «إن ما قامت به السعودية وحلفاؤها لأمر بالغ الأهمية، لقد أرسلت السعودية رسالة قوية للحوثيين وحلفائهم، مفادها أنهم لا يستطيعون اجتياح اليمن بالقوة، وأن لا سبيل أمامهم سوى العودة لعملية الانتقال السياسي التي عطلوها». والتطور الجديد المهم، أنه تعهد أول من أمس، أمام الكونغرس، بإشراك دول الخليج وإسرائيل في أي مفاوضات نووية بشأن إيران، وهذا موقف مختلف تماماً عن سياسة أوباما الذي حرص على إقصائهم وإدارتها في سرية.


حاجي ريكاني    الحياة حيثما نبدأ وحيثما ننتهي،عبارة عن احداثٍ وتجاربٍ وممارساتٍ يومية،لكن طالما تبقى وتتعلق بعضاً منها في جدران الذاكرة،رغم إننا في كثير من الاحيان،لا نرى فيها ما يميزها عن غيرها من التجارب والذكريات التي سرعان ما نراها تخرج من أذهاننا لتتبخّر في فضاء النسيان. في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي،رايتُ يوماً صدام حسين عبر شاشة تلفزيون العراق، كان جالساً بين مجموعة من الفلاحين،فإستوقفتني عبارة خَرجتْ من فمه المِعوجْ حينما كان يحاديثهم بال"جلفي"،قائلاً:"إذا ما عندك رجلين توگف علیهن،فلا تتوقع واحد ينطيك رجله"وال (رجل)باللهجة العراقية الدارجة،يُقصدُ بها في الفصحى ب(الساق او القدم). هذه العبارة،لا إرادياً إلتصقتْ بذاكرتي وظلّتْ ترافقني طيلة الخمسة والثلاثين عاما من حياتي الماضية،ولازلتُ استذكرها بين الحين والأخر،تماماً كما هو الحال في مقالتي هذه،حيثُ اشيدُ بها ليس من باب التبجيل أوالتبرّك بشخص قائلها،بل تماشياً مع المبدأ القائل(خُذِ الحِكمة من أفواه المجانين)أو(خُذِ الحِكمة ولا يَضرُّكَ من أي وِعاءٍ خَرجتْ)،والرجل كما خبرَتهُ شعوب العراق والعالم كله،ما كان دكتاتوراً قاتلاً فحسب،بل كان مجنوناً ايضا. عنوان المقالِ أعلاه ربما يكون غريباً للوهلة الاولى،كونه مستوحى من شَعيرةَ(الصّفا والمَروة) كطقسٍ ديني يُمارسهُ المسلمون أيام فريضةَ الحّجِّ أوالعمرة،كسُنّةٍ إتبعتها اوّلَ مرةٍ السيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم حينما سعتْ جرياً بين جَبَليّ(الصّفا والمروة)في مكة،كمسعىً منها للبحث عن الماء لإرواء إبنها إسماعيل الذي كاد أن يَهلُكَ عطشاً.إلا أنه(اي العنوان)،لم يأتي جِزافاً، وانما تشبهاً ونِكايةً بتلك الصولات والجولات التي قامتْ وتقوم بها وفود اقليم كوردستان بين الحين والاخر،منطلقةً من أربيل إلى بغداد لإجراء المحادثات مع الجهات الحكومية وقادة الاحزاب الحاكمةفي العراق؛ليس سعياً للأرتواءِ من نهر دجلة المار بوسط بغداد،بلْ لأيجاد تفاهمٍ مشترك،أوحلٍ دستوري لكل القضايا,السياسية والادارية والاقتصادية،بل وحتى "العرقية" إنْ جاز التعبير،لكن الملفت في الامر أن الوفد الكوردي عقبَ كل حوارٍ،يرجع الى اربيل يا إمّا ب(خُفيّْ حُنينْ)،أو بأتفاقٍ هَشٍّ وحلٍ ترقيعيٍ مؤقت سرعان ما نراه يتهاوى.تماماً كما نتج عن زيارته الاخيرة،الذي ترأسهُ السيد قباد طالباني منذ تسنُّمهِ منصب النائب للسيد مسرور البارزاني في رئاسة الحكومة،كمحاولةٍ في إقناع حكومة الكاظمي لتأمين رواتب موظفي ألاقليم ومستحقاته من السنة المالية المنصرمة 2020. لا شك إن أحد أهم العوامل الذي حالَ دون التوصل في حلحلة القضايا العالقة بين بغداد واربيل حتى الان،هو العامل الخارجي والضغط ألاقليمي المتمثل بإيران وتركيا وتأثيرِ كليهما على المتحاورين وتوجيه سير المحادثات بين اربيل وبغداد الوجهة التي يبغيانها،هذا ناهيك عن العامل الداخلي المتمثل في ضخامة حجم الفساد المالي والاداري المستشري في بنية المؤسسات الحكومية وهدر المال العام وتضارب المصالح السياسية وألاقتصادية والشخصية للحكام المتنفذين سواءً في المركز أو في ألاقليم،بالاضافة إلى أن العراق مقبلٌ على إجراء إنتخاباتٍ نيابة في العاشر من شهر أكتوبر القادم.  الان،وبعد أن دخل شعب الأقليم عامه الجديد2021على مضض،كَثُرَ الحديث في الشارع الكوردستاني عن تشكيل وفدٍ سياسيٍ رفيع والتوجه الى بغداد من جديد،ونشطت ألاحزاب الكوردية تتداولُ الموضوع فيما بينها مرةً،وفي أروقتها المنزوية همساً تاراتٍ أُخَرْ،وبين هذا وذاك،انشغلت وسائل الاعلام الكوردية تُثير الخبرَ بإقتضاب. ولكن الابعاد والمعطيات السياسية على أرض الواقع تقول لنا،أن أيَّ وفدٍ مهما رَفُعَ مستواهُ،إنْ لم ترعاهُ أمريكا وألامم المتحدة،سوف لا يفلحُ في مسعاه مع الفرقاء في بغداد،على الاقل في تمرير الموازنة 2021 في مجلس النواب وإنْ حُظيَتْ بموافقة حكومة الكاظمي ووفد الاقليم،لكن رغم ذلك لا أجدُ ضيراً من أن يقوم الكورد بجولاتٍ أخرى من الحوارات مع المسئولين في المركز،ولا المركز له الحق أن يُهمّشَ ألاقليم،فطالما بقت المنطقة يشوبها التوتر وعدم الاستقرار،وطالما ألاقليم جزءٌ من العراق الفدرالي،وفق الدستور العراقي لعام2005 ،فظَني أنه من مصلحة أربيل وبغداد سويةً أن يجاروا الخصام والاحتدام،وأن يكونوا على وئامٍ وسلام. خلاصة القول،إن الادارة الذاتية،بل كيان ألاقليم بحد ذاته،ايلٌ للأضمحلال والزوال،نتيجة عدمية الرؤى والتخطيط الرشيد في الحكم وألاقتصاد والادارة،ألامر الذي أدّى الى إستفحال الفساد بكل صوره المقيتة في هيكلية الحكومة حد النخور.فيتحتَّمُ على الجميع، خصوصاً(علية القوم)مَنْ بيدهم زِمام الادارة والسلطة والقرار،أن يتحزَّموا بقوة الارادة ويُقوِّموا انفسهمْ قبل ان يُقوِّموا السلطة والادارة،فيعيدوا بذلك جسور الثقة بينهم وبين شعب إقليم كوردستان،وفي التالي القيام بإجراءْ إصلاحاتٍ جديّةٍ شاملة في جميع المفاصل الحيوية،لاسيما في قطاعي النفط والغاز والموارد المالية،وجباية الضرائب من الشركات الحزبية والشخصية،وضبط المنافذ الحدودية ووضع حدٍّ لكل الفاسدين الشرهين دون أدنى تمييز.حينها سيتعافى الاقليم ويقف على قدميه ولا يحتاج الاخرين بإعارة"رِجلٍ" من أحد منهم.         


جرجيس كوليزادة (1-2)   كلما امعنا النظر في الواقع الاقتصادي باقليم كردستان، وجدنا ان ادارة الحكومة تسير بدون بوصلة ولا خطط ولا رؤى سياسية واقتصادية مستندة الى منظورات استراتيجية لضمان عمل كافة القطاعات الاقتصادية من التجارة والزراعة والصناعة والطاقة والمصارف والايدي العاملة بصورة سليمة وبلا عقبات وبدون ازمات وبغير مشاكل تقوم بنخر المكونات الانتاجية. والواقع الحقيقي للاحداث والمسار الحكومي السائر بالبلد، وعلى مر السنوات من 1992 والى 2021 يثبت عدم امكانية الخروج باي تحصيل ايجابي من مسيرة ثلاثة عقود لنظام حكم تشكل من الفساد جسدا وقلبا وروحا، فكل شيء بالسياسة وكل عمل بالاقتصاد وكل فعل بالتجارة وكل خطوة حكومية اواهلية لم تخرج منها سوى رائحة النهب والهدم والفرهدة. وبينت الوقائع من خلال المشاهد الحياتية على الصعيدين الحكومي وغير الحكومي بالاقليم، ان الفساد المسيطر على الحياة العامة ممنهج ومبرمج من قبل السلطة الحاكمة من الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني ورئيسيهما مسعود برزاني والمرحوم جلال طالباني، فبعد ان استولت السلطة على كل الموارد والثروات والممتلكات العامة لكرد العراق منذ اكثر من عقدين ونصف ولم تبقي منها شيئا للمواطنين، بدأت نفس السلطة باتباع سياسة مبرمجة لتجويع الشعب منذ سنة 2014 والى يومنا هذا، وذلك لترهيبه اقتصاديا واجتماعيا وصحيا ونفسيا، وذلك من اجل بقاء الحكم وانتزاع الارادة والحرية والكرامة من جميع المكونات المجتمعية القومية والدينية الكردستانية، وتعريض اياهم الى سياسة تجويع بشعة شبيهة بعمليات الانفال الي ارتكبها النظام البائد ضد شعبنا الكردي. وسياسة تجويع كرد العراق ليست وليدة اليوم، حيث بدات منذ سنوات باستقطاع نسبة كبيرة (15-65%) من رواتب الموظفين باسم الادخار الاجباري، ومازالت مستمرة ويتحايل اكبر وخداع متواصل وفساد اكثر من الحكومة، ونتيجة لهذه السياسة العدائية ضد الموظفين والمواطنين، يخمن فقدان القدرة الشرائية للافراد لقوتها باكثر من (60%) في ضمان مستلزمات المعيشة، ويخمن فقدان الاسواق التجارية لقدرة التعامل الشرائي بنسبة (75%) من قدرة التسوق العامة للاستهلاك، ويبدو ان الغاية المنشودة من هذه السياسة الاجرامية هي تحويل المواطنين الى فقراء بمستويات معيشية متدينة مع حرص السلطة الدائم على بقائها ولو على حساب الشعب ولقمة عيشه. وسياسة الادخار الاجباري كان فيها بعض الالتزام لاعادة تلك الاموال في حالة توفير الامكانيات المالية، ولكن ما يحصل منذ سنة ونصف من استقطاع للرواتب بنسب معينة فهو بدون اي التزام او تعهد من الحكومة باعادتها، واظهرت السلطة نفسها وكأنها في حالة شبيهة بالبلطجية والقرصنة المتوحشة لنهب اموال الموظفين في وضح النهار. وضمن السياق نفسه فانه من ابشع اشكال الارهاب الاقتصادي المفروضة على الموظفين باقليم كردستان وتحت انظار برلمان كردستان والاحزاب الكردية ومجلس النواب والحكومة الاتحادية والرئاسة العراقية المخولة بحماية الحقوق الدستورية للمواطن، فرض نسبة الاستقطاع بحدود 85.5% كل شهر على رواتب الموظفين، حيث تبلغ نسبة القطع التمويلي (10.5) كل شهر، وبما ان توزيغ الراتب يتم كل شهرين مرة، فهذا يعني اساسا قطع الراتب بنسبة (50%) كل شهر، وبما انه تم فرض استقطاع اخر من قبل الحكومة الاتحادية وهو رفع سعر الدولار وتخفيض سعر الدينار بنسبة (17%)، الذي ادى الى رفع اسعار المواد الغذائية والادوية والسلع الاستهلاكية بنسبة اكثر من (25%) في الاسواق، وهذا الامر ان كان بمثابة توجيه ضربة اقتصادية واحدة الى المواطنين في العراق، فانه بالاقليم بمثابة توجيه ثلاث ضربات اقتصادية مهلكة الى المواطن الموظف، لانه بالاساس وجه له ضربة توزيع الراتب بشهرين وضربة قطع نسبة من راتبه وضربة ارتفاع الاسعار، وبذلك بلغ الاستقطاع من راتب موظف الاقليم 85.5% فلم يبقى له سوى نسبة 14.5% من الراتب لتأمين المستلزمات المعيشية والحياتية له ولعائلته لمدة ثلاثين يوما. وللتذكير فان حكومة الاقليم قد فرضت الارهاب المالي على رواتب الموظفين من سنة 2014 والى يومنا هذا، فاستقطعت على الدوام نسبة بين (15-65%) من الرواتب في السنوات السابقة، واضافة الى هذا فرضت من سنة 2020 ارهابا اخر وهو توزيغ الراتب كل شهرين او ثلاثة مرة، فعلى مدار السنة الماضية وزعت الحكومة فقط خمسة رواتب من مجموع 12 راتبا مع توزيع ثلاثة رواتب عائدة للاشهر الاخيرة من سنة 2019، وتتدعي بطلانا وبهتانا انها وزعت ثمانية رواتب في السنة الماضية. ولايصال صوت الاستنكار لسياسة الارهاب الاقتصادي المتبعة من قبل حكومة الاقليم الفاسدة ورئيسها، ولغرض كشف مخاطرها تم مخاطبة مكتب حضرة الرئيس مسعود برزاني برسالة ويبدو انها وصلت الى مكتب رئيس الوزراء وتم التبليغ بذلك، ولكن الرد عليه كان دون جدوى وبلا فائدة تذكر، حيث ظلت سياسة تجويع كرد العراق قائمة ومتواصلة ومتعمدة باصرار وعناد غير مسبوقين، ولا يخفى ان الاثار المترتبة عليها بمرور الوقت باتت اكبر شدة واكثر ايلاما. والمصيبة ان الحكومة وفي ظل الفقدان الكامل لمصداقيتها، وضياع ثقة الموظفين والمواطنين بها، بسبب لجوئها الدائم الى الكذب والتحايل والخداع على الشعب نهارا وجهارا، ومثل ذلك التحايل في تحديد مواعيد توزيع الرواتب حيث انها غير ثابتة ومتغيرة حسب اهواء ومزاج الحكومة ورئيسها، فكم مرة تعلن مواعيد عديدة متلاحقة كذبا وهراءا دون توزيع الراتب، والعمل الاكثر خبثا عند التوزيع هو الاقدام على إطالة الفترة الى ابعد فترة ممكنة فبعض المرات تصل الى ثلاثة اسابيع، هكذا هي اعمال حكومة الاقليم البعيدة عن الاسس الدستورية للمواطنة، ولا شك فان هذه التجاوزات والممارسات والسلوكيات المشينة للسلطة الحاكمة في تأمين وتوزيع رواتب الموظفين الجارية منذ سنوات خرق فاضح لكل الحدود الدستورية والقانونية والاخلاقية، ويقرأ منها تعمد وتقصد في اهانة وتحطيم كرامة كرد العراق، والا فمن غير المعقول ومن غير المنطق ان تستمر ازمة مالية كبيرة على مستوى اقليم لمدة ست سنوات ولم يكشف لها عن اي حل ولم يتخذ لها اي خطوة للمعالجة. والطامة الكبرى ان العائلات الحاكمة لمسعود برزاني وورثة طالباني والاغنياء الفاحشين فرغم االازمات العصيبة الجارية تزداد ثراءا سنة بعد سنة، وكأن السلطة ورموزها في واد والشعب في اخر، فلم يبقى قطاع حكومي او اهلي لم تسيطر عليه مافيات الحكم، ولم يبقى مشروع او تجارة او ملكية الا وللعصابات الحاكمة نصفها دون مقابل، فكل شيء منزل لهم من السماء بقدرة فاسد وملقى لهم من الارض بقدرة فاسق، وحتى من الفضاء مرسل لهم بقدرة مارق، فلم يبقى شيئ للمواطن يتنفس من خلاله ليقتنص ويتمسك بمنفذ من منافذ الحياة، فحتى الهواء في طريقها للتعبئة من قبل سلاطين الاقليم وبيعها لكرد العراق بالقرش الاسود. غرائب الحكم بالاقليم لا تعد ولا تحصى، فكل شيء مباح للعوائل والمافيات الحاكمة وجعبة القانون تحت اقدامهم منخورة، والحكومة مجرد عصابات ومافيات وجدت لحفظ ورعاية مصالح الكبار من الحزبين الحاكمين والتهام الصغار من اغلبية الاقليم، والحزب الحاكم مجرد بودقة لاحتضان عبادا ممسوخين وساجدين راكعين للعائلتين الحاكمتين وللبرزاني والمرحوم طالباني، والبرلمان مجرد ملعب للهو واللعب بالقوانين حسب مصالح الكبار، والنواب مجرد ادوات ودمى تتحكم بخيوطها السلاطين، والديمقراطية مجرد مزحة ونزهة تذهب البها العوائل الحاكمة للاستجمام والاستحمام لتغيير الازياء وتبديل قناع الوجوه، واعلام الحزب الحاكم مجرد مستنقع لاحتضان واطلاق الكراهية والبغضاء.


  رضوان السيد    على مدى عدة عقود، وعلى مرحلتين، انصرف كُتّاب المجلات السياسية والاستراتيجية في أوروبا والهند والشرق الأوسط إلى متابعة السياسات الخارجية الأميركية وتأثيراتها المدمِّرة على العالم، خلال العقدين الأخيرين من الحرب الباردة (1970 - 1990)، ثم خلال ما صار يُعرف بحقبة الهيمنة الأميركية (1990 - 2007) .            نهض إلى تحليل المرحلة الأولى الشيوعيون الكلاسيكيون، واليساريون الجدد، واليساريون الجدد أكثر، لأنهم كانوا يتطلعون إلى عصر جديد وإصلاح للنظام الدولي فيما بعد الحلفين؛ حلف وارسو، وحلف الأطلسي. ثم في المرحلة الثانية، انصبّ الجهد، وهذه المرة من جانب الليبراليين، وبينهم أميركيون وغيرهم، على نقد استراتيجيات ووقائع الهيمنة الأميركية المناقضة لدعوى ودعوة النظام العالمي الجديد التي تحدث عنها الرئيس جورج بوش الأب عام 1990.   وخلال نحو الأربعين سنة في المرحلتين، ما التفت الاستراتيجيون الأميركيون الكبار في الأعمّ الأغلب إلا إلى أمرين أو ظاهرتين؛ الانتصار الأميركي الساحق في الحرب الباردة وعواقبه، باعتباره انتصاراً للحرية والديمقراطية في العالم. وعلى هذه الشاكلة، جاءت أطروحات فوكوياما وهنتنغتون وبنيامين باربر بشأن نهاية التاريخ وصدام الحضارات والعولمة والأصوليات.   أما الظاهرة الأخرى فهي بروز نُخَب فكرية وسياسية أميركية، عُرف أعلامها بالمحافظين الجدد، يستسخفون النزعة الانعزالية الأميركية القديمة (التي ظلت تياراً في الحزبين الجمهوري والديمقراطي)، ويدعون إلى تدخلية أقوى في العالم لنشر مُثُل الحريات والديمقراطية بالقوة إذا اقتضى الأمر! ويتحمل هؤلاء جزءاً من المسؤولية عن حرب العراق. لقد اعتبر كثيرون ظاهرة المحافظين الجدد ظاهرة عابرة، تكونت من مجموعة من البيروقراطيين المتمردين ذوي الأصول اليسارية، ومن هنا أتت راديكاليتهم. ولذلك تكسروا نتيجة الفشل بأفغانستان والعراق.   أناتول ليفن A. Lieven وهارتز Hartz ومايكل ساندل M. Sandel يُطْلعوننا مع آخرين في العقدين الأخيرين على الانقسام العميق داخل المجتمع الأميركي، الشديد التنوع بين شعبوية محلية قوية في الجنوب الأميركي، تقول بالتفرد والمدينة الإنجيلية على الجبل، والأخرى التي تعتنق الدين المدني العام أو الإمبراطوري، والتي سادت في الشمال الأميركي خلال الحرب الأهلية وما بعدها.   وهناك فكرة سائدة، مؤداها أن السياسات الأميركية كلها محلية، وهمُّها مَنْ يسيطر بالداخل (ألكسيس دي توكفيل... الديمقراطية في أميركا... 1830). ومن لا يستطيع السيطرة في الانتخابات المتعددة الدرجات والجهات؛ فإنه ينكفئ قليلاً أو كثيراً، والانكفاء يولّد راديكاليات وشعبويات متصاعدة. وفي حين ما كاد الشماليون ينتصرون في الحرب الأهلية (وكلا الفريقين أبيض ومن الـWASP))؛ فإنه خلال 100 عام وأكثر صار الملوَّنون نصف الشعب الأميركي.   وما تزال بيروقراطية المؤسسات الفيدرالية منحصرة في الحزبين؛ لكنّ ظاهرتي ريغان وترمب، يمكن أن تنتج حزباً أو أكثر خارج الجمهوريين، كما أن راديكاليات السود واللاتين، يمكن لها أيضاً أن تنتج أكثر من حزب خارج الديمقراطيين. وهكذا ينبغي أن ننظر إلى أوباما، باعتباره ظاهرة أيضاً، في حين ما ظهرت كاريزميات قيادية كبرى حتى الآن بين لاتينيّي الولايات المتحدة، الذين سيشكلون أكثرية في العقود المقبلة. لماذا انفجرت الشعبوية الترمبية، «التي تجاوزت الجنوب الأميركي بالطبع» في عهد ترمب بالذات؟ لأن فئات كثيرة بيضاء متوسطة التعليم، وتعيش على حواشي المدن وفي الأرياف، شعرت بانحسار شديد لأدوارها في المجال العام، وفي فُرَص العمل، وفي التأثير على السياسات الداخلية في مسائل كثيرة. وفي الوقت نفسه، تصاعدت ضغوط الملوَّنين المتكاثرين من أجل الاستمتاع بالحقوق التي تتيحها لهم مواطنتهم.   ولأنهم صاروا أفضل تنظيماً «وتعليماً»، فقد أوصلوا أوباما المتلائم كثيراً مع أدبيات ومؤسسات وإجماعات الدولة والدين المدني العام. لكن البيض المهمشين خافوا كثيراً من ظاهرة أوباما الأسود، ومع ذلك صاحب الشخصية المدنية والنخبوية الجذابة. ولذلك، يمكن القول إنهم تشاركوا هم «The Crowd» وترمب معاً في إنتاج الشخصية التي اعتقدوا أنها تمثّلهم.   في كل فترة تظهر شخصية كاريزمية بيضاء نعرفها نحن في الخارج من خلال العداء للشيوعية أو للهجرة أو الانتصار لإسرائيل أو الكلام ضد الأوروبيين الكسالى المعتمدين على قوة الولايات المتحدة. ومن هؤلاء أمثال غولدووتر وجاكسون ومكارثي. إنما كل هؤلاء ينجحون أولاً في المحليات والولايات، ولا يتحدثون في الشؤون الكبرى إلا عند التفكير في الترشح للرئاسة.   وحتى ريغان كان له دور في الشؤون المحلية. أما ترمب فليست له تجربة في الوظيفة العامة، لكنه اشتهر بـ«المرجلة» (كما يقال) على المؤسسات وعلى القوانين، باعتباره رجل أعمال كبيراً وناجحاً. وقد كان دائماً شديد الإقبال على الإعلام. ولم يعرفه البيض المهمَّشون بالقوة ضد ضوابط القوانين فقط؛ بل عرفوه باعتباره ثائراً على الحزبين، وعلى كل البيروقراطيين وكل النُخَب «المتفلسفة والمنافقة» كما قال مراراً.   والواقع أن نُخَب الحزب الجمهوري قاومته، وإنما أرغم تلك النخب على ترشيحه جمهور الحزب المحافظ على وجه العموم. وهو عندما فاز بأكثرية ضئيلة صدّق ظنونهم، فتجاهل القوانين والأعراف، وراح يتصرف مثل «راعي البقر» جون واين وريغان الممثل، ليس مع الداخل فقط؛ بل مع زعماء العالم. استقوى بالدولة والمؤسسات لضرب المؤسسات مستخدماً هيبة الدولة والرئاسة. واستخدم في مئات الوظائف العالية والمتوسط أُناساً من أولئك الذين يحبهم أنصاره من العامة، وكثير منهم ليسوا من ذوي التجربة أو الكفاءة. والذي ثبت خلال 4 سنوات أن الرجل ليس «رجل دولة» كما ترى النخب الأميركية والأوروبية، بل هو رجل جمهور وعامة. ولا يخشى الاتهام بالعنصرية أو الفساد، ولا تُهمه كثيراً آيديولوجيا أو دوغما البراءة والزهد، وهي ليست من فضائل المدينة المتفردة على الجبل فقط؛ بل هي الفضيلة الرئيسية في الدين المدني الأميركي العام!   الطبقات الوسطى (بدون تحديد دقيق من الناحية الاقتصادية) هي التي صنعت المثال أو صورة أميركا عن نفسها. والأمر الآخر أنهم ربطوا تلك الصورة بأصل نشوء مجتمع المهاجرين هؤلاء، الديني والفكري. السود واللاتين أكدوا دائماً أنهم مؤمنون بهذه القيم، ويريدون المشاركة في «الحقوق» التي تقتضيها مدنية الحضارة المتفوقة. وعندما بدا أن أطروحات الحقوق تتقدم وتنتصر، واجههم نخبويّو المحافظين - كما يقول ساندل Sandel في «استبدادية الاستحقاق» - بضرورة التأهل لاستحقاق الحق. وما يزال النضال على أشدّه، فالقوانين منصفة بحدود معينة، وليس كذلك الممارسات في المؤسسات.   إن الشعبوية الجديدة البيضاء ترى أن البلاد الشاسعة لا تتسع لها وللآخرين المختلفين في الوقت نفسه، سواء تأهلوا أم لا. الانضباط الطويل في الدولة الأميركية سيُرغم على هدوء مؤقت. لكن هواجس وهموم الفتنة بالصورة والواقع لن تختفي. المهم بالنسبة لنا وللعالم كله عدم الشماتة أو إساءة التقدير، فالأميركيون صنعوا نظام العيش في العالم، ومن ضمن ذلك قيمه، فإلى أين يتجه العالم؟ مع أميركا، وليس ما بعد أميركا. 


  د. اراس حسين دارتاش  بصورة عامة... كنا نلاحظ،  ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ولغاية منتصف العقد الثاني من القرن الحالي، نوعا من الاستقرار الاجتماعي وحتى السياسي في معظم (( المجتمعات الغربية) التي نعتت إعلاميا وفي القاموس السياسي بـ(المجتمعات الديمقراطية)، حيث كانت تحكم من قبل الانظمة (افترضت) بانها ديمقراطية. نحن هنا لسنا بصدد تقييم تجربة تلك الانظمة الغربية بانها كانت ديمقراطية كاملةً ام نصف او ربع ديمقراطيةً، فلنترك هذا  للباحثين المختصين بهذا الشاًن. لكن.... تبدو ان ظروف تلك المجتمعات في (الديمقراطيات الغربية) اصبحت تشكل مصدرا لاًلهام المجتمعات الاخرى التي كانت تعيش في طل (الانطمة الاشتراكية) السابقة التي انهارت معظمها في بداية التسعينات من القرن الماضي تحت تاًثير (ايجابيات) المجتمعات الغربية تجاه (سلبيات) المجتمعات الاشتراكية. وكما اصبحت....ظروف المجتمعات الغربية، أيضاً، تشكل مصدراً لاًلهام معظم الشعوب الاخرى التي تعيش، في معظمها، في دول النصف الجنوبي للعالم في ظل الانظمة السياسية التي توصف بانها، كامل او نصف او ربع دكتاتورية ، والتي يفتقد فيها (الاًمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي) بصورة او اخرى، حيث اصبحت تلك المجتمعات الغربية محط أنظار الشعوب المتواجدة تحت ظل الانظمة السياسة التي تفتقد فيها (العدالة الاجتماعية و السياسية والاقتصادية) بقسط او اخر. على اي حال..... نحن هنا أيضاً، لسنا بصدد تقييم (الحالة المجتمعية و مستوى الديمقراطية) في هذه الانظمة الغربية ، بل ما يهمنا هو، بقدر ما يحصل فيها الان من الانقسامات الاجتماعية والسياسية والتردي الحاصل  في (الحالة  الديمقراطية)  فيها، التي تظهر في عدد من اعرق الديمقراطيات الغربية بدرجة او اخرى. حيث نلاحظ .... منذ النصف الثاني من العقد الحالي، هذا التردي في عدد من تلك الديمقراطيات خيب امال الشعوب المتواجدة  تحت ظل الانظمة السياسية التى تفتقر الى العدالة بأنواعها. وعلى سبيل الاستذكار لا الحصر ..... نحن لا ريد هنا ان نورد ما حصل من الانقسام في المجتمع الفرنسي بين التيار اليميني  والتيار الليبرالي في الانتخابات الاخيرة التي فاز فيها السيد ماكرون ومن ثم ما رافقها من تظاهرات عنيفة ومستمرة لحد الان، ولانورد ما حصل من الانقسامات قي المجتمع البريطاني ومووًسساته السياسية حول الخروج من منظومة الاتحاد الأوربي ولحد الان، ولا نورد هنا أيضاً التشتت و التفكك الحاصل في اتجاهات الدول الأوربية تجاه القضايا و الصراعات الدولية و الإقليمية التي تمسها، ولانورد هنا التلكؤ الحاصل في عمل و تمويل المنظمات  الدولية المتنوعة التي تشرف عليها الدول الغربية بدرجة كبيرة ، هذا ناهيك عن حدوث  الإرباك و العجز في عمل حلف الشمال الأطلسي تجاه الصراعات الدولية التي تمس مصالح الديمقراطيات الغربية . ما يهمنا هنا هو  ..... ما يحصل الان من  (انقسام أفقي ) داخل المجتمع الامريكي و ( انقسام عمودي ) داخل المووًسسات السياسية فيها المتمثلة بالحكومة و مجلسي النواب و الشيوخ و القضاء خلال  ( انتخابات ٢٠٢٠ ) ، و ما  رافقها من ادعاءات من قبل الرىًيس ترامب  ، حول قيام الحزب الديمقراطي و الأجهزة الانتخابية العائدة  له بعمليات التزوير لصالح ترشيح بايدن ، و قد اتهم ترامب مراراً حكام الولايات و محاكمها ، حتى الجمهورية منها ، بالنفاق و عدم النزاهة و التزوير  ......الخ من احداث غير  دستورية التي رافقت هذه العملية الانتخابية و التي هي معروفة للجميع باتجاه هدم العملية و المووًسسات الدستورية . على اي حال ....ان الرىًيس ترامب ، من دون عادة لبقية  الرووًساء ، استغل هذا الانقسام الحكومي و النيابي و القضاىًي بشاًن مصداقية نتاىًج انتخابات ٢٠٢٠ ، و اهم من هذا و ذاك  استغل الانقسام المجتمعي داخل المجتمع الامريكي ، من خلال الأصوات الموًيدة له و البالغة بحدود ( ٧٥ ) مليون صوت الذي يضم معظم ( التيار اليميني ) ، الامر الذي دفع به ان يدعو مناصره في يوم ( ٦يناير ) الحالي و من خلال خطاب مثير  لعواطف ، ان يقومو باقتحام مبنى مجلس النواب  خلال اجتماعه لمنع عملية تصديق نتاىًج الانتخابات لصالح الرىًيس المنتخب بايدن . خلاصة القول ...... أولاً - ان يوم ( ٢٠٢٠/١/٦ ) يعتبر مفارقة  تاريخية في مسيرة الديمقراطية الغربية لتنحدر نحو الهاوية تدريجيا و ان استمر الحال هكذا ، ان يطلب رىًيس اكبر دولة ديمقراطية في العالم من مواطنيه  ، كما يشاع ، باقتحام مبنى البرلمان الذي صادق عليه ديمقراطياً لكي يصبح رىًيساً لتلك الدولة ، الامر الذي جعل من ذلك البرلمان ان يعمل على اتخاذ اجراءات قانونية او ( ناقصة القانونية )  لعزله من الرىًاسة مرة اخرى . ثانياً- ان هذا التشنج و الانقسام المجتمعي و السياسي واصل الى مستوى مرعب و خطير  داخل النظام الامريكي ، بحيث ان (مكتب التحقيقات الفدرالي) قد حذر  من قيام جماعات يمينية متطرفة باحتجاجات ( مسلحة ) في العاصمة واشنطن في يوم تنصيب الرىًيس المنتخب بايدن رسمياً لاستلام مهام الرىًاسة في ٢٠ يناير الحالي، و ان الجيش لأمريكي ، و لأول مرة في تاريخ هذه الدولة ، يدفع بقواته الى واشنطن و (٥٠) مدينة بعواصم الولايات قبل مناسبة التنصيب ، و يوًدي  كل جندي في هذه الوحدات  ((القسم )) لحماية الدستور توخياً لحصول اي انقلاب عسكري داخل النظام الذي يفترض ان يكون ديمقراطياً . ثالثاً - و كذلك لأول مرة يحصل ان جميع القوات المسلحة الامريكية ( الشرطية و العسكرية )  تدخل في حالة التاًهب و الطوارىً لتاًمين هذه المناسبة و الممارسة الديمقراطية كأنها تستعد  لصد عدواناً عسكرياً متوقعاً . ثالثاً - و اغرب من هذا ، يبدو ان الامر خطير الى درجة ، فان واشنطن لم تكتفي بقوات الجيش و الشرطة العلنية و السرية لحماية المناسبة ، بل استدعت ( الحرس الوطني ) من ولايات أمريكية متفرقة لنشر  ( ٢٠ ألفاً ) من قواته في العاصمة واشنطن لنفس الغرض ، والمعروف  تاريخيا فان قوات الحرس الوطني كانت عبارة عن قوات ( ميليشياوية ) للولايات اضطر الكونكرس خلال عقود من الازمنة ان يوًطرها بإطار  من القوانين المتتالية لأجل كبح جماحها و انفلاتها بسبب حملها للسلاح ، و يفترض ان يكون عملها لمواجهة الاًزمات و الكوارث و التعامل مع الحشود المتظاهرين . باعتبارها قوة احتياطية موازية للجيش الامريكي . ختاماً......اذا كان حال من يقود الديمقراطية العالمية بهذه الصورة الماًساوية ، فكيف سيكون مصير الشعوب الاخرى المتطلعة نحو الديمقراطية و التخلص من استبداد انظمتها . و خير مثل يمكن من خلاله ان نفسر حالة الديقراطيةِ الامريكية الحالية هو : (( اذا كان رب البيت بالطبل ضارباً......فما شيمة أهل البيت سوى الرقص و الطرب ))... القصد هو : ((اذا كان رب الديمقراطية بالتزوير متهما ..... .. فما شيمة الشعوب المقهورة سوى  اللطم و البكاء)) ...  


 عبد الرحمن الراشد     على مدى عقود طويلة كانت الحياة في الولايات المتحدة تدور في فلك مريح محكوم بنواميسَ واضحة، وسائل الإعلام الكبرى ومصادر المعلومات الكبرى، وكالات الأنباء ومحطات الإذاعة والتلفزيون والصحف والإنتاج السينمائي والجامعات وحتى الكنائس والمعابد. الفلك الأميركي واسع وإلى حد ما حرٌ، وفيه هوامشُ كبيرة للأفراد والجماعات، وحرية الاختيار متاحة ضمن إطارها. وكانت هناك أحزاب شيوعية واشتراكية صغيرة جداً، ورغم حظرها إبان الصراع مع موسكو استمرت تعمل، وللشيوعيين مقرٌ بالقرب من «الوول ستريت»، القلبِ الرأسمالي النابض. وفيها أيضاً حزب نازي رغم أن ألمانيا النازية قتلت 400 ألف جندي أميركي في الحرب العالمية الثانية، ومسموح لهم بالدعوة وتسويق الكراهية ضد اليهود والسود. الحرية متاحة في الولايات المتحدة للجميع، لكنها دائماً تحت سقف محدود، حيث إن الدولة تبقى المهيمن ومركز الحركة، حيث لا يسمح لوسائل الإعلام مثلاً بأن تكون تحت هيمنة فرد أو شركة واحدة، ويمنع امتلاك محطة تلفزيون أو إذاعة من دون رخصة بدعوى أن «الشعب هو من يملك الموجات» أو الهواء. ولأسباب سياسية المجاميع المنبوذة لا تمنح رخصاً، وبالتالي تبقى صغيرة ومحاصرة. ومع التقدم التقني المعلوماتي، قررت السلطات تخفيف القيود حتى صار الشق أكبر من الرقعة، وصارت هناك محطات رقمية ووسائل شعبية كبيرة خارج سلطة القانون. في السنتين الماضيتين جرت عشرات الاجتماعات في الكونغرس وداخل اللجان الفيدرالية تبحث في كيفية السيطرة على الوضع، وأشهرها استدعاء قيادات شركات التقنية المعلوماتية الكبرى مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، بحجة أن الأعداء يحاولون التأثير على مجريات الانتخابات الأميركية، مثل الروس. وفي الأيام الماضية تطورت الأمور بشكل درامي وخطير، وجرت أحداث كثيرة منها ما هو معروف، مثل إجماع شركات السوشيل الميديا على منع الرئيس المنتهية ولايته من التعليق والتحريض والاعتراض، ومنها التحرك لقمع «الحريات غير المسؤولة». وسنشهد خلال الأشهر المقبلة نشاطات قانونية وسياسية لفرض المزيد من القيود على وسائل التواصل. الآن، أميركا تواجه عدوين إعلاميين خارجياً وداخلياً. العدو الخارجي تستطيع مواجهته من خلال تقليص عمليات التدخل السياسي. أما العدو الداخلي فهو الخطر الحقيقي، كما ظهر في اقتحام الكونغرس، وما اعتبر مخططاً للسيطرة، وانقلاباً على الدولة. هذا حصل من خلال استخدام الوسائل الخارجة عن السيطرة. وقد أثبتت السلطات الأميركية أنها تملك القدرة على إسكات من تعتبرهم خصومَ الدولة، حتى الرئيس نفسه، رغم سلطاته الهائلة، وجد نفسه محروماً من مخاطبة الشعب الأميركي. ولو استمر الخطاب المعادي لمؤسسات الدولة، الرئاسة والكونغرس والأجهزة التنفيذية والأحزاب، يحرك الجموع، فإن الدولة ستواجه مخاطرَ حقيقية، لهذا اتفق معظم الفاعلين، بما فيهم قادة الحزب الجمهوري، على لجم الرئيس والقوى المناصرة له. الرئيس ترمب، الأرجح من حيث لا يفهم، أطلق العنان للقوى الغاضبة الكامنة التي هبت لفرض ما تعتبره حقها، وهو بدوره لم يستطع إثبات ادعاءاته بالتزوير وسرقة الفوز من خلال القنوات الشرعية. لكن الولايات المتحدة بلد كبير من 328 مليون نسمة، وخليط من أعراق مختلفة، ومن دون ضابط لها فإن الفوضى حتمية ولا تحتمل الخلافات والتحريض الواسع. وسنرى لاحقاً أن المشرعين، والسياسيين، والعاملين في مجال «الأمن» السيبراني، سيضعون الكثير من القيود والعقوبات، وسيعودون إلى زمن السيطرة، من خلال تمكين المؤسسات الإعلامية الكبرى والقضاء على جيش النشطاء والغوغاء.


فرهاد حمزة ظهرت في قرن المنصرم عدة نظريات اقتصادية كانوا يتوقعون نضوب النفط في وقت ما ولكن لم تصدق توقعات جميعهم . (سبنسرديل ) احد الاقتصاديين الكبار يعمل لدى شركة ( B.P ) البريطانية قدم بحثا عام 2015 حول مصير النفط , في بحثه غير معظم مفاهيم التي كانوا يتحدثون عن نضوب النفط بل يتوقع نضوب الطلب على النفط , يقول ( اتوقع نضوب الطلب على النفط وبالنتيجة يهبط سعره) . يعتقد ديل بأنه هناك احتياطيا هائلا من النفط لم يكتشف بعد ويلبي حاجة الانسانية الى اليوم التي ينضب الطلب على النفط . بالرغم من ان سبنسر ديل لم يتحدث عن النفط في زمن فايروس كورونا ولكن الشركة التي يعمل فيها لها توقعات لسعر النفط ما بعد كورونا وهو 55$ لكل برميل من النفط , كذلك اوقف عمل البحث و التنقيب في المناطق ذات الكلفة العالية . نلاحظ بأن دول الاتحاد الاوروبي خصصت ميزانية كبيرة للابتعاد التدريجي عن استعمال النفط , كذلك ( جون بايدن ) الرئيس الامريكي خصص 2 ترليون دولار لتحسين البيئة والاهتمام ببدائل النفط . من المعلوم بأن اكثر من 70% من النفط تستهلك بقطاع النقل لهذا السبب بذل الدول الصناعية جهودها في تشجيع صنع السيارات الكهربائية بدلا من السيارات التي تعمل بالبنزين على سبيل المثال شركة (Tesla) بذل جهودا جبارة في صنع السيارات التي تعمل بالبطارية حيث اخترعوا بطارية مليون ميل وانشأءوا مصانع في عدة بلدان لهذا الغرض . لا يتوقع ابداً بأن يعود العالم الى ما قبل 2020 في استهلاك وقود الطائرات وحتى اذا زاد الطلب على الوقود يخترعون طائرات ذات استهلاك الواطئ للوقود . من جميع التوقعات نلاحظ بأن عام 2020 بداية نضوب الطلب على النفط ولا يتمكن دول اوبك بلاس ان يرفعوا سعر النفط مجددا كما فعلوه عام 2015 . من هذا نستنتج بان فايروس كورونا الذي غير مفاهيم كثيرة على الارض يصبح بداية لنضوب الطلب على النفط ولا يعود الايام التي كانت سعر النفط 100$


سوسن مهنا  كثير من الأخبار والروايات نُسجت حول شخص قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني، الذي حلّت ذكرى اغتياله الأولى في الثالث من يناير (كانون الثاني) الحالي. هذا القائد الغامض اكتسب شهرة عبر الإعلام العالمي، وإعلام "محور الممانعة" الذي أظهره كشخصية أسطورية مطلقاً عليه اسم "رجل الظل" و"الشبح"، وارتبطت هذه الشهرة بموقعه العسكري والأمني، ووُصف أيضاً بـ"قائد الانتصارات في العراق وسوريا ولبنان". هذا الرجل ترك أثاراً وبصمات في المشهد الإقليمي، وكان موضع إعجاب وذم وكره في الوقت نفسه، بحيث انقسمت الآراء حوله وكُتب الكثير عن حياته وكيف عاش وتنقل عبر الحدود كرجل "بلا ظل"، وهذا ما أعطاه قوة وغروراً بحيث أصبح يتكلم بطريقة مُستفزة ومُهددة للجميع في الأشهر الأخيرة من حياته. اغتيل سليماني في الثالث من يناير 2020 في هجوم لطائرة أميركية مسيرة بالقرب من مطار العاصمة العراقية بغداد. في كتابه "THE SHADOW COMMANDER", SOLEIMANI, THE US, AND IRAN’S GLOBAL AMBITIONS),  (قائد الظل: سليماني، الولايات المتحدة وطموحات إيران العالمية)، يقول الصحافي في "اندبندنت فارسية" والمؤرخ الإيراني أرش عزيزي الذي يعمل حالياً على أطروحة الدكتوراه في التاريخ ودراسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك، إن قتل سليماني "صدم الكثيرين"، "لقد تحرك بسلاسة عبر الحدود، كما لو كان يمكن أن يكون حاضراً في أكثر من مكان في الوقت نفسه. كان قائد الظل رجلاً بلا ظل. لكنه الآن مجرد جثة مشوهة". ويؤكد أنه لو لم يأمر دونالد ترمب باغتياله، لكان سليماني سيرشح نفسه للرئاسة عام 2021، وترك مقتله فراغاً هائلاً لم يتمكن خليفته حتى الآن من ملئه. الكثير من الأشياء التي لمسها كانت تقترن باسم القدس (القدس بالاسم العربي لها)، ثكنات تدريب القدس، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، وعمليتان في الحرب الإيرانية العراقية. من هو سليماني ولماذا أصبح بهذه القوة؟ ولد سليماني في قرية قناة مالك في محافظة كرمان الإيرانية في الحادي عشر من مارس (آذار) عام 1957، وفي تقرير لـ"Tablet Magazine" وهي مجلة يهودية - أميركية على الإنترنت، تحدث عن أهم ما ورد في كتاب عزيزي، تقول إن سليماني عانى من طفولة "ديكنزية"، إذ اتسمت بنقص المال والفرص بسبب وقوع الأسرة في ديون ثقيلة، ما أُجبر الشاب سليماني على ترك منزله والبحث عن عمل في مكان آخر، لا سيما في صناعة البناء، وحب الكاراتيه (وهذا ما غير حياته لاحقاً)، وولع بأزياء الرجال على غرار "سكارفيس"، والتطرف الديني. أثناء وجوده في كرمان، شهد سليماني ثورة 1979 الإسلامية. لم يلعب دوراً ملحوظاً في الانتفاضة، لكن مهاراته في الكاراتيه وكمال الأجسام أخذته لاحقاً إلى "الحرس الثوري الإسلامي" المشكل حديثاً. عندما غزا العراق إيران عام 1980، تحوّل الشاب سليماني من متحمس لصالة الألعاب الرياضية إلى جندي. في غضون سنوات قليلة كان يقود العمليات العسكرية. ومع الحرب الإيرانية - العراقية، سعى إلى مشاركة أوثق في الجبهة، بصفته عضواً في "الحرس الثوري الإيراني" الناشئ، وهي ميليشيا "نمت لتُلقي بظلالها على الجيش وتقزّمه... لم يخفِ سليماني الهادئ جداً طموحه. لقد خطط لجعل هذه الحرب حربه الخاصة". أُصيب في عملية "الطريق إلى القدس" التي حملت عنواناً كبيراً، والتي أدت بشكل متواضع إلى تحرير مدينة البستان من السيطرة العراقية. أعقبت استعادة خرمشهر، سلسلة من الأحداث الإقليمية كان من الممكن أن تنهي الحرب، إشارة إلى انتصارات إيرانية، ومحاولة فلسطينية لاغتيال السفير الإسرائيلي شلومو أرغوف في لندن، وما نتج من ذلك من توغل إسرائيلي في لبنان لطرد "منظمة التحرير" الفلسطينية. سليماني و"فيلق القدس" في عام 1998 تم تعيين قاسم سليماني لقيادة "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، ولكن لم يتم تخصيص الوحدة حتى عام 2001 لإحباط الخطط الأميركية في الشرق الأوسط. كما يشير عزيزي، فإن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الإرهابية في ذلك العام، جعلت طهران في صف واشنطن. اعتقدت إيران أنها ستسكتشف التعاون في الحرب على الإرهاب مع الأميركيين، لكن المفاجأة أن واشنطن أعلنت أن طهران جزء من "محور الشر". يكتب عزيزي، "لقد منح فيلق القدس التابع لسليماني العنان الآن من قبل كل من المرشد الأعلى والرئيس، لفعل كل ما في وسعه لتعطيل خطط الأميركيين". "الأميركيون يفهمون لغة القوة فقط، كما ذهب تفكير المرشد الأعلى. كان يجب ضربهم". سيُظهر الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 والانتفاضة السورية عام 2011، ما كان سليماني قادراً عليه. نما بثبات ليصبح أقوى رجل في إيران بعد المرشد الأعلى، وكان السياسيون الأقوياء، بمن فيهم الرئيس الإيراني، عاجزين نسبياً إلى جانبه، وأكسبته شهرته المتزايدة الكثير من المعجبين في الداخل، حتى بين أولئك الذين احتقروا النظام الحاكم. تسليح "حزب الله" و"حماس" لقد حقق التعظيم الذاتي والتسامح مع المذابح التي غُرست في شباب سليماني، أكبر مدى لها في تدمير سوريا من أجل دعم نظام الأسد، وشبه التدمير للبنان من خلال تسليح "حزب الله" ودعم هجماته على إسرائيل. كان سليماني أيضاً فخوراً بشكل خاص بدور "الحرس الثوري الإيراني" في تسليح "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في فلسطين، وتدريب صانعي القنابل وضباط الخدمات اللوجستية على شن حرب صاروخية وهجمات انتحارية. ويقدم عزيزي رواية رائعة للهجوم الانتحاري الذي نفذته المجموعة الأخيرة في مطعم مكسيم في حيفا في أكتوبر (تشرين الأول) 2003، وبهجة "الحرس الثوري الإيراني" في الوقت نفسه بإراقة الدماء من غرفة آمنة لفيلق القدس في دمشق، "دان ياسر عرفات الهجوم بأشد العبارات، وكان الإيرانيون مبتهجين بالصدقية التي سيجلبها لهم". حرب العراق وتأثيرها في سليماني أظهرت حرب العراق شجاعة سليماني داخل نفسية الشاب المدمرة، دوره في عمليتي الفجر 8 وكربلاء 4 لوحظ مرتين، كلاهما كان كارثة. في الواقع، كانت الحرب الإيرانية غير المجدية ضد العراق من 1982 إلى 1988 "شنيعة"، وصفها جيمس بوكان الناقد والمؤرخ الأميركي بأنها "أعظم كارثة حلت بإيران منذ الغزوات المغولية"، لكن من وجهة نظر سليماني "العالمية" لم تكن هناك "كارثة" أو "ذنب". أيضاً في الوقت الحالي وبعد موافقة الأميركيين على الانسحاب من العراق، كانت الحرب الإيرانية داخل العراق جزءاً من "استراتيجية إيرانية إمبريالية راسخة للسيطرة على الأراضي الأجنبية من خلال الميليشيات القوية التي استجابت لطهران". وبعد "حزب الله" في لبنان جاءت "كتائب حزب الله" في العراق من بين آخرين، والتي تضمنت مقاتلين أفغان وباكستانيين جندهم عملاء إيرانيون بأموال إيرانية. "الحرس الثوري" وسوريا يقول عزيزي إن العديد من  قادة "القاعدة" الذين بقوا على قيد الحياة وجدوا ملاذاً في طهران. ويتابع أنه سواء كان سليماني وفريقه في "الحرس الثوري الإيراني" يفضلون الشراكة مع أسامة بن لادن، أو إذا كانت كلمات جورج بوش الرئيس الأميركي السابق، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر "قلة غير منتخبة تقمع أمل الشعب الإيراني في الحرية" و"السعي إلى الحصول على أسلحة نووية" ووصفه إيران "بمحور الشر"، هي السبب، فقد "نجا سليماني من احتمال الشراكة مع الولايات المتحدة حتى أوتيت المفاوضات ثمارها في ولاية باراك أوباما الثانية"، على حد تعبير عزيزي. كان من نتائج هذا التعاون، دعم نظام القتل الجماعي لبشار الأسد في سوريا، والذي التزم أوباما ببقائه في وقت مبكر من رئاسته، بالاعتراف بـ "المصلحة" الإيرانية التي يمكن أن تستوعبها الولايات المتحدة في مخططه للهيكلية الأمنية الإقليمية حينها، وهذا من شأنه أن "يوازن" القوة الإيرانية المعززة، التي تضمنها الولايات المتحدة، ضد حلفاء أميركا التقليديين وأعداء إيران بما في ذلك إسرائيل ودول الخليج. لكن النظام الإيراني نفسه لم يكن مجمعاً على الإطلاق في "احتضانه الطاغية الوحشي والفاسد في سوريا"، يقول أحد أعضاء فيلق القدس: "كنا نعلم أن الأسد كان ديكتاتوراً بلا دين". "تذمر بعض الناس بشأن هذا في وقت مبكر. لكن عندما أصبح واضحاً أن القائد قرر شخصياً هذه الاستراتيجية، أطعناه جميعاً". علاقة سليماني بمحاولة اغتيال الرئيس اليمني السابق في مقابلة صحافية مع الكاتب عزيزي مع "مركز كارنيغي للشرق الأوسط"، حول ما ورد في كتابه عن أن سليماني أمر مباشرة بقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وما مدى عمق انخراط إيران في تفاصيل صنع القرار من قبل "جماعة أنصار الله" المعروفة بحركة الحوثيين؟". يجيب الكاتب "لقد قال لي اثنان من فيلق القدس معنيان بوضع سياسة إيران تجاه اليمن هذا بشكل منفصل. بالإضافة إلى ذلك، لقد قال مصدر في قيادة الحوثيين إن هذا كان طلباً من سليماني، وقد وافق عليه الحوثيون أنفسهم. وبالفعل لقد دفعتني الظروف التي وصفوها لي إلى الاعتقاد بأن المعلومات ذات صدقية. كما أنها تتوافق تماماً مع ما أعرفه عن سليماني وأسلوبه في اتخاذ القرار". وتابع "أما بالنسبة إلى الحوثيين، فعلى الرغم من وجود عدد متزايد من الإيرانيين الذين تم إرسالهم إلى اليمن، فإن مشاركة طهران لا تضاهي مستوى مشاركتها مع حزب الله، الذي أسسته إيران وتديره فعلياً سنوات عدة، ولا يزال يعتمد بشكل كبير على الحرس الثوري الإيراني". وأضاف "عندما يتعلق الأمر باليمن، فإن مشاركة إيران هي أكثر من مجرد ذراع. ولها عنصران أساسيان: محاولة مساعدة الحوثيين على أن يصبحوا أكثر تطوراً عسكرياً. ومحاولة منحهم أساساً أيديولوجياً أقوى". ويوضح "لكن أيادي فيلق القدس في اليمن والذين تحدثت معهم، كان لديهم نهج متعال تماماً مع اليمنيين، معتبرين أن التطورات في اليمن انتفاضة قبلية وليست إسلامية بشكل صحيح. ولا أعتقد أن إيران خصصت موارد كافية لزيادة نفوذها فيه". ثاني أقوى رجل في النظام وقت وفاته يقول المؤلف إنه في الصيف الذي سبق مقتل سليماني، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت عن خصمه القديم سليماني في مقابلة إذاعية، قائلاً "هناك شيء يعرفه، وهو يعرف أنني أعرفه، وأنا أعلم أنه يعرفه، وكلانا يعرف ما هو هذا الشيء". وأضاف: "ما هذا، هذه قصة أخرى". يقرأ عزيزي تصريحات أولمرت على أنها تهديد، وربما كانت كذلك، لكن وسط التهديدات المروعة والعنيفة التي انطلقت من طهران على مدى 40 عاماً (موجهة في الغالب إلى بلد أولمرت) يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق حسن الجوار، في المقابل كان سليماني يكره إسرائيل بهوس. يعتبر أرش عزيزي، أن سليماني، بعد 20 عاماً في الظل، بلغ ذروة نشاطه ما بين العراق وسوريا واليمن، وبدا أنه يستمتع بالحماية الفعلية للقوة الأميركية بعد الاتفاق النووي لعام 2015. وأصبحت تهديداته أكثر جرأةً، ووعد بـ "انتفاضة دموية" في البحرين في يونيو (حزيران) 2016، وسخر من الرئيس ترمب في خطاب متفاخر شهير في يوليو (تموز) 2018. لقد خلد بشكل غير شرعي زيارات مقاتليه من الميليشيات في العراق بصور شخصية (Selfies). وفي حين كان بن لادن يتعرض للمطاردة، بدا سليماني واثقاً من أنه ليس كذلك. ويستشهد عزيزي براين كروكر (السفير الأميركي السابق في العراق)، على أنه يلاحظ أن الجنرال "سمح لغروره بالتغلب على تقديره، خرج قائد الظل من الظل، لم يعش طويلاً خارج عالم الظلال".  ويكشف تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية نُشر في فبراير (شباط) 2019، عن أن واشنطن ارتكبت خطأ في العام 2007 عندما سنحت لها الفرصة باغتياله في العراق، ولم تنفذها. قوبل مقتل سليماني بالحزن والابتهاج داخل إيران. يصف عزيزي فرحة السوريين الذين تعرض بلدهم للهجوم من قبل نظام البعث وأسياده الإيرانيين. كان الإيرانيون، ولا سيما الشباب والباحثون عن الحرية، ليتذكروا عنف القوات شبه العسكرية ضد المتظاهرين الذي حرّض عليه سليماني شخصياً، وربما أعربوا عن تقديرهم أيضاً للصواريخ الأميركية التي أحرقته ووفرت لهم طموحه النهائي، "في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، طلب (سليماني) من بعض رجاله النظر في خوض الانتخابات الرئاسية".


  فائق يزيدي شهدت العاصمة الامريكية يوم الاربعاء 6/1/2021، تظاهرات واحتجاجات لم يسبق لها مثيل في بلاد العم سام، وصلت لحد اقتحام انصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى الكونغرس الذي كان يعقد جلسة مشتركة لمجلس النواب والشيوخ لفرز اصوات الناخبين الذين صوتوا في الانتخابات التي جرت يوم 3/11/2020، والتي فاز بها مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن. في الداخل الامريكي اتخذت جملة من الاجراءات لانهاء حالة الفوضى التي تسبب بها انصار ترامب والتي تعد سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، حيث أعلنت عمدة واشنطن فرض حظر للتجوال وتبعه اعلان حالة الطوارئ لحين انتهاء ولاية الرئيس ترامب، وخلال اقتحام مؤيدي ترامب لمبنى الكونغرس دعا بايدن، ترامب ليطلب من انصاره العودة الى منازلهم وهو ما فعله ترامب، وعاد الكونغرس ليستأنف جلسته وصادق على فوز بايدن فيما اعلن ترامب مباشرة ان انتقالا سلسلا للسلطة سيتم يوم 20 كانون الثاني الجاري، وجل هذه الاحداث والتطورات ان دلت على شئ فهي تدل على ان هناك احترام للقانون والدستور والمبادئ العامة التي تسير عليها العملية السياسية في الولايات المتحدة.  في الخارج على عكس الداخل وتحديدا في منطقتنا كانت النظرة مغايرة للاحداث الامريكية، وكالعادة كان التهكم والتقليل من شأن الولايات المتحدة ابرز ما ميز هذه النظرة، واعتبار ما رافق التظاهرات من مقتل متظاهرين واعتقال العشرات منهم قمعا وخنقا للديمقراطية وان الولايات المتحدة نظامها قمعي والديمقراطية الامريكية خدعة وما الى ذلك من المفردات والخطاب المعبر عن حالة يأس وعداء لكل ما هو امريكي، حتى وان كان ذلك مخالفا للواقع.  تظاهرات واشنطن بكل تأكيد مثلها مثل تظاهرات العواصم والمدن الكوردية والعربية في منطقتنا لكن أسلوب تعامل الجهات ذات العلاقة بها هو المختلف، من دعا للتظاهرات وهو ترامب، حتى وان كان شبيها بأحد السياسيين لدينا ممن شارفت ولايته على الانتهاء ودعا انصاره للتظاهر في اربيل، الا ان ترامب احترم القانون في بلده ودعا انصاره للعودة الى منازلهم، ولم يحرضهم اكثر فأكثر ولم يحرك مجلس القضاء الاعلى ليفتي بأحقية بقائه في السلطة، بل لجأ للقضاء والقضاء نظر في طعونه ورفضها ولم يحكم بأهواء ترامب، في الطرف الآخر المؤسسات التشريعية والتنفيذية لعبت دورها واتخذت الاجراءات القانونية، بل وحتى ان الكونغرس علق جلسته لسويعات لكنه عاد وعقدها وصادق على فوز بايدن ولم يكن كما برلمانات منطقتنا يرفع جلسته لاشعار آخر او يغادر اعضاءه البلاد للخارج لحين عودة الهدوء، اي ان النواب والشيوخ التزموا بعملهم واثبتوا ان المؤسسة التشريعية يجب ان تؤدي دورها مهما كانت الظروف.  على مر التاريخ التظاهرات لا تكون سلمية واي انسان او مجموعة حين تتظاهر فهذا يعني انها غاضبة وبالتالي فإن الاحتمالات مفتوحة لما ستؤول له التظاهرات لكن يبقى تعامل السلطات والمؤسسات مع المتظاهرين هو ما يحدد آلية ومصير التظاهرات، في الولايات المتحدة اثبت الامريكيون انهم دولة مؤسسات وان الديمقراطية لا تعني تعريض حياة المواطنين وامن البلاد للخطر، بل ان الديمقراطية هي لخدمة المواطنين وتحسين حياتهم وفي حال خال لرئيس ان يتمرد على القيم والمبادئ الديمقراطية فإن مؤسسات الدولة قادرة على ايقافه عند حده دون الذهاب الى المواجهة وادخال البلد في الفوضي. في المشهد الامريكي هذا والذي يشبه كثيرا مشاهد وقعت في عواصمنا ومدننا، لنا دروس وعبر في كيفية ممارسة الديمقراطية واحترام القانون وكيفية اداء مؤسسات الدولة لمهامها وابعاد النظام السياسي والبلد عن الفوضى، وعلينا ان نستقيها بعيدا عن التقليل من شأن الديمقراطية الأمريكية لأنها بكل بساطة ليست كذبة بل هي تجسيد واقعي وحقيقي لمفهوم الديمقراطية، وما جرى من تظاهرات في واشنطن واقتحام الكونغرس محسوب للديمقراطية الامريكية وهو انتصار لها ولدولة المؤسسات في هذا البلد. ‌


 د. اراس حسين دارتاش في يوم ( ٦ نوفمبر ٢٠٢٠ ) نشرت المقال التالي حول مصير ديمقراطية واشنطن بمناسبة الأحداث الغير الاعتيادية التي رافقت العملية الانتخابية الامريكية ٢٠٢٠، وعلى ضوء الأحداث الجارية حول مبنى الكونكرس الامريكي ومحاولات اقتحامه من قبل أنصار الرئيس ترامب في هذه الليلة والتي تتم فيها المصادقة على نتائج تلك الانتخابات من فبل مجلسي النواب والشيوخ ، لحسم موضوع من سيكون الرئيس المقبل دستوريا،  اجد من المفضل اعادة المقال ومسببات حدوث هذا المفترق التاريخي في الديمقراطية الغربية ..!!. (( هل تلحق ديمقراطية واشنطن باشتراكية موسكو نحو الزوال والتفكك...؟؟ )). منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، بدأ العالم يشهد احداثا غير مألوفة على مستوى الدول والشعوب، و هي خارج المعايير المألوفة  ، و بدأت المنظمات  والأحلاف  و الإتفاقيات الدولية تفقد فعاليتها في توجيه التوازنات الدولية . تاريخياً أخفقت منظمة ( عصبة الأمم ) التى تأسست في عام ١٩١٨ في تحقيق الأمن و السلم الدوليين ونشبت الحرب العالمية الثانية بتفاصيلها المعروفة للجميع . وبعد انتهاء الحرب تاًسست ( منظمة الاًمم  المتحدة ) في عام ١٩٤٥ في مدينة ( سانفرانسسكو ) كبديل لمنظمة عصبة الاًمم الملغية، وبهدف ( كما يفترض ) تحقيق السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان ودعم القانون الدولي . فمنذ عام ١٩٤٥ ولغاية ١٩٩١ اصبح لغدد من ( المبادىء والآليات والأحلاف )  الدولية تلعب دورا واضحاً باتجاه تحقيق نوع من التوازن الدولى بين الاتجاهات المختلفة و مسائل حقوق الشعوب بصورة او اخرى ، و تتمثل اختصاراً بما يلي :- ١- آلية (الاًمم المتحدة) ومنظماتها المتنوعة التي حافظت بصورة ما على مسار التوازن الدولي وخاصةً بين المعسكرين المتصارعين آنذاك المتمثلين بالمعسكر الاشتراكي و المعسكر الديموقراطي . ٢- سيادة ( المبدأ الإشتراكي) المزعوم في العمل في الدول الاشتراكية بقيادة (موسكو)، باتجاه تحقيق مصالح شعوبها حسب قناعة تلك الدول في ممارسة الحكم . ٣- سيادة (المبدأ الديمقراطي) المزعوم في العمل في الدول الراُسمالية بقيادة (واشنطن)، باتجاه تحقيق مصالح شعوبها في ممارسة الحكم .  ٤- وكانت هناك (آليتين) الى جانب آلية الأمم المتحدة تلعبان دوراً بارزاً في المحافظة على مصالح تلك المجموعتين من الدول و شعوبهما، و تتمثل بكل من :- أ -آلية  حلف (الناتو) العسكري الذي تاأسس في (واشنطن) في عام ١٩٤٩، لاجل حماية (الحكم) في  الدول الديمقراطية.  ب- الية حلف (وارسو) الذي تأسس في  عام ١٩٥٥ لاأجل حماية (الحكم) في الدول الإستراكية . باختصار ......ما يراد ان نتوصل اليه انه رغم وجود كل هذه الآليات و منذ عام ١٩٤٥ و لغاية عام ١٩٩١ نرى ان طبيعة العلاقات الدولية لم تكن مستقرة بشكل مطلوب، واستمرت الصراعات والتوترات بين المعسكرين وكذلك بين الدول ضمن المجموعة الواحدة و كانت من نتائجها المعروفة مايلي :-  ١- تفكك  دولة الاتحاد السوفيتي و معها معظم دول المجموعة الاشتراكية . ٢- العزوف عن ممارسة (الاشتراكية) في العمل . ٣- انهيار حلف وارسو . ٤- الفقدان التدريجي لدور وهيمنة  الأمم المتحدة ومنظماتها على الصعيد العالمي . ٥- حصول التضارب و التناقض بين دول المجموعة الديمقراطية وضعف دور اتحاداتها . ٦- حصول الضعف والتردد في دور حلف الناتو العسكري في مسألة حماية مصالح تلك الدول . وأخيرا ..... ما يحصل الان من ممارسات غير مألوفة  في (انتخابات ٢٠٢٠) الأمريكية، سواء من قبل المرشحين الرئاسيين  او ومناصريهما، لامر غير معتاد وغريب ان يحصل مثل هذا الوضع المأزوم بكل سلبياته في اعرق دولة ديمقراطية في العالم . وكما يصف من قبل وسائل الإعلام و المسؤولين والسياسيين الامريكان أنفسهم فان هذه الممارسة الانتخابية  الحالية تتصف بما يلي :- — محاولات اقتحام مراكز الانتخابات . — محاولات ابعاد المراقبين من المراكز الإنتخابية . — غلق أبواب المتاجر بالحديد خوفاً من عمليات نهب مرتقبة . —  التهديد بالسلاح ونشر الرعب بين المواطنين . — حصول  عمليات التزوير والتلاعب بالاصوات وفقدان الشفافية . — احتساب أصوات غير قانونية  . — احتساب أصوات المتوفين . — حدوث  المظاهرات وأعمال الشغب والمشاجرات بين المؤيدين لكل طرف . — حصول استقطاب تام واحتقان حاد في الشارع وبين مؤيدي الطرفين، والتلويح بالحرب الاهلية . — انتشار المفارز الأمنية في المناطق الحساسة لمواجهة اي طارئ .  —اهم من هذا وذاك هو توجيه طعون قانونية مسبقة بنتائج الفرز قبل انتهاء العملية بكاملها، والتهديد بعدم تسليم او تداول السلطة سلمياً، ....الخ . خلاصة القول ..... ان الصفات اعلاه اللصيقة (بانتخابات  ٢٠٢٠) الامريكية لا تختلف عن تلك التي تجري في دول فوضى غير ديمقراطية، وهي تسجل بكل المقاييس خيبة أمل لمعظم الشعوب التي تنظر الى الديمقراطية الامريكية كمثل اعلى يحتذى به، وشوهت الصورة الحقيقية للديمقراطيات الغربية، او ربما بينت حقيفتها المزيفة . ختاماً .... رأينا عمليا  في عام ١٩٩١  (انهياراً)  في تطبيق (المبدأ الاشتراكي) بدءا (بموسكو) ومن ثم ( تفككاً ) في منظومة (الدول الاشتراكية). فهل من المتوقع ان تؤدي (انتخابات ٢٠٢٠) الامريكية الى حدوث (الإنهيار) في تطبيق (المبدأ الديمقراطي ) بدءا بواشنطن و (تفككاً) في منظومة (الدول الديمقراطية ) و تذهب امال الشعوب هباءً ......؟؟!!. دعنا ماذا سوف نرى بهذا الشأن ..!!.


عبد الرحمن الراشد وجد السياسيون المتضامنون مع الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترمب، أنفسهم بين خيارين؛ إما خسارة الحكومة أو خسارة الحكم، الأغلبية اصطفت مع الدولة، فالمؤسسة أهم من الفرد. ما جرى أمس في واشنطن قانوني، بما في ذلك الاعتراض على النتائج وضد ترئيس جو بايدن، باستثناء اقتحام الكونغرس وتهديد أعضائه. اهتزت صورة الولايات المتحدة، البلد الذي يفاخر بنظامه ويحاضر على الأمم الأخرى بأخلاقياته، لكن ما يقال عن انهيار الولايات المتحدة وحرب أهلية وفشل النظام السياسي، لا يمت للواقع هناك بشيء. أميركا بلد مؤسسات، ونظامها راسخ. وما فعله الرئيس ترمب وشكك ملايين الناس في النظام كان امتحاناً لمؤسسات الدولة التي تفوقت عليه في الأخير. هناك فارق كبير بين التنافس على الحكومة والصراع مع النظام السياسي. الدولة أكبر من الحكومة ومن الأحزاب، وهي تمثل المؤسسات المختلفة، الرئاسة والتشريعية والقضائية والحكومة البيروقراطية، والحكومات الفيدراليات، ونشاطاتها ومنشآتها المدنية والعسكرية. والمؤسسة العميقة، المتهم الرئيسي في نظرية ترمب المؤامراتية، هي الأجهزة القوية للحكم، سواء عسكرية أو أمنية أو اقتصادية أو سياسية، مثل الحزبين الحاكمين في أميركا. ومن الطبيعي، بغض النظر عن هراء نظريات المؤامرة، أن هذه المؤسسات ستحمي الدولة، لا الحكومة أو الرئيس، ولن تسمح لترمب أو غيره بتدمير الهيكل أو هزّ أركانه. لا توجد هنا مؤامرة، ترمب فاز بالرئاسة بفضل النظام الذي يهاجمه، سمح له بالترشح والفوز والحكم، مع أنه لم يعمل في حياته في السياسة. نفس النظام الذي أدخل ترمب البيت الأبيض هو النظام الذي يخرجه منه اليوم، من خلال القوانين. وحديثه عن التزوير وسرقة الحكم كلام بلا أسانيد موثقة. النظام الأميركي ليس بريئاً تماماً، فهو يصنع قادته ويسمح للمتنفذين بذلك من خلال التبرعات وقوى الضغط ووسائل الإعلام، ضمن منظومة تشريعات معقدة تنتج مخرجات محددة. ودائماً في داخل الولايات المتحدة فئات ترفض هذا النظام وتتمرد عليه، وقد ثارت عليه في الستينات وكانت ثورتها في حركة الحقوق المدنية أعظم مما شاهدناه اليومين الماضيين وعمت كبريات المدن. لكن النظام الأميركي أكبر منهم جميعاً ولديه القدرة على استيعاب الغاضبين وإشراكهم، لهذا رأينا باراك أوباما من الأفارقة الأميركيين وكامالا هاريس من أصول هندية جامايكية. للأميركيين، الدولة وسلامتها أهم من اعتراضات ترمب وجمهوره، وتلجأ السلطة إلى القوة لحماية نفسها، وإلى عزل الرئيس إن شكل خطراً على نظامها. الجمهوريون بأغلبيتهم وقفوا أمس في الكونغرس ضد رئيسهم لأنهم يعتقدون أنه أصبح يهدد نظام الحكم ويشق صف الشعب. وهم في البداية ساندوه في شكواه وشكوكه في سلامة نتائج الانتخابات. مكنوه من استخدام كل السبل القانونية، رفع 50 دعوى في المحاكم الفيدرالية وخسرها إلا واحدة، كانت على عدد صغير من الأصوات. وذهب للمحكمة العليا التي معظم قضاتها من معسكر ترمب، وهي الأخرى رفضتها. رفاقه وقادة حزبه الجمهوري أيضاً رفضوا اعتراضاته، حكام الولايات المعنية الجمهوريون أيضاً قالوا له إن ادعاءاته غير صحيحة. لا يعقل أن كل هؤلاء متآمرون ضده! الفارق أنهم أبناء المؤسسة الحاكمة وهو دخيل عليها، لكن ترمب يتفوق عليهم بشعبيته الجارفة ومع أن ما يقوله عن المؤامرة والتزوير أوهام، وربما هو مقتنع حقاً بصحتها. وهذا لا ينفي أن خصومه ثعالب يعرفون كيف يديرون المعارك والانتخابات أفضل منه بدليل أنهم سهلوا عملية التصويت بالبريد التي كانت لصالحهم، مستفيدين من ظروف الوباء، وهو نظام لم يعرف ترمب كيف يتحداه مبكراً ويقيده بحيث يحرم خصومه من استغلاله. النظام الأميركي، طالما أنه يملك آلة صناعية هائلة، وسوقاً اقتصادية غنية، وجامعات ومراكز أبحاث مبدعة، وأمة حية، فإنه سيبقى قوة متفوقة. وما حدث أخيراً فصل مخجل ومحرج وسيتجاوزونه.


باقر الزبيدي راهنت أربيل على عدة مشاريع سياسية، بالتعاون والتنسيق مع بعض دول الجوار والإقليم منذ ٩ نيسان ٢٠٠٣ وكان أخرها وليس أخيرها مشروع الإستفتاء لتقرير المصير عام ٢٠١٧ وفي موازات ذلك كان هناك مشروع تديره حكومة الإقليم وهو المشروع الإقتصادي الذي له رعاة إقليميون أبرزهم تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة والذي تستحوذ شركاتهما على النفط المستخرج من الإقليم وكان من أهم الأهداف التي سعى أليها ذلك المشروع وعلى مدى السنوات العجاف من الإرهاب وما تخلله من صراع طائفي إلى جعل أربيل مركز جذب لرؤوس الأموال العراقية ومقراً للشركات الوطنية والأجنبية العاملة في العراق بإعتبارها مكاناً آمناً، ومع الإستقرار التدريجي للوضع داخل العراق بعد القضاء على "د ا ع ش" ومن قبلها على القاعدة وأخواتها بدأت رحلة العودة للرأسمال الوطني وكذلك الشركات إلى بغداد وتوسعت إلى البصرة ومناطق أخرى من الوسط والجنوب، ولم يعد الإقليم يحظى بالمكانة السابقة من الناحية الإقتصادية، وكونه منصة إقتصادية يطل منها على منطقة ملتهبة مركزها بغداد والتي تحولت إلى محور إستقطاب للباحثين عن مزاد العملة ! والتجارة والإستيراد مما دفع بحكومة كردستان إلى التواجد في بغداد عبر واجهات ومصارف وشركات في بغداد وأخرى في البصرة تعمل في مجال النفط، وتأمل أربيل وفق تصوراتها وحساباتها عن المشاريع الواعدة في البصرة وفي مقدمتها ميناء الفاو الكبير وبعد أن بان عجزها المالي وإحتياجها الوجودي إلى بغداد أن تكون في مقدمة المستفيدين من مشروع (الحزام والطريق) في حال مروره عبر الإقليم وصولاً إلى سوريا أو صعوداً إلى تركيا وهو حلم لا يمكن أن يتحقق لأن الإقليم وقيادته السياسية تحديداً لم يعد موضوع ثقة بغداد بعد تحكمه بمقدرات العراق وثرواته وإستهانته بالحكومة الإتحادية في كل تعاملاته في الداخل أو مع الخارج لاسيما وان الخيارات مع تركيا متاحة لوجود مسافة تتراوح ما بين (8-9 كيلومترات) تحد محافظة نينوى بالجارة الشمالية تركيا وبما يتجاوز معبر  إبراهيم الخليل.


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand