عبد الرحمن الراشد في ست سنوات، أصبحت تركيا أشبه بإيران؛ لديها ميليشيات من جنسيات مختلفة، وعلاقة قوية بالجماعات المتطرفة، وانتشار عسكري إقليمي، وحروب في قارتين، وخطاب سياسي راديكالي، واحتضان القوى المعارضة في المنطقة، وبناء محاور إقليمية مؤدلجة، والانخراط في مشاحنات إعلامية. هل تغيرت تركيا؟ نعم وإلى حد كبير، كانت في أنقرة مؤسسة سياسية تبدو أكثر اعتدالاً وتصالحاً مع محيطها والعالم، وكانت تفاخر بنجاحاتها الاقتصادية. ثم وقعت أحداث متسلسلة، كلها تحقق نتيجة واحدة؛ وهي تمكين زعيم واحد بسلطة مطلقة. طرح إردوغان مشروعه الدستوري الذي غير تركيا تماماً، عندما قاربت نهاية ولايته كرئيس وزراء وقبيل خروجه دفع بمشروع تعديل نظام الحكم، بإلغاء منصب رئيس الوزراء بعد أن أنهى فترته، 12 عاماً متصلة، وقرر القبول بمنصب رئيس الجمهورية البروتوكولي. تم إلغاء منصب رئيس الوزراء ونقل لنفسه صلاحيات شبه مطلقة، مع تقليص دور البرلمان. وأجرى تغييرات في قيادات الجيش والأمن والقضاء بحجة أن هناك مؤامرة انقلابية، وتخلص من حليفه القوي، فتح الله غولن وجماعته الدعوية، بسجن أكثر من مائة ألف من منتسبيها أو المتعاطفين معها. واكتمل انقلاب القصر لاحقاً، عندما تخلص من أقرب الناس إليه في الحزب، وأبرزهم أحمد داود أوغلو، لأنه اعترض على دور أبناء الرئيس وزوج ابنته في إدارة الحكومة، واضطره للاستقالة. وهكذا تغير هرم تركيا القيادي وتغيرت سياستها الخارجية. تدريجياً، نحا إردوغان نحو تقليد النموذج الإيراني. فبعد أن كان انغماس تركيا المتأخر في سوريا يعد حرب ضرورة بحكم التجاور، حتى ظهرت أنباء عن قيام تركيا باستخدام مسلحين من سوريا وغيرها تقاتل بهم كمرتزقة في مناطق مختلفة، كما تفعل إيران. ولم يكن ذلك محل تصديق حتى أصبحت موثقة دولياً. تركيا نفسها لم تنكر هذا التحول. وتمددت نشاطات ميليشيات تركيا بعد سوريا، إذ شملت ليبيا والعراق والصومال والقوقاز وناغورنو قره باغ، عدا عن استهدافها مصر والسعودية والإمارات واليونان. كما أن الدول الأوروبية بدأت تشتكي من نشاطات تركية أمنية ضمن الجاليات المهاجرة، عدا عن استمرار إردوغان في ابتزاز الألمان وبقية الأوروبيين يهددهم بإرسال ملايين اللاجئين ما لم يدفعوا له ما زعم أنها حاجته إلى الأموال للإنفاق على اللاجئين. لكن إردوغان أخطأ في حساب الأوزان عندما أطلق التهديدات ضد الولايات المتحدة أيضاً، واعتقل قساً أميركياً. فرد عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإجراءات عقابية كلفت الخزينة أكبر خسائرها، وأجبرت إردوغان على إطلاق سراح القس، وتجاهل الشتائم التي وردت في رسالة ترمب له، التي تعمد الأميركيون نشرها على الملأ. لاحقاً، سعى إردوغان لمصالحة ترمب في زيارته للولايات المتحدة. وقد نجح إردوغان في ذلك لولا أن المؤسسة العسكرية الأميركية تقف ضده في صفقة «إس 400» الروسية. «إردوغان الزعيم» مشروع يكلف أنقرة الكثير، وسيدمر اقتصاد البلاد، بعد أن كان الاقتصاد قوة تركيا الحقيقية قبل ست سنوات. إنما إعجاب الرئيس إردوغان بالإيرانيين وتشبهه بهم، لن يمضي بعيداً بسبب اختلاف المجتمعين والنظامين. فالقيادة في طهران جماعية، المرشد الأعلى و«الحرس الثوري» وجوقة رجال الدين في قم، أما أنقرة فليس فيها سوى إردوغان وأولاده، والأغلب أنهم سينتهون بنهاية الطريق، وربما قبل ذلك في حال استمر تدهور الاقتصاد التركي واستمر الرئيس في مغامراته. * نقلا عن "الشرق الأوسط"


محمد المنشاوي - واشنطن نجح دونالد ترامب في إحداث ثورة بالمعايير السياسية الأميركية، ونجح في إثارة حماس ملايين المواطنين ودفعهم للمشاركة السياسية بصورة غير مسبوقة، ولا أتوقع أن تنتهي الترامبية حتى مع هزيمة ترامب وخروجه من البيت الأبيض كما تذهب توقعات أغلب نتائج الاستطلاعات. قبل 4 سنوات مثّل ترامب تيار التغيير، الذي جاء مغردا من خارج دهاليز السياسة الأميركية مدركا أن بلاده والعالم يمران بلحظات استثنائية لا يجوز معها اتباع أساليب تقليدية سواء في الحملة الرئاسية أو في طريقة الحكم. ومثلت طبيعة شخصية ترامب عنصرا جاذبا لملايين الناخبين ممن اعتراهم القلق على ما يرونه تغييرا سكانيا مقصودا خلال نصف القرن الأخير، والذي جاء نتاجا لهجرة ما يقرب من 60 مليون شخص من دول أميركا الوسطى الكاثوليكية بالأساس وآسيا غير المسيحية، لجعل أميركا ومجتمعها أكثر تنوعا واختلافا عما ألفه الكثير من الأميركيين. وبلغ عدد سكان أميركا هذه العام ما يقرب من 330 مليون نسمة، منهم 60.4% من البيض مقابل 18.3% من الهيسبانيك (مكسيكيون كاثوليك بالأساس)، و13.4% من السود الأفارقة، و5.9% من الآسيويين، والبقية متنوعة. في ذات الوقت انخفضت نسبة البروتستانت من 50% في 2003 لتصل 36% في 2017، كما تقلصت نسبة المسيحيين إجمالا لتنخفض من 83% إلى 72% في الفترة نفسها، ويرفض الكثير من المتعصبين البيض البروتستانت الاعتراف بواقع أميركا الجديد، حيث يرون في التغيرات تلك تهديدا وجوديا لهم ولأميركا التي في مخيلتهم الجمعية. قبل 4 سنوات فاز ترامب لمخاطبته جمهورا يشعر بالجرح والهزيمة بطريقة أبوية بها عطف ووعود غير واقعية؛ إلا أنها كانت ضرورية. ويؤمن التيار المحافظ الواسع المؤيد لسياسات ترامب أن هناك صحوة دينية داخلية يصاحبها دعوات لدور متنامٍ للدين "المسيحي" في المجتمع، وهو ما يمثل انعكاسا أو صدى لأفكار فريق كبير من الأميركيين، الذين يقطن أغلبهم المناطق الريفية أو الجنوب، وضواحي الولايات المحافظة. نجح ترامب لإدراكه عدم أهمية الإطار الأيديولوجي لأغلب الأميركيين مقابل إدراكه اهتمامهم الكبير (مثل بقية شعوب العالم) بهويتهم وانتمائهم الديني والإثني والعرقي. قبل 4 سنوات فاز ترامب لمخاطبته جمهورا يشعر بالجرح والهزيمة بطريقة أبوية بها عطف ووعود غير واقعية؛ إلا أنها كانت ضرورية. أرضى ترامب المحافظين الاجتماعيين المتدينين، الذين يمثلون حجر الأساس وسط الفئات المؤيدة للحزب الجمهوري عن طريق الوقوف في وجه سياسات أقرتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ورأوها استفزازية ومعادية لقناعاتهم الدينية مثل تقنيين زواج المثليين أو دعم الجماعات المؤيدة للإجهاض بأموال دافعي الضرائب. لم تكفِ خطابات ترامب العنصرية والفاشية خلال سنوات حكمه ضد كل ما هو غير مسيحي أبيض كي تثني الجمهوريين عن الاستمرار في دعمه؛ بل يبدو أنها كانت السبب المباشر وراء هذا الاصطفاف. لم يتفوه ترامب حتى اللحظة بكلمه "آسف" أو "لم أكن أقصد ذلك"، وكان كل ما ذكره كفيلا بإسقاط أي مرشح تقليدي. أدرك ترامب أهمية إثارة الجدل والحماس في ظل شعبوية يمينية متصاعدة حول العالم، وكذلك حجم الغضب في الداخل الأميركي من اقتصاديات وسياسات العولمة، التي تبنتها واشنطن، ومهدت لها الطريق خاصة مع هجرة المصانع للصين، وعدم توفر بديل للعمالة الأميركية. وفاز ترامب لأسباب عدة من أهمها نجاحه في تحصين نفسه ضد أي أخطاء أو سقطات، يقول ما يقول، ويخطئ ما يخطئ، وذلك كله بدون حساب.   لم يتفوه ترامب حتى اللحظة بكلمه "آسف" أو "لم أكن أقصد ذلك"، وكان كل ما ذكره كفيلا بإسقاط أي مرشح تقليدي. "أميركا أولا" و"لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" و"ضرورة بناء أسوار وحواجز لمنع الهجرة" كلها شعارات لم يخترعها ترامب؛ بل هي موجودة، ولم تختف منذ تأسيس الدولة الأميركية، ولن تختفي حال هزيمة ترامب. انقسم المجتمع الأميركي، والذي يعكسه تقارب استطلاعات الرأي بين بايدن وترامب، وهو ما يظهر في صورة صراع ثقافي لم تشهد البلاد له مثيلا من قبل، ومهد هذا الانقسام الطريق لفوز ترامب بالرئاسة قبل 4 سنوات، وزاد ترامب من حجم وهوة الانقسام، وجعله مستمرا متوهجا حتى مع التعرض لجائحة حصدت أرواح ما يقرب من ربع مليون أميركي، وأصابت ما يقرب من 9 ملايين آخرين. ومثّل ترامب وسيطرته على الجمهوريين بصورة كاملة بما فيها تيارات الحزب التقليدية واليمينية المحافظة؛ شهادة ميلاد جديدة في ظل استمرار التغيرات السكانية المعادية للجمهوريين. قبل أشهر حث القس الشهير جيري فالويل جونيور أتباعه من المحافظين المسيحيين على "التوقف عن انتخاب مرشح طيب قد يكون قائدا مسيحيا مثاليا.. علينا انتخاب قائد محنك مثل ترامب في كل مستويات الحكم؛ لأن الديمقراطيين الليبراليين الفاشيين يلعبون بنا كي ندعم قادة محافظين ضعفاء من أصحاب الأخلاق الرفيعة". لا يتوقع أن تُسفر هزيمة ترامب في انتخابات 2020 أو نجاحه، ومن ثم خروجه من البيت الأبيض عام 2024، عن اندثار التيار الفكري، الذي عبر ترامب عنه وامتطاه خلال السنوات الأربع الأخيرة. سيجدد هذا التيار نفسه من خلال فرز عدد من الزعامات، التي دعمت ترامب بشدة، واقتربت منه، واستفادت من كشفه لطبيعة هذه التيارات اليمينية والتعبير الصريح عن هواجسها وتفضيلاتها. ويبقى عدد من الساسة الجمهوريين ينتظرون خروج ترامب من المشهد لبدء خطوات البحث عن زعامة تيار وُجد ليبقى، شخصيات مثل السيناتور توم كوتن، والمندوبة السابقة بالأمم المتحدة نيكي هيلي، والسيناتور تيد كروز، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والسيناتور ماركو روبيو، وبالطبع نائب الرئيس مايك بنس، ينتظرون طي صفحة ترامب ليبدأ التنافس فيما بينهم على تجديد الترامبية لتناسب غياب شخصية ترامب الطاغية.   *باحث وكاتب متخصص في الشؤون الأميركية، ظهرت كتاباته في كبريات الصحف الأميركية مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز وفورين بوليسي وغيرهم. عمل المنشاوي في عدد من مراكز الأبحاث بواشنطن


سردار عزيز - معهد واشنطن أصدرت الحكومة العراقية مؤخرًا ورقة بيضاء تفصّل فيها الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي ترمي إلى انتشال البلاد من مشاكله الاقتصادية الحالية. وتقترح الورقة البيضاء للإصلاحات الاقتصادية – التي وضعتها خلية الطوارئ للإصلاحات المالية والاقتصادية، المشكّلة في أيار/مايو من أجل إدارة إصلاحات البلاد الاقتصادية – عمومًا إصلاحات تتماشى مع متطلبات "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" للدول النامية. وفي حين يوافق الخبراء على أن هذه التدابير القاسية ضرورية، سيكون من الصعب تطبيقها وستواجه على الأرجح اعتراضًا من الشعب العراقي.  ومن خلال إصدارها الورقة البيضاء، قامت الحكومة العراقية الحالية بخطوة جديدة وغير اعتيادية في تاريخ البلاد السياسي. فنصف المستند المفصل المؤلف من 96 صفحة هو تشخيص لمشاكل العراق الاقتصادية وجذورها. وكما غرّد نائب رئيس الوزراء ووزير المالية العراقي علي علاوي في 18 تشرين الأول/أكتوبر "ورقة الإصلاح شخصت برؤية علمية وموضوعية المشاكل الاقتصادية والمالية التي تشكّل تحديات حقيقية يمكن التغلب عليها بأسلوب التخطيط الاستراتيجي المبني على التحليل الموضوعي للواقع واستخلاص الأهداف الاستراتيجية كأولويات ملحة". ومن خلال تفصيل جذور هذه الأزمات الاقتصادية والمالية، تعيد الورقة البيضاء الأزمة الحالية التي تعصف بالبلاد إلى سبعينيات القرن الماضي. فيصف التقرير كيف عوّلت الدولة لنصف قرن من الزمن على إيرادات البلاد النفطية المتزايدة فقط من أجل "توسيع القطاع العام" و"السيطرة بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد". وخلال هذه الفترة، شهد العراق بروز دولة ريعية. وقد استمرت هذه المشاكل خلال القرن 21 بسبب عدم تطبيق "سلطة الائتلاف المؤقتة" لبرامج "العلاج بالصدمة"، ما ترك البلاد عرضةً لأنظمة اقتصادية ومالية تتسم باقتصاد موجّه ودولة ريعية ونظام طائفي حاكم ودرجة عالية من تدخل الدولة في مفاصل البلاد.  واستجابة لماضي البلاد الاقتصادي المضطرب، تهدف الورقة البيضاء إلى إرساء التوازن في الاقتصاد العراقي من خلال السماح للدولة بتنويعه وسط استحداث فرص اقتصادية للمواطنين. وتبرر ضرورة التنوع هذا بالاستناد إلى تقرير "صندوق النقد الدولي" لعام 2019 الذي حذّر من أنه "في ظل عدم إدخال أي تغييرات على السياسة، سيؤدي عجز الموازنة المتزايد إلى تحييد الموارد عن الاستثمارات الأساسية لإعادة إعمار البلاد وتحسين الخدمات العامة، وسط تقويض الاحتياطات وطرح مخاطر تهدد الاستدامة على المدى المتوسط". لكن لا يمكن بسهولة تحقيق الأهداف الواردة في الورقة بما أن تطبيق الإصلاحات سيتطلب تدابير قاسية.  وفي العام 2003، صرّح علي علاوي، الذي كان آنذاك وزير التجارة في الحكومة المؤقتة، والذي يُعتبر مهندس الورقة البيضاء الحالية بأننا "عانينا بسبب النظريات الاقتصادية الاشتراكية والماركسية ومن ثم المحسوبية. والآن نواجه احتمال تطبيق أصولية السوق الحرة". وهذا النوع من الأصولية يتجلى بشكل واضح في الورقة البيضاء. فتوصياتها تشبه إلى حدّ كبير برامج التكيّف الهيكلي التي يفرضها "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" على الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وغالبًا ما ترغم هذه البرامج الحكومات على تقليص النفقات الحكومية على الحاجات الأساسية مثل التعليم، والرعاية الصحية، والبيئة ودعم أسعار السلع الأساسية على غرار الحبوب الغذائية. فضلًا عن ذلك، تلزم هذه البرامج الحكومات بخفض قيمة عملاتها الوطنية وزيادة الصادرات، ما يؤدي إلى تراجع الأجور الفعلية ودعم الاستثمارات الأجنبية الموجهة نحو التصدير. ومن المفترض أن تحصل كل هذه التغييرات في سوق مالي حرّ ومفتوح.   غير أن تطبيق مثل هذه التغييرات في السياسة سيكون صعبًا على الأرجح في العراق. وفي هذه الحالة، يُعتبر تخفيض معدل مجموع الأجور إلى النصف ووقف الدعم وخفض قيمة العملة والاقتراض، الركائز الأساسية للورقة البيضاء. لكن أيًا من هذه المهمات لن يكون بسيطًا ولن تحظى الكثير منها بالتأييد الشعبي.   وفي ما يتعلق بالاقتراض، تسعى الحكومة العراقية إلى اقتراض 35 مليار دولار لتمويل عملياتها. لكن البرلمان العراقي لا يسمح للحكومة بالاقتراض من الخارج، لذا فإن الاقتراض المحلي هو الخيار الوحيد. إنما في دولة تمزقها الحرب، تُعتبر مصادر التمويل المحلي ضئيلة. وعلى نحو مماثل، لن يكون تحسين الكفاءة والإنفاق في القطاعات العامة العراقية – وبخاصةٍ من خلال خفض قيمة العملة ووقف الدعم – سهلًا. على سبيل المثال، تُعتبر الكهرباء، أحد أبرز مجالات الإنفاق العام في العراق، مشكلة اقتصادية وفنية وجيوسياسية معقدة في البلاد. وكان تقرير "صندوق النقد الدولي" 248/19 قد "أوصى بأنه يجب أن تولي تدابير الإنفاق الأولوية لاحتواء النمو في مجموع الأجور وخفض الدعم الممنوح إلى قطاع الكهرباء". غير أن هذه التدابير تتعارض مع الممارسات القائمة. ففي العراق، ثمة فرضية بأن الدولة ستوفر موارد الطاقة وتدعمها. وكما قال وزير الكهرباء العراقي السابق لؤي الخطيب: "يعاني قطاع الكهرباء في العراق من مجموعة مشاكل. فغالبًا ما تعيق البيروقراطية المعقدة في البلاد التقدّم من خلال التركيز على حلول فنية مصغرة قصيرة الأمد وغير فعالة، عوضًا عن إجراء إصلاحات مؤسسية كلية أطول أمدًا. كما أن هناك عجز مزمن عن إدارة المواد الخام للوقود يتزامن مع عجز في إدارة محافظ طاقة أخرى وسلسلة قيمة الأعمال الأشمل. والقطاع عرضةً للأجندات المتضاربة لمجموعة كبيرة من الجهات الفاعلة السياسية العراقية التي تحول دون وضع رؤية وطنية موحدة لإدارته، ما يغرق القطاع في سوء الإدارة ويجعل الفساد مستشريًا فيه". ونظرًا إلى الطبيعة المعقدة لهذه المشاكل في العراق، من المرجح أن تواجه هذه الإصلاحات مقاومة سياسية. فقد صدرت الورقة البيضاء في وقت يناقش فيه العراقيون عملية ونتائج الانتخابات العامة المزمع إجراؤها العام المقبل في حزيران/يونيو 2021. في مثل هذا الوقت، من الصعب توقّع التزام أي كتلة سياسية علنًا بتدابير قاسية مماثلة اقترحتها الورقة البيضاء. كما يشير النقاد إلى أنه ليس من واجب حكومة تصريف أعمال وضع إصلاحات اقتصادية متوسطة الأمد ستستمر لغاية العام 2023، أي خلال سنوات من ولاية الحكومة المقبلة. ومن المرجح ألا تلقى معظم هذه التدابير تأييد الشعب العراقي. فالتركيز على خفض الأجور هو سيف ذو حدين، حيث أن رواتب القطاع العام هي الجزء الوحيد من نفقات الحكومة التي ينتهي بها المطاف في السوق المحلي ويتمّ تداولها في أوساط الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وبالتالي، تشكّل فائدة مهمة للشعب العادي. وعلى الحكومة العراقية المضي بخفض أجور القطاع العام بشكل تدريجي وحذر؛ فخفض الأجور بواقع النصف وخفض قيمة العملة العراقية سيكونا سببًا لاتساع رقعة الفقر، وهي مشكلة تشّل البلاد أساسًا.   علاوةً على ذلك، قد يكون خفض قيمة العملة العراقية صعبًا في ظل الاقتصاد العالمي الحالي. فمن وجهة نظر الدولة، من المنطقي اقتراح خفض قيمة الدينار العراقي. وكان علاوي ألمح إلى أن دينارًا أضعف قد يعزّز تنافسية السلع العراقية، فيوفر بالتالي دعمًا لقطاعات على غرار الزراعة والصناعة. وفي هذا السياق، أشار علاوي إلى أن "كافة الدول التي تصدّر إلى العراق، على غرار تركيا وإيران والصين والسعودية، خفضت قيمة عملاتها. ولا يمكننا المنافسة إن أبقينا قيمة الدينار ثابتة ومستقرة".    غير أن خفض قيمة الدينار سيساعد على تحسين الصادرات العراقية فقط في حال تراجعه إلى مستوى أقل حتى من عملات الشركاء التجاريين، التي هي منخفضة أساسًا. فالريال الإيراني هوى مقابل الدولار، كما أن الليرة التركية تسلك مسارًا تنازليًا مماثلًا. ومن شأن خفض قيمة الدينار إلى مستوى أدنى من هذه العملات أن يكون سيئًا وخطيرًا ربما.  وعليه، فإن الاقتصاد العراقي يتخبط في مأزق فعلي: فقد حذّر الخبراء من أن العراق سيواجه الإفلاس في غياب أي خطوات صارمة، ولكن من المرجح أن تسفر خطوات مماثلة عن معاناة كبيرة لأغلبية الشعب العراقي. وشدّد النقاد على أن البلاد يجب أن تركّز على خفض موازنتها الكبيرة المخصصة للأمن والدفاع.      كما أن المشاكل الأمنية في العراق تمثل بدورها معضلة. ففي المناطق التي تشهد اضطرابات، توظف الحكومة العراقية الشباب في القطاعات الأمنية كوسيلة لتأمين الوظائف لهم، ما يضخّم الموازنة الأمنية بشكل أكبر. فالذين يعملون في قطاع الأمن لا يساهمون في الاقتصاد، في حين أن الوظائف الهائلة في هذا القطاع تشكّل بيئة حاضنة للفساد والموظفين "الأشباح" والأجور المزدوجة. وفي حالة قوات الحشد الشعبي، التي يُخصص لها مبلغ ملياريْ دولار في الموازنة السنوية، فتُعتبر مساهمتها الأمنية مشروطة.  وفي ظل تخصيص موازنة سنوية إجمالية بقيمة 8 مليارات دولار لوزارة الدفاع، اعتبر النقاد أن هذا القطاع أيضًا بحاجة إلى الإصلاح، لا سيما وأن ضخّ الأموال لتجاوز التحديات الأمنية في البلاد – وهي وسيلة يفضلها رجال السياسة في مختلف أنحاء العالم – لم يساهم في حل المشاكل الأمنية العراقية. أخيرًا، تعتبر الورقة البيضاء إشارة إلى أن العراق بحاجة إلى تغيير جذري ليس فقط في سياسته الاقتصادية بل أيضًا في مجالات أخرى من الحكم. وفي حين يوافق كافة العراقيين نظريًا على الحاجة إلى التغيير، يتفق عدد قليل للغاية على الطبيعة التطبيقية لما يجب أن يكون عليه التغيير. رغم ذلك، ما من خيار سهل أمام البلاد حتى إن تمكنت مختلف أطرافها من الاتفاق على سبيل لتحقيق ذلك. فمن المستبعد أن يرتفع سعر النفط قريبًا، وبالتالي لن تحلّ مشاكل الموازنة على الأرجح. وبما أن الآفاق القاتمة الحالية أقنعت الطبقة السياسية العراقية بضرورة دعم الورقة البيضاء، سيتوقّف الكثير على قرارات الحكومة في إدارة تطبيقها.    * سردار عزيز هو كبير المستشارين في البرلمان الكردي وباحث وكاتب. وتشمل مجالات اهتمامه العلاقات المدنية - العسكرية والسياسة الإقليمية في الشرق الأوسط ونظم الحكم. كما انه حاصل على شهادة الدكتوراه في الشؤون الحكومية من كلية جامعة كورك.


بقلم:عبد الجبار الجبوري يبدو المشهدُ العراقي قاتماً وضبابياً،وفوضوياً،وهو يواجه، عواصف أمريكية وإيرانية عاتية، قد تقلعه من الجذور، وتحيلهُ دولاً وطوائف وإثنيات وأعراقاً متعددة لا رأس لها،هذا هو العراق الذي يريده أعداؤه، ونقصد بأعدائه، بالمشروعيّن الأمريكي في اقامة مشروع الشرق الاوسط الكبير، والايراني الذي يروم إقامة (الامبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد) في توسعه الديني،وإكمال الهلال الشيعي عبر سنجار،لهذا كانت عقدة إتفاقية سنجار، تضرب عصب السياسة الإيرانية، وتوابعها داخل العراق، رافضة أي تنفيذ للإتفاقية المبرمة بين الاقليم وبغداد ،برعاية أممية ودعم أمريكي،لأنه يقطع طريق الحرير، الذي تريده طهران الى البحر الابيض المتوسط،العراق يعيش أزمات ،لايمكن له الخروج منها دون خسائر، فكورونا، والإنهيار الاقتصادي، وهبوط أسعار النفط، والتظاهرات الغاضبة ، وتغوّل السلاح المنفّلت، وفرض هيمنته على الحكومة،وفشل البرلمان في التصويت على الموازنة ،وقانون الانتخابات وإكمال قانونية المحكمة الاتحادية، والصراعات المحتدمة بين الكتل وداخلها، جعلت من العراق دولة فاشلة بامتياز، تحكمها الدولة العميقة ب بسلاحها المنفلت، وفصائلها الخارجة عن القانون، والتي تعيث في العراق قتلاً وفساداً،كل هذا بكفّة، والصراع الأمريكي- الإيراني في العراق، بكفّة أخرى،نعم لولا هذا الصراع وتدخله في شؤون العراق، لأستطاع العراق لملمة جراحه، ونفض غبارالإحتلالين ، وواجه مشاكله وأزماته وتغلب عليها، ولكن يبدو أن المشروعين الامريكي والايراني، لن يتركاه الاَّ محطماً ومجزئأ ومقسماً الى دويلات، وطوائف وقوميات،فالعراق الآن في قلب العاصفة الامريكية –الايرانية، والانتخابات الأمريكية التي ستجري بعد إسبوع من الآن، هي مَنْ سيحدّد مستقبل العراق والشرق الاوسط كلّه، فما هو السيناريوالأمريكي في مرحلة مابعد الإنتخابات،فإذا فازجو بايدن، سيكون الحلُّ الامريكي لمشاكل العراق ،هو تنفيذ –مشروع بايدن التقسيمي-واعادة الاتفاق النووي مع طهران ،والانسحاب الكامل من العراق،وهذا بحدّ ذاته كارثية أخرى تحلُّ بالعراق،تشابه كارثة الرئيس باراك أوباما بإنسحابه من العراق وتركه لقمة سائغة لإيران وميليشياتها، ولتنظيم داعش الارهابي، وللفوضى الخلاقة،أما اذا فاز ترمب فستكون إستراتيجيته حاضرة وواضحة في عموم الشرق الأوسط،والتي سيكمل فصولها من العراق، حيث سينفّذ بنودها ،بإنهاء التواجد الايراني، وميليشياتها في العراق وسوريا، ويزيد من عزلة إيران الدولية، وفرض عقوبات اضافية أقسى غير قابلة للتراجع ، والمضي قدماً في إقناع الدول العربية والخليجية تحديدا ،بقبول التطبيع مع اسرائيل ،وتحجيّم الخطر الايراني عليها، ونزع سلاح حزب الله والحوثيين وفصائل وميليشيات العراق الولائية التابعة لايران،ثم فرض سلام شامل في منطقة الشرق ، بعد القضاء على الإرهاب المتطرّف لداعش وأخواتها ومشتقاتها (السنية والشيعية)، فإستراتيجية الرئيس ترمب هي الأقرب الى العراق، وفرض الأمن فيه ، فالعراق، مشروع تطبيّعي مضمون، بالنسبة للرئيس ترمب، مع إسرائيل، وهذا ما تؤكده التسريبات ،أن الضغوط التي يواجهها الكاظمي ،مع الدعم الامريكي والضغط البريطاني، هومَن سيضع حكومة الكاظمي والمرجعية في النجف ،أمام الامر الواقع( اما التطبيع مع اسرائيل وإما الدولة العميقة وسلاحها المنفلّت)،ويفتح الباب على مصراعيه، امام دول الخليج أن تحذو حذو العراق في التطبيع ، ومواجهة الخطر الايراني، فأمريكا لاتريد حرباً برية مع إيران، ولاتسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، أو تهديّد دول الخليج، وأن تخرج من العراق وسوريا بشكل كامل نهائياً، وبما ان ايران تدرك ، ان عودة ترمب وفوزه في الانتخابات ، يعني انهاء وفشل مشروعها التوسعي الفارسي، في عموم الشرق الاوسط، لهذا تعمل ايران كل ما بوسعها تعزيز هيمنتها ، ولو بالقوة ومواجهة عسكرية مع امريكا ،والتنمر،وإستخدام أذرعها بالترغيب والإرهاب في مناطق تواجدها فيه، وهذا مايقلق أمريكا ودول المنطقة، إذن الصراع الامريكي – الإيراني، بعد فوزترمب حتمياً ،ومن أرض العراق، كساحة حرب مباشرة،ولهذا فإن العراق يعيش العاصفة مابعد الانتخابات الامريكية، بين أن يتخلّص من الإحتلال الايراني ونفوذه، والتخلّص من اللادولة الى الدولة ، وبين أن يبقى لادولة في قبضة المجهول والسلاح المنفلت، في المقابل، نرى إصلاحات الكاظمي وخلخلة بنيّة الأحزاب الطائفية ،وقصقصة أجنحتها الفاسدة ، ودعم المتظاهرين،وسماع طلباتهم ،وملاحقة الفصائل الخارجة عن القانون، في ظل صراع محتدم داخل البرلمان ،على قانون الانتخابات والمحكمة الاتحادية للإستئثار بالسلطة ، فهو يواجه رفض أجنحة ايران وأحزابها ،بوضع العصا في العجلة، لإبعاد موعد الانتحابات، أو إلغائها، لأنها تدرك أن فشلها في الانتخابات، يعني زوال السلطة من يدها،وهذا أقسى ماتخشاه، لهذا تصرّح بأن الانتخابات، لايمكن لها أن تتحقق ،في ظلّ أوضاع منفلتة وفساد كبيروحكومة فاشلة، لاتستطيع تأمين إنتخابات حرة ونزيهة بلا تزوير ،وإنهاء شأفة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة، ونحن نعلم حجم الأزمات التي يعاني منها الكاظمي وحكومته، بالنسبة للوضع الاقتصادي المنهار ،وتهديدات الفصائل، وخطر عودة تنظيم داعش، الذي بدا يطلّ برأسه في ديالى وصلاح الدين وكركوك،ويشكل تهديداً مباشراً، إضافة الى وباء كورونا ،وعجز الحكومة عن مواجهته رغم خطورته، إذن أزمات الكاظمي لايمكن حلّها، والقضاء عليها بدون دعم خارجي، عربي ودولي، فإلانتخابات المقبلة، فرصة للتغيير،ولكن ليس تحت تهديد السلاح وسطوة الميليشيات ،وسطوة إيران عليها،لذلك نرى أن فرصة الإصلاحات، التي يطمح لها الكاظمي والشعب، للتخلص من السلاح وسطوته، صعبة التحقق، ومستحيلة التطبيق، لأن أساس العمليةالسياسية،التي بنيت على محاصصة طائفية،تقودها أحزاب طائفية ،لاتؤمن بالآخر،وإنتشارتاريخي غير مسبوق ،في الفساد والإنفلات الأمني، وتغوّل ميليشيات ولاؤها لإيران ، جعل من العراق، ساحة لتصفية حسابات الدول الكبرى، والاقليمية وتدخلاتها ،وجعل الإصلاح والأمن امراً مستحيلاً،يضاف الى كل هذا الرُّكام من الفساد والفشل والصراع ، إبتعاد الحكام العرب، وضعفهم في مواجهة التحديات الكبرى ، التي تعيشها المنطقة، فهم بين نارين ، نار التطبيع مع اسرائيل، ونار التهديدات الايرانية، وتغول ميليشياتها واذرعها لهم، وهكذا نرى سوء الأوضاع وتدهورها نحو المجهول يخلق فرصة الحلّ، وهي السمة البارزة في مشهد مابعد الانتخابات الأمريكية، التي ستحدّد شكل المنطقة جيوسياسياً، العراق يعيش العاصفة بأبشع صورها،ويعيش أوضاعاً إقتصادية مزرية وصعبة جدا ، توشك على الإنهيار القريب، كما تشي بحرب أهلية ، بسبب فشل المنظومة العسكرية، والحكومية، في ضبط ايقاع السلاح المنفلت اللادولة ، وتغوله أمام الدولة ومؤسساتها الدستورية في محافظات الجنوب، لهذا لايمكن لأحد ،التكهن بأوضاع العراق مابعد الإنتخابات، ولايمكن التكهّن بمستقبل عراق تحكمه اللادولة ، وتتنّمر على شعبه أحزاب تحرك ،وتدعم وتغطّي على جرائم اللادولة ،هذه هي حقيقة الأوضاع في العراق، وموقفه من الصراع الأمريكي – الإيراني،الذي يتصّاعد على شكل قصف كاتيوشا، وتفجيرات ،وقتل جماعي للمواطنين، وقمع للمتظاهرين،وهو جزء من الحرب ،الغير معلنة بين الطرفين ، فلماذا يجري كل هذا على أرض العراق فقط،الجواب في نتيجة الانتخابات الامريكية بعد أيام ، وعندها يتضّح الخيط الابيض من الخيط الاسود وسنرى …


كاظم حبيب طرحت الانتفاضة التشرينية 2019 على مدى الفترة المنصرمة أهدافاً ومهمات محددة اقترنت بوضع مجموعة من الشروط والمستلزمات لضمان السير المعجل لتحقيق عملية التغيير المنشودة للواقع العراقي القائم ونظامه السياسي–الاقتصادي-الاجتماعي الطائفي والفاسد والمتخلف. وكان في مقدمة تلك الشروط إجراء انتخابات مبكرة بهدف وأمل انتخاب مجلس نيابي جديد خالٍ من القوى الطائفية السياسية والفاسدة التي كرست الحكم الطائفي السياسي الفاسد في البلاد، وبالتالي تشكيل حكومة عراقية وطنية ديمقراطية تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات وكذلك الفصل بين الدين والدولة والسياسة وتلتزم بمبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في توزيع واستخدام الثروة الوطنية. وكانت شروط ومستلزمات الوصول إلى هذه النتيجة جلية لكل ذي عينين وبصيرة نافذة. لكي تتوفر الأجواء والأرضية المناسبتين لانتخابات حرة، ديمقراطية، نزيهة وعادلة حقاً لا بد من تأمين ما يلي: الكشف عن قتلة المتظاهرين والمصابين بجروح وإعاقات وتقديم ملفتاهم الموجودة في دوائر المخابرات العراقية وأجهزة الأمن الوطني ومجلس الوزراء إلى القضاء العراقي ليحاكموا ويتلقوا الجزاء العادل. نزع السلاح المنفلت الذي تحمله الميليشيات الطائفية المسلحة التي تعلن يومياً عن نفسها وتهدد بالحلول محل الدولة الرسمية، وهي كذلك، لتشيع الفوضى والخراب وإطلاق الصواريخ والاختطاف وابتزاز الناس والقتل المستمر. تقديم ملفات كبار الفاسدين في الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث إلى المحاكمة لينالوا العقاب الذي يستحقونه مع استرداد كل الأموال المنقولة وغير المنقولة (العقارات والشركات والمصانع.. إلخ) التي نهبت بشتى الطرق وإعادتها إلى خزينة الدولة والقطاع الحكومي. تقديم ملفات كبار المتهمين في الدولة العراقية الذين تسببوا بأحداث غرب العراق واجتياح الموصل وعموم نينوى إلى القضاء العراقي ليحاكموا ويتلقوا الجزاء العادل. حرمان كل الطائفيين الفاسدين والمفسدين الذين ساهموا بتخريب العراق وتدميره والعصف بوحدته من حق المشاركة في الترشيح والانتخاب لعشر سنوات قادمة. وضع قانون انتخابات جديد أو تعديل قانون الانتخابات الحالي بما يتناغم مع مطلب الشعب الأساسي في أن يكون قانون الانتخابات ديمقراطي وعادل يجد الدعم والمساندة من الهيئات الحقوقية الدولية. إجراء تغيير كامل في بنية وأسس وقواعد عمل “المفوضية المستقلة للانتخابات” بما يمنع حصول ما حصل في جميع الانتخابات العامة والمحلية السابقة التي تميزت بالحزبية الضيقة والمنسوبية والمحسوبية والمشاركة الفاعلة في عمليات التزييف والتزوير والارتشاء. استكمال قوام المحكمة الاتحادية وإعادة النظر بقانونها ومنع وجود فقهاء دين في هذه المحكمة، فالنظام السياسي العراقي يفترض أن يكون حراً وديمقراطياً يفصل الدين عن الدولة والسياسة بسلطاتها الثلاث ومؤسساتها كافة. إنجاز قانون الأحزاب بموجب الدستور الذي يحرم إقامة أحزاب سياسية على أسس دينية أو مذهبية تقود إلى شق وحدة الصف الوطني وإشاعة الفتنة في المجتمع. اتخاذ الخطوات الكفيلة بمنع أي تدخل خارجي في شؤون العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية، ومنها الانتخابات، وعلاقاته الدولية. تأمين لجنة دولية متخصصة للرقابة والإشراف على عملية الانتخابات في جميع أرجاء العراق دون استثناء، إضافة إلى مشاركة هيئات حقوقية من الأمم المتحدة وأخرى دولية وإقليمية ومحلية. والأسئلة المشروعة والعادلة التي تفرض نفسها على قوى الانتفاضة والقوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية وعموم الشعب العراقي والتي تتطلب من الجميع الإجابة عنها كثيرة، أخص بالذكر منها: ** هل حققت حكومة مصطفى الكاظمي أياً من هذه المهمات والأهداف خلال الأشهر الخمسة المنصرمة منذ توليها الحكم؟ ** لماذا لم تتحقق؟ وهل تولى الكاظمي مسؤولية تبيان الأسباب الكامنة وراء عدم توفير المستلزمات أو حتى بعضها الأهم؟ ** وهل في مقدور حكومة مصطفى الكاظمي توفير المستلزمات المطروحة والضرورية خلال الفترة المتبقية قبل الموعد الذي حددته حكومته يوم 6 حزيران/يونيو 2021 لإجراء انتخابات عامة ديمقراطية نزيهة وعادلة، أم أن دوره تخدير وعي الشعب وتنويمه؟ تشير المعطيات المتوفرة على الساحة السياسية العراقية، حتى بعد مرور ما يقرب من نصف الفترة المحددة لحكومة الكاظمي على توفير المستلزمات وإجراء الانتخابات، أن حكومته لم تحقق أياً من المستلزمات الضرورية الواجب توفيرها لضمان إجراء انتخابات حرة، ديمقراطية، نزيهة وعادلة، فيما عدا تحديد موعد إجرائها. كما لم يطرح حتى الآن أي سبب معقول ومقبول عن أسباب عجزه عن تنفيذ ما أقسم عليه وما التزم به ووعد الشعب بتنفيذه. لقد اتخذ بعض الإجراءات المحدودة والثانوية، على أهميتها، مثل فرض الرقابة على بعض منافذ الحدود، أو محاولة المصالحة الجزئية مع حكومة الإقليم، أو القيام بزيارات إلى إيران وبعض الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة، دون الحصول على ما يسهم في تحقيق مستلزمات المرحلة التي تمهد للخلاصة من الطائفية والفساد والتدخل الخارجي في شؤون البلاد. إن المعطيات المتوفرة والوقائع الجارية والمؤشرات التي يمكن التعرف عليها تؤكد ما يلي: 1) إن الكاظمي إما غير قادر أو غير مستعد، بغض النظر عن رغباته الشخصية التي لا نريد الغوص في دواخله المشتتة، لخوض معركة البدء الفعلي بتنفيذ وتوفير المستلزمات الضرورية والملحة لكي يمكن إجراء انتخابات عامة منشودة باعتباره الطريق السوي والعقلاني والوحيد للخلاص من الطائفية ومحاصصاتها المذلة والفساد السائد والتدخل الخارجي المذل لاستقلال وسيادة العراق. 2) يبدو أن الكاظمي يلعب دوراً في تشتيت وتفتيت قوى الانتفاضة لضمان عجزها عن القيام بفعاليات مشتركة أو استمرار زخمها لتحقيق ما تسعى إليه. وهو بهذا يشارك قوى الإسلام السياسي الفاسدة والحاكمة في إشاعة الفوضى السياسية وعدم الثقة من خلال تشكيل عدد كبير من الأحزاب والتنظيمات التي تدعي أنها ضمن قوى الانتفاضة، في حين أنها جزء من القوى الفاسدة والحاكمة، أو تسريب الشكوك في صفوف قوى الانتفاضة لوأدها. 3) إن عدم تنفيذ تلك الشروط والمستلزمات يعني، دون أدنى ريب، بأن قوى الإسلام السياسية الشيعية والسنية وبقية القوى الحاكمة حالياً والماسكة بزمام الأمور الأساسية في العراق، ستحقق الأكثرية في مجلس النواب، كما هو عليه الوضع حالياً تقريباً، وستعمل على تشكيل حكومة طائفية-أثنية فاسدة، وستسعى بكل ما تملك من قوة ونفوذ على مواصلة النهج الفكري والسياسي الراهنين بدعم من قوى ومؤسسات الدولة العميقة المالكة للمال والمهيمنة على أجهزة الدولة، والمليشيات الطائفية وأجزاء أساسية من الحشد الشعبي الحاملة للسلاح المنفلت، وقانون انتخابات غير ديمقراطي ومفوضية انتخابات مزورِة، كما ستبقى إيران موجهة ومشرفة على مسار وسياسات الدولة العراقية الهامشية ونظامها السياسي التابع لإيران. والسؤال الجديد الذي سيطرح نفسه هنا هو: هل ستسمح قوى الانتفاضة الباسلة والغالبية العظمى من الشعب العراقي المستباح بوطنه وحقوقه لمثل هذه المحاولات الخبيثة بالمرور، أم ستكون الانتفاضة الشبابية السلمية، رغم كل المصاعب والمشكلات والنواقص التي تعتري عملها وطريقها، السد الأمين الذي يمنع حصول المرفوض منها بتجديد انتفاضتها ومواجهتها بصيغ وأدوات جديدة في صراعات ومعارك لا تحدد طبيعتها قوى الانتفاضة وحدها، بل الطرف الآخر، العدو، الذي اغتصب سلطة الشعب وفقد شرعيته بطائفيته ومحاصصاته وفساده وتجويعه للشعب، والذي بمواقفه سيفرض طبيعة المعركة ومداها والأساليب والأدوات التي سوف تستخدم فيها. إن الانتخابات أداة ووسيلة للوصول إلى هدف واضح ومحدد، وحين تكون هذه الوسيلة غير مؤهلة حالياً لتحقيق هدف انتخاب مجلس نيابي عقلاني وأمين للوطن والشعب، فلا بد من السعي وبذل أقصى الجهود بغض النظر عن الوقت الذي سوف يستغرقه توفير مستلزمات أجواء وأرضية صالحة لانتخابات حرة وديمقراطية ونزيه وعادلة، تأتي بمجلس نيابي نظيف، غير طائفي وغير فاسد وغير تابع. وأخيراُ أرى ضرورة بدء الحوارات والمناقشات الجادة من جانب قوى الانتفاضة وكل القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية المهتمة بانتصار انتفاضة الشعب المقدامة لكيلا يتم تفكيكها ولا تذهب دماء شهداء الانتفاضة، شهداء الشعب والجرحى والمعوقين هدرا. إن طريق نصر قوى الانتفاضة صعب وربما طويل، لكنه اليقين بعينه، لأن عوامل انفجار الانتفاضة ومسبباتها ما تزال قائمة وفاعلة ومدمرة.


سنار شريف علي   لقد أُجريت في العراق أربع عمليات انتخابية برلمانية ما بين 2006 و2018، وكان لكل عملية انتخابية قانون مختلف، وكان آخرها التعديلات التي جرت على قانون رقم (45) لسنة (2013) حيث انتهت بتعديلات جوهرية ومهمة للقانون وتمت بثلاث مراحل تمهيداً لانتخابات 12 أيار 2018. بلا شك فإن التعدد القومي والطائفي في العراق أدى به الى أزمات عديدة منها ما يتعلق بعملية الانتخاب، حيث لم تمر عليه عملية انتخابية بدون خوض جدال واسع حول قانون الانتخابات، وخاصة فيما يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية، حيث تجد كل الطوائف والأحزاب السياسية مصلحتها في نوع من التقسيم. فقد كان الجدال في بادئ الأمر يرتكز على الأخذ بدائرة واحدة أو عدة دوائر، إلا أنه بعدما تم تجاوز هذه المرحلة واتفق الأطراف على تعدد الدوائر، بدأت في الآونة الأخيرة مشكلة كيفية تقسيم الدوائر وحجمها، هل تكون كبيرة أو صغيرة؟ خاصة بعد الاحتجاجات الأخيرة التي أطاحت بالحكومة المنتخبة، حيث كانت من بين مطالبها، تقسيم البلد إلى دوائر صغيرة محاولة لتقليص الهيمنة الحزبية وإفساح المجال أمام المستقلين في الحصول على مقاعد برلمانية. في هذا المقال أود تحليل إشكالية كلا النظامين على العملية السياسية في العراق. من الانتقادات التي توجه الى دوائر الصغيرة أو (تعدد الدوائر) هي غلبة سيادة السلاح، وسيادة المال، وسيادة الجاه سواء كان عشائرياً أو دينياً أو اجتماعياً، خاصة في العراق حيث تبرز فيه هذا النوع من المشاكل بشكل واسع نظرا لهيمنة الكبيرة لوجهاء العشائرية والدينية والمذهبية، وهذا يعود للمحدودية الدائرة وصغر حجمها بحيث تسهل نفوذ وسيطرة هذه الشخصيات، بخلاف الدوائر الكبيرة التي يصعب فيها بسط نفوذ كهذا. ومن جانب آخر، يؤدي هذا النظام إلى تقليص فرص فوز الشخصيات المشهورة والمشهود لها بالكفاءة والنزاهة على صعيد الوطني كالكتاب والمثقفين والناقدين المعروفين بحسن السيرة بسبب حصر التصويت والمنافسة بدوائر ضيقة. ومع ذلك فهناك آخرون يرفضون ذلك ويعتبرون نظام التعدد وسيلة تؤدي إلى تقليص دور الأحزاب السياسية وتبرز دور المستقلين النزهاء المعروفين محلياً.  ومن الجوانب السلبية للتعدد هو ضياع الفلسفة التي يقوم عليها البرلمان والتي اعترف بها الدستور على كون عضو البرلمان يمثل كافة الشعب، الأمر الذي يغيب تماماً في نظام التعددي، حيث تكون العلاقة بين الناخب والمرشح شبه شخصية ويقع المرشح تحت تأثير الناخبين، و يؤدي الى تحويل المرشح من عضو برلماني في السلطة الرقابية  الى  نائب خدمات يحمل ملفاته الى دوائر الدولة  ليحل مشاكل الناخبين المحلية وهذا يؤدي إلى تغيره تغييبه عن مسؤولياته الأساسية التي تقع على شأنه كبرلماني، فضلاً عن التأثير الذي يخلفه النظام على (شكل البرلمان) المستقبلي الذي يصبح شبه تجمع عشائري ومناطقي بعيداً عن المصلحة العامة، ناهيك عن الصعوبات اللوجستية والفنية التي تواجه هذه العملية خاصة في العراق حيث لا توجد هناك إحصائيات دقيقة، ولا ضمانات كفيلة بتقسيم عادل لهذه الدوائر. إلا أن هذا النظام له جوانب إيجابية أيضاً والتي تتمثل في تمثيل حقيقي ودقيق للشعب وتعزيز علاقة المرشح وضمان تحمل المسؤولية تجاه ناخبيه وبالتالي يجعله ملزماً بالعمل على خدمتهم وتنفيذ برنامجه الانتخابي، ووعوده التي قطعها للجمهور خشية من العقاب، وعدم انتخابه مرة أخرى. وهكذا يتميز نظام التعدد من الناحية الفنية بالسهولة والسرعة في إعلان النتائج بحيث تعلن كل دائرة انتخابية النتائج بدون الانتظار إلى الإعلان العام على صعيد المحافظة والذي من الممكن أن يأخذ وقتاً أكثر. هناك إجماع بين خبراء الانتخابات حول العالم على أهمية حجم الدائرة الانتخابية باعتبارها من العناصر الأساسية التي تؤثر في قدرة النظام الانتخابي على توزيع المقاعد بشكل تناسبي. كقاعدة عامة، فإن الاستناد على دوائر انتخابية كبيرة الحجم تحقق أعلى مستويات نسبية ويعطي الفرصة لأصغر الأحزاب على الصعود الى البرلمان. إلا أن هذا يكون للدول المقسمة سياسياً، بحيث لا يكون الثقل الانتخابي للأحزاب مبنياً على التقسيمات القومية، والدينية...الخ الموجودة في حدود جغرافية محدودة. أما الدول المتعددة الطوائف كالعراق فالوضع مختلف تماماً، حيث يتحدد الثقل الانتخابي في كثير من الدوائر بناءً على كثافة تواجد السكاني للطائفة التي تدعم القائمة، فعلى سبيل المثال يكون الثقل الانتخابي للتركمان في المناطق التي يتواجد فيها التركمان، والكرد والعرب بالنسبة الى مناطق أخرى، مما يعني أن الأحزاب الصغيرة أو المكون الصغير في دائرة انتخابية تستفيد من كثافة سكانها لضمان فوزها بمقاعد، وهذا يفيد بأن هذا النظام يكون في صالح الكتل المبنية على أسس قومية أو دينية (غير الكوتا)، أما الكتل الصغيرة ذو التوجهات المدنية فإنها لا تستفيد من هذا النظام نظراً لعدم تمركز ناخبيها في أماكن محددة. على أي حال، إذا كانت نية الأطراف في اختيار نظام المتعدد الدوائر إعطاء فرصة للأحزاب الصغيرة والشخصيات المستقلة "ممثلي الساحات" للحصول على مقاعد فإن هذه المشكلة لا تكمن في تقسيم الدوائر وحسب، بل هناك مشكلة أخرى تقف عائقا أمام صعود الأحزاب الصغيرة وهي مسألة نظام السانتياغو والذي يعتمد أساسا على تقسيم الأصوات على الأرقام (1، 3، 5،..) وذلك بقدر عدد المقاعد، إلا أن النظام تم تعديله إلى (1.7، 3، 5،...) خلافاً لما هو متبع عالمياً والذي سمي بـ "سانتياغو العراقي" ويؤدي هذا التعديل بدوره إلى صعوبة فوز الكتل الصغيرة. أخيراً، مهما كانت الدوافع التي دفعت بالكتل السياسية في تبني هذا النظام، سواء إتاحة الفرصة لصعود الأحزاب الصغيرة أو الشخصيات المستقلة أو عرقلة صعودهم، فإن كلا المسألتين لا تخلو من الإشكاليات. فلو أتحنا الفرصة للأحزاب الصغيرة بدخول البرلمان، فحينها نكون أمام أزمة ائتلافات وتكوين حكومة ائتلافية ضعيفة، يكون همها ترضية الأحزاب المكونة لها بدلا من خدمة الشارع. أما إذا كان الهدف هو الحد من صعود الأحزاب الصغيرة وهذا أيضاً قد يؤدي إلى حرمان البعض من الصعود الى البرلمان خاصة "ممثلي الساحات"، ولا سيما في العراق الذي يعيش في ظل ظروف خاصة ولا يمكن أن نقيسه على بلدان أخرى بمنأى عن وضعه الخاص، وحتى إن سلمنا أن الحكومة الائتلافية حكومة ضعيفة فهذا ليس بالضرورة صحيحا للعراق، لطابعه، وتكوينه الخاص والغموض في مفهوم المعارضة السياسية بسبب تقسيم مسبق وغير متغير إلى حد كبير للثقل السياسي على أسس مذهبية وقومية. بناء على ما تقدم يمكننا القول، إن أزمة البلد لا يمكن حصرها في مسائل كهذه فحسب، فالعراق يعيش في ظل أزمات كثيرة ويحتاج الى حلول جوهرية، حتى وأن تمكنا من تحقيق بعض التقدم عن طريق أمور فنية كهذه ألا أن الكثير يبقى على حاله.   K24


سلام مكي يعيب كثيرون على الحكومة الحالية أنها تعتمد على الاقتراض، كحل سريع وغير مكلف بالنسبة لها، في مواجهة أزمة نقص الأموال، بل والوصول إلى حافة الافلاس، نتيجة للـ.. ؟ لا يمكننا القول بأن هنالك حرب مع الارهاب، مثلما حصل قبل ست سنوات، أو حرب مع كورونا، لأن الخدمات الصحية المقدمة لا ترقى الى المستوى المطلوب. أذا: ما هو سبب الأزمة المالية؟ ما هو سبب عجز الحكومة عن توفير الرواتب للموظفين والمتقاعدين، رغم أنها اتخذت خطوات عملية في بداية تشكيلها، منها مواجهة مشكلة الازدواج في الرواتب والموظفين الوهميين وفرض سلطة الدولة على منافذ حدودية كانت تذهب وارداتها إلى جيوب أحزاب وشخصيات متنفذة. إن هذه المشكلة ليست وليدة الحكومة الحالية، فلو راجعنا قانون الموازنة للعام المنصرف، لوجدنا عشرت الأبواب المخصصة تسديد قروض عشرات البنوك والمصارف والمؤسسات الدولية والاقليمية، ناهيك عن الأبواب الخاصة بتسديد الفوائد فقط وليس القروض. الفرق هو أن الحكومة السابقة، كانت تملك ما يكفيها لجعل الموضوع يحاط بنوع من السرية، لكن الحكومة الحالية، حين استلمت المسؤولية، كانت الموازنة، قد وصلت إلى مراحل من التردي والتراجع. ورغم أن أخطاء الحكومات السابقة، مكشوفة ومعلومة للحكومة الحالية، إلا أنها قررت أن تستمر على المنوال السابق، الحكومة تملك جيوشا من الموظفين والمستشارين والدرجات الخاصة والمدراء العامين، يكلفون الخزينة مبالغ طائلة، وظيفتهم معالجة المشاكل التي تعاني منها الحكومة وخصوصا ما يخص الجانب المالي، لكن للأسف، رغم أن الحلول موجودة ويمكن لأي مختص أن يقدمها مجانا للحكومة، لكن اللجوء إلى الخيار الأسهل والأكثر كلفة وفداحة وهو الاقتراض دون الأخذ بنظر الاعتبار المخاطر والمشاكل التي ستسفر عنها اقتراض الأموال وبفوائد كبيرة، في المستقبل القريب. وهذا يدل على أن الحكومة تعمل دون رؤية ولا تخطيط، هي مجرد وسيلة لتسيير الأمور ووضع حلول مؤقتة وترقيعية وآنية لمشاكل كبيرة وخطيرة تهدد وجود الدولة ككل. الحكومة وفي كل مناسبة تجعل من التضخم الوظيفي، وكثرة أعداد الموظفين سببا من أسباب العجز المالي، وطبعا الدرجات الخاصة والمصاريف والنثريات وأرتال الحمايات والأموال التي تهدر يوميا بالفساد غير معنية بها الحكومة. بل استهداف الحلقة الأضعف خير وسيلة للخروج من عنق الزجاجة. اليوم استحق راتب الموظف منذ أكثر من أربعين يوما، ولا توجد حلول، سوى الاقتراض! فهل واردت البلد المختلفة والكثيرة، لا يمكنها تأمين الرواتب؟ ألا يمكن للحكومة أن تسعى لتنويع مصادر الدخل؟ ألا يمكنها أن تحاول إيقاف الفساد عند حده؟ الفساد الذي مازال ينخر جسد الاقتصاد، لا حلول لمواجهته. بل يزداد توسعا وتمددا في دوائر الدولة. ألا يمكن للحكومة أن تحاول استرداد الأموال المنهوبة من الخزينة؟ ألا توجد آليات قانونية خاصة للوصول إلى تلك الأموال؟ ألا تسعى لوقف الهدر اليومي في مزاد العملة والمنافذ المتبقية ونفط الاقليم والغاز المحترق والاستيراد العشوائي وغسيل الأموال؟ هل كل ما سبق لا تراه الحكومة وترى فقط الاقتراض؟  


محمد عبد الجبار الشبوط في ٨ تشرين الثاني من العام الماضي، تحدثت المرجعية الدينية عن التظاهرات الاحتجاجية التي خرجت في الاول من تشرين الاول باعتبارها "الحركة الاصلاحية". وكان استخدام مصطلح "الاصلاح" في وقته ضرورة، لان الوضع في العراق بحاجة الى حركة اصلاحية منذ انحراف العملية السياسية عن مسارها الديمقراطي. وجاءت تظاهرات الاول من تشرين الاول بمثابة تصويت شعبي على الحكومة القائمة انذاك، ما ادى الى استقالتها، ودخول البلاد في منعطف جديد تمثل بتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي.  لكن الحركة الاصلاحية للاول من تشرين الاول تعرضت للاختراق وركوب الموجة الامر الذي حرفها هي الاخرى عن مسارها الاصلاحي الذي دعمته المرجعية الدينية. وقد اظهرت فعاليات احياء ذكرى الخامس والعشرين من تشرين عن وجود خطين على الاقل: الخط الاصلاحي السلمي كما ظهر في تظاهرات النجف، والخط الشعبوي التخريبي والعدواني كما ظهر في مناطق اخرى. لكن الغلبة كانت للخط الثاني، ما قد يشير الى ان الخط الاصلاحي الاصيل ضعف كثيرا، وانه يكاد يفقد المبادرة والزمام لصالح الفريق الثاني الذي اعترف  بوجوده المؤثر تصريح للقائد العام للقوات المسلحة. فقد قال الناطق باسمه ان "مجموعة محسوبة على المتظاهرين قامت برمي رمانات يدوية على القوات الأمنية المكلفة بتأمين التظاهرات في بغداد." ولم يوضح الناطق الرسمي كيف تمكنت هذه المجموعة المحسوبة من حيازة رمانات يدوية. كما ان الناطق لم يوضح حجم هذه المجموعة، لكننا بالمشاهدة عرفنا انها ليست صغيرة، وانها ليست "محسوبة على المتظاهرين"، وانما هي تمثل الخط الثاني غير السلمي منهم. كما ان الخط السلمي لم يكن بمقدوره عزل الخط التخريبي وتحييده على الاقل. الشباب المتحمسون للتغير يطلقون اسم "ثورة" على تطاهرات تشرين، وهذا تسامح في استخدام المصطلحات السياسية، و خطأ معرفي وعلمي، لان التظاهرات لم ترق قط الى مستوى الثورة، لكنها، بخطها السلمي، تمثل حراكا اجتماعيا اصلاحيا. غير ان هذا الحراك  الاصلاحي فقد زخمه الشعبي، في وقت لم يتحقق فيه الاصلاح المنشود. ومن الخطأ ان نعتبر تشكيل حكومة الكاظمي خطوة اصلاحية، لان الرجل جزء من المشكلة، ولا يمكن ان يكون جزءاً من الحل، وفاقد الشيء لا يعطيه، كما انه من الخطأ المراهنة عليه، بتوهم اعطائه فرصة ليصلح الاوضاع، لانه كما قلت لا يمثل هذه الفرصة. الحاجة الى الاصلاح ما زالت القائمة، والحاجة الى ادوات اصلاحية جديدة مازالت قائمة، لان الادوات الحالية (الحكومة، الطبقة السياسية، تظاهرات تشرين) غير قادرة على تحقيق الاصلاح المنشود، ليس فقط لانها لا تملك رؤية اصلاحية واضحة وناضجة، وانما لانها جزء من حالة التخلف الحضاري العام السائدة في المجتمع ايضا. ومن هنا تأتي الحاجة الى "الاقلية المبدعة" التي انفصلت شعوريا وعمليا عن حالة التخلف، وامتلكت القدرة على النظر الى المشكلة السياسي- الاجتماعية-الاقتصادية القائمة من زاوية حضارية مغايرة. وهي النخبة الفكرية التي اشارت اليها المرجعية في كلمة يوم ٢٠ كانون الاول من العام الماضي بقولها: "واذا تمّ إقرار قانون الانتخابات على الوجه المقبول يأتي الدور للنخب الفكرية والكفاءات الوطنية الراغبة في العمل السياسي لتنظم صفوفها وتعد برامجها للنهوض بالبلد وحلّ مشاكله المتفاقمة في إطار خطط عملية مدروسة، لكي تكون على إستعداد لعرضها على الناخبين في أوان الانتخابات، ويتم التثقيف على التنافس فيها لا على أساس الانتماءات المناطقية او العشائرية أو المذهبية للمرشحين بل بالنظر الى ما يتصفون به من كفاءة ومؤهلات وما لديهم من برامج قابلة للتطبيق للعبور بالبلد الى مستقبل أفضل، على أمل أن يقوم مجلس النواب القادم والحكومة المنبثقة منه بالدور المطلوب منهما في إجراء الإصلاحات الضرورية للخلاص من تبعات الفساد والمحاصصة وغياب العدالة الاجتماعية في المدة السابقة."


سلام مسافر يهيج إيمانويل ماكرون، ذكريات الماضي الاستعماري لبلاده في نفوس المسلمين، ويستنهض رجب طيب أردوغان، العثمانية الجديدة. فمنذ تصريحات الرئيس الفرنسي الموصوفة بانها معادية للاسلام، والرئيس التركي، الذي يقاتل على اكثر من جبهة، لا يتوقف عن قذف ماكرون باسوء النعوت الى حد اثار حفيظة أشقاء فرنسا الأوربيين. حتى انهم اعتبرها إهانة موجهة للعلمانية والقيم الأوربية. وفيما كانت انقرة، تراقب بقلق اتساع حملة مقاطعة تركيا؛ في السعودية وفِي الامارات وفِي اقطار اخرى، ترى في أردوغان عدوا، انقذ ماكرون غريمه التركي الذي تحول في عيون ملايين المسلمين الى حام للاسلام والمسلمين، وتحولت حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، الى اكثر الهاشتاغات انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي. وانتشرت تقارير وفيديوهات عن إخلاء المحال التجارية في بلدان إسلامية مختلفة من البضائع الفرنسية. وقدم العلماني المتطرف، ماكرون، خدمة غير متوقعة، للعثماني المتعصب أردوغان، على وقع حملة الشجب والاستنكار المتصاعدة في العالمين العربي والإسلامي لتصريحات الرئيس الفرنسي . وانضمت المطربة احلام، للحملة، حتى انها من شدة انفعالها، نشرت فيديو قديم لتظاهرة في اليمن على انها تظاهرة في جمهورية الشيشان، مسقط راس ابوي الفتى الذي ذبح المعلم الفرنسي. صحيح ان المطربة الغنوج، سحبت الفيديو بعد حين، لان احدا ما نبه الى حقيقته، الا انها واصلت رفع راية المواجهة، واستمرت تهيب برجال الامة ان يفيقوا ويدافعوا عن الاسلام والمسلمين ، مع صورة لوجه العبد الفقير ماكرون، مزركشة بطعنة حذاء! في هذه الاثناء نشر ناشطون فيديو قالوا إنه من مدينة “رأس العين ” لمتظاهرين يجوبون شوارع المدينة حاملين لافتات وصور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويرددون هتافات تندد بالإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم . و مدينة رأس العين تقع في منطقة شرقي الفرات،ومنها أطلق الجيش التركي في أكتوبر 2019 بمشاركة ما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري” عملية “نبع السلام”، وأعلن حينها أن هدفها تطهير المنطقة من “إرهابيي العمال الكردستاني” و” داعش”، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وفي 17 اكتوبر ، علق الجيش التركي العملية بعد توصل أنقرة وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب الإرهابيين من المنطقة، وأعقبه اتفاق مع روسيا في سوتشي نهاية اكتوبر . الملفت ان متظاهري راْس العين، حملوا لافتات وأعلام داعش وجبهة النصرة المدرجتين على قوائم الارهاب؛ الامر الذي يثير السؤال، فيما اذا كانت السلطات التركية التي تتولى إدارة المدينة، بتوافق مع روسيا، توفر الحماية للتنظيمين. ولم يمر الا يوم، حتى تعرضت قواعد لمسلحين ينسبون لجبهة تحرير الشام، المدعومة تركيا، لقصف عنيف قام به الطيران الروسي. فهل، فتح قطع راس المعلم الفرنسي في عملية ارهابية بشعة، ملف خلايا داعش والنصرة النائمة في “راس العين”؟ وهل يمثل قصف الطيران الروسي لمناطق، تعتبر تحت رعاية أنقرة بداية النهاية لما يعرف بخفض التوتر في المناطق خارج سيطرة السلطات السورية؟ ليس من باب الصدفة ان تسّعر تصريحات، لم تتسم بالحذر، للرئيس الفرنسي، مشاعر عداء كامنة في نفوس الملايين، وتعريض المصالح الفرنسية الى الضرر ، فقط لان ماكرون يسعى لارضاء اليمين الفرنسي المعادي للمهاجرين في بلاده، وكسب اصوات دعاة، فرنسا اولا. يبدو ان تصعيد الرئيس التركي للحملة ضد فرنسا، يستهدف، التغطية على اشكاليات التدخلات التركية شرق المتوسط، وحرب مكامن الغاز، وترسيم الحدود البحرية؛ مع عدوتها التاريخية اليونان، والأعمال العسكرية للجيش التركي ومن يوصفون بالمرتزقة في ليبيا واقليم ناغورني قره باخ المتنازع عليه بين ارمينيا وأذربيجان. واضح ان الطموحات الانتخابية لماكرون ، ومطامع أردوغان العثمانية، باحياء مشروع بان ترك، في القوقاز؛ تخلق مزيدا من الاجواء الملبدة إقليميًا ودوليا في وقت يحتار العالم في مواجهة جائحة كورونا التي، تكشف يوما بعد اخر عن انيابها، دون ان يلوح في الافق، ان الطب سيتمكن في وقت منظور من السيطرة على عربدة كائنات اقل من مجهرية، فيما غطرسة ماكرون وأردوغان ، تلوث أجواء العالم اكثر فاكثر بحروب باردة، ليس مستبعدا ان تلتهب.


 كفاح محمود وربما التفخيخ أيضاً، فهو موسم تعج فيه الأحزاب والكتل والشخصيات وتُصاب بهستيريا كرسي البرلمان والحكومة، حتى يشكُّ المرء بأنهم مُصابون بأحد أنواع جنون السياسة، بل يظنُّ المراقب إنه موسمٌ للتفريخ في غياب قانون شرعي ينّظم العلاقة بين الشعب ومن تزوج نظامه السياسي، ويمارس معه أكبر الكبائر والفواحش منذ أطاحت أميركا وحلفاءها بنظام العنتريات واستبدلته بنظام المتعة والمسيار مع شعب أدمن مخدرات الشعارات الرومانسية حتى اندمج وذاب فيها، ناسياً حقوقه الشرعية في زواج شرعي موثّق!   ورغم عدم قناعتي بإجراء الانتخابات الموسومة بـ"المبكرة"، بل وحتى بالانتخابات التي جرت منذ 2005 ولحد آخرها التي أنتجت كلّ هذه التداعيات، فإن الأخيرة والمزمع إجرائها في حزيران المقبل لن تختلف عن سابقاتها قيد أنملة إلا اللهم ببعض الاكسسوارات المزركشة بمودة التغيير ومكافحة الفساد، لأنها أساساً تجرى في بيئة موبوءة وغير صالحة لهكذا ممارسات، لأسبابٍ كثيرة أهمها غياب مفهوم جامع للمواطنة، ولكي لا ندخل تفاصيل الإرث التربوي والاجتماعي ومنظومة العادات والتقاليد وأعراف العشيرة والشريعة، فأننا نراقب تفاصيل الأحداث وتطوراتها وبلورة المشهد خلال الستة أشهر القادمة، وعلى ضوء بواكير الصراع غير المتكافئ بين الدولة المزعومة واللا دولة الفاعلة بقوّة ميليشياتها وعشائرها ومحركي دمى العرائس خلف الكواليس ممن يهيمنون على مقاليد الحلال والحرام في دولة كثُرت خطوطها الحمراء وتيجان رؤوسها وزعمائها المختارين لهذا العصر والمنقذين للامة وممثلي الرّب وأنبيائه وأوليائه وأئمة عصره.   وعلى ضوء هذه المظاهر نرى أننا إزاء انتخابات قلقة تتكالب عليها ذات القوى الفاعلة الآن خارج إطار الدولة والمدعومة سرّاً من فاعلين في الدولة ومؤسساتها، وبالتالي العبور إلى البرلمان بغالبية كبيرة لقوى اللادولة مدعومة بقوّة من التشكيلات العسكرية خارج الجيش والشرطة، أو عدم إجرائها وهذا يعني حل البرلمان وإيقاف إرباكه للمشهد الاجتماعي المتوقد منذ تشرين الأول عام 2019، والذهاب إلى استمرار رئيس الحكومة الطامح بالتغيير والمتأمل بالانفلات من شباك الميليشيات وداعميها المحليين والإقليميين، وتحديد موعد مريح لانتخابات يتأمل الكثير أن تكون مختلفة عن سابقاتها، ولكي تكون كذلك يجب استغلال تلك الفترة بين حل البرلمان والانتخابات للتخلص من كثير من العقبات التي تعرقل وصول قوى التغيير إلى البرلمان بوسائل الشد الطائفي والقبلي وأحياناً العرقي والقومي كما يجري في المناطق المتاخمة لإقليم كوردستان، وتحديداً المناطق المتنازع عليها.   وحتى ذلك الحين ستشهد معظم الأحزاب والكتل انشقاقات وتفريخات، وربما تفخيخات سياسية تطيح بأشخاص او أحزاب او كتل، وفي خضم ذلك يبقى الكاظمي بين خيارين اما الاستمرار بالرقص بين الافاعي حتى يلدغه أحدهم وينهي محاولته الواعدة، او يجيد دور المايسترو حتى ينهكهم ويعبر الى حل البرلمان واجراء انتخابات مريحة تؤهله لتطبيق برنامجه!


د. حيدر حسين     لم يحظي الملف الاقتصادي في العراق بالاهتمام المناسب طوال السنوات التي تلت العام 2003، فقد احتكر القطاع النفطي قاطرة النمو والاستقرار الاقتصادي في البلد خلال السنوات الماضية في ظل غياب سياسات حكومية جادة لتنويع الاقتصاد الوطني. وقد حرصت الحكومات العراقية المتعاقبة علي استمرار نمط النمو المرتبط بالنفط رغم مخاطر رهن الاقتصاد الوطني بدورات الرواج والكساد التي تشهدها اسواق النفط باستمرار. ورغم حدة الازمات التي طالت الاقتصاد العراقي نتيجة تذبذب اسعار النفط العالمية، واخرها ازمة 2014 وانهيار الاسعار الي دون (25) دولار للبرميل، الا ان تنفيذ سياسات الاصلاح الاقتصادي بقي بعيدا عن دوائر الاهتمام في اروقة صنع القرار حفاظا علي مصالح المنظومة السياسية القابضة علي السلطة والموارد في العراق. عام 2020 كما هو العام 2015 والعام 2014 هبطت اسعار النفط بشكل حاد لتقود جميع القطاعات الاقتصادية صوب الركود الاقتصادي نظرا لارتباط الموازنة والاقتصاد بالمورد النفطي بشكل كبير. وفي ظل انتفاخ غير مبرر للإنفاق العام خلال السنوات الاخيرة، كان الهبوط الاخير اشد ضررا علي الاقتصاد نظرا لاستفحال عجز الموازنة العامة والمقدر في موازنة عام 2020 بأكثر من (81) ترليون دينار مقارنة بـ (27) ترليون دينار عجز مخطط في العام 2019. ونتيجة لجائحة كورونا وما فرضته من اغلاق كبير لمعظم الاقتصادات المتقدمة والناهضة، تراجعت اسعار النفط بشكل حاد لتقترب من (20) دولار في شهر نيسان الماضي. ورغم التعافي النسبي للأسعار وبلوغها حاجز (40) دولار خلال الاسابيع الماضية، الا ان خفض الصادرات النفطية العراقية بأكثر من مليون برميل يوميا، التزاما باتفاق اوبك بلاس لضبط الانتاج، لم يحسن كثيرا من ايرادات النفط العراقية التي بقيت تتراوح حول (3) مليار دولار حتي شهر ايلول الماضي مقارنة بـ (6) مليار دولار تحققت في شهر كانون الثاني من العام الجاري.  الازمة المالية الراهنة في العراق انعكاس لضعف سياسات الاصلاح والتنويع الاقتصادي، وما خلفه من تشوه خطير لحق الموازنة العامة بشقيها الايرادي والانفاقي خلال السنوات التي تلت العام 2003. فعلي جانب الايرادات قوض الاعتماد المفرط علي النفط من فرص استقرار الايرادات الحكومية، خصوصا مع ضعف الجهود الحكومية في تعظيم وتحريك الايرادات غير النفطية واستحواذ النفط علي أكثر من 90% من الايرادات الحكومية. اما النفقات الحكومية فقد استمرت في الانتفاخ خارج حدود المقدرة المالية للحكومة ودون تحقيق عوائد تذكر في الاستثمار والخدمات والبنية التحتية. اذ ارتفعت النفقات التشغيلية لصالح سياسات التوظيف الحكومي المنفلت والنفقات الاستهلاكية الغير مبررة. اما النفقات الاستثمارية فقد تسربت بسلاسة الي جيوب الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية مع بقاء معظم مشاريع البنية التحتية دون انجاز يذكر رغم افتقار المحافظات والمدن العراقية الي ابسط الخدمات العامة كالماء والكهرباء والمجاري وغيرها من الخدمات الضرورية. وفيما يخص الوضع المالي الراهن في العراق تشير ارقام وزارة المالية الي تحقيق العراق ايرادات اجمالية تقارب (53) ترليون دينار، منها (33) ترليون دينار ايرادات نفطية وغير نفطية، اضافة للرصيد المدور من العام 2019 الي عام 2020 والبالغ (5) ترليون دينار وقرض وزارة المالية بموجب قانون الاقتراض الداخلي والخارجي رقم (5) لعام 2020 والبالغ (14.5) ترليون دينار. في حين بلغ تمويل النفقات لذات المدة قرابة (51) ترليون دينار مخصصة للرواتب والتقاعد وشبكة الحماية الاجتماعية واقساط المديونية والفوائد والبطاقة التموينية والحنطة والنفقات التشغيلية للدوائر الأمنية والرئاسات والدوائر الصحية والأدوية... الخ. ومبلغ (380) مليار دينار للمشاريع الاستثمارية وحسب إنجازات العمل. وبذلك فان المبلغ المتبقي قرابة (1.8) ترليون دينار حتي منتصف شهر ايلول. وتفصح هذه الارقام عن صعوبة استيعاب الايرادات الحكومية الشهرية والمقدر بقرابة (3) ترليون دينار، كصافي بعد استبعاد تعويضات الكويت ومستحقات جولات التراخيص، للنفقات الحكومية الشهرية الضرورية والمقدرة بأكثر من (6) ترليون دينار شهريا. لم يحظي العراق بفرصة انشاء صناديق استقرار قادرة علي استيعاب صدمات الاسواق النفطية وتجسير فجوة التمويل كما يحدث في دول الخليج العربي. مما يجعل خيارات تمويل الانفاق العام بالدينار العراقي محصورة في قيمة مبيعات النفط الخام الي البنك المركزي، والايرادات غير النفطية كالضرائب والرسوم وارباح الشركات ومبيعات الموجودات والاملاك الحكومية، وهي لا تغطي سنويا أكثر من (3%) من اجمالي الانفاق العام. واخيرا القروض الداخلية من الجهاز المصرفي الذي يعيد خصمها لدي البنك المركزي ليكون الاخير ممولا لديون الحكومة الاتحادية بشكل غير مباشر، نظرا لعدم قدرة البنك المركزي وفق قانونه (56 لسنة 2004) من تمويل القروض الحكومية بشكل مباشر. ورغم عيوب الاقتراض بشكل عام، الا ان الوضع المالي والاقتصادي في البلد يحتم علي الحكومة انتهاج سياسة مالية توسعية ممولة جزئيا من الاقتراض العام الداخلي لتعويض الركود الاقتصادي الذي خلفه تراجع اسعار النفط وجائحة كورونا في معظم القطاعات الاقتصادية في البلد. خصوصا مع تزايد نسب البطالة نتيجة تراجع مشاريع الاستثمار العام والخاص وتقلص نشاط القطاع الخاص، مما يزيد من دور الانفاق الحكومي (الرواتب ومشتريات الحكومة) في تحريك القطاعات الانتاجية والخدمية بشكل مستمر. وفي الآونة الاخيرة تم طرح خيار خفض قيمة الدينار العراقي لتحقيق اهداف مالية (تعظيم الايرادات الحكومية) واهداف اقتصادية (دعم المنتج الوطني). وفي الحقيقة فان جميع تلك الدعوات قاصرة عن إدراك طبيعية الكلف الاقتصادية والمالية والاجتماعية المترتبة علي هذه السياسة مقارنة بالعوائد التي قد تتحقق. ولا يعد اللجوء الي خفض الدينار العراقي لتمويل فجوة الموارد المالية خيارا مناسبا في الوقت الراهن، ولعدة اسباب اهمها:  1- ضعف الايرادات الحكومية المتولدة عن هذا الخيار والمقدرة بـ (600 مليار دينار) شهريا، إذا ما تم خفض سعر صرف الدينار الي (1500) دينار مقابل الدولار بدلا من (1182) دينار مقابل الدولار السائد الان.  2- ارتفاع سعر صرف الدولار في بلد يعتمد علي الاستيراد في تغذية الطلب المحلي علي مختلف انواع السلع والخدمات يعني توليد ضغوط تضخمية لولبية تقضم الدخول النقدية للطبقات المتوسطة وتسحق الطبقات الفقيرة بشكل خطير. 3- لا يزال احتياطي البنك المركزي من الدولار الاجنبي ضمن المديات المريحة (53 مليار دولار) مما يجعل سياسة الاقتراض الداخلي ممكنة حتي مع اتساع الفجوة بين مبيعات وزارة المالية الي البنك المركزي ومبيعات الاخير من الدولار الي القطاع الخاص. 4- لا يمكن اعتبار خفض قيمة الدينار العراقي في هذه المرحلة ضرورة لرفع قدرة المنتج الوطني ولعدة اسباب اهمها عدم وجود طاقات انتاجية وسلع وطنية قادرة علي المنافسة في الاسواق الدولية لغرض دعمها عبر خفض سعر الصرف.  5- مرجح جدا ان يقود اجراء خفض قيمة الدينار العراقي الي مضاربة قوية علي الدينار عبر تحويل الارصدة النقدية (المكتنزة والمدخرة) من الدينار الي الدولار حفاظا علي القيمة الحقيقية لتلك الارصدة، مما يقود الي تزايد الطلب علي الدولار وتحول نظم المبادلات المحلية صوب الدولرة كما حدث في لبنان.


  طبيعة التطور علي المستوي العالمي في شكل الدولة، ونوعها، هي من الدول السلطانية من حيث الشكل والاستبدادية من حيث طبيعة نظام الحكم، الانتقال من السلطانية الي الشعبية بحيث تعود السلطة الي الشعب ويكون هو المحدد للحكومة والحكام، ومن الاستبدادية الي الديمقراطية حيث الحريات متوفرة والقانون هو السائد والحقوق مصانة والقضاء هو الحكم والمحاكم هو المكان الذي يرافع فيها من الطرفين، والمنافسة الاهلية هي الطريق، والدولة هي السيد.   لكن في منطقتنا، ان الدولة التي ثار شعبها علي الحكم الظالم المستبد الفرداني، التحول يكون الي التفكك وفقدان السيادة والقانون، ففي وقت كان الشخص الواحد او الحزب الواحد يجلس فوق القانون ويقتل كما يهوي، أصبحت الكيانات تجلس علي القانون وتهينه، والعديد من الاحزاب يقتل، وينتهك الحرمات، الحزب الحاكم تحول الي احزاب طاغية باغية والسلطة انتقلت من الشخص الواحد الي شخوص تفصل للدولة علي هواها ومقاسها، والسلاح الذي في كل النظم تكون شرعيتها للدولة فقط، تفشت الي دويلات الاحزاب.   دولة الميليشيات هي النموذج الذي قدمتها المنطقة الي العالم، هاك العراق ولبنان واليمن وسوريا والسودان، والحكم الفردي في مصر.. ايران بما للحرس الثوري وقوات الباسيج - التعبئة - من سلطان بموازات مؤسسات الدولة او الحكومة بتعبير أدق، وهما خارجان عن صلاحيات رئيس الدولة المنتخب، هنا العراق الذي تمكنت الفصائل من الخروج من اللاشرعية القانونية الي الشرعية القانونية، لكن لمجرد الشرعية وليس من اجل الالتزام بالقانون وسياسات الدولة.   من فوائد الدولة الحديثة انها وحدت أمما وشعوبا في اطار جغرافية محددة وأنشأ الي حد كبير مجتمعاً مستقراً، جعل للشعب صوتاً وحقاً وحددت عليه واجباً، كل أمة تبغي التنمية والحياة المستقرة والاستقلالية والسيادة والوحدة الداخلية، تحاول تأسيس دولة، دولة يحكمها دستور متفق عليه شعبياً، لكن في العراق فإن الدولة هي أول المتهمين وأضعف الموجودين، هي عليها ان تكون مطية لرغبات الكيانات المسلحة التي لا ولن تطيع الدولة، كأن الدولة هي المأمورة وعليها هي ان تلبي ما تأمر به الكيانات ألأخري، بمعني تحويل السيادة من الدولة الي المجموعات المسلحة، وهي ما يعبر عنه بالسلاح المنفلت، والمجموعات غير المنضبطة.   سمعت احد صغار المحللين يقول نحن اذا الدولة لم تفعل ما نريد، نولعها بالولاعة.   شيروان الشميراني لست ابداً من مدافعي سياسات الاحزاب، لكن ان حرق مقار الاحزاب من طرف مجموعة قررت تنفيذ رغباتها بالطريقة التي تشتهيها، في حين كان يكفي تقديم دعوي ضد الشخص او الحزب المعني في المحاكم وينتهي كل شيء، إن حرق القنوات التلفزيونية والمكاتب الحزبية شهية او شماتة او انتقاماً، لا يكون في مكان وعلي أرض سوي التائهة من التي تسيطر عيها العقلية القبلية ما قبل قانون حمورابي.   ونفس الحكم فيما يخص مجرزة الفرحاتية 19-10-2020 في محافظة صلاح الدين في العراق، عندما تحكم علي منظمة ما بأنها ارهابية فهي لأعمالها، وليس شخوصها، مجرزة الفرحاتية نموذج صارخ للادولة، لحكومة يكون القانون في الخلف، والقتل والارهاب هو المحدد شكل المجتمع، غريب ان يقوم رئيس الوزراء بالتحقيق في مجرزة ارتكبها مسلحون يقولون انهم مؤسسة من مؤسسات الدولة الرسمية المسلحة، في دولة القانون في حال حدث أمر كهذا، فان الضابط المسؤول الاول في تلك المنطقة يعتقل علي الفور المتهمين ويحيلهم الي المحكمة العسكرية من دون الحاجة الي تشكيل لجنة والبحث عمن فعل، ما يحدث الان هو دولة اللادولة، دولة بلا هوية دستورية، دولة لا تشبه الدول، دولة ليس لها من معاني الدولة سوي الاسم، هذه الدولة ليست تلك التي تأتي بالاستقرار والتنمية وتصون الحقوق، بل انها دولة وفق التصنيفات العالمية تسمي بالدولة الفاشلة، هي دولة السلاح والمال والأمراء، تطور معاكس بالمقياس العالمي، فهي اذن ما نقدمها نحن الي العالم، من السلطوية والاستبدادية الي الميليشاوية، تصريح قائد الحشد الشعبي بانه تحدث الي مسؤول عصائب اهل الحق يفسر كل شيء، كل كتيبة لها مسؤول مطاع ليس من بينهم القائد العام للقوات المسلحة.


حسني محلي تشهد تركيا نقاشاً مثيراً حول فترة السلطان عبدالحميد الّذي حكم الدولة العثمانية من آب/أغسطس 1876 وحتي نيسان/أبريل 1909، عندما أطاح به حزب الاتحاد والترقّي، ليحلّ محلّه السلطان محمد رشاد، ومن بعده السّلطان الأخير وحيد الدين، الَّذي غادر إسطنبول علي متن مدمّرة بريطانية بعد هزيمة الدّولة العثمانيّة في الحرب العالمية الأولي. وخلافاً لأحاديث المديح والتمجيد التي أبرزها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وإعلامه خلال السنوات الأخيرة، خرج رئيس تحرير قناة "TELE1" الإخباريّة المعارِضة ماردان ينار داغ، ليصف السلطان عبدالحميد بكلّ الصفات السيئة سياسياً، ويقول عنه إنه "سلطان استبداديّ دمويّ إجراميّ وخائن، باع كلّ ممتلكات الدّولة العثمانيّة التي خسرت في عهده 1.6 ملايين كم مربع من أراضيها، وكان السّبب في إفلاسها، كما باع فلسطين للصّهاينة". وقد أثار كلام ينار داغ ردود فعل عنيفة في الإعلام الموالي للرئيس إردوغان، فيما يستعدّ المجلس الأعلي للإذاعة والتلفزيون لاتخاذ قرارات صارمة بحقّ القناة. ورفع بعض أتباع إردوغان دعاوي قضائية ضد ينار داغ بتهمة الإساءة إلي رموز الأمة التركية. واكتسب هذا النّقاش أهميّة إضافيّة، لأنه تزامن مع أحاديث الأوساط السياسية والإعلامية في الداخل والخارج، والتي شبَّهت الرئيس إردوغان وحكمه بحكم السّلطان عبدالحميد بالمفهوم السيئ، فيما صوَّرت المسلسلات التي أخرجها أتباع إردوغان السلطانَ عبدالحميد "بأنّه بطل تاريخيّ تآمرت عليه كلّ الدول والقوي الإمبريالية والصهيونية، ولكنه انتصر عليها، فأسقطه الاتحاد والترقي، وهو حزب يسيطر عليه اليهود والماسونيون". وتتناقض المعلومات والأقاويل بين أتباع إردوغان الَّذين "يتغنّون بأمجاد عبدالحميد"، والمعارضين الذين يتحدّثون "عن النظام الاستخباراتي الشنيع التابع له، وهو الَّذي قام بتصفية كلّ معارضيه، بل إنه سجن مصطفي كمال أتاتورك 4 مرات في شبابه". ولم ينسَ هؤلاء الإشارة إلي أن عبدالحميد، وهو السلطان رقم 34 من بين السلاطين العثمانيين الذين حكموا الدولة العثمانية، وعددهم 36، لا يختلف عن أسلافه، فمعظم أمهات السلاطين غير مسلمات (مسيحيات ويهوديات وأرمنيات)، وهو الحال أيضاً بالنسبة إليه، فوالدته أرمنية، والبعض يقول إنها شركسية، فيما لم يشبه عبدالحميد السّلاطين الآخرين الَّذين قتلوا آباءهم وإخوتهم وأخواتهم وأقرب المقربين إليهم من أجل السلطة، كما قطعوا رؤوس أكثر من 45 رئيساً للوزراء وعدد مضاعف من الوزراء وكبار المسؤولين. ومع احتمالات أن يستمرّ هذا النقاش المحتدم بين أتباع عبدالحميد والمعادين له، فإنَّ الكثيرين يرون فيه علاقة مباشرة بما يتغنّي به الرئيس إردوغان عندما يتحدّث عن إحياء ذكريات الخلافة العثمانيّة علي الصّعيدين الداخليّ والخارجيّ. وتتّهم المعارضة إردوغان بالعمل علي إقامة حكم استخباراتي استبدادي، بعد أن سيطر علي جميع مرافق الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، كما فعل السلطان عبدالحميد الّذي أوصل البلاد إلي حافة الإفلاس، وفق كلام المعارضة، التي تستغرب محبة إردوغان للسلطان عبدالحميد الّذي هُزم في جميع حروبه الخارجية. ويري آخرون في محبّة إردوغان وأتباعه لعبدالحميد علاقة مباشرة بين السلطان والسياسة الخارجية للرئيس التركي الحالي، الذي يسعي إلي استرجاع ما خسره الأخير خلال السنوات الأخيرة من حكمه في البلقان والقوقاز والعالم العربي.  ويفسر ذلك سياسات أنقرة الحالية في التواجد والانتشار العسكريّ الفعال في سوريا وليبيا وقطر والعراق والصومال وأذربيجان، إضافةً إلي البوسنة وأفغانستان، تحت غطاء الأمم المتحدة وحلف الأطلسي، في الوقت الَّذي تستمرّ العديد من المؤسسات التركية الرسمية وغير الرسمية في أنشطتها المختلفة في العديد من دول الدولة العثمانية السابقة، مع دعم تركي رسمي وعلني لكلّ الجماعات الإسلامية الإخوانية في جميع أنحاء العالم، وفي مقدمتها الدول العربية التي تحكمها أو تتواجد فيها أنظمة أو قوي معادية للرئيس إردوغان، وفي مقدمتها مصر والسودان وموريتانيا والجزائر واليمن وتونس والأردن. ومثّل حديث إردوغان وإعلامه في بدايات الأزمة السورية عن التركمان في سوريا نهجاً جديداً في سياسات أنقرة التي أولت لبنان اهتماماً خاصاً، أولاً لقربه من سوريا، وثانياً لكثرة الأحزاب والقوي المعادية لدمشق فيه، وتردّد بعض زعمائه إلي أنقرة، التي كانت، وما زالت، علي علاقات وطيدة معهم ومع التركمان الّذين يعيشون في لبنان، والذين لهم علاقات واسعة مع مختلف أجهزة الدولة التركية، بحسب معلومات مصدرها جهات لبنانية رسمية. وتعكس كلّ هذه التحركات التركية، العلنية منها والسرية، في جميع أنحاء العالم العربي والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطي، رغبة إردوغان في إحياء ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية بطابعها الجديد الذي عبَّر الرئيس الفرنسي ماكرون، ومعه المستشارة الألمانية ومسؤولون أوروبيون آخرون، عن قلقهم منه، لأنه بات يشكّل خطراً أمنياً علي أوروبا التي يتواجد فيها حوالي 5 ملايين تركي، إضافةً إلي 10 ملايين مسلم. ويعتقد إردوغان أنَّ هؤلاء سيتضامنون معه، بعد أن أعلن نفسه زعيماً سياسياً وروحياً للعالم الإسلامي الذي لم يعد تحت تأثير وسيطرة الفكر الوهابي لآل سعود، الَّذين خدموا المشروع الأميركي طيلة 70 عاماً الماضية. وبات واضحاً أنّ آل ثاني الذين تحميهم القواعد الأميركية يسعون إلي أن يحلّوا محلّ آل سعود، بدعم من جيش تركيا ذات التاريخ العثماني والجمهوري؛ الجيش الذي يريد له البعض أن يواجه إيران عند اللزوم! وتثبت كلّ هذه المعطيات وخطابات الرئيس إردوغان ومقولات إعلامه الذي يهدد الجميع ويتوعَّدهم، وخصوصاً مصر والإمارات والسعودية والأردن، أن تركيا لن تتراجع عن موقفها الحالي وسياساتها "التوسعية" ذات الطابع العثماني. بمعني آخر، إنَّ تركيا، وفي الظروف والمعطيات العربية والإقليمية والدولية الحالية، لن تنسحب من الأماكن الّتي يتواجد فيها الجيش التركي، الذي يبحث لنفسه عن مواطئ قدم جديدة في المنطقة. ويفسّر ذلك كلام إردوغان، الّذي علّل التواجد العسكري التركي في ليبيا ببقايا العثمانيين فيها، وقال "إنَّ عددهم مليون نسمة" من أصل 6 ملايين هم سكان ليبيا، كما سبق له أن تحدَّث عن "حقوق التركمان في سوريا والعراق". ولم تهمل أنقرة علاقاتها مع كلّ الأحزاب والقوي والجماعات والتنظيمات، السياسية منها والاجتماعية والمسلّحة، سراً كان أو علناً في العالم، وهي تري فيها جميعاً قوتها الاحتياطيّة لمواجهة أعداء تركيا العثمانية، وخصوصاً بعد أن بايعت معظم هذه القوي الرئيس إردوغان، بصفته الزعيم السياسيّ والروحيّ لكلّ الإسلاميين في العالم، وهو يريد لهم "أن يروا في إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية، كعبتهم الجديدة"، بعد أن دنَّس آل سعود الأماكن المقدسة في مكَّة المكرمة والمدينة، علي حد قول إعلام إردوغان الذي يتوعّد آل سعود وآل نهيان بالقضاء عليهم في عقر دارهم، إذا استمرّ عداؤهم للأخير في ليبيا وسوريا والعراق والصومال، أو أي مكان آخر في العالم يتواجد فيه الأتراك الذين يتغنّون بأمجاد السلطان القديم والجديد!  


 مصطفى فحص   "أنا على حبل معلق بين بنايات كبار، لست مضطرا للمشي على الحبل فقط وإنما لركوب دراجة على الحبل، أرقص كل يوم مع الأفاعي لكنني أبحث عن مزمار أستطيع من خلاله التحكم بالأفاعي، فالصبر أفضل من الدخول في فوضى دموية وحرب أهلية، ألف سنة من الحوار أفضل من لحظة تبادل لإطلاق النار". هذا التصريح لرئيس الوزراء العراقي الكاظمي عبر الغارديان البريطانية في ختام جولته لمثلث القرار الأوروبي (فرنسا، ألمانيا بريطانيا)، لكن يبقى للعاصمة البريطانية لندن عند الساسة العراقيين معنى خاص. بالرغم من النفوذ والحضور الأميركي الهائل في العراق منذ 2003 بعد قرار جورج بوش تغيير الثوابت السياسية التي فرضتها بريطانيا على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ما بين الحربين العالميتين، وعملها مع فرنسا على تحويل الولايات العثمانية إلى دول مستقلة، حيث كان العراق الحديث بحدوده الحالية أحد أبرز نتائجها سنة 1921، لا يزال الوعي الجماعي للنخبة العراقية يعتبر أن بريطانيا هي الدولة الاستعمارية الوحيدة التي تعرف معنى العراق وتركيبته الاجتماعية والثقافية والدينية العشائرية والإثنية. لعل الكاظمي في حديثه للغارديان أراد لفت انتباه الإنكليز إلى معاناة من يكون على رأس الدولة من تلك القبائل والجماعات والحواضر التي روضتها بريطانيا عندما أعلنت انتدابها وفرضت عليها الانضمام إلى الكيان الجديد، إلا أن كلام الكاظمي يوحي أن تلك القبائل والجماعات والإثنيات قد تحولت إلى عشائر متصارعة وأحزاب دينية ومجاميع مسلحة وحواضر شبه مستقلة وقبائل متنازعة جهويا وعقائديا، وأصبحت كالأفاعي تحتاج إلى حاو صبور في ترويضها. تعود سياسيا مقولة الرقص مع الأفاعي إلى الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، ففي حوار أجراه الصحفي اللبناني خيرالله خيرالله على هامش حفل توقيع كتابه "حرائق اليمن ـ من انهيار دولة الجنوب إلى انهيار الدولة" عن علاقته الشخصية والطويلة مع الرئيس صالح أنه سأله مرة كيف ستحكم اليمن بعد أحداث 1994، فأجاب صالح "سوف أرقص فوق رؤوس الأفاعي"، لكن خيرالله يختم كلامه بالقول إنه على الرغم "من حرص علي عبدالله صالح في النهاية وجدت أفعى تلدغه"، والأزمة أن هذه الأفاعي التي اعتقد صالح أنه استطاع ترويضها، جاءت من الجحر نفسه الذي جاءت منه الأفاعي التي يحاول الكاظمي إما ترويضها أو الرقص معها. الواضح إيجابيا أن السلطة والحُكم لم يغيرا في طبائع الكاظمي، وهو لم يزل متمسكا في وسطيته واعتداله، لذلك يقول إنه يبحث عن مزمار يساعده على التحكم بهذه الأفاعي، وكان الكاظمي اشتكى في لندن أن ظروف العراق وضغوط الأصدقاء والأعداء تحول السياسي إلى حاو مهدد دائما بلدغ الأفاعي القاتلة. أثبتت التجربة أن الرقص مع سياسيين يتصرفون كالأفاعي لا يمكن أن تخرج منها إلا مصابا بلدغة، وهذا ما جرى مع أغلبهم، ومن أشهرهم شيخ الحواة في صعيد مصر ستينيات القرن الماضي، المعروف بموسى الحاوي وكما كاد أن يحدث مع بطل رواية "الأفعى الزرقاء" للأديب المغربي الطاهر بن جلون. فالحاوي في رواية بن جلون كان يراقص الأفاعي أمام السُّياح، كما يحاول الكاظمي مراقصة السياسيين في العراق، لكن بطل رواية بن جلون كاد أن يفقد اليقين ويموت من لدغتها لأن أفاعيه لا تستجيب لموسيقاه. طبيا هناك جدل بين العلماء حول نظام السمع لدى الأفاعي والثعابين، ويجمعون أنه يختلف تماما عن البشر والحيوانات الأخرى التي لديها أذان، لذلك لا تعتمد الأفاعي في سمعها على الطريقة التي تعتمدها غيرها من الزواحف بل تستعين بالحواس الأخرى، هذه الحواس التي لا تسمع المزمار أو لا تريد سماعه، فإن حواسها الأخرى قد تشعر بالألم من ضربة العصا مثلا، وهذا ما تؤكده الميثولوجيا الهندية "الغانا" بأحد أمثالها بأن "بالرغم من صغر حجم الثعبان فلا يزال من الحكمة ضربه بعصا كبيرة". يقول الهنود إن الأفاعي تحول الحليب إلى سم، وهذه الأفاعي حولت حليب وتمر وماء ونفط وهواء العراق إلى سموم، وهي ومنذ الأول من تشرين (أكتوبر) خرجت للدفاع عن جحورها في الدولة، ولن تترد في لدغ من يفكر في اصطيادها وترويضها أو قراءة تعويذة عليها، فالعازف على المزمار يتوقف عادة لالتقاط أنفاسه، لكن الأفعى تبقى مهتابة للنيل منه عندما تسنح لها الفرصة. لم يمر الكاظمي بتجربة يسارية أو شيوعية، لكن لديه أصدقاء مخلصين مروا بهذه التجربة، وعلى الأغلب قرأوا كثيرا عن نظرة كارل ماركس عن نشأة التاريخ وخصوصا قوله بأن "العنف قابلة التاريخ فمن رحمه تولد الإمبراطوريات"، أما طموحات الشعب العراقي تنحصر بولادة الدولة فقط، وهذا الشعب الذي أرهقته الانقلابات والحروب والعنف يرغب بعصا غليظة تضعها إلى جانبك وأنت تعزف على المزمار، لكن يا صديقي على من تعزف مزاميرك.


 أياد السماوي ( إنّ حكم اليمن يشبه الرقص علي رؤوس الثعابين ) عبارة استعارها الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح من ملك يمني قديم .. نهاية الرقص علي رؤوس الثعابين انتهت باغتيال علي عبد الله صالح بطلقة في رأسه في الرابع من ديسمبر عام 2017 .. رئيس الوزرا‌و مصطفي الكاظمي استعار هو الَاخر هذا المعني في ختام جولته الَاوربية التي شملت كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا العظمي , وقال في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره بوريس جونسون ( أنا علي حبل بين بنايتين شاهقتين , لست مطالبا بالسير علي الحبل , بل أن أركب دراجة علي الحبل , وأنا أرقص يوميا مع الثعابين ولكني أبحث عن مزمار للسيطرة علي الثعابين ) .. إنّ من استعار حكمة الملك اليمني القديم وهمس بها بإذن الكاظمي , كان يقصد أمرا يَ‌خر غير موضوع التوازن والصراع الجاري بين أمريكا وإيران علي الساحة العراقية .. بل أنّ من استعارها أراد أن يوصل رسالة من خلال الكاظمي مفادها أنّ المزمار الذي نبحث عنه للسيطرة علي الثعابين , يمرّ من خلال التطبيع مع إسرائيل ونحن جاهزون لاستقبال هذا المزمار .. هذا المعني تحدّث به صديق إسرائيل مثال الَالوسي قبل جولة الكاظمي الَاوربية .. الثعابين التي قصدها الكاظمي في حديثه لا تحتاج إلي عنا‌و لمعرفتها , قطعا هم ليسوا الشركا‌و الَاكراد أو الَاخوة السنّة ولا حتي كلّ الشيعة .. بل الَاكيد أنّ الذين عناهم الكاظمي في استعارته الرقص مع الثعابين هم الفصائل الولائية , أي الفصائل التي ترتبط بعلاقة مصيرية مع إيران , والتي تقف بوجه المشروع الَامريكي الإسرائيلي في الشرق الَاوسط , وتطالب الكاظمي بإنها‌و الوجود العسكري الَامريكي في العراق .. وعلي ما يبدو أنّ الكاظمي وصل إلي نقطة اللا عودة مع هذه الفصائل التي باتت تعتبر وجوده يشّكل خطرا علي وحدة وسيادة الوطن العراقي , بل أنّ مخاوف هذه الفصائل من استمرار الكاظمي وطاقمه الَامريكي علي رأس الحكومة العراقية من شأنه أن يجعل من العراق قاعدة إسرائيل الكبري في الشرق الَاوسط .. الذي يجهله الكاظمي أنّ الثعابين التي يرقص معها قادرة علي ابتلاعه هو وفريقه المتأمرك , متي ما أرادت ومتي اعتقدت أنّ ذلك ضروريا .. والمزمار الذي يبحث عنه مصطفي الكاظمي عند البريطانيين وحلفائهم , لا ينفع مع ثعابين هي من سلالة ثعبان موسي عليه السلام .. وعلي الكاظمي أن يتّعض من نهاية الذين رقصوا مع الثعابين قبله ..


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand