Draw Media

عراقيون مهددون بالموت على حدود بيلاروسيا برحلة البحث عن وطن بديل

عراقيون مهددون بالموت على حدود بيلاروسيا برحلة البحث عن وطن بديل

2021-11-12 06:39:27


عربية DRAW:

العالم الجديد - نوزت شمدين

في ساعة متأخرة من مساء 28 تشرين الاول اكتوبر 2021، لفظ كيلان دلير (25 عاما) الكردي القادم من اربيل انفاسه الاخيرة على الحدود البلاروسية البولندية، وهو يطارد حلمه بالعبور الى المانيا، فيما كان نحيب شقيقه وهو يحتضن جسده البارد يشق صمت الغابة الرطبة المبللة بالمطر في الظلام الذي احاط كل شيء.

 

"لم استطع انقاذه، توسلت بحرس الحدود البولنديين ليساعدوه لكنهم لم يستمعوا لاستغاثتي، توسلت بالحرس البيلاروسيين السماح لنا بالعودة لأتمكن من انقاذه لكنهم رفضوا.. لقد علقنا مع الموت هنا، كنا جائعين وعطشى طوال أيام نقاوم على أمل العبور او تلقي المساعدة، لكن جسده لم يحتمل بسبب ارتفاع السكر لديه وحاجته لابرة انسولين" يقول شقيقه باكياً ثم يضيف "لقد تحول حلمنا الى كابوس".

 

وصل كيلان، المصاب بالسكري، مع اثنين من أشقائه وشقيقته وزوجها وابنهما الصغير الى روسيا البيضاء في 14 من تشرن الأول/ اكتوبر، مثل آلاف آخرين من العراقيين الفارين من أوضاع بلادهم، وحاولوا طوال اسبوع العبور الى بولندا مع حقائب صغيرة ضمت اغذية بسيطة وادوية، لكن كل محاولاتهم فشلت أمام الأسلاك الشائكة وحرس الحدود الذين أوقفوا العائلة وأعادوا بالقوة بعضاً من افرادها الى روسيا البيضاء عدا شقيقة كيلان التي دفعت اصابة بالغة في قدمها وفقدانها للوعي الى ادخالها لمستشفى بولندي، فيما أعيد الآخرون بالقوة الى الحدود.

 

قبل ذلك بنحو شهرين، وتحديدا في صباح يوم الأربعاء الرابع من آب/ أغسطس 2021 توفي جعفر حسين يوسف، وهو عراقيٌ في الأربعين من عمره من مدينة النجف، أمام عناصر من حرس حدود روسيا البيضاء في منطقة ميدينينكاي المتاخمة للحدود الليتوانية.

 

وحسب إفادة سكان محليين عثروا على الرجل الذي لم تكن بحوزته أية أوراق ثبوتية، فإنه كان عائداً من الجانب الليتواني ومصاباً بجراح نازفة في إنحاء متفرقة من جسده.

 

حادثة الوفاة حصلت بعد يوم واحدٍ فقط من اعادة ليتوانيا نحو أربعين مهاجراً بالقوة الى روسيا البيضاء بعد ساعات من عبورهم إلى الجانب الليتواني، معظمهم عراقيون بعد تعرضهم للضرب المبرح.

 

تلك الرواية نقلتها وسائل إعلام بيلاروسية، فرد عليها وزير الدفاع الليتواني أرفيداس أنوشاوسكاس بأنها "مسرحية دبرتها مينسك".

 

مينسك هي عاصمة بيلاروسيا (روسيا البيضاء) والتي يتدفق إليها يوميا ومنذ أشهر عشرات العراقيين الطامحين للهجرة الى أوربا بطرق مختلفة بينها رحلات سياحية جوية قادمة من تركيا والامارات وسوريا، وقبلها من الأردن ومصر ولبنان والعراق.

 

تقدر منظمات معنية بأوضاع اللاجئين وجود أكثر من 10 آلاف مهاجر في روسيا البيضاء يريدون العبور الى دول الاتحاد، معظمهم عالقون في غابات بمناطق حدودية محاطة بالاسلاك الشائكة بين روسيا البيضاء وبولندا. نحو نصف هؤلاء عراقيون، والجزء الاكبر منهم قادمون من اقليم كردستان.

 

يردد نواب ونشطاء كرد رقم 4000 كمتوسط تقديري للكرد العالقين على الحدود البولندية بلا خيم ودون طعام أو ماء ويواجهون معركة حياة او موت مع البرد في ظل درجات حرارة تقترب من الصفر في ساعات الليل.

 

هذا أكبر تدفق لللاجئين من روسيا البيضاء الى اوربا منذ زمن بعيد، فتلك الدولة لم تكن ميدانا للعبور لكنها اضحت منذ ربيع العام الحالي وبتشجيع من سلطات تلك الدولة نقطة عبور رئيسية.

 

سجلت حدود البلدين الشرق أوربيين روسيا البيضاء وليتوانيا خلال سنة 2020 مرور 81 لاجئاً غير شرعي فقط، في حين أن أكثر من 4000 شخص اجتازوها في الأشهر الثمان الأولى من 2021، بحسب احصاءات رسمية، غالبيتهم عراقيو الجنسية. تلك هي الأرقام المسجلة فقط وهناك آلاف آخرون عبروا الحدود باتجاه بولندا وليتوانيا ومنها الى بقية دول الاتحاد الأوربي دون ان توقفهم السلطات، بحسب العديد من المهربين والمهاجرين الذين وصلوا فعلا عبر طرق مختلفة أيسرها كانت سيارات معدة سلفا من قبل مهربين بولنديين.

 

Image

 

دهوك وشيلادزي بكردستان

في محافظة دهوك، لا حديث للشباب الكرد الا عن الهجرة لأوربا، فذلك حلم يجمع معظم الشباب في ظل ارتفاع نسبة البطالة في صفوفهم، إذ تعود آخر وجبة تعيينات حكومية الى ما قبل العام 2014 في حين لا تتوفر فرص عمل في القطاع الخاص الضعيف والمهمل.

 

في بلدة شيلادزي على الحدود التركية، يقدر صحفيون مهتمون بملف الهجرة عدد الشباب  المهاجرين خلال أربعة أشهر بنحو 500 فرد، حتى ان عائلات كاملة رحل جميع أبنائها الذكور.

 

يقول بائع حقائب في البلدة غير المستقرة امنيا والتي تعاني من نسب بطالة عالية نتيجة تعرضها لهجمات جوية تركية متكررة توقع ضحايا في الغالب، ان عمله انتعش في بيع حقائب الظهر، فقد باع في وقت قصير عدة وجبات منها. ويضيف أعرف العديد منهم، هناك قريب لي اسمه حجي، رحل ابنه نور الدين ووصل الى المانيا عبر روسيا البيضاء، وشقيقه حسين وصل الى فرنسا.

 

من جهته، يقول آري جلال مسؤول مؤسسة "لوتكه" لشؤون المهاجرين واللاجئين، ان الأشهر العشر الاولى من العام 2021 سجلت هجرة 37 الف شخص من العراق، معظمهم من اقليم كردستان، منبها الى ان الأرقام تتصاعد بنحو مقلق بسبب "عدم اكتراث حكومة الاقليم لمطالب الشباب وتوقف تعيين خريجي الجامعات وتوفير فرص عمل".

 

ويضيف جلال انهم سجلوا خلال العام الحالي 10 حالات وفيات وهناك 12 مفقودا، فيما بلغ عدد الذين هاجروا من العراق خلال السنوات السبع الفائتة 633 ألفاً و273 شخصا، فقد 261  منهم حياته و185 مازالوا مفقودين.

 

ويشير الى أن أعداد المهاجرين خلال العام الماضي كانت 34 الفاً، في حين بلغت خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي وحده بلغ ا 37 الف مهاجر.

Image

خارطة الرحلات اليومية

لا يقتصر السفر الى روسيا البيضاء على الكرد العراقيين، بل شمل أيضا مئات العرب، يؤكد ذلك مدير مكتب للسياحة والسفر في وسط بغداد، مبيناً أن الإقبال زاد فجأةً وبنحو غريب على حجوزات تذاكر الطيران السياحية إلى روسيا البيضاء في شهر أيار/ مايو تحديدا. 

 

وأوضح ان سعر التذكرة اختلف بحسب عدد المحطات قبل الوصول وفترة الحجز ما قبل موعد الرحلة وهوية شركة الطيران، وهي تتراوح بين 800-1500 دولار للشخص الواحد.

 

مدير المكتب الذي شدد على عدم ذكر اسمه، نفى علمه بوجود مهربين ينظمون عملية سفر العراقيين إلى روسيا البيضاء، قائلاً :"سيكون من الغباء ذلك، لأنه كان بوسع أي شخص حجز تذكرته والسفر إلى روسيا البيضاء، طبعا قبل الاجراءات الأخيرة بوقف الرحلات". ويستدرك "ربما هناك مهربون يعملون على نقلهم من بيلاروسيا الى دول الجوار".

 

ويؤكد أن حجوزات السفر قبل صيف 2021 كانت تجري بنحو عادي للراغبين بالدراسة هناك أو السياحة، لكن مع شيوع الأخبار بشأن عبور الناس من هناك إلى ليتوانيا زادت اعداد طالبي السفر لتبلغ الرحلات من مطار بغداد وحده أربعة رحلات في الأسبوع "كان أمراً جيداً بالنسبة الينا".

 

وعن توقف الرحلات المباشرة من العراق إلى روسيا البيضاء يقول: "هذا ليس مهماً بالنسبة لمن يريد الهجرة، فالرحلات قائمة بين بغداد وكل من دمشق ودبي وإسطنول ومن العواصم الثلاث إلى بيلاروسيا، فلامعنى لوقف الرحلات من بغداد!".

 

"الأمر لا يتعلق بتغير مزاج المهاجرين غير الشرعيين دون محرك خفي، فباتوا يقصدون ليتوانيا عبر روسيا البيضاء بدلاً من معابر تركيا البحرية والبرية نحو أوربا" يقول مدير مكتب السياحة، مشيراً إلى أنه يتلقى كل يوم الكثير من الاستفسارات عن الرحلات المتوفرة إلى روسيا البيضاء "من الواضح أن جهة مؤثرة تروج للناس أن هذه الطريق سالكة لمن يريد الهجرة حتى لو أغلق معبر هنا وهناك".

 

ويتابع مبتسماً كمن يحاول دفع تهمة عن نفسه: "بالتأكيد هذه الجهة ليست مكاتب السفر والسياحة!".

 

ما يردده العاملون في مكاتب السياحة سراً، يعلنه مهاجرون فـ(ت. قاسم) الايزيدي العراقي الذي وصل الى روسيا البيضاء في آب الماضي وتوجه منها الى المانيا، قال ان رحلته كانت سهلة ولم تتطلب الا بضعة ايام قبل ان يتم تكثيف نشر الحراس على الحدود "ففي الجانب البلاروسي لا أحد يعترض طريقك الى الحدود، بل ان بعض رجال الأمن كانوا يدعمون ويرشدون اللاجئين الى أفضل الطرق للعبور".

 

Image

 

ترويج للهجرة أونلاين!

طوال أشهر ظلت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تعلن عن الرحلات السياحية إلى روسيا البيضاء وطرق العبور من هناك إلى دول أخرى كألمانيا، منها حساب على الفيسبوك يحمل أسم (الهجرة من بيلاروسيا إلى أوربا) تنشر فيه وبنحو مستمر إعلانات مكاتب سياحية أغلبها سورية.

 

يضم الإعلان في العادة مدة الحصول على الفيزا إلى روسيا البيضاء مع وعد بأنها لن تستغرق أكثر من أسبوعين وخطة رحلة تستغرق أسبوعاً واحدا ورحلة الطائرة والاستقبال في المطار والحجز الفندقي لأسبوع وكل ذلك بمبلغ يتراوح بين 2000- 2300 دولار للشخص الواحد.

 

كاظم غليان مواطن من مدينة الناصرية جنوبي العراق، قال بأنه تواصل مع شخص عبر الفيسبوك في شهر أيار/مايو2021 كان قد نشر اعلاناً عن خدمات يقدمها للراغبين بالهجرة ووجهه لطريقة الحصول على تأشيرة سفر من بغداد وكيف انه استقبله في مينسك بروسيا البيضاء ورافقهُ إلى حدود ليتوانيا مقابل مبلغ قال أنه ليس بالكبير.

 

كاظم كان في نهاية أيلول يتحدث من على الحدود بين روسيا البيضاء وليتوانيا بعد محاولتي عبور فاشلة تعرض في واحدة منها للضرب المبرح. لكنه يرفض مثل مئات آخرين غيره العودة إلى العراق بسبب ما قال أنها ميليشيات تستهدفه بسبب نشاطه المعارض للحكومة.

 

لا يقتصر المهاجرون الذين ينتظرون فرصة العبور من روسيا البيضاء الى دول الاتحاد الاوربي، على أبناء مدن اقليم كردستان، فهناك المئات قدموا من جنوب العراق كمحافظة النجف التي ينافس مواطنون منها مواطني إقليم كردستان في نسبة قاصدي روسيا البيضاء.

هؤلاء تدفقوا على مينسك مدفوعين بحلم الإقامة في أوربا بعد ان روج مهربون بمساعدة شركات سياحية امكانية تحقيق ذلك مقابل مبالغ لقاء "التنسيق" المزعوم لتسهيل المرور صوب الحدود الليتوانية.

 

يقول حيدر مناف (38 سنة)، أنه أقدم فعلياً على دفع قسط أول من المبلغ المتفق عليه وهو 2000 دولار بضمنها تذكرة السفر، لإيصاله إلى أوربا "صديق لي هو من يتكفل بذلك". يتابع محاولاً بث ثقته المتزعزعة بخطة سفره بالكامل بعد سماعه قصص العالقين بين روسيا البيضاء وليتوانيا وأولئك المحتجزين في المخيمات بظروف معيشية صعبة "في النهاية هناك الكثيرون ممن وصلوا".

 

تؤكد هذا جنان عبد الكاظم هادي السالمي (42 سنة) وهي من مدينة النجف أيضاً، محتجزة في مخيم للاجئين في الجانب الليتواني، تصف الوضع فيه بالمزري، مشيرةً إلى أن مستوى الخدمات سيء للغاية والخدمة الصحية أسوء بكثير. تقول باستياء "هم ينتظرون حتى تسوء حالة المرضى بدرجة كبيرة قبل أن يتدخلوا ويرسلوه للعلاج".

 

جنان لديها ورقة مثبتة عليها صورتها ومعلومات شخصية عنها، تشير إلى أنها قد سجلت من قبل حرس الحدود الليتواني: "هذا كل ما لدي أنا وزوجي وأطفالنا الأربع" تقول بحيرة لكونها لا تعرف ماذا سيحدث في الأسابيع المقبلة أو كم سيطول مكوثهم في ذلك المخيم الذي هو بمثابة معتقل، حسب وصفها.

 

"لكن علينا مواجهة الأمر أًيا كانت صعوبته، إنه أفضل من البقاء هناك، توجه يدها إلى اليسار كإشارة مفترضة إلى العراق.

 

"زوجي ناشط مدني، تعرض إلى محاولتي إغتيال من قبل مجهولين، لذا توجب علينا الرحيل والبحث عن مكان آمن".

 

البحث هذا كلف العائلة 5000 آلاف دولار أمريكي ثمناً لتذاكر الطيران لجميع أفراد العائلة وحال وصولهم إلى مينسك بطائرة تابعة للخطوط الجوية العراقية أقلعت بهم من مطار بغداد الدولي، توجهوا إلى الحدود الليتوانية والقي القبض عليهم فور اجتيازهم لها.

 

ترفض هي وغيرها من العراقيين المحتجزين في العديد من المخيمات المقامة في الجانب الحدودي من ليتوانيا العودة إلى العراق على الرغم من المحاولات الليتوانية لإقناعهم بتعويض يبلغ (300) يورو، وأجور تذاكر طيران العودة.

وهي تشعر بالقلق حيال ما تسمعه باستمرار من امكانية قيام الليتوانيين بإعادتهم الى الجانب البيلاروسي مما سيعني في النهاية العودة إلى العراق.

Image

التزام عراقي بالعودة الطوعية

إيفان فائق جابرو وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية، عبرت عن التزام العراق بالعودة الطوعية للعراقيين المهاجرين دون إجبار ووقوفه بالضد من منع أي مواطن من السفر إلى الخارج لكون ذلك "حرية شخصية".

 

ووصفت جبرو ما ينجذب إليه المهاجرون من حلم اللجوء إلى أوربا عبر ليتوانيا وبولندا بالوعود الكاذبة، معبرةً عن أسفها لوقوع عراقيين فيما قالت أنها "شراك شبكات الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وضحية الاستغلال المادي".

 

إضافة إلى جعفر حسين الذي توفي على الحدود بين روسيا البيضاء وليتوانيا في شهر آب/أغسطس 2021، وكيلان دلير الذي توفي في المنطقة المحرمة على الحدود البلاروسية والبولندية، عثر حرس حدود روسيا البيضاء في الأول سبتمبر 2021 على جثة امرأة عراقية أيضا على حدود بولندا كان برفقتها ثلاثة أطفال صغار وزوجها اليائس الذي قال بأن جنوداً بولنديين أجبروهم على السير حفاةً والعودة إلى حدود روسيا البيضاء، أي من حيث دخلوا إلى بولندا.

 

ويتناقل نشطاء ومهاجرون قصصا على ضحايا آخرين، من العراق وسوريا، هم يعدون مفقودين اليوم بعد ان تم دفعهم في أحد الأنهر بين روسيا البيضاء وبولندا. يقول أحد المهاجرين في فيديو: لقد رمونا في النهر بعضهم لم يستطع الخروج والعبور للضفة الاخرى "اعتقد انهم ماتوا كما مات آخرون في الغابات نتيجة الضرب أو المرض والجوع، ربما بعد أشهر سنسمع قصص العديد من المفقودين".

 

توارد الأخبار في مطلع آب/اغسطس2021 بشأن تدفق عشرات اللاجئين العراقيين عبر الحدود الليتوانية والبولندية واللاتفية قادمين من روسيا البيضاء، دفع وزير خارجية الاتحاد الأوربي جوزيب بوريل إلى اتهام العراق بالسماح لاستخدام مطار بغداد " لنقل المهاجرين إلى- بيلاروسيا- والانتقال من هناك بواسطة حافلات إلى ليتوانيا بنحو غير قانوني".

 

مستشارية الأمن القومي العراقي، أصدرت بياناً ردا على تصريحات بوريل، أكدت فيه أن هنالك "عصابات للهجرة غير الشرعية هي من تغري سياحاً عراقيين بالعبور نحو ليتوانيا، وان العراق لا يشجع مواطنيه على الهجرة مطلقاً".

 

تابع البيان مكرراً تصريحات مسؤولين عراقيين في أوقات سابقةـ ان مطار بغداد الدولي مخصص للسفر الشرعي فقط وان "روسيا البيضاء تسمح شرعيا وقانونيا للسياح العراقيين بدخول أراضيها فلا يمكن للدولة العراقية أن تمنع مواطنيها من السفر الى دولة بشكل شرعي ولا تستطيع أي دولة في العالم أن تقوم بمنع مواطنيها من ذلك".

 

وعلى الرغم من رفض العراق اتهامات الإتحاد الأوربي إلا أنه رضخ لتهديداته بفرض عقوبات ضده وعلقت الخطوط الجوية العراقية بدءاً من الرابع من آب/اغسطس 2021 رحلاتها الأسبوعية الأربع إلى روسيا البيضاء وسيرت فقط رحلات لإجلاء مواطنين عراقيين عالقين هناك وأعادت بالفعل نحو 300 واحداً منهم.

 

د. مخلص عبد الوهاب، مختص بالقانون الدولي، ذكر بأن طلب الإتحاد الأوربي من العراق وقف رحلاته الجوية إلى روسيا البيضاء تدخل صارخ في شؤونه الداخلية وكان ينبغي عدم الإذعان لذلك.

 

وأوضح أن العراق يمكن ان يوقف رحلاته الجوية إلى روسيا البيضاء في حالات عدة كرفض الأخيرة استقبال رحلات من العراق أو "صدور قرار دولي ملزم بذلك".

 

وبخلاف ذلك يرى أن لا علاقة للعراق بالخلافات بين الإتحاد الأوربي وروسيا البيضاء وأن الأخيرة تستخدم المهاجرين كورقة ضغط أو تنتقم بهم من الاتحاد الأوربي بغض النظر عن جنسية هؤلاء المهاجرين عراقيين كانوا أم غير ذلك. 

 
 

الهجرة نحو المجهول

بسبب الأحداث التي جرت في العراق خلال العقود الأخيرة كان طريق الهجرة إلى الخارج هو الحل الأخير المتاح أمام الكثير من العراقيين وكان للكرد منهم تحديداً نصيب الأسد ولاسيما بعد حرب 1973 وحملات الأنفال ضدهم في ثمانينيات القرن المنصرم وتدمير آلاف القرى الكردية وسياسة تعريب مناطقهم التي اتبعها نظام البعث الحاكم وقتها.

 

وهو ما جعل الكرد يشكلون جاليات في مختلف دول العالم باتت لاحقاً فناراتٍ يهتدي بها الراغبون بالهجرة من إقليم كردستان حتى بعد تشكيل الاقليم في العام 1991 بارادة دولية نتيجة تدهور الاوضاع الاقتصادية في التسعينات وبعد غزو تنظيم داعش لمناطقهم في 2014 .

 

فرهاد بامرني (38 سنة) احتاج إلى سبعين يوماً لكي يتمكن أخيراً من الوصول إلى ألمانيا بعد أن قطع طريقاً طويلة بدأها في شهر حزيران/يونيو2021 من مطار أسطنبول إلى مينسك ومن ثم عبر الحدود الليتوانية ومن هناك اجتاز عدة دول أخرى قبل بلوغه ألمانيا حيث يتواجد اثنان من أشقائه منذ نحو عشر سنوات.

 

يقول ان الوضع الاقتصادي الصعب وانتشار الفساد في إقليم كردستان دفعه للهجرة، لأن عمله كسائق سيارة أجرة لم يكن كافياً لتأمين متطلبات عائلته في ظل عدم وجود أي رؤية حكومية لتصحيح الأوضاع : "قررت الهجرة رغم ان وضعي كان  أفضل من الآخرين، خاصة الموظفين في دوائر الدولة حيث تتأخر رواتبهم أو يستقطع جزء منها دون سند قانوني ولا يمكنهم الاعتراض".

 

ويلفت فرهاد إلى أن العديد من أصدقائه في روسيا البيضاء مازالوا حتى بعد نشر الآلاف من الحرس على حدود بولندا يحاولون إيجاد طريقة ليتجاوزوها ويلتحقوا به "كنت محظوظاً لكن الكثيرين لم يكونوا كذلك، أتمنى لهم النجاح في النهاية لأنهم لايريدون سوى العيش بأمان وكرامة لا أكثر".

 

هجرة العراقيين العرب حديثة مقارنة بمواطنيهم الكرد، لكنها ومنذ 1991 ازدادت بسبب الحروب المتلاحقة وتدهور الوضع الاقتصادي في التسعينات نتيجة العقوبات الاقتصادية ولاحقا الانهيار الأمني والصراع الداخلي بعد سقوط نظام حزب البعث في نيسان/أبريل2003. لكن هجرة أخرى برزت في العامين الأخيرين بعد انطلاق احتجاجات تشرين الأول اكتوبر 2019 ضد النظام السياسي والقوى الحاكمة.

 

محمد مجهول عبد العيساوي (45 سنة) الذي نشط في تظاهرات واعتصامات تشرين التي شهدتها بغداد ومحافظات الجنوب، تعرض الى محاولة اغتيال مطلع 2021، وهوجم منزله بقنابل صوتية، واضطر لأشهر العيش متخفيا من المليشيات.

 

طغى الأسى على نبره صوته وهو يتحدث إلينا عبر "واتساب" من مخيم احتجاز ليتواني "قبلها خطفني عناصر من سرايا السلام في نيسان 2020 من مدينة النجف ونجوت باعجوبة".

 

مع الخطر على حياته، اضطر العيساوي للسفر إلى روسيا البيضاء ومعه زوجته وأطفاله الخمس برحلة على متن الخطوط الجوية العراقية من مطار بغداد الدولي في 18 تموز/ يوليو 2021.

 

"كان يجب أن أغادر.. هناك أنت لا تعرف في أي ساعة يمكن أن تختطف أو تتعرض للقتل" قال وهو يهز رأسه، مؤكداً إصراره على الهجرة ليأمن على نفسه وأفراد عائلته من "انتقام" الميليشيات التي قتلت نحو 600 محتجاً مثله وجرحت أكثر من 20 الفا.

 

راح العيساوي، يسرد من ذاكرته تكاليف سفرته مجهولة النهاية "830 دولاراً أجور تذكرة سفر لكل شخص من مكتب للخطوط الجوية بمدينة الحلة، اضافة الى 55000 ألف دينار (37 دولارا) لكل شخص رسوم فحص طبي لـ كوفيد 19، فضلا عن أجور الاقامة الفندقية".

 

ويضيف إلى ذلك مبلغ 150 دولار أجور سيارتي أجرة أقلتهما بعد يومين من وصولهما الى مينسك للحدود الليتوانية وكان ذلك تحديداً في صباح يوم 21 تموز/ يوليو2021. نافياً استعانتهم وعراقيين آخرين رافقوهم بأي مهرب كما فعل كثيرين ممن قابلهم لاحقاً.

 

يقول العيساوي أنهم استخدموا تطبيق (Gps) للوصول إلى النقطة الحدودية التي أرادوها وبعد ترجلهم من سيارتي الأجرة مشوا على الأقدام برفقة مجموعة أخرى من العراقيين ومن جنسيات أخرى عرب وأفغان.

 

 وبعد ما يقرب من نصف ساعة أصبحوا على الحدود مباشرة ثم مشوا أربع ساعات أخرى في عمق غابة واسعة على أمل العثور على شارع ما ليستقلوا منه وسيلة نقل ما توصلهم إلى أقرب محطة قطار ويشقوا طريقهم منها إلى  ألمانيا.

 

"لكن بدلاً من عثورنا على الشارع، عثر علينا عناصر من الجيش الليتواني وأودعونا بمركز احتجاز".

 

اجريت لهم في اليوم التالي الفحوصات الطبية الخاصة بفايروس كوفيد 19، ثم نقلوا إلى مخيم، هو عبارة عن مدرسة وأدخل كل 25 شخصاً في صف واحد.

 

يواصل بينما ارتفعت نبرة صوته المتقطع "المكان غير صالح ونتلقى أسوء معاملة، الإنسانية التي كنت أسمع بأنها موجودة في أوربا يبدو أنها لم تصل إلى هنا". ويستدرك "اعرف اننا لسنا في أوربا الغربية، وهناك مشكلة عميقة مع بيلاروسيا، لكن لم اتوقع كل هذه المعاملة السيئة".

 

المكان بحسب ما يصفه العيساوي "قذر بنحو متعمد" ولا يوجد اهتمام بالمرضى حتى الاطفال منهم، وقد عرضوا عليه وأفراد عائلته مبلغ 300 يورو لكل منهم وتذاكر سفر مجانية للعودة الى العراق، لكنه رفض وبشدة.

 

ويستطرد بصوت حاد:"أخبرتهم اذا اردتم أعطيكم أنا أضعاف ما عرضتموه علينا فقط افسحوا لنا الطريق لكي نجد لنا بلداً أوربيا آخر يوفر لنا الحماية، فحياتي معرضة للخطر في العراق". سكت قليلاً ثم عد ليصرخ هذه المرة "عودتي تعني موتي المحقق إنهم لا يفهمون هذا".

 

الكاتب المتخصص بالشأن السياسي عادل كمال، يشير إلى أن الظروف غير الطبيعية التي يعيشها الفرد العراقي سواءً في إقليم كردستان وغيرها من مناطق البلاد هي التي تدفعهم للإقدام على خوض مغامرة الهجرة.

 

ويقول بأن "سوء المعاملة والاحتجاز وغيرها من الأمور التي يشكو منها المهاجرون الذين لم ينجحوا في عبور الأراضي الليتوانية والبولندية او اللاتفية تعد نزهة قصيرة مقارنة بالأهوال التي واجهها عراقيون سلكوا من قبل طريق البحر من تركيا إلى اليونان وللأسف غرق الكثير منهم".

 

ويرى كمال بأن وقف الرحلات الجوية من بغداد إلى مينسك والضغط لعدم منح فيز للعراقيين، مجرد مجاملة للإتحاد الأوربي "وحل ترقيعي لجات اليه الحكومة بدل إيجاد حلول عملية جذرية تقنع العراقيين بالبقاء في بلدهم متنعمين بخيراته بدلاً من إهدار كراماتهم على حدود البلدان الأخرى".

 

على الحدود بين روسيا البيضاء وليتوانيا تواصلنا مع شاكر شلاكة حسين الكلابي، وهو أربعيني من المشخاب التابعة لمحافظة النجف، مطلق ولديه ستة أطفال، سافر من مطار عالية في العاصمة الأردنية عمان عبر خطوط الملكية الأردنية إلى العاصمة التركية  أنقرة ومن هناك إلى مينسك في روسيا البيضاء، بتكلفة إجمالية بلغت 2000 دولار.

 

يقول بأن طليقته وأطفاله الست حصلوا عبر الامم المتحدة على لجوء انساني في كندا ولم يتم قبوله هو "سافروا في أواخر شهر تموز/يوليو 2021. حاولت وبشتى الطرق العبور الى أوربا لكي التحق بهم، ولكنني عالق هنا الآن ولا أعرف ماهو مصيري، هم لايخبروننا بشيء مطلقاً".

 

يصر شاكر على أنه لم يستعن بأي مهرب وانه فضلاً عن رفاق آخرين ثلاثة، اعتمدوا على انفسهم وتوجهوا الى الحدود الليتوانية وقطعوا غابة واسعة مشيا على الاقدام قبل أن تعتقلهم عناصر من الجيش الليتواني في قصة تشبه نهايتها قصصاً عاشها مثله مئات آخرون من المهاجرين العراقيين العالقين هناك

 

 

إيزيديون وكرد يائسون

أكثر من 100 ألف إيزيدي مازالوا يعيشون في مخيمات النزوح المقامة لهم في إقليم كردستان منذ ما يزيد عن سبعة سنوات بعد أن تعذر عليهم العودة إلى مناطقهم في قضاء سنجار غربي محافظة نينوى والتي نزحوا منها في 3 آب/ أغسطس إثر هجوم شنه داعش عليهم وتسبب بمقتل وخطف الآلاف منهم.

 

فصائل مسلحة متعددة الولاءات تتقاسم السيطرة على سنجار متسببة بمنع إعادة اعمارها وبالتالي اعاقة عودة الأهالي لمناطقهم، والبقاء بغالبيتهم في المخيمات وسط الفقر والإهمال على حد تعبير الشاب الإيزيدي مراد خدر (28 سنة).

 

سافر هو و35 إيزيدياً آخرين معظمهم شبان، من دمشق إلى روسيا البيضاء. يقول بأنه يعرف جيداً أن الأوضاع هناك سيئة ومحاولته قد لا تنجح في العبور إلى ليتوانيا أو بولندا أو لاتفيا لكنه لا يجد امامه سوى التحمل والمحاولة ربما يحالفه الحظ في احدى المرات.

 

"بقيت في مخيم النازحين أكثر من سبع سنوات، الدولة لن تفعل لنا نحن الايزديين شيئاً، كلها مجرد وعود لا يُنفذ منها شيء، في الأقل سأجرب حظي بدلاً من انتظار شيء لن يحدث ابداً في المخيم بدهوك".

 

وتقدر منظمات ومؤسسات ايزيدية عدد الايزيديين الذين هاجروا بأكثر من 120 الف شخص منذ هجوم تنظيم داعش في آب/ أغسطس 2014.

 

سرو (23 سنة) شاب إيزيديٌ آخر من منطقة شاريا في محافظة دهوك، سافر في العاشر من آب/ أغسطس2021 من مطار بغداد إلى دمشق ومن هناك إلى روسيا البيضاء، حاول مرات عديدة اجتياز الحدود الليتوانية لكن محاولاته لم تنجح، وبات الامر صعبا بعد غلق الحدود بالأسلاك الشائكة وتشديد رقابة عناصر الجيش.

 

يقول بأن مئات الإيزيديين، بينهم نساء وأطفال، عالقون على الحدود بين بيلاروسيا وليتوانيا يعانون من البرد والجوع "ربما العدد يقارب الألف، ولا أحد يمكن ان يلومنا، فنحن منذ سنوات بلا أمل ولا وطن".

 

ويدعو "سرو" المنظمات الدولية للتدخل وفتح الحدود أمامهم لكي يعبروا صوب ألمانيا "نحن لا نريد البقاء في ليتوانيا او بولندا، ولا يمكننا البقاء في بلاورسيا .. ننام في الشوارع لأننا لا نستطيع دفع نحو 100 دولار ثمن المبيت في فندق".

 

"سرو" الذي اكد ان مئات آخرين من الكرد بينهم عشرات الايزيديين في طريقهم للوصول الى روسيا البيضاء قادمين من تركيا وسوريا "بعضهم يعرف ظروفنا، وآخرون مخدوعون بكلام تجار البشر الذين يعِدون بايصالهم لألمانيا مقابل عشرة آلاف دولار للفرد الواحد".

 

يؤكد متابعون للشأن الإيزيدي ان بين 30 إلى 40 شخصاً إيزيدياً يسافرون يومياً إلى روسيا البيضاء على أمل ايجاد طريق سالكة من هنالك نحو ألمانيا التي تضم أكبر جالية إيزيدية.

 

يقول الصحفي والناشط المدني ميسر الأداني أن أبناء جلدته وبعد سبع سنوات من محاولة الابادة على أيدي عناصر تنظيم داعش في آب/أغسطس 2014 مازالوا يعيشون ظروفاً مأساوية في مخيمات النزوح "لو فتحت الطرق أمامهم لما بقي احد منهم في العراق".

 

آلاف العائلات الإيزيدية بحسب الأداني هاجرت العراق بطرق شرعية أو غير شرعية إلى أوربا وأمريكا وكندا واستراليا، تاركة خلفها كل شيء من أجل البدء بحياة جديدة "النازحون الايزيديون منسيون لا برامج حقيقية لاعادتهم، والوضع في سنجار سيء جدا، فلا استقرار أمني ولا اعمار ولا خدمات ولا تعويضات والدمار قائم في كل مكان، كما أن غالبيتهم العظمى بلا عمل ويعيشون على المساعدات".

 

يضيف: "حين تتجول في مخيمات النازحين بدهوك وزاخو ستكتشف سريعا ان كبار السن والنساء يشكلون غالبية المقيمين بعد ان رحل الشباب".

 

يردف اداني بصوت خفيض :"ليس سرا ان غالبية الباقين هنا يفكرون بالهجرة، ربما ما يمنعهم هو عدم توفر المبلغ الكافي للسفر. جل أحاديث الشباب تدور عن خططهم المستقبلية للهجرة.. الحقيقة انهم اذا لم يهاجروا اليوم، فسيفعون ذلك غداً".

 

يرجع النائب ببرلمان اقليم كردستان ريبوار بابكه يي، في تصريحات صحفية، أسباب هجرة الشبان الكرد الى البطالة والمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مناطق مثل رانية بيشدر وزاخو وشيلادزي في دهوك، وليس لأسباب سياسية او أمنية.

 

لكن ذلك يتقاطع مع المبالغ التي يدفعها المهاجرون للوصول الى هناك، فكلفة السفر تبلغ أكثر من عشرة آلاف دولار للشخص الواحد، واعلانات بعض مكاتب الحصول على الفيز تقول بان الرحلة متاحة الى مينسك بأسعار تترواح بين 3000 الى 4000 دولار حسب الطريق الذي سيتم اعتماده بعد وقف الرحلات عبر بغداد.

 

ويقر بابكه يي الذي يترأس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، بازدياد سريع في عدد الذين يهاجرون خاصة من مناطق السليمانية، لكنه يؤكد في ذات الوقت "انهم بالآلاف وليس بعشرات الآلاف".

 

ويحمل النائب جزء من المسؤولية لمكاتب "المهربين" الذين يروجون للهجرة ويقومون عبر شركاء باقتراح طرق عديدة مقابل مبالغ كبيرة "هذه المكاتب التي صار عددها كبيراً تعلن عن نفسها وخدماتهاعلى صفحات السوشيال ميديا، ويجب اغلاقها لأنها تساهم في الهجرة غير الشرعية وتقدم فرص تواصل مع المهربين داخليا وخارجياً".

 

ويضيف ان هؤلاء ضحايا مهربين وصراع دول، هم عالقون ولا يستطيعون العودة، فبولندا ولتوانيا لاتسمحان لهم بالدخول و روسيا البيضاء لا تسمح لهم بالعودة "ما ان تقوم مجموعة بالعبور الى الغابات الحدودية حتى تسارع الشرطة البيلاروسية الى غلق طريق العودة أمامهم بالأسلاك الشائكة والاعتداء على من يحاول العودة بالضرب".

 

خلال إعدادنا للتحقيق جرت عمليات ابعاد قسرية لطالبي لجوء من مخيمات في ليتوانيا إلى روسيا البيضاء. عدد من الذين تواصلنا معهم متواجدون حالياً في مخيم بالعاصمة مينسك وهو عبارة عن مستشفى قديم متهالك كان يحتجز بداخله في السابق مدمنو المخدرات وفقا لما ذكره مهاجرون.

 

يذكر "سجاد علي" وهو من أهالي مدينة النجف أن عددهم كان 150 شخصاً، تبقى منهم فقط 60 بعد أن قرر الآخرون العودة الطوعية للعراق، مبيناً أن كل واحد منهم يحصل على مبلغ 3.5 يورو يوميا بينما الاتحاد الاوروبي خصص لكل لاجئ 10 يورو يوميا، في اشارة الى ان السلطات البلاروسية تستقطع مبالغ منهم. يضيف "رغم ذلك الخدمات سيئة جدا والتعامل الإنساني تعيس" على حد تعبيره.

 

من خلال "تجربته المريرة" كما يقول سجاد، شهد وسمع بالعديد من عمليات النصب والاحتيال التي وقع فيها لاجئون على يد "مهربين أكراد" أخذوا مبالغ مادية تتجاوز العشرة آلاف دولار  فقط لايصال أشخاص الى ليتوانيا لكنهم ألقوا بهم على الحدود.

 

لم ينه وقف الرحلات الجوية من العراق إلى روسيا البيضاء، حلم الهجرة الذي يراود الكثير من العراقيين بمختلف انتماءاتهم "هرباً من اوضاعهم المعيشية ومن غياب العدالة والمساواة او ملاحقة المليشيات" كما يقول الناشط احمد حسن، بل شجعتهم روسيا البيضاء باستمرارها في فتح مطاراتها أمام تلك الأحلام مستخدمةً معاناة اللاجئين في حربها مع الإتحاد الأوربي.

 

حربٌ يقول الباحث عادل كمال "تهدر فيها كرامة العراقيين الذين تفشل دولتهم كالعادة في صونها".

 

في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 تحرك نحو 2000 مهاجر كردي بشكل جماعي الى الحدود البولندية تحت أنظار شرطة روسيا البيضاء، بعد دعوات على صفحات تواصل اجتماعي يستخدمها المهاجرون، لتشكيل ضغط على بولندا ودول الاتحاد الأوربي لفتح الحدود. بعد ساعات وصلت الجموع الى نقاط محددة على الحدود لكن الأجهزة الامنية البولندية كانت قد سبقتهم بتعزيز انتشارها على طول الحدود وتحت مراقبة جوية لمنع اي محاولة عبور.

 

الجموع التي انتشرت في نقطة رئيسية وعدة نقاط اخرى صغيرة، لا تملك اليوم الا البقاء بعد ان قطعت روسيا البيضاء طريق العودة عليهم، عليهم خوض معركة البقاء هناك بدرجة حرارة تصل الى الصفر وفي ظل نقص الأغذية والماء مع عدم قدرة المنظمات الانسانية على الوصول للمنطقة المحرمة قانونيا.

 

تقول سيدة اربعينية غطت جسدها ببطانية وهي تحتضن طفلتها التي لم تبلغ الثانية من عمرها وتعاني من ارتفاع في حرارتها :"الآن لا نملك خيارا غير البقاء هنا، نحن تحت رحمة الدول الأوربية ورحمة السماء.. سيموت الأطفال والكثير منا ان لم يكن من الجوع فمن البرد". تسكت السيدة بعد ان بدأت طفلتها بالبكاء.

 

أكمل زوجها الذي كان واقفا الى جوارها "لسنا ضحية الحرب التي تشنها بيلاروسيا على الدول الاوربية فقط، ولا ضحية مهربين ومكاتب سفر تستغل ظروفنا، نحن ضحية حكومات فاسدة في بلدان لا تعرف قيمة الانسان".

 

يردف الرجل، الذي بدا عليه النحول، بينما يضع المزيد من الحطب بيدين ملتهبتين على النار المشتعلة أمام زوجته "كل الخيارات مُرة أمامنا.. ربما أمرُها العودة الى بلد ينظر قادته الى أحلامنا ومعاناتنا كمغامرة مُستنكرة كونها تضر بسمعتهم".

 

 

 
 
 
 
 
بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand