إبراهيم الزبيدي إذا كان الحزب الجمهوري، بعظمة نفوذه، وقدراته الهائلة، وفي مجتمع أميركي خالٍ من الميليشيات، لم يستطع أن يمنع التلاعب والتزوير، فكيف يتعهد الكاظمي بضمان انتخابات نزيهة وعادلة ودون تلاعب وتزوير. لا يهم ما يحدث بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الذي لم يهبَّ لنجدته سوى أنصاره الأميركيين المولودين جمهوريين فقط لا غير، وبين الديمقراطي جو بايدن الذي احتشد وراءه كل من له ثأر ويريد أخذه من ترامب، من أميركيين ديمقراطيين متضررين من وجوده، سياسيا وماليا وشعبيا، ومن روس وصينيين ومكسيكيين وكنديين وفنزويليين وألمان وفرنسيين وكوريين شماليين وإيرانيين وعرب وأثيوبيين، وبأموال طائلة، وأسلحة وفنون تشويش وتشويه سمعة مبتكرة متنوعة فتاكة، وخبراء في اختراق المواقع الإلكترونية، ومئات الآلاف من الكتاب والمحللين والمراسلين الصحافيين، مع حشد هائل من إذاعات وصحف وفضائيات أميركية وعالمية في حرب مثيرة وفريدة من نوعها تابعها العالم أجمع على شاشات التلفزيون بشغف وقلق وترقب. بعبارة أخرى أن ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية كانت هنا في أميركا مستنفَرة مع بايدن لقهر شخص واحد اسمه ترامب، بأي ثمن، وبأي سلاح. ومن أهم ما يمكن استخلاصه من هذه الحرب الطاحنة أمورٌ تهم أميركا وحدها، وأمور ثانية أخرى تهم البشرية، وثالثة تخصنا نحن العرب أولا، والعراقيين بشكل خاص. أولا، لقد أثبت الشعب الأميركي أنه مُعبأ، سلفا، وثابت الولاء لحزبه المفضل، مهما قيل عنه ومهما يقال. فبرغم كل أخطاء ترامب ومزاجيته في إدارة الدولة واستفزازه العالم وإثارة نقمته عليه فقد وجد الملايين من الناخبين الذين أحبوه بجنون، ووقفوا معه وقت الشدة. على الجانب الآخر كان ناخبون بالملايين يبغضونه ويقاتلون من أجل الخلاص منه، دون أن يشفع له أنه أنجز أغلب وعوده التي انتخبوه على أساسها في 2016. فقد استمطر الدنيا دولاراتٍ بالمليارات على الخزينة الأميركية، وأنعش الاقتصاد، بعد ركود سنين طويلة، وحقق أرقاما قياسية في خفض التضخم ومستوى البطالة. ولم يسعفه اكتشافه لأصل الإرهاب الدولي، وقرارُه الحازم باجتثاثه من جذوره، بالعقوبات والحصار المالي والعسكري والاقتصادي، كما فعل مع إيران وداعش وبن لادن وقاسم سليماني. ثم إنه فعل لليهود ولإسرائيل ما لم يفعله رئيس أميركي من قبله. فقد نقل سفارة أميركا إلى القدس واعترف بها عاصمة أبدية لإسرائيل، ومارس، بكل ما في قدرة أميركا السياسية والعسكرية والاقتصادية، أقصى ما يمكن من الضغوط على العرب لقبول الكيان الإسرائيلي، بكل عنجهيته وظلمه وتعدياته، أخا وشقيقا في المنطقة، مُغضبا بذلك نصف الدنيا، ومُبقياً على نار الغضب العربي تحت رمادها في انتظار الفرصة السانحة للمزيد من الحروب والخراب والدمار وسفك الدماء، أملا منه في أن يكافئه يهود أميركا على كل تلك الهبات والخدمات فيمنحوه أصواتهم، ولكن إحصاءاتٍ رسمية تؤكد أن ما نسبته 85 في المئة من اليهود الأميركيين صوتوا لمنافسه الديمقراطي. ولعل أكبر أخطاء الرئيس ترامب المتراكمة هو تفضيله المصلحة المالية، على القيم الأخرى في تعامله مع دول العالم الخارجي، وليس على أساس الموازنة بين الأخذ والعطاء. فقد رأى في العولمة، مثلا، إضرارا بالمصالح الوطنية الأميركية، واعتمد سياسة الهيمنة التي يرى أنه بها يقدم نفسه للأمة الأميركية بطلا تاريخيا يعيد لأميركا أمجادها وهيبتها وسطوتها على العالم من جديد، ويوفر الحماية للمصانع والشركات الأميركية، ولم يتساهل مع عدو ولا صديق. ثم انسحب من الكثير من الاتفاقات الدولية السابقة، رافعا شعار “أميركا أولا”، كانسحابه من الشراكة عبر المحيط الهادي، واتفاقية باريس للمناخ، واليونسكو، والاتفاق النووي الإيراني، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وآخرها انسحابه، رسميا، من منظمة الصحة العالمية على خلفية إدارتها لأزمة فايروس كورونا. وتشدَّد مع جارته كندا، وفرض صيغة جديدة في التعامل التجاري معها خلافا لما كان عليه الحال عشراتٍ من السنين. وفي مسألة المهاجرين الأميركيين اللاتينيين غير الشرعيين أصر على بناء الجدار العملاق بين أميركا والمكسيك، وتحميل حكومتها جزءًا كبيرا من نفقاته، ثم منع دخول الوافدين من دول إسلامية صنّفها ضمن الدول الراعية للإرهاب، أو التي تعاني من العجز عن محاربة الإرهاب. وحتى في داخل إدارته كان يطرد كبار معاونيه بطريقة مزاجية فضة ومهينة، فيحولهم من موالين إلى خصوم يكتبون ويصرحون ضده بما أضر بسمعته القيادية إلى حد كبير، وكشف نزقَه وغروره. ثم لم يتورع عن إهانة رؤساء ووزراء أميركيين سابقين، ونشر فضائحهم. ومنها ما كرر إعلانَه على شاشات التلفزيون عن ضلوع سلفه باراك أوباما ونائبه جو بايدن ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في اختراع داعش ورعايته، واحتضان الإخوان المسلمين، ثم سمح بنشر الإيميلات السرية لكلينتون وهانتر بايدن بكل ما فيها من فضائح وأسرار. وفي النهاية غطت هذه الشطحات السياسية المثيرة للجدل على كل منجزاته الجيدة الكثيرة، وقرّبته من خسارة الرئاسة، إلا إذا حدثت معجزة. ولكن في ظل إدارة القادم الجديد إلى البيت الأبيض، الديمقراطي جو بايدن، ستدخل أميركا، ومعها العالم كله، وشرقُنا الأوسط، في فوضى واختلال موازين جديدة لسنوات قادمة ستجعل كثيرين يترحمون على ترامب وأيامه الخوالي. يقول بايدن إن سياسة ترامب ألحقت ضررا “بسمعة أميركا ومكاننا في العالم، وأنا واثق بكل صراحة في قدرتنا على قيادة العالم”. وانتقده على تخليه عن الدور القيادي للولايات المتحدة على الساحة الدولية، وشدد على ضرورة العمل الجماعي لمحاربة تغير المناخ، وانتشار الأسلحة النووية، والإرهاب، والهجمات السيبرانية. وعن السياسة التي سيتبعها، قال بايدن إنه سيسحب معظم القوات الأميركية من مناطق لا يرى فائدة لأميركا من بقائها فيها، وسينهي الدعم الأميركي للعملية العسكرية السعودية في اليمن، وسيجدد التمسك بالتزامات أميركا إزاء حلفائها في الناتو. وسيلغي حظر السفر الذي فرضه ترامب على مواطني عدد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، وسينهي فصل أطفال المهاجرين عن أسرهم على الحدود مع المكسيك. وانتقد انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، مؤكدا أنه سيعود إلى الالتزام بالاتفاق، في حال التزمت طهران بتعهداتها. ويعتزم بايدن العودة إلى اتفاقية باريس حول المناخ، والضغط على كوريا الشمالية حتى تأخذ على عاتقها تعهدات أكثر صرامة بشأن التخلي عن برنامجها النووي. وفي انتظار ما ستسفر عنه المعارك القضائية بين الحزبين، وما ستقرره المحاكم العليا، لا بد من القول هنا بأن في مزاعم الجمهوريين حول حدوث تلاعب وتزوير في بطاقات الاقتراع بالبريد نصيبا كبيرا من الصواب. أولا لأن ذلك حدث فقط في الولايات التي يهيمن عليها الديمقراطيون، وثانيا لأن امرأة غير جمهورية ذهبت لتقترع فوجدت أن أحدا غيرها استخدم اسمها وبياناتها الشخصية واقترع بالنيابة عنها، ثم اعترف موظف من العاملين في فرز الأصوات بأنه فوجئ بأن إحدى بطاقات الاقتراع كانت تحمل اسم أخيه المتوفى منذ عامين، وبياناته الشخصية الصحيحة. ثم قبضت شرطة نيويورك على موظف بريد وبحوزته 800 بطاقة اقتراع لم يقم بإرسالها. وفي الخلاصة نوجه إلى العراقيين، وخاصة الذين صدقوا رئيس وزرائهم مصطفى الكاظمي وفضّوا الانتفاضة، هذا السؤال: إذا كان الحزب الجمهوري الأميركي الحاكم، بجلالة قدره، وبعظمة نفوذه، وقدراته الهائلة، وفي مجتمع أميركي خالٍ من الميليشيات والسلاح المنفلت، لم يستطع أن يمنع التلاعب والتزوير، فكيف إذن يتعهد الكاظمي بضمان انتخابات نزيهة وعادلة ودون تلاعب وتزوير؟  


فاروق يوسف القوة العسكرية الفائضة تبيح لواشنطن تجاوز مجلس الأمن والتدخل الفوري السريع في أي مكان. ما من دولة خالفت الأوامر الأميركية وانتهت نهاية حسنة. من كوبا إلى إيران مرورا بتشيلي وأفغانستان والعراق وفنزويلا وليبيا. وليست كوريا الشمالية استثناء في ذلك المجال بالرغم من أن زعيمها الشاب قد تُرك لجنونه الذي هو الآخر وصفة أميركية للخراب سبق وأن جربها صدام حسين وهوغو تشافيز وفيدل كاسترو. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي انفردت الولايات المتحدة بالعالم. هل هذا صحيح؟ إلى حد ما ولكن ليس تماما. فما الذي كان الاتحاد السوفييتي يفعله لنجدة حلفائه؟ يبقيهم أحياء ولكن محاصرين. علاقتهم بالعالم الخارجي تتم من خلاله وهو الذي لم يكن يمتلك قاعدة علاقات عالمية واسعة تستند إلى اقتصاد متطور. غير أن التجربة أثبتت أن وجود الاتحاد السوفييتي خير من غيابه. لم تكن الصين مؤهلة للعب الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفييتي. كانت الصين دولة مختلفة؛ عقائدية متشددة في الداخل ومنفتحة بطريقة مدروسة على الاقتصاد الرأسمالي. حرصها على سوقها بحجم حرصها على عقائديتها. لذلك لم تتحول إلى قطب في السياسة الدولية. أما الاتحاد الأوروبي فإنه كان في طريقه إلى الانفراد بنفسه حين أعلنت بريطانيا عن انفصالها فصارت دوله تتعامل بطريقة فردية إلى حد كبير. ظلت الولايات المتحدة هي القطب السياسي الوحيد الذي إن فشل في مجلس الأمن بسبب حق النقض فإن قوته العسكرية الفائضة تبيح له التدخل الفوري السريع في كل مكان. فهي تفعل ما تشاء في الوقت الذي يلائمها ضاربة في بعض الأحيان بالقانون الدولي عرض الحائط. وهو ما أدى إلى أوضاع إنسانية غاية في السوء كما هي الأوضاع في أفغانستان والعراق. غير أن الواقع هو الواقع وعدم الاعتراف به لا يعد إلا إنكارا أعمى. لقد انشدّ العالم كله إلى الانتخابات الرئاسية التي شهدتها الولايات المتحدة بطريقة لا يمكن أن تحدث لو أقيمت انتخابات في أي مكان آخر من العالم. وهو ما يؤكد أن البشرية كلها تنظر إلى رئيس الولايات المتحدة كما لو أنه رئيس العالم. هناك مصائر دول عديدة رهينة بالرئيس المقبل. شخصية الرئيس مهمة بسبب صلاحياته الواسعة غير أن السياسة التي تقف وراءه هي الأهم. فقد يكون الرئيس مولعا بالاستعراضات التي تجلب معها الأخطاء الجانبية مثلما حدث مع دونالد ترامب وقد يكون شغوفا بالمؤامرات السرية مثلما كان الحال مع باراك أوباما. غير أن ذلك الرئيس يبقى واجهة ثقيلة لسياسة المؤسسة الأميركية العميقة. ولأن أميركا قوية فإنها لا تخشى التحولات، بل إنها لن تكون أميركا إذا لم تقع التحولات. تلك تحولات يدفع العالم ثمنها؛ يربح جزء ويخسر جزء. تفعل ذلك لأنها كبيرة وقوية وصلبة وعميقة وفي إمكانها أن تكون موجودة في كل مكان من الكرة الأرضية كما لو أنها ساحر. القوة العسكرية هي مصدر ثقتها. ذلك صحيح. ولكنها أيضا قوة علمية لا يستهان بها. الجامعات الأميركية هي سر تلك القوة. لم ينفق الأميركان أموالهم على العقائد. لقد أنقذهم إيمانهم بحرية المعتقد من الوقوع في ذلك الفخ. لقد أنفقوا أموالهم على العلم. احتكروا الكثير من المؤسسات الأممية لخريجي جامعاتهم فكانوا في ما بعد حاضرين في كل مكان من العالم وبالأخص مناطق الأزمات التي تقف الولايات المتحدة نفسها وراءها. تتوج الولايات المتحدة عملها في خدمة العالم من خلال خبرائها بعد أن يكون عسكريوها قد رسموا خرائط لخراب استثنائي لا يُمحى غباره. لقد استطاع خبراء الإعلام أن يمحوا كلفة الحرب في فيتنام. لا أحد يتذكر فيتنام، حتى فيتنام نفسها التي لا تتعامل مع ماضيها بجنائزية. في إمكان أميركا أن تخلق واقعا بديلا لواقع تشعر أنه لا ينسجم مع خططها. لقد محيت عقدة الذنوب ووضعت الأفلام والوثائق على الرف. ما ارتكبته أميركا من الجرائم خلال العقدين الأخيرين يتفوق في بشاعته على ما ارتكبته في فيتنام غير أنها استطاعت أن تخرج نظيفة. “العالم قد تغير” ولكنه العالم الذي صنعته بنفسها. ذلك هو العالم الذي يطوي ملف جرائمها ليقف مشدود الأعصاب في انتظار الإعلان عن الرئيس المقبل الذي انتخبه شعبها كما لو أن العالم كله قد صغر وصار مجرد صندوق اقتراع. لا تحتاج أميركا إلى أن تصدر أمرا ليقيس العالم درجة حرارته قياسا لما يجري فيها. مشكلة العالم هي وعقدته غير أن البشرية لم تفعل شيئا من أجل أن تتخطاها فظلت سادرة في غيها من غير أن يغير ذلك من حقيقة أنها لا تزال هي القوة الأذكى في العالم.


عبد الرحمن شلقم حادثة قتل الأستاذ الفرنسي بسكين الشاب الشيشاني لا تزال حرائقها تمتد فوق مساحات كبيرة، وتتسع كل يوم. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أجج اللهب عندما قال مؤبناً القتيل إننا سنستمر في نشر الكاريكاتير الذي عرضه القتيل على تلامذته، وأدى إلى قتله. واعتبر ماكرون أن ذلك من صلب العلمانية الفرنسية، ومن ثوابت مبادئها التي تعتمدها الجمهورية الفرنسية. في هذه الموجة من التراشق الناري بين السياسيين والإعلاميين وشرائح واسعة من الناس، نقول إن ما يطفو اليوم على منصات السياسة ومحركات الرأي العام هو من الظواهر التي رافقت البشر في مناكب الدنيا في كل العصور. السياسيون كثيراً ما يستخدمون الدين حطباً لوجباتهم الانتخابية، وفي مضمار سباقاتهم مع خصومهم التي يستخدمون فيها الدين والناس والاقتصاد خيولاً من أجل أن يكون لهم قصب السبق. لا يختلف اثنان، أو يتناقر ديكان، على أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما قال ما قال، وهو يؤبن الأستاذ صامويل باتي، قد زرع في حقل خطابه بذوراً سياسية آملاً أن تبزغ أوراقها في حملته الرئاسية القادمة أمام زعيمة اليمين الفرنسي ماري لوبان، التي تقتات سياسياً على الآخر الذي ترى فيه تكويناً مرهقاً للهوية الفرنسية النقية. الانتخابات في الدول التي يحكمها النظام الرئاسي، لها مسارات ولغة صراع سياسي تختلف عن تلك التي تحكم بأنظمة برلمانية. الرئيس يتقدم هو شخصياً قافلة المواجهة فوق حلبة مفتوحة على كل أنواع الصراع. حادثة قتل الأستاذ الفرنسي، والطريقة التي تمت بها، وخليفة دوافعها، جعلت منها مادة سياسية صاعقة لها لون وطني هز البلاد الفرنسية كلها. قد يرى الكثيرون، بمن فيهم بعض الفرنسيين، أن الرئيس ماكرون رفع سقف المواجهة مع الإسلام وبلغة لا تخلو من الاستفزاز. انطلقت ردود الفعل على ما جاء في خطاب الرئيس ماكرون في أغلب الدول الإسلامية شعبياً ورسمياً، كان لها درجات مختلفة. الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية لقيت صدى واسعاً في بعض البلدان، وأطلقت وسائل التواصل الاجتماعي سطوراً حروفها تعبر عن الغضب، وعلقت المؤسسات الدينية الإسلامية على ما صدر عن الرئيس الفرنسي بأصوات جمعتها نبرة الإدانة الغاضبة. الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اندفع في وجه الرئيس ماكرون وكأنه أراد الاصطدام به جسدياً، وكال له عبارات منزوعة القشرة السياسية والدبلوماسية، وكاملة دسم الغضب الثقيل. إردوغان وصف ماكرون بالرجل الذي يعاني مشكلات صحية ونصحه بالذهاب إلى طبيب نفساني. وأضاف إردوغان الكثير في سياق رده على ما صدر عن الرئيس الفرنسي، وكان بمقدور الرئيس إردوغان أن يضع وسط عباراته كلمات موجهة إلى الشعب الفرنسي تؤكد على يقينه بأن الفرنسيين شعب يفرق بين الإسلام الحقيقي وما يقوم به فرد لا يحسب على الإسلام، وقيمه، ولا يمت بصلة إلى نبيه الذي جرى التطاول عليه بصورة تعبر عن الجهل والكراهية. لا شك أن جموع المسلمين يتفهمون محرك ثورة الرئيس التركي وغضبه الحاد ورده المشتعل على الرئيس الفرنسي. لكن هناك الكثير من الأساليب والألفاظ التي يمكن أن تكون أحجاراً للبناء تصنعها كلمات السياسيين. كان بإمكان الرئيس ماكرون، وهو يقول سنستمر في نشر الكاريكاتير، أن يضيف أننا نعرف قيمة النبي محمد، ونحترم كل الأديان، وأن حرية التعبير لا يحكمها إلا القانون. في فرنسا، كما في مثل غيرها من الدول، القوانين تجرم السب والقذف والتشهير، وتجرم التحريض على الفتنة والعنف والكراهية، وقد منعت السلطات البريطانية برلمانياً هولندياً من دخول أراضيها، لأنه يحرض على الكراهية. القادة هم عقل الشعوب، ولهم لغتهم التي يمكن أن نسميها اللغة الثالثة التي تختلف عن تلك التي تستعملها وسائل الإعلام والمهيجون السياسيون في صخب الحملات الانتخابية والمدونون على مواقع التواصل الاجتماعي. استخدام الدين في مد السياسة وجزرها يضر بالدين والسياسة، البعد الروحي وأثره لا يغيبان عن الإنسان في كل مكان وزمان، ومقاييسه غير تلك التي تحسب بها قفزات السياسة. السيدة سلين متى قاضية لبنانية مثل أمامها شباب لبنانيون مسلمون بتهمة الإساءة إلى السيدة مريم العذراء، والقانون اللبناني يعاقب على ازدراء الأديان بالسجن. القاضية اجتهدت، وبعقلية مبدعة، اجترحت حكماً فريداً بعيداً عن نصوص القوانين، وطلبت من المتهمين حفظ سورة «آل عمران» شرطاً لإطلاق سراحهم. ذلك كان حكماً تربوياً وليس عقابياً. ما قامت به القاضية إبداع غير مسبوق صار حديث الناس، ووجد قبولاً ومباركة من الجميع تقريباً، وقدم نموذجاً للاجتهاد القضائي الذي يحقق تربية تعلم الشباب ما لا يعلمون، وتبث قيم احترام الأديان، وتكرس مشاعر الوطنية التي تجمع شرائح المجتمع بما يوحدهم. العالم أصبح اليوم قرية صغيرة، بل غرفة واحدة، بحكم تداخل مصالح البشر في كل الدنيا، ومطرقة جائحة «كورونا» يجب أن تكون درساً للجميع، حيث طالت كل بلدان الدنيا، وغيرت أنماط الحياة، وصار الناس جميعاً يبحثون عن ترياق ينقذهم من هول غاشم يهدد الجميع من دون تفريق بين البشر. السياسيون، تحديداً القادة، مهمتهم حل المشاكل لا تأجيج لهبها، ودائماً هناك بين بني البشر ما يجمعهم، والاختلاف بين الناس حقيقة أزلية وأبدية، وقد جاء في القرآن: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، (هود 118).


حسني محلي  قاتلت قوات البشمركة الموالية للبرزاني إلى جانب الجيش التركي ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني عام 1997، وبعدها عدة مرات، الأمر الذي يسعى إردوغان إلى أن يتكرر الآن بشكل فعال وسريع، مقابل دعم مالي من أنقرة بعيداً من اهتمامات الإعلام العالمي المنشغل بأخبار جو بايدن ودونالد ترامب، عاد التحالف بين رجب طيب إردوغان ومسعود البرزاني إلى "سخونته التقليدية والتاريخية" بعد فترة من الفتور، بسبب عرقلة أنقرة مساعي أربيل للاستقلال في العام 2017، وهو ما أدى إلى زعزعة سلطة آل البرزاني السياسية والعسكرية والنفسية بعد دخول الجيش العراقي إلى المناطق المتنازع عليها في الشمال العراقي، بما في ذلك كركوك، "عاصمة كردستان وقلبها"، بحسب تعبير البرزاني. وتتحدث المعلومات منذ أيام عن توتر جدّي بين قوات البشمركة الموالية للحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي، بزعامة عائلة البرزاني، ومسلّحي حزب العمال الكردستاني التركي في العديد من مناطق شمال العراق، والذين يراهم البرزاني، كما هو الحال بالنسبة إلى بغداد، مبرراً للعمليات العسكرية التركية في المنطقة.  وجاء الانفجار الَّذي استهدف أنبوب النفط العراقي - التركي في 30 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، والذي ينقل في الوقت نفسه بترول كردستان العراق إلى تركيا، ومنها إلى "إسرائيل"، وفق المعلومات الصّحافية، ليعكس مدى جدية وخطورة هذا التوتر القابل للانفجار في أي لحظة، فقد سبق هذا الهجوم العديد من الاستفزازات المتبادلة والحملات الإعلامية التي اتهم فيها أتباع عبد الله أوجلان، من كرد تركيا وسوريا، مسعود البرزاني "بالتحالف مع إردوغان والتآمر على القضية القومية للأمة الكردية"، والمقصود بها هنا هو الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، والمدعومة من واشنطن والعواصم الغربية. ويعتقد البرزاني أنَّ هذه العواصم تخلت أو قد تتخلى عنه، بعد أن أثبتت وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الذراع السورية للعمال الكردستاني قوّتها في التصدي لإرهابيي داعش، الذين ما زالوا يشكلون خطراً على المنطقة سورياً وعراقياً، وهو الاعتقاد الذي كان له مبرراته، إذ رفضت هذه العواصم الاستفتاء الذي أجراه البرزاني من أجل الاستقلال في 25 أيلول/سبتمبر 2017 بعد هزيمة داعش في الرقة، واعترضت عليه آنذاك طهران أيضاً، ليكون موقف أنقرة المفاجأة الكبرى بالنسبة إلى البرزاني، الذي كان يعقد آمالاً كبيرة على حليفه إردوغان الذي التقى به في إسطنبول قبل الاستفتاء بشهرين، وكان علم كردستان العراق يرفرف خلفه. وكان هذا الموقف التركيّ سبباً لفترة من الفتور الّذي خيَّم على العلاقات بين إردوغان والبرزاني، اللذين عادا إلى تحالفهما التقليدي قبيل الاجتياح العسكري التركي للشمال العراقي بداية الصيف الماضي، إذ سيطرت القوات التركية على العديد من المواقع الاستراتيجية القريبة من جبال قنديل الوعرة التي تتواجد فيها مخيمات ومراكز حزب العمال الكردستاني.  وقد أقام الجيش التركي في هذه المواقع التي تقع ضمن مناطق البرزاني حوالى 15 قاعدة، إضافةً إلى عدد مماثل من القواعد التي تتواجد فيها القوات التركية منذ العام 1991، عندما جاءت قوات المطرقة الأميركيّة إلى تركيا لحماية كرد العراق من أيّ عمل عسكري عراقي بعد هزيمة الكويت. وبقيت هذه القوات في المنطقة حتى الاحتلال الأميركي للعراق في آذار/مارس 2003، والذي أيّده إردوغان عبر فتح المجال الجوي التركي أمام الطائرات والصواريخ الأميركية التي أطلقتها السفن الأميركية من شرق الأبيض المتوسط.   ويرى البعض في الفراغ السياسي والأمني في العراق وشماله عموماً سبباً رئيسياً في مجمل هذه التطورات، وخصوصاً التدخل التركي في المنطقة، بحجة تواجد مسلّحي الكردستاني والغالبية الساحقة منهم الآن في الشمال السوري في صفوف ما يُسمى "وحدات حماية الشعب الكردية"، التي أصبحت قوة لا يستهان بها، بسبب مختلف أنواع الدعم الذي تحظى به من العديد من الدول بشكل مباشر أو غير مباشر. وتأتي أميركا في مقدمة هذه الدول، ومعها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، من دون أن نتجاهل الإمارات والسعودية ومصر التي تسعى لتضييق الحصار على أنقرة.  ويبقى المستفيد الأكبر من كلّ هذه التناقضات هو "إسرائيل" التي أولت منذ قيامها كرد المنطقة اهتماماً مميزاً عبر علاقاتها مع عائلة البرزاني، والآن مع قسد بشقيه الكردي والعربي. ودفع كل ذلك أنقرة للعودة إلى تحالفاتها التقليدية مع كرد العراق، وهو ما بدأته في الخمسينيات بسبب التواصل العشائري بين كرد تركيا وكرد العراق من الكرمان، وهم منافسون أو أعداء تقليديون لكرد الصوران وزعيمهم السابق الرئيس الراحل جلال الطالباني، الذي شهدت علاقاته مع البرزاني مداً وجزراً وفق مزاج الأخير في التحالف مع أنقرة. وكان كلّ ذلك سبباً كافياً لاقتتال شبه دائم بين الطّرفين، إذ كانت تركيا دائماً إلى جانب البرزاني ضد الطالباني، وكما هو عليه الحال الآن، على الرغم من مساعي الطالباني ومن جاء من بعده لتحسين العلاقة مع الرئيس إردوغان. ويعرف الجميع أنه يرجح العلاقة مع جماعة البرزاني لأسباب عديدة، أهمها أنهما يشبهان بعضهما البعض في الفهم والتطبيق للعديد من المفاهيم الفكرية والسياسية والاقتصادية.  وقد قاتلت قوات البشمركة الموالية للبرزاني إلى جانب الجيش التركي ضد مسلحي الكردستاني في العام 1997، وبعدها عدة مرات، وهو ما يريد له إردوغان أن يتكرر الآن، وبشكل فعال وسريع، مقابل دعم مالي من أنقرة، ما دام يعاني أزمات جدية في علاقاته مع الحكومة المركزية ومع السليمانية، عاصمة الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان الطالباني يتزعمه. وكان العديد من مفاهيمه وأهدافه - الطالباني - قريباً من حزب العمال الكردستاني بزعامة "اليساري" عبد الله أوجلان.   وقد سعى الطالباني كثيراً لإخراجه من السجن بعد مصالحته مع الدولة التركية، التي رجحت العلاقة مع البرزاني والامتداد العشائري له داخل تركيا، فقد وظفت أنقرة في التسعينيات حوالى 150 ألفاً من رجال هذه العشائر تحت اسم "حراس القرى"، الذين قاتلوا إلى جانب الجيش التركي، وتراجع عددهم الآن إلى 60 ألفاً يتقاضون رواتب رسمية من الدولة التركية. ويبدو واضحاً أنَّ الوضع العراقي الداخلي وأزمة كورونا وقضايا الفساد وحسابات العواصم الإقليمية والدولية الخاصة بالعراق، بسبب موقعه الاستراتيجي المجاور لسوريا وإيران وتركيا والخليج، لن يساعد على حسم أي من مشاكله الحالية. وسيدفع ذلك الطرفان، أي مسعود البرزاني وأتباع عبد الله أوجلان في سوريا وتركيا، إلى ترسيخ مواقعهما وتحقيق المزيد من المزايا السياسية والعسكرية والجغرافية والشعبية بعد صعود الشعور القومي الكردي المتضامن مع كرد سوريا بسبب الدعم الأميركي والدولي لهم.  وستدفع هذه المزايا قيادات العمال الكردستاني التركي والاتحاد الديموقراطي الكردستاني السوري إلى الاستمرار في سياساتهم لتضييق الحصار على البرزاني، لأنهم يعرفون أنهم الأقوى الآن بسبب الوضع الاقتصادي والمالي المتدهور في أربيل، وعلاقاتها السيئة مع السليمانية، بل وحتى مع بغداد، وفيها الرئيس برهم صالح، وهو من جماعة الطالباني.  وترشح مثل هذه المعطيات وغيرها المرحلة القريبة القادمة إلى مزيد من التوتر في الشمال العراقي، مع استمرار التدخل العسكري والاستخباراتي التركي، عبر التنسيق والتعاون مع البرزاني الذي تريد له أنقرة أن يسخّر كل إمكانياته للقتال ضد الكردستاني التركي.  بدوره، يرى الكردستاني في المعطيات الإقليمية والدولية فرصته الثمينة لدعم وترسيخ الانتصارات والنجاحات التي حققها خلال السنوات الخمس الأخيرة، بفضل دعم الرئيس ترامب، والآن ربما الرئيس بايدن، وهو أكثر عداء لإردوغان، ما سيدفع الأخير إلى التحرك بسرعة لسدّ الطريق على أي مفاجآت لا تحمد عواقبها بالنسبة إلى أنقرة، التي لن تتردد في اتخاذ أي موقف عملي وسريع ضد الكردستاني التركي وفرعه السوري؛ وحدات حماية الشعب الكردية. ويحتاج ذلك إلى داعم كردي حتى يستمر الكرد في قتل بعضهم البعض، وهو ما اعتادوه في تركيا والعراق وإيران، والآن في سوريا. كما أنهم اعتادوا أن يكونوا ورقة تساوم بها هذه الدول الأربع بعضها البعض، إذ كانت هذه الدول تعادي أو تحارب كردها فيما تدعم كرد جيرانها، كما هو الحال عليه الآن بالنسبة إلى تركيا. ولا ننسى أنَّها وضعت جميع قيادات حزب الشعوب الديموقراطي، وهو الجناح السياسي للعمال الكردستاني، في السجون، بعيداً من اهتمامات الغرب الذي تجاهل، بل نسي قضية زعيم العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الموجود في السجن منذ شباط/فبراير 1998. لقد أثبتت السّنوات الماضية بعد "سايكس بيكو" و"سيفر" أنَّ ما يهم الغرب هو مصالحه فقط، بعيداً من مقولات الديموقراطية وحقوق الإنسان، ما دام الكرد عموماً لم يتجاوزوا خلافاتهم، فظلّوا وسيظلّون ورقة في مهبّ الرياح الإقليمية والدولية، والأهم التركية، باعتبار أنَّها الآن، وتاريخياً، الطرف الأهم في هذه المعادلة الصعبة والمعقدة، وبقاؤها على هذا الحال سببه الكرد أنفسهم! *باحث علاقات دولية ومختصص بالشأن التركي


عدلي صادق معلوم أن إدارة أردوغان، فعلت علنا وبلا استحياء، في تأييد ترامب ودعمه، ما لم يفعله أصدقاؤه العرب الذين راهنوا عليه وطاوعوه. عاد سيث فرانتزمان، الخبير الإسرائيلي ـ الأميركي المخضرم والمتنوع، المتخصص في تاريخ المشرق العربي والعالم الإسلامي وقضاياه، إلى طرح أسئلة العلاقة بين تركيا وإسرائيل، لكي يعرف، أو يُعرّف قراءه في الصحف ووسائل الإعلام الكثيرة التي تنشر له (ومن بينها “الجزيرة” القطرية) لماذا كانت إسرائيل هي الغائب المفتقد، في سجالات وخصومات وتهديدات تركيا الأردوغانية، خلال الأشهر الأخيرة، في تحريض تركيا على تل أبيب، بينما التصعيد يتعلق باليونان وأرمينيا وفرنسا ومصر والسعودية وغيرها. لا يأتي فرانتزمان بجديد عندما يقول ما معناه إن هذا الأدب الجم، ليس لأن الحزب الحاكم في تركيا، ورئيسها أردوغان، يحبان إسرائيل. فالتاجر السياسي أو السياسي التاجر، وحزبه، من أشد الأطراف عداء لإسرائيل، لكن المصالح فوق كل شيء عند أردوغان. ومن جانبنا نعتقد أن الكاتب الإسرائيلي لم يشأ الخروج عن القاعدة الدعائية الإسرائيلية التي تشكو في العادة من “عداء” مفترض أو مزعوم، ومن مظلوميات تاريخية. فالعداء الأردوغاني لإسرائيل، ليس صحيحا. فلو كان صحيحا، لكان قديما، ولو كان قديما لما أظهر الرئيس التركي في العديد من المرّات تعاطفا كبيرا مع إسرائيل ومع التاريخ اليهودي وكانت له علاقة جيدة مع شارون، عندما كانت أميركا نفسها تتحسس منه. المحللون الإسرائيليون، يميلون بطبائعهم إلى اختراع مقاصد خبيثة لكي تنال إسرائيل ما تريد.. لذا يقيمون دليلهم على أن أردوغان لا يحب إسرائيل، بسبب استضافته شخصيات من حماس وإطلاق تصريحات متعاطفة مع قضية فلسطين، علما بأن إسرائيل تعرف تماما، أن أردوغان يستضيف ويصرح، لكي يحوز على الزعامة الإسلامية السنية، كما تعرف إسرائيل، أن كل تجليات العلاقة مع تركيا، تجري في الواقع دونما عراقيل، في الأمن والصناعات العسكرية والتجارة والسياحة والتعاون الاستراتيجي، ومن آخر إنجازاته، أن سفير الولايات المتحدة في أنقرة، هو الذي أنجز ملف الترسيم الحدودي بين إسرائيل ولبنان. كل الدلائل تشير إلى أن أردوغان يتلقى دعما قويا من إدارة ترامب. ولهذا وجب الصمت عن إسرائيل في أسوأ مراحل تطرفها وإنكارها للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. ولا ينتظر قراء فرانتزمان، أن يعرفوا منه سبب حرص نظام أردوغان على عدم إثارة أي أزمة مع إسرائيل. فمنذ أن تسلم ترامب منصب الرئاسة بعد انتخابات 2016، كانت أولى اتصالات إدارته مع فريق أردوغان. فقد أخذ ترامب علما، بأن قناعة الرئيس التركي بشأن موقف إدارة أوباما من الأحداث في سوريا كانت خاطئة، لاسيما بخصوص عملها مع “حزب العمال الكردستاني” المصنف إرهابيا لدى السلطات التركية. استطاعت إدارة ترامب، من خلال علاقتها الاستراتيجية مع أنقرة، التخفيف من خطاب أردوغان ضد إسرائيل وفي الأسابيع الأولى من عمل إدارة ترامب، وجدت حكومة أردوغان ضالتها في مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل فلين. وعندما طرده ترامب، يممت حكومة أردوغان وجهها شطر وزارة الخارجية الأميركية، وركزت على مبعوثها إلى سوريا جيمس جيفري. لكن المفارقة الطريفة، كانت في الفكرة التي خالجت عقل أردوغان، وهي أن علاقاته الاستراتيجية مع ترامب تحمل على مدار الساعة رسالة قصيرة للحكومات العربية التي يعمل معها الرئيس الأميركي، وتحقق فيها الولايات المتحدة اختراقات كبيرة، تقول لهم “أيها العرب، إن صاحبكم الكبير، في جيبي، وبالتالي أنا الذي أقود على المستوى الإقليمي!”. بعد أقل من سنة، على حكم أردوغان، بدأت تكثر الإشارات المغذية للفكرة الأردوغانية الموهومة، عن علاقة استراتيجية متكافئة، مع الولايات المتحدة. ومن بين تلك الإشارات، حدث غير مسبوق، إذ سمحت السلطات الأمنية الأميركية، في العام 2017 للقوة الأمنية التركية المتواجدة داخل سفارة بلادها في واشنطن، بأن تقمع الأميركيين من أصل تركي، الذين تظاهروا أمام السفارة احتجاجا على سياسات أردوغان القمعية. وقد أدار ذلك الحدث رأس أردوغان، ثم تكررت سعادته عندما بادر ترامب في أكتوبر 2019 إلى إخلاء مواقع أميركية في شمالي سوريا، لكي يفسح المجال للقوات التركية لكي تهاجم الأكراد حلفاء أميركا التقليديين. وفي تلك المناسبة شعر أردوغان أن الدعم الذي تلقاه على الأرض، لم تظفر بمثله إسرائيل من واشنطن، بحسابات الخارطة الفعلية على الجغرافيا.  وبالطبع، استطاعت إدارة ترامب، من خلال علاقتها الاستراتيجية مع أنقرة، التخفيف من خطاب أردوغان ضد إسرائيل، على الرغم من الحرج الذي شعرت به أنقرة، حيال قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. ولكن مع تخفيف الهجوم على إسرائيل، سُمح لأردوغان أن يتحرك في مساحات أخرى مهمة، فانتقل إلى الحركة العسكرية في ليبيا، ودخل في مجالات ترسيم الحدود في خطوات فردية مضبوطة مع طموحاته إلى الحصول على ثروة بترولية، وفي الوقت نفسه استمر في حال الاشتباك مع الوضع السوري، ونقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، وخاض في نزاعات مع اليونان والعراق وأرمينيا، واستخدم جيشه للغزو وللتنقيب في شرقي المتوسط والحدود البحرية القبرصية، وأظهر نوعا من التنمر على الإقليم، وفعل كل ذلك مستأنسا بإدارة ترامب. وهناك مفارقة أخرى، وهي أن خصوم أردوغان في المنطقة، لا يزالون يراهنون على ترامب نفسه، وينتظرون فوزه في الانتخابات. بل يعتبرون فوز جو بايدن، نكسة لهم وخيبة أمل كبرى. هنا، لا حرج من التساؤل، أي الطرفين الذي يكون قد بنى عاطفته ورهانه على حسابات دقيقة وموضوعية وخالية من الأوهام: أردوغان أم خصومه في المشرق العربي؟ معلوم أن إدارة أردوغان، فعلت علنا وبلا استحياء، في تأييد ترامب ودعمه، ما لم يفعله أصدقاؤه العرب الذين راهنوا عليه وطاوعوه. فقد أغرقت أنقرة ترامب بالإطراء والتجاوب مع توجهاته الأوروبية، مع التغني بعلاقتها معه، وانتقدت منافسه جو بايدن ونانسي بيلوسي، علما بأن الخارجية الأميركية، والوزير مايك بومبيو تحديدا، أظهر تحفظات كبيرة على التعاون التركي الروسي في منظومة الدفاع الجوي وصواريخ أس – 400، وتعاون أنقرة مع طهران، وتهديد اليونان. لكن ترامب، وضع مسألة الصواريخ في إطارها التجاري، باعتبار أن الروسي تاجر سلاح، أما التفوهات الأردوغانية ضد اليونان وإسرائيل، فهو يراها بمنظوره وبحكم تجاربه، من عدة النصب!


سلام محمد العامري نُسِب لأمير المؤمنين, علي بن أبي طالب عليه وآله الصلاة والسلام, أنه قال” مسرّة الكرام في بذل العطاء، ومسرّة اللّئام في سوء الجزاء.” ككُل بلدان العالم, اجتاح فايروس كورونا كوفيد19, بلاد الرافدين ليزيد الطين بَله, فمن وحل داعش وما جرى, لعامين من الدماء الزكية, التي أريقت من أجل التحرير, إلى العراك السياسي وحرب الانتخابات, ألتي إنتهت بحرق مخازن الصناديق, لِيَلي تلك المرحلة, صراعاتُ التحالفات السياسية, من أجل تكوين الكتلة الأكبر, التي لم ترً النور, لتضارب المصالح والأضغان الدفينة. تحت ضغوط بالغة الصعوبة, وتدخلات إقليمية ودولية, تكتنفها النزاعات السياسية, تشكلت حكومة عادل عبد المهدي, لتبدأ مرحلة جديدة, للصراع حول المناصب, وما بين المحاصصة والتوافق, رقص المصطلح الكاذب المسمى ( مستقل), لتندلع أول الأزمات بتغيير الوزراء, كان على رأس القائمة وزارة التربية, لتظهر بوادر إسقاط, حكومة السيد عادل عبد المهدي, بعد تشكيله لجنة عليا لمحاربة الفساد, التي كانت بمثابة من يضع يده, داخل جحر الأفاعي والعقارب, وقد ساعد نجاح تلك الحرب, اندلاع التظاهرات بدءا من بغداد, لتجتاح كل محافظات, الجنوب والفرات الأوسط, وسقوط الضحايا من المتظاهرين, تحرك عادل عبد المهدي, على تحريك الخدمات وتعديل الإقتصاد خارجياً, باتفاقه مع الصين على مشاريع الإعمار, بعملية غير محسوبة, ومراعات التوازنات الإقليمية والدولية, لقد كان عبد المهدي, رجل اقتصاد من الطراز الأول, إلا أنه رُشح في غير زمانه. طالب المُتظاهرون استبدال الحكومة, لكثرة الضحايا وتفاقم التصعيد المتسارع, فرآها بعض الساسة, فرصة سانحة للخلاص من الأزمة, ومحاولة القفز لمنصب, يتمناه أغلب ساسة العراق, إلا أنَّ الرياح جَرَت, بما لم تشتهي الأنفس, فقد عادت الأنا والحزبية, والخوف من المجهول بالنسبة للفاسدين, ليتم التوافق على شخص مصطفى الكاظمي, وبرغم بعض الإختلافات والتحفظات, إلا أن القبول به كرجل مرحلة, يتحملها الساسة لقصر مدتها, وانتظار ما يجري في الانتخابات, المزمع القيام بها العام القادم. فهل سيتمكن السيد مصطفى الكاظمي, من نزع فتيل الأزمات, التي مازال فتيلها مشعلاً, هل سيحسب خطواته بدقة وتأنٍ, كي لا يزل قدمه على لغم, ينسف ما كل جهد للإصلاح, وقد قالها يوم التاسع من حزيران, لا مجال أمامنا سوى النجاح, فهل هو بالقوة التي تتحمل الصدمات؟ أم أن الفاسدين تعبوا من المرحلة السابقة, ليفكروا بعد حين, بمطباتٍ لا يمكن تفادي الضرر, لمن يريد تجاوزهم؟ أزمة فايروس كورونا, ومتظاهرون يتوعدون بتصعيد كبير, قام السيد مصطفى بخطوة, قد تكون صاعق لغم تحذيري, فقد استهدف بقرار إلغاء رواتب فئة, من يستلمون على أكثر من راتب, بغض النظر عن وجهة نظرنا إلا أننا؛ نراها خطوةً صعبة التطبيق, في المرحلة الحالية, وعلى الكاظمي البحث, عن خطوات رصينة لإنفاذ العراق إقتصادياً, فهل يستطيع تفادي, ألغام حقل الفساد وتجاوزها؟ الفساد عمل شيطاني, فيه من المكائد ما يُرهق بني البشر، فمن وُفِقَ لمعرفة طرقه فيها, نجى وعبر نحو الإصلاح .


خالد القره غولي مساحة إيران أكبر من العراق , والإيرانيون أكثر عددا من العراقيين , بما يعادل الضعفين ، أما التعددية العرقية والدينية والمذهبية فإيران تتفوق علينا كثيرا بذلك ، لكن الأهم أن غالبية الشعب الإيراني مسلمون شيعة وهو أمر في غاية الأهمية وفي نفس الوقت في غاية الخطورة! ومن كان يعتقد أن الإيرانيين يحملون العداوة أو الضغينة في قلوبهم للعراقيين فهو واهم جداً ، فالشعب الإيراني شعب فقير مسالم لايهمه سوى العيش بأمان ويتمنى دولا مجاورة مسالمة ! وهذا مالم يتمكن من تحقيقه النظام الثيوقراطي ( الديني ) في إيران بعد نجاح الثورة الشعبية على حكم الشاه الإستبدادي الدكتاتوري والإطاحة برضا بهلوي وترحيله إلى خارج إيران في عام ١٩٧٩ والبدء بالعمل بملحق جديد تابع للحكم الديني وهو ولاية الفقيه! الخميني المرشد العام للثورة آنذاك لم يلتفت إلا لجهة واحدة معتقدا أن إنتصاره عليها سيمكنه من تصدير ثورته إنطلاقا من كربلاء الى كل دول العالم وأولها الدولة المجاورة للعراق، السعودية .. وبدأت حرب الإستشارات الخاطئة بين العراق وإيران قتل بسببها أكثر من مليوني شاب من الطرفين وأبيدت وإستبدلت خرائط مدن وتغيرت على أثرها خريطة الشرق الأوسط.. في العراق بعد عام ١٩٨٨ بدأت الحكومة العراقية تعد العدة لعودتها إلى المنظومة الإقليمية بحذر وهدوء علني لكن بقوة ماأفقدها خاصية المراوغة التي إتصف بها الإيرانيون .. فوقع العراق في أول فخ نصب له بينما إستمرت إيران بإرتداء ونزع أقنعة متعددة مع دول المنطقة حسبما تقتضيه الحاجة .. إيران إستمرت بإعادة قواتها وتعوبض خسائرها بينما كبل العراق بحصار جراء غزوه الكويت في عام ١٩٩٠ كان السبب الأساس لإحتلال بغداد وهيمنة الإحتلال الأميركي ..الآن جاءت الفرصة التي لاتعوض لاحتلال العراق من إيران بعد عام ٢٠٠٣ مهما كانت التسميات والتوصيفات ، بات من المهم أن يكون القرار السياسي العراقي مكملا للقرار الإيراني كما يقر بذلك أحد أهم أقطاب الحكومة الإيرانية .. أما العمل مع من وتحت رقابة من فهذا الأمر لايهم الإيرانيين لأنهم إحتلوا العراق تحت العباءة الأمريكية الغبية .. لا يمكن إذن لإيران أن تقبل بدولة منافسة لها في العراق لأي سبب فلديها حساب عسير تريد أن تصفيه أولا مع بقايا السلطة السابقة كي لا يفكر أحد مرة أخرى بها وهي مهزومة! أما من ساند ودعم العراقيين في تصديهم للعدوان الإيراني ( ١٩٨٠ – ١٩٨٨ ) فلهم معه حساب آخر كما ظهر واضحا من الورطة الكبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي وهي تخوض حربا بلا جدوى ضد الحوثيين أو ما يسمى بسرايا إيران المتقدمة في اليمن.. فلسفة الإنتقام عند النظام الإيراني ليست نظريات أو أمنيات أو توقعات بل جزء مهم من سياسة التولية لكل رئيس جديد وهو يأخذ الإذن والمباركة من المرشد الأعلى خامنئي في أول يوم ينصب به رئيسا للإمبراطورية الدينية في إيران .. وهو مطابق جدا لما يحدث في العراق.. فمؤيدو إيران وسياستها داخل الحكومة العراقية ومجلس النواب كثيرون وإنتهوا تقريبا من تنفيذ الصفحة الأولى المهمة جدا وهي الحكم داخل الحكم أو السلطة داخل السلطة ! لكن الأمور بدأت تتوضح للفرقاء الموالين لإيران بأنهم وقعوا ضحايا للعبة خبيثة ينفذها لاعبون محترفون ومدربون جيدا بحجة التصدي لداعش والدفاع عن المقدسات في سوريا والعراق ، بعد أن توضحت صورة المشاركة الإيرانية بقيام عدد من المسؤولين الإيرانيين المكلفين بهذه المهمة بزج العراقيين الموالين لهم في معارك بعيدة عن بلادهم كان من المفترض أن يتم الإتفاق عليها مسبقا وهو ما أثار حفيظة عدد من الفصائل الشيعية التي تأخذ أوامرها من السفير الإيراني في العراق حسن دانائي فر لأن يد إيران بعد أن أغرقت العراق بطوفان ثأري وانتقامي من الدم لمن تصدى لها ووقف متحديا لمطامعها أخذت تفكر بأمر آخر وهو السيطرة على المرجعية الشيعية في النجف الأشرف وكربلاء والعودة الى حلم الفرس القديم بنقل مركز الحوزة الى قم وهو ما سيجعل أقرب المقربين لنظام ولاية الفقيه أن يحمل فأسه ويحطم جدران متحف الثأر الإيراني مهما كان ولاؤه.. وبعيدا عن التسميات فإن أحد أهم الفصائل الموالية لإيران بدأ ينقلب تدريجيا عليها لأن الخطر الإيراني ليست له علاقة بما يجري من أحداث في المنطقة بل فلسفة وعقيدة مكتوبة ومكتملة المعالم في عقول القيادات الإيرانية سواء كانت دينية أو علمانية أو قومية فالأمر لايهم مادامت عقول السياسيين الإيرانيين تعتقد أن العراق حرر من بلاد فارس عنوة لكنهم لم يفكروا بأن هذا التحرير لم يجردهم من وطنيتهم وقوميتهم أبدا بل أزال إرث الأكاسرة وتمسكهم بالمجوسية ثم إنقلاب الشعب الإيراني من عبادة النار الى عبادة الله الواحد الاحد .. أما إذا ظل الإيرانيون ينظرون إلى العراق كقطعة أثرية دسمة في متحفهم فإنهم واهمون جدا ..لأن من سيقطع الذراع التي تمتد على العراق من الشرق هم شيعة العراق أولا وأخيرا ..


عدالت عبدالله*     يرى الكثير من المراقبين في إقليم كُردستان بأن التصعيد السياسي والأعلامي الأخيرين بين الحزب الديمقراطي الكُردستاني والعمال الكُردستاني التركي والتراشقات الكلامية بين مسؤوليهما، لن تمر من دون تداعيات ووقوع أحداث ومواقف مُعقدة قد تؤثر سلباً على إقليم كُردستان على الصعيدين السياسي والإقتصادي. العمال الكُردستاني يعتقد بأن حزب البارزاني يمهد للحرب ضده بناءاً على إملاءآت تركية وبمؤآمرة مُحاكة من قِبَل المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات التركيMIT، وقد قال بعض مسؤولين في الحزب أكثر من مرة، بأن الديمقراطي الكُردستاني يُقيم معسكرات قرب النقاط والأماكن العسكرية التي تتواجد فيها قواته، ويُعتبر ذلك، في نظره، تمهيداً لبدء الأقتتال، وهذا ما يريد العمال الكُردستاني تجنبه على حد قول قادته العسكريين، ولكنه يؤكد في الوقت الذاته أنه إذا ما لجأ الحزب الى هذا منحى، كخيار إضطراري، فعندئذٍ سيدافع عن نفسه ويكون حزب البارزاني، كما يقول، هو الطرف المسؤول عن أي تصعيد عسكري واسع النطاق.  المعروف ان العمال الكُردستاني يرفض رفضاً قاطعاً وبشكل علني "إتفاق سنجار" المبرم بين بغداد واربيل، لأنه يرى فيه ضربة قاضية لنفوذه السياسي القوي في سهل نينوى ومناطق سنجار الإستراتيجية، فضلاً عن ان الإتفاق، حسب تقديره، يأتي على حساب تجاهله وتجاهل موقعه وموقفه السياسي والعسكري المتميزين في مواجهة داعش وتحرير سنجار والدفاع عن الإيزديين وحمايتهم، كما أنه يعتقد بأن على اهالي سنجار أنفسهم أن يقرروا ما إذا هم بحاجة اليه ام لا، موحياً بذلك رفض أي إملاءآت أخرى مهما كان الثمن!. طبعاً أستنكرت حكومة إقليم كُردستان أستهداف أنبوب تصدير نفط الإقليم لأن حسب البيان الذي أصدرته، توقفت بسبب الحادث صادرات نفط إقليم كُردستان، ومعنى ذلك أن حكومة إقليم كُردستان ستبرأ نفسها أمام الرأي العام الكُردستاني إذا ما أنعكس الأمر على إلتزامات الحكومة تجاه موظفي إقليم وتأخُّر صرف رواتبهم الشهرية، وأن الحزب العمال الكُردستاني هو الذي سيكون الطرف المسؤول عن تأزيم الوضع المالي المزري الذي يعيشه الإقليم بسبب انخفاض اسعار النفط العالمية ونتيجة لتفشي مرض الكورونا. وموقف الإتحاد الوطني الكُردستاني، ثاني أكبر حزب في الإقليم، إزاء المستجد هذا، هو الآخر حساس للغاية. صحيح أنه بالضد من التصعيد الإعلامي والأمني بين العمال الكُردستاني والحزب الديمقراطي، إلا أن هناك أمور وإعتبارات أخرى تجعله يتوخى الحذر في توحيد الموقف مع شريكه في الحكومة ألا وهو حزب الديمقراطي، لاسيما إذا ما أتجهت الأمور في الأيام القادمة الى مزيد من التصعيد عسكرياً بين الطرفين الكُرديين.    ويُذَكَر الوطني الكُردستاني الجانبين بأنهما أساساً أعضاء في المؤتمر القومي الكُردي، الذي يضم كافة التشكيلات الحزبية الكُردستانية في أجزاء كُردستان الاربعة، وتربطهما روابط سياسية وقومية تستوجب عليهما الإلتزام بها والحيلولة دون الوقوع في فخ مُحتلي كُردستان!.  ويدعوا الإتحاد الوطني حالياً، على حد علمي، الى تهدئة الموقف وإنهاء الصراع الراهن واللجوء الى الحوار القومي والوطني عبر القنوات المتاحة والممكنة وهي كثيرة وغير معدومة!. صحيح أن حزب الطالباني وبفعل مشاركته في حكومة الإقليم استنكر استهداف انبوب تصدير نفط الإقليم لأنه يُسبب مشاكل مالية أخرى إضافية في الوقت الذي يعاني الإقليم أصلا من أزمة مالية خانقة، إلا إنه، كثاني حزب كُردي في الإقليم، يسعى أيضاً الى لعب دور الوسيط وإبعاد شبح الإقتتال الكُردي– الكُردي.  وبرصدنا لموقف الأتحاد الوطني، فلهذا الأخير إتجاه مختلف عن الديمقراطي الكُردستاني يتمثل في الموقف من التواجد التركي على الأراضي العراقية والكُردستانية، أنه يرى أن مصدر آخر من مصادر التوتر في مناطق بهدينان بين العمال الكُردستاني وبين حزب البارزاني يرجع الى تكاثر المعسكرات التي أقامها الجيش التركي وتوسعها داخل إقليم كُردستان بذريعة ملاحقة ومواجهة حزب العمال الكُردستاني، خاصة أن مجلس النواب العراقي طالب أكثر من مرة بأن ينتهي تواجد القوات الأجنبية بما فيها القوات التركية على الأراضي العراقية من ضمنها تلك التي تقع في مناطق كُردستان العراق..   وثمة اليوم معلومات أكيدة وموثوقة تفيد بأن الأنبوب التي تم استهدافه داخل الأراضي التركية يعود ملكيته أصلاً الى شركة تركية هي شركة(بوتاش) وعلى هذه الشركة إصلاح الأنبوب بنفسها وليس على إقليم كُردستان، وتصليح الأنبوب لا يستغرق بضعة أيام فقط على حد قول رئيس كتلة التغيير في برلمان إقليم كُردستان.      على أي حال، يبدو ان مشهد إقليم كُردستان أصبح معقداً أكثر مع هذا التطور الأمني المفاجيء، وإن المواجهة الكُردية – الكُردية مُحتملة إذا ما لم تنجح جهود الخيرين ومساعي الأحزاب الكُردستانية في العراق وسوريا و إيران، لاسيما أن الكثير من الأحزاب الكُردية هنا قلقة للغاية وتخشى أن يدفع المواطن وشريحة موظفي الإقليم ثمن هذه الأحداث باهضاً، والخشية كل الخشية، هي أن تستغل أوساط متنفذة داخل الحكومة عملية استهداف انبوب تصدير نفط كُردستان كذريعة لإيقاف صرف رواتب موظفي إقليم كُردستان أكثر مما هو عليه الآن وبالتالي تأزيم وتخريب العلاقة مجدداً بين السلطة والشارع الكُردستاني. كاتب وأكاديمي – كُردستان العراق


     باقر الزبيدي   في عالمنا العربي فساد سياسي ومالي غير مسبوق و قمع وإستبداد من قبل حكام ليس لهم أي شرعية شعبية فخرجت أجيال جديدة تبحث عن فرص متكافئة وعدالة فلم تجد سوى إحتكار السلطة والنفوذ والمال فسلكت طريق الإحتجاجات الذي لم يسفر عن شيئ وهو ماسيقودها في النهاية إلى التطرف. المرحلة الأولى من الربيع العربي هي : مرحلة الربيع الشعبي المدعوم أمريكياً و أوربياً والممول خليجياً إنتهت بإنهاك العراق وتدمير سوريا وإشعال ليبيا وتقسيم اليمن، الذي أخذ شكل الربيع العربي فيه (تحالف) قتل وجوع وهدم البنى التحتية تحت سمع وبصر ودعم تسليحي من المجتمع الدولي ! المرحلة الثانية هي : مرحلة الربيع الأمريكي والتي بدأت بمؤتمر قمة الرياض الذي عُين فيه الأمير محمد بن سلمان شرطياً على الخليج بدلاً عن شاه إيران.  نهاية الربيع العربي ستبدأ بـ(إجتياح) التحالف الإرهابي الجديد لدول منابع النفط  لما لها من تأثير على الحرب والإقتصاد. الأوضاع الإقتصادية سوف تجبر المزيد من الدول على تقديم تنازلات كبيرة من أجل ضمان بقائها وحرب المياه وحروب الجيل الرابع التي تتميز  بعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الحرب والسياسة والمقاتلين والمدنيين سوف تنهك المنطقة أكثر مما يضعنا أمام سؤال مهم هو : مدى إستعداد العراق لما هو قادم؟    ٢ تشرين الثاني ٢٠٢٠  


عبد الرحمن الراشد في ست سنوات، أصبحت تركيا أشبه بإيران؛ لديها ميليشيات من جنسيات مختلفة، وعلاقة قوية بالجماعات المتطرفة، وانتشار عسكري إقليمي، وحروب في قارتين، وخطاب سياسي راديكالي، واحتضان القوى المعارضة في المنطقة، وبناء محاور إقليمية مؤدلجة، والانخراط في مشاحنات إعلامية. هل تغيرت تركيا؟ نعم وإلى حد كبير، كانت في أنقرة مؤسسة سياسية تبدو أكثر اعتدالاً وتصالحاً مع محيطها والعالم، وكانت تفاخر بنجاحاتها الاقتصادية. ثم وقعت أحداث متسلسلة، كلها تحقق نتيجة واحدة؛ وهي تمكين زعيم واحد بسلطة مطلقة. طرح إردوغان مشروعه الدستوري الذي غير تركيا تماماً، عندما قاربت نهاية ولايته كرئيس وزراء وقبيل خروجه دفع بمشروع تعديل نظام الحكم، بإلغاء منصب رئيس الوزراء بعد أن أنهى فترته، 12 عاماً متصلة، وقرر القبول بمنصب رئيس الجمهورية البروتوكولي. تم إلغاء منصب رئيس الوزراء ونقل لنفسه صلاحيات شبه مطلقة، مع تقليص دور البرلمان. وأجرى تغييرات في قيادات الجيش والأمن والقضاء بحجة أن هناك مؤامرة انقلابية، وتخلص من حليفه القوي، فتح الله غولن وجماعته الدعوية، بسجن أكثر من مائة ألف من منتسبيها أو المتعاطفين معها. واكتمل انقلاب القصر لاحقاً، عندما تخلص من أقرب الناس إليه في الحزب، وأبرزهم أحمد داود أوغلو، لأنه اعترض على دور أبناء الرئيس وزوج ابنته في إدارة الحكومة، واضطره للاستقالة. وهكذا تغير هرم تركيا القيادي وتغيرت سياستها الخارجية. تدريجياً، نحا إردوغان نحو تقليد النموذج الإيراني. فبعد أن كان انغماس تركيا المتأخر في سوريا يعد حرب ضرورة بحكم التجاور، حتى ظهرت أنباء عن قيام تركيا باستخدام مسلحين من سوريا وغيرها تقاتل بهم كمرتزقة في مناطق مختلفة، كما تفعل إيران. ولم يكن ذلك محل تصديق حتى أصبحت موثقة دولياً. تركيا نفسها لم تنكر هذا التحول. وتمددت نشاطات ميليشيات تركيا بعد سوريا، إذ شملت ليبيا والعراق والصومال والقوقاز وناغورنو قره باغ، عدا عن استهدافها مصر والسعودية والإمارات واليونان. كما أن الدول الأوروبية بدأت تشتكي من نشاطات تركية أمنية ضمن الجاليات المهاجرة، عدا عن استمرار إردوغان في ابتزاز الألمان وبقية الأوروبيين يهددهم بإرسال ملايين اللاجئين ما لم يدفعوا له ما زعم أنها حاجته إلى الأموال للإنفاق على اللاجئين. لكن إردوغان أخطأ في حساب الأوزان عندما أطلق التهديدات ضد الولايات المتحدة أيضاً، واعتقل قساً أميركياً. فرد عليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإجراءات عقابية كلفت الخزينة أكبر خسائرها، وأجبرت إردوغان على إطلاق سراح القس، وتجاهل الشتائم التي وردت في رسالة ترمب له، التي تعمد الأميركيون نشرها على الملأ. لاحقاً، سعى إردوغان لمصالحة ترمب في زيارته للولايات المتحدة. وقد نجح إردوغان في ذلك لولا أن المؤسسة العسكرية الأميركية تقف ضده في صفقة «إس 400» الروسية. «إردوغان الزعيم» مشروع يكلف أنقرة الكثير، وسيدمر اقتصاد البلاد، بعد أن كان الاقتصاد قوة تركيا الحقيقية قبل ست سنوات. إنما إعجاب الرئيس إردوغان بالإيرانيين وتشبهه بهم، لن يمضي بعيداً بسبب اختلاف المجتمعين والنظامين. فالقيادة في طهران جماعية، المرشد الأعلى و«الحرس الثوري» وجوقة رجال الدين في قم، أما أنقرة فليس فيها سوى إردوغان وأولاده، والأغلب أنهم سينتهون بنهاية الطريق، وربما قبل ذلك في حال استمر تدهور الاقتصاد التركي واستمر الرئيس في مغامراته. * نقلا عن "الشرق الأوسط"


محمد المنشاوي - واشنطن نجح دونالد ترامب في إحداث ثورة بالمعايير السياسية الأميركية، ونجح في إثارة حماس ملايين المواطنين ودفعهم للمشاركة السياسية بصورة غير مسبوقة، ولا أتوقع أن تنتهي الترامبية حتى مع هزيمة ترامب وخروجه من البيت الأبيض كما تذهب توقعات أغلب نتائج الاستطلاعات. قبل 4 سنوات مثّل ترامب تيار التغيير، الذي جاء مغردا من خارج دهاليز السياسة الأميركية مدركا أن بلاده والعالم يمران بلحظات استثنائية لا يجوز معها اتباع أساليب تقليدية سواء في الحملة الرئاسية أو في طريقة الحكم. ومثلت طبيعة شخصية ترامب عنصرا جاذبا لملايين الناخبين ممن اعتراهم القلق على ما يرونه تغييرا سكانيا مقصودا خلال نصف القرن الأخير، والذي جاء نتاجا لهجرة ما يقرب من 60 مليون شخص من دول أميركا الوسطى الكاثوليكية بالأساس وآسيا غير المسيحية، لجعل أميركا ومجتمعها أكثر تنوعا واختلافا عما ألفه الكثير من الأميركيين. وبلغ عدد سكان أميركا هذه العام ما يقرب من 330 مليون نسمة، منهم 60.4% من البيض مقابل 18.3% من الهيسبانيك (مكسيكيون كاثوليك بالأساس)، و13.4% من السود الأفارقة، و5.9% من الآسيويين، والبقية متنوعة. في ذات الوقت انخفضت نسبة البروتستانت من 50% في 2003 لتصل 36% في 2017، كما تقلصت نسبة المسيحيين إجمالا لتنخفض من 83% إلى 72% في الفترة نفسها، ويرفض الكثير من المتعصبين البيض البروتستانت الاعتراف بواقع أميركا الجديد، حيث يرون في التغيرات تلك تهديدا وجوديا لهم ولأميركا التي في مخيلتهم الجمعية. قبل 4 سنوات فاز ترامب لمخاطبته جمهورا يشعر بالجرح والهزيمة بطريقة أبوية بها عطف ووعود غير واقعية؛ إلا أنها كانت ضرورية. ويؤمن التيار المحافظ الواسع المؤيد لسياسات ترامب أن هناك صحوة دينية داخلية يصاحبها دعوات لدور متنامٍ للدين "المسيحي" في المجتمع، وهو ما يمثل انعكاسا أو صدى لأفكار فريق كبير من الأميركيين، الذين يقطن أغلبهم المناطق الريفية أو الجنوب، وضواحي الولايات المحافظة. نجح ترامب لإدراكه عدم أهمية الإطار الأيديولوجي لأغلب الأميركيين مقابل إدراكه اهتمامهم الكبير (مثل بقية شعوب العالم) بهويتهم وانتمائهم الديني والإثني والعرقي. قبل 4 سنوات فاز ترامب لمخاطبته جمهورا يشعر بالجرح والهزيمة بطريقة أبوية بها عطف ووعود غير واقعية؛ إلا أنها كانت ضرورية. أرضى ترامب المحافظين الاجتماعيين المتدينين، الذين يمثلون حجر الأساس وسط الفئات المؤيدة للحزب الجمهوري عن طريق الوقوف في وجه سياسات أقرتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ورأوها استفزازية ومعادية لقناعاتهم الدينية مثل تقنيين زواج المثليين أو دعم الجماعات المؤيدة للإجهاض بأموال دافعي الضرائب. لم تكفِ خطابات ترامب العنصرية والفاشية خلال سنوات حكمه ضد كل ما هو غير مسيحي أبيض كي تثني الجمهوريين عن الاستمرار في دعمه؛ بل يبدو أنها كانت السبب المباشر وراء هذا الاصطفاف. لم يتفوه ترامب حتى اللحظة بكلمه "آسف" أو "لم أكن أقصد ذلك"، وكان كل ما ذكره كفيلا بإسقاط أي مرشح تقليدي. أدرك ترامب أهمية إثارة الجدل والحماس في ظل شعبوية يمينية متصاعدة حول العالم، وكذلك حجم الغضب في الداخل الأميركي من اقتصاديات وسياسات العولمة، التي تبنتها واشنطن، ومهدت لها الطريق خاصة مع هجرة المصانع للصين، وعدم توفر بديل للعمالة الأميركية. وفاز ترامب لأسباب عدة من أهمها نجاحه في تحصين نفسه ضد أي أخطاء أو سقطات، يقول ما يقول، ويخطئ ما يخطئ، وذلك كله بدون حساب.   لم يتفوه ترامب حتى اللحظة بكلمه "آسف" أو "لم أكن أقصد ذلك"، وكان كل ما ذكره كفيلا بإسقاط أي مرشح تقليدي. "أميركا أولا" و"لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" و"ضرورة بناء أسوار وحواجز لمنع الهجرة" كلها شعارات لم يخترعها ترامب؛ بل هي موجودة، ولم تختف منذ تأسيس الدولة الأميركية، ولن تختفي حال هزيمة ترامب. انقسم المجتمع الأميركي، والذي يعكسه تقارب استطلاعات الرأي بين بايدن وترامب، وهو ما يظهر في صورة صراع ثقافي لم تشهد البلاد له مثيلا من قبل، ومهد هذا الانقسام الطريق لفوز ترامب بالرئاسة قبل 4 سنوات، وزاد ترامب من حجم وهوة الانقسام، وجعله مستمرا متوهجا حتى مع التعرض لجائحة حصدت أرواح ما يقرب من ربع مليون أميركي، وأصابت ما يقرب من 9 ملايين آخرين. ومثّل ترامب وسيطرته على الجمهوريين بصورة كاملة بما فيها تيارات الحزب التقليدية واليمينية المحافظة؛ شهادة ميلاد جديدة في ظل استمرار التغيرات السكانية المعادية للجمهوريين. قبل أشهر حث القس الشهير جيري فالويل جونيور أتباعه من المحافظين المسيحيين على "التوقف عن انتخاب مرشح طيب قد يكون قائدا مسيحيا مثاليا.. علينا انتخاب قائد محنك مثل ترامب في كل مستويات الحكم؛ لأن الديمقراطيين الليبراليين الفاشيين يلعبون بنا كي ندعم قادة محافظين ضعفاء من أصحاب الأخلاق الرفيعة". لا يتوقع أن تُسفر هزيمة ترامب في انتخابات 2020 أو نجاحه، ومن ثم خروجه من البيت الأبيض عام 2024، عن اندثار التيار الفكري، الذي عبر ترامب عنه وامتطاه خلال السنوات الأربع الأخيرة. سيجدد هذا التيار نفسه من خلال فرز عدد من الزعامات، التي دعمت ترامب بشدة، واقتربت منه، واستفادت من كشفه لطبيعة هذه التيارات اليمينية والتعبير الصريح عن هواجسها وتفضيلاتها. ويبقى عدد من الساسة الجمهوريين ينتظرون خروج ترامب من المشهد لبدء خطوات البحث عن زعامة تيار وُجد ليبقى، شخصيات مثل السيناتور توم كوتن، والمندوبة السابقة بالأمم المتحدة نيكي هيلي، والسيناتور تيد كروز، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والسيناتور ماركو روبيو، وبالطبع نائب الرئيس مايك بنس، ينتظرون طي صفحة ترامب ليبدأ التنافس فيما بينهم على تجديد الترامبية لتناسب غياب شخصية ترامب الطاغية.   *باحث وكاتب متخصص في الشؤون الأميركية، ظهرت كتاباته في كبريات الصحف الأميركية مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز وفورين بوليسي وغيرهم. عمل المنشاوي في عدد من مراكز الأبحاث بواشنطن


سردار عزيز - معهد واشنطن أصدرت الحكومة العراقية مؤخرًا ورقة بيضاء تفصّل فيها الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي ترمي إلى انتشال البلاد من مشاكله الاقتصادية الحالية. وتقترح الورقة البيضاء للإصلاحات الاقتصادية – التي وضعتها خلية الطوارئ للإصلاحات المالية والاقتصادية، المشكّلة في أيار/مايو من أجل إدارة إصلاحات البلاد الاقتصادية – عمومًا إصلاحات تتماشى مع متطلبات "البنك الدولي" و"صندوق النقد الدولي" للدول النامية. وفي حين يوافق الخبراء على أن هذه التدابير القاسية ضرورية، سيكون من الصعب تطبيقها وستواجه على الأرجح اعتراضًا من الشعب العراقي.  ومن خلال إصدارها الورقة البيضاء، قامت الحكومة العراقية الحالية بخطوة جديدة وغير اعتيادية في تاريخ البلاد السياسي. فنصف المستند المفصل المؤلف من 96 صفحة هو تشخيص لمشاكل العراق الاقتصادية وجذورها. وكما غرّد نائب رئيس الوزراء ووزير المالية العراقي علي علاوي في 18 تشرين الأول/أكتوبر "ورقة الإصلاح شخصت برؤية علمية وموضوعية المشاكل الاقتصادية والمالية التي تشكّل تحديات حقيقية يمكن التغلب عليها بأسلوب التخطيط الاستراتيجي المبني على التحليل الموضوعي للواقع واستخلاص الأهداف الاستراتيجية كأولويات ملحة". ومن خلال تفصيل جذور هذه الأزمات الاقتصادية والمالية، تعيد الورقة البيضاء الأزمة الحالية التي تعصف بالبلاد إلى سبعينيات القرن الماضي. فيصف التقرير كيف عوّلت الدولة لنصف قرن من الزمن على إيرادات البلاد النفطية المتزايدة فقط من أجل "توسيع القطاع العام" و"السيطرة بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد". وخلال هذه الفترة، شهد العراق بروز دولة ريعية. وقد استمرت هذه المشاكل خلال القرن 21 بسبب عدم تطبيق "سلطة الائتلاف المؤقتة" لبرامج "العلاج بالصدمة"، ما ترك البلاد عرضةً لأنظمة اقتصادية ومالية تتسم باقتصاد موجّه ودولة ريعية ونظام طائفي حاكم ودرجة عالية من تدخل الدولة في مفاصل البلاد.  واستجابة لماضي البلاد الاقتصادي المضطرب، تهدف الورقة البيضاء إلى إرساء التوازن في الاقتصاد العراقي من خلال السماح للدولة بتنويعه وسط استحداث فرص اقتصادية للمواطنين. وتبرر ضرورة التنوع هذا بالاستناد إلى تقرير "صندوق النقد الدولي" لعام 2019 الذي حذّر من أنه "في ظل عدم إدخال أي تغييرات على السياسة، سيؤدي عجز الموازنة المتزايد إلى تحييد الموارد عن الاستثمارات الأساسية لإعادة إعمار البلاد وتحسين الخدمات العامة، وسط تقويض الاحتياطات وطرح مخاطر تهدد الاستدامة على المدى المتوسط". لكن لا يمكن بسهولة تحقيق الأهداف الواردة في الورقة بما أن تطبيق الإصلاحات سيتطلب تدابير قاسية.  وفي العام 2003، صرّح علي علاوي، الذي كان آنذاك وزير التجارة في الحكومة المؤقتة، والذي يُعتبر مهندس الورقة البيضاء الحالية بأننا "عانينا بسبب النظريات الاقتصادية الاشتراكية والماركسية ومن ثم المحسوبية. والآن نواجه احتمال تطبيق أصولية السوق الحرة". وهذا النوع من الأصولية يتجلى بشكل واضح في الورقة البيضاء. فتوصياتها تشبه إلى حدّ كبير برامج التكيّف الهيكلي التي يفرضها "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" على الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وغالبًا ما ترغم هذه البرامج الحكومات على تقليص النفقات الحكومية على الحاجات الأساسية مثل التعليم، والرعاية الصحية، والبيئة ودعم أسعار السلع الأساسية على غرار الحبوب الغذائية. فضلًا عن ذلك، تلزم هذه البرامج الحكومات بخفض قيمة عملاتها الوطنية وزيادة الصادرات، ما يؤدي إلى تراجع الأجور الفعلية ودعم الاستثمارات الأجنبية الموجهة نحو التصدير. ومن المفترض أن تحصل كل هذه التغييرات في سوق مالي حرّ ومفتوح.   غير أن تطبيق مثل هذه التغييرات في السياسة سيكون صعبًا على الأرجح في العراق. وفي هذه الحالة، يُعتبر تخفيض معدل مجموع الأجور إلى النصف ووقف الدعم وخفض قيمة العملة والاقتراض، الركائز الأساسية للورقة البيضاء. لكن أيًا من هذه المهمات لن يكون بسيطًا ولن تحظى الكثير منها بالتأييد الشعبي.   وفي ما يتعلق بالاقتراض، تسعى الحكومة العراقية إلى اقتراض 35 مليار دولار لتمويل عملياتها. لكن البرلمان العراقي لا يسمح للحكومة بالاقتراض من الخارج، لذا فإن الاقتراض المحلي هو الخيار الوحيد. إنما في دولة تمزقها الحرب، تُعتبر مصادر التمويل المحلي ضئيلة. وعلى نحو مماثل، لن يكون تحسين الكفاءة والإنفاق في القطاعات العامة العراقية – وبخاصةٍ من خلال خفض قيمة العملة ووقف الدعم – سهلًا. على سبيل المثال، تُعتبر الكهرباء، أحد أبرز مجالات الإنفاق العام في العراق، مشكلة اقتصادية وفنية وجيوسياسية معقدة في البلاد. وكان تقرير "صندوق النقد الدولي" 248/19 قد "أوصى بأنه يجب أن تولي تدابير الإنفاق الأولوية لاحتواء النمو في مجموع الأجور وخفض الدعم الممنوح إلى قطاع الكهرباء". غير أن هذه التدابير تتعارض مع الممارسات القائمة. ففي العراق، ثمة فرضية بأن الدولة ستوفر موارد الطاقة وتدعمها. وكما قال وزير الكهرباء العراقي السابق لؤي الخطيب: "يعاني قطاع الكهرباء في العراق من مجموعة مشاكل. فغالبًا ما تعيق البيروقراطية المعقدة في البلاد التقدّم من خلال التركيز على حلول فنية مصغرة قصيرة الأمد وغير فعالة، عوضًا عن إجراء إصلاحات مؤسسية كلية أطول أمدًا. كما أن هناك عجز مزمن عن إدارة المواد الخام للوقود يتزامن مع عجز في إدارة محافظ طاقة أخرى وسلسلة قيمة الأعمال الأشمل. والقطاع عرضةً للأجندات المتضاربة لمجموعة كبيرة من الجهات الفاعلة السياسية العراقية التي تحول دون وضع رؤية وطنية موحدة لإدارته، ما يغرق القطاع في سوء الإدارة ويجعل الفساد مستشريًا فيه". ونظرًا إلى الطبيعة المعقدة لهذه المشاكل في العراق، من المرجح أن تواجه هذه الإصلاحات مقاومة سياسية. فقد صدرت الورقة البيضاء في وقت يناقش فيه العراقيون عملية ونتائج الانتخابات العامة المزمع إجراؤها العام المقبل في حزيران/يونيو 2021. في مثل هذا الوقت، من الصعب توقّع التزام أي كتلة سياسية علنًا بتدابير قاسية مماثلة اقترحتها الورقة البيضاء. كما يشير النقاد إلى أنه ليس من واجب حكومة تصريف أعمال وضع إصلاحات اقتصادية متوسطة الأمد ستستمر لغاية العام 2023، أي خلال سنوات من ولاية الحكومة المقبلة. ومن المرجح ألا تلقى معظم هذه التدابير تأييد الشعب العراقي. فالتركيز على خفض الأجور هو سيف ذو حدين، حيث أن رواتب القطاع العام هي الجزء الوحيد من نفقات الحكومة التي ينتهي بها المطاف في السوق المحلي ويتمّ تداولها في أوساط الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وبالتالي، تشكّل فائدة مهمة للشعب العادي. وعلى الحكومة العراقية المضي بخفض أجور القطاع العام بشكل تدريجي وحذر؛ فخفض الأجور بواقع النصف وخفض قيمة العملة العراقية سيكونا سببًا لاتساع رقعة الفقر، وهي مشكلة تشّل البلاد أساسًا.   علاوةً على ذلك، قد يكون خفض قيمة العملة العراقية صعبًا في ظل الاقتصاد العالمي الحالي. فمن وجهة نظر الدولة، من المنطقي اقتراح خفض قيمة الدينار العراقي. وكان علاوي ألمح إلى أن دينارًا أضعف قد يعزّز تنافسية السلع العراقية، فيوفر بالتالي دعمًا لقطاعات على غرار الزراعة والصناعة. وفي هذا السياق، أشار علاوي إلى أن "كافة الدول التي تصدّر إلى العراق، على غرار تركيا وإيران والصين والسعودية، خفضت قيمة عملاتها. ولا يمكننا المنافسة إن أبقينا قيمة الدينار ثابتة ومستقرة".    غير أن خفض قيمة الدينار سيساعد على تحسين الصادرات العراقية فقط في حال تراجعه إلى مستوى أقل حتى من عملات الشركاء التجاريين، التي هي منخفضة أساسًا. فالريال الإيراني هوى مقابل الدولار، كما أن الليرة التركية تسلك مسارًا تنازليًا مماثلًا. ومن شأن خفض قيمة الدينار إلى مستوى أدنى من هذه العملات أن يكون سيئًا وخطيرًا ربما.  وعليه، فإن الاقتصاد العراقي يتخبط في مأزق فعلي: فقد حذّر الخبراء من أن العراق سيواجه الإفلاس في غياب أي خطوات صارمة، ولكن من المرجح أن تسفر خطوات مماثلة عن معاناة كبيرة لأغلبية الشعب العراقي. وشدّد النقاد على أن البلاد يجب أن تركّز على خفض موازنتها الكبيرة المخصصة للأمن والدفاع.      كما أن المشاكل الأمنية في العراق تمثل بدورها معضلة. ففي المناطق التي تشهد اضطرابات، توظف الحكومة العراقية الشباب في القطاعات الأمنية كوسيلة لتأمين الوظائف لهم، ما يضخّم الموازنة الأمنية بشكل أكبر. فالذين يعملون في قطاع الأمن لا يساهمون في الاقتصاد، في حين أن الوظائف الهائلة في هذا القطاع تشكّل بيئة حاضنة للفساد والموظفين "الأشباح" والأجور المزدوجة. وفي حالة قوات الحشد الشعبي، التي يُخصص لها مبلغ ملياريْ دولار في الموازنة السنوية، فتُعتبر مساهمتها الأمنية مشروطة.  وفي ظل تخصيص موازنة سنوية إجمالية بقيمة 8 مليارات دولار لوزارة الدفاع، اعتبر النقاد أن هذا القطاع أيضًا بحاجة إلى الإصلاح، لا سيما وأن ضخّ الأموال لتجاوز التحديات الأمنية في البلاد – وهي وسيلة يفضلها رجال السياسة في مختلف أنحاء العالم – لم يساهم في حل المشاكل الأمنية العراقية. أخيرًا، تعتبر الورقة البيضاء إشارة إلى أن العراق بحاجة إلى تغيير جذري ليس فقط في سياسته الاقتصادية بل أيضًا في مجالات أخرى من الحكم. وفي حين يوافق كافة العراقيين نظريًا على الحاجة إلى التغيير، يتفق عدد قليل للغاية على الطبيعة التطبيقية لما يجب أن يكون عليه التغيير. رغم ذلك، ما من خيار سهل أمام البلاد حتى إن تمكنت مختلف أطرافها من الاتفاق على سبيل لتحقيق ذلك. فمن المستبعد أن يرتفع سعر النفط قريبًا، وبالتالي لن تحلّ مشاكل الموازنة على الأرجح. وبما أن الآفاق القاتمة الحالية أقنعت الطبقة السياسية العراقية بضرورة دعم الورقة البيضاء، سيتوقّف الكثير على قرارات الحكومة في إدارة تطبيقها.    * سردار عزيز هو كبير المستشارين في البرلمان الكردي وباحث وكاتب. وتشمل مجالات اهتمامه العلاقات المدنية - العسكرية والسياسة الإقليمية في الشرق الأوسط ونظم الحكم. كما انه حاصل على شهادة الدكتوراه في الشؤون الحكومية من كلية جامعة كورك.


بقلم:عبد الجبار الجبوري يبدو المشهدُ العراقي قاتماً وضبابياً،وفوضوياً،وهو يواجه، عواصف أمريكية وإيرانية عاتية، قد تقلعه من الجذور، وتحيلهُ دولاً وطوائف وإثنيات وأعراقاً متعددة لا رأس لها،هذا هو العراق الذي يريده أعداؤه، ونقصد بأعدائه، بالمشروعيّن الأمريكي في اقامة مشروع الشرق الاوسط الكبير، والايراني الذي يروم إقامة (الامبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد) في توسعه الديني،وإكمال الهلال الشيعي عبر سنجار،لهذا كانت عقدة إتفاقية سنجار، تضرب عصب السياسة الإيرانية، وتوابعها داخل العراق، رافضة أي تنفيذ للإتفاقية المبرمة بين الاقليم وبغداد ،برعاية أممية ودعم أمريكي،لأنه يقطع طريق الحرير، الذي تريده طهران الى البحر الابيض المتوسط،العراق يعيش أزمات ،لايمكن له الخروج منها دون خسائر، فكورونا، والإنهيار الاقتصادي، وهبوط أسعار النفط، والتظاهرات الغاضبة ، وتغوّل السلاح المنفّلت، وفرض هيمنته على الحكومة،وفشل البرلمان في التصويت على الموازنة ،وقانون الانتخابات وإكمال قانونية المحكمة الاتحادية، والصراعات المحتدمة بين الكتل وداخلها، جعلت من العراق دولة فاشلة بامتياز، تحكمها الدولة العميقة ب بسلاحها المنفلت، وفصائلها الخارجة عن القانون، والتي تعيث في العراق قتلاً وفساداً،كل هذا بكفّة، والصراع الأمريكي- الإيراني في العراق، بكفّة أخرى،نعم لولا هذا الصراع وتدخله في شؤون العراق، لأستطاع العراق لملمة جراحه، ونفض غبارالإحتلالين ، وواجه مشاكله وأزماته وتغلب عليها، ولكن يبدو أن المشروعين الامريكي والايراني، لن يتركاه الاَّ محطماً ومجزئأ ومقسماً الى دويلات، وطوائف وقوميات،فالعراق الآن في قلب العاصفة الامريكية –الايرانية، والانتخابات الأمريكية التي ستجري بعد إسبوع من الآن، هي مَنْ سيحدّد مستقبل العراق والشرق الاوسط كلّه، فما هو السيناريوالأمريكي في مرحلة مابعد الإنتخابات،فإذا فازجو بايدن، سيكون الحلُّ الامريكي لمشاكل العراق ،هو تنفيذ –مشروع بايدن التقسيمي-واعادة الاتفاق النووي مع طهران ،والانسحاب الكامل من العراق،وهذا بحدّ ذاته كارثية أخرى تحلُّ بالعراق،تشابه كارثة الرئيس باراك أوباما بإنسحابه من العراق وتركه لقمة سائغة لإيران وميليشياتها، ولتنظيم داعش الارهابي، وللفوضى الخلاقة،أما اذا فاز ترمب فستكون إستراتيجيته حاضرة وواضحة في عموم الشرق الأوسط،والتي سيكمل فصولها من العراق، حيث سينفّذ بنودها ،بإنهاء التواجد الايراني، وميليشياتها في العراق وسوريا، ويزيد من عزلة إيران الدولية، وفرض عقوبات اضافية أقسى غير قابلة للتراجع ، والمضي قدماً في إقناع الدول العربية والخليجية تحديدا ،بقبول التطبيع مع اسرائيل ،وتحجيّم الخطر الايراني عليها، ونزع سلاح حزب الله والحوثيين وفصائل وميليشيات العراق الولائية التابعة لايران،ثم فرض سلام شامل في منطقة الشرق ، بعد القضاء على الإرهاب المتطرّف لداعش وأخواتها ومشتقاتها (السنية والشيعية)، فإستراتيجية الرئيس ترمب هي الأقرب الى العراق، وفرض الأمن فيه ، فالعراق، مشروع تطبيّعي مضمون، بالنسبة للرئيس ترمب، مع إسرائيل، وهذا ما تؤكده التسريبات ،أن الضغوط التي يواجهها الكاظمي ،مع الدعم الامريكي والضغط البريطاني، هومَن سيضع حكومة الكاظمي والمرجعية في النجف ،أمام الامر الواقع( اما التطبيع مع اسرائيل وإما الدولة العميقة وسلاحها المنفلّت)،ويفتح الباب على مصراعيه، امام دول الخليج أن تحذو حذو العراق في التطبيع ، ومواجهة الخطر الايراني، فأمريكا لاتريد حرباً برية مع إيران، ولاتسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، أو تهديّد دول الخليج، وأن تخرج من العراق وسوريا بشكل كامل نهائياً، وبما ان ايران تدرك ، ان عودة ترمب وفوزه في الانتخابات ، يعني انهاء وفشل مشروعها التوسعي الفارسي، في عموم الشرق الاوسط، لهذا تعمل ايران كل ما بوسعها تعزيز هيمنتها ، ولو بالقوة ومواجهة عسكرية مع امريكا ،والتنمر،وإستخدام أذرعها بالترغيب والإرهاب في مناطق تواجدها فيه، وهذا مايقلق أمريكا ودول المنطقة، إذن الصراع الامريكي – الإيراني، بعد فوزترمب حتمياً ،ومن أرض العراق، كساحة حرب مباشرة،ولهذا فإن العراق يعيش العاصفة مابعد الانتخابات الامريكية، بين أن يتخلّص من الإحتلال الايراني ونفوذه، والتخلّص من اللادولة الى الدولة ، وبين أن يبقى لادولة في قبضة المجهول والسلاح المنفلت، في المقابل، نرى إصلاحات الكاظمي وخلخلة بنيّة الأحزاب الطائفية ،وقصقصة أجنحتها الفاسدة ، ودعم المتظاهرين،وسماع طلباتهم ،وملاحقة الفصائل الخارجة عن القانون، في ظل صراع محتدم داخل البرلمان ،على قانون الانتخابات والمحكمة الاتحادية للإستئثار بالسلطة ، فهو يواجه رفض أجنحة ايران وأحزابها ،بوضع العصا في العجلة، لإبعاد موعد الانتحابات، أو إلغائها، لأنها تدرك أن فشلها في الانتخابات، يعني زوال السلطة من يدها،وهذا أقسى ماتخشاه، لهذا تصرّح بأن الانتخابات، لايمكن لها أن تتحقق ،في ظلّ أوضاع منفلتة وفساد كبيروحكومة فاشلة، لاتستطيع تأمين إنتخابات حرة ونزيهة بلا تزوير ،وإنهاء شأفة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة، ونحن نعلم حجم الأزمات التي يعاني منها الكاظمي وحكومته، بالنسبة للوضع الاقتصادي المنهار ،وتهديدات الفصائل، وخطر عودة تنظيم داعش، الذي بدا يطلّ برأسه في ديالى وصلاح الدين وكركوك،ويشكل تهديداً مباشراً، إضافة الى وباء كورونا ،وعجز الحكومة عن مواجهته رغم خطورته، إذن أزمات الكاظمي لايمكن حلّها، والقضاء عليها بدون دعم خارجي، عربي ودولي، فإلانتخابات المقبلة، فرصة للتغيير،ولكن ليس تحت تهديد السلاح وسطوة الميليشيات ،وسطوة إيران عليها،لذلك نرى أن فرصة الإصلاحات، التي يطمح لها الكاظمي والشعب، للتخلص من السلاح وسطوته، صعبة التحقق، ومستحيلة التطبيق، لأن أساس العمليةالسياسية،التي بنيت على محاصصة طائفية،تقودها أحزاب طائفية ،لاتؤمن بالآخر،وإنتشارتاريخي غير مسبوق ،في الفساد والإنفلات الأمني، وتغوّل ميليشيات ولاؤها لإيران ، جعل من العراق، ساحة لتصفية حسابات الدول الكبرى، والاقليمية وتدخلاتها ،وجعل الإصلاح والأمن امراً مستحيلاً،يضاف الى كل هذا الرُّكام من الفساد والفشل والصراع ، إبتعاد الحكام العرب، وضعفهم في مواجهة التحديات الكبرى ، التي تعيشها المنطقة، فهم بين نارين ، نار التطبيع مع اسرائيل، ونار التهديدات الايرانية، وتغول ميليشياتها واذرعها لهم، وهكذا نرى سوء الأوضاع وتدهورها نحو المجهول يخلق فرصة الحلّ، وهي السمة البارزة في مشهد مابعد الانتخابات الأمريكية، التي ستحدّد شكل المنطقة جيوسياسياً، العراق يعيش العاصفة بأبشع صورها،ويعيش أوضاعاً إقتصادية مزرية وصعبة جدا ، توشك على الإنهيار القريب، كما تشي بحرب أهلية ، بسبب فشل المنظومة العسكرية، والحكومية، في ضبط ايقاع السلاح المنفلت اللادولة ، وتغوله أمام الدولة ومؤسساتها الدستورية في محافظات الجنوب، لهذا لايمكن لأحد ،التكهن بأوضاع العراق مابعد الإنتخابات، ولايمكن التكهّن بمستقبل عراق تحكمه اللادولة ، وتتنّمر على شعبه أحزاب تحرك ،وتدعم وتغطّي على جرائم اللادولة ،هذه هي حقيقة الأوضاع في العراق، وموقفه من الصراع الأمريكي – الإيراني،الذي يتصّاعد على شكل قصف كاتيوشا، وتفجيرات ،وقتل جماعي للمواطنين، وقمع للمتظاهرين،وهو جزء من الحرب ،الغير معلنة بين الطرفين ، فلماذا يجري كل هذا على أرض العراق فقط،الجواب في نتيجة الانتخابات الامريكية بعد أيام ، وعندها يتضّح الخيط الابيض من الخيط الاسود وسنرى …


كاظم حبيب طرحت الانتفاضة التشرينية 2019 على مدى الفترة المنصرمة أهدافاً ومهمات محددة اقترنت بوضع مجموعة من الشروط والمستلزمات لضمان السير المعجل لتحقيق عملية التغيير المنشودة للواقع العراقي القائم ونظامه السياسي–الاقتصادي-الاجتماعي الطائفي والفاسد والمتخلف. وكان في مقدمة تلك الشروط إجراء انتخابات مبكرة بهدف وأمل انتخاب مجلس نيابي جديد خالٍ من القوى الطائفية السياسية والفاسدة التي كرست الحكم الطائفي السياسي الفاسد في البلاد، وبالتالي تشكيل حكومة عراقية وطنية ديمقراطية تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات وكذلك الفصل بين الدين والدولة والسياسة وتلتزم بمبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في توزيع واستخدام الثروة الوطنية. وكانت شروط ومستلزمات الوصول إلى هذه النتيجة جلية لكل ذي عينين وبصيرة نافذة. لكي تتوفر الأجواء والأرضية المناسبتين لانتخابات حرة، ديمقراطية، نزيهة وعادلة حقاً لا بد من تأمين ما يلي: الكشف عن قتلة المتظاهرين والمصابين بجروح وإعاقات وتقديم ملفتاهم الموجودة في دوائر المخابرات العراقية وأجهزة الأمن الوطني ومجلس الوزراء إلى القضاء العراقي ليحاكموا ويتلقوا الجزاء العادل. نزع السلاح المنفلت الذي تحمله الميليشيات الطائفية المسلحة التي تعلن يومياً عن نفسها وتهدد بالحلول محل الدولة الرسمية، وهي كذلك، لتشيع الفوضى والخراب وإطلاق الصواريخ والاختطاف وابتزاز الناس والقتل المستمر. تقديم ملفات كبار الفاسدين في الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث إلى المحاكمة لينالوا العقاب الذي يستحقونه مع استرداد كل الأموال المنقولة وغير المنقولة (العقارات والشركات والمصانع.. إلخ) التي نهبت بشتى الطرق وإعادتها إلى خزينة الدولة والقطاع الحكومي. تقديم ملفات كبار المتهمين في الدولة العراقية الذين تسببوا بأحداث غرب العراق واجتياح الموصل وعموم نينوى إلى القضاء العراقي ليحاكموا ويتلقوا الجزاء العادل. حرمان كل الطائفيين الفاسدين والمفسدين الذين ساهموا بتخريب العراق وتدميره والعصف بوحدته من حق المشاركة في الترشيح والانتخاب لعشر سنوات قادمة. وضع قانون انتخابات جديد أو تعديل قانون الانتخابات الحالي بما يتناغم مع مطلب الشعب الأساسي في أن يكون قانون الانتخابات ديمقراطي وعادل يجد الدعم والمساندة من الهيئات الحقوقية الدولية. إجراء تغيير كامل في بنية وأسس وقواعد عمل “المفوضية المستقلة للانتخابات” بما يمنع حصول ما حصل في جميع الانتخابات العامة والمحلية السابقة التي تميزت بالحزبية الضيقة والمنسوبية والمحسوبية والمشاركة الفاعلة في عمليات التزييف والتزوير والارتشاء. استكمال قوام المحكمة الاتحادية وإعادة النظر بقانونها ومنع وجود فقهاء دين في هذه المحكمة، فالنظام السياسي العراقي يفترض أن يكون حراً وديمقراطياً يفصل الدين عن الدولة والسياسة بسلطاتها الثلاث ومؤسساتها كافة. إنجاز قانون الأحزاب بموجب الدستور الذي يحرم إقامة أحزاب سياسية على أسس دينية أو مذهبية تقود إلى شق وحدة الصف الوطني وإشاعة الفتنة في المجتمع. اتخاذ الخطوات الكفيلة بمنع أي تدخل خارجي في شؤون العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية، ومنها الانتخابات، وعلاقاته الدولية. تأمين لجنة دولية متخصصة للرقابة والإشراف على عملية الانتخابات في جميع أرجاء العراق دون استثناء، إضافة إلى مشاركة هيئات حقوقية من الأمم المتحدة وأخرى دولية وإقليمية ومحلية. والأسئلة المشروعة والعادلة التي تفرض نفسها على قوى الانتفاضة والقوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية وعموم الشعب العراقي والتي تتطلب من الجميع الإجابة عنها كثيرة، أخص بالذكر منها: ** هل حققت حكومة مصطفى الكاظمي أياً من هذه المهمات والأهداف خلال الأشهر الخمسة المنصرمة منذ توليها الحكم؟ ** لماذا لم تتحقق؟ وهل تولى الكاظمي مسؤولية تبيان الأسباب الكامنة وراء عدم توفير المستلزمات أو حتى بعضها الأهم؟ ** وهل في مقدور حكومة مصطفى الكاظمي توفير المستلزمات المطروحة والضرورية خلال الفترة المتبقية قبل الموعد الذي حددته حكومته يوم 6 حزيران/يونيو 2021 لإجراء انتخابات عامة ديمقراطية نزيهة وعادلة، أم أن دوره تخدير وعي الشعب وتنويمه؟ تشير المعطيات المتوفرة على الساحة السياسية العراقية، حتى بعد مرور ما يقرب من نصف الفترة المحددة لحكومة الكاظمي على توفير المستلزمات وإجراء الانتخابات، أن حكومته لم تحقق أياً من المستلزمات الضرورية الواجب توفيرها لضمان إجراء انتخابات حرة، ديمقراطية، نزيهة وعادلة، فيما عدا تحديد موعد إجرائها. كما لم يطرح حتى الآن أي سبب معقول ومقبول عن أسباب عجزه عن تنفيذ ما أقسم عليه وما التزم به ووعد الشعب بتنفيذه. لقد اتخذ بعض الإجراءات المحدودة والثانوية، على أهميتها، مثل فرض الرقابة على بعض منافذ الحدود، أو محاولة المصالحة الجزئية مع حكومة الإقليم، أو القيام بزيارات إلى إيران وبعض الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة، دون الحصول على ما يسهم في تحقيق مستلزمات المرحلة التي تمهد للخلاصة من الطائفية والفساد والتدخل الخارجي في شؤون البلاد. إن المعطيات المتوفرة والوقائع الجارية والمؤشرات التي يمكن التعرف عليها تؤكد ما يلي: 1) إن الكاظمي إما غير قادر أو غير مستعد، بغض النظر عن رغباته الشخصية التي لا نريد الغوص في دواخله المشتتة، لخوض معركة البدء الفعلي بتنفيذ وتوفير المستلزمات الضرورية والملحة لكي يمكن إجراء انتخابات عامة منشودة باعتباره الطريق السوي والعقلاني والوحيد للخلاص من الطائفية ومحاصصاتها المذلة والفساد السائد والتدخل الخارجي المذل لاستقلال وسيادة العراق. 2) يبدو أن الكاظمي يلعب دوراً في تشتيت وتفتيت قوى الانتفاضة لضمان عجزها عن القيام بفعاليات مشتركة أو استمرار زخمها لتحقيق ما تسعى إليه. وهو بهذا يشارك قوى الإسلام السياسي الفاسدة والحاكمة في إشاعة الفوضى السياسية وعدم الثقة من خلال تشكيل عدد كبير من الأحزاب والتنظيمات التي تدعي أنها ضمن قوى الانتفاضة، في حين أنها جزء من القوى الفاسدة والحاكمة، أو تسريب الشكوك في صفوف قوى الانتفاضة لوأدها. 3) إن عدم تنفيذ تلك الشروط والمستلزمات يعني، دون أدنى ريب، بأن قوى الإسلام السياسية الشيعية والسنية وبقية القوى الحاكمة حالياً والماسكة بزمام الأمور الأساسية في العراق، ستحقق الأكثرية في مجلس النواب، كما هو عليه الوضع حالياً تقريباً، وستعمل على تشكيل حكومة طائفية-أثنية فاسدة، وستسعى بكل ما تملك من قوة ونفوذ على مواصلة النهج الفكري والسياسي الراهنين بدعم من قوى ومؤسسات الدولة العميقة المالكة للمال والمهيمنة على أجهزة الدولة، والمليشيات الطائفية وأجزاء أساسية من الحشد الشعبي الحاملة للسلاح المنفلت، وقانون انتخابات غير ديمقراطي ومفوضية انتخابات مزورِة، كما ستبقى إيران موجهة ومشرفة على مسار وسياسات الدولة العراقية الهامشية ونظامها السياسي التابع لإيران. والسؤال الجديد الذي سيطرح نفسه هنا هو: هل ستسمح قوى الانتفاضة الباسلة والغالبية العظمى من الشعب العراقي المستباح بوطنه وحقوقه لمثل هذه المحاولات الخبيثة بالمرور، أم ستكون الانتفاضة الشبابية السلمية، رغم كل المصاعب والمشكلات والنواقص التي تعتري عملها وطريقها، السد الأمين الذي يمنع حصول المرفوض منها بتجديد انتفاضتها ومواجهتها بصيغ وأدوات جديدة في صراعات ومعارك لا تحدد طبيعتها قوى الانتفاضة وحدها، بل الطرف الآخر، العدو، الذي اغتصب سلطة الشعب وفقد شرعيته بطائفيته ومحاصصاته وفساده وتجويعه للشعب، والذي بمواقفه سيفرض طبيعة المعركة ومداها والأساليب والأدوات التي سوف تستخدم فيها. إن الانتخابات أداة ووسيلة للوصول إلى هدف واضح ومحدد، وحين تكون هذه الوسيلة غير مؤهلة حالياً لتحقيق هدف انتخاب مجلس نيابي عقلاني وأمين للوطن والشعب، فلا بد من السعي وبذل أقصى الجهود بغض النظر عن الوقت الذي سوف يستغرقه توفير مستلزمات أجواء وأرضية صالحة لانتخابات حرة وديمقراطية ونزيه وعادلة، تأتي بمجلس نيابي نظيف، غير طائفي وغير فاسد وغير تابع. وأخيراُ أرى ضرورة بدء الحوارات والمناقشات الجادة من جانب قوى الانتفاضة وكل القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية المهتمة بانتصار انتفاضة الشعب المقدامة لكيلا يتم تفكيكها ولا تذهب دماء شهداء الانتفاضة، شهداء الشعب والجرحى والمعوقين هدرا. إن طريق نصر قوى الانتفاضة صعب وربما طويل، لكنه اليقين بعينه، لأن عوامل انفجار الانتفاضة ومسبباتها ما تزال قائمة وفاعلة ومدمرة.


سنار شريف علي   لقد أُجريت في العراق أربع عمليات انتخابية برلمانية ما بين 2006 و2018، وكان لكل عملية انتخابية قانون مختلف، وكان آخرها التعديلات التي جرت على قانون رقم (45) لسنة (2013) حيث انتهت بتعديلات جوهرية ومهمة للقانون وتمت بثلاث مراحل تمهيداً لانتخابات 12 أيار 2018. بلا شك فإن التعدد القومي والطائفي في العراق أدى به الى أزمات عديدة منها ما يتعلق بعملية الانتخاب، حيث لم تمر عليه عملية انتخابية بدون خوض جدال واسع حول قانون الانتخابات، وخاصة فيما يتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية، حيث تجد كل الطوائف والأحزاب السياسية مصلحتها في نوع من التقسيم. فقد كان الجدال في بادئ الأمر يرتكز على الأخذ بدائرة واحدة أو عدة دوائر، إلا أنه بعدما تم تجاوز هذه المرحلة واتفق الأطراف على تعدد الدوائر، بدأت في الآونة الأخيرة مشكلة كيفية تقسيم الدوائر وحجمها، هل تكون كبيرة أو صغيرة؟ خاصة بعد الاحتجاجات الأخيرة التي أطاحت بالحكومة المنتخبة، حيث كانت من بين مطالبها، تقسيم البلد إلى دوائر صغيرة محاولة لتقليص الهيمنة الحزبية وإفساح المجال أمام المستقلين في الحصول على مقاعد برلمانية. في هذا المقال أود تحليل إشكالية كلا النظامين على العملية السياسية في العراق. من الانتقادات التي توجه الى دوائر الصغيرة أو (تعدد الدوائر) هي غلبة سيادة السلاح، وسيادة المال، وسيادة الجاه سواء كان عشائرياً أو دينياً أو اجتماعياً، خاصة في العراق حيث تبرز فيه هذا النوع من المشاكل بشكل واسع نظرا لهيمنة الكبيرة لوجهاء العشائرية والدينية والمذهبية، وهذا يعود للمحدودية الدائرة وصغر حجمها بحيث تسهل نفوذ وسيطرة هذه الشخصيات، بخلاف الدوائر الكبيرة التي يصعب فيها بسط نفوذ كهذا. ومن جانب آخر، يؤدي هذا النظام إلى تقليص فرص فوز الشخصيات المشهورة والمشهود لها بالكفاءة والنزاهة على صعيد الوطني كالكتاب والمثقفين والناقدين المعروفين بحسن السيرة بسبب حصر التصويت والمنافسة بدوائر ضيقة. ومع ذلك فهناك آخرون يرفضون ذلك ويعتبرون نظام التعدد وسيلة تؤدي إلى تقليص دور الأحزاب السياسية وتبرز دور المستقلين النزهاء المعروفين محلياً.  ومن الجوانب السلبية للتعدد هو ضياع الفلسفة التي يقوم عليها البرلمان والتي اعترف بها الدستور على كون عضو البرلمان يمثل كافة الشعب، الأمر الذي يغيب تماماً في نظام التعددي، حيث تكون العلاقة بين الناخب والمرشح شبه شخصية ويقع المرشح تحت تأثير الناخبين، و يؤدي الى تحويل المرشح من عضو برلماني في السلطة الرقابية  الى  نائب خدمات يحمل ملفاته الى دوائر الدولة  ليحل مشاكل الناخبين المحلية وهذا يؤدي إلى تغيره تغييبه عن مسؤولياته الأساسية التي تقع على شأنه كبرلماني، فضلاً عن التأثير الذي يخلفه النظام على (شكل البرلمان) المستقبلي الذي يصبح شبه تجمع عشائري ومناطقي بعيداً عن المصلحة العامة، ناهيك عن الصعوبات اللوجستية والفنية التي تواجه هذه العملية خاصة في العراق حيث لا توجد هناك إحصائيات دقيقة، ولا ضمانات كفيلة بتقسيم عادل لهذه الدوائر. إلا أن هذا النظام له جوانب إيجابية أيضاً والتي تتمثل في تمثيل حقيقي ودقيق للشعب وتعزيز علاقة المرشح وضمان تحمل المسؤولية تجاه ناخبيه وبالتالي يجعله ملزماً بالعمل على خدمتهم وتنفيذ برنامجه الانتخابي، ووعوده التي قطعها للجمهور خشية من العقاب، وعدم انتخابه مرة أخرى. وهكذا يتميز نظام التعدد من الناحية الفنية بالسهولة والسرعة في إعلان النتائج بحيث تعلن كل دائرة انتخابية النتائج بدون الانتظار إلى الإعلان العام على صعيد المحافظة والذي من الممكن أن يأخذ وقتاً أكثر. هناك إجماع بين خبراء الانتخابات حول العالم على أهمية حجم الدائرة الانتخابية باعتبارها من العناصر الأساسية التي تؤثر في قدرة النظام الانتخابي على توزيع المقاعد بشكل تناسبي. كقاعدة عامة، فإن الاستناد على دوائر انتخابية كبيرة الحجم تحقق أعلى مستويات نسبية ويعطي الفرصة لأصغر الأحزاب على الصعود الى البرلمان. إلا أن هذا يكون للدول المقسمة سياسياً، بحيث لا يكون الثقل الانتخابي للأحزاب مبنياً على التقسيمات القومية، والدينية...الخ الموجودة في حدود جغرافية محدودة. أما الدول المتعددة الطوائف كالعراق فالوضع مختلف تماماً، حيث يتحدد الثقل الانتخابي في كثير من الدوائر بناءً على كثافة تواجد السكاني للطائفة التي تدعم القائمة، فعلى سبيل المثال يكون الثقل الانتخابي للتركمان في المناطق التي يتواجد فيها التركمان، والكرد والعرب بالنسبة الى مناطق أخرى، مما يعني أن الأحزاب الصغيرة أو المكون الصغير في دائرة انتخابية تستفيد من كثافة سكانها لضمان فوزها بمقاعد، وهذا يفيد بأن هذا النظام يكون في صالح الكتل المبنية على أسس قومية أو دينية (غير الكوتا)، أما الكتل الصغيرة ذو التوجهات المدنية فإنها لا تستفيد من هذا النظام نظراً لعدم تمركز ناخبيها في أماكن محددة. على أي حال، إذا كانت نية الأطراف في اختيار نظام المتعدد الدوائر إعطاء فرصة للأحزاب الصغيرة والشخصيات المستقلة "ممثلي الساحات" للحصول على مقاعد فإن هذه المشكلة لا تكمن في تقسيم الدوائر وحسب، بل هناك مشكلة أخرى تقف عائقا أمام صعود الأحزاب الصغيرة وهي مسألة نظام السانتياغو والذي يعتمد أساسا على تقسيم الأصوات على الأرقام (1، 3، 5،..) وذلك بقدر عدد المقاعد، إلا أن النظام تم تعديله إلى (1.7، 3، 5،...) خلافاً لما هو متبع عالمياً والذي سمي بـ "سانتياغو العراقي" ويؤدي هذا التعديل بدوره إلى صعوبة فوز الكتل الصغيرة. أخيراً، مهما كانت الدوافع التي دفعت بالكتل السياسية في تبني هذا النظام، سواء إتاحة الفرصة لصعود الأحزاب الصغيرة أو الشخصيات المستقلة أو عرقلة صعودهم، فإن كلا المسألتين لا تخلو من الإشكاليات. فلو أتحنا الفرصة للأحزاب الصغيرة بدخول البرلمان، فحينها نكون أمام أزمة ائتلافات وتكوين حكومة ائتلافية ضعيفة، يكون همها ترضية الأحزاب المكونة لها بدلا من خدمة الشارع. أما إذا كان الهدف هو الحد من صعود الأحزاب الصغيرة وهذا أيضاً قد يؤدي إلى حرمان البعض من الصعود الى البرلمان خاصة "ممثلي الساحات"، ولا سيما في العراق الذي يعيش في ظل ظروف خاصة ولا يمكن أن نقيسه على بلدان أخرى بمنأى عن وضعه الخاص، وحتى إن سلمنا أن الحكومة الائتلافية حكومة ضعيفة فهذا ليس بالضرورة صحيحا للعراق، لطابعه، وتكوينه الخاص والغموض في مفهوم المعارضة السياسية بسبب تقسيم مسبق وغير متغير إلى حد كبير للثقل السياسي على أسس مذهبية وقومية. بناء على ما تقدم يمكننا القول، إن أزمة البلد لا يمكن حصرها في مسائل كهذه فحسب، فالعراق يعيش في ظل أزمات كثيرة ويحتاج الى حلول جوهرية، حتى وأن تمكنا من تحقيق بعض التقدم عن طريق أمور فنية كهذه ألا أن الكثير يبقى على حاله.   K24


حقوق النشر محفوظة للموقع (DRAWMEDIA)
Developed by Smarthand