السليمانية: انقلاب يُتوِج اهتراء سياسياً
2021-07-20 18:43:08
هيوا عثمان
بعد ثلاثين عاماً، لا يزال الفساد منتشراً في كردستان، وتسيطر النخبة السياسية على الثروة. قوات البيشمركة ما زالت منقسمة بين أربيل والسليمانية، على رغم وعود الأحزاب بتوحيدها.
شهدت السليمانية حدثاً لا مثيل له في التاريخ السياسي الكردي. أطاح الرئيس المشارك لـ”الاتحاد الوطني الكردستاني”، وهو الحزب الحاكم في السليمانية، بافل طالباني (نجل رئيس الجمهورية العراقية الراحل جلال طالباني)، بالرئيس المشارك الآخر، لاهور شيخ جنكي (ابن شقيق جلال طالباني)، وغيّر رؤساء أجهزة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى جانب سلسلة من التغييرات الأخرى في الهيئات التابعة للحزب الذي صادق عليها لاحقاً.
لم تكن الأحداث مفاجئة لمن يتابع الوضع منذ تولي الأحزاب السياسية الكردية السلطة في إقليم كردستان عام 1991. بل إنها في الحقيقة نتيجة طبيعية لفشل الأحزاب الكردية في مأسسة إدارة الإقليم الذي كانت تديره طيلة الثلاثين عاماً الماضية.
الشعارات المتكررة التي يستخدمها كل حزب في كردستان هي تقديم خدمات جيدة للشعب، فصل الحزب عن الحكومة وعدم التدخل في شؤونها، استقلال القضاء، محاربة الفساد، توحيد قوات البيشمركة والأمن والاستخبارات تحت سلطة حكومة إقليم كردستان. لكن في الواقع، حدث العكس.
تسمع كل يوم في كردستان الكثير من القصص عن قساوة أن تكون مواطناً عادياً مستقلاً، وعن امتيازات كونك عضواً فعالاً في الأحزاب السياسية.
بعد ثلاثين عاماً، لا يزال الفساد منتشراً في كردستان، وتسيطر النخبة السياسية على الثروة. قوات البيشمركة ما زالت منقسمة بين أربيل والسليمانية، على رغم وعود الأحزاب بتوحيدها. نعم لا تزال قوات البيشمركة اليوم تحت قيادة الأحزاب السياسية وتحديداً تحت امرة بعض القادة داخل الأحزاب، ولهؤلاء قواتهم الخاصة داخل أجهزتها. ثقة الجمهور بالقضاء في أدنى مستوياتها.
تاريخياً، عُرف النضال الكردي من أجل الحرية بأنه كفاح شرف وكرامة وتضحية. نضال كان يميز الصواب من الخطأ، وقد نقلت الأجيال الكثير من قصص الفخر إلى أطفالها. اليوم، التحدي الاصعب للآباء هو أن يحكوا لأطفالهم عن النموذج الصحيح الحديث للكوردايتي (خدمة القضية الكردية).
القادة والسياسيون هم الأغنى والأكثر “إنجازاً” في مجتمعنا، هم الأقوياء المحصنون، ويأتي في المرتبة الثانية ممثلوهم في مختلف القطاعات العامة والخاصة السياسية والأمنية.
اما البقية من علماء ورجال أعمال ومهنيين وأفراد كادحين، غير مستفيدين من نظام المحسوبية، فهم في الغالب مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة. رزقهم وحياتهم اليومية يعتمدان إلى حد كبير على المحصنين.
تسمع كل يوم في كردستان الكثير من القصص عن قساوة أن تكون مواطناً عادياً مستقلاً، وعن امتيازات كونك عضواً فعالاً في الأحزاب السياسية.
في معظم التعيينات في الخدمة العامة، المحسوبية والولاء للحزب والمحصنين هما المعيار الوحيد تقريباً لتولي مناصب مهمة في مؤسسات الدولة. ونتيجة لذلك فإن هذه المؤسسات المكلفة بتسيير حياة الناس صارت غير فعالة وغير منتجة.
من المألوف أن تدخل إلى دائرة من دوائر القطاع العام، سواء كان ذلك في مجال الصحة أو التعليم أو أي مجال آخر، وأن تجد أن من يرأسها شخص عديم الخبرة أو غير مؤهل، ووجوده في هذا المكان هو لمجرد ولائه لحزب أو قائد معين.
إذا كنت موظفاً حكومياً غير منتم لأي حزب، فستعاقب على أصغر خطأ ترتكبه، وإذا كنت في منصبك وأنت من حصة حزبك، فبالامكان التسامح مع أفدح اخطائك ومخالفاتك.
لا تستطيع أي شركة محلية أن تستمر في النجاح إذا لم تحصل على دعم عضو بارز في حزب سياسي، والدعم يكون عادة مقابل حصة أو رشوة. لا تستطيع أي شركة دولية العمل بشكل مريح في أي منطقة من دون استرضاء القائد الحزبي العسكري المحلي من خلال منح دائرة أقاربه أو أصدقائه بعض عقود الخدمة أو الخدمات الأمنية، كطريقة مهذبة لدفع الإتاوات.
مع هذا المشهد، وفي تحديد الأولويات، من الطبيعي أن نرى أجندات القادة السياسيين الفردية تأتي أولاً لضمان قوتهم وحصانتهم، وتأتي مصالح الأحزاب السياسية في المرتبة الثانية. أما قوة الحكومة والمؤسسات الأخرى التي يفترض أن تخدم الشعب، فهي في أسفل سلم أولويات أي سياسي هنا.
هذا المشهد لا يقتصر على منطقة واحدة أو حزب حاكم واحد في كردستان. الجميع يشترك في الخصائص ذاتها ومتورط في الارتكابات ذاتها. وبالتالي من الطبيعي أن تتعارض الأجندات الشخصية على مستوى القيادة.
ما حدث في السليمانية كان متوقعاً، بقدر ما كان عكسه متوقعاً أيضاً. الأمر يتعلق بمن يتخذ الخطوة الأولى، وحسب.