منظومة حماية "اللصوص المقدسين" في الإقليم!
2020-12-13 22:07:47
أيوب بابو بارزاني
منظومة الفساد الكردية لديها كامل الحماية، فالعوائل الحاكمة، تسخر أدواتها الطيّعة والمؤلفة من العشيرة والحزب وجهاز الأمن والمخابرات والمجموعات المسلحة والقنوات الفضائية الكثيرة والتي يطغى عليها الولاء للشخص على حساب الولاء للشعب والوطن - وقد تحولوا الى مرتزقة - تسخرها سلطة الفساد لحماية مصالحها.
سلطة أربيل حشرت نفسها داخل حلقة ضيقة مرتبطة كليا بمصالحها المالية ولا تريد الخروج من هذه الحلقة، وتتجاهل الانهيار المالي والاقتصادي ونهب المال العام وفساد منقطع النظير في شتى الإدارات والمرافق العامة، وتماطل لكسب الوقت علّها تجد "قروضاَ من مصدر ما" أو من بغداد يعفيها من مسؤوليتها المباشرة في تدهور أوضاع الإقليم. وهي تنسى أو تتناسى انها فقدت ثقة الشعب الكردي منذ زمن بعيد وحاليا تفقد ثقة المجتمع الدولي.
تحول الكثير من مسؤولي منظومة الفساد الكردية، بالأخص قمة الهرم العائلي الى أدوات تنفذ أوامر الخارج، فالإقليم مفتوح على مصراعيه أمام التدخلات الخارجية بشكل سافر.
ليس من شك ان الطبقة السياسية الكردية أصبحت عباً لا يطاق، ومن المستحيل تحمل الوضع الراهن الا بإزاحتها ومحاكمتها وإعادة الأموال المنهوبة.
هناك أسباب عديدة ساهمت في ديمومة سلطة الفساد لحوالي ثلاث عقود متتالية، ولا مجال هنا في ذكر التفاصيل وانما نشير الى بعض من هذه العوامل.
ميزانية الإقليم تسلم للعوائل الحاكمة ويتم تقاسمها بالتوافق فيما بينها والتصرف بها حسب الأهواء الشخصية من شراء الذمم وانشاء قنوات فضائية لتجميل صورتها وتغطية جرائمها خلال ضخ الأكاذيب المدروسة وعلى قياس وعي المجتمع الكردي، وتمويل قواتها المسلحة (بيشمركه) بعد أن شقوا وطنا واحدا الى اثنين وادارتين منفصلتين وجهازين للأمن وعلاقات خارجية منفصلة، ومنذ البداية حولوا الفرصة التاريخية الى نكسة وطنية من أجل الزعامة والمال.
لكن الشعب الكردي مع كل السلبيات الخطيرة ظل داعما لمنظومة الحكم العائلي، حتى وصلوا الى قناعة من انه لن يثور عليها مهما أهانته.
وعلاوة على ذلك ليس للشعب الكردي نموذج ثورة ضد الدكتاتورية الكردية، فقد نجح طغاة الشعب الكردي في توجيه سخطه ضد حكام بغداد واهمال ظلم الحكام الكرد. وهو عامل ضعف قاتل في المسيرة النضالية للشعب الكردي، أي اهمال الطغيان الداخلي والتفرغ للاضطهاد الخارجي. فمن غير الممكن شن حركة ثورية تقدمية للتخلص من الاضطهاد الخارجي تحت قيادة متاجرة ومتخلفة لا تقيم للعدالة أي اعتبار وبعقلية عشائرية خارج روح العصر. اذ لا غرابة أن انتهت كل الحركات منذ الستينات من القرن الماضي، رغم التضحيات الكبيرة، الى كوارث وطنية للشعب الكردي والى ثراء فاحش لقيادات وراثية همها الرئيسي هو الثراء مستغلة الطموحات القومية بأبشع وأحطّ نموذج في نهب المال العام.
ويبدو ان هناك أسباب لهذا الاستسلام لإرادة كبار الفاسدين، خاصة في الدول النامية أو حديثة العهد بالديمقراطية، فقد حظي القادة الفاسدون في الإقليم بدعم المجتمع رغم علمه بتزوير نتائج الانتخابات وشراء الأصوات وأسلوب التهديد والقتل، وليس لها من الديمقراطية غير الاسم.
يقوم الاعلام بدور أساسي في تكوين الرأي العام، وعندما يثق المجتمع بمصدر المعلومة، يكون له دور كبير في تحديد ردود أفعال المجتمع. لكن سلطة أربيل والأحزاب المشاركة فيها، تملك أكثر من 90% من وسائل الاعلام في الإقليم. أما الاعلام المعارض فهو يعاني من الضغوط والملاحقة من قبل السلطة وجهاز الأمن الحزبي ويفتقر الى الإمكانات المالية. لذا فالصوت المسموع هو صوت العائلة الحاكمة ومرتزقتها. الاعلام الحزبي المأجور يعمل على إضفاء هالة من القدسية والمهابة الكاذبة على الرئيس وأقربائه وبطانته، والهدف هو حجب الواقع عن الجماهير واخفاء الممارسات غير القانونية وتغطية الاختلاسات والفضائح الكبرى في أعلى هرم السلطة.
عامل آخر لابد من الإشارة اليه الا وهو الانتماء الحزبي الاعمى وغياب الوعي السياسي لدى أعضاء الحزب، فالحياة الحزبية في كردستان تظهر تجاهل العضو الحزبي المدني والعسكري لفساد قادته، بينما يهاجم الفساد في الأحزاب الأخرى ويدافع بتعصب مذهل عن قادته الفاسدين ولايري مدى الدمار الذي يلحقه بشعبه ووطنه على المدى البعيد. فالانتماء الحزبي أو الأيديولوجي أو العشائري لديه أقوى من الانتماء للوطن والتاريخ. كل جهة تغض الطرف عن الأخطاء أو حتى الجرائم أو الاختلاسات التي قام بها قادتهم، مقابل التنكيل الإعلامي والسياسي بالخصم وتكبير خطاياه إلى أبعد حد. وهذا يخدم منظومة الفساد ويحصن موقعها وجبروتها.
وكلما زاد الوعي السياسي وتجذر انتمائه للوطن، يتبنى الكادر الحزبي من قضايا الفساد التي تخص قادة حزبه موقفا صارما ويطالب بالمحاسبة والشفافية.
لقد تأخرت مسيرة النضال الكردية كثيرا عن باقي الشعوب بسبب اهمال الطغيان الداخلي الكردي والمتمثل بالحكم العائلي ومرتزقتها من السياسيين، ويعتبر هذا العامل الأهم في كوارث الشعب الكردي وتخلفه في الماضي القريب والى يومنا هذا. فهل ستتوجه الانتفاضة الحالية لإزاحة منظومة الفساد كليا لكي يتسنى لها مواجهة التحديات الكبرى وإيجاد حلول واقعية لمشاكله المتفاقمة واستعادة حريته وكرامته وأمواله المسروقة؟