"بغداد عمقنا".. ما سر الانعطافة غير المسبوقة في الخطاب السياسي الكوردي؟

2025-10-22 17:41:48

عربيةDraw:

في تحول لافت بالمشهد الكوردي، تراجعت حدة الخطاب القومي المتشنج تجاه بغداد، لصالح نبرة أكثر واقعية تدعو إلى المصالحة والتنمية المشتركة، فبعد حملات التحريض والشكاوى المكررة، بدأت القيادات الكوردية تتحدث عن “قوة بغداد” بوصفها “قوة للإقليم”، في إشارة إلى رغبة حقيقية باستعادة الشراكة مع الدولة العراقية.

هذا التبدّل، وصفه محللون بأنه “انعطافة استراتيجية”، تعكس تراجع ثقة الشارع الكوردي بالشعارات القومية، وتصاعد مطالب الناس بحلول ملموسة لأزمات الرواتب والمعيشة، إلى جانب ضغوط دولية تدفع نحو التهدئة والوحدة.

ويقول الباحث في الشأن السياسي الكوردي، نوزاد لطيف،إن “الابتعاد عن الخطاب الكردي المتشنج، ومغازلة بغداد من قبل القادة الكورد، يعود لأسباب عدة، أولها قراءتها للشارع الكوردي، الذي يأس من الخطاب القومي المتشدد، والذي لم يلمس منه أي فائدة تذكر، وبدأ ينظر إليه كشعارات أصبحت محفوظة، ولم تعد تؤثر في ذهن الناخب".

ويشير إلى أن “السبب الآخر، يعود إلى رغبة كوردية شعبية بضرورة العودة إلى بغداد، لأن المواطنين يرون أن حكومة الإقليم، تتحمل مسؤولية عدم صرف الرواتب، وارتفاع أجور الضرائب، وأسعار الوقود، وهذا ما دفع الأحزاب للتناغم مع رغبة الشارع، وأن تعبر عن ما بداخله خلال الحملة الدعائية، لأن الخطاب والشعارات المتعصبة، لم تعد تجدي نفعاً".

ويعزو الأمر إلى سبب ثالث هو “تنامي المصالحة المجتمعية، بين الكورد والعرب والطوائف الأخرى، وهذا التعايش والاختلاط، أدى إلى تراجع الخطاب العنصري، لدى المواطنين، وبالتالي فالأحزاب لمست هذا الأمر، وبدأت تخاطب جمهورها، بنبرة أقل حدة تجاه بغداد، بل وتغازل الدولة العراقية، وتتحدث عن وجود رؤية لحل مشاكلها".

ويلفت إلى سبب رابع وأخير “وهو وجود رغبة دولية، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، بعودة الكورد إلى بغداد، وهذا ما أدركته القيادات الكردية، بأن قضية الانفصال السياسي أو الاقتصادي، لا فائدة منها، والمتضرر هو المواطن، كما حصل في قضية الرواتب".

وعُرف عن الأحزاب الكوردية توجيهها خطابات قومية خاصة بإقليم كوردستان العراق، وتتجاهل ما يجري في بغداد والمحافظات الأخرى، غير أن شعاراتها وخطاباتها هذه المرة اختلفت بشكل غير مسبوق منذ أول عملية انتخابية قبل عقدين.

يذكر أن زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، وجّه نواب حزبه ومرشحيه بتقديم الخدمة لجميع المحافظات العراقية دون استثناء، متحدثاً عن تحديات في عموم العراق، حثهم على المساهمة في حلها خلال المرحلة المقبلة، الأمر الذي قابله قياديون في الحزب بتوجيه رسائل إلى بغداد، بأنها عمقهم الاستراتيجي، في تراجع لافت عن الخطاب الكردي التقليدي، الذي كان يهاجم العاصمة على الدوام.

وكان الاتحاد الوطني الكوردستاني، قد اختار عبارة “قوتك في بغداد”، شعاراً لحملته الانتخابية، فيما أكد رئيسه بافل طالباني، بأن حزبه يسعى لحل مشاكل العراق، مشددا على أن برنامجه الانتخابي، لا يقتصر على الإقليم والمناطق الكوردية.

من جهته، يجد عضو الحزب الديمقراطي الكوردستاني ريبين سلام،أن “الرسائل الأخيرة التي وجهها زعيم الحزب مسعود بارزاني، رسائل إيجابية، وهي بمثابة الفرصة الأخيرة، لكي نؤسس لدولة حقيقية، تخرج من الأزمات، وتتجاوز أخطاء الماضي".

ويرى أن “قوة بغداد، هي قوة لإقليم كوردستان، والعكس صحيح، ولكننا نريد التزاماً بالدستور، واحتراماً للشراكة، وعودة الكورد كقوة شريكة في إدارة الدولة”، لافتاً إلى أنه “منذ عام 1991، كنا نتمتع باستقلال تام، وفي عام 2003، وبعد سقوط نظام صدام حسين، اخترنا العودة إلى الدولة الفدرالية، لنكون جزء رئيساً منها، إيماناً منا، بأن مستقبلنا سيكون مع بغداد".

ويردف “لم يتم احترام الدستور، ولم تنفذ المواد الخاصة بإقليم كوردستان، وعددها حوالي 50 مادة، ولم يتم احترام الشراكة والتوازن والتوافق في إدارة الدولة، كما تم قطع موازنة الإقليم عام 2014، وصدرت القرارات التعسفية ضد الكورد، وجعلونا نذهب للاستفتاء مجبرين، بسبب تصرفاتهم ضدنا".

وفي الدورات الانتخابية السابقة، كان قادة الحزبين الرئيسين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكوردستانيين، يلجآن لمهاجمة بغداد، ورفع حدة الخطاب القومي، لكسب الناخب الكوردي، قبل أن يتراجع الأمر بشكل كبير، في الآونة الأخيرة.

وبلغ الخطاب ذروته في عام 2017 وتحديداً خلال شهر أيلول سبتمبر، حين أجرى إقليم كوردستان استفتاء الانفصال عن الدولة العراقية، لكنه جوبه بقرارات من بغداد، ومن دول الجوار والعالم، أدت لتراجعه وانكفائه.

وعانى إقليم كوردستان من سلسلة أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية، أدت لتراجع مكانة الإقليم، الذي كان ينظر إليه كقوة اقتصادية واستثمارية جاذبة لباقي المواطنين في المحافظات العراقية، بسبب استقراره الأمني، وحركة الإعمار فيه والتي بدأت منذ السنوات الأولى لسقوط نظام صدام حسين.

لكن الأعوام الأخيرة، شهدت تراجعاً بسبب الأزمة المالية المتراكمة التي تمثلت بتأخر صرف الرواتب، حيث بات المواطن الكوردي لا يتسلم راتبه إلا بعد 70 يوماً، بسبب الخلافات بين بغداد وأربيل، وعدم الاتفاق على إدارة الملف النفطي، والمنافذ الحدودية.

يذكر أن رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، أعلن في 25 أيلول سبتمبر الماضي، عن توصل حكومته إلى اتفاق تاريخي ينهي الخلاف بين بغداد وأربيل حول إيرادات نفط إقليم كوردستان، عبر شركة سومو النفطية.

من جانبه، يرى عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غازي كاكائي، أن قضية الاعتدال في الخطاب الكردي تجاه بغداد، ليست جديدة على حزبه، فمنذ زمن بعيد، كان الاتحاد الوطني ينادي بذلك، وبضرورة حل جميع المشاكل العالقة بين الإخوة والشركاء في البلد وليس عبر وسيط خارجي، على حد تعبيره.

ويوضح كاكائي، أن “الاتحاد الوطني عمل منذ بداية الأزمة الأخيرة بين حكومة الإقليم، والحكومة الاتحادية، على إصلاح الوضع، وتقريب وجهات النظر، وهذا ما أسفر عنه الاتفاق النفطي".

ويذكر أن “الاتحاد الوطني يدرك بأن قوة الكورد، وحل مشاكلهم هو في بغداد، وأي تصعيد أو تشنج، هو ليس في صالحنا، ويجب أن نعزز من وجودنا وحضورنا في العاصمة، كما كنا في عهد مؤسس الحزب جلال طالباني، حيث كنا من أوائل بناة تأسيس الدولة الحديثة بعد عام 2003”.

 المصدر" موقع "العالم الجديد"

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand