تحليل معمق: عربيةDraw
يهدد حظرأحد تطبيقات المراسلة الشعبية في العراق بإثارة مواجهة بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والجماعات المسلحة الشيعية. فالمنافذ التي تشعر بأنها مستهدفة تعتبر أن هذا الإجراء أتى نتيجة ضغط أميركي بالتنسيق مع حكومة بغداد. ويرى آخرون أن الحظر جزء لا يتجزأ من مناورة تسبق الانتخابات المحلية التي ستُجرى في وقت لاحق من هذا العام.
منصة شعبية تثير الغضب
لقي تطبيق تلغرام إقبالًا كبيرًا في السنوات الماضية ليصبح من بين المنصات الأكثر شعبية وقوة في العراق لنشر التعليقات والأخبار. في يناير/كانون الثاني، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء سعد معن، إن نحو 16 مليونًا من سكان العراق البالغ عددهم 43 مليونًا يستخدمون تطبيق المراسلة الذي يتخذ من دبي مقرًا له. ففي خطوة غير متوقعة، تحركت وزارة الاتصالات العراقية في 6 أغسطس/آب لحظر التطبيق في المحافظات الخاضعة لسلطة الحكومة الفدرالية.
وبررت الوزارة الإجراء في بيان صحفي قائلة: "نلفت انتباه مستخدمي الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) في العراق، إلى أن حجب تطبيق (تلغرام) جاء بناء على توجيهات الجهات العليا لمحددات تتعلق بالأمن الوطني، وحفاظًا على البيانات الشخصية للمواطنين، التي خرق التطبيق المذكور سلامة التعامل بها خلافا للقانون". ويُعتقد أن الإشارة إلى "السلطات العليا" هنا تعني السوداني.
والجدير بالذكر أن الحظر لا يطال إقليم كردستان العراق، حيث لا يزال التطبيق متاحًا. ويمكن للمستخدمين أيضًا استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) للوصول إلى التطبيق في المحافظات التي يتم حظره فيها.
وهكذا أثار القرار المفاجئ غضب مديري قنوات تلغرام المقربين أو التابعين لبعض الجماعات الشيعية المسلحة. وجاءت الضجة الأعلى من قناة صابرين نيوز وهي قناة تنقل الأخبار السياسية والأمنية. فإلى جانب نشرها التسريبات المزعومة، كانت صابرين نيوز أول من يبلغ عن الهجمات التي تستهدف القوات الأجنبية، بما في ذلك القوات الأميركية، في مناسبات متكررة. وأشار المنفذ المؤثر الذي يتابعه أكثر من 300,000 مشترك، إلى أنه هدف رئيسي لحظر التطبيق من قبل حكومة السوداني. وفي الوقت نفسه، أعربت قنوات أخرى على تلغرام، مثل فاطميون وجمهورية حناطة، عن غضبها بسبب الحظر المذكور.
وفي اليوم التالي لإعلان وزارة الاتصالات، هددت صابرين نيوز بالعمل ضد قرار الحظر. وعلى الرغم من أنها لم توضح بالتفصيل الإجراءات التي قد تتخذها، إلا أن مديري القناة حذروا من أنه "إذا لم يتم رفع الحظر في غضون 72 ساعة، فسوف يسمع العراقيون أصواتًا غريبة في كل مكان". وقد يشير هذا التلميح إلى إمكانية تنفيذ عمليات قصف على أماكن معينة من قبل إحدى الفصائل المسلحة.
صعود صابرين نيوز
تطبيقًا للعقوبات التي فرضتها القوانين الأميركية، بدأت خوارزميات فيسبوك في السنوات الأخيرة تقيد مصطلحات معينة مثل "قوات الحشد الشعبي" بالإضافة إلى أسماء شخصيات بارزة في القوة العراقية الجامعة. ومن بين تلك الشخصيات نائب رئيس الحشد الشعبي الراحل أبو مهدي المهندس. كذلك، يحذف فيسبوك بشكل تلقائي صور ومقاطع فيديو لزعماء شيعة مثل قيس الخزعلي، أمين عام عصائب أهل الحق، وأكرم الكعبي، أمين عام حركة حزب الله النجباء.
في هذا السياق، برز تطبيق تلغرام كمتنفس للجماعات الشيعية المسلحة. واعتمدت فصائل "المقاومة" والفصائل الأخرى التابعة لإيران بشكل أساسي على المنصة في أنشطتها الإعلامية. وقد كان تطبيق المراسلة مفيدًا بشكل خاص لمثل هؤلاء الفاعلين لأنه يتيح للمستخدمين إنشاء قنوات بسهولة، ومجموعات يمكن لأي شخص الانضمام إليها لنشر المحتوى مع الحفاظ على السرية التامة لهويته. وقد مهد ذلك الطريق أمام ناشطين من الفصائل الشيعية للالتقاء تحت مظلة صابرين نيوز التي يقال إنها تدار من داخل العراق وكذلك من إيران ولبنان.
وفي حين أن الأشخاص الذين يديرون القناة الشعبية غير معروفين في العلن، علم موقع أمواج.ميديا أنهم مجموعة من الشباب الذين قاتلوا في حرب 2014-2017 ضد تنظيم الدولة الإسلامية، داعش. وقال مصدر مطلع مقرب من قناة صابرين نيوز شريطة عدم الكشف عن هويته إن فريق التحرير "يتبنى إجراءات أمنية عالية المستوى". وبحسب المصدر، "لا أحد من أعضاء فريق صابرين نيوز يركب سيارات فارهة أو يرفع صوته على الناس. إنهم أفراد بسطاء". وفي الوقت نفسه، أضاف منذرًا أنهم "لن يغفروا لمن يهاجم [صابرين نيوز]".
اليوم، تنافس هذه القناة المنافذ الرسمية للجماعات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران في نفوذها والجمهور الذي تصل إليه.
الأهم من ذلك، بينما يُنظر إلى صابرين نيوز على نطاق واسع على أنها منصة بارزة لفصائل "المقاومة"، لا يبدو أنها تابعة لأي كيان بذاته. وقال المصدر المقرب من القناة لموقع أمواج.ميديا إن "صابرين نيوز لا تتبع أي جماعة مسلحة أو سياسية، بل إنها كيان مستقل يدافع عن المستضعفين". وعزا المصدر الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته نظرًا لحساسية الموضوع "قوة" صابرين نيوز إلى "أنها لا تنتمي إلى أي جهة". ونفى مزاعم الدعم الأجنبي وأوضح أن "إيران ليست مسؤولة عن القناة بدليل أن صابرين نيوز تنتقد جميع القادة الشيعة بمن فيهم بعض قادة الجماعات المسلحة".
يدرك متابعو للقناة أن صابرين ركزت انتقاداتها منذ فترة طويلة على الناشطين والسياسيين على حد سواء. ولعب المنفذ دورًا رئيسيًا مع ظهور حركة تشرين الاحتجاجية المعارضة في خريف عام 2019. وقد أدت المظاهرات المناهضة للمؤسسة إلى إنهاء مبكر لرئاسة الوزراء عادل عبد المهدي (2018-2020)، الذي دعمته صابرين بشدة. وفي خضم قمع الاضطرابات، التي قيل إنها خلفت ما يقرب من 600 قتيل، اتُهمت صابرين نيوز بالتحريض ضد النشطاء والمتظاهرين والصحفيين.
وعندما تولت إدارة مصطفى الكاظمي (2020-2022) السلطة، لم تسلم من هجمات صابرين نيوز. وفي الوقت نفسه، تم استهداف القادة الشيعة الذين يُنظر إليهم على نطاق واسع على أنهم منتمون إلى عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، ما يشير على الأقل إلى بعض الاستقلالية عن هذين الفصيلين الشيعيين.
تغير في اللهجة تجاه السوداني
منذ توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تلقى السوداني دعمًا كبيرًا من صابرين نيوز. ومع ذلك، في أعقاب حظر تلغرام، تحول المنفذ في غضون ساعات قليلة إلى عدو لدود لرئيس الوزراء. وبدأ المنفذ بنشر تغطية سلبية للحكومة إلى جانب نشره وثائق مزعومة تتهم وزيرة الاتصالات هيام الياسري المقربة من السياسيين الشيعة بالفساد والقصور. كما ركزت القناة استهدافها على مدير المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ربيع نادر. ولم يسلم مستشاراه الإعلاميان، ضياء الناصري وهشام الركابي من الهجوم أيضًا إذ اتهمتهم صابرين نيوز بالوقوف وراء اقتراح حظر تلغرام.
كما توضح منشورات صابرين نيوز في الأيام الأخيرة أن مسؤوليها يعتبرون السفيرة الأميركية في العراق ألينا رومانوسكي المحرك الأساسي وراء حظر تلغرام. ففي إحدى المنشورات التي تم تداولها على القناة، وُصف السوداني ووزيرة اتصالاته على أنهما جزء من "أمة رومانوسكي"، وهو تعبير يستخدم للإشارة إلى انتمائهما المزعوم إلى الدبلوماسية الأميركية.
في أعقاب حظر تلغرام، أعرب مسؤولو صابرين نيوز أيضًا عن استيائهم من قادة الإطار التنسيقي الشيعي، ملمحين إلى شعور بالخذلان تجاههم لأنهم لم يدافعوا عنهم. ويجدر الذكر أن مجموعة الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران والمنضوية ضمن الإطار التنسيقي هي التي أوصلت السوداني إلى رئاسة الوزراء في الخريف الماضي بعد نزاع استمر لمدة عام مع التيار الصدري المنافس.
وفي رد على اتهامات صابرين نيوز، قال مسؤول في مكتب السوداني لأمواج.ميديا: "لا توجد ضغوط دولية أو خلافات شخصية وسياسية مع أي منصة أو جهة... ولا ينبغي اعتبار كل قرار حكومي خلافًا أو موقفًا تجاه شخص معين". وأكد المصدر أن قرار الحظر صدر فقط لأن "التطبيق تحول إلى مساحة لنشر بيانات المواطنين [الشخصية]... وهذا يضر بأمن كل من المواطنين والدولة... إن حظر هذا التطبيق يحفظ مصالح الجميع".
الأهم من ذلك، أكد المسؤول أنه لا يوجد وضوح بشأن ما إذا كان يمكن رفع الحظر في أي وقت قريبًا لأن تلغرام "لم يستجب لمطالبنا أو رسائلنا". وتابع: "من غير المقبول أن تستمر القنوات التي تضر بأمن العراقيين [تعمل] من دون اتخاذ أي إجراء ضدها". ويبدو أن التلميح هذا يشير إلى التسريب المستمر لبيانات العراقيين الذين لديهم ملفات في مؤسسات الدولة من قبل بعض قنوات تلغرام. وقد أطلقت هذه القنوات قبل أشهر ما بدا أنه مزادات لبيع البيانات. وأثار ذلك غضب الحكومة، بما في ذلك وزيرة الاتصالات الياسري المعروفة بقربها من رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.
إن الحظر المفروض على تلغرام يعني أنه تم كسر جناح شيعي عراقي رئيسي. فالمنافذ الإعلامية التي أنشأتها إيران أو الأحزاب الشيعية في عراق ما بعد 2003 على الرغم من وفرتها، لم تكن مؤثرة مثل صابرين نيوز على المنصة الشعبية. ويبقى أن نرى ما إذا كانت عملية الحظر ستصبح دائمة، وإذا كانت الإجابة نعم، فهل ستخلق واقعًا جديدًا. حتى ذلك الحين، قد تستمر الحرب الكلامية بين صابرين نيوز وحكومة السوداني خاصة قبيل انتخابات مجالس المحافظات المقبلة.
المصدر: أمواج ميديا
Read more