الحب والانتماء للوطن ….

2021-07-24 11:00:19

سعد الهموندي 
الوطن هو الخيمة الكبيرة التي يستظلّ بها الجميع، وهو الشجرة المثمرة التي تمنح أبناءها أطيب الثمار دون كللٍ أو ملل، وهو السماء العالية التي تحتضن كل مواطنٍ، لهذا فإنّ حبه واجبٌ تفرضه الإنسانية أولاً والانتماء الحقيقي ثانياً، لهذا فإنّ من واجب الأم والأب والمعلمين وجميع أفراد المجتمع تعليم حب البلاد للأطفال حتى يكبروا على هذا الحب، وأن يكونوا مستعدّين للدفاع عنه وفدائه بالروح والمال والدم، وغرس الانتماء في داخلهم، وهذا لا يكون بالقول فقط، بل يجب أن يُظهر الجميع القدوة الحسنة أمام الأطفال في الدفاع عن أوطانهم التي تمثل كرامتهم.
فحُبُّ الوطن ليس تعبيرات رمزية لحظية، أو شعارات وصور وأعلام تبرز في يوم من أيام السنة، أو عبر يوم إجازة رسمية، أو برنامجاً إذاعياً مدرسياً أو إخبارياً، بل هو ثورة ذاتية ملتهبة في النفس، تصدر من عمق الأرض ورحمها، فترسلُ أشعة نورها إلى القلب، فتحرِّك حرارتُها الأعضاء وتنير أمامها سبيل الحياة.. تلك الوطنية والوطن، المصطلحُ الرائج بين الأمم والحضارات والشعوب على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم ومذاهبهم، يتغنَّون بنشيده، يمجِّدون تاريخه وأمجاده، ويصطبغون بلون ترابه وطهره، يرسمون بسمة فخر ونشوة فرح واعتزاز غامر "مستديم" يحتّم علينا تفهمه وتشبعه وإرضاعه للأجيال .
حب الوطن ليس مجرّد كلمات رنانة يقولها الشعراء والأدباء، بل هو حبٌ بالأفعال والدفاع عن كيانه ووجوده، والشعور بأنّ أمنه جزء من الأمن النفسي والشخصي، لهذا فإنّ حب الوطن يظهر في تصرفات أبنائه وخوفهم عليه وحمايته من أي تدمير محتمل، واستعدادهم للدفاع عنه باستماتة ضدّ جميع المتربصين، وهذا لا يكون سوى من خلال التضحية بالروح مقابل أن تظلّ راياته خفاقة عالية تلوح في الأفق، وحبه يكون بالسعي لتطويره وتقدمه، ويكون هذا السعي للعلم وطلبه بجدٍ واجتهاد، والاختراعات والاكتشافات التي يقوم بها أبناء الوطن لرفعته ونصرته ووضع اسمه في المقدمة.
الدفاع  عن الوطن لا يكون فقط عندما يتعرض الوطن للاعتداء، بل في رفعته وسموه كل يوم، لكن أخطر أشكال الاعتداء هي:
النوع الأول: الاعتداء من قِبل دولة أخرى على هذا الوطن بقصد تسخير الشعب، وامتلاك ثروات أرضه كافة، أو بهدف التوسع الجغرافي للدولة الأخرى المحتلة على حساب دولة أخرى. وربما يكون هذا الاعتداء لأسباب عقائدية وأيديولوجية. وأيضاً قد يكون بهدف الطغيان. فكل أنواع الاعتداءات هي طغيان.
النوع الثاني من الاعتداء على الوطن: هو أن يتعرض هذا الوطن لمخطط تقسيم أرضه وشعبه إلى فئات متناحرة ومتذابحة بعد أن كانوا يعيشون جيراناً على أرض واحدة بذكريات واحدة. وهذا الاعتداء هو تمهيد في الغالب للاعتداء الأول. وربما يكون هذا الاعتداء من قِبل الآخرين بأيدي أبنائه الذين سُممت أفكارهم، وغُذيت بالكراهية والحقد وعدم تقبُّل الآخرين المختلفين عقديًّا أو أيديولوجيًّا، وتقبُّل فقط المساومين المتطابقين بكل شيء. 
أما النوع الثالث من الاعتداء على الوطن هو عن طريق الفساد الداخلي لأبناءه، عن طريق نهب ثرواته، وعدم تحمُّل أمانة المسؤولية العظيمة التي أُلقيت على عاتقهم في صون مقدرات الوطن وثرواته وثروة المواطنين جميعهم. وهذا هو السبب الرئيسي لضياع الأوطان. 
النوع الرابع هو في بعض مواطنيه أنفسهم الذين يخونون وطنهم في اللحظات الحرجة التي يحتاجهم إليها، فحينها نجد هؤلاء صامتين، وقد خمدت تغريداتهم وكأن على رؤوسهم الطير ، رغم أن الصمت في أوقات الأزمات خيانة للوطن، فمصالحهم الشخصية المتفق عليها مع الطرف الآخر ستتعارض لو فعلوا، وهنا يبيعون أوطانهم وكأنهم يبيعون قطعة حلوى مرمية على قارعة الطريق متناسين أن الوطن في النهاية مثله كمثل الأرض الأصيلة سيلفظ كل نبات لن تمتد جذوره إلى أعماقه!
حب الوطن حب فطري يولد مع كل كائن في الوجود، فالوطن هو الحضن والملاذ الآمن الذي تأوي إليه الروح، الوطن ليس مجرد أرض وأشجار وتراب، بل هو مجموعة من أشياء كثيرة لا يمكن فصلها أبداً، حب الوطن حب عظيم يجب آلا يخالطه رياء أو نفاق، لأن من لا يحب وطنه بحق لا يستحق أن ينتمي إليه أو يعيش فيه، ومن لم يكن وفياً لوطنه في الحرب لا يستحق أن يعيش فيه وقت السلم، الوطن هو الوطن بجميع حالاته وتقلباته، فإن تعرض لأي خطر فلا بد أن يتحول جميع أبنائه إلى جنود جاعلين كرامة الوطن فوق كل اعتبار.
نعم ما يلزمنا اليوم هو الحب والانتماء للوطن فقط.

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand