عدالت عبدالله لا معنى لقيم المعارضة أو المشاريع الديمقراطية أو الدعوات لمواجهة الإستبداد والديكتاتورية إذا ما لم تنعكس أي منها على أرض الواقع في حقبة ما بعد الإستبداد. العراق بلد عانى الكثير من إستبداد الدولة والزمرة الحاكمة فيها سيما في ظل الحقبة الصدامية، وقد أعطت هذه الحقبة، تلقائياً، مشروعية ما لكل خطاب مقاوم ومعارض للدكتاتورية حتى وإن لم يكن هذا الخطاب خطاباً داعياً، مباشرةً الى الديمقراطية أو قيمها المتعددة المعروفة، ومرد ذلك هو أن أية مقاومة للديكتاتورية، تعتبر، بمعنى من المعاني، ترسيخاً لولادة نقيضها، أي الديمقراطية، حتى ولو تباينت المرامي وأختلفت الايديولوجيات في طرق وأنماط المقاومة للديكتاتورية. ثمة تجربة في هذا الصدد يمكن أن نأخذها هنا كمثال، ألا وهي تجربة المواجهة السوفيتية للمطامح التوسعية لألمانيا النازية. الكل يعلم أن الإتحاد السوفيتي لاسيما في عهد جوزيف ستالين (1878-1953) لم يكن نظاماً ديمقراطياً ولاكانت النخب الحاكمة فيه منذ الثورة البلشفية 1917 الى بداية التسعينيات من القرن الماضي مؤمنةً بالمبادئ الرئيسة للنظام الديمقراطي التي ذُكِرَت في أشهر كتاب معاصر عن الديمقراطية إلا وهو كتاب للمفكر والسوسيولوجي الفرنسي الكبير (آلان تورين) والذي يحمل عنوان (ماهي الديمقراطية، حكم الأغلبية أم ضمانات الأقلية؟) بل كان النظام المتبع هو الشيوعية التي تحولت، بمرور المراحل السياسية، على أرض الواقع، الى نظام قمعي وإستبدادي، لاسيما على يد ستالين الذي قام بقمع وتصفية خصومه السياسيين بل وشمل القمع والتصفية كل من كانت تحوم حوله الشكوك، ومع ذلك ثمة إنجاز للتجربة السوفيتية تمثل في الحد من النازية والفاشية في قلب العالم الحي إلا وهو أوربا والذي آل هذا الحدث الى تقوية مبادئ الديمقراطية وفي النهاية هزيمة النازية والفاشية، ولايُخفى على أحد أن خسائر الإتحاد السوفييتي البشرية في الحرب العالمية الثانية قُدِرَت بـ 21 إلى 28 مليون نسمة، مما يعني لنا هنا حصول مفارقة في هذه التجربة عادت خيراً على البشرية وهي: أن الذين لم يكونوا مؤمنين بالنظام الديمقراطي ساهموا في إعادة بنائه وأستنهاض القوى الداعمة له والبانية لقيمه. وإذا كانت هذه هي أحدى التجارب الحية والكبيرة في تاريخ البشرية فهناك عشرات من التجارب الأخرى التي تؤكد لنا أن كل من قاوم الديكتاتورية يُعتبر مساهم في بناء الديمقراطية ولكن لايعني بالضرورة أنه مؤمن بمبادئ الديمقراطية حتى وإن أدت مقاومته الى إبداع مفاهيم فكرية وأخلاقية متناقضة مع الديكتاتورية والإستبداد أو مفاهيم ومعايير متفاعلة مع ما تنادي به القيم الديمقراطية. وبهذا المفهوم، إذا تعمقنا في الحالة العراقية وسر الإحداث والصراعات السياسية والطائقية والعرقية التي دارت في عراق ما بعد الإستبداد الصدامي، لأتضح لنا حقيقة دامغة وهي أن العراق بالرغم من أنه دخل، من حيث الزمن، مع سقوط النظام السابق 9/4/2003 في عهد ما بعد الإستبداد، إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من تجاوز البنى الفكرية والايديولوجية التي تأسس عليها الفكر الإستبدادي ولا أستطاع أن تُحَوّل قطيعته مع الماضي المقيت، عهد صدام المظلم، من قطيعة زمنية الى قطيعة فكرية تقوم على إجتثاث الأسس التي قامت عليها الايديولوجية الإستبعادية والإقصائية للبعث والبعثوية كايديولوجية شمولية وإستبدادية. صحيح - ويجب أن نعترف بذلك - أن العراق كتجارب بقية المجتمعات البشرية الأخرى دخل في مرحلة إنتقالية هي في الأدبيات السياسية معروفة بمرحلة الإنتقال من الحكم السلطوي الى الحكم الديمقراطي. وصحيح أيضاً أن هذه المرحلة معرضة للوقوع في تجاذبات سياسية وصراعات ايديولوجية وإجتماعية بين القوى السياسية والإجتماعية المختلفة،خاصة إذا كانت مصاحبة لعملية الإنتقال الى الحكم الديمقراطي، ولكن مع ذلك ليس ثمة أية نظرية علمية تؤكد لنا أن الديمقراطية Democratic، كمنظومة قيم أو مفاهيم ومبادئ قائمة علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة وحماية حقوق الأقليّات والأفراد، أو على فصل السلطات والتمثيل والإنتخاب وسيادة القانون والمعارضة الوفية واللامركزية، تتأسس فقط على معارضة الديكتاتورية أو سياساتها وأفكارها، وإنما هي، قبل أي شيء، منظومة من القيم والمفاهيم والمبادئ التي لايمكن إرساؤها أو إنتهاجها أو حتى الإشتغال عليها دون إتباع مشاريع خاصة بالتنشئة الفكرية والسياسية والأخلاقية أو التنمية البشرية والثقافية والتثقيفية، وهذا ما نفتقر اليها بالضبط في عراق اليوم و حتى في كٌردستان العراق والتي أدت عواقبها الى أن تكون قطيعتنا للحقبة الديكتاتورية هي، غالباً، قطيعة زمنية أكثر مما هي قطيعة فكرية.
رێبوار کریم ولي اذا كان ميراث المرحوم نوشيروان مصطفى ( المنسق السابق لحركة التغيير) وبقية قيادات التلة ( حيث المقر الرئيس للحركة ) كان عبارة عن التوريث السياسي ، فإن المسألة لاتباع المرحوم قادر الحاج علي ( قيادي سابق في التغيير) عكس ذلك تماما . * الخلاف الاساسي بين قادر الحاج علي مع المنسق السابق للحركة تمحور وبدأ حول انتهاجه لسبيل اسلافه ؛ فقال لي بشكل صريح ومباشر " لاينبغي تسجيل ممتلكات واموال حركة التغيير باسم مؤسسها بل تحويلها الى ملكية الحركة نفسها ، وفي ايامه الاخيرة طلب نوشيروان مصطفى منه قيادة الحركة كوريث سياسي له ..لكنه لم يقبل بذلك ! كاك قادر لماذا رفضت طلبه ؟ ... ." أخي العزيز الامر كان قد فات اوانه " * المرحوم قادر الحاج علي كان على يقين انه ما كان ليصبح المنسق الحقيقي للحركة ، وفي الافضل الاحوال كان سيمسي العم الكبير ( الوجيه او الواجهة ) و مجرد حارس على الميراث الذي تم تقسيمه مسبقا ! * وكنت قد كتبت قبل سنتين في مقالة لي " انزلوا من التلة ، مادمتم مستأجرين انزلوا الى اسفلها واستأجروا لكم غرفتين " ، فاتصل بي هاتفيا وقال لي ضاحكا " بعضهم يرغبون البقاء مستأجرين في الاعالي ". * كان المرحوم دوما يؤكد هو وصديق عمره عثمان محمود ان ممارسة العمل السياسي ( العمل الحزبي ) أمسى مستهجنا ، في حين كان باستطاعتهما الانشقاق وتقسيم حركة التغيير بل واستمالة القسم الاكبر من اعضاء و مؤيدي الحركة الى جانبهما ، ولكن ماكان يهمه هو ماهية العمل فقط . " الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني ، سائران على نهجهما كما هو ديدنهما ولا ينكران ذلك .. فلا غرابة ، لكن حركة التغيير هي التي خيبت امال الناس " * مسؤولو التلة ( التغيير ) بعد ان ادركوا هذه الحقيقة ، لم يألوا جهدا في تأليب مسؤولي الديمقراطي والاتحاد الوطني على قادر الحاج علي وصديقه عثمان الحاج محمود .فلم يبق شيئا سيئا او موبقة الا حاولوا الصاقها بهما بل ربما حتى القاء باللائمة عليهما في احداث التقاتل الداخلي ( احداث قرناقة وبشت آشان و 23 حزيران ...الخ )! * كان المرحوم قادر الحاج علي ، مؤسس ومسؤول جهاز- مكتب المعلومات ( زانياري ) المخابراتي التابع للاتحاد الوطني الكوردستاني . لكنه لم يستغل معلوماته التي حصل عليها بحكم موقعه السابق في ذلك الجهاز اثناء الحرب الاعلامية التي استهدفت حركته ( بالرغم من ضغوطات منسق الحركة نوشيروان مصطفى ) ، ولم تخرج مجرد صفحة من الصندوق الاسود ." ان ذلك لا ينسجم و اخلاقي المهنية ، الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني لديهما من الموبقات والمآخذ الآنية لا حاجة معها للرجوع الى ماضيهما " * لم يهدف المرحوم قادر الحاج علي وصديقه عثمان محمود الى الانقلاب السياسي او إحداث الانشقاق في الحركة ، على عكس من ذلك حتى تخليهما عن الحركة جرى بهدوء تام ، رغم اتصال الكثير من اعضاء و مؤيدي التغيير بهما آملين تأسيس حزب جديد ، لكنهما ضلا مُصِرًين على التحلي بالصبر في التعامل مع الاوضاع . مؤكدَين ان اي محاولة بدون التمكن من مفاتيح التغيير الحقيقي المسنودة بالمعارضة الجماهيرية الاصيلة ستكون مصيرها الافلا س ( السياسي) والتشويش على الجماهير * لقد المرحوم قادر الحاج علي رجلا مفعما بالاخلاق والمعرفة ، وسياسيا محنكا وصديقا وفيا . كان نقيا وطاهرا كالغيوم ، ولكن بطعم المطر ... ترجمة : عباس المندلاوي
أياد السماوي السيد مسعود بارزاني المحترم / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جناب الأخ أبو مسرور .. ما أكتبه لك اليوم قد لا تسمعه من أي سياسي عراقي على الإطلاق .. ومن المهم جدا قبل الحديث عن الموضوع الذي أريد التحدّث به مع جنابك الكريم أن تتعرّف على رأي السياسي بك شخصيا وبحزبك الذي تقوده وبزعامة أسرتك لهذا الحزب وارتباطاتها بالمخابرات الدولية , وهذا الرأي ليس وليد هذه المرحلة , بل يعود إلى مطلع السبعينات من القرن الماضي , عندما قام جلّاد الحزب الديمقراطي عيسى سوار باختطاف إثنى عشر طالبا شيوعيا كانوا عائدين إلى العراق عبر كردستان بعد انتهاء دراستهم في الخارج , ليلقوا حتفهم على يد هذا الجلّاد , وصديقك فخري كريم يعرف تفاصيل هذه القصّة من الألف إلى الياء , حينها كنت أحد الشباب الشيوعيين الذين ناشدوا والدك المرحوم الملا مصطفى بالعمل على إطلاق سراح هؤلاء الشباب العائدين , ولكن من دون جدوى .. جناب الأخ أبو مسرور .. لم أقتنع يوما أنّكم آل برزان عراقيون وتنتمون لتربة العراق قيد أنملة , أو يهمّكم مصير العراق وشعبه , ورأي الشخصي بزعامتك وأسرتك لشعبنا الكردي لا يقلّ عن رأي بالمقبور صدّام وأسرته , وهذا الكلام قائم على حقائق دوّنتها صفحات التاريخ ويعلمها الكرد قبل العرب .. ولا زال هذا الرأي بك وبحزبك وبأسرتك قائما حتى اللحظة , بل الأخطرمن كلّ هذا جعلتم من كردستان ملاذا آمنا لكل أعداء العراق ونظامه الجديد الذي أنتم جزء منه , وكذلك جعلتم من كردستان بؤرة للموساد الإسرائيلي الذي ترتبطون معهم بعلاقات تاريخية تعود إلى ستينات القرن الماضي , يسرح ويمرح في أرض العراق .. ومع كلّ هذا فأنا من أشدّ المعجبين بأداءك السياسي مع الغمّان الشيعة والسنة في آن واحد , خصوصا عندما تتعامل معهم بعنجهية وغرور وتعالي. جناب الأخ أبو مسرور .. تابعت باهتمام ردة فعلكم شخصيا وردّة فعل حكومة الإقليم على قانون الاقتراض الذي شرّعه مجلس النواب العراقي يوم أمس .. والذي أدهشني من ردّة فعلكم هو إصراركم على أنّ الشيعة والسنّة هم أعداء , وبالتالي فإنّ اتفاقهم على حماية أموال شعبهم , هو عمل مقصود وهو طعنة للشعب الكردي .. بالله عليك يا أبا مسرور ألا يكفيك سبعة عشر عاما من التسلّط والديكتاتورية على أبناء شعبنا الكردي الذي تحكمه بالنار والحديد أنت وأبنائك وأسرتك ؟ ثم ألا تكفيكم عشرات المليارات من الدولارات التي سرقتموها من أموال العرب والكرد وأصبحت أرصدة في البنوك العالمية بأسمائكم ؟ هل تريد من العراقيين أن يسكتوا على نهب أموالهم ؟ ما الذي أزعجكم في هذا القانون ؟ وهل فرّق القانون بين كردستان والبصرة ؟ ولماذا ترفضون تسليم النفط والموارد الاتحادية الأخرى إلى خزينة الدولة أسوة بكل محافظات العراق ؟ ألم يكن ما تمّ تشريعه في قانون الاقتراض قد تم الاتفاق عليه معكم من قبل مع وزارة المالية الاتحادية في شهر آيار الماضي ؟ هل سألت نفسك يا أبا مسرور هل القانون والدستور يعطيك الحق بعدم تسليم النفط والغاز والضرائب والرسوم وإيرادات المنافذ الحدودية والمطارات إلى خزينة الدولة ؟ أين هي الطعنة التي وجهها العرب شيعة وسنّة لكم ؟ أبا مسرور .. هل فكرّت يوما أن عشرات الآلاف من الموظفين الكرد الذين يعملون في الوزارات والمؤسسات الاتحادية هم عبأ ثقيل على كاهل الخزينة الاتحادية وقد آن الأوان لترحيلهم للإقليم ؟ .. أبا مسرور .. ثق واعتقد نحن العرب شيعة وسنّة أكثر حرصا على شعبنا الكردي من حكم إقطاعياتكم العائلية , ونحن على استعداد لتقاسم لقمة العيش مع شعبنا الكردي وبدون أي تمييز .. وكفى عزفا على الوتر الطائفي يا أبا مسرور .. احترامي البالغ لجنابكم.
فاروق يوسف المملكة العربية السعودية لن تغامر بهيبتها في التفاوض مع دولة تحكمها ميليشيات دولة عدوة لذلك فإنهم حين يوقعون اتفاقيات مع العراق فإنهم يدركون جيدا أنهم يتعاملون مع عراق مختلف. ليس هناك شيء غير طبيعي في التقارب العراقي السعودي. الحدث ليس استثنائيا لولا أن ظروف العراق تضفي الطابع الاستثنائي على كل حدث. بالنسبة للسعودية فإنها لا ترمي من وراء مد يد العون للعراق سوى إلى المساهمة في إنقاذ جار شقيق. تكفي إحدى الصفتين لكي تكون مسوغا للقيام بدور إيجابي، يكون من شأنه أن ييسر ما صار إنجازه صعبا. أما بالنسبة للعراق فإن امتناعه عن طلب النجدة من أخوته يعد نوعا من الانتحار الذي لا يمكن القبول به إنسانيا وسياسيا. لقد صار من الصعب بعد كل هذه السنين العجاف التي مرت على العراق تخيل أن يكون تابعا لدولة أخرى ومسيرا من قبلها. فالعراق ليس دولة صغيرة أو قليلة السكان وهو أيضا ليس بلدا فقيرا بالرغم من الفساد الذي نخره سيظل يدفع به إلى حافات الإفلاس. والعراق أيضا لا يفتقر إلى الخبرات في كل المجالات وبالأخص الاقتصادية والنفطية والتقنية والصحية. ليس من المستبعد أن تتوجه عيون العراقيين إلى عرعر باعتبارها بوابة الأمل. ذلك سيكون بداية للتغيير. وهو ما ينتظره العراقيون بعد أن تعبوا من انتظار غير مجد أما وقد انقلبت أحواله رأسا على عقب بعد الاحتلال الأميركي وصار جهلته يديرون شؤونه بحيث صار عراقا آخر. دولة لا يتعرف عليها حتى أبناؤها. فذلك لن يشكل سببا لأن يتخلى عنه أخوته. فالعراق مريض. نعم. العراق مريض بالطائفية التي تم غرز جراثيمها في جسده منذ أن استباح الأميركان كل شيء فيه ولم يحترموا القوانين الدولية التي تدعو المحتل إلى الحفاظ على الدول التي يحتلها. بشرها وثرواتها وقوانينها ومؤسساتها ومظاهر التمدن والبنية التحتية فيها. لقد هدم الأميركان كل شيء. عبثوا بكل شيء. أزاحوا كل شيء عن مكانه. ووضعوا الحكم عهدة بأيدي أحزاب باركت احتلالهم واستمرت في السير على الخط الأميركي في الهدم والسرقة والتدمير والوحشية والقتل إلى أن انتهى العراق بلدا موحشا يقف الفساد بينه وبين رؤية أي نوع من أنواع الثقة على وجوه أبنائه. لا يثق العراقيون بأنفسهم ولا يثقون بالآخر. لقد رأوا من أنفسهم ما لا يتوقع المرء أن يراه في نفسه من شرور. كل هذا من أجل مَن ومن أجل ماذا؟ لقد جروا وراء الأكاذيب فيما كان اللصوص يهربون بثرواتهم. انفصلوا عن محيطهم العربي من أجل أن يكسبوا حب إيران غير أنهم وجدوا أنفسهم يمشون في حقول ألغام أقامتها الميليشيات الإيرانية أو العصابات التي وضعت نفسها في خدمة إيران ولم تكن إيران نفسها لتملك إلا ثقافة الموت بضاعة تعيش عليها وتصدرها وتقدم نفسها إلى العالم من خلالها. في واقع الأمر فإن إيران استهلكت كل ما يمكن أن تقدمه وهي صغيرة في ما تملكه قياسا بالخزين الثقافي العراقي الذي صار يضيق بما يجري حوله رغم فوهات البنادق المصوبة إلى رؤوس الشباب المحتجين. لا يليق بالعراقي أن يعيش بالطريقة التي قررها النظام الإيراني والحرس الثوري. لن تتمكن الأسلحة من تقديم الحل وإيران لا تملك سوى الأسلحة. هنالك قوة أكبر من إيران أجبرتها على الصمت وتجميع عصاباتها في مكان بعيد عن المكان الذي تجرى فيه المفاوضات العراقية السعودية. ليست الولايات المتحدة هي تلك القوة وإن كانت طرفا ثالثا في الاتفاق الاستراتيجي. الشعب العراقي هو تلك القوة. ولا أعتقد أن المملكة العربية السعودية تغامر بهيبتها في التفاوض مع دولة تحكمها ميليشيات دولة عدوة. لا يضع السعوديون أقدامهم على أراض زلقة. لذلك فإنهم حين يوقعون اتفاقيات في مجالات الكهرباء والبتروكيماويات والغاز والزراعة فإنهم يدركون جيدا أنهم يتعاملون مع عراق مختلف، عراق غير ذلك الذي أشاع الإيرانيون أنه صار حديقتهم الخلفية. لقد صار من الصعب بعد كل هذه السنين العجاف التي مرت على العراق تخيل أن يكون تابعا لدولة أخرى ومسيرا من قبلها ولكن ما رأي الميليشيات؟ لا رأي للميليشيات. هناك هدنة ضمنية بين السعودية وإيران موضوعها العراق. فمن غير الاستثمارات السعودية فإن العراق قابل للانفجار. ذلك ما صارت إيران على يقين منه منذ سنوات. وهو ما صار يهدد وجودها في العراق وهو وجود لا بد أن يتهاوى إذا ما أحكم العراقيون سيطرتهم على حياتهم. وليس من المستبعد أن تتوجه عيون العراقيين إلى عرعر باعتبارها بوابة الأمل. ذلك سيكون بداية للتغيير. وهو ما ينتظره العراقيون بعد أن تعبوا من انتظار غير مجد. فهل نحن متفائلون إلى درجة تفاجئ السياسيين، كونهم يتعاملون مع نتائج أعمالهم بحذر؟ العراق المتفائل هو ما تحتاجه المنطقة كلها. وإذا كانت إيران قد تعاملت معه بغباء عبر السنوات الماضية فإنها اليوم في وضع، تحتاج فيه إلى عراق يقيم علاقات سوية مع جيرانه الآخرين.
وفيق السامرائي المثلث المقصود رسم جغرافي رأسه العراق وأضلاعه طرفا الخليج. 1. لاشك في امتلاك أميركا امكانات هائلة لكنها مهما امتلكت من قدرات لاتستطيع الوجود في كل مناطق الصراعات والأزمات خصوصا بعد تطور قدرات وأساليب ووسائل أطراف الصراعات واختلاف غاياتها ومصالحها، وكل الحروب العسكرية غير المحلية أصبحت كلفها هائلة بشريا وماليا. 2. رسم خرائط جديدة لن يكون اختياريا، وفرض متغيرات مهمة بالقوة بأي شكل له تداعيات مدمرة على الأمن الدولي. 3. مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم يعد كما أُسس والخلافات بين بعض أعضائه واضحة وحلولها ليست متاحة حتى الآن. 4. رسائل التهدئة الإيرانية والدعوة إلى التفاهم مع أطراف الخلاف غرب الخليج لايبدو أنها تقابل بتفاعل والوساطات الخارجية المؤثرة لاتزال مفقودة. 5. احتمالات التفاهم الأميركي الإيراني باتت فرصها بعد ترامب عالية والتلميحات الإيرانية المتحفظة تعزز ذلك. 6. الدور التركي في ليبيا وسوريا خف زخمه والصراع الاذربيجاني والأرميني قابل للتطور. والعلاقات بين تركيا وقطر في أقوى مراحلها وكلاهما يحتاج الآخر. 7. المشتركات الاستراتيجية الحالية بين إيران وتركيا أقوى من نقاط الاختلاف والخلاف بينهما. 8. أميركا ستفتح ترسانة أسلحتها أمام دول غرب الخليج، التي تطورت قدراتها الجوية.. كثيرا، خصوصا بعد المتغيرات في موقف إسرائيل والقدرات العسكرية الإيرانية تتزايد مع وجود قوات تتمتع بمزايا حربية. 9. إيران وتركيا تعانيان مشكلات اقتصادية لكنهما أفضل من مراحل قديمة مرت عليهما. لذلك فالتعويل المقابل على هذا الجانب لن يكون فعالا وكل شيء قابل للانقلاب إيجابيا. 10. عراقيا: رفع العقوبات المحتمل عن إيران سينعكس إيجابيا على العراق وتركيا.. وقد سحبت أميركا في عهد أوباما - بايدن ثقلها العسكري الرئيسي من العراق ولن تعود إلى اتجاه مغاير الآن ومستقبلا ولن تتدخل في خصوصياته وجغرافيته ونظامه.. (والأفكار من اسمها افكارا لا تبقى ثابتة ولا تعويل على ما قيل سابقا). 11. فيروس كورونا فتك بالاقتصادات العالمية وقد يدفع إلى حروب يفترض تجنب حدوثها. 12.أميركا منشغلة بكورونا واقتصادها وبتطور صيني هائل وتطور تسليحي روسي وتحد كوري شمالي وتشابك مصالح استراتيجية وتشعر بحرج استراتيجي في مجالات نفوذها عالميا. إذن ماذا؟ ليس متوقعا أن تتفاعل أميركا مع كل ما يحدث عالميا بما في ذلك الخليج الذي لم تعد أهميته كما كان قبل عقود، وتتدخل فقط بما يمس مصالحها الكبرى. ألم نقل سابقا أن التفرد الأميركي إقليميا بصفقات لايجدي؟ نتابع معا قراءات المستقبل.
وفاء العم ليس من المبالغة القول إنَّ السعودية، والإمارات، والبحرين تحبس أنفاسها بانتظار نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية، فهل يستمر شهر العسل مع بقاء ترامب أم تعود العلاقة إلى ما كانت عليه في زمن أوباما من فتور وعدم ارتياح؟ ساعات تفصلنا عن نتائج الانتخابات الأميركية إذا لم يطرأ أي تطور دراماتيكي. ساعات يترقّبها الخليجيون، ومن شأنها أن تحدد مصيرهم على المستوى السياسي والاستراتيجي للسنوات الأربع القادمة. ليس من المبالغة القول إنَّ الثلاثي الخليجي (السعودية، الإمارات، البحرين) يحبس في هذه الأثناء أنفاسه، منتظراً النتائج. هل يستمر شهر العسل بوصول ترامب أو تعود العلاقة إلى ما كانت عليه في زمن أوباما من الفتور وعدم الارتياح والاضطرار إلى التكيف مع الواقع الجديد الذي دفع الخليجيين إلى التسريع في التطبيع مع "إسرائيل"، خشية عودة المفاوضات مع إيران وإعادة العمل بالاتفاق النووي، في خطوة استباقية بغرض رمي الأوراق الانتخابية في سلة ترامب من جهة، والاحتماء بـ"إسرائيل" عبر تشكيل تحالف استراتيجي معها في مواجهة إيران من جهة أخرى. إيران ونفوذها وقوّتها أكثر ما يقلق الخليجيين، وإعادة العمل بالاتفاق النوويّ يعني إطلاق يد طهران اقتصادياً وسياسياً، وهذا بطبيعة الحال ما لا ينسجم مع السياسية الخليجية التي أخذت على عاتقها مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. من جانب آخر، لم يرسل بايدن أي رسائل طمأنة للخليج، بل على العكس، انتقد هذه الدول، ووصفها بالاستبداد والاستئثار بالسلطة وانتهاك حقوق الإنسان، وأكَّد ضرورة إعادة تشكيل العلاقة معها، وأهمية تصحيح الاعوجاج في العلاقة التي أرساها ترامب طوال السنوات الماضية. إذاً، هو واقع جديد بانتظار الخليجيين في حال فوز بايدن، ما سيحتّم عليهم التكيّف وتقديم التنازلات؛ تنازلات سيحدّد حجمها وماهيتها الدور الذي يراد للخليج أميركياً أداؤه في المرحلة القادمة، وسقف الخطاب، وحدود العلاقة التي يريد بايدن إرساءها مع حلفائه. ربما من المبالغة الاعتقاد بأنَّ بايدن سيحدث تغييراً جذرياً في علاقته مع الخليج؛ الحليف التقليدي للولايات المتحدة في المنطقة، ولكنه لن يطلق اليد للقادة في هذه الدول، كما فعل ترامب في الحرب على اليمن، إذ تغاضى عنها ودعمها، فيما يعد بايدن بإنهائها فوراً، في قرار من شأنه أن يدفع السعودية مضطرة إلى التفاوض مع حركة "أنصار الله" بشروط جديدة، وربما لتقديم التنازلات، ناهيك بتقليص مبيعات الأسلحة وتقييدها بتصحيح أوضاع حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، يقول مصدر بحرينيّ قريب من السلطة إنَّ الفترة القادمة قد تشهد تغيرات على مستوى الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد منذ العام 2011، ما يؤشر إلى أنَّ المرحلة القادمة، في حال فوز بايدن، قد تفتح ثغرة في جدار الأزمة البحرينية، بعد أن أغلقت السلطة لسنوات أبواب الحوار مع المعارضة، وظلت مغلقة موصدة منذ وصول ترامب إلى الرئاسة الأميركية. كذلك، من المتوقّع أن تمارس إدارة بايدن ضغوطاً على أبو ظبي لإنهاء الأزمة الخليجية، والجلوس على طاولة الحوار مع قطر، إذ لم يعد خافياً أنَّ الإمارات ترفض إعادة العلاقة مع الدوحة، بسبب تشابك الملفات الإقليمية، واستمرار دعم الأخيرة للإخوان المسلمين، والتحالف مع تركيا؛ العدو اللدود لأبو ظبي في المنطقة. في كلِّ الأحوال، بين ترامب وبايدن، يتحضَّر الخليجيون جيداً لاحتمالين أفضلهما وصول ترامب و4 سنوات جديدة من الرخاء، مقابل 4 سنوات عجاف في حال فوز بايدن، على قاعدة التكيف والتّنازل والانتظار إلى حين. إنها قواعد مارسها وأتقنها الخليجيون مع حلفائهم البريطانيين سابقاً، فهم الذين يجيدون فن التكيف مع الحليف.
إبراهيم الزبيدي إذا كان الحزب الجمهوري، بعظمة نفوذه، وقدراته الهائلة، وفي مجتمع أميركي خالٍ من الميليشيات، لم يستطع أن يمنع التلاعب والتزوير، فكيف يتعهد الكاظمي بضمان انتخابات نزيهة وعادلة ودون تلاعب وتزوير. لا يهم ما يحدث بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الذي لم يهبَّ لنجدته سوى أنصاره الأميركيين المولودين جمهوريين فقط لا غير، وبين الديمقراطي جو بايدن الذي احتشد وراءه كل من له ثأر ويريد أخذه من ترامب، من أميركيين ديمقراطيين متضررين من وجوده، سياسيا وماليا وشعبيا، ومن روس وصينيين ومكسيكيين وكنديين وفنزويليين وألمان وفرنسيين وكوريين شماليين وإيرانيين وعرب وأثيوبيين، وبأموال طائلة، وأسلحة وفنون تشويش وتشويه سمعة مبتكرة متنوعة فتاكة، وخبراء في اختراق المواقع الإلكترونية، ومئات الآلاف من الكتاب والمحللين والمراسلين الصحافيين، مع حشد هائل من إذاعات وصحف وفضائيات أميركية وعالمية في حرب مثيرة وفريدة من نوعها تابعها العالم أجمع على شاشات التلفزيون بشغف وقلق وترقب. بعبارة أخرى أن ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية كانت هنا في أميركا مستنفَرة مع بايدن لقهر شخص واحد اسمه ترامب، بأي ثمن، وبأي سلاح. ومن أهم ما يمكن استخلاصه من هذه الحرب الطاحنة أمورٌ تهم أميركا وحدها، وأمور ثانية أخرى تهم البشرية، وثالثة تخصنا نحن العرب أولا، والعراقيين بشكل خاص. أولا، لقد أثبت الشعب الأميركي أنه مُعبأ، سلفا، وثابت الولاء لحزبه المفضل، مهما قيل عنه ومهما يقال. فبرغم كل أخطاء ترامب ومزاجيته في إدارة الدولة واستفزازه العالم وإثارة نقمته عليه فقد وجد الملايين من الناخبين الذين أحبوه بجنون، ووقفوا معه وقت الشدة. على الجانب الآخر كان ناخبون بالملايين يبغضونه ويقاتلون من أجل الخلاص منه، دون أن يشفع له أنه أنجز أغلب وعوده التي انتخبوه على أساسها في 2016. فقد استمطر الدنيا دولاراتٍ بالمليارات على الخزينة الأميركية، وأنعش الاقتصاد، بعد ركود سنين طويلة، وحقق أرقاما قياسية في خفض التضخم ومستوى البطالة. ولم يسعفه اكتشافه لأصل الإرهاب الدولي، وقرارُه الحازم باجتثاثه من جذوره، بالعقوبات والحصار المالي والعسكري والاقتصادي، كما فعل مع إيران وداعش وبن لادن وقاسم سليماني. ثم إنه فعل لليهود ولإسرائيل ما لم يفعله رئيس أميركي من قبله. فقد نقل سفارة أميركا إلى القدس واعترف بها عاصمة أبدية لإسرائيل، ومارس، بكل ما في قدرة أميركا السياسية والعسكرية والاقتصادية، أقصى ما يمكن من الضغوط على العرب لقبول الكيان الإسرائيلي، بكل عنجهيته وظلمه وتعدياته، أخا وشقيقا في المنطقة، مُغضبا بذلك نصف الدنيا، ومُبقياً على نار الغضب العربي تحت رمادها في انتظار الفرصة السانحة للمزيد من الحروب والخراب والدمار وسفك الدماء، أملا منه في أن يكافئه يهود أميركا على كل تلك الهبات والخدمات فيمنحوه أصواتهم، ولكن إحصاءاتٍ رسمية تؤكد أن ما نسبته 85 في المئة من اليهود الأميركيين صوتوا لمنافسه الديمقراطي. ولعل أكبر أخطاء الرئيس ترامب المتراكمة هو تفضيله المصلحة المالية، على القيم الأخرى في تعامله مع دول العالم الخارجي، وليس على أساس الموازنة بين الأخذ والعطاء. فقد رأى في العولمة، مثلا، إضرارا بالمصالح الوطنية الأميركية، واعتمد سياسة الهيمنة التي يرى أنه بها يقدم نفسه للأمة الأميركية بطلا تاريخيا يعيد لأميركا أمجادها وهيبتها وسطوتها على العالم من جديد، ويوفر الحماية للمصانع والشركات الأميركية، ولم يتساهل مع عدو ولا صديق. ثم انسحب من الكثير من الاتفاقات الدولية السابقة، رافعا شعار “أميركا أولا”، كانسحابه من الشراكة عبر المحيط الهادي، واتفاقية باريس للمناخ، واليونسكو، والاتفاق النووي الإيراني، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وآخرها انسحابه، رسميا، من منظمة الصحة العالمية على خلفية إدارتها لأزمة فايروس كورونا. وتشدَّد مع جارته كندا، وفرض صيغة جديدة في التعامل التجاري معها خلافا لما كان عليه الحال عشراتٍ من السنين. وفي مسألة المهاجرين الأميركيين اللاتينيين غير الشرعيين أصر على بناء الجدار العملاق بين أميركا والمكسيك، وتحميل حكومتها جزءًا كبيرا من نفقاته، ثم منع دخول الوافدين من دول إسلامية صنّفها ضمن الدول الراعية للإرهاب، أو التي تعاني من العجز عن محاربة الإرهاب. وحتى في داخل إدارته كان يطرد كبار معاونيه بطريقة مزاجية فضة ومهينة، فيحولهم من موالين إلى خصوم يكتبون ويصرحون ضده بما أضر بسمعته القيادية إلى حد كبير، وكشف نزقَه وغروره. ثم لم يتورع عن إهانة رؤساء ووزراء أميركيين سابقين، ونشر فضائحهم. ومنها ما كرر إعلانَه على شاشات التلفزيون عن ضلوع سلفه باراك أوباما ونائبه جو بايدن ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في اختراع داعش ورعايته، واحتضان الإخوان المسلمين، ثم سمح بنشر الإيميلات السرية لكلينتون وهانتر بايدن بكل ما فيها من فضائح وأسرار. وفي النهاية غطت هذه الشطحات السياسية المثيرة للجدل على كل منجزاته الجيدة الكثيرة، وقرّبته من خسارة الرئاسة، إلا إذا حدثت معجزة. ولكن في ظل إدارة القادم الجديد إلى البيت الأبيض، الديمقراطي جو بايدن، ستدخل أميركا، ومعها العالم كله، وشرقُنا الأوسط، في فوضى واختلال موازين جديدة لسنوات قادمة ستجعل كثيرين يترحمون على ترامب وأيامه الخوالي. يقول بايدن إن سياسة ترامب ألحقت ضررا “بسمعة أميركا ومكاننا في العالم، وأنا واثق بكل صراحة في قدرتنا على قيادة العالم”. وانتقده على تخليه عن الدور القيادي للولايات المتحدة على الساحة الدولية، وشدد على ضرورة العمل الجماعي لمحاربة تغير المناخ، وانتشار الأسلحة النووية، والإرهاب، والهجمات السيبرانية. وعن السياسة التي سيتبعها، قال بايدن إنه سيسحب معظم القوات الأميركية من مناطق لا يرى فائدة لأميركا من بقائها فيها، وسينهي الدعم الأميركي للعملية العسكرية السعودية في اليمن، وسيجدد التمسك بالتزامات أميركا إزاء حلفائها في الناتو. وسيلغي حظر السفر الذي فرضه ترامب على مواطني عدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، وسينهي فصل أطفال المهاجرين عن أسرهم على الحدود مع المكسيك. وانتقد انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، مؤكدا أنه سيعود إلى الالتزام بالاتفاق، في حال التزمت طهران بتعهداتها. ويعتزم بايدن العودة إلى اتفاقية باريس حول المناخ، والضغط على كوريا الشمالية حتى تأخذ على عاتقها تعهدات أكثر صرامة بشأن التخلي عن برنامجها النووي. وفي انتظار ما ستسفر عنه المعارك القضائية بين الحزبين، وما ستقرره المحاكم العليا، لا بد من القول هنا بأن في مزاعم الجمهوريين حول حدوث تلاعب وتزوير في بطاقات الاقتراع بالبريد نصيبا كبيرا من الصواب. أولا لأن ذلك حدث فقط في الولايات التي يهيمن عليها الديمقراطيون، وثانيا لأن امرأة غير جمهورية ذهبت لتقترع فوجدت أن أحدا غيرها استخدم اسمها وبياناتها الشخصية واقترع بالنيابة عنها، ثم اعترف موظف من العاملين في فرز الأصوات بأنه فوجئ بأن إحدى بطاقات الاقتراع كانت تحمل اسم أخيه المتوفى منذ عامين، وبياناته الشخصية الصحيحة. ثم قبضت شرطة نيويورك على موظف بريد وبحوزته 800 بطاقة اقتراع لم يقم بإرسالها. وفي الخلاصة نوجه إلى العراقيين، وخاصة الذين صدقوا رئيس وزرائهم مصطفى الكاظمي وفضّوا الانتفاضة، هذا السؤال: إذا كان الحزب الجمهوري الأميركي الحاكم، بجلالة قدره، وبعظمة نفوذه، وقدراته الهائلة، وفي مجتمع أميركي خالٍ من الميليشيات والسلاح المنفلت، لم يستطع أن يمنع التلاعب والتزوير، فكيف إذن يتعهد الكاظمي بضمان انتخابات نزيهة وعادلة ودون تلاعب وتزوير؟
فاروق يوسف القوة العسكرية الفائضة تبيح لواشنطن تجاوز مجلس الأمن والتدخل الفوري السريع في أي مكان. ما من دولة خالفت الأوامر الأميركية وانتهت نهاية حسنة. من كوبا إلى إيران مرورا بتشيلي وأفغانستان والعراق وفنزويلا وليبيا. وليست كوريا الشمالية استثناء في ذلك المجال بالرغم من أن زعيمها الشاب قد تُرك لجنونه الذي هو الآخر وصفة أميركية للخراب سبق وأن جربها صدام حسين وهوغو تشافيز وفيدل كاسترو. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي انفردت الولايات المتحدة بالعالم. هل هذا صحيح؟ إلى حد ما ولكن ليس تماما. فما الذي كان الاتحاد السوفييتي يفعله لنجدة حلفائه؟ يبقيهم أحياء ولكن محاصرين. علاقتهم بالعالم الخارجي تتم من خلاله وهو الذي لم يكن يمتلك قاعدة علاقات عالمية واسعة تستند إلى اقتصاد متطور. غير أن التجربة أثبتت أن وجود الاتحاد السوفييتي خير من غيابه. لم تكن الصين مؤهلة للعب الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفييتي. كانت الصين دولة مختلفة؛ عقائدية متشددة في الداخل ومنفتحة بطريقة مدروسة على الاقتصاد الرأسمالي. حرصها على سوقها بحجم حرصها على عقائديتها. لذلك لم تتحول إلى قطب في السياسة الدولية. أما الاتحاد الأوروبي فإنه كان في طريقه إلى الانفراد بنفسه حين أعلنت بريطانيا عن انفصالها فصارت دوله تتعامل بطريقة فردية إلى حد كبير. ظلت الولايات المتحدة هي القطب السياسي الوحيد الذي إن فشل في مجلس الأمن بسبب حق النقض فإن قوته العسكرية الفائضة تبيح له التدخل الفوري السريع في كل مكان. فهي تفعل ما تشاء في الوقت الذي يلائمها ضاربة في بعض الأحيان بالقانون الدولي عرض الحائط. وهو ما أدى إلى أوضاع إنسانية غاية في السوء كما هي الأوضاع في أفغانستان والعراق. غير أن الواقع هو الواقع وعدم الاعتراف به لا يعد إلا إنكارا أعمى. لقد انشدّ العالم كله إلى الانتخابات الرئاسية التي شهدتها الولايات المتحدة بطريقة لا يمكن أن تحدث لو أقيمت انتخابات في أي مكان آخر من العالم. وهو ما يؤكد أن البشرية كلها تنظر إلى رئيس الولايات المتحدة كما لو أنه رئيس العالم. هناك مصائر دول عديدة رهينة بالرئيس المقبل. شخصية الرئيس مهمة بسبب صلاحياته الواسعة غير أن السياسة التي تقف وراءه هي الأهم. فقد يكون الرئيس مولعا بالاستعراضات التي تجلب معها الأخطاء الجانبية مثلما حدث مع دونالد ترامب وقد يكون شغوفا بالمؤامرات السرية مثلما كان الحال مع باراك أوباما. غير أن ذلك الرئيس يبقى واجهة ثقيلة لسياسة المؤسسة الأميركية العميقة. ولأن أميركا قوية فإنها لا تخشى التحولات، بل إنها لن تكون أميركا إذا لم تقع التحولات. تلك تحولات يدفع العالم ثمنها؛ يربح جزء ويخسر جزء. تفعل ذلك لأنها كبيرة وقوية وصلبة وعميقة وفي إمكانها أن تكون موجودة في كل مكان من الكرة الأرضية كما لو أنها ساحر. القوة العسكرية هي مصدر ثقتها. ذلك صحيح. ولكنها أيضا قوة علمية لا يستهان بها. الجامعات الأميركية هي سر تلك القوة. لم ينفق الأميركان أموالهم على العقائد. لقد أنقذهم إيمانهم بحرية المعتقد من الوقوع في ذلك الفخ. لقد أنفقوا أموالهم على العلم. احتكروا الكثير من المؤسسات الأممية لخريجي جامعاتهم فكانوا في ما بعد حاضرين في كل مكان من العالم وبالأخص مناطق الأزمات التي تقف الولايات المتحدة نفسها وراءها. تتوج الولايات المتحدة عملها في خدمة العالم من خلال خبرائها بعد أن يكون عسكريوها قد رسموا خرائط لخراب استثنائي لا يُمحى غباره. لقد استطاع خبراء الإعلام أن يمحوا كلفة الحرب في فيتنام. لا أحد يتذكر فيتنام، حتى فيتنام نفسها التي لا تتعامل مع ماضيها بجنائزية. في إمكان أميركا أن تخلق واقعا بديلا لواقع تشعر أنه لا ينسجم مع خططها. لقد محيت عقدة الذنوب ووضعت الأفلام والوثائق على الرف. ما ارتكبته أميركا من الجرائم خلال العقدين الأخيرين يتفوق في بشاعته على ما ارتكبته في فيتنام غير أنها استطاعت أن تخرج نظيفة. “العالم قد تغير” ولكنه العالم الذي صنعته بنفسها. ذلك هو العالم الذي يطوي ملف جرائمها ليقف مشدود الأعصاب في انتظار الإعلان عن الرئيس المقبل الذي انتخبه شعبها كما لو أن العالم كله قد صغر وصار مجرد صندوق اقتراع. لا تحتاج أميركا إلى أن تصدر أمرا ليقيس العالم درجة حرارته قياسا لما يجري فيها. مشكلة العالم هي وعقدته غير أن البشرية لم تفعل شيئا من أجل أن تتخطاها فظلت سادرة في غيها من غير أن يغير ذلك من حقيقة أنها لا تزال هي القوة الأذكى في العالم.
عبد الرحمن شلقم حادثة قتل الأستاذ الفرنسي بسكين الشاب الشيشاني لا تزال حرائقها تمتد فوق مساحات كبيرة، وتتسع كل يوم. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أجج اللهب عندما قال مؤبناً القتيل إننا سنستمر في نشر الكاريكاتير الذي عرضه القتيل على تلامذته، وأدى إلى قتله. واعتبر ماكرون أن ذلك من صلب العلمانية الفرنسية، ومن ثوابت مبادئها التي تعتمدها الجمهورية الفرنسية. في هذه الموجة من التراشق الناري بين السياسيين والإعلاميين وشرائح واسعة من الناس، نقول إن ما يطفو اليوم على منصات السياسة ومحركات الرأي العام هو من الظواهر التي رافقت البشر في مناكب الدنيا في كل العصور. السياسيون كثيراً ما يستخدمون الدين حطباً لوجباتهم الانتخابية، وفي مضمار سباقاتهم مع خصومهم التي يستخدمون فيها الدين والناس والاقتصاد خيولاً من أجل أن يكون لهم قصب السبق. لا يختلف اثنان، أو يتناقر ديكان، على أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما قال ما قال، وهو يؤبن الأستاذ صامويل باتي، قد زرع في حقل خطابه بذوراً سياسية آملاً أن تبزغ أوراقها في حملته الرئاسية القادمة أمام زعيمة اليمين الفرنسي ماري لوبان، التي تقتات سياسياً على الآخر الذي ترى فيه تكويناً مرهقاً للهوية الفرنسية النقية. الانتخابات في الدول التي يحكمها النظام الرئاسي، لها مسارات ولغة صراع سياسي تختلف عن تلك التي تحكم بأنظمة برلمانية. الرئيس يتقدم هو شخصياً قافلة المواجهة فوق حلبة مفتوحة على كل أنواع الصراع. حادثة قتل الأستاذ الفرنسي، والطريقة التي تمت بها، وخليفة دوافعها، جعلت منها مادة سياسية صاعقة لها لون وطني هز البلاد الفرنسية كلها. قد يرى الكثيرون، بمن فيهم بعض الفرنسيين، أن الرئيس ماكرون رفع سقف المواجهة مع الإسلام وبلغة لا تخلو من الاستفزاز. انطلقت ردود الفعل على ما جاء في خطاب الرئيس ماكرون في أغلب الدول الإسلامية شعبياً ورسمياً، كان لها درجات مختلفة. الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية لقيت صدى واسعاً في بعض البلدان، وأطلقت وسائل التواصل الاجتماعي سطوراً حروفها تعبر عن الغضب، وعلقت المؤسسات الدينية الإسلامية على ما صدر عن الرئيس الفرنسي بأصوات جمعتها نبرة الإدانة الغاضبة. الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اندفع في وجه الرئيس ماكرون وكأنه أراد الاصطدام به جسدياً، وكال له عبارات منزوعة القشرة السياسية والدبلوماسية، وكاملة دسم الغضب الثقيل. إردوغان وصف ماكرون بالرجل الذي يعاني مشكلات صحية ونصحه بالذهاب إلى طبيب نفساني. وأضاف إردوغان الكثير في سياق رده على ما صدر عن الرئيس الفرنسي، وكان بمقدور الرئيس إردوغان أن يضع وسط عباراته كلمات موجهة إلى الشعب الفرنسي تؤكد على يقينه بأن الفرنسيين شعب يفرق بين الإسلام الحقيقي وما يقوم به فرد لا يحسب على الإسلام، وقيمه، ولا يمت بصلة إلى نبيه الذي جرى التطاول عليه بصورة تعبر عن الجهل والكراهية. لا شك أن جموع المسلمين يتفهمون محرك ثورة الرئيس التركي وغضبه الحاد ورده المشتعل على الرئيس الفرنسي. لكن هناك الكثير من الأساليب والألفاظ التي يمكن أن تكون أحجاراً للبناء تصنعها كلمات السياسيين. كان بإمكان الرئيس ماكرون، وهو يقول سنستمر في نشر الكاريكاتير، أن يضيف أننا نعرف قيمة النبي محمد، ونحترم كل الأديان، وأن حرية التعبير لا يحكمها إلا القانون. في فرنسا، كما في مثل غيرها من الدول، القوانين تجرم السب والقذف والتشهير، وتجرم التحريض على الفتنة والعنف والكراهية، وقد منعت السلطات البريطانية برلمانياً هولندياً من دخول أراضيها، لأنه يحرض على الكراهية. القادة هم عقل الشعوب، ولهم لغتهم التي يمكن أن نسميها اللغة الثالثة التي تختلف عن تلك التي تستعملها وسائل الإعلام والمهيجون السياسيون في صخب الحملات الانتخابية والمدونون على مواقع التواصل الاجتماعي. استخدام الدين في مد السياسة وجزرها يضر بالدين والسياسة، البعد الروحي وأثره لا يغيبان عن الإنسان في كل مكان وزمان، ومقاييسه غير تلك التي تحسب بها قفزات السياسة. السيدة سلين متى قاضية لبنانية مثل أمامها شباب لبنانيون مسلمون بتهمة الإساءة إلى السيدة مريم العذراء، والقانون اللبناني يعاقب على ازدراء الأديان بالسجن. القاضية اجتهدت، وبعقلية مبدعة، اجترحت حكماً فريداً بعيداً عن نصوص القوانين، وطلبت من المتهمين حفظ سورة «آل عمران» شرطاً لإطلاق سراحهم. ذلك كان حكماً تربوياً وليس عقابياً. ما قامت به القاضية إبداع غير مسبوق صار حديث الناس، ووجد قبولاً ومباركة من الجميع تقريباً، وقدم نموذجاً للاجتهاد القضائي الذي يحقق تربية تعلم الشباب ما لا يعلمون، وتبث قيم احترام الأديان، وتكرس مشاعر الوطنية التي تجمع شرائح المجتمع بما يوحدهم. العالم أصبح اليوم قرية صغيرة، بل غرفة واحدة، بحكم تداخل مصالح البشر في كل الدنيا، ومطرقة جائحة «كورونا» يجب أن تكون درساً للجميع، حيث طالت كل بلدان الدنيا، وغيرت أنماط الحياة، وصار الناس جميعاً يبحثون عن ترياق ينقذهم من هول غاشم يهدد الجميع من دون تفريق بين البشر. السياسيون، تحديداً القادة، مهمتهم حل المشاكل لا تأجيج لهبها، ودائماً هناك بين بني البشر ما يجمعهم، والاختلاف بين الناس حقيقة أزلية وأبدية، وقد جاء في القرآن: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، (هود 118).
حسني محلي قاتلت قوات البشمركة الموالية للبرزاني إلى جانب الجيش التركي ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني عام 1997، وبعدها عدة مرات، الأمر الذي يسعى إردوغان إلى أن يتكرر الآن بشكل فعال وسريع، مقابل دعم مالي من أنقرة بعيداً من اهتمامات الإعلام العالمي المنشغل بأخبار جو بايدن ودونالد ترامب، عاد التحالف بين رجب طيب إردوغان ومسعود البرزاني إلى "سخونته التقليدية والتاريخية" بعد فترة من الفتور، بسبب عرقلة أنقرة مساعي أربيل للاستقلال في العام 2017، وهو ما أدى إلى زعزعة سلطة آل البرزاني السياسية والعسكرية والنفسية بعد دخول الجيش العراقي إلى المناطق المتنازع عليها في الشمال العراقي، بما في ذلك كركوك، "عاصمة كردستان وقلبها"، بحسب تعبير البرزاني. وتتحدث المعلومات منذ أيام عن توتر جدّي بين قوات البشمركة الموالية للحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي، بزعامة عائلة البرزاني، ومسلّحي حزب العمال الكردستاني التركي في العديد من مناطق شمال العراق، والذين يراهم البرزاني، كما هو الحال بالنسبة إلى بغداد، مبرراً للعمليات العسكرية التركية في المنطقة. وجاء الانفجار الَّذي استهدف أنبوب النفط العراقي - التركي في 30 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، والذي ينقل في الوقت نفسه بترول كردستان العراق إلى تركيا، ومنها إلى "إسرائيل"، وفق المعلومات الصّحافية، ليعكس مدى جدية وخطورة هذا التوتر القابل للانفجار في أي لحظة، فقد سبق هذا الهجوم العديد من الاستفزازات المتبادلة والحملات الإعلامية التي اتهم فيها أتباع عبد الله أوجلان، من كرد تركيا وسوريا، مسعود البرزاني "بالتحالف مع إردوغان والتآمر على القضية القومية للأمة الكردية"، والمقصود بها هنا هو الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، والمدعومة من واشنطن والعواصم الغربية. ويعتقد البرزاني أنَّ هذه العواصم تخلت أو قد تتخلى عنه، بعد أن أثبتت وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الذراع السورية للعمال الكردستاني قوّتها في التصدي لإرهابيي داعش، الذين ما زالوا يشكلون خطراً على المنطقة سورياً وعراقياً، وهو الاعتقاد الذي كان له مبرراته، إذ رفضت هذه العواصم الاستفتاء الذي أجراه البرزاني من أجل الاستقلال في 25 أيلول/سبتمبر 2017 بعد هزيمة داعش في الرقة، واعترضت عليه آنذاك طهران أيضاً، ليكون موقف أنقرة المفاجأة الكبرى بالنسبة إلى البرزاني، الذي كان يعقد آمالاً كبيرة على حليفه إردوغان الذي التقى به في إسطنبول قبل الاستفتاء بشهرين، وكان علم كردستان العراق يرفرف خلفه. وكان هذا الموقف التركيّ سبباً لفترة من الفتور الّذي خيَّم على العلاقات بين إردوغان والبرزاني، اللذين عادا إلى تحالفهما التقليدي قبيل الاجتياح العسكري التركي للشمال العراقي بداية الصيف الماضي، إذ سيطرت القوات التركية على العديد من المواقع الاستراتيجية القريبة من جبال قنديل الوعرة التي تتواجد فيها مخيمات ومراكز حزب العمال الكردستاني. وقد أقام الجيش التركي في هذه المواقع التي تقع ضمن مناطق البرزاني حوالى 15 قاعدة، إضافةً إلى عدد مماثل من القواعد التي تتواجد فيها القوات التركية منذ العام 1991، عندما جاءت قوات المطرقة الأميركيّة إلى تركيا لحماية كرد العراق من أيّ عمل عسكري عراقي بعد هزيمة الكويت. وبقيت هذه القوات في المنطقة حتى الاحتلال الأميركي للعراق في آذار/مارس 2003، والذي أيّده إردوغان عبر فتح المجال الجوي التركي أمام الطائرات والصواريخ الأميركية التي أطلقتها السفن الأميركية من شرق الأبيض المتوسط. ويرى البعض في الفراغ السياسي والأمني في العراق وشماله عموماً سبباً رئيسياً في مجمل هذه التطورات، وخصوصاً التدخل التركي في المنطقة، بحجة تواجد مسلّحي الكردستاني والغالبية الساحقة منهم الآن في الشمال السوري في صفوف ما يُسمى "وحدات حماية الشعب الكردية"، التي أصبحت قوة لا يستهان بها، بسبب مختلف أنواع الدعم الذي تحظى به من العديد من الدول بشكل مباشر أو غير مباشر. وتأتي أميركا في مقدمة هذه الدول، ومعها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، من دون أن نتجاهل الإمارات والسعودية ومصر التي تسعى لتضييق الحصار على أنقرة. ويبقى المستفيد الأكبر من كلّ هذه التناقضات هو "إسرائيل" التي أولت منذ قيامها كرد المنطقة اهتماماً مميزاً عبر علاقاتها مع عائلة البرزاني، والآن مع قسد بشقيه الكردي والعربي. ودفع كل ذلك أنقرة للعودة إلى تحالفاتها التقليدية مع كرد العراق، وهو ما بدأته في الخمسينيات بسبب التواصل العشائري بين كرد تركيا وكرد العراق من الكرمان، وهم منافسون أو أعداء تقليديون لكرد الصوران وزعيمهم السابق الرئيس الراحل جلال الطالباني، الذي شهدت علاقاته مع البرزاني مداً وجزراً وفق مزاج الأخير في التحالف مع أنقرة. وكان كلّ ذلك سبباً كافياً لاقتتال شبه دائم بين الطّرفين، إذ كانت تركيا دائماً إلى جانب البرزاني ضد الطالباني، وكما هو عليه الحال الآن، على الرغم من مساعي الطالباني ومن جاء من بعده لتحسين العلاقة مع الرئيس إردوغان. ويعرف الجميع أنه يرجح العلاقة مع جماعة البرزاني لأسباب عديدة، أهمها أنهما يشبهان بعضهما البعض في الفهم والتطبيق للعديد من المفاهيم الفكرية والسياسية والاقتصادية. وقد قاتلت قوات البشمركة الموالية للبرزاني إلى جانب الجيش التركي ضد مسلحي الكردستاني في العام 1997، وبعدها عدة مرات، وهو ما يريد له إردوغان أن يتكرر الآن، وبشكل فعال وسريع، مقابل دعم مالي من أنقرة، ما دام يعاني أزمات جدية في علاقاته مع الحكومة المركزية ومع السليمانية، عاصمة الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان الطالباني يتزعمه. وكان العديد من مفاهيمه وأهدافه - الطالباني - قريباً من حزب العمال الكردستاني بزعامة "اليساري" عبد الله أوجلان. وقد سعى الطالباني كثيراً لإخراجه من السجن بعد مصالحته مع الدولة التركية، التي رجحت العلاقة مع البرزاني والامتداد العشائري له داخل تركيا، فقد وظفت أنقرة في التسعينيات حوالى 150 ألفاً من رجال هذه العشائر تحت اسم "حراس القرى"، الذين قاتلوا إلى جانب الجيش التركي، وتراجع عددهم الآن إلى 60 ألفاً يتقاضون رواتب رسمية من الدولة التركية. ويبدو واضحاً أنَّ الوضع العراقي الداخلي وأزمة كورونا وقضايا الفساد وحسابات العواصم الإقليمية والدولية الخاصة بالعراق، بسبب موقعه الاستراتيجي المجاور لسوريا وإيران وتركيا والخليج، لن يساعد على حسم أي من مشاكله الحالية. وسيدفع ذلك الطرفان، أي مسعود البرزاني وأتباع عبد الله أوجلان في سوريا وتركيا، إلى ترسيخ مواقعهما وتحقيق المزيد من المزايا السياسية والعسكرية والجغرافية والشعبية بعد صعود الشعور القومي الكردي المتضامن مع كرد سوريا بسبب الدعم الأميركي والدولي لهم. وستدفع هذه المزايا قيادات العمال الكردستاني التركي والاتحاد الديموقراطي الكردستاني السوري إلى الاستمرار في سياساتهم لتضييق الحصار على البرزاني، لأنهم يعرفون أنهم الأقوى الآن بسبب الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور في أربيل، وعلاقاتها السيئة مع السليمانية، بل وحتى مع بغداد، وفيها الرئيس برهم صالح، وهو من جماعة الطالباني. وترشح مثل هذه المعطيات وغيرها المرحلة القريبة القادمة إلى مزيد من التوتر في الشمال العراقي، مع استمرار التدخل العسكري والاستخباراتي التركي، عبر التنسيق والتعاون مع البرزاني الذي تريد له أنقرة أن يسخّر كل إمكانياته للقتال ضد الكردستاني التركي. بدوره، يرى الكردستاني في المعطيات الإقليمية والدولية فرصته الثمينة لدعم وترسيخ الانتصارات والنجاحات التي حققها خلال السنوات الخمس الأخيرة، بفضل دعم الرئيس ترامب، والآن ربما الرئيس بايدن، وهو أكثر عداء لإردوغان، ما سيدفع الأخير إلى التحرك بسرعة لسدّ الطريق على أي مفاجآت لا تحمد عواقبها بالنسبة إلى أنقرة، التي لن تتردد في اتخاذ أي موقف عملي وسريع ضد الكردستاني التركي وفرعه السوري؛ وحدات حماية الشعب الكردية. ويحتاج ذلك إلى داعم كردي حتى يستمر الكرد في قتل بعضهم البعض، وهو ما اعتادوه في تركيا والعراق وإيران، والآن في سوريا. كما أنهم اعتادوا أن يكونوا ورقة تساوم بها هذه الدول الأربع بعضها البعض، إذ كانت هذه الدول تعادي أو تحارب كردها فيما تدعم كرد جيرانها، كما هو الحال عليه الآن بالنسبة إلى تركيا. ولا ننسى أنَّها وضعت جميع قيادات حزب الشعوب الديموقراطي، وهو الجناح السياسي للعمال الكردستاني، في السجون، بعيداً من اهتمامات الغرب الذي تجاهل، بل نسي قضية زعيم العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الموجود في السجن منذ شباط/فبراير 1998. لقد أثبتت السّنوات الماضية بعد "سايكس بيكو" و"سيفر" أنَّ ما يهم الغرب هو مصالحه فقط، بعيداً من مقولات الديموقراطية وحقوق الإنسان، ما دام الكرد عموماً لم يتجاوزوا خلافاتهم، فظلّوا وسيظلّون ورقة في مهبّ الرياح الإقليمية والدولية، والأهم التركية، باعتبار أنَّها الآن، وتاريخياً، الطرف الأهم في هذه المعادلة الصعبة والمعقدة، وبقاؤها على هذا الحال سببه الكرد أنفسهم! *باحث علاقات دولية ومختصص بالشأن التركي
عدلي صادق معلوم أن إدارة أردوغان، فعلت علنا وبلا استحياء، في تأييد ترامب ودعمه، ما لم يفعله أصدقاؤه العرب الذين راهنوا عليه وطاوعوه. عاد سيث فرانتزمان، الخبير الإسرائيلي ـ الأميركي المخضرم والمتنوع، المتخصص في تاريخ المشرق العربي والعالم الإسلامي وقضاياه، إلى طرح أسئلة العلاقة بين تركيا وإسرائيل، لكي يعرف، أو يُعرّف قراءه في الصحف ووسائل الإعلام الكثيرة التي تنشر له (ومن بينها “الجزيرة” القطرية) لماذا كانت إسرائيل هي الغائب المفتقد، في سجالات وخصومات وتهديدات تركيا الأردوغانية، خلال الأشهر الأخيرة، في تحريض تركيا على تل أبيب، بينما التصعيد يتعلق باليونان وأرمينيا وفرنسا ومصر والسعودية وغيرها. لا يأتي فرانتزمان بجديد عندما يقول ما معناه إن هذا الأدب الجم، ليس لأن الحزب الحاكم في تركيا، ورئيسها أردوغان، يحبان إسرائيل. فالتاجر السياسي أو السياسي التاجر، وحزبه، من أشد الأطراف عداء لإسرائيل، لكن المصالح فوق كل شيء عند أردوغان. ومن جانبنا نعتقد أن الكاتب الإسرائيلي لم يشأ الخروج عن القاعدة الدعائية الإسرائيلية التي تشكو في العادة من “عداء” مفترض أو مزعوم، ومن مظلوميات تاريخية. فالعداء الأردوغاني لإسرائيل، ليس صحيحا. فلو كان صحيحا، لكان قديما، ولو كان قديما لما أظهر الرئيس التركي في العديد من المرّات تعاطفا كبيرا مع إسرائيل ومع التاريخ اليهودي وكانت له علاقة جيدة مع شارون، عندما كانت أميركا نفسها تتحسس منه. المحللون الإسرائيليون، يميلون بطبائعهم إلى اختراع مقاصد خبيثة لكي تنال إسرائيل ما تريد.. لذا يقيمون دليلهم على أن أردوغان لا يحب إسرائيل، بسبب استضافته شخصيات من حماس وإطلاق تصريحات متعاطفة مع قضية فلسطين، علما بأن إسرائيل تعرف تماما، أن أردوغان يستضيف ويصرح، لكي يحوز على الزعامة الإسلامية السنية، كما تعرف إسرائيل، أن كل تجليات العلاقة مع تركيا، تجري في الواقع دونما عراقيل، في الأمن والصناعات العسكرية والتجارة والسياحة والتعاون الاستراتيجي، ومن آخر إنجازاته، أن سفير الولايات المتحدة في أنقرة، هو الذي أنجز ملف الترسيم الحدودي بين إسرائيل ولبنان. كل الدلائل تشير إلى أن أردوغان يتلقى دعما قويا من إدارة ترامب. ولهذا وجب الصمت عن إسرائيل في أسوأ مراحل تطرفها وإنكارها للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. ولا ينتظر قراء فرانتزمان، أن يعرفوا منه سبب حرص نظام أردوغان على عدم إثارة أي أزمة مع إسرائيل. فمنذ أن تسلم ترامب منصب الرئاسة بعد انتخابات 2016، كانت أولى اتصالات إدارته مع فريق أردوغان. فقد أخذ ترامب علما، بأن قناعة الرئيس التركي بشأن موقف إدارة أوباما من الأحداث في سوريا كانت خاطئة، لاسيما بخصوص عملها مع “حزب العمال الكردستاني” المصنف إرهابيا لدى السلطات التركية. استطاعت إدارة ترامب، من خلال علاقتها الاستراتيجية مع أنقرة، التخفيف من خطاب أردوغان ضد إسرائيل وفي الأسابيع الأولى من عمل إدارة ترامب، وجدت حكومة أردوغان ضالتها في مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل فلين. وعندما طرده ترامب، يممت حكومة أردوغان وجهها شطر وزارة الخارجية الأميركية، وركزت على مبعوثها إلى سوريا جيمس جيفري. لكن المفارقة الطريفة، كانت في الفكرة التي خالجت عقل أردوغان، وهي أن علاقاته الاستراتيجية مع ترامب تحمل على مدار الساعة رسالة قصيرة للحكومات العربية التي يعمل معها الرئيس الأميركي، وتحقق فيها الولايات المتحدة اختراقات كبيرة، تقول لهم “أيها العرب، إن صاحبكم الكبير، في جيبي، وبالتالي أنا الذي أقود على المستوى الإقليمي!”. بعد أقل من سنة، على حكم أردوغان، بدأت تكثر الإشارات المغذية للفكرة الأردوغانية الموهومة، عن علاقة استراتيجية متكافئة، مع الولايات المتحدة. ومن بين تلك الإشارات، حدث غير مسبوق، إذ سمحت السلطات الأمنية الأميركية، في العام 2017 للقوة الأمنية التركية المتواجدة داخل سفارة بلادها في واشنطن، بأن تقمع الأميركيين من أصل تركي، الذين تظاهروا أمام السفارة احتجاجا على سياسات أردوغان القمعية. وقد أدار ذلك الحدث رأس أردوغان، ثم تكررت سعادته عندما بادر ترامب في أكتوبر 2019 إلى إخلاء مواقع أميركية في شمالي سوريا، لكي يفسح المجال للقوات التركية لكي تهاجم الأكراد حلفاء أميركا التقليديين. وفي تلك المناسبة شعر أردوغان أن الدعم الذي تلقاه على الأرض، لم تظفر بمثله إسرائيل من واشنطن، بحسابات الخارطة الفعلية على الجغرافيا. وبالطبع، استطاعت إدارة ترامب، من خلال علاقتها الاستراتيجية مع أنقرة، التخفيف من خطاب أردوغان ضد إسرائيل، على الرغم من الحرج الذي شعرت به أنقرة، حيال قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. ولكن مع تخفيف الهجوم على إسرائيل، سُمح لأردوغان أن يتحرك في مساحات أخرى مهمة، فانتقل إلى الحركة العسكرية في ليبيا، ودخل في مجالات ترسيم الحدود في خطوات فردية مضبوطة مع طموحاته إلى الحصول على ثروة بترولية، وفي الوقت نفسه استمر في حال الاشتباك مع الوضع السوري، ونقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، وخاض في نزاعات مع اليونان والعراق وأرمينيا، واستخدم جيشه للغزو وللتنقيب في شرقي المتوسط والحدود البحرية القبرصية، وأظهر نوعا من التنمر على الإقليم، وفعل كل ذلك مستأنسا بإدارة ترامب. وهناك مفارقة أخرى، وهي أن خصوم أردوغان في المنطقة، لا يزالون يراهنون على ترامب نفسه، وينتظرون فوزه في الانتخابات. بل يعتبرون فوز جو بايدن، نكسة لهم وخيبة أمل كبرى. هنا، لا حرج من التساؤل، أي الطرفين الذي يكون قد بنى عاطفته ورهانه على حسابات دقيقة وموضوعية وخالية من الأوهام: أردوغان أم خصومه في المشرق العربي؟ معلوم أن إدارة أردوغان، فعلت علنا وبلا استحياء، في تأييد ترامب ودعمه، ما لم يفعله أصدقاؤه العرب الذين راهنوا عليه وطاوعوه. فقد أغرقت أنقرة ترامب بالإطراء والتجاوب مع توجهاته الأوروبية، مع التغني بعلاقتها معه، وانتقدت منافسه جو بايدن ونانسي بيلوسي، علما بأن الخارجية الأميركية، والوزير مايك بومبيو تحديدا، أظهر تحفظات كبيرة على التعاون التركي الروسي في منظومة الدفاع الجوي وصواريخ أس – 400، وتعاون أنقرة مع طهران، وتهديد اليونان. لكن ترامب، وضع مسألة الصواريخ في إطارها التجاري، باعتبار أن الروسي تاجر سلاح، أما التفوهات الأردوغانية ضد اليونان وإسرائيل، فهو يراها بمنظوره وبحكم تجاربه، من عدة النصب!
سلام محمد العامري نُسِب لأمير المؤمنين, علي بن أبي طالب عليه وآله الصلاة والسلام, أنه قال” مسرّة الكرام في بذل العطاء، ومسرّة اللّئام في سوء الجزاء.” ككُل بلدان العالم, اجتاح فايروس كورونا كوفيد19, بلاد الرافدين ليزيد الطين بَله, فمن وحل داعش وما جرى, لعامين من الدماء الزكية, التي أريقت من أجل التحرير, إلى العراك السياسي وحرب الانتخابات, ألتي إنتهت بحرق مخازن الصناديق, لِيَلي تلك المرحلة, صراعاتُ التحالفات السياسية, من أجل تكوين الكتلة الأكبر, التي لم ترً النور, لتضارب المصالح والأضغان الدفينة. تحت ضغوط بالغة الصعوبة, وتدخلات إقليمية ودولية, تكتنفها النزاعات السياسية, تشكلت حكومة عادل عبد المهدي, لتبدأ مرحلة جديدة, للصراع حول المناصب, وما بين المحاصصة والتوافق, رقص المصطلح الكاذب المسمى ( مستقل), لتندلع أول الأزمات بتغيير الوزراء, كان على رأس القائمة وزارة التربية, لتظهر بوادر إسقاط, حكومة السيد عادل عبد المهدي, بعد تشكيله لجنة عليا لمحاربة الفساد, التي كانت بمثابة من يضع يده, داخل جحر الأفاعي والعقارب, وقد ساعد نجاح تلك الحرب, اندلاع التظاهرات بدءا من بغداد, لتجتاح كل محافظات, الجنوب والفرات الأوسط, وسقوط الضحايا من المتظاهرين, تحرك عادل عبد المهدي, على تحريك الخدمات وتعديل الإقتصاد خارجياً, باتفاقه مع الصين على مشاريع الإعمار, بعملية غير محسوبة, ومراعات التوازنات الإقليمية والدولية, لقد كان عبد المهدي, رجل اقتصاد من الطراز الأول, إلا أنه رُشح في غير زمانه. طالب المُتظاهرون استبدال الحكومة, لكثرة الضحايا وتفاقم التصعيد المتسارع, فرآها بعض الساسة, فرصة سانحة للخلاص من الأزمة, ومحاولة القفز لمنصب, يتمناه أغلب ساسة العراق, إلا أنَّ الرياح جَرَت, بما لم تشتهي الأنفس, فقد عادت الأنا والحزبية, والخوف من المجهول بالنسبة للفاسدين, ليتم التوافق على شخص مصطفى الكاظمي, وبرغم بعض الإختلافات والتحفظات, إلا أن القبول به كرجل مرحلة, يتحملها الساسة لقصر مدتها, وانتظار ما يجري في الانتخابات, المزمع القيام بها العام القادم. فهل سيتمكن السيد مصطفى الكاظمي, من نزع فتيل الأزمات, التي مازال فتيلها مشعلاً, هل سيحسب خطواته بدقة وتأنٍ, كي لا يزل قدمه على لغم, ينسف ما كل جهد للإصلاح, وقد قالها يوم التاسع من حزيران, لا مجال أمامنا سوى النجاح, فهل هو بالقوة التي تتحمل الصدمات؟ أم أن الفاسدين تعبوا من المرحلة السابقة, ليفكروا بعد حين, بمطباتٍ لا يمكن تفادي الضرر, لمن يريد تجاوزهم؟ أزمة فايروس كورونا, ومتظاهرون يتوعدون بتصعيد كبير, قام السيد مصطفى بخطوة, قد تكون صاعق لغم تحذيري, فقد استهدف بقرار إلغاء رواتب فئة, من يستلمون على أكثر من راتب, بغض النظر عن وجهة نظرنا إلا أننا؛ نراها خطوةً صعبة التطبيق, في المرحلة الحالية, وعلى الكاظمي البحث, عن خطوات رصينة لإنفاذ العراق إقتصادياً, فهل يستطيع تفادي, ألغام حقل الفساد وتجاوزها؟ الفساد عمل شيطاني, فيه من المكائد ما يُرهق بني البشر، فمن وُفِقَ لمعرفة طرقه فيها, نجى وعبر نحو الإصلاح .
خالد القره غولي مساحة إيران أكبر من العراق , والإيرانيون أكثر عددا من العراقيين , بما يعادل الضعفين ، أما التعددية العرقية والدينية والمذهبية فإيران تتفوق علينا كثيرا بذلك ، لكن الأهم أن غالبية الشعب الإيراني مسلمون شيعة وهو أمر في غاية الأهمية وفي نفس الوقت في غاية الخطورة! ومن كان يعتقد أن الإيرانيين يحملون العداوة أو الضغينة في قلوبهم للعراقيين فهو واهم جداً ، فالشعب الإيراني شعب فقير مسالم لايهمه سوى العيش بأمان ويتمنى دولا مجاورة مسالمة ! وهذا مالم يتمكن من تحقيقه النظام الثيوقراطي ( الديني ) في إيران بعد نجاح الثورة الشعبية على حكم الشاه الإستبدادي الدكتاتوري والإطاحة برضا بهلوي وترحيله إلى خارج إيران في عام ١٩٧٩ والبدء بالعمل بملحق جديد تابع للحكم الديني وهو ولاية الفقيه! الخميني المرشد العام للثورة آنذاك لم يلتفت إلا لجهة واحدة معتقدا أن إنتصاره عليها سيمكنه من تصدير ثورته إنطلاقا من كربلاء الى كل دول العالم وأولها الدولة المجاورة للعراق، السعودية .. وبدأت حرب الإستشارات الخاطئة بين العراق وإيران قتل بسببها أكثر من مليوني شاب من الطرفين وأبيدت وإستبدلت خرائط مدن وتغيرت على أثرها خريطة الشرق الأوسط.. في العراق بعد عام ١٩٨٨ بدأت الحكومة العراقية تعد العدة لعودتها إلى المنظومة الإقليمية بحذر وهدوء علني لكن بقوة ماأفقدها خاصية المراوغة التي إتصف بها الإيرانيون .. فوقع العراق في أول فخ نصب له بينما إستمرت إيران بإرتداء ونزع أقنعة متعددة مع دول المنطقة حسبما تقتضيه الحاجة .. إيران إستمرت بإعادة قواتها وتعوبض خسائرها بينما كبل العراق بحصار جراء غزوه الكويت في عام ١٩٩٠ كان السبب الأساس لإحتلال بغداد وهيمنة الإحتلال الأميركي ..الآن جاءت الفرصة التي لاتعوض لاحتلال العراق من إيران بعد عام ٢٠٠٣ مهما كانت التسميات والتوصيفات ، بات من المهم أن يكون القرار السياسي العراقي مكملا للقرار الإيراني كما يقر بذلك أحد أهم أقطاب الحكومة الإيرانية .. أما العمل مع من وتحت رقابة من فهذا الأمر لايهم الإيرانيين لأنهم إحتلوا العراق تحت العباءة الأمريكية الغبية .. لا يمكن إذن لإيران أن تقبل بدولة منافسة لها في العراق لأي سبب فلديها حساب عسير تريد أن تصفيه أولا مع بقايا السلطة السابقة كي لا يفكر أحد مرة أخرى بها وهي مهزومة! أما من ساند ودعم العراقيين في تصديهم للعدوان الإيراني ( ١٩٨٠ – ١٩٨٨ ) فلهم معه حساب آخر كما ظهر واضحا من الورطة الكبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي وهي تخوض حربا بلا جدوى ضد الحوثيين أو ما يسمى بسرايا إيران المتقدمة في اليمن.. فلسفة الإنتقام عند النظام الإيراني ليست نظريات أو أمنيات أو توقعات بل جزء مهم من سياسة التولية لكل رئيس جديد وهو يأخذ الإذن والمباركة من المرشد الأعلى خامنئي في أول يوم ينصب به رئيسا للإمبراطورية الدينية في إيران .. وهو مطابق جدا لما يحدث في العراق.. فمؤيدو إيران وسياستها داخل الحكومة العراقية ومجلس النواب كثيرون وإنتهوا تقريبا من تنفيذ الصفحة الأولى المهمة جدا وهي الحكم داخل الحكم أو السلطة داخل السلطة ! لكن الأمور بدأت تتوضح للفرقاء الموالين لإيران بأنهم وقعوا ضحايا للعبة خبيثة ينفذها لاعبون محترفون ومدربون جيدا بحجة التصدي لداعش والدفاع عن المقدسات في سوريا والعراق ، بعد أن توضحت صورة المشاركة الإيرانية بقيام عدد من المسؤولين الإيرانيين المكلفين بهذه المهمة بزج العراقيين الموالين لهم في معارك بعيدة عن بلادهم كان من المفترض أن يتم الإتفاق عليها مسبقا وهو ما أثار حفيظة عدد من الفصائل الشيعية التي تأخذ أوامرها من السفير الإيراني في العراق حسن دانائي فر لأن يد إيران بعد أن أغرقت العراق بطوفان ثأري وانتقامي من الدم لمن تصدى لها ووقف متحديا لمطامعها أخذت تفكر بأمر آخر وهو السيطرة على المرجعية الشيعية في النجف الأشرف وكربلاء والعودة الى حلم الفرس القديم بنقل مركز الحوزة الى قم وهو ما سيجعل أقرب المقربين لنظام ولاية الفقيه أن يحمل فأسه ويحطم جدران متحف الثأر الإيراني مهما كان ولاؤه.. وبعيدا عن التسميات فإن أحد أهم الفصائل الموالية لإيران بدأ ينقلب تدريجيا عليها لأن الخطر الإيراني ليست له علاقة بما يجري من أحداث في المنطقة بل فلسفة وعقيدة مكتوبة ومكتملة المعالم في عقول القيادات الإيرانية سواء كانت دينية أو علمانية أو قومية فالأمر لايهم مادامت عقول السياسيين الإيرانيين تعتقد أن العراق حرر من بلاد فارس عنوة لكنهم لم يفكروا بأن هذا التحرير لم يجردهم من وطنيتهم وقوميتهم أبدا بل أزال إرث الأكاسرة وتمسكهم بالمجوسية ثم إنقلاب الشعب الإيراني من عبادة النار الى عبادة الله الواحد الاحد .. أما إذا ظل الإيرانيون ينظرون إلى العراق كقطعة أثرية دسمة في متحفهم فإنهم واهمون جدا ..لأن من سيقطع الذراع التي تمتد على العراق من الشرق هم شيعة العراق أولا وأخيرا ..
عدالت عبدالله* يرى الكثير من المراقبين في إقليم كُردستان بأن التصعيد السياسي والأعلامي الأخيرين بين الحزب الديمقراطي الكُردستاني والعمال الكُردستاني التركي والتراشقات الكلامية بين مسؤوليهما، لن تمر من دون تداعيات ووقوع أحداث ومواقف مُعقدة قد تؤثر سلباً على إقليم كُردستان على الصعيدين السياسي والإقتصادي. العمال الكُردستاني يعتقد بأن حزب البارزاني يمهد للحرب ضده بناءاً على إملاءآت تركية وبمؤآمرة مُحاكة من قِبَل المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات التركيMIT، وقد قال بعض مسؤولين في الحزب أكثر من مرة، بأن الديمقراطي الكُردستاني يُقيم معسكرات قرب النقاط والأماكن العسكرية التي تتواجد فيها قواته، ويُعتبر ذلك، في نظره، تمهيداً لبدء الأقتتال، وهذا ما يريد العمال الكُردستاني تجنبه على حد قول قادته العسكريين، ولكنه يؤكد في الوقت الذاته أنه إذا ما لجأ الحزب الى هذا منحى، كخيار إضطراري، فعندئذٍ سيدافع عن نفسه ويكون حزب البارزاني، كما يقول، هو الطرف المسؤول عن أي تصعيد عسكري واسع النطاق. المعروف ان العمال الكُردستاني يرفض رفضاً قاطعاً وبشكل علني "إتفاق سنجار" المبرم بين بغداد واربيل، لأنه يرى فيه ضربة قاضية لنفوذه السياسي القوي في سهل نينوى ومناطق سنجار الإستراتيجية، فضلاً عن ان الإتفاق، حسب تقديره، يأتي على حساب تجاهله وتجاهل موقعه وموقفه السياسي والعسكري المتميزين في مواجهة داعش وتحرير سنجار والدفاع عن الإيزديين وحمايتهم، كما أنه يعتقد بأن على اهالي سنجار أنفسهم أن يقرروا ما إذا هم بحاجة اليه ام لا، موحياً بذلك رفض أي إملاءآت أخرى مهما كان الثمن!. طبعاً أستنكرت حكومة إقليم كُردستان أستهداف أنبوب تصدير نفط الإقليم لأن حسب البيان الذي أصدرته، توقفت بسبب الحادث صادرات نفط إقليم كُردستان، ومعنى ذلك أن حكومة إقليم كُردستان ستبرأ نفسها أمام الرأي العام الكُردستاني إذا ما أنعكس الأمر على إلتزامات الحكومة تجاه موظفي إقليم وتأخُّر صرف رواتبهم الشهرية، وأن الحزب العمال الكُردستاني هو الذي سيكون الطرف المسؤول عن تأزيم الوضع المالي المزري الذي يعيشه الإقليم بسبب انخفاض اسعار النفط العالمية ونتيجة لتفشي مرض الكورونا. وموقف الإتحاد الوطني الكُردستاني، ثاني أكبر حزب في الإقليم، إزاء المستجد هذا، هو الآخر حساس للغاية. صحيح أنه بالضد من التصعيد الإعلامي والأمني بين العمال الكُردستاني والحزب الديمقراطي، إلا أن هناك أمور وإعتبارات أخرى تجعله يتوخى الحذر في توحيد الموقف مع شريكه في الحكومة ألا وهو حزب الديمقراطي، لاسيما إذا ما أتجهت الأمور في الأيام القادمة الى مزيد من التصعيد عسكرياً بين الطرفين الكُرديين. ويُذَكَر الوطني الكُردستاني الجانبين بأنهما أساساً أعضاء في المؤتمر القومي الكُردي، الذي يضم كافة التشكيلات الحزبية الكُردستانية في أجزاء كُردستان الاربعة، وتربطهما روابط سياسية وقومية تستوجب عليهما الإلتزام بها والحيلولة دون الوقوع في فخ مُحتلي كُردستان!. ويدعوا الإتحاد الوطني حالياً، على حد علمي، الى تهدئة الموقف وإنهاء الصراع الراهن واللجوء الى الحوار القومي والوطني عبر القنوات المتاحة والممكنة وهي كثيرة وغير معدومة!. صحيح أن حزب الطالباني وبفعل مشاركته في حكومة الإقليم استنكر استهداف انبوب تصدير نفط الإقليم لأنه يُسبب مشاكل مالية أخرى إضافية في الوقت الذي يعاني الإقليم أصلا من أزمة مالية خانقة، إلا إنه، كثاني حزب كُردي في الإقليم، يسعى أيضاً الى لعب دور الوسيط وإبعاد شبح الإقتتال الكُردي– الكُردي. وبرصدنا لموقف الأتحاد الوطني، فلهذا الأخير إتجاه مختلف عن الديمقراطي الكُردستاني يتمثل في الموقف من التواجد التركي على الأراضي العراقية والكُردستانية، أنه يرى أن مصدر آخر من مصادر التوتر في مناطق بهدينان بين العمال الكُردستاني وبين حزب البارزاني يرجع الى تكاثر المعسكرات التي أقامها الجيش التركي وتوسعها داخل إقليم كُردستان بذريعة ملاحقة ومواجهة حزب العمال الكُردستاني، خاصة أن مجلس النواب العراقي طالب أكثر من مرة بأن ينتهي تواجد القوات الأجنبية بما فيها القوات التركية على الأراضي العراقية من ضمنها تلك التي تقع في مناطق كُردستان العراق.. وثمة اليوم معلومات أكيدة وموثوقة تفيد بأن الأنبوب التي تم استهدافه داخل الأراضي التركية يعود ملكيته أصلاً الى شركة تركية هي شركة(بوتاش) وعلى هذه الشركة إصلاح الأنبوب بنفسها وليس على إقليم كُردستان، وتصليح الأنبوب لا يستغرق بضعة أيام فقط على حد قول رئيس كتلة التغيير في برلمان إقليم كُردستان. على أي حال، يبدو ان مشهد إقليم كُردستان أصبح معقداً أكثر مع هذا التطور الأمني المفاجيء، وإن المواجهة الكُردية – الكُردية مُحتملة إذا ما لم تنجح جهود الخيرين ومساعي الأحزاب الكُردستانية في العراق وسوريا و إيران، لاسيما أن الكثير من الأحزاب الكُردية هنا قلقة للغاية وتخشى أن يدفع المواطن وشريحة موظفي الإقليم ثمن هذه الأحداث باهضاً، والخشية كل الخشية، هي أن تستغل أوساط متنفذة داخل الحكومة عملية استهداف انبوب تصدير نفط كُردستان كذريعة لإيقاف صرف رواتب موظفي إقليم كُردستان أكثر مما هو عليه الآن وبالتالي تأزيم وتخريب العلاقة مجدداً بين السلطة والشارع الكُردستاني. كاتب وأكاديمي – كُردستان العراق
باقر الزبيدي في عالمنا العربي فساد سياسي ومالي غير مسبوق و قمع وإستبداد من قبل حكام ليس لهم أي شرعية شعبية فخرجت أجيال جديدة تبحث عن فرص متكافئة وعدالة فلم تجد سوى إحتكار السلطة والنفوذ والمال فسلكت طريق الإحتجاجات الذي لم يسفر عن شيئ وهو ماسيقودها في النهاية إلى التطرف. المرحلة الأولى من الربيع العربي هي : مرحلة الربيع الشعبي المدعوم أمريكياً و أوربياً والممول خليجياً إنتهت بإنهاك العراق وتدمير سوريا وإشعال ليبيا وتقسيم اليمن، الذي أخذ شكل الربيع العربي فيه (تحالف) قتل وجوع وهدم البنى التحتية تحت سمع وبصر ودعم تسليحي من المجتمع الدولي ! المرحلة الثانية هي : مرحلة الربيع الأمريكي والتي بدأت بمؤتمر قمة الرياض الذي عُين فيه الأمير محمد بن سلمان شرطياً على الخليج بدلاً عن شاه إيران. نهاية الربيع العربي ستبدأ بـ(إجتياح) التحالف الإرهابي الجديد لدول منابع النفط لما لها من تأثير على الحرب والإقتصاد. الأوضاع الإقتصادية سوف تجبر المزيد من الدول على تقديم تنازلات كبيرة من أجل ضمان بقائها وحرب المياه وحروب الجيل الرابع التي تتميز بعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الحرب والسياسة والمقاتلين والمدنيين سوف تنهك المنطقة أكثر مما يضعنا أمام سؤال مهم هو : مدى إستعداد العراق لما هو قادم؟ ٢ تشرين الثاني ٢٠٢٠