قراصنة أمريكا الجنوبية......من نوبل ماركيز الى مونديال مارادونا

2020-11-30 06:54:40

كتب: ستران عبدالله

احدهم بالقلم حاز على نوبل الاداب والاخر بالقدم حاز على كأس العالم
هذا هو الواقعية السحرية في امريكا اللاتينية التي تغلبت على الدكتاتوريات اليمينية العسكرية و مازالت تجاهد من اجل يسار يمزج بين الوطنية و المساواة بمسحة روحية مسيحية لم تفلح في توليفه يساريات العالم الاسلامي على قدمها في الموائمة بين الاتجاهات المزدحمة
ولعل هذا ماقصده المفكر الباكستاني طارق علي بترنيمة (قراصنة أمريكا الجنوبية) في وصفه للمواجهة العالمية بين تجارب امريكا اللاتينية من اجل الفكاك من قبضة مصالح الشركات العالمية المحتكرة من جهة  و بين الولايات المتحدة التي تعتبر بلدان امريكا الجنوبية حديقتها الخلفية في الاستثمار غير المتكافئ، و الاصح تعتبرها مخزن حاوية  لنفاياتها الخلفية وهامش لتصفية  حسابات غسيلها  السياسي القذر مما لا تقدر عليه ضمن منظوماتها المكشوفة. وسمى طارق علي تلك النخبة النادرة من القادة اللاتين وتجاربهم المثيرة للجدل بقراصنة امريكا الجنوبية (أبطال يتحدون الهيمنة الامريكية) . وقد برع هؤلاء القراصنة في تطوير تحالف واسع و فضفاض من فاعلي اليسار والاحزاب الوطنية والشعبوية مع رموز الدين من القساوسة والكنائس الثورية المرتبطة بالطبقات الفقيرة من احباب المسيح والسيدة العذراء.

وسر الوصفة الشعبية يلعب الدور الاكبر.  فاتحاد هذا الخليط العجيب بسحر اللحظة الثورية هي التي حققت انتصارات باهرة لليسار الشعبي في العديد من بلدان امريكا اللاتينية، سواء بالتغيير المسلح كما في كوبا اواخر خمسينات القرن الماضي او بالتغيير السلمي والديمقراطي كما في فنزويلا و البرازيل و بوليفيا و غيرها ، في  اواخر عهود الدكتاتورية العسكرية. وما يوحد الاطراف المختلفة و يطيب خاطر الاطياف الملونة هو احلام المستقبل الاتي  و مصالح الغنيمة التي سرعان ماتتقاطع وتكشف التناقضات. كل هذا ومن هذا العجين المتنوع كان غابريل غارسيا ماركيز يستنبط مادة رواياته في الواقعية السحرية التي تميزت بها ادب امريكا اللاتينية، وكان هو رائدها بالطبع. فجنرال يعيش في خريفه البطرياركي و كولونيل ليس لديه من يكاتبه و اجمل غريق في العالم قصة ادبية و ريبورتاجا صحفيا يشكل خزينا حيويا لكاتب اشتراكي الهوى يغازل بسحر الخيال مادته الواقعية. ومائة عام من عزلة الجنرال في متاهته ينتهي بأدب ثري يحصد جائزة نوبل في الادب مع مايعقب ذلك بداهة من ثراء في المعيشة نتيجة لايرادات الروايات ودهاليز البلاط النوبلي وممراته.
وفي ساحات الملاعب يحصد الهداف المراوغ ماريو كامبس في عام ١٩٧٨ كأس العالم لبلده الارجنتين،  ليجمل بشاعة اطلالة الحكم العسكري في سابقة خطيرة  لتدخل السياسة في الملف الكروي. حيث قدم كيسنجر المنبوذ كردستانياً و المتورط لاتينيا جائزة كأس العالم هدية رخيصة للدكتاتور خورخي فيديلا طمعاً في تحسين صورته وصورة أمريكا في بلاد التانجو الارجنتيني. مع ما اعقب ذلك من حكم الجنرالات من اصدقاء خريف البطريارك بحسب الرواية الماركيزية. فبلاد العم السام المهوس بكرة القدم الامريكية لايهمها مصير مسارات اللعبة الشعبية في العالم. وسنة الفوز الملتبس بكأس العالم هي  السنة التي شهدت تعزيز الولادة الكروية لمارادونا الساحر والذي حصد نوبل العالم في كرة القدم عام ١٩٨٦ بمراوغات قدمه الذهبية كما بهدفه (الحرام) باليد في الشباك الانكليزي والتي سماها مارادونا بيد العناية الالهية ليغطي على خسارة العسكر الارجنتيني امام استعمار السيدة الحديدية ماركريت تاتشر في حرب جزر الفوكلاند عام 1982.
ويظل السجل الكوروي لامريكا اللاتينية كما لادبها الواقعي السحري مرتبطاً بالسياسة والجنرالات والدكتاتوريات يميناً ويساراً.
فغابريل غارسيا ماركيز الذي فضح في روايته خريف البطريارك البطل الدكتاتوري اليميني ببزاته العسكرية ونياشينه من الصفيح هو نفسه التبست عليه الصورة في واقع الحياة حينما تعلق الامر بالدكتاتورية اليسارية في كوبا فيدل كاسترو التي أطالت عمرها في الحكم مستعينة بماضي ثوري مجيد وتحدي عادل ومشرف لسياسات امريكا ،...وأيضاً مما هو مأسوف عليه، من تحالف هش ومخجل مع دكتاتوريات العالم الثالث وعلى رأسهم كاستروالعراق. 
أما رواية اليسار الرياضي ممثلاً بالاسطورة ديغو مارادونا فقصته كانت أكثر التباساً وغموضاً، فهذا الساحر الذي جمع بين الاحتراف الملياردي و نزعته اليسارية،  أو بالاصح نزوعه نحو الطبقة الكادحة التي خرج هو منها، ارتبط في محطات من حياته بملف المنشطات المخجل وببعض من مواقف الشغب السياسي التي سرعان ما كان ينسحب منها بمجرد أعادة ترتيب اولويات عرف بها حريفو كرة القدم كما حريفو السياسة. 
فقد كان مارادونا معجباَ بجيفارا الثوري العالمي الاشهر وهو من مواطني بلده الارجنتين وكان صديقا لكاسترو بطرياك كوبا و هوغو شافيز اخر السادة المحترمون في نادي قراصنة امريكا الجنوبية من فنزويلا.
ولم يجمع قصة تحدي كرة القدم وقصة الكفاح الادبي بين ماركيز ومارادونا،  فمجالات الابداع  مختلفة . ولكن جمعهما الحب الرومانسي والاعجاب الكبير بكاسترو . حيث كان كاسترو صديقاً لكليهما وأستفاد من شهرتهما لتلميع صورته بعد ظهور تجاعيد سياسية على ملامحه حيث ذبل وبهت مشهد الزعيم الثوري العظيم لصالح مشهده الاخير كزعيم طويل القامة وطويل الاقامة في الحكم.

وربما سيجمع بينهما بوتريت فني بقلم روائي آخر من روائي الواقعية السحرية في القارة البرونزية،  حيث السحر واليسار والعسكرية و توابل روحية لا بد منها.

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand