وفد الاقليم،وسياسة "الصفا والمروة"

2021-01-19 21:02:56

حاجي ريكاني   

الحياة حيثما نبدأ وحيثما ننتهي،عبارة عن احداثٍ وتجاربٍ وممارساتٍ يومية،لكن طالما تبقى وتتعلق بعضاً منها في جدران الذاكرة،رغم إننا في كثير من الاحيان،لا نرى فيها ما يميزها عن غيرها من التجارب والذكريات التي سرعان ما نراها تخرج من أذهاننا لتتبخّر في فضاء النسيان.
في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي،رايتُ يوماً صدام حسين عبر شاشة تلفزيون العراق، كان جالساً بين مجموعة من الفلاحين،فإستوقفتني عبارة خَرجتْ من فمه المِعوجْ حينما كان يحاديثهم بال"جلفي"،قائلاً:"إذا ما عندك رجلين توگف علیهن،فلا تتوقع واحد ينطيك رجله"وال (رجل)باللهجة العراقية الدارجة،يُقصدُ بها في الفصحى ب(الساق او القدم).

هذه العبارة،لا إرادياً إلتصقتْ بذاكرتي وظلّتْ ترافقني طيلة الخمسة والثلاثين عاما من حياتي الماضية،ولازلتُ استذكرها بين الحين والأخر،تماماً كما هو الحال في مقالتي هذه،حيثُ اشيدُ بها ليس من باب التبجيل أوالتبرّك بشخص قائلها،بل تماشياً مع المبدأ القائل(خُذِ الحِكمة من أفواه المجانين)أو(خُذِ الحِكمة ولا يَضرُّكَ من أي وِعاءٍ خَرجتْ)،والرجل كما خبرَتهُ شعوب العراق والعالم كله،ما كان دكتاتوراً قاتلاً فحسب،بل كان مجنوناً ايضا.

عنوان المقالِ أعلاه ربما يكون غريباً للوهلة الاولى،كونه مستوحى من شَعيرةَ(الصّفا والمَروة) كطقسٍ ديني يُمارسهُ المسلمون أيام فريضةَ الحّجِّ أوالعمرة،كسُنّةٍ إتبعتها اوّلَ مرةٍ السيدة هاجر زوجة النبي إبراهيم حينما سعتْ جرياً بين جَبَليّ(الصّفا والمروة)في مكة،كمسعىً منها للبحث عن الماء لإرواء إبنها إسماعيل الذي كاد أن يَهلُكَ عطشاً.إلا أنه(اي العنوان)،لم يأتي جِزافاً، وانما تشبهاً ونِكايةً بتلك الصولات والجولات التي قامتْ وتقوم بها وفود اقليم كوردستان بين الحين والاخر،منطلقةً من أربيل إلى بغداد لإجراء المحادثات مع الجهات الحكومية وقادة الاحزاب الحاكمةفي العراق؛ليس سعياً للأرتواءِ من نهر دجلة المار بوسط بغداد،بلْ لأيجاد تفاهمٍ مشترك،أوحلٍ دستوري لكل القضايا,السياسية والادارية والاقتصادية،بل وحتى "العرقية" إنْ جاز التعبير،لكن الملفت في الامر أن الوفد الكوردي عقبَ كل حوارٍ،يرجع الى اربيل يا إمّا ب(خُفيّْ حُنينْ)،أو بأتفاقٍ هَشٍّ وحلٍ ترقيعيٍ مؤقت سرعان ما نراه يتهاوى.تماماً كما نتج عن زيارته الاخيرة،الذي ترأسهُ السيد قباد طالباني منذ تسنُّمهِ منصب النائب للسيد مسرور البارزاني في رئاسة الحكومة،كمحاولةٍ في إقناع حكومة الكاظمي لتأمين رواتب موظفي ألاقليم ومستحقاته من السنة المالية المنصرمة 2020.
لا شك إن أحد أهم العوامل الذي حالَ دون التوصل في حلحلة القضايا العالقة بين بغداد واربيل حتى الان،هو العامل الخارجي والضغط ألاقليمي المتمثل بإيران وتركيا وتأثيرِ كليهما على المتحاورين وتوجيه سير المحادثات بين اربيل وبغداد الوجهة التي يبغيانها،هذا ناهيك عن العامل الداخلي المتمثل في ضخامة حجم الفساد المالي والاداري المستشري في بنية المؤسسات الحكومية وهدر المال العام وتضارب المصالح السياسية وألاقتصادية والشخصية للحكام المتنفذين سواءً في المركز أو في ألاقليم،بالاضافة إلى أن العراق مقبلٌ على إجراء إنتخاباتٍ نيابة في العاشر من شهر أكتوبر القادم. 
الان،وبعد أن دخل شعب الأقليم عامه الجديد2021على مضض،كَثُرَ الحديث في الشارع الكوردستاني عن تشكيل وفدٍ سياسيٍ رفيع والتوجه الى بغداد من جديد،ونشطت ألاحزاب الكوردية تتداولُ الموضوع فيما بينها مرةً،وفي أروقتها المنزوية همساً تاراتٍ أُخَرْ،وبين هذا وذاك،انشغلت وسائل الاعلام الكوردية تُثير الخبرَ بإقتضاب.
ولكن الابعاد والمعطيات السياسية على أرض الواقع تقول لنا،أن أيَّ وفدٍ مهما رَفُعَ مستواهُ،إنْ لم ترعاهُ أمريكا وألامم المتحدة،سوف لا يفلحُ في مسعاه مع الفرقاء في بغداد،على الاقل في تمرير الموازنة 2021 في مجلس النواب وإنْ حُظيَتْ بموافقة حكومة الكاظمي ووفد الاقليم،لكن رغم ذلك لا أجدُ ضيراً من أن يقوم الكورد بجولاتٍ أخرى من الحوارات مع المسئولين في المركز،ولا المركز له الحق أن يُهمّشَ ألاقليم،فطالما بقت المنطقة يشوبها التوتر وعدم الاستقرار،وطالما ألاقليم جزءٌ من العراق الفدرالي،وفق الدستور العراقي لعام2005 ،فظَني أنه من مصلحة أربيل وبغداد سويةً أن يجاروا الخصام والاحتدام،وأن يكونوا على وئامٍ وسلام.

خلاصة القول،إن الادارة الذاتية،بل كيان ألاقليم بحد ذاته،ايلٌ للأضمحلال والزوال،نتيجة عدمية الرؤى والتخطيط الرشيد في الحكم وألاقتصاد والادارة،ألامر الذي أدّى الى إستفحال الفساد بكل صوره المقيتة في هيكلية الحكومة حد النخور.فيتحتَّمُ على الجميع، خصوصاً(علية القوم)مَنْ بيدهم زِمام الادارة والسلطة والقرار،أن يتحزَّموا بقوة الارادة ويُقوِّموا انفسهمْ قبل ان يُقوِّموا السلطة والادارة،فيعيدوا بذلك جسور الثقة بينهم وبين شعب إقليم كوردستان،وفي التالي القيام بإجراءْ إصلاحاتٍ جديّةٍ شاملة في جميع المفاصل الحيوية،لاسيما في قطاعي النفط والغاز والموارد المالية،وجباية الضرائب من الشركات الحزبية والشخصية،وضبط المنافذ الحدودية ووضع حدٍّ لكل الفاسدين الشرهين دون أدنى تمييز.حينها سيتعافى الاقليم ويقف على قدميه ولا يحتاج الاخرين بإعارة"رِجلٍ" من أحد منهم. 

 

 

 
 

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand