Draw Media

معهد واشنطن: تذليل عقبة أخرى قبل إجراء الانتخابات العراقية

الحصاد draw: صفوان الأمين, بلال وهاب - معهد واشنطن أسفر التوصل إلى حل وسط معقد اتخذه "مجلس النواب العراقي" إلى إعادة تنشيط بعض الآليات المطلوبة للانتخابات المقترحة المقرر إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر، ولحل محتمل للنزاع حول الطاقة في «إقليم كردستان»، على الرغم من أن المؤسسات القانونية المتعثرة في البلاد لا تزال تعرقل عملية الإصلاح. في 19 آذار/مارس، عدّل "مجلس النواب العراقي" القانون رقم 30 لعام 2005 الذي أنشأ "المحكمة الاتحادية العليا"، وهي أعلى محكمة دستورية في البلاد. وعلى الرغم من أن القرار نابع من تسوية سياسية شائكة وفشل في حل المشاكل القانونية الأعمق في العراق، إلا أنه مع ذلك سيساعد في التغلب على عقبة خطيرة أمام إجراء انتخابات مبكرة في تشرين الأول/أكتوبر. وقد ظلت "المحكمة الاتحادية العليا" معطّلة منذ عام 2019 بسبب أزمة دستورية ذاتية، لكن بإمكانها الآن الوفاء بالواجب المنوط بها من خلال التصديق على نتائج الانتخابات. وقد تكون قادرة أيضاًعلى "نفض الغبار" عن قضية تتعلق بالحقوق الوطنية لإدارة النفط والغاز الطبيعي - وهو موضوع نزاع مرير بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان». ومع ذلك، إذا استمر العراق في تأجيل التعامل مع مشكلة الإصلاحات التي يفرضها الدستور، فقد يؤدي الوضع إلى تعقيدات سياسية وقانونية أسوأ. ركيزة ثالثة معطوبة منذ اعتماد الدستور العراقي الحالي في عام 2005، خضع الفرع القضائي لعدد من التحوّلات العشوائية والتغييرات السريعة التي كان تأثيرها النهائي هو إضعاف سيادة القانون. ومن بين هذه النتائج السلبية عملية سياسية تشوبها انتهاكات دستورية بشكل دوري. لقد نصت المادة 92 (2) من الدستور على إنشاء محكمة اتحادية عليا وكلّفت الهيئة التشريعية بتحقيق هذه الغاية. ومع ذلك، فعلى الرغم من حملها هذا الاسم، لم يتم إنشاء "المحكمة الاتحادية العليا" الحالية من قبل "مجلس النواب" كما هو مطلوب بموجب الدستور - بل تم إقامتها من قبل الحكومة المؤقتة التي أشرفت على المرحلة الانتقالية في العراق قبل المصادقة على الدستور. وكان يتعيّن استبدال هذه "المحكمة الاتحادية العليا" المفترض أن تكون مؤقتة بعد وقت قصير جداً من وضع الدستور، ولكن بعد خمسة عشر عاماً، لا يزال يتعيّن على "مجلس النواب" إصدار التشريعات اللازمة - وهو الفشلْ الذي لا يزال من بين الخطايا التأسيسية للعراق بعد الحرب. وبالإضافة إلى سجل حافل من الأحكام المشكوك فيها للغاية التي اتخذتها "المحكمة الاتحادية العليا" (انظر أدناه)، توقفت المحكمة كلياً عن القيام بمهامها في عام 2019 بعد تقاعد أحد أعضائها. وقد أقدمت سابقاً على إلغاء مواد في القانون رقم 30 تسمح بتعيين قضاة في "المحكمة الاتحادية العليا"، لذلك تعذّر تعيين أي بديل عن العضو المتقاعد. وفي غياب النصاب القانوني الضروري لإصدار الأحكام، تعطّل عمل المحكمة فعلياً منذ ذلك الحين.  وفي وقت سابق من هذا الشهر، شرع "مجلس النواب" أخيراً في بدء الجهود التي طال انتظارها لتمرير التشريع المنصوص عليه دستورياً وإنشاء "محكمة اتحادية عليا" جديدة. غير أن مشروع القانون واجه عقبتين كبيرتين. أولاً، في ظل السياسات المتصدعة اليوم، يكاد يكون من المستحيل الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة لتمرير مثل هذا القانون بالنظر إلى طبيعته الدستورية. ثانياً، اندلعت خلافات محتدمة بشأن تفسير لغة دستورية مبهمة حول دور رجال الدين في "المحكمة الاتحادية العليا". وبعد مشاحنات مطولة، لجأ "مجلس النواب" إلى خيار أسهل ولكنه يطرح إشكالية قانونية، وهي: الاستمرار في إرجاء إنشاء "محكمة اتحادية عليا" جديدة تتوافق مع الدستور واللجوء بدلاً من ذلك إلى تعديل القانون رقم 30 بطريقة تعيد تفعيل دور "المحكمة الاتحادية العليا" الحالية، لأن هذه الخطوة تتطلب أغلبية بسيطة فقط. وعلى وجه التحديد، ينص التعديل على عزل جميع القضاة الحاليين لـ "المحكمة الاتحادية العليا" وتعيين قضاة جدد. كما تم توسيع اختصاص المحكمة. ومن المفارقات، أن التعديل تم "نسخه وإلصاقه" بشكل انتقائي من الدستور - حيث تتكرر سلطات "المحكمة الاتحادية العليا" والاختصاصات المتوخاة منها والمتوافقة مع الدستور كلمة بعد أخرى، لكن البنود التي تحدد العملية والمتطلبات لإنشاء مثل هذه المحكمة يتم تجاهلها تماماً. وهناك مشكلة أخرى وهي أن عملية التعديل لترشيح القضاة تلفها الضبابية كما أنها غير خاضعة للمساءلة. فهي تمكّن فقط بعض الهيئات القضائية من إعداد قائمة بقضاة مرشحين وإرسالها إلى الرئيس الأمريكي من أجل التصديق عليها وأداء اليمين الدستورية، أو إلى "مجلس النواب" إذا رفض الرئيس استلامها. ويحاول التعديل أيضاً إدخال "توازن" عرقي في هيكلية "المحكمة الاتحادية العليا"، وترسيخ مكانة جديدة بل غير واضحة لأمين عام المحكمة.     وبغض النظر عن كيفية تبلور هذه التغييرات، فقد فقدت "المحكمة الاتحادية العليا" أساساً الكثير من مصداقيتها على مر السنين من خلال إصدار أحكام غير ديمقراطية وذات دوافع سياسية بشأن قضايا مختلفة. على سبيل المثال، عمدت إلى تقليص صلاحيات "مجلس النواب" وأوقفت عمل لجان مستقلة لصالح السلطة التنفيذية. وأصدرت على عجل قراراً بشأن عدم دستورية استفتاء استقلال «إقليم كردستان»، لكنها التزمت الصمت عندما فوتت الحكومة العراقية الموعد النهائي لتنفيذ المادة 140 من الدستور في عام 2007، والتي تغطّي المناطق المتنازع عليها. وربما أكثر خطواتها ضرراً من حيث تأثيرها على السمعة كان تفسير المحكمة للمواد الدستورية بطرق فضلت الحزب الحاكم في ذلك الوقت - وهي صلاحية لم يمنحها إياها القانون رقم 30 على الإطلاق. وفي عام 2010، على سبيل المثال، فسَّرت معنى "الكتلة الفائزة" من المادة 76 (1) بطريقة فضّلت رئيس الوزراء نوري المالكي، على الرغم من تواجد أدلة واضحة أنه كان يُقصد منها تفسير مختلف أثناء عملية صياغة الدستور. الخلافات المتعلقة بالانتخابات والطاقة ما أن يتولى قضاة "المحكمة الاتحادية العليا" ​​الجدد مناصبهم، ستكون الانتخابات المقبلة والخلافات حول إدارة البترول بين «حكومة إقليم كردستان» والحكومة الاتحادية القضايا الأكثر إلحاحاً وأهمية التي ستتطلب اهتمامهم. لقد طالب الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، والتزمت الحكومة بإجرائها خلال تشرين الأول/أكتوبر المقبل. وإذا كان "مجلس النواب" الذي سيُنتخب آنذاك صالحاً من الناحية القانونية، فعندئذ سيتعين على "المحكمة الاتحادية العليا" المصادقة على النتائج. وكبديل، قد تضع المحكمة العصي في دواليب الانتخابات من خلال الحكم بأن أقسام من قانون الانتخابات الجديد غير دستورية. أما القضايا السياسية الأخرى التي قد تنظر فيها "المحكمة الاتحادية العليا" على الفور فهي قانون الميزانية لعام 2021 وتصويت "مجلس النواب" المتنازع عليه قانونياً من كانون الثاني/يناير 2020 حول طرد جميع القوات الأجنبية. وفيما يتعلق بالنزاعات حول شؤون الطاقة، أقامت بغداد دعوى أمام "المحكمة الاتحادية العليا" ضد «حكومة إقليم كردستان» في عام 2012 بشأن صادرات النفط المستقلة في الإقليم. وتعثرت القضية لأسباب فنية وسياسية، لكن في عام 2014، قدّمت الحكومة دعوى منفصلة ضد تركيا في "محكمة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية"، متهمةً إياها بالسماح بتصدير نفط «حكومة إقليم كردستان»عبر خط الأنابيب العراقي-التركي دون الحصول على موافقة بغداد. وقد يكون مصير الدعوتين مرتبطاً ببعضهما البعض - فقد تنخفض التوترات العراقية-التركية بشأن خط الأنابيب إذا أصدرت "المحكمة الاتحادية العليا" حكماً متعلقاً بالتصدير تلتزم به كل من «حكومة إقليم كردستان» وبغداد، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يتم ذلك. وتريد أنقرة أن تتخلى بغداد عن قضية التحكيم وتركز على إعادة النظام إلى السلطة القضائية في العراق فيما يتعلق بإدارة قطاع النفط. وحاولت الحكومة العراقية القيام بذلك في الماضي من خلال قانون "شركة النفط الوطنية العراقية"، إلّا أن "المحكمة الاتحادية العليا" اعتبرت ذلك غير دستوري. توصيات في مجال السياسة العامة على الرغم من أن العراق يمكن أن يفخر بعض الشيء بسياسته الدستورية والتنافسية، إلا أنه لا يزال يتعين ترسيخ ثقافة قانونية وسياسية في الدستور وسيادة القانون. وتشير المخاطر المحتملة في خطوة "مجلس النواب" بتعديل القانون رقم 30 إلى أن النظام السياسي لا يزال يواجه تحديات خطيرة تعترض مسؤوليته وشرعيته. وكما فعلت في الماضي، فإن "المحكمة الاتحادية العليا" المعاد تنشيطها قد تتجاوز دورها وتضع سوابق تؤثر على البلاد لسنوات قادمة. وتعمل الميليشيات والسياسيون الفاسدون على تقويض سيادة العراق من خلال التفاخر بسيادة القانون في العديد من القطاعات، ولا تُستثنى من ذلك السلطة القضائية. على الولايات المتحدة أن تراقب هذا المجال. وعموماً، يجب أن يتمثل هدف واشنطن في الحرص على أن يحترم العراق وسلطته القضائية دستور البلاد. ومع اقتراب موعد الانتخابات الحاسمة، على إدارة بايدن (عبر مكتب وزارة العدل الأمريكية في سفارة الولايات المتحدة في بغداد) العمل مع شركاء دوليين بشأن التعامل مع "المحكمة الاتحادية العليا". ويشمل ذلك تقديم المساعدة التقنية والقانونية وكذلك دعوة القضاة الجدد إلى واشنطن في المستقبل القريب (وإن كان ذلك بعد جائحة فيروس كورونا). على المسؤولين الأمريكيين الوقوف أيضاً على أهبة الاستعداد لإثارة [القضايا المتعلقة] بأي نتائج تسفر عن إجراء انتخابات مزيفة والحكومات التي تشكَّل في أعقابها. وإذا صادقت "المحكمة الاتحادية العليا" على إجراءات انتخابية أو نتائج غير خالية من التلاعب أو ليست ذات مصداقية، فإنها تخاطر بأن يُنظر إليها على أنها امتداد للطبقة السياسية ونظام المحسوبية الخاص بها. وفي المقابل، فإن تعزيز الثقة في النظام الانتخابي والمحكمة العليا يمكن أن يساعد في زيادة إقبال الناخبين على التصويت في الانتخابات القادمة في تشرين الأول/أكتوبر. أخيراً، يُعد قيام "محكمة اتحادية عليا" شرعية وموقرة أمراً أساسياً لواشنطن لكي تدعو إلى حل الخلافات بين بغداد و«حكومة إقليم كردستان» بشأن الطاقة والمسائل الأخرى وفقاً لسيادة القانون وليس حسبما تمليه الوقائع السياسية على الأرض.

Read more

التحديات الداخلية لعمق العراق الاستراتيجي

الحصاد draw: أ. د. خالد عليوي العرداوي - مركز الفرات  العمق الاستراتيجي من الموضوعات التي لم تجد الاهتمام الكافي في العراق، سواء على مستوى المؤسسات الرسمية ذات العلاقة، ام على مستوى الدراسات الاكاديمية المركزة، لذا لا غرابة ان ترى الكثيرين يجهلون هذا الموضوع او لديهم معرفة سطحية فيه. وعليه، فان ما نحاول القيام به في هذه المقالة البحثية ليس تقديم دراسة منهجية متكاملة حول نظرية العمق الاستراتيجي، فهذا الامر يتطلب بحكم الاختصاص جهودا اكبر يبذلها المختصون في حقول الاستراتيجية والعلاقات الدولية والامن والدفاع، بل سنقتصر على رؤية مفاهيمية مختصرة، نذهب بعدها نحو تحديد التحديات الداخلية لعمق العراق الاستراتيجي متوغلين في الموضوع من منطلق بناء الانسان والمجتمع والدولة كونه المنطلق الذي يمثل جوهر اهتمام كاتب هذه السطور، والذي يفوق في أهميته وخطورته المنطلقات الأخرى، لاسيما تلك المرتبطة بالتحديات ذات الطبيعة الخارجية. مفهوم العمق الاستراتيجي العمق الاستراتيجي من المفاهيم ذات الطبيعة العسكرية، فهو يشير الى المسافة الفاصلة بين قوات العدو والمناطق ذات الطبيعة الحيوية في الدولة، كالمراكز: السكانية الكثيفة، والاقتصادية المهمة لاسيما الصناعية، والعسكرية وغيرها، والتي تمثل مركز ثقل الدولة وجوهر قوتها وقدرتها على الصمود ومواجهة الاعتداء. ان هذا الفهم العسكري للعمق الاستراتيجي دفع أحد الباحثين الى تقديم مفهوم ضيق يتمثل في كونه " المسافة المكانية او الزمانية بين مراكز المدن والمؤسسات الحيوية للدولة، وبين خطوط المواجهة مع العدو"، فضلا عن مفهوم واسع يتمثل في " وقف التهديد المعادي"( 1). ان الفهم العسكري للعمق الاستراتيجي لم يمنع من سحب المصطلح الى ميادين أخرى، اذ من السهولة ان تجد من يتحدث عن العمق الاستراتيجي الجغرافي للدولة او عمقها الاستراتيجي الاقتصادي او عمقها الاستراتيجي الثقافي وغيرها. اما سياسيا فيمكن القول: ان العمق الاستراتيجي للدولة هو موقعها وثقلها في السياسة الدولية، ومدى قدرتها على توظيف مصادر قوتها في حماية مصالحها وأمنها الوطني الشامل. وما يتحكم في تقرير قوة الدولة تلك المعطيات او العناصر التي أشار اليها الأكاديمي والسياسي التركي احمد داود أوغلو، وقسمها الى معطيات ثابتة: الجغرافيا، والتاريخ، وعدد السكان، والثقافة. ومعطيات متغيرة: الاقتصاد، والتكنلوجيا، والقدرة العسكرية (2 ). الا ان هذه المعطيات تصبح مشلولة وعاجزة عن القيام بدورها عندما تفتقر الدولة الى وجودها القانوني الفاعل كدولة، او عندما تواجه تحديات تجعل ما يمكن تسميته بقوى اللا دولة هي المتحكمة بمصيرها وارادتها، ناهيك عن افتقارها الى نظام حكم مستقر وقوي تقوده مؤسسات دستورية متماسكة وفاعلة في اتخاذ القرارات وتنفيذها ومراجعتها، وهذا ما تعاني منه الدولة في العراق منذ وقت طويل، لاسيما في المدة التي أعقبت عام 2003. تحديات قاتلة تهدد عمق العراق الاستراتيجي يبعث الحديث عن عمق العراق الاستراتيجي سحابة قاتمة من الإحباط والأسى؛ لكثرة الفرص الضائعة التي كان بالإمكان انتهازها لتحويل هذا البلد الى قوة فاعلة ورقم مؤثر في الساحة الإقليمية والدولية، فضلا عن كثرة الأخطاء الكارثية التي تسببت بها القيادات السياسية الحاكمة خلال السبعين سنة الأخيرة. وما يزيد الطين بلة هو الإصرار على الاستمرار بمسار ارتكاب الأخطاء والفشل، على الرغم من نتائجه المرعبة التي عانى ولا يزال يعاني منها العراق كدولة وشعب وقدرات. ان تشخيص طبيعة التحديات الداخلية لعمق العراق الاستراتيجي من الأمور المهمة والتي لا غنى عنها لمن يرغب في ان يكون لهذا البلد وزنه الإقليمي والدولي، ولكن تشخيص التحديات لوحده غير كافي ما لم تتوافر الإرادة السياسية القادرة والعازمة على مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها، بل ان فقدان هذه الإرادة يجعل التشخيص أمرا لا قيمة له اطلاقا. مع ذلك ليس أمامنا سوى الأمل بأن تمتلك المؤسسات والقيادات والشعب في العراق هكذا إرادة في المستقبل القريب، لاستعادة ما هو حق للعراق، ليقوم بدوره المفترض محليا وإقليميا ودوليا. وعليه يمكن تحديد هذه التحديات بما يلي: أولا-ضعف الادراك. عندما تكلم احمد داود أوغلو عن التدخلات العسكرية الضخمة التي حصلت على المستوى الدولي بعد انهيار جدار برلين ونهاية حقبة الحرب الباردة في عام 1989 ذكر ثلاثة تدخلات مهمة هي: العراق، يوغوسلافيا السابقة، وافغانستان، وقد أشار من خلالها الى حقيقة مهمة للغاية الا وهي ان هذه التدخلات لم تتم عبثا، فكل دولة من الدول الثلاث أعلاه لها قيمتها الجيواستراتيجية لتقرير طبيعة النظام الدولي بعد الحرب الباردة، وبقدر تعلق الامر بالعراق قال: العراق يقع " ضمن ساحة المرور الجيوسياسي بين كل من بلاد الرافدين ومصر وآسيا"، وأنه يقع " على خطوط جيو اقتصادية مهمة لنقل مصادر الطاقة والموارد الطبيعية والتجارية الهامة"، كما انه يعد " نموذجا مصغرا للشرق الأوسط لاحتوائه على مختلف الاجناس والمذاهب الشرق أوسطية، من عرب وكرد وتركمان وسنة وشيعة وكلدانيين وآشوريين"(3 ). ولا تنحصر أهمية العراق فيما تقدم من مؤشرات، بل أن وحدة العراق كدولة ومجتمع –أيضا-لها أهميتها في المحيط الإقليمي، وهذا ما وضحه أوغلو أيضا عندما قال:" لا توجد دولة واحدة من دول المنطقة ترغب في تمزق العراق لأي سبب من الأسباب. فعلى سبيل المثال، تدرك الأردن ان كل دولة ستنجم عن انقسام العراق تمثل تهديدا بالنسبة أليها. وكذلك هو الامر بالنسبة الى المملكة العربية السعودية، التي ترى في دولة شيعية على جزء من العراق خطرا قد يمتد الى دول الخليج، بينما تعتقد سوريا أن القومية العربية ستصاب من جراء انقسام العراق بضربة شديدة ...ان دول الجوار العراقي تلتقي في سلوك مشترك، وعلى رأي جامع، وان لم تستطع إقامة أرضية مشتركة بالقدر الكافي وذات فاعلية إيجابية..."(4 ). هذه الأهمية الجيواستراتيجية للعراق: موقعا، وشعبا، وثروات، ووحدة جغرافية، وثقافة، وتاريخ وغيرها تواجه للأسف معضلة كبيرة بالأمس واليوم تتمثل في عدم ادراكها بصورة واضحة من القيادات والشعب في هذا البلد، مما اصاب التفكير والتخطيط الاستراتيجي بالفشل، وهو ان دل على شيء فانه يدل على عدم معرفة الف باء متطلبات النجاح الاستراتيجي لدى كثير من العراقيين؛ فعدم ادراك الذات يجعل الدولة تفقد نصف قدرتها في الحفاظ على مكانتها في محيطها الدولي، استنادا الى ما أشار اليه بذكاء قبل اكثر من الفين واربعمائة سنة القائد العسكري الصيني اللامع سن تزو عندما قال: " اذا كنت تعرف العدو وتعرف نفسك، فلا حاجة للخوف من نتائج مائة معركة. إذا عرفت نفسك لا العدو، فكل نصر تحرزه سيقابله هزيمة تلقاها. إذا كنت لا تعرف نفسك أو العدو، ستنهزم في كل معركة"(5 ). ان عدم الادراك لا يشكل مشكلة فقط عند رسم السياسات ووضع الاستراتيجيات، بل هو مشكلة –أيضا-في اتخاذ وتنفيذ القرارات، وتحديد القيادات والمجتمع لملامح الدور الذي ينبغي للعراق الاضطلاع به في محيطه الخارجي. لقد تسبب عدم الادراك في خلق حالة من الفوضى العارمة في بناء الدولة العراقية، على مستوى القيادة والإدارة، كما على مستوى تحديد الأوليات والمصالح وغيرها، وبقاء هذه المشكلة يعد تحديا كبيرا للعمق الاستراتيجي للعراق، تتضاعف مخاطره مع وجود قيادات محدودة القدرات وضيقة المصالح ومتعددة الولاءات تدير دفة نظام الحكم وتتحكم بقراراته.  ثانيا: الارتباك. اذا كان المعنى العسكري للعمق الاستراتيجي ينصرف الى تحديد المسافة الزمانية والمكانية بين خط العدو والمراكز الحيوية للدولة، فان تعريف العدو في العراق عانى ولا زال من التشويش والارتباك لسببين: الأول يرتبط بمشكلة تحديد العدو نفسه، فقبل سنة 2003 تجد ان النظام الحاكم –آنذاك-ونقصد به نظام صدام حسين ركز في سياساته وخطاباته واستراتيجيته على تحديد عدو العراق بكونه ايران وإسرائيل وحلفائهما جاعلا من المحيط العربي عمقا استراتيجيا جغرافيا وتاريخيا وثقافيا للعراق، وهذا الامر مفهوم للغاية كون النظام استند الى القومية العربية في بنيته الأيديولوجية. ولكن تشخيص العدو بهذه الصورة عانى من الاختلال والارتباك عندما قام العراق بغزو الكويت في الثاني من آب-أغسطس 1990، فبهذا الغزو حول العراق كل جيرانه الى أعداء، فظهر بمظهر المعزول في محيط معادي، وهذا الامر تسبب للعراق بخسائر فادحة في مصالحه العليا، كما تسبب للمواطن العراقي بصدمة نفسية وفكرية شديدة شلت حركته وقيدت طاقاته. وما يؤسف له انه بعد زوال نظام صدام حسين سنة 2003 لم تلتفت القيادات الجديدة الى حاجة العراق شعبا ودولة الى التصالح مع محيطه بكسر قيود العداء معه، كما انها لم تعتني عناية جدية بتعريف العدو في ضوء المتغيرات الجديدة، وهي لا زالت الى هذه اللحظة تعيش جوا مشحونا بالارتباك والفوضى، وما يفاقم من حجم هذه المعضلة هو تقاطع رؤاها وتصوراتها عن العدو، فما يعده طرف عراقي ما عدوا يعده غيره صديقا وداعما، وما يعدها طرف ما مصلحة عراقية عليا يعدها غيره مؤامرة وخيانة وهكذا دواليك. اما السبب الثاني للارتباك فيرتبط بتحول شكل الحروب من شكلها التقليدي القائم على الحرب بين جيوش نظامية الى شكلها الجديد المسمى بالحرب غير المتماثلة، والتي يكون أحد أطرافها جيشا نظاميا اما الطرف الاخر فتنظيما إرهابيا او ما شابه. ففي ظل الحروب الجديدة لم يعد العدو متموضعا في خط قتالي محدد، بل أصبح لديه القدرة على اختراق الخطوط الامامية والوصول الى قلب المراكز الحيوية للدولة، كما انه لم يعد يعول في أخذ المبادرة على ضعف المؤسسات العسكرية والأمنية وارتكابها للأخطاء في قراراتها بقدر تعويله على اضعاف تماسك المجتمع واحباطه ونقمته، فضلا على استفادته من أخطاء القيادات السياسية وسوء ادارتها لشؤون البلاد. لقد ظهر تأثير الحرب الجديدة بعد ظهور داعش واخواتها في العراق، لاسيما سنة 2014 وما تلاها، وعلى الرغم من هزيمة هذا التنظيم الإرهابي سنة 2018 من قبل الحكومة العراقية بمساعدة التحالف الدولي الا أن ما يثير الرعب هو ان الأسباب التي جعلت هذا التنظيم يظهر ويستفحل امره ويتمدد لا زالت موجودة، وأحيانا تبدو بصورة اسوء مما كانت في السابق. هذا يعني ان القيادات السياسية الحاكمة لم تستفد كثيرا من الدرس، ولم تفهم حقائق القوة والضعف في بنيتها الاجتماعية، ومنظومتها المؤسساتية، كما لم تدرك جيدا ان الحلول العسكرية والأمنية لواقع اجتماعي واقتصادي وثقافي متأزم لا تجدي نفعا، وانما قد تزيد الأمور سوءا. وعليه، فان إزالة هذا الارتباك والتشويش في تحديد خارطة الأصدقاء والاعداء ووضع الاستراتيجية المناسبة للتعامل معهم من قبل القيادات العراقية يعد من الأمور التي لا غنى عنها لاستعادة دور الدولة وتحجيم فوضى اللا دولة من اجل حماية عمق العراق الاستراتيجي. ثالثا-هيمنة قوى اللا دولة. لا يمكن الحديث عن نظرية العمق الاستراتيجي لأي دولة إذا كانت حكومتها تفتقر الى القدرة على اتخاذ قراراتها بحرية، وتتحمل نتائج هذه القرارات سواء كانت سلبية ام إيجابية، فمكانة الدول المؤثرة في محيطها الدولي هي في النهاية خلاصة تفكير وتخطيط وأداء حكوماتها، وهذا الامر مفقود في العراق اليوم؛ بسبب تغول وتغلغل وتسيد ما يمكن تسميته بقوى اللا دولة على القرار العراقي. ان قوى اللا دولة هي عنوان يشير الى قطاع عريض من القوى المتباينة المصالح والنفوذ والتسميات والانتماءات الا ان ما يجمعها هو شعورها بأن قوة الحكومة العراقية وقدرتها على تفعيل دور مؤسساتها الرسمية وتطبيق قوانينها النافذة بحزم يشكل تهديدا لها، لذا لا تدخر جهدا في اضعافها وتقزيمها وتقليل هيبتها سواء كانت هذه القوى اجتماعية (عشائر، قبائل، مؤسسات تقليدية أخرى)، ام مليشيات مسلحة (طائفية، قومية، حزبية، عابرة للحدود)، فضلا على القوى المرتبطة بمافيات الفساد والجريمة المنظمة. وأفضل تصوير لقوى اللا دولة هو تشبيهها بالسوسة التي تنخر بناء الدولة من الداخل، فتتركها قائمة هيكلا، ولكنها واهنة وضعيفة وعديمة التأثير جوهرا، وهذا ما يحصل في الواقع، لذا تجد العراق اليوم يتصدر الدول في مؤشرات الفساد والعنف والفوضى وضعف سلطة انفاذ القانون، فيظهر للعالم كدولة فاشلة (غير قادرة على إدارة تنوعها وتحقيق الاندماج بين مكوناتها الاثنية والدينية)، ودولة رخوة (يسود الفساد مؤسساتها ومجتمعها ويعرقل مشاريع التنمية فيها)، وهذا الامر اضر اضرارا كبيرا بسمعة العراق الدولية وقزم بشكل كبير مصادر قوته الناعمة التي بقيت مجرد قوة كامنة لم يحسن التعامل معها. ان تحكم قوى اللا دولة بالسلطة والنفوذ والثروة والقرار في العراق يهدد ليس ثقل العراق ومكانته الدولية فحسب، بل يهدد سلمه وأمنه الاجتماعي-أيضا-ويخلق الظروف المناسبة للتدخل في شؤونه الداخلية، وهذا ما بدا واضحا عندما أصبح العراق ساحة مفضلة لتصفية الحسابات بين كثير من القوى الإقليمية والدولية، وقد انعكس كل ذلك سلبا على معطيات القوة العراقية بصورتها الثابتة والمتغيرة، ولا توجد أي فرصة لتغيير ذلك الا باستعادة دور الدولة وانهاء التأثير السلبي والقدرة على المبادرة من قوى اللا دولة. رابعا-ضيق هامش الخطأ.  في كتابه الرائع (الأعوام المائة القادمة استشراف للقرن الحادي والعشرين) تطرق عالم السياسة الأمريكي جورج فريدمان الى قاعدة جيوسياسية بالغة الأهمية والخطورة سماها قاعدة "هامش الخطأ"، ويقصد بهذه القاعدة " كمّ المساحة التي تتمتع بها أية دولة يمكن لها أن تمارس فيها الأخطاء" في سياستها الخارجية، ورأى أن هامش الخطأ يتكون من قسمين: " أنواع الاخطار التي تواجهها الدولة، وكمّ القوة التي تمتلكها تلك الدولة". واستنادا الى هذه القاعدة تجد بعض الدول لديها هامش ضيق جدا من الأخطاء، لذلك هي " تعاني من الهوس حول ادق التفصيلات في سياستها الخارجية؛ لأنها تعرف أن أدنى خطوة غير محسوبة قد تؤدي الى نتائج كارثية"، فيما هناك دول أخرى لها هامش خطأ واسع، لذلك هي تتصرف بشكل مريح، ولا تعود اخطائها غير المحسوبة عليها بنتائج مدمرة (6 ). وعند تطبيق قاعدة هامش الخطأ على العراق ستجد ان هذا البلد من البلدان التي لديها هامش خطأ ضيق للغاية في محيطها الإقليمي والدولي، ولكن هذا الواقع لم تفهمه أنظمة الحكم المتعاقبة في العراق، لاسيما منذ بزوغ عهده الجمهوري سنة 1958 والى الوقت الحاضر، فكانت النتيجة سياسة خارجية عراقية غير مدروسة بعناية ارتكزت على قرارات سياسية متهورة ومرتجلة وفوضوية قادت الى نتائج كارثية بالغة الضرر. ان من يراقب سياسة العراق الخارجية في العقود الأربعة الأخيرة يكتشف انها مجرد سلسلة من الأخطاء الكارثية في بلد تصبح نتائج الخطأ مأساوية بشكل لا يرحم ومن الصعب تلافيها، فكان الخاسر الأكبر فيها العراق شعبا ودولة، فقد اقتطعت أجزاء من أراضيه عنوة وتحت حراب الأعداء، ودمرت بنيته التحتية نتيجة الحروب والحصار والعزلة الدولية، وتفكك نسيجه الاجتماع بتأثير الفقر والعنف والسياسات المتطرفة، وتمزق قراره السياسي بفعل التدخل الخارجي، وضُعفت هويته الوطنية الجامعة مع بروز الهويات الفرعية للطوائف والاثنيات والعشائر والزعامات، فخسر البلد خلال حقبة الاوتوقراطية السياسية كافة معطيات قوته الثابتة والمتغيرة، فيما اجهزت الاوليغارشية السياسية في الوقت الحاضر على ما تبقى من مظاهر الدولة فخسرتها لمصلحة قوى اللا دولة. لقد كانت محدودية هامش الخطأ الجيوسياسي للعراق بحاجة الى فهم من أنظمته الحاكمة منذ ظهور دولته الحديثة عام 1921، وتطلبت حذرا كبيرا من قياداته النافذة وهي تسير في طريق اثبات موقع العراق في الساحة الدولية، ولكن هذا ما لم يحصل، وما يؤسف له اليوم هو استمرار المسار الخاطئ على ما كان عليه من سوء فهم يترتب عليه المزيد من التراجع والانكماش في تأثير العراق الإقليمي والدولي، ولا يمكن اصلاح  الأمور وتغيير طريق الانحدار ما لم يتم اصلاح الخلل في العقليات التي تدير السلطة من خلال اكتسابها وعي جديد بدورها وما يجب عليها. خلاصة الامر هي: ان هذه التحديات الأربعة التي واجهت عمق العراق الاستراتيجي اشارت الى ضعف كبير في الاوضاع الداخلية لهذا البلد في مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة، وطالما أن القاعدة المعروفة في العلاقات الدولية تقول: ان قوة السياسة الخارجية للدولة هي امتداد لقوتها الداخلية، لذا من العبث البحث عن قوة العراق في محيطه الإقليمي والدولي ما لم يستعيد قوته في الداخل، وهذه المهمة تقع مسؤوليتها بشكل مباشر على العراقيين أنفسهم كقيادات سياسية ونخب ومجتمع ومؤسسات. المصادر:   1- ينظر للمزيد: هشام العلي، العمق الاستراتيجي بين الرأي العام والاتجاه العام، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) على الموقع الالكتروني: www.beirutme.com   تاريخ الزيارة في 21/3/2021 الساعة الثالثة مساء. 2  - ينظر للمزيد: احمد داود أوغلو، العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ترجمة محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل، الطبعة الثانية، الدوحة-قطر، مركز الجزيرة للدراسات، 2011، ص35-43.    3- ينظر: احمد داود أوغلو، مصدر سابق، ص606. 4  - المصدر نفسه، ص 622-623. 5  - سن تزو، فن الحرب، تقديم احمد ناصيف، الطبعة الاولى، دمشق-سوريا، دار الكتاب العربي، 2010، ص 24. 6-ينظر للمزيد: جورج فريدمان، الأعوام المائة القادمة استشراف للقرن الحادي والعشرين، ترجمة منذر محمود محمد، الطبعة الأولى، دمشق-سوريا، دار الفرقد، 2019، ص 83.

Read more

الأموال العراقية المهرّبة: ملف فساد ضخم يُلاحق سياسيين وزعامات

الحصاد draw: العربي الجديد يؤكد خبراء بالشأن الاقتصادي العراقي وسياسيون أن أرقام الأموال المهربة من البلاد بواسطة شخصيات حزبية وسياسية تراجعت لكنها لم تتوقف. يأتي ذلك على الرغم من إعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي استمرار الحملات للسيطرة على المنافذ الحدودية ومنع التهريب والفساد في المعابر مع الدول المجاور إضافة إلى المطارات. ويختلف مراقبون بشأن قيمة الأموال التي هرّبت من العراق منذ الاحتلال الأميركي في 2003 ولغاية اليوم، لكنهم يتفقون جميعاً على أنها كافية لإعادة إعمار العراق بالكامل وتوفير البنى التحتية وفرص العمل وإقامة مشاريع عملاقة. ويستمع العراقيون إلى الخطابات التي تطلقها الحكومات المتعاقبة، حول مشاريع وقوانين وآليات استرداد الأموال المنهوبة من بلادهم، ولكنها تبقى حبراً على ورق. ويُرجع محللون عدم استطاعة أي حكومة إنجاز هذا الملف إلى كثرة المتورطين فيه، إضافة إلى أن غالبيتهم أعضاء في الأحزاب ذاتها التي تمسك بالسلطة وتمتلك المليشيات والفصائل المسلحة. وقال رئيس الجمهورية برهم صالح، مطلع مارس/ آذار، إنه "بصدد وضع مدونة قانونية تتناول آليات لاسترداد الأموال المنهوبة من العراق، والموجودة في الخارج". وهذا التعليق الثاني لصالح خلال أقل من ستة أشهر، فقد سبق له أن أكد في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 أن العراق يمضي في استرداد الأموال المنهوبة وملاحقة الفاسدين. وكان وزير المالية الحالي علي علاوي، قد أشار في وقتٍ سابق إلى أن "250 مليار دولار سرقت من العراق منذ عام 2003 حتى الآن، وهذا المبلغ يبني العديد من الدول، كما أن هذه السرقات أدت إلى تراجع قدرات العراق الاقتصادية". إلا أن لجنة النزاهة في البرلمان العراقية كانت قد قدرت مطلع العام الحالي حجم الأموال المهربة خارج البلاد بنحو 350 ترليون دينار (239.7 مليار دولار أميركي)، وهو رقم يفوق موازنة البلاد لأكثر من عامين، وفقاً لعضو اللجنة طه الدفاعي، الذي أشار إلى أن "المبالغ المهربة خارج البلاد كانت عبر إيصالات وهمية. وكثير من العمولات دفعت لغرض التهريب كان يحصل عليها بعض المسؤولين"، لكن عضو اللجنة المالية في البرلمان سابقاً رحيم الدراجي أكّد أن قيمة الأموال المنهوبة في العراق نحو 450 مليار دولار. وتواصل "العربي الجديد" مع الدراجي الذي قال إن "هذا الرقم يرتفع يومياً بنسب متفاوتة، لأن عمليات الفساد التي تقودها الأحزاب النافذة وبرعاية من الداخل والخارج تستمر بقوة، وتواصل هذه الأحزاب استغلال كل حادثة أو نكسة عراقية لتحويلها إلى شكل من أشكال المكاسب المالية". وأوضح أن "هذه القوى السياسية، وما فيها من شخصيات فاسدة، تعتبر العراق ليس أكثر من منجم ومعسكر عمل، لذلك فإن معظم السياسيين يغادرون العراق بعد انقضاء مهامهم السياسية إن كانت برلمانية أو حكومية، ولأن أجهزة الرقابة ضعيفة في العراق وخاضعة للنفوذ الحزبي، فإن السرقة لا تكون صعبة على المتنفذين". ويتذكر العراقيون العديد من الملفات في هذا الإطار، فقد اتهم وزير الدفاع في حكومة إياد علاوي، حازم الشعلان، بتهريب نحو مليار دولار، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات، إلا أنه لا يزال خارج العراق. كذلك الحال بالنسبة إلى وزير التجارة في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، عبد الفلاح السوداني، والذي كان متهماً بسرقة 4 مليارات دولار، وحكمت عليه المحاكم العراقية بالسجن 21 عاماً بعد هروبه إلى الخارج. وأكد عضو البرلمان العراقي باسم خشان أن "المبالغ المهربة من العراق تبلغ مئات المليارات". ولفت إلى أن "الحكومة الحالية وكذلك تلك السابقة غير قادرة على استرجاع دولار واحد من الفاسدين". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "أكثر من 90 في المائة من الشخصيات التي سرقت مليارات الدولارات من أموال العراقيين هم أعضاء بارزون في أحزاب عراقية مدعومة من جهات خارجية وداخلية، إضافة إلى أن معظم هؤلاء يمتلكون جنسيات أجنبية ومنها أميركية، وبالتالي فإن هناك عراقيل في عملية اعتقالهم، وإن تم ذلك فإن من المستبعد أن يتم إيجاد هذه الأموال، التي سرعان ما تتحول إلى ممتلكات وشركات تسجل بغير أسمائهم". من جهته، بيَّن الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أن "الأرقام التي يتحدث عنها سياسيون ومراقبون للشأن السياسي والمالي في العراق عن المبالغ المهربة إلى الخارج كافية لبناء دولة كاملة من الصفر، فهي أرقام ليست اعتيادية، وتدل على كارثة سياسية واقتصادية، قد تظهر آثارها في السنوات المقبلة، وفي الأزمات".  وأكد لـ"العربي الجديد" أن "هناك آليات كثيرة للتعامل مع الأموال المهربة، مثل مخاطبة الإنتربول وتفعيل القرارات القضائية العراقية الصادرة بحق المتهمين، إضافة إلى مخاطبة الحكومات التي يستقر فيها المتهمون، ومصادرة كل ما استملكوه بعد توليهم المناصب في العراق، ولكن كل هذا يحدث في حال توافر الإرادة السياسية في العراق لمتابعة هذا الملف".

Read more

يتحالف الصدر مع البارزاني الطامع برئاسة الجمهورية؟

الحصاد draw: صلاح حسن بابان- الجزيرة نت التقارب يأتي في وقت أكد فيه الصدر أكثر من مرة سعي تياره للحصول على منصب رئاسة الوزراء من خلال الانتخابات المقبلة، في حين لا يخفي البارزاني حرص حزبه على منصب رئاسة الجمهورية تقارب سياسي لافت شهدته الساحة السياسية العراقية مؤخرا بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، بهدف تحقيق مكاسب سياسية في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. الاتفاق يقوم على أن يقصر البارزاني مرجعيته السياسية على الصدر دون القوى السياسية الشيعية الأخرى، مقابل أن يدعم الصدر حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصب رئيس الجمهورية. يتزامن هذا التقارب مع تأكيد الصدر أكثر من مرة سعي تياره للحصول على منصب رئاسة الوزراء من خلال الانتخابات المقبلة. وكان الحزب الديمقراطي قد سعى في السنوات الماضية للحصول على منصب رئاسة الجمهورية إلا أنه فشل وآلت في جميع المرات خلال السنوات الـ16 الماضية إلى منافسه السياسي الاتحاد الوطني الكردستاني، وكان آخرها في 2018 عندما قلبت الأحزاب الشيعية المعادلة لصالح مرشح الاتحاد الوطني رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح على حساب مرشح الديمقراطي آنذاك فؤاد حسين، الذي تولى لاحقا حقيبة الخارجية في حكومة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي. السراجي اعتبر أن التوافق بين الأحزاب في العراق هو الأساس في تقاسم الحكم والمغانم (الجزيرة نت) تشتت الشيعة عُرف عن الأكراد بعد 2003 ومع بداية تشكيل العملية السياسية في العراق على يد الحاكم المدني الأميركي بول بريمر أنهم أكثر الشركاء تنظيما وحنكة ومعرفة بما يريدون، وكانت لهم تجربة بالحكم وإن كانت محدودة عكس البقية من قرنائهم السنة والشيعة بعد التغيير، فهم إما خائفين -حسب المحلل السياسي العراقي أحمد السراجي- من الانتقام كما حصل لسُنة العراق، أو فرحين وغير مصدقين كالشيعة. ويرى السرّاجي أن البارزاني يحاول الاستفادة من التشتت الشيعي السائد في الوسط السياسي العراقي، ويعرف في الوقت نفسه قوة أحد أهم مكوناتها وهو التيار الصدري الطامح لحكم العراق، على أن يتم التفاهم على تمرير حصة الإقليم بالموازنة مقابل التصويت لمرشح التيار الصدري في رئاسة وزراء العراق. وعلى ضوء ذلك، كما يقول السراجي نشطت تحالفات وخلافات شيعية شيعية بالتساوي ولعل المتجارة بقضية سعر صرف الدولار مقابل الدينار من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وغيره، هي من أجل قطع الطريق على هذا التقارب الكردي الصدري الذي إذا نجح فسيؤدي لتغيير جذري في خارطة القوى الشيعية وتحديدا حزب الدعوة الذي يقوده المالكي الحالم بالعودة للحكم من جديد. وعلى حد قول السراجي التوافق هو الأساس في تقاسم الحكم والمغانم، فكان الشرط الأول للأكراد هو مصلحة وحصة الإقليم من النفط، كائنا من كان في حكم العراق، وبما أن التوافق قائم على أساس رئاسة الجمهورية للأكراد والبرلمان للسُنة ورئاسة الوزراء للشيعة، أعطي للكرد ورقة مهمة للمساومة -كونهم بيضة القبان داخل مجلس النواب- بينهم وبين الأحزاب الشيعية، التي تبحث عن الأغلبية للحصول على المنصب، وهو ما جعل من الشيعة الأضعف في التفاوض والأكثر في تقديم التنازلات التي ظهرت آثارها اليوم بكل وضوح من خلال البؤس والفقر والبُنية المهدّمة في مدن الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية. البرلمان العراقي يتشكل من 329 مقعدا تتقاسمها كتل متنافسة (رويترز) البارزاني وكرسي الرئاسة واحتمالية أن يُسهل هذا التقارب حصول الصدر على رئاسة الوزراء والبارزاني على رئاسة الجمهورية واردة بقوّة، وهذا ما يؤكده الواقع، إذ إن الحزب الديمقراطي الكردستاني أقوى تنظيم في كردستان العراق كما يقول عضو الحزب الدكتور ريبين سلام، يقابله بالمواصفات ذاتها مقتدى الصدر في وسط وجنوب العراق. وعن سبب اختيار الصدر من بين القوى والأحزاب الشيعية الأخرى للاتفاق معه، يقول العضو في الديمقراطي الكردستاني إنه يعود إلى عدّة مسائل، أبرزها التاريخية، حيث عمل الاثنان معا أثناء معارضة نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، بالإضافة إلى التزام نواب الصدر بمرجعيتهم وتوجيهاته على عكس العديد من الأحزاب والكتل السياسية التي تفتقد لهذه الميزة، لكن أبواب التقارب والتحالف مفتوحة بالنسبة لحزبه مع الأحزاب الأخرى في الساحة العراقية. سلام  يرى أن الحزب الديمقراطي أقوى تنظيم في كردستان فبحف له بالتالي ترشيح من يراه مناسبا لمنصب الرئيس (الجزيرة) وعن إيجابيات الاتفاق، يؤكد سلام أنه يُسهم في استقرار العراق، عازيا السبب في ذلك إلى أن هذا النوع من التنظيم السياسي يحتاج إلى مراجعة، وعادةً الأخيرة لا تكون إلا من خلال الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة التي تتمتع بشعبية عالية. ولا يخفي سلام سعي حزبه للحصول على منصب رئاسة الجمهورية، في رده على سؤالٍ للجزيرة نت بشأن ما إذا كان حزبه يسعى لانتزاع منصب رئاسة الجمهورية من الاتحاد الوطني الكردستاني القابض عليه منذ 2005، بتقرب حزبه من الصدر. اعلان وينتقد سلام وصول شخصية مثل برهم صالح إلى رئاسة الجمهورية وهو الذي حصل على مقعدين فقط قبل أن يعود إلى صفوف الاتحاد الوطني، مما يؤدي إلى هشاشة المنصب وكذلك الحال مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي لا يملك أي مقعد برلماني، على عكس الرئيس الراحل جلال الطالباني الذي كان يلملم كل الخلافات بحنكته. أنور حكم بالفشل على أي تحالف لحزب كردي خارج البيت الكردستاني (الجزيرة نت) فشل التحالف إلا أن عضو مكتب إعلام الاتحاد الوطني الكردستاني كاروان أنور يحكم بالفشل مسبقا على أي تحالفات كردية تحدث خارج البيت الكردستاني، ولا سيما إذا كان الأمر يتعلّق بتحريض طرف ضد آخر، حاصرا النجاح في التحالفات التي تجري داخل البيت الكردي. ويعزّز أنور موقفه هذا بالرجوع إلى الأحداث والاتفاقات التي حصلت خلال سنوات ما بعد 2003، مستغربا من تقارّب الديمقراطي من الصدر بالقول "إذا ترجمنا الخطاب الإعلامي الكردي لحزب البارزاني إلى اللغة العربية، فهو من المستحيل أن يتحالف مع أية جهة غير كردية وخاصة الشيعية منها، لأن الانتقادات التي يوجهها إعلام البارزاني للاتحاد الوطني ناجمة عن قرب الاتحاد الوطني من القوى العراقية والشيعية منها خاصة، والشارع الكردستاني الآن يعلم جيدا أن معظم قيادات السُّنة حتى من البعثيين السابقين يوجدون في أربيل وتحت نفوذ الديمقراطي، والأقرب إلى السُّنة هو الحزب الديمقراطي والأقرب إلى الشيعة هو الاتحاد الوطني الكردستاني". ولا يخفي أنور وجود نية ومنافسة صارختين لحزب البارزاني من أجل الحصول على المناصب السيادية الأخرى عراقيا كانت أو كردستانية، ولمرّات عدة حاول بكل ما أوتي من قوة من أجل الوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية إلا أن جميع محاولاته باءت بالفشل. ويؤكد أن قوّة الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق أكبر من قوّة الحزب الديمقراطي الكردستاني، عازيا السبب في ذلك إلى الخطاب الواضح والصريح لحزبه تجاه العراق عكس حزب البارزاني. ويختم أنور حديثه للجزيرة نت بالتأكيد على أنه منذ عام 2003 وهناك شبه اتفاق ما بين القوى العراقية كافة، لتوزيع المناصب السيادية الثلاثة، ومن بينها رئاسة الجمهورية للكرد، ومن الكرد يتسلمها الاتحاد الوطني ولكن هناك اتفاقات وتحالفات وتوزيع المهام والمسؤوليات قد تغير من تلك المعادلات، جازما بأن الصدريين لا يساعدون أي طرف كردي ضد طرف آخر وإنما يتركون الحال للتحالفات والاتفاقات داخل البيت الكردي. سابق لأوانه ولا يحصر التيار الصدري تقاربه من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإنما يقف على مسافة واحدة من جميع الكتل الكردية انطلاقا من أن مصلحة العراق تتطلب التشاور مع جميع الأطراف كما يقول النائب عن تحالف "سائرون" التابع للصدر علي سعدون غلام، ويؤكد أن الحديث عن مرحلة ما بعد الانتخابات المقبلة سابق لأوانه. وفي ما إذا كان هذا التقارب يساعد الصدريين للحصول على رئاسة الوزراء والحزب الديمقراطي على الرئاسة، يكتفي غلام في حديثه للجزيرة نت بالقول إن هذه الاتفاقات وغيرها تعتمد على ما تفرزه الانتخابات، أما الآن فالمعطيات غير واضحة أبدا. نوح اعتبر أن الحديث عن اتفاقات مستقبلية بين البارزاني والصدر مبكر جدا الآن (الجزيرة نت) مرجعية شيعية كردية بدوره، يُعلق الصحفي والمحلل السياسي الكردي سامان نوح على هذا التقارب ومضمون الاتفاقات فيه، بأنه لا يمكن الحديث عن اتفاقات، إذ هناك لقاءات جرت بهدف التنسيق والتفاهم في بعض الملفات لكي يمرر كل طرف أجندته في المرحلة الحالية التي تسبق الانتخابات، وهذا ربما اتضح من الترتيبات والتفاهم التي حصلت بشأن حصة الأكراد في الموازنة الحالية والتي تم الاتفاق عليها في جلسة البرلمان أمس، حيث وافق التيار الصدري على التعديلات الأخيرة ورفضتها كتل أخرى ككتلتي دولة القانون والفتح. أما الحديث عن اتفاقات مستقبلية فهو حديث مبكر جدا -حسب نوح- والتفاهمات واردة بين الكتل في كل مفصل ولكنها في الوقت ذاته مرحلية ومتقلبة حسب مصالحها في كل ملف وكل مرحلة. ورحب نوح بأي تفاهمات بين أي قوتين كبيرتين، لأن ذلك سيساعد في استقرار البلاد. وفي رده على سؤال للجزيرة نت عن مكاسب البارزاني من هذا التقارب، بيّن أن الديمقراطي الكردستاني يعتبر أن حضوره في بغداد تراجع في السنوات الأخيرة رغم تصاعد قوتهم في الإقليم، فيريدون تعظيم قوتهم في بغداد، ولعلهم وجدوا في التيار الصدري الشريك المناسب في هذه المرحلة. ويؤكد نوح أن أي تحالف بين قوتين فقط في العراق لا يمكنه تحقيق أهداف كبيرة لأن المقاعد بالبرلمان العراقي البالغة 329 مقعدا موزعة على أكثر من ثماني كتل بارزة، ويجب أن لا ننسى أن الاتحاد الوطني -ووفق التجارب الانتخابية السابقة وحتى مع عدم تحقيقه لنتائج مقاربة للديمقراطي في انتخابات الإقليم- كان دائما يحصل على مقاعد قريبة من مقاعد الديمقراطي في البرلمان العراقي، إلى جانب انفتاحه وتفاهماته مع بعض القوى الشيعية، ما مكّنه دائما من تحقيق مكاسب أو اختراقات في بغداد وعلى حساب الديمقراطي. محمد اعتبر أن تحركات الحزب الديمقراطي نحو الصدر تأتي لتحقيق مصلحة حزبية وعائلية (الجزيرة نت) مصلحة عائلية حزبية بالمقابل، يصف عضو كتلة "الأمل" الكردية المعارضة في مجلس النواب العراقي كاوة محمد تحركات الحزب الديمقراطي الكردستاني نحو الصدر بأنّها تأتي من منطلق المصلحة الحزبية والعائلية كما هي الحال منذ 2003، وهو ما عرقل أن تكون هناك علاقة إستراتيجية بين حكومتي بغداد وأربيل من خلال تفرّده بكيفية التعامل مع الأحزاب العراقية الأخرى. ويسعى الديمقراطي الكردستاني إلى التقرّب من الصدر للحصول على مكاسب حزبية في الحكومة الاتحادية المقبلة، بعد أن لوّح زعيم الصدريين أكثر من مرّة بنيته الحصول على رئاسة الوزراء، مؤكدا أن هذا التناقض لا يختلف أبدا عما كان عليه حزب البارزاني في انتخابات 2018 عندما تحالف مع كتلة البناء الشيعية، في وقتٍ كان يوجه أشد الانتقادات ضد الحشد الشعبي. ويتّفق محمد في حديثه للجزيرة نت مع سلام بوجود نية أو محاولات للحزب الديمقراطي الكردستاني من أجل انتزاع  منصب رئاسة الجمهورية في الحكومة المقبلة من الاتحاد الوطني الكردستاني بعد أن فشلت محاولته الأولى في انتخابات 2018، وأن هذا ما يدفعه إلى التقرّب أكثر من الصدر في المرحلة المقبلة.

Read more

الإقليم خسر المال لكنه فاز بالسيادة 

الحصاد : بعد أكثر من اربعة اشهر من الشد والجذب، صادقَ مجلس النواب العراقي ليلة امس على قانون موازنة 2021، وتم تصديق المادة (11) من القانون والخاص بحصة إقليم كوردستان بشكلٍ لا يحصل الإقليم على الكثير من الناحية المالية، لكنه فاز بإبقاء سيادة حكومة الاقليم على النفط، وهذا سيكون ذا تأثير على كافة الملفات والقضايا القانونية المسجلة ضد حكومة الاقليم في المحاكم الخارجية. ما الذي يعطيه الإقليم للعراق؟ بحسب تحليل سريع لإتفاق الإقليم مع بغداد في موازنة 2021، فلكي يحصل الإقليم : على مستحقاته المالية في ميزانية العراق لهذا العام ينبغي عليه ارجاع هذه الواردات الى بغداد : على الاقليم ارجاع واردات (250 الف) برميل من النفط بسعر بيع سومو + نصف واردات المؤسسات الفيدرالية الى خزينة وزارة المالية العراقية شهرياً. كما عليه ايضاً، تسديد قروض البنك التجاري العراقي، والتي تبلغ (14 مليار و 45 مليون) دينار شهرياً. ما الذي يعطيه العراق للإقليم؟ في المقابل يعطي العراق لهذه السنة كلها مبلغ (9 ترليونات و581 مليار و718 مليون) دينار لإقليم كوردستان، اي ان بغداد سترسل الى الاقليم مبلغ (798 مليار) دينار شهرياً. ماذا ستكون النتيجة؟ تصل قيمة (250 الف) برميل من النفط يومياً ولمدة شهر واحد بسعر سومو المحدد بـ(60) دولاراً، الى (450 مليون) دولار ما يقابل (652 مليار) دينار. مع هذا على الإقليم إرجاع قرابة (100 مليار) دينار من واردات المؤسسات الفيدرالية الى بغداد شهرياً. في المعدل ينبغي على إقليم كوردستان دفع مبلغ (752 مليار) دينار الى بغداد شهرياً. ترسل بغداد الى الإقليم مبلغ (798 مليار) دينار شهرياً، لكن الإقليم عليه دفع مبلغ (752 مليار) دينار الى بغداد شهرياً، وحاصل طرح هذين المبلغين بـ"المقاصة" تكون (46 مليار) دينار فقط، وهذا مايتبقى للاقليم ليحصل عليه شهرياً. ومن هذا المبلغ الـ(46 مليار) دينار المتبقي لإقليم كوردستان شهرياً، يجب على الإقليم تسديد مبلغ (14 مليار) دينار كقروض الى البنك التجاري العراقي، والتي حصل الإقليم عليها في السنوات الماضية، وهكذا فإن كل ما يتبقى للإقليم شهرياً من ميزانية العراق لا يتعدى (32 مليار) دينار. "لاشيء مقابل لاشيء"  هذه هي نتيجة الاتفاق مابين الإقليم وبغداد حول النفط والميزانية والتي يمكن تسميتها إتفاق "لاشيء مقابل لاشيء" اي ان الاقليم لا يعطي بغداد شيئاً وبدورها لن ترسل بغداد الى الإقليم شيئاً. تقول المادة (11) من ميزانية العراق لعام 2021 والخاصة بإقليم كوردستان : 🔹تسوية المستحقات المالية مابين الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان للسنوات 2014 حتى 2020. 🔹ينتج إقليم كوردستان من حقوله النفطية كمية من النفط لاتقل عن (460 الف) برميل، ويخصص جزء من هذه الكمية لتأمين نفقات الاستثمار والنقل والاستخدام المحلي في إقليم كوردستان ويقطع منها الجزء الخاص بالبترودولار، وبعد طرح هذه النفقات يُسَلِّم الإقليم واردات (250 الف) برميل من النفط بسعر سومو الى الحكومة الاتحادية. 🔹تقوم حكومة اقليم كوردستان بتسليم وارداتها الغير نفطية وفقًا لقانون الإدارة المالية الفيدرالية الى خزينة الدولة الاتحادية. 🔹يقوم إقليم كوردستان بتسديد القروض التي بذمتها الى البنك التجاري العراقي، وتقوم وزارة المالية العراقية بتقسيط هذه القروض شهرياً وتقطعها من حصة الإقليم من الميزانية، ويبدأ تسديد هذه القروض من هذا العام وتنتهي في مدة (7) أعوام. 🔹بعد تنفيذ النقاط اعلاه، تكون الحكومة العراقية مستعدة لدفع المستحقات المالية لاقليم كوردستان. 🔹على إقليم كوردستان تسليم قائمة اسماء موظفيه المدنيين والعسكريين مع تفاصيل درجاتهم الوظيفية بالكامل. 🔹أُلْزِمَ إقليم كوردستان ان يصرف الاموال التي يحصل عليها لتأمين رواتب موظفيه قبل اي امر آخر.

Read more

أيُسَلِّم الإقليم النفط أَم واردات النفط؟

  تقرير : محمد رؤوف - فاضل حمةرفعت ترجمة : ك.ق أي الحالتين أسلم لإقليم كوردستان، أَيُسَلِّم النفط الى بغداد أم واردات النفط؟ فتسليم النفط ينعش الوضع المالي للاقليم، لكن تنعدم سيادة الإقليم على نفطه، وتسليم واردات النفط وفقاً للاتفاق الجديد ليس في مصلحة الإقليم، لأن الإقليم بحاجة الى بيع برميلين ونصف كي يدفع سعر برميل واحد من النفط بسعر (سومو)، من المحتمل ان يتفق اربيل وبغداد في النهاية على أساس "لاشيء مقابل لاشيء"، المزيد من التفاصيل في هذا التقرير. الميزانية في اللحظات الاخيرة  آخر مسودة إتفاق بين الإقليم وبغداد يجبر إقليم كوردستان على تسليم واردات (250 الف) برميل من النفط يومياً، بالإضافة الى وارداته الغير نفطية الى بغداد، وبعكسه فإن الأطراف الشيعية لا ترضى بـ(المقاصة)، ما يعني إن لم يسلم الإقليم هذه الواردات الى بغداد، فلن ترسل بغداد اية كمية من الاموال الى الإقليم ويكون الاتفاق على اساس "لاشيء مقابل لاشيء". بعد التغييرات التي أحدثتها الاطراف الشيعية في نص الاتفاق السابق لهم مع وفد الإقليم، مرةً اخرى انتشرت الأقاويل والتساؤلات حول موقف الاقليم، أَيُسَلِّم الإقليم واردات النفط ام النفط نفسه؟ هل من الاحسن للاقليم من الناحية المالية تسليم واردات النفط ام النفط بعينه؟ ان سَلَّمَ الإقليم النفط بحسب استقصاءات (الحصاد)، أخبر المسؤولون في شركة تسويق نفط العراق والمعروفة بـ"سومو" في اجتماع مؤخراً، أعضاء اللجنة المالية في البرلمان العراقي إن سَلَّمَ الإقليم كل نفطه لشركة "سومو" والمحددة بـ(460 الف) برميل يومياً وتقوم سومو ببيعه بسعر نفط العراق، فسيكون فرق سعر بيع النفط من قِبَل سومو مع سعر بيع النفط من قِبَل الاقليم قرابة (300 مليون) دولار، ما يعني إن قامت سومو ببيع نفس الكمية من نفط الاقليم بسعر سومو فستزداد واردات الاقليم مبلغ  (300 مليون) دولار شهرياً واذا قامت بغداد بإرجاع فرق السعر هذا فقط لإقليم كوردستان فستحل المشاكل كلها. النفط بسعر الإقليم ام العراق؟ يبيع الإقليم (460 الف) برميل من النفط يومياً، وكل برميل بأقل من (11) دولاراً من سعر سومو (باع العراق البرميل الواحد من نفطه بسعر 60.3 دولار، لكن الإقليم باع البرميل الواحد من نفطه بسعر 50 دولاراً). وفقاً لهذه المعادلة ان الاقليم يحصل على مبلغ (690 مليون) دولار كواردات بيع النفط شهرياً بالسعر الذي يبيعه، وتذهب نصف هذه الواردات لمصاريف الاستثمار والنقل والخزن، بمعنى يتبقى لحكومة الاقليم شهرياً صافي مبلغ (345 مليون) دولار من واردات النفط ( يكلف نقل البرميل الواحد من نفط الاقليم من الداخل وحتى الحدود التركية 4 دولارات، ويكلف نقل البرميل الواحد من نفط الاقليم من الاراضي التركية الى ميناء جيهان 5.8 دولاراً، وعليه تبلغ كلفة نقل البرميل الواحد من النفط على إقليم كوردستان قرابة 10 دولارات). إن كانت حكومة الاقليم على استعداد لتسليم نفطها الى شركة سومو، فإن واردات النفط ستطرأ عليها تغييرات كبيرة، وكيف ذلك؟ إن قامت سومو ببيع نفط الإقليم، فستيبع البرميل الواحد من النفط بقرابة (61) دولار اي بزيادة (11) دولاراً لكل برميل من السعر الذي يبيع به الإقليم النفط، وبحسب هذه المعادلة فستكون واردات بيع (460 الف) برميل نفط يومياً ما يقارب (841 مليون) دولار. فضلاً عن هذا الفرق في سعر البيع، فإن فرق كلفة نقل النفط بين العراق الإقليم داخل الأراضي التركية تبلغ (4) دولارات، بحيث لا تزيد تكلفة نقل نفط العراق داخل الاراضي التركية عن (1.9) دولاراً للبرميل الواحد، في حين يدفع الاقليم لشركة (بوتاش) التركية مبلغ (5.8) دولاراً لنقل كل برميل من النفط. وبهذا يبلغ مجموع الفروقات في بيع ونقل البرميل الواحد من النفط بين العراق وإقليم كوردستان، ما يعني ان نفس الكمية من نفط الاقليم إذا تم بيعها من قِبَل شركة سومو فستكون وارداتها اكثر بمبلغ (200 مليون) دولار شهرياً، من الحالة لتي تقوم حكومة الاقليم نفسها ببيعها، وإذا قامت سومو ببعض المراجعات في أساليب عمل الشركات من المحتمل ان يرفع هذا الفرق في الواردات الى (300 مليون) دولار شهرياً، كما اخبر مسؤولوا سومو اللجنة المالية في برلمان العراق. على الرغم من ان الاقليم سيتحسن اوضاعه المالية إن قام بتسليم نفطه الى سومو، لكن حكومة الاقليم غير مستعدة لفعل ذلك لسببين : أولاً : تسليم النفط بالكامل الى بغداد لا يبقي من سيادة الاقليم على نفطه شيء، علاوةً على اضراره السياسية. ثانياً : ربطت حكومة الإقليم ملف النفط بالكامل بتسديد الحكومة العراقية لكافة القروض التي بذمتها جراء ايقاف ارسال حصص الإقليم المتراكمة في الأعوام الماضية والبالغة قيمتها (28 مليار) دولار، وحكومة بغداد غير مستعدة لتحمل هذه القروض. إن سَلَّمَ الإقليم واردات النفط اخبر احمد الحاج رشيد، عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، (الحصاد) بأن الاقليم ينبغي عليه بيع برميلين ونصف حتى يحصل على سعر برميل واحد من النفط بسعر سومو، لأن الاقليم باع البرميل الواحد من النفط بمعدل سعر (51) دولار لكن سومو تبيعه بمعدل سعر (61) دولار، والإقليم يصرف (50%) من واردات النفط للنقل والانتاج، اي يتبقى له من سعر البرميل من النفط المباع (25) دولاراً فقط، ومن (25) دولار الى (61) دولار هناك فرق قدره (36) دولار، وهذا يعني ان على الإقليم ان يبيع برميلين ونصف من النفط حتى يحصل على سعر برميل واحد من النفط بسعر سومو. المحصلة في حال باع إقليم كوردستان نفطه عن طريق شركة سومو فإنه علاوةً على تضمين حصته من الميزانية من العراق، فإن وارداته النفطية ستزداد ايضاً، لكن هذا الامر لن يبقي من سيادة حكومة الاقليم على نفطه من شيء ويعتبر هذا الامر لدى مسؤولي الإقليم موضوعاً استراتيجياً ويرونه الورقة الاقوى في هذا الوقت تجاه بغداد، فضلاً عن ان الدستور يمنحهم حق الادارة المشتركة لملف النفط مع بغداد وليس تسليم هذا الملف بالكامل. إذا تم استقطاع قيمة (250 الف) برميل من النفط يومياً من حصة الاقليم بصيغة المقاصة على غرار السنوات الماضية، فإن الاقليم ودون ان يسلم قطرة من النفط، ودون ان يدفع شيئاً، فإنه سيحصل على مبلغ من المال شهرياً مثلما كان يحدث في ميزانية 2019، لكن المشكلة الآن تكمن في ان الاطراف الشيعية يريدون انهاء مبدأ (المقاصة) اي التسوية ويقولون ان هذا المبدأين دستوري وتم الالتجاء إليه بالتوافق السياسي، وفي هذه الحالة وكما هو مدون في نص مسودة الإتفاق، إن لم يقم الإقليم بتسليم واردات (250 الف) برميل من النفط يومياً بالاضافة الى وارداته الغير نفطية الى بغداد، فلن تقوم بغداد بإرسال اية مبالغ مالية للاقليم، وإذا تم تنفيذ النص بهذا الشكل يمكن ان يصبح عنوان الاتفاق "لاشيء مقابل لاشيء".

Read more

كارتيل الفساد على حدود العراق "أسوأ من شريعة الغاب"

الخصاد draw: france 24 على طول الحدود البرية والبحرية للعراق، يقوم كارتيل متشابك ومعقّد بعمليات تهرّب جمركي يحوّل من خلالها الملايين من الدولارات التي يفترض أن تدخل خزائن الحكومة، إلى جيوب أحزاب وجماعات مسلحة ومسؤولين. ويقول موظف جمارك إن هذه الشبكة المتداخلة "لا توصف. الأمر أسوأ من شريعة الغاب". ويضيف "في الغابة، تأكل الحيوانات على الأقل وتشبع. هؤلاء الرجال لا يقنعون أبداً". وعلى غرار معظم المسؤولين الحكوميين وعمال الموانئ والمستوردين الذين قابلتهم وكالة فرانس برس على مدى ستة أشهر، طلب الموظف التحدث دون الكشف عن هويته خوفا من تعرّض حياته للخطر. في البلد الذي يحتل المرتبة 21 في العالم في سلم الفساد، وفق منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية، تعبّد البيروقراطية المملّة والفساد المزمن طريقا الى امتصاص موارد الدولة. وفي اقتصاد يقوم أساسا على النفط، وفي ظل ضعف كبير في القطاعين الزراعي والصناعي وغياب أي إمكانية للحصول على عائدات منهما، تشكّل رسوم الجمارك المصدر الأهمّ للعائدات. لكن الحكومة العراقية المركزية لا تتحكم بهذه الموارد التي تتوزّع على أحزاب ومجموعات مسلحة غالبيتها مقربة من إيران تتقاسم السطوة على المنافذ الحدودية وتختلس عبرها ما أمكن من الأموال. ويقول وزير المالية العراقي علي علاوي لوكالة فرانس برس "هناك نوع من التواطؤ بين مسؤولين وأحزاب سياسية وعصابات ورجال أعمال فاسدين"، مشيرا الى أن "هذا النظام ككل يساهم في نهب الدولة". - نظام "مصمم للفشل" - ويستورد العراق الغالبية العظمى من بضائعه، ويعتمد في الغالب على إيران وتركيا والصين في كل شيء من الغاز الى الكهرباء والطعام والإلكترونيات. رسمياً، استورد العراق ما قيمته 21 مليار دولار من السلع غير النفطية في عام 2019، وفق أحدث البيانات التي قدمتها الحكومة، مرّت بمعظمها عبر خمسة معابر رسمية على الحدود مع إيران التي يبلغ طولها 1600 كيلومتر، وواحد على الحدود مع تركيا الممتدة على قرابة 370 كيلومترا، وعبر ميناء أم قصر العملاق في محافظة البصرة الجنوبية. لكن نظام الاستيراد العراقي مرهق وعفا عليه الزمن. فقد تحدث تقرير للبنك الدولي عام 2020 عن "تأخيرات لا تنتهي، ورسوم مرتفعة واستغلال". وقال مستورد يتخذ من دولة في الشرق الأوسط مركزا لعمله لوكالة فرانس برس "إذا كنت تريد أن تستورد بالطريقة الصحيحة، تنتهي بأن تدفع آلاف الدولارات كغرامة تأخير"، مضيفاً أن هذا النظام "مصمم للفشل". وأدّى ذلك، وفق مسؤولين وعمال موانئ ومستوردين ومحللين، إلى نشوء نظام استيراد مواز عبر المعابر البرية وميناء أم قصر، تتولاه أحزاب ومجموعات مسلحة. وتتحقّق معظم الأرباح من ميناء أم القصر كونه المنفذ الذي تدخل عبره الكمية الأكبر من البضائع إلى البلاد. وأكد مسؤولون لوكالة فرانس برس أن غالبية نقاط الدخول تسيطر عليها بشكل غير رسمي فصائل تنتمي الى الحشد الشعبي، وهو تحالف يجمع فصائل شيعية دُمجت مع القوات الأمنية. وتملك هذه الفصائل مكاتب اقتصادية لتمويل نفسها، وتأسست حتى قبل تشكيل الحشد الشعبي. وقال ضابط في المخابرات العراقية حقّق في قضية التهرّب الضريبي "إذا كنت تريد طريقاً مختصراً، تذهب إلى الميليشيات أو الأحزاب". وأضاف "يقول المستوردون إنهم يفضلون خسارة مئة ألف دولار (تدفع كرشوة) بدلاً من خسارة بضاعتهم بالكامل". ويعمل أعضاء الأحزاب والفصائل المستفيدة من ذلك، أو معارفهم وأقاربهم كوكلاء حدود أو مفتشين وفي الشرطة، ويتقاضون مبالغ مالية من المستوردين الذين يريدون تجاوز الإجراءات الرسمية أو الحصول على حسم على الرسوم. وينفي الحشد الشعبي هذه المزاعم علنا. لكن مصادر مقربة من فصائل متشددة مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله"، أقرّت بوجود نفوذ لفصائل مختلفة على الحدود، معدّدة الأرصفة والمراكز التي يتمّ عبرها التهرّب الضريبي على أنواع من البضائع، بما يتطابق مع ما قاله مسؤولو الجمارك وضابط المخابرات لفرانس برس. - "المخلّص" - وأكد عمال ميناء أم قصر ومسؤولون ومحللون أن "منظمة بدر" مثلا، وهو فصيل تأسس في إيران في الثمانينات، تدير معبر مندلي على الحدود الإيرانية. وقال ضابط المخابرات "إذا كنت تاجر سجائر، اذهب إلى المكتب الاقتصادي لكتائب حزب الله في الجادرية (في بغداد)، اطرق الباب، وقل أريد التنسيق معكم". وأحد الأشخاص الرئيسيين في عجلة الفساد، هو "المخلِّص"، أي موظف الجمارك الحكومي الذي غالباً ما يعمل كوسيط للجماعات المسلحة والأحزاب السياسية. وقال ضابط المخابرات "لا يوجد شيء اسمه +مخَلِّص+ من دون انتماء، جميعهم مدعومون من الأحزاب". بعد الدفع نقدًا مقابل عمليات صغيرة أو عبر تحويلات مصرفية لصفقات أكبر، يقوم المخلّص بتزوير الأوراق الرسمية، عبر تحريف نوع السلعة التي يتم استيرادها أو عددها وقيمتها الإجمالية، ما يؤدي الى خفض قيمة الرسوم الجمركية التي على التجار دفعها، والتي تكون في النهاية أقلّ بكثير من القيمة الفعلية للبضائع. وقال أحد المستوردين لوكالة فرانس برس إن تسجيل كمية أصغر من الكمية الحقيقية يوفر للمستورد حسما على الرسوم الجمركية يصل إلى 60 في المئة. والمثال الشائع على ذلك هو في استيراد السجائر التي تبلغ تعرفة الاستيراد الرسمية عليها 30 في المئة من قيمتها بالإضافة إلى 100 في المئة إضافية لرفع سعرها في السوق المحلية بهدف تشجيع المستهلكين على شراء البضائع المصنّعة في العراق. ولتقليص هذه الرسوم، غالبًا ما يتم تسجيل السجائر على أنها مناديل ورقية أو سلع بلاستيكية ما يعني في المقابل دفع تعرفات جمركية أقل بكثير. ويقول مسؤول الجمارك "بدلاً من دفع 65 ألف دولار لكل شاحنة على الأقل ينتهي بك الأمر بدفع 50 ألف دولار فقط". ويتلاعب المخلّصون أيضاً بالقيمة الإجمالية المقدّرة للشحنة. فتسجل تلك القيمة بداية على رخصة الاستيراد ولكن يملك المخلّص صلاحية إعادة النظر بها عند نقطة الدخول وبالتالي تخفيضها بهدف تخفيف قيمة الرسوم. وروى مسؤول في أم قصر لفرانس برس أن وكيل جمارك قام بتقييم شحنة من الحديد بثمن بخس لدرجة أن المستورد دفع رسوما جمركية قدرها 200 ألف دولار، في حين كان ينبغي أن يدفع أكثر من مليون دولار. وقال المستورد "هذا النفوذ الكبير للمخلّص ليس طبيعياً على الإطلاق". ومن خلال علاقات مع أشخاص نافذين، تتسرّب بعض البضائع دون تدقيق على الإطلاق. وفي هذا الإطار، قال موظف الجمارك "أنا لست فاسدًا، ولكنني اضطررت لتمرير الشحنة دون تفتيش لأنها مرتبطة بطرف نافذ". في حالات أخرى، يأخذ التجار تراخيص استيراد وإيصالات مزورة إلى البنك المركزي العراقي الذي يرسل بعد ذلك دفعة بالدولار الأميركي إلى شركة شحن وهمية خارج العراق. وتسمح هذه المعاملات بغسل الأموال، بحسب وكيل جمركي ومسؤولين مصرفيين عراقيين. وقال مستورد لوكالة فرانس برس إنه دفع 30 ألف دولار لموظف جمارك في أم قصر للموافقة على دخول أجهزة كهربائية مستعملة يعتبر استيرادها مخالفة قانونية. وأضاف أنه يدفع بانتظام "رشوة لضابط في شرطة الموانئ" ليبلغه بعمليات التفتيش المفاجئة. ومقابل رسوم إضافية، عرض الضابط عليه "إرسال دوريات لتعطيل خروج بضائع منافسة". - "مافيا حقيقية" - وكونهم يعتبرون المنافذ الحدودية مصدراً لامتناهياً للمال، يدفع الموظفون العامون أموالاً لرؤسائهم لتعيينهم هناك. ويفاخر مسؤول في معبر مندلي بالقول إن المعبر يدرّ رشاوى تصل إلى عشرة آلاف دولار لأصغر موظف كل يوم. ويعرب وزير المالية علاوي عن أسفه قائلاً "يتراوح سعر أصغر وظيفة في الجمارك بين 50 ألف دولار إلى مئة ألف دولار، وفي بعض الأحيان ترتفع إلى أضعاف ذلك". وتستخدم الأحزاب والجماعات المسلحة نفوذها السياسي للاحتفاظ بمواقعها هذه التي تسمح لها بتكديس الأموال، ولا تتوانى عن التهديد باستخدام العنف. وقال عامل في معبر مندلي لوكالة فرانس برس إنه أخّر ذات مرة دخول شحنة قادمة من إيران لافتقادها أوراقا رسمية، لكن المخلّص هدّده، مدّعياً أنه من عناصر الحشد الشعبي وأصرّ على إدخال البضائع دون دفع الرسوم، وهو ما سمح به العامل في نهاية المطاف. وروى ضابط المخابرات أن مخبرا في معبر زرباطية على الحدود مع إيران والذي تديره عصائب أهل الحق، وُضع مرارا في إجازة إدارية بسبب عرقلته عمليات استيراد منتجات إيرانية بدون رسوم جمركية. في النهاية، لم يستطع تحمل الضغط. وقال الضابط "عدنا لاحقًا للتحدث معه مرة أخرى ووجدنا أنه انضم إلى العصائب". وقال موظف كبير في المنافذ الحدودية لوكالة فرانس برس إنه يتلقى مكالمات منتظمة من أرقام خاصة تهدّد بالتعرّض لأقاربه بالاسم، في محاولة لترهيبه ودفعه إلى وقف عمليات التفتيش على البضائع في الموانئ. وقال موظف الجمارك "لا يمكننا فعل شيء لأننا سنقتل. الناس خائفون... إنها مافيا حقيقية". - "لا منافسة" - ويشرح ريناد منصور من مركز أبحاث تشاتام هاوس أن هذا النظام أصبح شريان الحياة للأحزاب العراقية والجماعات المسلحة، بما في ذلك فصائل الحشد الشعبي الموالية من إيران. وأضفت هذه الأطراف طابعاً احترافياً على موضوع التمويل غير المشروع هذا بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2017، بعدما لم يعد في إمكانها الوصول إلى ميزانيات الدفاع الكبيرة. وازدادت هذه الشبكة نشاطا بعد فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عقوبات قاسيةً على إيران. وفي آذار/مارس 2020، أدرجت الولايات المتحدة شركة "الخمائل البحرية للخدمات"، وهي شركة شحن في أم قصر، على القائمة السوداء لتنسيقها مع مجموعات شيعية مسلحة لمساعدة الحرس الثوري الإيراني على "التهرب من بروتوكول التفتيش الحكومي العراقي". كما فرضت عقوبات على عراقيين اثنين وإيرانيين اثنين مرتبطين بالشركة لتمويلهم الكتائب وحزب الله اللبناني. ورفضت السفارة الأميركية في العراق طلبات وكالة فرانس برس التعليق على الأمر. ويجري تقاسم الغنائم بين الأحزاب والجماعات المسلحة بشكل سلس على الرغم من خصومات في ما بينها أحيانا. ويقول منصور "منفذ حدودي واحد يمكن أن يدرّ ما يصل إلى 120 ألف دولار في اليوم (كرسوم غير مشروعة)" تتقاسمه مجموعات عدة "قد تكون عدوة في ما بينها". وقال ضابط المخابرات العراقية "لا توجد منافسة. يعرفون أنه إذا سقط أحدهم فسيسقط الآخرون". في شباط/فبراير، قتل عضوان في عصائب أهل الحق في حادثتين منفصلتين وصفهما مصدران في الحشد الشعبي لفرانس برس بأنهما ذات "خلفيات اقتصادية". لكن عمليات القتل هذه نادرة. - إصلاح بقي قاصرا عن الإصلاح - ويحرم هذا النظام الموازي الدولة من مصادر تمويل كان يمكن تخصيصها للمدارس والمستشفيات والخدمات العامة الأخرى. وقال الوزير علاوي لوكالة فرانس برس "يجب أن نحصل على سبعة مليارات دولار من الجمارك سنويا، لكن في الواقع، تصل عشرة إلى 12 في المئة فقط من موارد الجمارك إلى وزارة المالية". وأفادت منظمة الشفافية الدولية في عام 2020 أن تركيا والصين، وهما من أكبر المصدرين للعراق، هما أقل دولتين تراقبان ضبط الفساد في إطار تصديرهما الى العراق. ويدفع ثمن كل هذا الفساد المستهلك العراقي. وقال مسؤول عراقي لفرانس برس "بصفتك مستهلكاً، فأنت الشخص الذي ينتهي بك الأمر بالدفع مقابل هذا الفساد". منذ الأسابيع الأولى لتوليه رئاسة الوزراء في أيار/مايو 2020، جعل مصطفى الكاظمي من إصلاح المعابر الحدودية أولوية قصوى. فمع الانخفاض الشديد بأسعار النفط، بات العراق بأمس الحاجة إلى عائدات إضافية. وفي رحلات حظيت بتغطية إعلامية واسعة إلى أم قصر ومندلي، تعهد الكاظمي بإرسال قوات جديدة إلى كل منفذ حدودي وتطبيق المداورة في وظائف الجمارك بانتظام لتفكيك دوائر الفساد. على الورق، يفترض أن يكون ذلك مجديا. وبشكل شبه يومي، تفيد هيئة المنافذ الحدودية عن عمليات ضبط بضائع كانت هناك محاولات لتهريبها بدون دفع رسوم. لكن مع انخفاض الواردات في عام 2020 بسبب فيروس كورونا والإعفاءات الجمركية المؤقتة الممنوحة للأدوية والغذاء، كان التأثير الإجمالي لتلك الاجراءات متواضعا. وقالت هيئة المنافذ الحدودية إن العراق حصد 818 مليون دولار من الرسوم في 2020، وهو مبلغ أعلى بقليل من 768 مليون دولار في 2019. - "نحن ندفع الضعف" - ويعتبر مستوردون ومخلصون ومسؤولون هذه الإجراءات ذرّا للرماد في العيون. وقال مستوردون لوكالة فرانس برس إنه، في حين أن بعضهم يدفع الآن الرسوم الحكومية، فإنهم ما زالوا يدفعون في الوقت نفسه الى المخلّصين للتأكد من أن البضائع لن يتم تأخيرها بشكل تعسفي. وقال رجل أعمال عربي يقوم بتصدير بضائع الى العراق منذ أكثر من عقد "في النهاية، ندفع مرتين". في غضون ذلك ، لم يتأثر أصحاب العلاقات الجيدة بالتدابير الجديدة. وقال مستورد عراقي "لم يتغير شيء. يمكنك إدخال أسلحة أو أي شيء آخر تريده عبر مندلي بدون رخصة استيراد وبدون دفع رسوم جمركية". وقال الرجل إنه أدخل مواد بناء من خلال معبر مندلي بدون دفع رسوم جمركية حتى بعد الإصلاحات التي أعلنها الكاظمي. ويصف عناصر في الأمن الأمر بأنه أشبه بالفوضى. وقال جندي تم نشر وحدته لفترة وجيزة في مندلي لوكالة فرانس برس "الشرطة هناك متورطة بجميع عناصرها في الرشوة. التجار يدفعون الأموال بشكل جنوني. اعتقلنا رجلاً، لكنهم أخرجوه في اليوم التالي". واعترف المسؤول الحدودي الكبير بأن بعض عمليات نشر إضافية لعناصر أمن تمّ التعهد بها، لم تحدث قط. وقال لوكالة فرانس برس "في أوقات أخرى، كان الأمر عبارة عن مسرحية، إذ نُشر فقط حوالى عشرين رجلا". ويقول المستوردون والمسؤولون الذين تحدثوا لفرانس برس إن السبب الرئيسي في فشل تلك التدابير هو أن "تناوب الموظفين لم يشمل عنصراً حاسما في آلة الفساد: المخلّص". وقال مسؤول الجمارك "المخلص هو الوسيط الرئيسي للفساد، ما زال هناك. تفاحة فاسدة واحدة ستفسد الباقي". - "الفساد ما زال موجودا" - وما زال وسطاء الأحزاب والمجموعات المسلحة موجودين أيضاً. وقال المستورد العراقي "هناك غرفة جاهزة تدخل إليها الآن، وتقوم بفرز كل شيء هناك". وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية لوكالة فرانس برس إن كتائب حزب الله المتهمة بإطلاق صواريخ على السفارة الأميركية، أُجبرت على إغلاق مكتبها الاقتصادي في مطار بغداد الدولي لمنع وصولها إلى بضائع ثمينة معفاة من الرسوم الجمركية. وأضاف المسؤول "لكن لا يزال بإمكانها الصعود إلى الطائرة والقيام بما تريد. الفساد ما زال موجودا". وبدلاً من الاتصال ببعضهم البعض بشكل علني، انتقل الميسرون إلى تطبيقات المراسلة المشفرة مثل واتساب. وقال ضابط المخابرات "أصبح عملنا بالفعل أكثر صعوبة لأنهم يتخذون المزيد من الاحتياطات". وعلى الرغم من النجاح الجزئي في زيادة إيرادات الدولة، الكارتيل صامد على حاله. وتوقع مسؤولون أن يتجنب التجار بشكل متزايد المعابر التي تديرها الدولة وأن يعتمدوا إما على التهريب أو الاستيراد بشكل غير رسمي عبر كردستان شمالاً. وحذروا من أن تفكيك الشبكة بالكامل سيؤدي إلى عنف قد يكون الكاظمي غير مستعد له. وقال ضابط المخابرات "هذه المصالح تساوي ملايين الدولارات. رصيف واحد في أم قصر يعادل ميزانية دولة"، مضيفاً "لن يتنازلوا بسهولة".

Read more

لماذا يخشى وكلاء إيران الأدلة

الحصاد:   مايكل نايتس - معهد واشنطن تقيّم الميليشيات العراقية المدعومة من إيران الشرعية وتحاول أن تُظهر نفسها على أنها تعمل وفقاُ للقانون. لذلك يمكن أن تكون الأساليب القائمة على الأدلة فعالة للغاية في كبح جماح أولئك الذين يهاجمون نيابة عن طهران مثل «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» و«كتائب سيد الشهداء» و«حركة حزب الله النجباء». استحدث القاضي السابق في "محكمة العدل العليا في الولايات المتحدة"، لويس برانديز، عبارة "يُقال إن ضوء الشمس هو أفضل المطهرات" وهذا هو الحال حتماً حين يتعلق الأمر بدحض التكتيكات المبهمة التي تستخدمها الميليشيات المدعومة من إيران في العراق. فالهجمات الصاروخية التي أُطلقت على إربيل في 15 شباط/فبراير، هي أعمال تخريبية طائشة أمطرت مدينة مكتظة بالسكان بالقرب من قاعدة أمريكية بوابل من الذخائر الشديدة الانفجار عيار 107 ملم، أعقبها هجوم جديد على القوات الأمريكية في "قاعدة الأسد" الجوية في العراق في 3 آذار/مارس. وقُتل عراقي وفيليبني في هجوم إربيل الذي أسفر عن إصابة تسعة آخرين بجراح؛ كما لقي مقاول أمريكي حتفه في "قاعدة الأسد". وقد اعتقلت قوات الأمن الكردية اثنين على الأقل من مطلقي وابل الصواريخ الذي ضرب إربيل، لتعود وتفيد أن أحدهما اعترف بتنفيذ الهجوم. وزعم مقاتل الميليشيا المحتجز لدى الأكراد أنه تمّ تجنيده من قبل "كتائب سيد الشهداء"، وهي جماعة ميليشيا تعرضت لضربة أمريكية في سوريا الأسبوع الماضي، رداً على تورطها في الهجوم على إربيل.    ونفذت الميليشيات المدعومة من إيران كلا الهجومين الصاروخيين لكنها فعلت ذلك بطريقة مبهمة، سواء بالادعاء أن الهجوم حصل عبر جماعة "واجهة" («سرايا أولياء الدم» فيما يتعلق بحادثة أربيل) أو عبر عدم الادلاء بأي تصريح على الإطلاق (في حادثة "قاعدة الأسد"). ونحن نعلم ذلك لأن الميليشيات استخدمت شبكاتها الإعلامية المتخصصة - قنوات "تيليغرام" وصفحات التغريدات، بالإضافة إلى بعض الأساليب الأكثر غموضاً - للتلميح بشكل استباقي إلى الهجمات المقبلة، والإبلاغ عن الهجمات بسرعة غير معتادة، ومن ثم السيطرة على تغطية الهجمات عبر الغوص في تفاصيل فريدة. وتدل هذه الإزدواجية - إخفاء دورها في الهجوم ولكن التلميح بقوة إليه - على أن الميليشيات تجد صعوبة أيضاً في ما يسمى بـ"الحرب في المنطقة الرمادية". فمن جهة، عليها تجنب الجوانب السلبية لأفعالها - الانتقام من قبل الولايات المتحدة وإلقاء اللوم عليها على مقتل المدنيين الذي سببته صواريخها. ومن جهة أخرى، تريد أن يُنسب إليها الفضل في "مقاومة" الولايات المتحدة وحلف "الناتو" وأي قوى غربية أخرى تقدم المساعدة الأمنية إلى العراق. ونتيجة لهذه الخطوة الموازنة المخادعة، ترتكب الميليشيات الكثير من الأخطاء التي يمكن جمعها كدليل على ذنبها. ويواصل قادة الميليشيات توريط أنفسهم من خلال إظهارهم قيادة خلايا الصواريخ والتفجيرات والتحكم بها، وإعطاء الأوامر لها بوقف الهجمات أو شنها ضد هذا الهدف أو تلك الفئة من الأهداف. وفي حادثة إريبل، ربما تكون "كتائب سيد الشهداء" قد وفّرت القوى البشرية للتحرك وإطلاق الصواريخ، لكن من الواضح أن العملية كانت محرّكة من قبل قيس الخزعلي الذي صنفته الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب و"عصائب أهل الحق" التي أدرجتها الولايات المتحدة على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، واللذين أعلنا مسؤوليتهما عنها. ولهذا السبب سيطرت وسائل الإعلام التابعة لـ «عصائب أهل الحق» - "صابرين نيوز" ومجموعات الواجهة «أصحاب الكهف» و «سرايا أولياء الدم» -على تغطية الهجوم "قبل" 13 دقيقة من سقوط الصواريخ. كما تكافح الميليشيات مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء" و"حركة حزب الله النجباء" من أجل لعب نوع مختلف من هذه الخدعة - أي أن تكون جزءاً من القوات المسلحة العراقية عندما يكون الأمر ملائم لها، ولكن عدم خضوعها لسيطرة الدولة. فعندما قصفت الطائرات الأمريكية نقاط تفتيش تابعة لـ "كتائب حزب الله" في سوريا في 25 شباط/فبراير، الأمر الذي أسفر عن مقتل أحد أفراد «كتائب حزب الله»، وصفت كافة الميليشيات الغارة بأنها هجوم استهدف "قوات الحشد الشعبي"، وهي ذراع تابعة لقوات الأمن العراقية التي يحصل أفرادها على رواتبهم من الدولة العراقية ولكنها بالكاد تخضع لسلسلة القيادة. ومع ذلك، فإن "قوات الحشد الشعبي" ليست مخوّلة بالتواجد في سوريا، حيث يعمل أعضاء "كتائب حزب الله" وميليشيات عراقية أخرى، في حين يتقاضى أفرادها رواتبهم بالكامل من الحكومة العراقية، ولكنها تخضع للسيطرة العملياتية لـ "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني. وكما ذكر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بعد هجوم 25 شباط/فبراير، لم يكن العراقيون الذين تعرضوا للغارة الجوية الأمريكية في سوريا "أعضاء فعليين في قوات الأمن العراقية". ويتمثل الدرس الرئيسي المستفاد من مبارزة "المنطقة الرمادية" الأخيرة مع إيران وميليشياتها الوكيلة في كوْن أشعة الشمس فعلاً أفضل شكل من أشكال المطهرات، وأن الولايات المتحدة قادرة تماماً على لعب دور في المنطقة الرمادية أيضاً. ومنذ صيف 2020، تقوم وكالات الاستخبارات العراقية والكردية باعتقالات رمزية [لمطلقي الصواريخ] من "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء". غير أنه في كل حالة، مهما كانت محدودة، تسببت الاعتقالات بمضايقة الميليشيات وقلق كبير في أوساطها. وفي حين تبذل الميليشيات المدعومة من إيران قصارى جهدها لتمويه تواطئها في الهجمات الصاروخية، إلّا أن اعتقال مقاتلي الميليشيات وفضح تواطؤهم في الهجمات الصاروخية يقوّض قدرتهم على الهروب من وجه القانون. كما أن قرار السلطات الكردية باعتقال أحد أفراد "كتائب سيد الشهداء" والإعلان عن اعترافه يشير أيضاً إلى أن الميليشيات لا يمكنها دائماً الهروب من وجه القانون وأنه حيثما توجد الإرادة السياسية، إلى جانب التشجيع والدعم من الولايات المتحدة، سيكون من الممكن فرض درجة من المساءلة تضمن عدم حصول الميليشيات على تفويض مطلق [أي أنها غير معفاة من المسؤولية]. علاوةً على ذلك، فإن ربط العمليات الإعلامية للميليشيات والجماعات "الواجهة" بمنظمات فعلية مثل "عصائب أهل الحق" يتسبب بتذلل واضح وكبير في أوساط هذه الشبكات، يتبعه تجزئتها وبروز موجة جديدة من الجهود الفعالة بل المستحيلة في نهاية المطاف لاستحداث علامات جديدة مجهولة الهوية.   وعلى نحو مماثل، أدّى كشف النقاب عن تورط "كتائب حزب الله" في إطلاق الطائرات بدون طيار من العراق إلى السعودية في أيار/مايو 2019 وأيلول/سبتمبر 2019 وكانون الثاني/يناير 2021 إلى تفاقم الخروقات بين هذه الجماعة والحكومة العراقية. وقد أسفر تسليط الضوء على سيطرة "كتائب حزب الله" على مطار بغداد إلى تقليص دورها هناك. وأدّى الكشف عن فساد الميليشيات في أكبر موانئ العراق إلى تطهير الميناء من المسؤولين والتحصين العسكري لأم قصر. تجدر الملاحظة أن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران تقيّم الشرعية وتحاول أن تُظهر نفسها على أنها تعمل وفقاُ للقانون. وفي حين تقدّر كونها جزءاً رسمياً من قوات الأمن، إلّا أنها ببساطة تفتقر إلى الانضباط للتقيّد بدستور العراق وقوانينه. وستتمثل الخطوات التالية في هذا الجهد في التوصل إلى المزيد من الأدلة حول توّرط الميليشيات في الجرائم، وتقديم هذه الأدلة إلى العراقيين من أجل دعم الدعاوى المدنية والقضايا الجنائية. على الولايات المتحدة الاستفادة من عودتها إلى نظام تعددية الأطراف من أجل تشجيع أوروبا ودول الخليج على اعتماد العقوبات المتعلقة بمكافحة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان وفقاً لـ "قانون ماغنيتسكي العالمي"، والتي من شأنها تعزيز تأثيرها بشكل كبير.  

Read more

يهود العراق: أربعة فقط بعد وفاة آخر طبيب من أبناء الطائفة

الحصاد- BBC توفي الطبيب العراقي ظافر فؤاد إلياهو الذي لقب بـ"طبيب الفقراء"، وهو واحد من آخر اليهود العراقيين الذين ما زالوا يقيمون في بلادهم. ودفن طبيب وجراح العظام المعروف قبل أيام في مقبرة يهودية، بعد وفاته عن عمر ناهز 62 عاماً، وقد نعاه "مستشفى الواسطي" حيث كان يعمل منذ سنوات. وتقع مقبرة الحبيبية، أكبر مقبرة لليهود في العراق، في مدينة الصدر في بغداد، ويحرسها رجل مسلم، يعتني بالمدافن وبزوارها النادرين. وقال أصدقاء إلياهو على مواقع التواصل إنّ الطبيب رفض عروضاً للهجرة خارج العراق على مر السنين، وفضّل البقاء في بلاده. روت شقيقة إلياهو، التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها، لوكالة الصحافة الفرنسية: "أنا صليت عليه، وكذلك شارك أصدقاؤه في مراسم الدفن وصلوا عليه كل حسب دينه". وتعدّ هذه الصلاة حدثاً نادراً في بغداد التي فيها كنيس يهودي واحد صالح للاستخدام. وغالباً ما تقام الشعائر اليهودية لمن بقي من أتباع الديانة في العراق، داخل المنازل. ويقول إدوين شكر، وهو يهودي ولد في العراق عام 1955 وغادره إلى بريطانيا في سن السادسة عشرة، أنه "لم يبقَ سوى أربعة يهود يحملون الجنسية العراقية ومن أبوين يهوديين" في العراق. في عام 1948، بعد إقامة إسرائيل، كان عدد اليهود يبلغ نحو 150 ألفاً في البلاد، ثم بدأ بالتراجع، إثر سحب وثائقهم الشخصية واستبدالها بأخرى خاصة باليهود فقط، جعلتهم عرضة للاستهداف عند إظهارها، بحسب "فرانس برس". وبحلول العام 1951، كان نحو 96 بالمئة من يهود العراق قد خرجوا من البلاد، والتحق بهم كثر بعد ذلك مع تزايد معدلات الهجرة في أعقاب عمليات إعدام علنية شنقاً لعدد من التجار معظمهم من اليهود بتهمة التجسس لحساب إسرائيل في العام 1969. تدريجاً وعلى مر العقود، تلاشى وجود هذه الطائفة الصغيرة، على خلفية الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) ثمّ اجتياح الكويت وما أعقبه من حصار اقتصادي استمر حتى غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين العام 2003. وبعد هذه المرحلة أيضاً، تواصل تناقص أعداد اليهود وسط حرب طائفية وسنوات من العنف الدامي. وبحلول العام 2009، لم يبق سوى ثمانية يهود عراقيين في بلدهم، بحسب برقية دبلوماسية أميركية. في المقابل، تشير إحصاءات رسمية إلى وجود 219 ألف يهودي من أصل عراقي في إسرائيل يشكلون أكبر مجموعة من اليهود المتحدرين من آسيا. وترك هؤلاء خلفهم منازل ومعابد كانت حتى العام 2003 "بحالة ممتازة لدى مالكين معروفين"، حسبما ذكر شكر، للوكالة الفرنسية. وأشار إلى أن استرجاعها "لا يحتاج غير تصويت واحد في البرلمان" ليعاد إلى العائلات اليهودية العراقية كل ما فقدته.

Read more

 الحكومة لا تصرف مستحقات إعادة تدوير نفايات السليمانية 

تقرير : محمد رؤوف - فاضل حمةرفعت ترجمة : ك.ق وفقاً لأحدث تقنيات اعادة التدوير يمكن انتاج كمية (37 ميغا واط) من الكهرباء من الف طن من القمامة. تُطمَر النفايات حتى الآن في اقليم كوردستان، قبل قرابة سبعة أشهر بدأت شركة لإعادة تدوير النفايات اعمالها في السليمانية، والتي تُحَوِل النفايات الى الوقود، لكن لعدم قدرة حكومة الاقليم على صرف مستحقاتها ، لا تستطيع الشركة ان تعمل بطاقتها القصوى. توجد مشروع مماثل في دهوك ايضاً، تُجمَع يومياً في إقليم كوردستان اكثر من (سبعة آلاف) طن من النفايات، وتصرف الحكومة لهذه العملية (10 ملايين) من الدولارات، لكن رغما ً عن هذا تبقى القمامة اكبر تهديدٍ على البيئة، تفاصيل أكثر وأدق تتابعونها في هذا التقرير. القمامة في إقليم كوردستان  بحسب تقرير هيئة إحصاء إقليم كوردستان التي هي مؤسسة تابعة لوزارة التخطيط، تُجمع في مدن الإقليم كمية (7 آلاف و 200) طن من النفايات وتُرمى، وإن حجم النفايات في المناطق المختلفة هي على النحو الآتي : * أربيل : (ألفان و600) طن يومياً. * السليمانية : (ألف و850) طن يومياً. * ادارة كرميان : (470) طن يومياً. * ادارة رابَرين : (400) طن يومياً. * دهوك : (الف و620) طن يومياً. تبلغ حجم القمامة في العام الواحد (مليونان و628 الف) طن، ويتم رميها وطمرها تحت التربة أو يتم احراقها بالقرب من المدن، ما يشكل ضرراً للبيئة والصحة العامة، وتعمل (31) شركة في مجال تنظيف المدن والقصبات وكلها متعاقدة مع وزارة بلديات الاقليم، بحسب معلومات (الحصاد)، تصرف حكومة الاقليم مبلغ (10 ملايين) دولار فقط في جمع القمامة، لكن فضلاً عن هذا فإن الشركات الجامعة للقمامة والمنظفة تعلن في بعض الاحيان اضراباً عن العمل بسبب عدم صرف مستحقاتهم من قِبَل الحكومة، وبهذا يُعَرِضون المدن لخطر تهديد القمامة والنفايات. هذه هي عملية جمع القمامة فقط، لكن عملية معالجتها بشكلٍ اقتصادي وبيئي تسمى (اعادة التدوير)، لكن لم تدخل هذه العملية في إقليم كوردستان حيز التنفيذ بشكل جيد، في حين يمكن انتاج الطاقة الكهربائية من هذه القمامة والنفايات او إعادة صنع المواد الأولية منها. ماهي اعادة التدوير؟ إعادة التدوير، عبارة عن عملية تغيير النفايات الى انتاج جديد، وهذه العملية ليست جديدة تأريخياً، ففي العصور القديمة عمل الانسان على صهر المواد المعدنية وصنع منها ادوات جديدة. لعملية اعادة التدوير هذه منافع عديدة منها حماية البيئة، التقليل من الاعتماد على المواد الاولية التي يتم الحصول عليها من الطبيعة لصنع سلع جديدة، التقليل من مصاريف الاستثمار لأن اسعار المواد التي يتم انتاجها من عملية إعادة التدوير اقل من نفس المواد التي يتم انتاجها من الطبيعة. إعادة التدوير اصبحت من الصناعات الإستراتيجية، وتوجد في حدود الإتحاد الاوروبي وحدها (516) شركة تعمل في هذا المجال، وتوجد في امريكا (123) شركة، وفي اليابان (100) شركة، وفي الصين (56) شركة، اما في استراليا ونيوزلندة فتوجد اكثر من (17) شركة لاعادة تدوير النفايات. معالجة النفايات هناك ثلاثة طرق لعملية معالجة النفايات في العالم : الطريقة الأولى : الطمر المباشر  وهي عبارة عن عملية الطمر الكلي اي بنسبة 100% تحت التربة للنفايات التي تستجمع في المدن، وهذا اسلوب قديم وتقليدي يتم اتباعه في الدول المتخلفة فقط، والاسلوب المتبع في كوردستان هو هذا الأسلوب، وفي هذا الاسلوب يطمر المواد النافعة الموجودة في نفايات المنازل مع المواد العديمة الفائدة، تحت التراب. الطريقة الثانية : الحرق في الهواء وتسمى هذه الطريقة المعالجة بالحرارة أو الحرق (Thermal)، ويسميها البعض الدفن بالهواء (Air filling)، ولا يعتمد هذه الطريقة بسبب تلويث بيئة الغلاف الجوي. الطريقة الثالثة : المعالجة البيولوجية يعتبر هذا الأسلوب الاحدث والأكثر تطوراً لمعالجة النفايات، لأنه مقارنة بالطريقتين السابقتين، لا يخلف الا  القليل من المخلفات وأقل ضرراً للبيئة. اعادة التدوير في إقليم كوردستان هناك عدة محاولات في إقليم كوردستان من اجل معالجة النفايات بشكلٍ عصري وبتقنيات متطورة، لكن تلك المحاولات لم تدخل طور التطبيق بالكامل. محاولة من السليمانية منتصف العام الماضي انتهى تأسيس وتنصيب شركة لإعادة تدوير القمامة والنفايات تحت مسمى (شركة ايمرسون لمعالجة النفايات الصلبة)، وأسست هذه الشركة من قِبَل شركة تابعة لمجموعة شركات فاروق والمعروفة بـ(فاروق كروب). تم تأسيس شركة (ايكوسيم) بمساعدة شركتين متخصصتين اوروبيتين بكلفة (60 مليون) دولار وعلى مساحة (204) دونم من الاراضي في منطقة (تانجرو)، اي في نفس المنطقة التي خصصتها بلدية السليمانية لرمي وطمر نفايات المدينة. أُبرِم عقد هذا المشروع بين (محافظة السليمانية) و(شركة ايكوسيم)، وفقاً لهذا العقد ينبغي لهذه الشركة ان تعالج كل أنواع النفايات في السليمانية بإستثناء النفايات (الطبية) و(الإنشائية)، كما عليها معالجة أكثر من (الف و100) طن من القمامة يومياً. في شهر آب من عام 2020 اعلنت الشركة استعدادها لإستلام نفايات السليمانية، وبدأت بالعمل بشكل تجريبي وبطاقة استيعابية بلغت (الف و300) طن في اليوم (اي بكمية اكبر مما تم تحديدها لها في العقد). يقول المسؤولون في هذا المشروع، انهم اخذوا نسبة تزايد السكان في محافظة السليمانية لـ(20 سنة) القادمة نصب اعينهم عند انشاء الشركة، وإن نسبة المخلفات في المشروع تبلغ 10% ويريدون ان يخفضوا من هذا المستوى الى نسبة 6%، وهي نسبة ضئيلة جداً وأن تكون لها أي تأثير يذكر على تلوث البيئة. وفقاً لأقوال هفال أبوبكر محافظ السليمانية، توفر الشركة  فرصاً للعمل لأكثر من (200) شخصاً. طبقت هذه الشركة احدث أسلوب لمعالجة النفايات وهو اسلوب (المعالجة البيولوجية) وتمر العملية بثلاث مراحل : * المعالجة الميكانيكية البدائية : تطحن النفايات في هذه المرحلة لتكون احجامها متشابهة ومتساوية. * المعالجة البيولوجية : يتم تجفيف النفايات المطحونة في هذه المرحلة وتنظف من البكتيريا والفيروسات. * المعالجة الميكانيكية : يتم عزل المواد الخاملة من النفايات في هذه المرحلة والتي تبلغ نسبتها (10%) فقط، وتمثل هذه النسبة المخلفات(اي تبقي على نسبة 10% من نفايات السليمانية كمخلفات). الانتاج الذي يتم الحصول عليه في ختام هذه العملية الثلاثية المراحل هو نوع من الوقود تسمى بوقود الـ(RDF)، وهو وقود بديل للشركات وصديق للبيئة. بعد قرابة سبعة أشهر من تأسيسها، لا تستطيع هذه الشركة ان تعمل بطاقتها القصوى، وذلك لعدم قدرة حكومة الاقليم على صرف مستحقاتها، ورفعت المحافظة والبلدية عدة مرات كتباً رسمية لمجلس الوزراء بهذا الخصوص، لكن الحكومة لا ترد عليها. صرح هفال أبوبكر، محافظ السليمانية لـ(الحصاد) " كي تستطيع الشركة استلام تلك الكميات من النفايات يومياً كما هو مطالب بها في العقد، ينبغي على الحكومة ان تنفذ التزاماتها المالية تجاه الشركة ايضاً". وفي الوقت الحالي فإن الشركة المكلفة بإعادة تدوير نفايات السليمانية في انتظار صرف مستحقات عملها من قِبَل الحكومة لكي تستطيع على أقل تقدير تحويل كمية (الف و100) طن من النفايات الى الوقود يومياً. محاولة ثانية من دهوك في أواخر عام 2020، اعلنت وزارة البلديات والسياحة عن تأسيس شركة لمعالجة النفايات في حدود محافظة دهوك وتحديداً في منطقة آميدي(العمادية)، لكن هذا المشروع لم ينتهي لحد الآن. يتم إنشاء وتأسيس هذه الشركة على مساحة (96) دونم من الأراضي وتقع شمال مجمع (قَدش) التابع لناحية (سَرسَنكي) وتعالج نفايات أكثر من (13) بلدية في حدود تلك المناطق. اعادة التدوير في العراق تمثل النفايات إحدى المشاكل الرئيسية للحكومات المتعاقبة في العراق، وبحسب آخر الإحصائيات فقد ارتفعت مستوى النفايات في العراق حالياً إلى اكثر من (15 الف) طن يومياً. تسلمت الحكومة العراقية مؤخراً عدداً من العقود لاستثمار القمامة والنفايات من قِبَل الشركات الأجنبية التي تطالب بتأسيس شركات لإعادة تدوير النفايات بهدف تحويلها إلى الطاقة الكهربائية. وفقاً لأقوال هاشم الشديدي، مستشار وزارة الكهرباء العراقية، ان الجيل الرابع من تقنية اعادة التدوير بمقدورها انتاج (37 ميغا واط) من الكهرباء من كمية ألف طن من النفايات والقمامة.

Read more

مثلث القوة الإقليمي... تحالف غائب بين مصر وإيران وتركيا

الحصاد draw: ياسر الغرباوي - العربي الجديد    في كتابه "نحن و أبعادنا الأربعة" شرح الدكتور جمال حمدان، فلسفة توجه مصر نحو القبلة الآسيوية قائلا: "رغم أن مصر في أفريقيا موقعا، فقد كانت أبدا في آسيا وقعا، وهي في أفريقيا بالجغرافيا لكنها في آسيا بالتاريخ، وهي في أفريقيا طبيعيا لكنها بشريا في آسيا أكثر". وأشار إلى أن العلاقات الخارجية المصرية القديمة كانت آسيوية أكثر منها أفريقية، معتبرا  أن مصر أكثر أفريقيا آسيوية، "فالنيل في مصر لا يجري في منتصف صحرائها ولكنه يجنح بتحيز واضح نحو الشرق، والمسافة بين بورسعيد وغزة تبلغ 250 كم في مقابل 800 كم بين الإسكندرية ومنتصف الجبل الأخضر في ليبيا، ويعني هذا أن أقرب جار لمصر إنما يقع في آسيا، فجغرافيا البر المصري جعلت لمصر علاقة حميمة مع غرب آسيا".  الذاكرة التاريخية على مدار  التاريخ المصري القديم والمعاصر كانت حركة التجارة والعلاقات والهجرات تدور بلا انقطاع بين غرب آسيا ووادي النيل، خاصة بين مصر والجزيرة العربية في الشمال وبين اليمن والحبشة في الجنوب، على سبيل المثال هجرة الحاميين القدماء من جنوب الجزيرة إلى القرن الأفريقي وحوض النيل حتى مصر شمالاً، بينما جاءت هجرة الساميين العرب مع الإسلام إلى مصر والسودان، ويشير حمدان إلى انتقال جالية مصرية من الصعيد في مصر إلى الحجاز قبل الإسلام واستقرارها وتوطنها، وعلى مر التاريخ المصري  يرى حمدان أن "جميع الموجات التي اكتسحت البلاد جاءت من آسيا عبر سيناء في ما عدا قليلا منها جاء من الغرب مثل الفاطميين، وفي المقابل كل الحركات الخارجة من مصر وكل معاركها التاريخية كانت تتم على أرض آسيوية، وآخرها حرب العاشر من رمضان بينها وبين دولة الاحتلال، والتي وقع مجمل أحداثها من أجل سيناء وفيها".   الجغرافيا السياسية المصرية استكمل حمدان رؤية البعد الآسيوي في السياسة المصرية في كتابه إستراتيجية الاستعمار والتحرير، ووضع إحدى أهم الاستراتيجيات تعبيراً عن فلسفة التوجه المصري نحو آسيا، وطرح فكرة قيام تحالف بين تركيا وإيران الآسيويتين ومصر الأفريقية أطلق عليه اسم مثلث القوة الإقليمي (مصر، تركيا، إيران)، مقدما قراءة بأن "هذا المثلث سيكون من أهم مراكز القوة الطبيعية في العالم العربي والشرق الأوسط". وتتقاطع هذه الرؤية الاستشرافية لمثلث القوة عند  حمدان مع رؤية أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي سابقاً في كتابة "العمق الاستراتيجي، موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية"، إذ أكد على أهمية هذا المثلث الإقليمي للسياسة التركية الخارجية المعاصرة، وأنه يقع ضمن الأبعاد الجيواستراتيجية والجيوثقافية لتركيا الحديثة التي يطمع هو من خلال تفعيلها إلى أن تتحول تركيا من دولة طرفية إلى دولة مركز عالمية، ليطلق أوغلو على هذا الأمر  مصطلح المثلث الحساس لأمرين هما: الأول : عند دول المثلث الثلاث (مصر، تركيا، إيران)، تتقاطع الطرق المائية  للقارة الأفروأورآسياوية الأم مع الطرق البحرية الرئيسة، ووفق تصنيف أوغلو لأهمية المضايق عالميا تُطل دول المثلث على ثلاثة مضايق حيوية من مجموع ثمانية مضايق تتحكم في توازنات الإستراتيجيات العالمية عالمية وهي: 1- قناة السويس في مصر التي تصل قارة آسيا بأفريقيا وتربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر. 2- مضيق هرمز (تطل عليه إيران) والذي يصل بين الحزام الهندي الجنوبي للقارة الآسيوية وبين شبة الجزيرة العربية، ويصل الخليج العربي الغني بالمواد الخام مع المحيط الهندي. 3- مضيقا البوسفور والدردنيل في تركيا اللذان يربطان البحر الأسود مع البحر الأبيض المتوسط ويفصلان القارة الأوروبية عن الآسيوية.   الثاني: بروز العلاقات الدولية والإقليمية القائمة على النفط في العصر الحديث، ما زاد من أهمية هذا المثلث. ويحدد أوغلو 4 ملاحظات حول الطبيعة السياسية للمثلث الحساس هي: 1- قوى الهيمنة العالمية تنتهج إستراتيجية الضلع الناقص، للحيلولة دون بناء المثلث، فالقوى الخارجية قبلت التعاون المصري- التركي على حدة، لكنها منزعجة من رفع مستوى التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث في آن واحد. 2-أن تحقيق سلام طويل المدى في المنطقة لا يمكن إلا من خلال "تعامل القوى العالمية مع الدول الثلاث وفق أرضية منطقية"، ويعتبر قيام المثلث ضرورة إستراتيجية يمكن أن تتقاطع حولها مصالح القوى الخارجية مع مصالح دول المثلث من زاوية إقرار سلام في النزاع العربي مع دولة الاحتلال. 3- تكمن أهمية تركيا في تحقيق التوازن داخل المثلث كما يرى أوغلو، والذي يقول إنه يتوجب على تركيا اتباع أسلوب من شأنه تخفيف التوتر بين هذه الأقطاب في إطار استراتيجية إقليمية متزنة، ويعتبر أن نجاح تركيا في هذا الدور سيمكنها من الضغط بقوة على التوازنات الإقليمية في أية لحظة. 4-بناء هذا المثلث سيكون له انعكاسات بارزة على مثلثات أصغر للقوى في الساحة مثل المثلث (الأردني، الفلسطيني، اللبناني) والذي يرتبط بعلاقة مجابهة مباشرة مع دولة الاحتلال، والمثلث (العراقي، السوري، السعودي). الخلاصة من خلال ما تقدم تقترب رؤية حمدان وأوغلو في أهمية  ومنافع قيام التعاون الإستراتيجي بين الدول الثلاث (مصر، تركيا، إيران) وحاجة منطقة الشرق الأوسط له، لخيارات استراتيجية ستحقق لدول المنطقة وزناً كبيراً  يمكنها من نيل الحقوق، وتحقيق الحماية لمقدراتها ومصالحها الاقتصادية والسياسية، ولكن المشكلة تتمثل في عوامل وخلافات عديدة تمنع تقارب البلدان الثلاثة وتحقيق مصالح الشعوب.

Read more

سياسة بايدن تجاه إيران: احذروا من الخيارات غير النووية الجديدة

الحصاد draw: ديفيد بولوك - معهد واشنطن شنت إدارة الرئيس بايدن ضربة انتقامية واحدة ضد ميليشيا مدعومة من إيران في سوريا، بعد هجومها الدموي على أهداف أمريكية عبر الحدود في أربيل؛ كما عززت منظومة الدفاع الأمريكية المضادة للصواريخ في السعودية للتصدي للهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران عبر تلك الحدود. على الإدارة الأمريكية أن تتبنى موقفاً واضحاً تجاه طهران يتمثل بالموافقة على تخفيف العقوبات فقط إذا أوقفت الميليشيات هجماتها على السعودية. هناك خبر سار وخبر سيئ فيما يتعلق بسياسة إدارة بايدن تجاه إيران حتى الآن. الخبر السار هو أنه، كما تم الوعد به، يبدو أن فريق الرئيس الحالي - على عكس فريق أوباما الذي كان معظم أعضاء الفريق الحالي جزءاً منه سابقاً - يصب تركيزه على ما يبدو على أنشطة إيران غير النووية بقدر تركيزه على أنشطتها النووية. أما الخبر السيئ، فيتعلق بسياسة بايدن الفعلية تجاه تلك التحديات غير النووية، وهي: تركيزها عموماً على الثواب أكثر منه على العقاب. والنتيجة، غير المقصودة حتماً هي تشجيع الولايات المتحدة لإيران وتمكينها على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط بدلاً من احتوائها. ولكي نكون منصفين، لنفكر أولاً بالعقوبات التي فرضها فريق بايدن حتى الآن على تهديدات إيران في المنطقة. لقد شن الأمريكيون ضربة انتقامية واحدة ضد ميليشيا مدعومة من إيران في سوريا، بعد هجومها الدموي على أهداف أمريكية عبر الحدود في أربيل، العراق؛ كما عززوا منظومة الدفاع الأمريكية المضادة للصواريخ في السعودية للتصدي للهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون (وربما آخرون) المدعومون من إيران عبر تلك الحدود. وكانت الإجراءات الأخرى المتخذة ضد إيران وحلفائها المحليين خطابية أو رمزية بحتة، وهي: معاقبة عدد قليل من الأفراد؛ أو تحليق عدد قليل من طائرات "بي-52" [فوق بعض المناطق]؛ أو مجرد التهديد باتخاذ إجراء حقيقي في تاريخ مستقبلي غير محدد. أما بالنسبة للمكافآت، فقد شطبت إدارة بايدن الحوثيين اليمنيين من القائمة الرسمية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، دون أي شروط أو تنازلات من قبلهم. وقد دعمت الزيارة الرسمية الأولى إلى طهران التي قام بها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، لمناقشة مصير البلاد من دون علم حكومتها المعترف بها دولياً. وبالمثل، اقترحت الإدارة الأمريكية رسمياً ضم إيران إلى مؤتمر دولي حول مستقبل أفغانستان من دون علم الحكومة الأفغانية، المفترض أنها حليفة للولايات المتحدة. ولا يسع المرء إلا أن يتساءل عن الخطوة التالية على هذه القائمة. فما رأيكم بدعوة إيران لمناقشة مستقبل العراق وسوريا ولبنان، وإضفاء الشرعية على ميليشياتها في هذه الدول الثلاث؟ لماذا لا يتم السماح لحركة «حماس» الإرهابية، والوكيلة الفلسطينية المحتملة لإيران ضد إسرائيل، بخوض الانتخابات في الضفة الغربية/قطاع غزة المقرر إجراؤها في 22 أيار/مايو؟ تحمل هذه المقاربة جميع السمات المميزة للمفاوضات الإقليمية "الجامعة" أو "الشاملة" أو تكتيكات إدارة الصراع التي أيّدها سابقاً ومنذ فترة طويلة بعض صناع السياسة البارزين من المستوى المتوسط ​​ في فريق بايدن، سواء كانوا داخل الحكومة أو خارجها. ولكي نكون منصفين مرة أخرى، قد تكون هذه المقاربة مفيدة في بعض الأحيان. وفي حالة إيران على وجه التحديد، لاحت فرصة محدودة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، بين 2001 و2003، عندما أثبت التواصل الدبلوماسي الأمريكي مع طهران جدواه، في أفغانستان وإلى درجة أقل في العراق. ومع ذلك، لا يوجد اليوم ما يشير إلى أن إيران مستعدة للمساهمة بشكل بناء، أو حتى للحدّ من تدخلها المدمّر في أي من ساحات الصراع الإقليمية موضع البحث. ومع ذلك، يُنظر إلى إدارة بايدن، بعيداً عن الخطابات، على أنها تخفف العقوبات المفروضة على إيران بصورة غير نشطة. ويدّعي أحد المسؤولين من المستوى المتوسط المعنيين بهذه المسألة أن "الرئيس" الأمريكي لن يتخذ أي خطوات "كبيرة" أو "أحادية الجانب" لتخفيف العقوبات ضد إيران. لكن من السهل تمرير مليارات الدولارات عبر ثغرات هذه الكلمات المصاغة بعناية. أخيراً،  لكي نكون منصفين مجدداً، من المسلّم به أنه من الأسهل انتقاد سياسة ضعيفة من ابتكار سياسة أقوى. إذاً إليكم اقتراح متواضع: بدلاً من عرض مكافآت مجانية على النظام في طهران، يجدر بالولايات المتحدة تبني موقفاً واضحاً في المعاملات، يجمع بفعالية بين الملفين النووي وغير النووي. فعلى سبيل المثال، إذا تمكنت إيران من إقناع الحوثيين وميليشيات أخرى بوقف هجماتهم بالصواريخ والطائرات بدون طيار ضد السعودية، فعندئذ فقط ستعرض واشنطن على طهران أي تخفيف من العقوبات مهما كان نوعه، بغض النظر عن أي تنازلات قد تكون إيران مستعدة لتقديمها بشأن انتهاكاتها المستمرة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أي الاتفاق النووي لعام 2015. ويقيناً، أن هذه الاستراتيجية القصيرة الأمد قد تتطلب في النهاية بعض التحسينات. لكنها خطوة إولى ضرورية. وسيكون لهذا التعديل في السياسة الأمريكية الراهنة العديد من المزايا. فسيقدم لإيران مساراً واقعياً للتوصل إلى حل وسط وليس منافع مجانية. ومن شأنه طمأنة حلفاء الولايات المتحدة - العرب والإسرائيليين وحتى بعض الأوروبيين - بأن الولايات المتحدة عادت لتكون مجدداً شريكاً موثوقاً به. كما سيساهم في الوفاء بالوعود التي قدمها فريق بايدن: أي أخذ هؤلاء الحلفاء على محمل الجد؛ والتعامل مع تهديدات إيران غير النووية أو النووية؛ ومواجهة الوقائع الإقليمية السائدة اليوم بدلاً من تطلعات حقبة سياسية سابقة، بما أن هذا الفريق لا يمل من تكرار ذلك أبداً.    

Read more

"خيارهم الوحيد".. أكراد في أمس الحاجة للعلاج ينتظرون دخول إسرائيل

الحصاد draw: قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إن إجراءات "بيروقراطية" تعيق وصول تسعة أطفال وأكاديمي من كردستان العراق للعلاج في إسرائيل، رغم أنهم في أمس حاجة للعلاج هناك. وتشير الصحيفة إلى أن هؤلاء الأطفال يعانون من مشاكل في القلب، تتطلب التدخل الطبي السريع، من بينهم حالة رضيعة أيزيدية من سنجار، تنتظر في مستشفى دهوك في كردستان الحصول على إذن لدخول إسرائيل لإجراء جراحة عاجلة ستنقذ حياتها. وتقول الصحيفة إن الأطباء في مركز شيبا الطبي، في تل أبيب، أعربوا عن استعدادهم لعلاج الرضيعة، التي ولدت في 21 يناير الماضي في كردستان، وتعاني من مشكلة "رتق الرئة"، وهي حالة طبية تعيق وصول الدم إلى الرئتين. لكن الرضيعة والأطفال التسعة والأكاديمي الذي يعاني من السرطان تم رفض طلباتهم لدخول إسرائيل لإجراء جراحات طارئة خلال الأسبوعين الماضيين بسبب "البيروقراطية" على حسب تعبير الصحيفة. ويقول التقرير إن البيروقراطية الإسرائيلية، إلى جانب القيود الخاصة بفيروس كورونا، أدت إلى رفض الحالات المشار إليها، رغم أن الإجراءات التي كان معمول بها من قبل كانت أسهل بكثير. وفرضت إسرائيل قيودا شديدة على دخول البلاد، منذ 25 يناير الماضي، بما في ذلك للمواطنين، في محاولة لكبح جماح أزمة كورونا، وتم تشكيل "لجنة استثناءات" لتقرير من يسمح بدخولهم على أساس كل حالة على حدة. وقبل فرض القيود الجديدة، كانت هناك إجراءات روتينية معمول بها تسمح بدخول البلاد، وتمت بموجبها الموافقة على دخول ثمانية أطفال أكراد يعانون من مشكلات صحية، وهم يعالجون حاليا في المستشفيات الإسرائيلية. ومع إدخال لجنة الاستثناءات، تم رفض طلب الأطفال المذكورين، بسب تعقيدات بيروقراطية انخرطت فيها اللجنة وعدة جهات حكومية، وفق جوناثان مايلز، مؤسس منظمة Shevet Achim، وهي منظمة مسيحية تنقل الأطفال من الدول العربية المجاورة إلى إسرائيل لتلقي العلاج الطبي. وقال الناشط للصحيفة: "ليست لديهم خيارات أخرى غير إسرائيل"، موضحا أنه خلال سنوات عديدة "أظهر الشعب الإسرائيلي أنه يهتم بإنقاذ حياة الأطفال عندما لا يبدو أن أي شخص آخر في العالم يهتم". والد الطفلة الذي يعيش في مخيم للاجئين قرب دهوك، والذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية الموقف، قال للصحيفة: "هذه أيام صعبة حقا بالنسبة لي. عندما أنظر إلى ابنتي المريضة ولا يمكنني فعل أي شيء لها". وأوضح أنه علق آماله على إسرائيل بعد أن تم إخطاره بأن الأطباء العراقيين لا يمكنهم فعل أي شيء من أجلها وأنه يجب أن تحصل على الجراحة "بشكل عاجل". ولا يرى أن إرسال ابنته إلى مستشفى إسرائيلي يمثل مشكلة بالنسبة له.  ويقول تقرير الصحيفة إن العراق لا يعترف بإسرائيل، لكن العديد من الأكراد يؤيدون العلاقات الودية مع إسرائيل. الأب قال: "أرى إسرائيل مثل كل دولة. أحاول أن أرى الطبيعة البشرية وراء البلدان، دون النظر إلى الدين أو الأيديولوجية... إسرائيل دولة ترى المحتاجين وتسعى جاهدة لمساعدتهم". وقال الأكاديمي الكردي الذي يعاني من سرطان الكبد في المرحلة الرابعة، والذي طلب أيضا عدم ذكر اسمه، إن أطباءه أبلغوه أن إسرائيل هي الخيار الأفضل له، وأوضح أنه اختارها لأنها "تقدم أفضل علاج متاح لحالتي". وأكد "تفهمه والتزامه بالقواعد المعمول بها للأجانب الذين يرغبون في السفر إلى إسرائيل"، مشيرا إلى أنه ذكر أنه سيتحمل جميع النفقات "ما يساعد إسرائيل والشعب الإسرائيلي من ناحية السياحة العلاجية". وتابع: "نحن كأكراد نؤمن بأن إسرائيل والشعب الإسرائيلي هما أقرب الناس إلينا... لدينا احترام عميق لإسرائيل ونشترك في العديد من النقاط المشتركة التي يمكننا الاستثمار فيها لتعزيز العلاقات في بيئة معادية لكلا الجانبين".

Read more

عندما أصرّت بغداد على اتفاق يلزم الأكراد بالولاء لصدام حسين

الحصاد DRAW: كامران قره داغي - كاتب كردي عراقي  "قدمت لبارزاني إيجازاً بنتائج محادثاتنا في بغداد وقلت له إن العراقيين كانوا إيجابيين وعبروا بأكثر من طريقة عن استعدادهم لمنح الكرد حقوقهم وأعتقد أن من المفيد أن يذهب بارزاني بنفسه إلى بغداد." بعد قرار قيادة الجبهة الكردستانية التفاوض مع الحكومة العراقية وتشكيل الوفد الرسمي برئاسة جلال طالباني، توجه أعضاؤه الأربعة إلى بغداد. يقول عضو الوفد نيتشيرفان بارزاني إن طالباني “ظلّ طوال الطريق يكرر أن لا آفاق للكرد ولن يساعدنا أحد، لذا ليس أمامنا سوى التفاوض مع بغداد. وفي بغداد تحدث بجدية صارمة مع المسؤولين العراقيين. قال لهم إننا كنا نريد دائماً حلاً سلمياً، لكنكم تعاملتم معنا بطريقة بشعة وارتكبتم أعمالاً غير إنسانية ضدنا. لكن فاته ذكر أمور عدة في مداخلته الأولى. وجاء دور سامي عبد الرحمن فعرض أفكاره بتسلسل منظم”. يضيف بارزاني أن اللقاء الأول كان مع عزّة الدوري رئيس الوفد العراقي. وكان أول سؤال وجهه إلينا: لماذا لم يأت مسعود بارزاني معكم؟ طالباني رد بصوت خافت أقرب إلى الهمس قائلاً إن السبب يكمن في ما حدث لأسرته التي قُتل 17 من أفرادها القريبين له مباشرة، فيما غُيب حوالى 8 آلاف من البارزانيين من دون معرفة مصيرهم. أجابه الدوري أنه لا يلومه. هنا تدخلت وقلت للدوري إن هذه ليست المسألة ولا تتعلق بموقفه الشخصي. إنه يعمل من أجل الكرد وسيأتي إلى بغداد حالما يعتقد بأنكم مستعدون لحل المسألة الكردية، لكننا حالياً لسنا مقتنعين بذلك لذا إنني هنا كي أفهم موقفكم”. على صعيد ذي صلة بالتفاوض، أعرب بارزاني عن رأيه في موقف الوفد الكردي قائلاً: “في بغداد أظهرنا أن موقفنا كان ضعيفا فاستفاد الطرف العراقي من ذلك. فهم أدركوا أننا كنا يائسين ولا أمل لدينا وعندما كنا نختلي وحدنا خلال فترات الاستراحة كنا نقول لبعضنا أن لا خيار آخر أمامنا. وعندما اكتشف العراقيون ضعفنا فانهم لم يقدموا لنا سوى القليل قائلين انه يتعين اجراء جولة ثانية من التفاوض مع مسعود بارزاني ولا بد من جولات عدة بعد ذلك” (نيتشيرفان بارزاني – أربيل في 22/5/1993).  بارزاني لم يكن راغبا في ان يذهب إلى بغداد. لكن بقية الزعماء الكرد بمن فيهم طالباني حثوه على الذهاب. لكن وفد طالباني لم يكن الأول الذي ذهب إلى بغداد. في السياق كان نوشيروان مصطفى قد أوضح في لقاء معه أنه في البداية آثر العرض الذي جاء به مكرم طالباني وبالاتفاق بينه وبين مسعود بارزاني: “أرسلنا إلى بغداد مندوباً هو الضابط من أهل السليمانية دارا توفيق آغا، اقتصرت مهمته على نقل رسالة فقط إلى الطرف العراقي. وبعد عودته إلى كردستان أرسلنا وفداً تألف من فريدون عبد القادر وعمر فتاح عن الاتحاد الوطني الكردستاني وفاضل ميراني وآزاد برواري عن الحزب الديموقراطي الكردستاني فالتقوا عزة الدوري وحسين كامل وطه الجزراوي وطارق عزيز، وأبلغوا وفدنا بأنه إذا قدم بارزاني وطالباني معاً إلى بغداد ليلتقيا صدام حسين فإن كل شيء سيُحل في جلسة واحدة. باختصار قالوا لوفدنا إن كل شيء باستثناء الانفصال يمكن بحثه. هكذا هو سلوك البعثيين. بداية يقولون كل شيء سينتهي بسرعة وبعد ذلك يماطلون ويتخلون عن وعودهم”. (نوشيروان مصطفى – لندن في أيلول/ سبتمبر 1993). يبدو أن وعود الطرف العراقي خلقت لدى الكرد انطباعاً بأن المفاوضات في بغداد يمكن أن تنتهي باتفاق سريع. أعود إلى حديث نيتشيرفان بارزاني الذي ذكر مزيداً من التفاصيل عن اللقاءات بين وفد طالباني والطرف العراقي ولقائهم المفاجئ مع صدام حسين. يقول: “طالباني أخبرهم أن لديه تفويضاً كاملاً لتوقيع أي اتفاق مع بغداد لكن العراقيين أجابو بأنهم يدركون ذلك لكن من الضروري أن يأتي مسعود بارزاني أيضاً. خلال المحادثات مع الوفد العراقي المؤلف من عزة الدوري وعلي حسن المجيد وحسين كامل وصابر الدوري (رئيس الاستخبارات العسكرية) ووفيق السامرائي (نائب الدوري) كان الجميع يتحدثون باحترام معنا لكن عزيز كان خشناً في الحديث وذلك أسلوبه. أما رجلا الاستخبارات فكانا يستمعان فقط من دون الاشتراك في النقاش. وفي كل مرة كان يُثار جدل في موضوع ما كان عزيز فقط يتحدث نيابة عن وفده”. وعن لقاء الوفد الكردي مع صدام أوضح نيشتيرفان بارزاني أن “العراقيين أخبرونا في البداية أننا سنذهب إلى لقاء الدوري. أقلّتنا سيارات إلى موقع شاهدنا فيه عناصر حماية صدام الذين لم يسمحوا لسياراتنا بالاستمرار فنقلونا وحدنا بسيارات أخرى إلى مقر الاستخبارات العسكرية، حيث قالوا لنا إننا سنلتقي الدوري وعندما اسقبلنا أبلغنا أننا سنذهب إلى لقاء صدام في المجلس الوطني. كانت هنالك ثلاث بوابات قبل الوصول إلى بناية المجلس، وأمام كل بوابة كان سائق السيارة يرفع يده بطريقة خاصة فتنفتح. هكذا التقينا صدام. وبعد عودتنا إلى كردستان أبلغت مسعود بارزاني بانهم لن يقرروا اي شيء اذا لم تذهب شخصيا إلى بغداد. صراحة بعد لقاءاتنا مع العراقيين لم نفهم ابدا ماذا كانوا يريدون منا. لذا فان بارزاني لم يكن راغبا في ان يذهب إلى بغداد. لكن بقية الزعماء الكرد بمن فيهم طالباني حثوه على الذهاب. بارزاني أوضح انه يصعب عليه ان يتعامل مع الحكومة العراقية بعد كل ما فعلوه معنا، لكنه إذا لم يذهب فإن الشعب الكردي سيعتبر أن العراق كان مستعداً للاتفاق لكنه، أي بارزاني، لم يجد الشجاعة الكافية ليذهب إلى بغداد لتوقيع الاتفاق”. (نيتشيرفان بارزاني – أربيل في 22/5/1993). مواقف المفاوضين الكرد تكشف روايات المفاوضين الكرد ملاحظات وتصورات متنوعة ومختلفة عن سير المفاوضات وسلوك المفاوضين العراقيين والكرد ومواقفهم التي لم تكن متطابقة دائماً. ففيما اعتبر أعضاء في الوفد الكردي أن الطرفين اتفقا على بعض النقاط ولم يتفقوا على غيرها فان نوشيروان مصطفى الذي رافق مسعود بارزاني في الجولة الثانية من المفاوضات أكد في روايته “أننا فشلنا في الاتفاق على كل النقاط الرئيسية، تحديداً كركوك وتعريف منطقة الحكم الذاتي والأمن والاستخبارات والتعددية الحزبية”. أضاف: “قلنا لهم يجب أن تُجرى انتخابات عامة أولاً، ثم يقوم البرلمان بوضع مسودة للدستور العراقي واستفتاء الشعب عليه. لكنهم أصروا على أنهم وضعوا مسودة للدستور بالفعل، ويمكن أن نقترح إضافة فقرة أو فقرتين تتعلق بحقوق الكرد قبل الاستفتاء. قلنا إن هذا غير وارد بالنسبة إلينا لأن دستوركم لا يمكن إصلاحه، إذ أنه يمنح صدام سلطات تعادل سلطات إله. فردوا بأنهم لن يقبلوا بأي شيء يُضعف قبضتهم على السلطة، لأن الثورة بعثية ويجب أن تبقى كذلك. قالوا إن التعددية الحزبية ليست للعراق بل هي للكرد فقط. وكنا عندما نطالب بحقوق للعراقيين كانوا يردون بأننا يجب أن نتحدث عن أنفسنا فقط. وعندما كنا نوافق ونتحدث عن مطالبنا ككرد فقط كانوا يردّون بأننا نتحدث وكأننا لسنا عراقيين”. أليس من الأفضل أن تتنازلوا لشعبكم بدلاً من أن تتنازلوا للأميركيين والإيرانيين؟ يتابع مصطفى: “من جهتنا أصررنا على أن الأمن يجب أن يكون تحت سيطرة سلطة إدارة الحكم الذاتي لأن الكرد لن يقبلوا أبداً بعودة الأمن العراقي إلى الشمال. لكنهم قالوا إن الأجهزة الأمنية تتبع رئيس الجمهورية ولا يمكن أحداً أن ينتقص من سلطته في هذا المجال. وفي ما يخص كركوك طرحنا عدداً من الخيارات لكنهم رفضوها كلها. وطبعاً في رأيي فإن أي زعيم كردي لن يستطيع البقاء إذا تنازل عن كركوك. من جهتنا ارتكبنا خطأً كبيراً، لأن وفدنا لم يتألف من خبراء. والواقع أن أياً من الخبراء الذين أعدّوا لنا بعض ملفاتنا لم يكن عضواً في وفدنا علماً أن الفرصة لم تسنح لنا لقراءة التقارير أصلاً. وأصر البعثيون على ضرورة ذهاب مسعود إلى بغداد لإظهار النية الحسنة على حد تعبيرهم. كما طلبوا من مام جلال أن يسحبني من وفدنا لأنني كنت في نظرهم متطرفاً وقاتلاً للعرب كما قالوا. أما غلطتنا الثانية فتمثلت في بقائنا في بغداد 42 يوماً متتالية الأمر الذي أتاح للعراقيين كسب الوقت. كانوا يماطلون في المفاوضات في انتظار انسحاب القوات المتحالفة وأحياناً كانوا يكتفون بعقد جلسة واحد لمدة ساعة كل بضعة أيام. أعتقد أننا كنا ضعفاء ومعنوياتنا هابطة ونزوح السكان العالقين في الجبال أثر فينا سلباً. في النهاية عندما قرر بارزاني أننا سنعود إلى كردستان قال له طارق عزيز إن صدام يريدكم أن تعلموا أن اعتمادكم على الأجانب عبث ويذكركم بما فعله الإيرانيون معكم. وتابع أن الأميركيين موجودون هناك (في كردستان) من أجل مصالحهم وأننا سنقبل كل مطالبهم وعندها سيتخلون عنكم. وأيضاً سنعطي الإيرانيين ما يريدون وسيخنقونكم لأنهم يكرهونكم. هنا تدخل عضو الوفد روز نوري شاويس وقال لعزيز: أليس من الأفضل أن تتنازلوا لشعبكم بدلاً من أن تتنازلوا للأميركيين والإيرانيين؟ فرد عزيز: سنعطيهم ما يريديون لكننا لن نعطيكم ابدا ما تريدون وهذه رسالتنا اليكم ويمكنكم أن تبلغوا شعبكم بها”. (نوشيروان مصطفى في لندن – أيلول 1993). سامي عبد الرحمن الذي كان عضواً في قيادة الجبهة الكردستاني ورئيس “حزب الشعب الكردستاني” وقتها، رافق طالباني في الوفد الأول الذي وصل في 18/4/1991 إلى بغداد، وهو يسلط أضواء على جوانب أخرى من المفاوضات وانطباعاته عن صدام حسين. يقول: “أنا وطالباني وحدنا كنا نتحدث نيابة عن وفدنا. أعتقد أن طالباني أخذته الحماسة فارتكب خطأين خلال حديثه في مؤتمر صحافي عقد بعد لقائنا صدام حسين عندما قال إن الأميركيين يجب أن ينسحبوا عسكرياً وثانياً إننا توصلنا إلى اتفاق مبدئي مع بغداد وهو ما لم يحصل. بداية العراقيون قالوا لنا إن المفاوضات يجب أن تنتهي في 3-4 أيام. لكننا بقينا في بغداد 10 أيام. في النهاية أتذكر أن عزة الدوري قال لنا إنكم ستذهبون وتأتون ثم تذهبون وتأتون. كرر هذه الجملة ثلاث مرات. طالباني انتبه إلى كلام الدوري وقال لنا إن شيئا ما تغير في موقفهم. بدأت أجراس إنذار تدق في آذاننا. أدركنا بأنهم بدأوا يشعرون بالأمان. من جهتنا لم نكن نريد التوصل إلى اتفاق في 3-4 أيام. وعندما التقينا صدام بدا لي أنه كان يائساً وكان نادراً ما يرفع نظره إلينا. كان وجهه مصفراً بشكل غير طبيعي. عموماً في تلك المرحلة كان المفاوضون العراقيون متواضعين جداً ولطيفين معنا”. وتابع: “حين عدنا إلى كردستان كانت القوات الأميركية ما زالت في المنطقة لكن قادتها لم يتعاملوا مع قياداتنا بل كانوا يتحدثون مع رؤساء العشائر والسكان المحليين فقط وينسّقون معهم. قدمت لبارزاني إيجازاً بنتائج محادثاتنا في بغداد وقلت له إن العراقيين كانوا إيجابيين وعبروا بأكثر من طريقة عن استعدادهم لمنح الكرد حقوقهم وأعتقد أن من المفيد أن يذهب بارزاني بنفسه إلى بغداد. إلى ذلك قدمنا تقريرنا إلى قيادة الجبهة الكردستانية وكان موقف الجميع إيجابياً لجهة الاستمرار في المفاوضات”. (سامي عبد الرحمن – أربيل في 12/7/1993) مساعي بغداد لشق الصف الكردي هكذا قرر بارزاني أن يذهب إلى بغداد على رأس وفد ضم عبد الرحمن وروز نوري شاويس وجوهر نامق. يتابع عبد الرحمن حديثه عن هذه الجولة من المحادثات: “بعد نحو 10 أيام بدأنا نتلقى رسائل من طالباني بطلبات من العراقيين إطلاق سراح معتقلين كرد عندهم في مقابل إطلاق سراح ضباط عراقيين محتجزين عنده. تكوّن لدي انطباع بأن طالباني كان يريد أن يدعوه العراقيون إلى بغداد  لينضم إلى بارزاني وهذا كان من حقه طبعاً لكنهم قابلوا رغبته ببرود. كانوا بدأوا فعلاً مساعيهم وفقاً لمبدأ فرّق تسد، خصوصاً أنهم كانوا يعرفون أن التعامل مع طالباني ليس سهلاً (…) شخصياً كنت آمل أن تتحسن العلاقة بين طالباني وبغداد لاعتقادي بأننا ككرد لن نحقق أي شيء من دون بقائنا متحدين”. ولاحظ عبد الرحمن أن العراقيين كانوا في البداية أقل تشدداً، لكنهم مع مرور الوقت كان موقفهم يزداد تشدداً، خصوصاً بعدما زار رئيس هيئة الأركان الاميركية المشتركة الجنرال كولن باول قواته في سرسنك (محافظة دهوك) في حزيران/ يونيو، وأعلن أن واشنطن قررت سحبها من المنطقة في تموز/ يوليو. وأضاف أن “أكبر عقبة في المفاوضات تمثلت في الموقف من كركوك في الدرجة الأولى ثم سنجار وخانقين مع أنهم في البداية لم يظهروا النية  بعدم سماحهم بضم هذه المدن إلى منطقة الحكم الذاتي. غير أنهم بعد حزيران قالوا إنهم لن يجادلوا في هوية كركوك الكردية، لكن ضمها إلى منطقة الحكم الذاتي يعني الانفصال. كان ردي على ذلك أن هناك نفطاً في مناطق كردية أخرى كزاخو مثلاً، لكن طارق عزيز رد بأن ذلك أمر مختلف لأن كركوك تنتج النفط بالفعل وهذا يعني أن جهة ما ستأتيكم فوراً لمساعدتكم. لذلك اقترحنا أن يُشار في وثيقة الاتفاق إلى أن المناطق التي ترفض بغداد حالياً والتي تكون جزءاً من الحكم الذاتي، هي مناطق متنازع عليها ويقرر مصيرها مستقبلاً. بداية كان موقفهم إيجابياً من هذا الحل لكنني أعتقد أن انسحاب قوات التحالف من كردستان جعلهم يغيرون رأيهم (…) ومرة عندما قلت لعزيز إن كركوك في ضمير كل كردي رد علي بأن الأندلس أيضاً في ضمير كل عربي، ويمكنكم أن تبكوا على كركوك كما يبكي العرب على الأندلس (…) في النهاية كان يُفترض أن يُشار في الوثيقة السرية (البروتوكول) الملحقة بالاتفاق إلى أن كركوك وسنجار وخانقين تعتبر مناطق متنازع عليها. وأحب أن أشير هنا إلى أنني عندما تحدثت وقتها في دهوك عن موقف بغداد من سنجار قال لي أحد زعماء الإيزيديين هو الشيخ خلف: قل لهم إننا مستعدون أن نكون ايزيديين كرداً لكننا لسنا مستعدين أن نكون إيزيديين عرباً. في نهاية المطاف، عندما عدنا إلى بغداد في آب/ أغسطس مفترضين أننا سنوقع اتفاقاً، وقع الانقلاب العسكري في موسكو ضد الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف فتشدّد العراقيون مجدداً، وقال عزة الدوري لمسعود بارزاني: انتهى الامر. أميركا لم تعد القوة العظمى الوحيدة. هكذا عدنا إلى كردستان من دون توقيع الاتفاق”. (سامي عبد الرحمن – اربيل في 21/7/1993).  كل ما توقعه صدام حسين وقاله ثبتت صحته، وهي جملة اعتبرناها إدانة لأنفسنا. أما فؤاد معصوم الذي شارك وقتها في أحد الوفود ممثلاً عن الاتحاد الوطني الكردستاني، فأضاف معلومات أخرى عن الموقف من كركوك: “خلال إحدى جلسات التفاوض قال لنا عزة الدوري: إننا نعرف أن الغرب لن يسمح لكم بضم كركوك. قبل أن تسيطروا على كركوك لم يكن الغرب ضدكم وبعدما استوليتم عليها أعطانا الغرب الضوء الأخضر لضربكم. والآن لم تعد كركوك تحت سيطرتكم وهذا ما يريده الغرب. طارق عزيز زاد على الدوري قائلاً: أنتم لا تعرفون الأميركيين. حتى إذا تعاونتم معهم 20 عاماً أخرى فلن يكون لكم نفوذ مثل نفوذنا لديهم لذا لا تخدعوا أنفسكم”. وعن البروتوكول أو الميثاق الملحق بالاتفاق المفترض (الالتزامات كما سماها معصوم)، فإن العراقيين أصروا على أن تكون التزاماتنا تجاههم علنية لكن التزاماتهم لنا تبقى سرية. أما النص المقترح لبيان إعلان الاتفاق الذي أعده الطرف العراقي فكان يبدأ بالجملة التالية: كل ما توقعه صدام حسين وقاله ثبتت صحته، وهي جملة اعتبرناها إدانة لأنفسنا. وبعدما عدنا إلى كردستان بدأت بغداد مساع لشق الصف الكردي. وحتى بعدما اعلنوا الحصار على كردستان طلبوا التفاوض مجددا. مام جلال أبلغ بارزاني انه إذا أراد فيمكنه أن يرسل إلى بغداد وفداً عن حزبه وحده. بارزاني ذهب إلى بغداد وحده لطلب رفع الحصار فرفض طلبه. وعندما عاد إلى كردستان قال لطالباني إن العراقيين خدعوه فهم أبلغوه انهم سيرفعون العقوبات إذا قام بزيارة بغداد” (فؤاد معصوم – أربيل في 14/7/1993). “الميثاق” يثير خلافات كردية البروتوكول السري الذي اقترحته بغداد، ومن مسمياته الأخرى الميثاق والملحق والوثيقة، كان هدفه الرئيس حمل الكرد على قبول الزعامة المطلقة لصدام حسين والولاء لنظامه. عندما وصل إلى مسامع القيادات الكردية موضوع البروتوكول السري كنت في أنقرة في مهمة صحافية مندوباً عن “الحياة”. وكان جلال طالباني يزور العاصمة التركية للقاء الرئيس تورغوت أوزال. وكان يرافقه في الزيارة برهم صالح الذي كان وقتها ممثلاً لحزبه في لندن ومن أقرب المساعدين إلى طالباني. أقام طالباني في فندق “إيتشقلا” الذي كان مالكه من كرد تركيا. في ذلك الوقت كان وفد الجبهة الكردستانية برئاسة بارزاني قد عاد لتوه من بغداد إلى كردستان، لمناقشة نتائج مفاوضاته في تلك الجولة في إطار موضوع “الميثاق” وكانت قيادة الجبهة تنتظر وصول طالباني لمعرفة موقفه. شخصياً لم أكن على اطلاع بالموضوع، لكن طالباني كشف لي وجود ملحق سري للاتفاق المفترض وما يتضمنه من التزامات تعسفية الأمر الذي كان يقلقه خشية أن يوافق بارزاني على توقيعه. سألته عن ذلك فذكر لي شيئاً من مضمون الميثاق كي أشير إليه في تقريري الصحافي، لكنه في النهاية وافق على تسريبه لي وطلب من صالح الذي كان يحتفظ بنسخة من الوثيقة أن يطلعني عليها من دون استنساخه، كي أستطيع أقلّه الاستشهاد بنص جملة أو جملتين. في الحال أعددت تقريري وعنونته “أكراد العراق بين مستقبل مجهول واتفاق يلزمهم الولاء لصدام”  وأرسلته إلى “الحياة” التي نشرته في الصفحة الأولى في اليوم التالي تحت العنوان ذاته. بعد عودتي إلى لندن التقيت الصديق اللبناني القانوني البارز شبلي ملاط الذي كان وقتها أستاذاً في جامعة لندن وداعماً للمعارضة العراقية فأخبرني أنه صعق عندما قرأ تقريري. أضاف أنه ترجم فقراته الرئيسية واتصل رأساً بالنائبة العمالية البريطانية آن كلويد التي كانت تتبنى قضايا المعارضة العراقية عموماً والكردية خصوصاً، فأثارت ضجة حوله مع وزارة الخارجية البريطانية، وطالبتها باتخاذ موقف منه. في الأثناء، كانت الوثيقة سربت إلى عواصم غربية، ما أثار قلقها وانزعاجها. عموماً منذ تلك اللحظة بدأت الأوضاع تتغير تدريجاً نحو ما اعتبره الكرد تحولاً في صالحهم بعد التدخل الأميركي والغربي واقامة الملاذات الآمنة في كردستان وفرض حظر الطيران على العراق دعما للكرد الذين شعروا بأمان كاف ليرفضوا في النهاية توقيع اي اتفاق مع بغداد. “أكراد العراق بين مستقبل مجهول واتفاق يلزمهم الولاء لصدام”  وأرسلته إلى “الحياة” في الخلفيات، استمعت إلى تفاصيل عن قصة الميثاق من عدنان المفتي في لقاء معه أجريته في 1993. كان المفتي وقتها عضواً في قيادة الحزب الاشتراكي الكردستاني وشارك في وفد الجبهة الذي رأسه بارزاني إلى بغداد عندما طلب العراقيون منه قبول الميثاق. قال المفتي: “بالنسبة إلى الميثاق الذي أصروا عليه فإننا على رغم قناعتنا بأننا لن نوافق عليه لكننا قبلنا مناقشته وسعينا إلى تقديم إضافات اعتبرنا أنها قد تكون تعجيزية بالنسبة إليهم. مثلاً جاء في نص مسودة الميثاق أن صدام هو مهندس اتفاق الحكم الذاتي لعام 1970 فقلنا لهم إنه من غير المعقول عدم ذكر اسم ملا مصطفى بارزاني أيضاً، وهو الذي وقع الاتفاق مع صدام. شخصياً كنت واثقاً بأنهم لن يقبلوا لكنهم في اليوم التالي أخبرونا أن صدام قال إن الوفد الكردي سجل هدفاً ضد الوفد الحكومي وإنه يوافق على الاقتراح الكردي. الحق أن ذلك ترك تأثيراً نفسياً إيجابياً في نفوس بعض أعضاء وفدنا. وعلى رغم أن تعديلات بسيطة أخرى أجريت على الميثاق، لكنها في الواقع كانت كلها تجميلية. فشلنا في محاولات أخرى من جهتنا. مثلاً قلنا إننا نوافق على ما جاء في الميثاق بأننا ضد من يعادي العراق لكن من دون الفقرة التالية التي تلزمنا الدفاع عن أهداف الثورة. كان النقاش في هذه الأمور بين أعضاء الوفد يثير الحساسيات والخلافات أيضاً. كاك مسعود كان يقول لنا من الأفضل أن ننسى هذا الموضوع الآن، ولنبت القضايا الأساسية وبعد ذلك يمكن كل طرف (من أطراف الجبهة الكردستانية) أن يقرر صيغة العلاقة بينه وبين حزب البعث أو يمكن لكل حزب كردي أن يوقع الميثاق على حدة، وليس كجبهة كردستانية. هكذا لم نتفق على موقف موحد. وأخيراً عندما استقبل  صدام كاك مسعود على انفراد، شدد على أنه لن يقبل أبداً بضم كركوك إلى منطقة الحكم الذاتي. وبعد اللقاء فهمنا من كاك مسعود أن آماله انهارت بإقناع صدام بالموافقة على أمور أخرى وقال لنا إن هذا هو الواقع والحكومة ليست مستعدة لتقديم المزيد. وبدورنا قلنا إن ما يقدمونه أقل بكثير من الحد الأدنى الذي اتفقنا عليه في اجتماع الجبهة الكردستاني في شقلاوة، وعلينا أن نعود ونطرح على القيادة هذه النتيجة. عدنا إلى كردستان وظهرت بيننا خلافات وأعتقد أن كل التطورات اللاحقة كانت نتيجة لتلك الخلافات وكان ذلك ما دفعنا إلى تبني فكرة الانتخابات التي كان جوهرها حسم الخلاف على الاتفاق مع بغداد. وأستطيع القول إن المحصلة النهائية لفشل المفاوضات ينطبق عليها: “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم”. (عدنان المفتي – لندن في 3/6/1993).

Read more

يحتفل به الكرد والفرس وغيرهم.. حقائق عن عيد النوروز

الحصاد draw: الحرة - واشنطن   في الحادي والعشرين من مارس من كل عام تحتفل عدة شعوب في الشرق الأوسط وشرق آسيا، بعيد النوروز، أحد أقدم الأعياد المرتبطة بالقوميات في العالم. ويعتقد أن الاحتفال بيعد النوروز يعود إلى 2633 عام بحسب التقويم الكردي، و1400 عام بحسب التقويم الفارسي. وبالنسبة للقوميتين، يسجل الحادي والعشرين من آذار موعد بداية السنة الجديدة، ويعني اسم نوروز بالفارسية "يوم جديد" وهو معنى مقارب لاسمه بالكردية أيضا. يرتدي الرجال والنساء ملابس زاهية وتصدح الموسيقى في المناطق التي يحتفل فيها بنوروز وتحتفل الشعوب "الآرية" أو الشعوب التي شكلت في وقت من الأوقات جزء من الإمبراطورية الفارسية بيوم نوروز بشكل متشابه تقريبا، إذ تشعل النيران ويرتدي الرجال والنساء والأطفال ملابس زاهية، احتفالا بقدوم الربيع وانتهاء فصل طويل من الشتاء في تلك المناطق. والنوروز هو عطلة رسمية في العراق وإيران، وأيضا في قرغيزستان، وأذربيجان التي تحتفل بالعيد لخمسة أيام وقدمت دول أفغانستان وألبانيا وإيران وتركمانستان وتركيا وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان والهند، مبادرة إلى الأمم المتحدة في عام 2010 للاحتفال بيوم نوروز. وقالت الأمم المتحدة في بيان اعتماد الاحتفال الدولي بهذا اليوم إن "300 مليون شخص يحتفلون بهذا العيد" في مناطق مختلفة من العالم. قصة العيد وبحسب المؤرخ الكردي، سردار ناصر، فإن قصة النوروز الكردية تشير إلى الانتصار على الظلم، حيث تقول الأسطورة إن "كاوة الحداد" قام بثورة على الملك الظالم "الضحاك" الذي كان "يأكل الأطفال" من خلال اثنين من الأفاعي ربطتا على كتفه، قبل أن يعمد كاوة إلى إشعال ثورة استعان فيها بأطفال أنقذهم من الموت وقدم لهم التدريب في جبل كانوا يحتمون به. ويقول ناصر لـ "موقع الحرة" إن الأسطورة تشير إلى بناء كاوه "نارا عظيمة" فوق الجبل ليخبر القرى المجاورة لقريته عن الثورة التي أشعلها، وكان هذا في يوم الحادي والعشرين من مارس. بنى كاوا الحداد "نارا عالية" احتفالا بانتصاره على "الملك الضحاك" وفق الاسطورة الكردية ووفقا للمؤرخ ناصر فإن "الرمزية واضحة في القصة التي تشير إلى ما يبدو أنه حكم عسكري لوال ظالم استدعى ثورة شعبية للإطاحة به"، مضيفا أن "العيد هو أهم الأعياد الكردية في العام". وفيما يمتلك النوروز رمزية ثورية بالنسبة للكرد، تشير القصة الفارسية له إلى رمزية "الإمبراطورية والتوسع" بحسب المؤرخ ناصر. ويقول ناصر إن "إحدى القصص الفارسية التي تشير إلى أصل النوروز هي أن الملك جمشيد قام باعتلاء عرشه في أذربيجان، فسطعت الشمس وأشرق نور التاج والعرش على الناس المتجمهرين الذين قالوا إن هذا يوم جديد، فأصبح اسم العيد ني روز، أو نه روز، الذي يحمل هذا المعنى". كما أن مؤرخين أرجعوا أصل الاحتفال بالنوروز إلى السومريين أو البابليين في العراق، الذين كانوا يحتفلون بسنتهم الجديدة في الأول من أبريل، باعتباره تاريخ عودة الإله "تموز" من بين الأموات وبثه الحياة والخضرة في الأرض. وبشكل عام، يمثل نوروز "مناسبة قديمة تحدد اليوم الأول من فصل الربيع وتجدد الطبيعة"، بحسب اليونسكو، ويعود الاحتفال به إلى 3000 سنة في آسيا الوسطى والبلقان وحوض البحر الأسود والشرق الأوسط والقوقاز وفي مناطق أخرى، كما تقول المنظمة الدولية. ولم يكن الاحتفال بالعيد سلسا دائما، فقد منعت الأنظمة في سوريا والعراق وتركيا الاحتفال بالعيد لفترات من الزمن بسبب المخاوف من تأجيج الروح القومية الكردية، واستعاضت سوريا والعراق بتسمية "أعياد الربيع" أو "عيد الشجرة" عن تسمية نوروز حينما سمحت السلطات أخيرا بالاحتفال بهذه الأعياد. ويحتفل الكرد والإيرانيون بنوروز من خلال مائدة خاصة تسمى "هفت سين" أو السينات السبعة وهي مكونة من الثوم (سير)، و السنابل أو الورد (سنبل) والخل (سيركة) وعملة معدنية (سكة) والخضروات (سبزي أو سبزه) وحلوى (سمنو) و ثمرة  (سنجد) البرية. وفي بعض الأحيان يوضع "سماق" وهو نوع من التوابل الحمراء حامضة الطعم بدلا من الخل أو بدلا من أحد المكونات الأخرى، أو يتم الاستعانة بالتفاح "سيب". كما يحتفل الكرد والإيرانيون أيضا بـ "الأربعاء الأحمر" "جار شنبة سور" أو "جوار شنبة سور" الذي يحتفل به الإيزيديون أيضا بطريقة مشابهة، وهي إشعال النار والقفز فوقها، ولكن في توقيت مختلف. يأتي نوروز هذا العام وسط تحديات صحية واقتصادية كبيرة نوروز 2021 ويأتي نوروز في هذا العام وسط تحديات شملت كل البلدان التي تحتفل به تقريبا، فإيران تشهد غليانا شعبيا مرتبطا بتدهور الأوضاع الاقتصادية، دفع سياسييها وقادتها لتغيير عاداتهم بالاحتفال في العيد. وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان تهنئة بمناسبة نوروز إن "القدرة على التواجد مع الأحباء واحدة من العديد من التحديات التي واجهناها جميعا نتيجة لهذه الجائحة، نتمنى أن تقوم روح عيد النوروز بجلب أيام أفضل". وفيما يواجه الكرد في تركيا مصاعب تتعلق بتعامل إدارة الرئيس رجب طيب إردوغان مع طموحاتهم السياسية والقومية، فإن الكرد في سوريا يواجهون الجيش التركي والميليشيات المدعومة منه في اشتباكات تتجدد منذ أيام قرب مناطق حدودية بين البلدين، في الوقت نفسه الذي تقاتل القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة تنظيم داعش في سوريا. وفي إيران يعاني الأكراد من استهداف يقوده نظام خامنئي والذي يترجم في كثير من الأحيان بحملات عسكرية تستهدف المدنيين. وبينما يبدو الأكراد العراقيون أفضل حالا مقارنة بجيرانهم في الدول المجاورة، إلا أن الظروف الاقتصادية والسياسية تلقي بظلالها على حياة المواطنين، إلى جانب انتشار فيروس كورونا وارتفاع معدلات الإصابة.

Read more

All Contents are reserved by Draw media.
Developed by Smarthand