بغداد نحو التفاوض مع أنقرة بشأن وجود القوات التركية في العراق
2025-10-26 19:39:19
عربيةDraw:
تنشغل الأوساط السياسية والأمنية في العراق، بالتوجهات التركية الجديدة بشأن الإبقاء على قواتها داخل الأراضي العراقية، فيما أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أن حكومة بلاده ستناقش مع أنقرة قرار تمديد إرسال القوات العسكرية التركية إلى البلاد، في وقت تشن فيه وسائل إعلام تابعة أو قريبة من قوى تحالف "الإطار التنسيقي"، هجمات إعلامية غير مسبوقة على حكومة محمد شياع السوداني، معتبرين إياها "متماهية" مع المخططات التركية للبقاء في العراق.
وصدّق البرلمان التركي الأسبوع الماضي على تمديد إرسال القوات العسكرية إلى خارج البلاد لمدة ثلاث سنوات إضافية ابتداءً من 30 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وبحسب وكالة الأناضول التركية، فإن هذه الخطوة تستهدف "القضاء على الهجمات المحتملة على البلاد من جانب التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية". وأشارت المُذكرة الرئاسية التي تحمل توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى أن "التهديد الإرهابي المستمر في المناطق المتاخمة للحدود البرية الجنوبية لتركيا وعدم إرساء الاستقرار الدائم، لا يزالان يشكلان أخطاراً وتهديدات للأمن القومي"، وأكدت أيضاً "التزام تركيا الحفاظ على سلامة أراضي العراق ووحدته الوطنية واستقراره".
ويفسر مراقبون عراقيون القرار التركي بأنه "يهدف إلى إنهاء المخاطر التي قد تتكرر من قبل مسلحي حزب العمال الكردستاني، الذين يهددون الأمن الداخلي التركي، لكنه يؤسس لحالة دائمة لخرق السيادة العراقية، ولا سيما أن عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني بدأت خطواتها الأولى بإعلان الحزب حل نفسه في 12 مايو/ أيار الماضي، وتسليم أول مجموعة من قادته ومقاتليه السلاح في فعالية رمزية جرت في مدينة السليمانية، بإقليم كردستان العراق في 11 يوليو/ تموز الحالي، إلا أن العملية تسير بحذر وخشية من الإخلال بالاتفاق من أحد الأطراف، لكن معظم المدن العراقية الحدودية مع تركيا شهدت حالة هدوء غير مسبوقة منذ سنين طويلة".
وقال موظفان في وزارة الخارجية العراقية، إن "المسؤولين العراقيين استغربوا القرار التركي الأخير، وكانوا يتوقعون شيئاً مختلفاً عن السنوات السابقة، بشأن استمرار وجود القوات التركية لسنوات جديدة، خصوصاً أن التفاهمات والاتفاقات الأمنية بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة بوجود الوساطة والتنسيق العراقي، قد نجحت مبدئياً". وقال أحدهم إن "الإعلان التركي للإبقاء على الجيش لمدة ثلاث سنوات داخل الأراضي العراقية وعلى الحدود، يمثل حالة استفزاز للجماعات العراقية الرافضة للوجود التركي، بالإضافة إلى أنه يشير إلى تراجع تركي في الاتفاق مع العمال الكردستاني".
في السياق، أكد عضو تحالف "الإطار التنسيقي" والنائب في البرلمان معين الكاظمي، أن "حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تتحمل مسؤولية الحفاظ على السيادة العراقية، خصوصاً أننا كنّا نطالب برحيل القوات التركية، أما الإعلان التركي الأخير فيمثل استخفافاً بالسيادة والمطالب العراقية"، مشيرة إلى أن "تركيا تشعر أنها أقوى من العراق، ولا تريد الخروج إلا بتوقيتات خاصة بها، رغم أن معظم مبررات البقاء في العراق باتت غير موجودة، خصوصاً بعد الاتفاق مع حزب العمال الكردستاني على نزع السلاح".
وأضاف الكاظمي أن "تركيا تقابل العراق بالعناد، وهي لا تستمع للخارجية العراقية ولا في جانب المفاوضات بشأن المياه أو حتى منع التدخل في دعم أحزاب عراقية في مناطق توجد فيها الأقلية التركمانية، وتحديداً في كركوك، بالتالي لا بد من أن تتخذ الحكومة الحالية إجراءات حقيقية مع أنقرة لإنهاء حالات التجاوزات"، مؤكداً أن "بقاء القوات التركية لن يسهم إلا بمزيدٍ من التدهور الأمني، ولا سيما أن قوات الجيش والحشد الشعبي والعمال الكردستاني وحتى قوات البيشمركة الكردية لا تريد أن تكون هناك قوات أجنبية على الأراضي العراقية".
من جانبه، أشار عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السورجي، إلى أن تركيا تعتزم تمديد وجود قواتها العسكرية في الأراضي العراقية لمدة ست سنوات إضافية. وقال في تصريحٍ صحافي إن "العراق لا يشكل أي تهديد أمني لتركيا أو حدودها، ولا سيما بعد الهدنة بين حزب العمال الكردستاني والقوات التركية"، مبيناً أن "الحديث عن تمديد وجود القوات التركية لمدة ثلاث سنوات غير دقيق، إذ إن القرار الحقيقي الذي صدّق عليه البرلمان التركي يقضي ببقائها لست سنوات إضافية، وإن الوجود العسكري التركي في شمال العراق لا يرتبط حصراً بحزب العمال الكردستاني، بل يهدف إلى فرض النفوذ والسيطرة التركية على بعض المناطق، وخصوصاً نينوى وكركوك".
بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي عبد الله الركابي، أن "أنقرة لا تزال ترى في أن بعض أجزاء العراق وسورية تهدد الأمن القومي التركي، فهي لا تزال تخشى قوات العمال الكردستاني وقوات قسد، بالتالي فإن قرار البرلمان التركي جاء بناءً على طلب الرئاسة التركية"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "العراق لا يريد بقاء القوات التركية، لأنه مؤمن باستمرار الاتفاق مع مسلحي حزب العمال الكردستاني، لكن في سورية الوضع مختلف، ولا سيما أن الحكومة السورية تبدو متفقة مع تركيا في الإبقاء على القوات التركية".
ويمتلك حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، منذ عام 1994، العشرات من القواعد والمقار التابعة له في عموم مناطق الشمال العراقي الحدودي مع تركيا ضمن إقليم كردستان، وهي عبارة عن مقار وثكنات عسكرية تتوزع عليها قواته الذين يُقدر عددهم بأكثر من ستة آلاف مسلح داخل العراق فقط، غالبيتهم من الجنسية التركية.
وأنشأت تركيا أكثر من 40 موقعاً عسكرياً لها داخل العراق ضمن الشريط الحدودي مع تركيا، ضمن مساعي المنطقة الآمنة أو العازلة لمواجهة العمليات التي ينفذها الحزب داخل تركيا انطلاقاً من العراق. وأسست فصائل ومليشيات عراقية مدعومة من طهران علاقات مهمة مع أذرع حزب العمال الكردستاني بالفترة الأخيرة، وبدت متناغمة في المواقف، خصوصاً في ما يتعلق بتركيا وسورية بإدارتها الجديدة، كذلك بات جزء كبير من مليشيا "وحدات حماية سنجار"، الذراع المحلية لحزب العمال، ضمن "الحشد الشعبي"، ويتسلم عناصره رواتب ومساعدات حكومية منذ عام 2018 إبان حكومة عادل عبد المهدي.
المصدر: العربي الجديد