Draw Media

 نظرة قانونية لقرار المحكمة الاتحادية بشأن فتح باب الترشيح لرئيس الجمهورية

 نظرة قانونية لقرار المحكمة الاتحادية بشأن فتح باب الترشيح لرئيس الجمهورية

2022-03-06 10:40:33


د. ابوبكر صديق
  قسم الخبراء وفقهاء القانون والكتاب واعضاء البرلمان السابقين  قبل وبعد ادلاء المحكمة الاتحادية بقرارها(قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد:23 وموحدتها25/اتحادية /2022 ) حول دستورية او عدم دستورية قرار هيئة البرلمان بفتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية بعد انتهاء المدة الدستورية المرسومة لانتخاب رئيس الجمهورية . فهناك من يؤيد القرار واخرون ترفضونها ، فمن يؤيد القرار المذكور للمحكمة او من يرفضه ، لابد ان يستبعد عن هواجسه الشخصية ولا يبنى رأيه لرغبات اومحابات سياسية لطرف او احتقاده لطرف اخر .
ان المحكمة الاتحادية كسائر المحاكم ، كل حسب اختصاصاتها ، تكيَف الوقائع المعروضة امامها ، حسب النماذج والقواعد القانونية المطابقة لهذه الوقائع  . بمعنى ان المحاكم تكيَف الواقائع المعروضة امامها بالاستناد الى مصادر القانون المكتوبة والتي تشتمل على القانون الدستوري والقانون العادي والقانون الفرعي الصادر من قبل السلطة التنفيذية .  فاذا لم تجد في المصادر المكتوبة تلجأ في مهامها التكييفي الى مصادر غير المكتوبة والتي تشتمل على كل من مباديء العامة للقانون والعرف واحكام القضاء. 
وبالرجوع الى المادة 72-في فقرتها –ثانيا- ب- منها ،والتي تنص على "يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهماته الى مابعد انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه ، على ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوما من تأريخ أول انعقاد للمجلس " وطبقا لقانون الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية رقم 8 لسنة 2012 و بمقتضى المادة 13 منه،  والتي كرر فيها نص الفقرة-ب- ثانيا – من المادة 72 سالفة الذكر ، نجد بانها نجمت عنها  المنازعة  التي كانت معروضة امام المحكمة الاتحادية . فلا مناص بان فحوى هذه المادة من الدستور ومثيلتها في قانون الترشيح ، اوجبت بانه على مجلس النواب ان ينتخب رئيس الجمهورية خلال 30 يوما بعد اول انعقاد اجتماع مجلس النواب، لان المشرع في كلتا المادتين المذكورتين اعلاه ، افصح عن نيتها بصورة أمر لانه يقضي بانه (على ان ) يتم انتخابه خلال 30 يوما . فكلمة (على ان ) لاتوجد فيها سلطة تقديرية بل يقيد المجلس بصورة امر قانوني ويحددها بمدة زمنية لا تقبل التجاوز. 
ويعيب على كل من المادتين المذكورتين بانهما سكت المشرع ، عما اذا لم يتمكن مجلس النواب تحت اي ظرف كان  خلال 30 يوما ،بانتخاب رئيس الجمهورية، كيف يمارس بعد ذلك اختصاصه بانتخاب رئيس الجمهورية ؟ 
فعندما ينشأ منازعة بشأن قيام هيئة الرئاسة للمجلس بفتح باب الترشيح مرة ثانية بحجة عدم انتخاب رئيس الجمهورية ، فان الجهة المختصة بفصل النزاع من هذا القبيل هي المحكمة الاتحادية . ولكن الامر المختلف عليه في هذا المنوال هو ان الفقهاء وخبراء القانون الدستوري ادلوا باراء وتفسيرات مناقضة لقرار المحكمة الاتحادية  القاضي باناطة  اختصاص تمديد او غلق فتح باب الترشيح لاعضاء مجلس النواب مجتمعة دون هيئة رئاسة البرلمان . فلا ريب بأن المحكمة في هذا القرار على الصواب ، ولكن يرى الباحث ان حجة منطوق قرار المحكمة الاتحادية بهذا الخصوص ، ليست واضحة لدى من يخالف قرار المحكمة من ناحية التكييف لقرارها . 
فبالنظر لاحكام دستور 2005 وقانون ترشيح رئيس الجمهورية ، لاتوجد قواعد قانونية تعالج  اشكالية عدم انتخاب رئيس الجمهورية خلال المدة المنصوص عليها المادة 72-ثانيا-ب – من دستور 2005 ولا في المادة 13 من قانون رقم 8 لسنة 2012. فكيف يمكن ان تصدر المحكمة قراراَ، يقضي بان مجلس النواب هو صاحب الاختصاص بتمديد فترة باب الترشيح او عدم تمديده؟  
فعندما تكيًف المحاكم ، الوقائع المعروضة امامها- كما ذكرنا آنفا - تعتمد على مصادر قانونية مكتوبة فاذا لم تجد في تلك المصادر تدور حول مصادر غير المكتوبة لعملية التكييف . 
وكقاعدة عامة ان المشرع الدستوري او المشرع العادي ، يقع على عاتقه ان يسد الفجوات والثغرات القانونية ، ولكن لا مناص بان المشرع يمكن ان يخطأ في سن القوانين والتشريعات او يتغاضى او  لم يكن يدرك في حينه بان القواعد الدستورية او القانونية فيها ثغرات او فجوات . ففي كل هذه الحالات ، قد تواجه القواعد القانونية في حالات تطبيقاتها ، اعاقات ، لابد ايجاد تدارك قانوني او قضائي  لها .
وبالنظر لفحوى قرار المحكمة الاتحادية العليا (العدد:23 /25/ اتحادية ) نجد بان المحكمة  سارت على نهج قانوني صحيح ، عندما اقرت على عدم صحة القرار رقم 4 لسنة 2022  الصادر عن رئاسة مجلس النواب ، والذي يقضي بفتح باب الترشيح للمرة الثانية لرئيس الجمهورية . والمحكمة ايضا ،على الصواب في قرارها ،عندما الزمت رئاسة مجلس النواب بعرض قرار فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية على مجلس النواب والتصويت عليه من عدمه ، طبقا لفحوى المادة 59 –في فقرتها- ثانيا والتي تقضي بانه " تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالاغلبية البسيطة ، بعد تحقق النصاب مالم ينص القانون على خلاف ذلك"
ولكن المحكمة لم تكن ناجحة في عرض تبريراتها والحجج القانونية التي اعتمدت عليها في قراراها الانفة الذكر . 
فصحيح ان المحكمة اعترفت وفقا للفقرة ثانيا من قرارها المذكور _بان عدم انتخاب رئيس الجمهورية في المدة المحددة في المادة 72- ثانيا-ب- من دستور 2005 ، وهي ثلاثين يوما ، وان هذه المدة هي مدة دستورية حتمية تستلزم انتخاب رئيس الجمهورية خلالها وعدم تجاوزها ، وان تجاوز تلك المدة وعدم انتخاب رئيس الجمهورية يفرَض ايجاد مخرج قانوني لذلك التجاوز بما يضمن انتخاب رئيس جديد للجمهورية _ولكن المحكمة قد جانب الصواب في بعض حججها القانونية التي ذكرتها المحكمة و اعتمدت عليها  في تبريراتها الرامية الى اناطة صلاحية تمديد او اغلاق فتح باب الترشيح لانتخاب رئيس الجمهورية الى اعضاء مجلس النواب مجتمعةَ . لان معظم الحجج القانونية التي اتت بها المحكمة في تبرير شرعية وقانونية قراراها، لم تكن اسانيد دستورية او قانونية تبرر صدور قرار المحكمة . 
فحسب رؤية الباحث ، ان احكام دستور2005 وقانون المنظم لعملية الترشُح لرئيس الجمهورية المرقم 8 لسنة 2012 ، لم تتطرق الى مخرج قانوني سليم يعالج الثغرة الدستورية التي اوقع فيها المشرع الدستوري في المادة 72- ثانيا-ب-  و على هذا المنوال ، اعترفت المحكمة في قرارها الذي نحن بصدد بحثه ، وبمقتضى الفقرة –خامسا من القرار المذكور "بان الدستور لم يعالج حالة مضي المدة ثلاثين يوما التي يستوجب ان يتم خلالها  انتخاب رئيس الجمهورية ، كما لم يعالج احكام قانون الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية فتح باب الترشيح ثانية للمنصب المذكور ، مما يقتضي معالجة ذلك بما يضمن تشكيل السلطات الاتحادية بعد اجراء الانتخابات والمصادقة على نتائج تلك الانتخابات .
فاعتراف المحكمة طبقا لفحوى القرار المذكور بعدم وجود مخرج قانوني لتجنب الثغرة الموجودة في المادة 72-ثانيا –ب من دستور 2005 وكذلك قانون الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية ، يتناقض تماما مع ما ذكرتها المحكمة في قرارها لتكون مبررا لولاية مجلس النواب دون هيئة رئاسته ، بممارسة اختصاص فتح باب الترشيح او اغلاقه !
فيعاب على قرار المحكمة برأي الباحث ، عندما تدور المحكمة لايجاد مبررات دستورية وقانونية لتبريرقرارها وتعترف مسبقا بانه لا يوجد مخرج قانوني في الدستور وقانون الترشيح لرئيس الجمهورية ، فكيف تتوحد تلك التناقضات في رؤية وقراءة المحكمة للنصوص الدستورية والقانونية المنظمة لعمل مجلس النواب من الفها الى ياءها ؟
ألا تدرك المحكمة ،بان العمل التكييفي للوقائع المعروضة امامها يفرض عليها ان تدور في دائرة المصادر القانونية غير المكتوبة اذا لم تجد قواعد في المصادر المكتوبة لتكييف الواقة التي عرضت عليها ؟فمادام المحكمة ادركت بان الدستور وقانون الترشيح لم توجد فيها مخرج دستوري وقانوني ، لماذا لم تتطرق المحكمة الى المباديء العامة للقانون او العرف كي تكشف في طياتها قاعدة قانونية او عرف قانوني او مبدأَ عاماَ قانونياَ، كي تبرهن ذكاءة قضاة المحكمة ؟
ولتوضيح الصورة وحسب فهم الباحث ، ان الاساس القانوني لشرعية قرار المحكمة ودستوريته ، راجع الى قاعدة قانونية مشهورة في نطاق القانون العام ، وهي قاعدة توازي الاختصاص او قاعدة تقابل الاختصاص . فبمقتضى هذه القاعدة ، عندما يمنح المشرع  اختصاصا معيناَ الى هيئة دستورية أو هيئة ادارية ، ولكن يسكت تجاه سبل انتهاء هذا الاختصاص او الغائها او تعديلها ، فان الجهة المختصة بانهاء هذا الاختصاص او تعديله أو تمديده ، يعود الى الجهة او الهيئة الممنوح لها الاختصاص. وبالرجوع الى نص المادة 72-ثانيا –ب- من دستور 2005 وفحوى المادة 13 من قانون الترشيح لرئاسة الجمهورية ، نجد بانها سكت المشرع عما اذا لم يتمكن مجلس النواب بعد انتهاء مدة 30 يوما التي حددها المشرع لانتخاب رئيس الجمهورية ، كيف يتم انتخاب رئيس الجمهورية ؟ وماهي الاحكام الدستورية والقانونية التي يتعين ان يتمسك بها او يستند اليها مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية ؟ فهل يمكن ان يتخلى البرلمان عن عملية انتخاب رئيس الجمهورية بسبب عدم انتخابه خلال المدة المحددة دستورياَ؟ ام عليه ان يجد مخرجا دستوريا او قانونيا ، لانقاذ المعضلة القانونية التي وقع فيها؟ 
فالتدارك القانوني والقضائي الذي كان من المفروض ان تعتمد عليه المحكمة في قرارها المتعلق بسبل  امكانية فتح باب الترشيحات لمنصب رئيس الجمهورية ، برأي الباحث هي قاعدة توازي او تقابل الاختصاص التي ذكرناها .لذلك ان المحكمة الاتحادية فبالرغم من انه  صائبة في قرارها القاضي بان مجلس النواب دون هيئته الرئاسية له الحق باصدار فتح باب الترشيح او عدم فتحه ، ولكن المحكمة ليست صائبة في التبريرات التي بنيت  عليها قرارها . ومن جانب اخر والاخير وبناءَ على ما ذكرنا من مبررات وحجج قانونية، يرى الباحث بان المحكمة قد أخطأة ايضا عندما اقرت في فقرة -2- من قرارها بان التمديد لفتح باب الترشيح بعد عرض هيئة الرئاسة مشروع القرار بخصوص ذلك ، ووافق المجلس عليه ، يكون فقط لمرةٍ واحدة لايقبل التمديد . فكيف يمكن ان يُفهم بانه لا يوجد مخرج قانوني اذا لم يتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال 30 يوما المقررة في الدستور،  ولكن تعطي المحكمة لنفسها ، اذا اقر مجلس النواب متمثلاَ باعضائه المجتمعين بعد اكتمال النصاب باغلبية بسيطة ،ان يكون قرار تمديد باب الترشيح فقط  يكون لمرةٍ واحدة ولا يمكن تجديدها ؟
 فاذا اعتمدنا على قاعدة توازي الاختصاص فان مجلس النواب هو الذي يمتلك صلاحية التمديد او غلق هذا الباب ليس فقط لمرة واحدة بل له الحق بالاقرار على فتح باب الترشيح  لعدة مرات في حال لم يتمكن مجلس النواب ان يمرر علية انتخاب الرئيس خلال مدة 30 يوما التى اتى بها المشرع في المادة 72- ثانيا- ب- منها  . فاذا طبق مجلس النواب  قرار المحكمة وأصدر قرارا بفتح باب الترشيح ولم يتم انتخاب رئيس الجمهورية خلال المدة المجددة ، الى اين يتجه مصير المؤسسات الدستورية والسلطات الاتحادية ؟ فهل من الممكن ان  نتجه ونلجأ الى المحكمة الاتحادية كي تلغي قرارها البات المذكور؟ ام ان تتجه العراق الى طريق مسدود او ان يقرر مجلس النواب باجراء انتاخابات مبكرة ويلغي نفسه ؟وربما علينا ان نلفت النظر عن المفارقة الكبيرة بين مكانة المحكمة الاتحادية العليا العالية ومستوى ذكاءة القضاة العاملين فيها! فبما ان المحكمة تقع على عاتقها  مهمة القرارات والفتاوى والاحكام السامية لحسم المنازعات القانونية بشأن السلطات الدستورية وما تعاني الدولة الاتحادية ونظامها السياسي من تغاضي الاطراف في المعادلة السياسية عن مقاصد مبدأي الشرعية والمشروعية في عملية اسناد السلطة وممارستها ، كيف يمكن ان تخطأ القضاة والمحكمة في قضائها عند تكييفها للمنازعات المعروضة امامها ؟ وحتى اذا لم تكن أخطاء المحكمة مقصودة ! ألا يتصور البعض بأن المحكمة تتورط في المنازعات القانونية والسياسية بين الاطراف المتنافرة لمحابات البعض وانحسار الدور السياسي لبعض أخر؟ أليس لمجلس النواب واطراف المختلفة السياسية او المذهبية او العرقية ان تتجه باصدار مبادرة دستورية لتشكيل المحكمة على اساس الكفاءة العالية وعدم تشكيلها على اساس طائفي ، او أليس بمقدور البرلمان ان يسن قانون جديد للمحكمة الاتحادية ، يكفل استقلالية المحكمة من حيث تعيين اعضاءها بعيدا عن تدخل السلطات التنفيذية والتشريعية واستبعادها عن التأثيرات المراجع الدينية والعرقية ؟ فهل ان الدولة العراقية خالية من مجموعة قضاة عالية الدقة والالمام بالوسائل الناجعة لتكون اجتهاداتها وقراراتها مبنية على اسس قانوني سليم لتنعكس ممارسة اختصاصاتها على نحو لا تقبل الشك في اعمالها ؟فكل ما علينا بهذا الخصوص هو الانتظار والترقب والحديث عن الاحداث القانونية في حينها .


 

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand