الحصاد draw: ديفيد بولوك - معهد واشنطن شنت إدارة الرئيس بايدن ضربة انتقامية واحدة ضد ميليشيا مدعومة من إيران في سوريا، بعد هجومها الدموي على أهداف أمريكية عبر الحدود في أربيل؛ كما عززت منظومة الدفاع الأمريكية المضادة للصواريخ في السعودية للتصدي للهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران عبر تلك الحدود. على الإدارة الأمريكية أن تتبنى موقفاً واضحاً تجاه طهران يتمثل بالموافقة على تخفيف العقوبات فقط إذا أوقفت الميليشيات هجماتها على السعودية. هناك خبر سار وخبر سيئ فيما يتعلق بسياسة إدارة بايدن تجاه إيران حتى الآن. الخبر السار هو أنه، كما تم الوعد به، يبدو أن فريق الرئيس الحالي - على عكس فريق أوباما الذي كان معظم أعضاء الفريق الحالي جزءاً منه سابقاً - يصب تركيزه على ما يبدو على أنشطة إيران غير النووية بقدر تركيزه على أنشطتها النووية. أما الخبر السيئ، فيتعلق بسياسة بايدن الفعلية تجاه تلك التحديات غير النووية، وهي: تركيزها عموماً على الثواب أكثر منه على العقاب. والنتيجة، غير المقصودة حتماً هي تشجيع الولايات المتحدة لإيران وتمكينها على المستوى الإقليمي في الشرق الأوسط بدلاً من احتوائها. ولكي نكون منصفين، لنفكر أولاً بالعقوبات التي فرضها فريق بايدن حتى الآن على تهديدات إيران في المنطقة. لقد شن الأمريكيون ضربة انتقامية واحدة ضد ميليشيا مدعومة من إيران في سوريا، بعد هجومها الدموي على أهداف أمريكية عبر الحدود في أربيل، العراق؛ كما عززوا منظومة الدفاع الأمريكية المضادة للصواريخ في السعودية للتصدي للهجمات المستمرة التي يشنها الحوثيون (وربما آخرون) المدعومون من إيران عبر تلك الحدود. وكانت الإجراءات الأخرى المتخذة ضد إيران وحلفائها المحليين خطابية أو رمزية بحتة، وهي: معاقبة عدد قليل من الأفراد؛ أو تحليق عدد قليل من طائرات "بي-52" [فوق بعض المناطق]؛ أو مجرد التهديد باتخاذ إجراء حقيقي في تاريخ مستقبلي غير محدد. أما بالنسبة للمكافآت، فقد شطبت إدارة بايدن الحوثيين اليمنيين من القائمة الرسمية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، دون أي شروط أو تنازلات من قبلهم. وقد دعمت الزيارة الرسمية الأولى إلى طهران التي قام بها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، لمناقشة مصير البلاد من دون علم حكومتها المعترف بها دولياً. وبالمثل، اقترحت الإدارة الأمريكية رسمياً ضم إيران إلى مؤتمر دولي حول مستقبل أفغانستان من دون علم الحكومة الأفغانية، المفترض أنها حليفة للولايات المتحدة. ولا يسع المرء إلا أن يتساءل عن الخطوة التالية على هذه القائمة. فما رأيكم بدعوة إيران لمناقشة مستقبل العراق وسوريا ولبنان، وإضفاء الشرعية على ميليشياتها في هذه الدول الثلاث؟ لماذا لا يتم السماح لحركة «حماس» الإرهابية، والوكيلة الفلسطينية المحتملة لإيران ضد إسرائيل، بخوض الانتخابات في الضفة الغربية/قطاع غزة المقرر إجراؤها في 22 أيار/مايو؟ تحمل هذه المقاربة جميع السمات المميزة للمفاوضات الإقليمية "الجامعة" أو "الشاملة" أو تكتيكات إدارة الصراع التي أيّدها سابقاً ومنذ فترة طويلة بعض صناع السياسة البارزين من المستوى المتوسط في فريق بايدن، سواء كانوا داخل الحكومة أو خارجها. ولكي نكون منصفين مرة أخرى، قد تكون هذه المقاربة مفيدة في بعض الأحيان. وفي حالة إيران على وجه التحديد، لاحت فرصة محدودة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، بين 2001 و2003، عندما أثبت التواصل الدبلوماسي الأمريكي مع طهران جدواه، في أفغانستان وإلى درجة أقل في العراق. ومع ذلك، لا يوجد اليوم ما يشير إلى أن إيران مستعدة للمساهمة بشكل بناء، أو حتى للحدّ من تدخلها المدمّر في أي من ساحات الصراع الإقليمية موضع البحث. ومع ذلك، يُنظر إلى إدارة بايدن، بعيداً عن الخطابات، على أنها تخفف العقوبات المفروضة على إيران بصورة غير نشطة. ويدّعي أحد المسؤولين من المستوى المتوسط المعنيين بهذه المسألة أن "الرئيس" الأمريكي لن يتخذ أي خطوات "كبيرة" أو "أحادية الجانب" لتخفيف العقوبات ضد إيران. لكن من السهل تمرير مليارات الدولارات عبر ثغرات هذه الكلمات المصاغة بعناية. أخيراً، لكي نكون منصفين مجدداً، من المسلّم به أنه من الأسهل انتقاد سياسة ضعيفة من ابتكار سياسة أقوى. إذاً إليكم اقتراح متواضع: بدلاً من عرض مكافآت مجانية على النظام في طهران، يجدر بالولايات المتحدة تبني موقفاً واضحاً في المعاملات، يجمع بفعالية بين الملفين النووي وغير النووي. فعلى سبيل المثال، إذا تمكنت إيران من إقناع الحوثيين وميليشيات أخرى بوقف هجماتهم بالصواريخ والطائرات بدون طيار ضد السعودية، فعندئذ فقط ستعرض واشنطن على طهران أي تخفيف من العقوبات مهما كان نوعه، بغض النظر عن أي تنازلات قد تكون إيران مستعدة لتقديمها بشأن انتهاكاتها المستمرة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أي الاتفاق النووي لعام 2015. ويقيناً، أن هذه الاستراتيجية القصيرة الأمد قد تتطلب في النهاية بعض التحسينات. لكنها خطوة إولى ضرورية. وسيكون لهذا التعديل في السياسة الأمريكية الراهنة العديد من المزايا. فسيقدم لإيران مساراً واقعياً للتوصل إلى حل وسط وليس منافع مجانية. ومن شأنه طمأنة حلفاء الولايات المتحدة - العرب والإسرائيليين وحتى بعض الأوروبيين - بأن الولايات المتحدة عادت لتكون مجدداً شريكاً موثوقاً به. كما سيساهم في الوفاء بالوعود التي قدمها فريق بايدن: أي أخذ هؤلاء الحلفاء على محمل الجد؛ والتعامل مع تهديدات إيران غير النووية أو النووية؛ ومواجهة الوقائع الإقليمية السائدة اليوم بدلاً من تطلعات حقبة سياسية سابقة، بما أن هذا الفريق لا يمل من تكرار ذلك أبداً.
الحصاد draw: قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إن إجراءات "بيروقراطية" تعيق وصول تسعة أطفال وأكاديمي من كردستان العراق للعلاج في إسرائيل، رغم أنهم في أمس حاجة للعلاج هناك. وتشير الصحيفة إلى أن هؤلاء الأطفال يعانون من مشاكل في القلب، تتطلب التدخل الطبي السريع، من بينهم حالة رضيعة أيزيدية من سنجار، تنتظر في مستشفى دهوك في كردستان الحصول على إذن لدخول إسرائيل لإجراء جراحة عاجلة ستنقذ حياتها. وتقول الصحيفة إن الأطباء في مركز شيبا الطبي، في تل أبيب، أعربوا عن استعدادهم لعلاج الرضيعة، التي ولدت في 21 يناير الماضي في كردستان، وتعاني من مشكلة "رتق الرئة"، وهي حالة طبية تعيق وصول الدم إلى الرئتين. لكن الرضيعة والأطفال التسعة والأكاديمي الذي يعاني من السرطان تم رفض طلباتهم لدخول إسرائيل لإجراء جراحات طارئة خلال الأسبوعين الماضيين بسبب "البيروقراطية" على حسب تعبير الصحيفة. ويقول التقرير إن البيروقراطية الإسرائيلية، إلى جانب القيود الخاصة بفيروس كورونا، أدت إلى رفض الحالات المشار إليها، رغم أن الإجراءات التي كان معمول بها من قبل كانت أسهل بكثير. وفرضت إسرائيل قيودا شديدة على دخول البلاد، منذ 25 يناير الماضي، بما في ذلك للمواطنين، في محاولة لكبح جماح أزمة كورونا، وتم تشكيل "لجنة استثناءات" لتقرير من يسمح بدخولهم على أساس كل حالة على حدة. وقبل فرض القيود الجديدة، كانت هناك إجراءات روتينية معمول بها تسمح بدخول البلاد، وتمت بموجبها الموافقة على دخول ثمانية أطفال أكراد يعانون من مشكلات صحية، وهم يعالجون حاليا في المستشفيات الإسرائيلية. ومع إدخال لجنة الاستثناءات، تم رفض طلب الأطفال المذكورين، بسب تعقيدات بيروقراطية انخرطت فيها اللجنة وعدة جهات حكومية، وفق جوناثان مايلز، مؤسس منظمة Shevet Achim، وهي منظمة مسيحية تنقل الأطفال من الدول العربية المجاورة إلى إسرائيل لتلقي العلاج الطبي. وقال الناشط للصحيفة: "ليست لديهم خيارات أخرى غير إسرائيل"، موضحا أنه خلال سنوات عديدة "أظهر الشعب الإسرائيلي أنه يهتم بإنقاذ حياة الأطفال عندما لا يبدو أن أي شخص آخر في العالم يهتم". والد الطفلة الذي يعيش في مخيم للاجئين قرب دهوك، والذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية الموقف، قال للصحيفة: "هذه أيام صعبة حقا بالنسبة لي. عندما أنظر إلى ابنتي المريضة ولا يمكنني فعل أي شيء لها". وأوضح أنه علق آماله على إسرائيل بعد أن تم إخطاره بأن الأطباء العراقيين لا يمكنهم فعل أي شيء من أجلها وأنه يجب أن تحصل على الجراحة "بشكل عاجل". ولا يرى أن إرسال ابنته إلى مستشفى إسرائيلي يمثل مشكلة بالنسبة له. ويقول تقرير الصحيفة إن العراق لا يعترف بإسرائيل، لكن العديد من الأكراد يؤيدون العلاقات الودية مع إسرائيل. الأب قال: "أرى إسرائيل مثل كل دولة. أحاول أن أرى الطبيعة البشرية وراء البلدان، دون النظر إلى الدين أو الأيديولوجية... إسرائيل دولة ترى المحتاجين وتسعى جاهدة لمساعدتهم". وقال الأكاديمي الكردي الذي يعاني من سرطان الكبد في المرحلة الرابعة، والذي طلب أيضا عدم ذكر اسمه، إن أطباءه أبلغوه أن إسرائيل هي الخيار الأفضل له، وأوضح أنه اختارها لأنها "تقدم أفضل علاج متاح لحالتي". وأكد "تفهمه والتزامه بالقواعد المعمول بها للأجانب الذين يرغبون في السفر إلى إسرائيل"، مشيرا إلى أنه ذكر أنه سيتحمل جميع النفقات "ما يساعد إسرائيل والشعب الإسرائيلي من ناحية السياحة العلاجية". وتابع: "نحن كأكراد نؤمن بأن إسرائيل والشعب الإسرائيلي هما أقرب الناس إلينا... لدينا احترام عميق لإسرائيل ونشترك في العديد من النقاط المشتركة التي يمكننا الاستثمار فيها لتعزيز العلاقات في بيئة معادية لكلا الجانبين".
الحصاد DRAW: كامران قره داغي - كاتب كردي عراقي "قدمت لبارزاني إيجازاً بنتائج محادثاتنا في بغداد وقلت له إن العراقيين كانوا إيجابيين وعبروا بأكثر من طريقة عن استعدادهم لمنح الكرد حقوقهم وأعتقد أن من المفيد أن يذهب بارزاني بنفسه إلى بغداد." بعد قرار قيادة الجبهة الكردستانية التفاوض مع الحكومة العراقية وتشكيل الوفد الرسمي برئاسة جلال طالباني، توجه أعضاؤه الأربعة إلى بغداد. يقول عضو الوفد نيتشيرفان بارزاني إن طالباني “ظلّ طوال الطريق يكرر أن لا آفاق للكرد ولن يساعدنا أحد، لذا ليس أمامنا سوى التفاوض مع بغداد. وفي بغداد تحدث بجدية صارمة مع المسؤولين العراقيين. قال لهم إننا كنا نريد دائماً حلاً سلمياً، لكنكم تعاملتم معنا بطريقة بشعة وارتكبتم أعمالاً غير إنسانية ضدنا. لكن فاته ذكر أمور عدة في مداخلته الأولى. وجاء دور سامي عبد الرحمن فعرض أفكاره بتسلسل منظم”. يضيف بارزاني أن اللقاء الأول كان مع عزّة الدوري رئيس الوفد العراقي. وكان أول سؤال وجهه إلينا: لماذا لم يأت مسعود بارزاني معكم؟ طالباني رد بصوت خافت أقرب إلى الهمس قائلاً إن السبب يكمن في ما حدث لأسرته التي قُتل 17 من أفرادها القريبين له مباشرة، فيما غُيب حوالى 8 آلاف من البارزانيين من دون معرفة مصيرهم. أجابه الدوري أنه لا يلومه. هنا تدخلت وقلت للدوري إن هذه ليست المسألة ولا تتعلق بموقفه الشخصي. إنه يعمل من أجل الكرد وسيأتي إلى بغداد حالما يعتقد بأنكم مستعدون لحل المسألة الكردية، لكننا حالياً لسنا مقتنعين بذلك لذا إنني هنا كي أفهم موقفكم”. على صعيد ذي صلة بالتفاوض، أعرب بارزاني عن رأيه في موقف الوفد الكردي قائلاً: “في بغداد أظهرنا أن موقفنا كان ضعيفا فاستفاد الطرف العراقي من ذلك. فهم أدركوا أننا كنا يائسين ولا أمل لدينا وعندما كنا نختلي وحدنا خلال فترات الاستراحة كنا نقول لبعضنا أن لا خيار آخر أمامنا. وعندما اكتشف العراقيون ضعفنا فانهم لم يقدموا لنا سوى القليل قائلين انه يتعين اجراء جولة ثانية من التفاوض مع مسعود بارزاني ولا بد من جولات عدة بعد ذلك” (نيتشيرفان بارزاني – أربيل في 22/5/1993). بارزاني لم يكن راغبا في ان يذهب إلى بغداد. لكن بقية الزعماء الكرد بمن فيهم طالباني حثوه على الذهاب. لكن وفد طالباني لم يكن الأول الذي ذهب إلى بغداد. في السياق كان نوشيروان مصطفى قد أوضح في لقاء معه أنه في البداية آثر العرض الذي جاء به مكرم طالباني وبالاتفاق بينه وبين مسعود بارزاني: “أرسلنا إلى بغداد مندوباً هو الضابط من أهل السليمانية دارا توفيق آغا، اقتصرت مهمته على نقل رسالة فقط إلى الطرف العراقي. وبعد عودته إلى كردستان أرسلنا وفداً تألف من فريدون عبد القادر وعمر فتاح عن الاتحاد الوطني الكردستاني وفاضل ميراني وآزاد برواري عن الحزب الديموقراطي الكردستاني فالتقوا عزة الدوري وحسين كامل وطه الجزراوي وطارق عزيز، وأبلغوا وفدنا بأنه إذا قدم بارزاني وطالباني معاً إلى بغداد ليلتقيا صدام حسين فإن كل شيء سيُحل في جلسة واحدة. باختصار قالوا لوفدنا إن كل شيء باستثناء الانفصال يمكن بحثه. هكذا هو سلوك البعثيين. بداية يقولون كل شيء سينتهي بسرعة وبعد ذلك يماطلون ويتخلون عن وعودهم”. (نوشيروان مصطفى – لندن في أيلول/ سبتمبر 1993). يبدو أن وعود الطرف العراقي خلقت لدى الكرد انطباعاً بأن المفاوضات في بغداد يمكن أن تنتهي باتفاق سريع. أعود إلى حديث نيتشيرفان بارزاني الذي ذكر مزيداً من التفاصيل عن اللقاءات بين وفد طالباني والطرف العراقي ولقائهم المفاجئ مع صدام حسين. يقول: “طالباني أخبرهم أن لديه تفويضاً كاملاً لتوقيع أي اتفاق مع بغداد لكن العراقيين أجابو بأنهم يدركون ذلك لكن من الضروري أن يأتي مسعود بارزاني أيضاً. خلال المحادثات مع الوفد العراقي المؤلف من عزة الدوري وعلي حسن المجيد وحسين كامل وصابر الدوري (رئيس الاستخبارات العسكرية) ووفيق السامرائي (نائب الدوري) كان الجميع يتحدثون باحترام معنا لكن عزيز كان خشناً في الحديث وذلك أسلوبه. أما رجلا الاستخبارات فكانا يستمعان فقط من دون الاشتراك في النقاش. وفي كل مرة كان يُثار جدل في موضوع ما كان عزيز فقط يتحدث نيابة عن وفده”. وعن لقاء الوفد الكردي مع صدام أوضح نيشتيرفان بارزاني أن “العراقيين أخبرونا في البداية أننا سنذهب إلى لقاء الدوري. أقلّتنا سيارات إلى موقع شاهدنا فيه عناصر حماية صدام الذين لم يسمحوا لسياراتنا بالاستمرار فنقلونا وحدنا بسيارات أخرى إلى مقر الاستخبارات العسكرية، حيث قالوا لنا إننا سنلتقي الدوري وعندما اسقبلنا أبلغنا أننا سنذهب إلى لقاء صدام في المجلس الوطني. كانت هنالك ثلاث بوابات قبل الوصول إلى بناية المجلس، وأمام كل بوابة كان سائق السيارة يرفع يده بطريقة خاصة فتنفتح. هكذا التقينا صدام. وبعد عودتنا إلى كردستان أبلغت مسعود بارزاني بانهم لن يقرروا اي شيء اذا لم تذهب شخصيا إلى بغداد. صراحة بعد لقاءاتنا مع العراقيين لم نفهم ابدا ماذا كانوا يريدون منا. لذا فان بارزاني لم يكن راغبا في ان يذهب إلى بغداد. لكن بقية الزعماء الكرد بمن فيهم طالباني حثوه على الذهاب. بارزاني أوضح انه يصعب عليه ان يتعامل مع الحكومة العراقية بعد كل ما فعلوه معنا، لكنه إذا لم يذهب فإن الشعب الكردي سيعتبر أن العراق كان مستعداً للاتفاق لكنه، أي بارزاني، لم يجد الشجاعة الكافية ليذهب إلى بغداد لتوقيع الاتفاق”. (نيتشيرفان بارزاني – أربيل في 22/5/1993). مواقف المفاوضين الكرد تكشف روايات المفاوضين الكرد ملاحظات وتصورات متنوعة ومختلفة عن سير المفاوضات وسلوك المفاوضين العراقيين والكرد ومواقفهم التي لم تكن متطابقة دائماً. ففيما اعتبر أعضاء في الوفد الكردي أن الطرفين اتفقا على بعض النقاط ولم يتفقوا على غيرها فان نوشيروان مصطفى الذي رافق مسعود بارزاني في الجولة الثانية من المفاوضات أكد في روايته “أننا فشلنا في الاتفاق على كل النقاط الرئيسية، تحديداً كركوك وتعريف منطقة الحكم الذاتي والأمن والاستخبارات والتعددية الحزبية”. أضاف: “قلنا لهم يجب أن تُجرى انتخابات عامة أولاً، ثم يقوم البرلمان بوضع مسودة للدستور العراقي واستفتاء الشعب عليه. لكنهم أصروا على أنهم وضعوا مسودة للدستور بالفعل، ويمكن أن نقترح إضافة فقرة أو فقرتين تتعلق بحقوق الكرد قبل الاستفتاء. قلنا إن هذا غير وارد بالنسبة إلينا لأن دستوركم لا يمكن إصلاحه، إذ أنه يمنح صدام سلطات تعادل سلطات إله. فردوا بأنهم لن يقبلوا بأي شيء يُضعف قبضتهم على السلطة، لأن الثورة بعثية ويجب أن تبقى كذلك. قالوا إن التعددية الحزبية ليست للعراق بل هي للكرد فقط. وكنا عندما نطالب بحقوق للعراقيين كانوا يردون بأننا يجب أن نتحدث عن أنفسنا فقط. وعندما كنا نوافق ونتحدث عن مطالبنا ككرد فقط كانوا يردّون بأننا نتحدث وكأننا لسنا عراقيين”. أليس من الأفضل أن تتنازلوا لشعبكم بدلاً من أن تتنازلوا للأميركيين والإيرانيين؟ يتابع مصطفى: “من جهتنا أصررنا على أن الأمن يجب أن يكون تحت سيطرة سلطة إدارة الحكم الذاتي لأن الكرد لن يقبلوا أبداً بعودة الأمن العراقي إلى الشمال. لكنهم قالوا إن الأجهزة الأمنية تتبع رئيس الجمهورية ولا يمكن أحداً أن ينتقص من سلطته في هذا المجال. وفي ما يخص كركوك طرحنا عدداً من الخيارات لكنهم رفضوها كلها. وطبعاً في رأيي فإن أي زعيم كردي لن يستطيع البقاء إذا تنازل عن كركوك. من جهتنا ارتكبنا خطأً كبيراً، لأن وفدنا لم يتألف من خبراء. والواقع أن أياً من الخبراء الذين أعدّوا لنا بعض ملفاتنا لم يكن عضواً في وفدنا علماً أن الفرصة لم تسنح لنا لقراءة التقارير أصلاً. وأصر البعثيون على ضرورة ذهاب مسعود إلى بغداد لإظهار النية الحسنة على حد تعبيرهم. كما طلبوا من مام جلال أن يسحبني من وفدنا لأنني كنت في نظرهم متطرفاً وقاتلاً للعرب كما قالوا. أما غلطتنا الثانية فتمثلت في بقائنا في بغداد 42 يوماً متتالية الأمر الذي أتاح للعراقيين كسب الوقت. كانوا يماطلون في المفاوضات في انتظار انسحاب القوات المتحالفة وأحياناً كانوا يكتفون بعقد جلسة واحد لمدة ساعة كل بضعة أيام. أعتقد أننا كنا ضعفاء ومعنوياتنا هابطة ونزوح السكان العالقين في الجبال أثر فينا سلباً. في النهاية عندما قرر بارزاني أننا سنعود إلى كردستان قال له طارق عزيز إن صدام يريدكم أن تعلموا أن اعتمادكم على الأجانب عبث ويذكركم بما فعله الإيرانيون معكم. وتابع أن الأميركيين موجودون هناك (في كردستان) من أجل مصالحهم وأننا سنقبل كل مطالبهم وعندها سيتخلون عنكم. وأيضاً سنعطي الإيرانيين ما يريدون وسيخنقونكم لأنهم يكرهونكم. هنا تدخل عضو الوفد روز نوري شاويس وقال لعزيز: أليس من الأفضل أن تتنازلوا لشعبكم بدلاً من أن تتنازلوا للأميركيين والإيرانيين؟ فرد عزيز: سنعطيهم ما يريديون لكننا لن نعطيكم ابدا ما تريدون وهذه رسالتنا اليكم ويمكنكم أن تبلغوا شعبكم بها”. (نوشيروان مصطفى في لندن – أيلول 1993). سامي عبد الرحمن الذي كان عضواً في قيادة الجبهة الكردستاني ورئيس “حزب الشعب الكردستاني” وقتها، رافق طالباني في الوفد الأول الذي وصل في 18/4/1991 إلى بغداد، وهو يسلط أضواء على جوانب أخرى من المفاوضات وانطباعاته عن صدام حسين. يقول: “أنا وطالباني وحدنا كنا نتحدث نيابة عن وفدنا. أعتقد أن طالباني أخذته الحماسة فارتكب خطأين خلال حديثه في مؤتمر صحافي عقد بعد لقائنا صدام حسين عندما قال إن الأميركيين يجب أن ينسحبوا عسكرياً وثانياً إننا توصلنا إلى اتفاق مبدئي مع بغداد وهو ما لم يحصل. بداية العراقيون قالوا لنا إن المفاوضات يجب أن تنتهي في 3-4 أيام. لكننا بقينا في بغداد 10 أيام. في النهاية أتذكر أن عزة الدوري قال لنا إنكم ستذهبون وتأتون ثم تذهبون وتأتون. كرر هذه الجملة ثلاث مرات. طالباني انتبه إلى كلام الدوري وقال لنا إن شيئا ما تغير في موقفهم. بدأت أجراس إنذار تدق في آذاننا. أدركنا بأنهم بدأوا يشعرون بالأمان. من جهتنا لم نكن نريد التوصل إلى اتفاق في 3-4 أيام. وعندما التقينا صدام بدا لي أنه كان يائساً وكان نادراً ما يرفع نظره إلينا. كان وجهه مصفراً بشكل غير طبيعي. عموماً في تلك المرحلة كان المفاوضون العراقيون متواضعين جداً ولطيفين معنا”. وتابع: “حين عدنا إلى كردستان كانت القوات الأميركية ما زالت في المنطقة لكن قادتها لم يتعاملوا مع قياداتنا بل كانوا يتحدثون مع رؤساء العشائر والسكان المحليين فقط وينسّقون معهم. قدمت لبارزاني إيجازاً بنتائج محادثاتنا في بغداد وقلت له إن العراقيين كانوا إيجابيين وعبروا بأكثر من طريقة عن استعدادهم لمنح الكرد حقوقهم وأعتقد أن من المفيد أن يذهب بارزاني بنفسه إلى بغداد. إلى ذلك قدمنا تقريرنا إلى قيادة الجبهة الكردستانية وكان موقف الجميع إيجابياً لجهة الاستمرار في المفاوضات”. (سامي عبد الرحمن – أربيل في 12/7/1993) مساعي بغداد لشق الصف الكردي هكذا قرر بارزاني أن يذهب إلى بغداد على رأس وفد ضم عبد الرحمن وروز نوري شاويس وجوهر نامق. يتابع عبد الرحمن حديثه عن هذه الجولة من المحادثات: “بعد نحو 10 أيام بدأنا نتلقى رسائل من طالباني بطلبات من العراقيين إطلاق سراح معتقلين كرد عندهم في مقابل إطلاق سراح ضباط عراقيين محتجزين عنده. تكوّن لدي انطباع بأن طالباني كان يريد أن يدعوه العراقيون إلى بغداد لينضم إلى بارزاني وهذا كان من حقه طبعاً لكنهم قابلوا رغبته ببرود. كانوا بدأوا فعلاً مساعيهم وفقاً لمبدأ فرّق تسد، خصوصاً أنهم كانوا يعرفون أن التعامل مع طالباني ليس سهلاً (…) شخصياً كنت آمل أن تتحسن العلاقة بين طالباني وبغداد لاعتقادي بأننا ككرد لن نحقق أي شيء من دون بقائنا متحدين”. ولاحظ عبد الرحمن أن العراقيين كانوا في البداية أقل تشدداً، لكنهم مع مرور الوقت كان موقفهم يزداد تشدداً، خصوصاً بعدما زار رئيس هيئة الأركان الاميركية المشتركة الجنرال كولن باول قواته في سرسنك (محافظة دهوك) في حزيران/ يونيو، وأعلن أن واشنطن قررت سحبها من المنطقة في تموز/ يوليو. وأضاف أن “أكبر عقبة في المفاوضات تمثلت في الموقف من كركوك في الدرجة الأولى ثم سنجار وخانقين مع أنهم في البداية لم يظهروا النية بعدم سماحهم بضم هذه المدن إلى منطقة الحكم الذاتي. غير أنهم بعد حزيران قالوا إنهم لن يجادلوا في هوية كركوك الكردية، لكن ضمها إلى منطقة الحكم الذاتي يعني الانفصال. كان ردي على ذلك أن هناك نفطاً في مناطق كردية أخرى كزاخو مثلاً، لكن طارق عزيز رد بأن ذلك أمر مختلف لأن كركوك تنتج النفط بالفعل وهذا يعني أن جهة ما ستأتيكم فوراً لمساعدتكم. لذلك اقترحنا أن يُشار في وثيقة الاتفاق إلى أن المناطق التي ترفض بغداد حالياً والتي تكون جزءاً من الحكم الذاتي، هي مناطق متنازع عليها ويقرر مصيرها مستقبلاً. بداية كان موقفهم إيجابياً من هذا الحل لكنني أعتقد أن انسحاب قوات التحالف من كردستان جعلهم يغيرون رأيهم (…) ومرة عندما قلت لعزيز إن كركوك في ضمير كل كردي رد علي بأن الأندلس أيضاً في ضمير كل عربي، ويمكنكم أن تبكوا على كركوك كما يبكي العرب على الأندلس (…) في النهاية كان يُفترض أن يُشار في الوثيقة السرية (البروتوكول) الملحقة بالاتفاق إلى أن كركوك وسنجار وخانقين تعتبر مناطق متنازع عليها. وأحب أن أشير هنا إلى أنني عندما تحدثت وقتها في دهوك عن موقف بغداد من سنجار قال لي أحد زعماء الإيزيديين هو الشيخ خلف: قل لهم إننا مستعدون أن نكون ايزيديين كرداً لكننا لسنا مستعدين أن نكون إيزيديين عرباً. في نهاية المطاف، عندما عدنا إلى بغداد في آب/ أغسطس مفترضين أننا سنوقع اتفاقاً، وقع الانقلاب العسكري في موسكو ضد الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف فتشدّد العراقيون مجدداً، وقال عزة الدوري لمسعود بارزاني: انتهى الامر. أميركا لم تعد القوة العظمى الوحيدة. هكذا عدنا إلى كردستان من دون توقيع الاتفاق”. (سامي عبد الرحمن – اربيل في 21/7/1993). كل ما توقعه صدام حسين وقاله ثبتت صحته، وهي جملة اعتبرناها إدانة لأنفسنا. أما فؤاد معصوم الذي شارك وقتها في أحد الوفود ممثلاً عن الاتحاد الوطني الكردستاني، فأضاف معلومات أخرى عن الموقف من كركوك: “خلال إحدى جلسات التفاوض قال لنا عزة الدوري: إننا نعرف أن الغرب لن يسمح لكم بضم كركوك. قبل أن تسيطروا على كركوك لم يكن الغرب ضدكم وبعدما استوليتم عليها أعطانا الغرب الضوء الأخضر لضربكم. والآن لم تعد كركوك تحت سيطرتكم وهذا ما يريده الغرب. طارق عزيز زاد على الدوري قائلاً: أنتم لا تعرفون الأميركيين. حتى إذا تعاونتم معهم 20 عاماً أخرى فلن يكون لكم نفوذ مثل نفوذنا لديهم لذا لا تخدعوا أنفسكم”. وعن البروتوكول أو الميثاق الملحق بالاتفاق المفترض (الالتزامات كما سماها معصوم)، فإن العراقيين أصروا على أن تكون التزاماتنا تجاههم علنية لكن التزاماتهم لنا تبقى سرية. أما النص المقترح لبيان إعلان الاتفاق الذي أعده الطرف العراقي فكان يبدأ بالجملة التالية: كل ما توقعه صدام حسين وقاله ثبتت صحته، وهي جملة اعتبرناها إدانة لأنفسنا. وبعدما عدنا إلى كردستان بدأت بغداد مساع لشق الصف الكردي. وحتى بعدما اعلنوا الحصار على كردستان طلبوا التفاوض مجددا. مام جلال أبلغ بارزاني انه إذا أراد فيمكنه أن يرسل إلى بغداد وفداً عن حزبه وحده. بارزاني ذهب إلى بغداد وحده لطلب رفع الحصار فرفض طلبه. وعندما عاد إلى كردستان قال لطالباني إن العراقيين خدعوه فهم أبلغوه انهم سيرفعون العقوبات إذا قام بزيارة بغداد” (فؤاد معصوم – أربيل في 14/7/1993). “الميثاق” يثير خلافات كردية البروتوكول السري الذي اقترحته بغداد، ومن مسمياته الأخرى الميثاق والملحق والوثيقة، كان هدفه الرئيس حمل الكرد على قبول الزعامة المطلقة لصدام حسين والولاء لنظامه. عندما وصل إلى مسامع القيادات الكردية موضوع البروتوكول السري كنت في أنقرة في مهمة صحافية مندوباً عن “الحياة”. وكان جلال طالباني يزور العاصمة التركية للقاء الرئيس تورغوت أوزال. وكان يرافقه في الزيارة برهم صالح الذي كان وقتها ممثلاً لحزبه في لندن ومن أقرب المساعدين إلى طالباني. أقام طالباني في فندق “إيتشقلا” الذي كان مالكه من كرد تركيا. في ذلك الوقت كان وفد الجبهة الكردستانية برئاسة بارزاني قد عاد لتوه من بغداد إلى كردستان، لمناقشة نتائج مفاوضاته في تلك الجولة في إطار موضوع “الميثاق” وكانت قيادة الجبهة تنتظر وصول طالباني لمعرفة موقفه. شخصياً لم أكن على اطلاع بالموضوع، لكن طالباني كشف لي وجود ملحق سري للاتفاق المفترض وما يتضمنه من التزامات تعسفية الأمر الذي كان يقلقه خشية أن يوافق بارزاني على توقيعه. سألته عن ذلك فذكر لي شيئاً من مضمون الميثاق كي أشير إليه في تقريري الصحافي، لكنه في النهاية وافق على تسريبه لي وطلب من صالح الذي كان يحتفظ بنسخة من الوثيقة أن يطلعني عليها من دون استنساخه، كي أستطيع أقلّه الاستشهاد بنص جملة أو جملتين. في الحال أعددت تقريري وعنونته “أكراد العراق بين مستقبل مجهول واتفاق يلزمهم الولاء لصدام” وأرسلته إلى “الحياة” التي نشرته في الصفحة الأولى في اليوم التالي تحت العنوان ذاته. بعد عودتي إلى لندن التقيت الصديق اللبناني القانوني البارز شبلي ملاط الذي كان وقتها أستاذاً في جامعة لندن وداعماً للمعارضة العراقية فأخبرني أنه صعق عندما قرأ تقريري. أضاف أنه ترجم فقراته الرئيسية واتصل رأساً بالنائبة العمالية البريطانية آن كلويد التي كانت تتبنى قضايا المعارضة العراقية عموماً والكردية خصوصاً، فأثارت ضجة حوله مع وزارة الخارجية البريطانية، وطالبتها باتخاذ موقف منه. في الأثناء، كانت الوثيقة سربت إلى عواصم غربية، ما أثار قلقها وانزعاجها. عموماً منذ تلك اللحظة بدأت الأوضاع تتغير تدريجاً نحو ما اعتبره الكرد تحولاً في صالحهم بعد التدخل الأميركي والغربي واقامة الملاذات الآمنة في كردستان وفرض حظر الطيران على العراق دعما للكرد الذين شعروا بأمان كاف ليرفضوا في النهاية توقيع اي اتفاق مع بغداد. “أكراد العراق بين مستقبل مجهول واتفاق يلزمهم الولاء لصدام” وأرسلته إلى “الحياة” في الخلفيات، استمعت إلى تفاصيل عن قصة الميثاق من عدنان المفتي في لقاء معه أجريته في 1993. كان المفتي وقتها عضواً في قيادة الحزب الاشتراكي الكردستاني وشارك في وفد الجبهة الذي رأسه بارزاني إلى بغداد عندما طلب العراقيون منه قبول الميثاق. قال المفتي: “بالنسبة إلى الميثاق الذي أصروا عليه فإننا على رغم قناعتنا بأننا لن نوافق عليه لكننا قبلنا مناقشته وسعينا إلى تقديم إضافات اعتبرنا أنها قد تكون تعجيزية بالنسبة إليهم. مثلاً جاء في نص مسودة الميثاق أن صدام هو مهندس اتفاق الحكم الذاتي لعام 1970 فقلنا لهم إنه من غير المعقول عدم ذكر اسم ملا مصطفى بارزاني أيضاً، وهو الذي وقع الاتفاق مع صدام. شخصياً كنت واثقاً بأنهم لن يقبلوا لكنهم في اليوم التالي أخبرونا أن صدام قال إن الوفد الكردي سجل هدفاً ضد الوفد الحكومي وإنه يوافق على الاقتراح الكردي. الحق أن ذلك ترك تأثيراً نفسياً إيجابياً في نفوس بعض أعضاء وفدنا. وعلى رغم أن تعديلات بسيطة أخرى أجريت على الميثاق، لكنها في الواقع كانت كلها تجميلية. فشلنا في محاولات أخرى من جهتنا. مثلاً قلنا إننا نوافق على ما جاء في الميثاق بأننا ضد من يعادي العراق لكن من دون الفقرة التالية التي تلزمنا الدفاع عن أهداف الثورة. كان النقاش في هذه الأمور بين أعضاء الوفد يثير الحساسيات والخلافات أيضاً. كاك مسعود كان يقول لنا من الأفضل أن ننسى هذا الموضوع الآن، ولنبت القضايا الأساسية وبعد ذلك يمكن كل طرف (من أطراف الجبهة الكردستانية) أن يقرر صيغة العلاقة بينه وبين حزب البعث أو يمكن لكل حزب كردي أن يوقع الميثاق على حدة، وليس كجبهة كردستانية. هكذا لم نتفق على موقف موحد. وأخيراً عندما استقبل صدام كاك مسعود على انفراد، شدد على أنه لن يقبل أبداً بضم كركوك إلى منطقة الحكم الذاتي. وبعد اللقاء فهمنا من كاك مسعود أن آماله انهارت بإقناع صدام بالموافقة على أمور أخرى وقال لنا إن هذا هو الواقع والحكومة ليست مستعدة لتقديم المزيد. وبدورنا قلنا إن ما يقدمونه أقل بكثير من الحد الأدنى الذي اتفقنا عليه في اجتماع الجبهة الكردستاني في شقلاوة، وعلينا أن نعود ونطرح على القيادة هذه النتيجة. عدنا إلى كردستان وظهرت بيننا خلافات وأعتقد أن كل التطورات اللاحقة كانت نتيجة لتلك الخلافات وكان ذلك ما دفعنا إلى تبني فكرة الانتخابات التي كان جوهرها حسم الخلاف على الاتفاق مع بغداد. وأستطيع القول إن المحصلة النهائية لفشل المفاوضات ينطبق عليها: “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم”. (عدنان المفتي – لندن في 3/6/1993).
الحصاد draw: الحرة - واشنطن في الحادي والعشرين من مارس من كل عام تحتفل عدة شعوب في الشرق الأوسط وشرق آسيا، بعيد النوروز، أحد أقدم الأعياد المرتبطة بالقوميات في العالم. ويعتقد أن الاحتفال بيعد النوروز يعود إلى 2633 عام بحسب التقويم الكردي، و1400 عام بحسب التقويم الفارسي. وبالنسبة للقوميتين، يسجل الحادي والعشرين من آذار موعد بداية السنة الجديدة، ويعني اسم نوروز بالفارسية "يوم جديد" وهو معنى مقارب لاسمه بالكردية أيضا. يرتدي الرجال والنساء ملابس زاهية وتصدح الموسيقى في المناطق التي يحتفل فيها بنوروز وتحتفل الشعوب "الآرية" أو الشعوب التي شكلت في وقت من الأوقات جزء من الإمبراطورية الفارسية بيوم نوروز بشكل متشابه تقريبا، إذ تشعل النيران ويرتدي الرجال والنساء والأطفال ملابس زاهية، احتفالا بقدوم الربيع وانتهاء فصل طويل من الشتاء في تلك المناطق. والنوروز هو عطلة رسمية في العراق وإيران، وأيضا في قرغيزستان، وأذربيجان التي تحتفل بالعيد لخمسة أيام وقدمت دول أفغانستان وألبانيا وإيران وتركمانستان وتركيا وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان والهند، مبادرة إلى الأمم المتحدة في عام 2010 للاحتفال بيوم نوروز. وقالت الأمم المتحدة في بيان اعتماد الاحتفال الدولي بهذا اليوم إن "300 مليون شخص يحتفلون بهذا العيد" في مناطق مختلفة من العالم. قصة العيد وبحسب المؤرخ الكردي، سردار ناصر، فإن قصة النوروز الكردية تشير إلى الانتصار على الظلم، حيث تقول الأسطورة إن "كاوة الحداد" قام بثورة على الملك الظالم "الضحاك" الذي كان "يأكل الأطفال" من خلال اثنين من الأفاعي ربطتا على كتفه، قبل أن يعمد كاوة إلى إشعال ثورة استعان فيها بأطفال أنقذهم من الموت وقدم لهم التدريب في جبل كانوا يحتمون به. ويقول ناصر لـ "موقع الحرة" إن الأسطورة تشير إلى بناء كاوه "نارا عظيمة" فوق الجبل ليخبر القرى المجاورة لقريته عن الثورة التي أشعلها، وكان هذا في يوم الحادي والعشرين من مارس. بنى كاوا الحداد "نارا عالية" احتفالا بانتصاره على "الملك الضحاك" وفق الاسطورة الكردية ووفقا للمؤرخ ناصر فإن "الرمزية واضحة في القصة التي تشير إلى ما يبدو أنه حكم عسكري لوال ظالم استدعى ثورة شعبية للإطاحة به"، مضيفا أن "العيد هو أهم الأعياد الكردية في العام". وفيما يمتلك النوروز رمزية ثورية بالنسبة للكرد، تشير القصة الفارسية له إلى رمزية "الإمبراطورية والتوسع" بحسب المؤرخ ناصر. ويقول ناصر إن "إحدى القصص الفارسية التي تشير إلى أصل النوروز هي أن الملك جمشيد قام باعتلاء عرشه في أذربيجان، فسطعت الشمس وأشرق نور التاج والعرش على الناس المتجمهرين الذين قالوا إن هذا يوم جديد، فأصبح اسم العيد ني روز، أو نه روز، الذي يحمل هذا المعنى". كما أن مؤرخين أرجعوا أصل الاحتفال بالنوروز إلى السومريين أو البابليين في العراق، الذين كانوا يحتفلون بسنتهم الجديدة في الأول من أبريل، باعتباره تاريخ عودة الإله "تموز" من بين الأموات وبثه الحياة والخضرة في الأرض. وبشكل عام، يمثل نوروز "مناسبة قديمة تحدد اليوم الأول من فصل الربيع وتجدد الطبيعة"، بحسب اليونسكو، ويعود الاحتفال به إلى 3000 سنة في آسيا الوسطى والبلقان وحوض البحر الأسود والشرق الأوسط والقوقاز وفي مناطق أخرى، كما تقول المنظمة الدولية. ولم يكن الاحتفال بالعيد سلسا دائما، فقد منعت الأنظمة في سوريا والعراق وتركيا الاحتفال بالعيد لفترات من الزمن بسبب المخاوف من تأجيج الروح القومية الكردية، واستعاضت سوريا والعراق بتسمية "أعياد الربيع" أو "عيد الشجرة" عن تسمية نوروز حينما سمحت السلطات أخيرا بالاحتفال بهذه الأعياد. ويحتفل الكرد والإيرانيون بنوروز من خلال مائدة خاصة تسمى "هفت سين" أو السينات السبعة وهي مكونة من الثوم (سير)، و السنابل أو الورد (سنبل) والخل (سيركة) وعملة معدنية (سكة) والخضروات (سبزي أو سبزه) وحلوى (سمنو) و ثمرة (سنجد) البرية. وفي بعض الأحيان يوضع "سماق" وهو نوع من التوابل الحمراء حامضة الطعم بدلا من الخل أو بدلا من أحد المكونات الأخرى، أو يتم الاستعانة بالتفاح "سيب". كما يحتفل الكرد والإيرانيون أيضا بـ "الأربعاء الأحمر" "جار شنبة سور" أو "جوار شنبة سور" الذي يحتفل به الإيزيديون أيضا بطريقة مشابهة، وهي إشعال النار والقفز فوقها، ولكن في توقيت مختلف. يأتي نوروز هذا العام وسط تحديات صحية واقتصادية كبيرة نوروز 2021 ويأتي نوروز في هذا العام وسط تحديات شملت كل البلدان التي تحتفل به تقريبا، فإيران تشهد غليانا شعبيا مرتبطا بتدهور الأوضاع الاقتصادية، دفع سياسييها وقادتها لتغيير عاداتهم بالاحتفال في العيد. وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان تهنئة بمناسبة نوروز إن "القدرة على التواجد مع الأحباء واحدة من العديد من التحديات التي واجهناها جميعا نتيجة لهذه الجائحة، نتمنى أن تقوم روح عيد النوروز بجلب أيام أفضل". وفيما يواجه الكرد في تركيا مصاعب تتعلق بتعامل إدارة الرئيس رجب طيب إردوغان مع طموحاتهم السياسية والقومية، فإن الكرد في سوريا يواجهون الجيش التركي والميليشيات المدعومة منه في اشتباكات تتجدد منذ أيام قرب مناطق حدودية بين البلدين، في الوقت نفسه الذي تقاتل القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة تنظيم داعش في سوريا. وفي إيران يعاني الأكراد من استهداف يقوده نظام خامنئي والذي يترجم في كثير من الأحيان بحملات عسكرية تستهدف المدنيين. وبينما يبدو الأكراد العراقيون أفضل حالا مقارنة بجيرانهم في الدول المجاورة، إلا أن الظروف الاقتصادية والسياسية تلقي بظلالها على حياة المواطنين، إلى جانب انتشار فيروس كورونا وارتفاع معدلات الإصابة.
الحصاد draw: مركز الفرات لا يستغن الافراد عن التواصل فيما بينهم بوسائل ومفردات لفظية وغير لفظية، ارادية وغير ارادية ، للتعبير عن الافكار والمشاعر والمواقف وتبادل الرسائل ، تشكل عند تراكبها وتكاملها الوظيفي والتوافق عليها بين الافراد ، لغةً قائمة بذاتها مستقلة بسماتها ووظائفها وغاياتها . وإذا كانت اللغة المنطوقة ( اللفظية) من أدق العلامات التي يتواصل بها الافراد ليعبروا بها عن مواقفهم واحتياجاتهم، فانها ليست اللغة الوحيدة ؛ بل وحتى ليست اللغة الاهم لبني البشر عامة ؛ اذ تشير الدراسات الى ان الكلام لا يشكل سوى %7 من التواصل اليومي بيننا ، وإن باقي الرسائل نرسلها لا شعوريا عبر نبرة الصوت والايماءات والاشارات التي يبعثها جسد الانسان ، عند تواصله غير اللفظي مع الاخرين ضمن اطار ما يسمى بـ(لغة الجسد) والتي تتفاعل – بدورها ، وعلى نحو تلقائي - مع ادوات التواصل اللفظي للغة المنطوقة لتحقق الغاية التواصلية للأفراد ؛ ولعل هذا ما يؤكد ويبرر كذلك دقة وصواب الرأي الذي تبناه الخبير الدولي (ساندرو رادو Sandro Rado ) بأن لغة الجسد تمثل قاعدة كل اللغات طالما تجذرت اصولها في الإحساس الخاص بالجسد . وفي هذا السياق يرى الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة أن لغة الجسد سميت لغة، لأن لها تعابير ومعان واشارات توفر انطباعات واضحة وصادقة عن مستخدمها من جانب وتساعد المتلقي من فهم تلك الرسائل غير اللفظية من جانب اخر؛ أي بعبارة اخرى، ان لغة الجسد شأنها شأن اي لغة أخرى، تتألف من مجموعة من العناصر والتراكيب ، كالإيماءات، ووضعية الجسد، وتعابير الوجه التي تتفاعل فيما بينها بانسجام وتناغم لتعبر عن مكنون الانسان ومشاعره ومواقفه ومقاصده بكل بساطة وتلقائية . ولغة الجسد من حيث التعريف إحدى صور التواصل غير اللفظي، والتي تصدر عن الجسد على شكل إيماءات وإشارات، والتي تعبر عن المشاعر والأحاسيس الداخلية لا شعورياً، حيث يتم عن طريق هذه الإشارات والإيماءات إيصال العديد من الرسائل والأفكار للأشخاص الآخرين. وهي لدى ( ألن بيز) : الاتصال غير اللفظي الذي يعتمد على التواصل بين المرسل والمستقبل، باستخدام التلميحات والإشارات والحركات الصادرة من الجسم على أساس ما تقدم ، يتضح أن لغة الجسد تعد قناةً مهمة تستخدم في نقل المعلومات والمواقف وتبادل الرسائل بشكل غير لفظي، ونافذةً تطل على ما يدور في الذهن من خواطر ومشاعر وتعبر عنها بإيماءات وحركات حسية تلقائية بالتناغم مع اللغة المنطوقة ؛ فما لا يقال شفهيا بشكل مدروس، يقال بشكل تلقائي غير ملفوظ . وفي كثير من الأحيان تكون هذه اللغة غير المنطوقة ، أكثر بلاغةً وصدقاً من أبلغ العبارات والالفاظ، لكونها في الأغلب تعبيراً عفوياً أقل تصنعٍ من الكلمات المنمقة التي يلجأ إليها البعض لأهداف معينة لا تعبر بالضرورة عما يقصد ويريد، كما ان حركات الجسد والوجه تلقائية ولاتخضع لسيطرة الانسان مهما تدرب عليها ، أي انها لغة لا يشعر بها صاحبها، إنما يستشعرها ويفسرها من هم حوله مهما حاول كبت مشاعره والتصنع في ردود افعاله ، الامر الذي ميز هذه اللغة الحسية عما سواها من لغات منطوقة وصيرها الوسيلة الاكثر اهمية في كشف الكثير من الاسرار والخواطر والمشاعر الدفينة للآخرين . وفي هذا الشأن يقول الخبراء إذا ما تعارضت الكلمات مع النبرة أو مع تعابير، فصدِق النبرة وتعبيرات الوجه لأنها لا تعرف الكذب، كما أن التلاعب بالكلمات أسهل وأهون من التلاعب بالحركات والإيماءات ونبرات الصوت . ولأن معظم الإشارات الجسدية تعبر عن نفس المعنى في كل بقاع العالم تحولت لغة الجسد الى اللغة العالمية، الأكثر رواجاً وإستخداماً من كل نظيراتها المنطوقة ؛ إذ تنتقل بوساطتها نحو 55% من رسائلنا ومواقفنا اليومية بصيغٍ ارادية ولا ارادية ؛ فبإمكان أي شخص أن يخمن المعنى المقصود من الحركات والإيماءات لغيره من الناطقين بلغات اخرى في جميع أنحاء العالم، دون الحاجة الى مترجم ، فمن ذا الذي يحتاج إلى مترجم لتعبيرات الوجه والعيون. إن لغة الجسد التي يستخدمها الناس جميعا، بكثافة وعفوية عند تواصلهم اليومي مع الاخرين ، يندر من يفهمها ويقرأها بدقة او يوظفها في تحقيق مصالحه وغاياته بصورة فاعلة ، رغم اهميتها وبساطتها ( بالتعبير دون التفسير) وبلاغتها ، لأن إيماءات الجسد وحركاته التعبيرية ، ينبغي أن تحلل في السياق العام للحدث، وليس في النطاق الضيق للحركة بحد ذاتها ، الامر الذي يرفع منسوب الخطأ في التفسير ، مهما بلغت خبرة وكفاءة الخبير المتابع ، من جانب . ومن جانب اخر، ثمة صعوبات اخرى تحيط عملية التعبير غير اللفظي عن المواقف والمشاعر والتحليل الحصيف لها ، تتعلق باختلاف ظروف وطرق التعبير والخواص النفسية والسلوكية للشخص المعني فضلا عن اختلاف الثقافات؛ فعلى سبيل المثال ، إنَّ تشابك الذراعين قد يكون دليلاً على المقاومة أو العصبية، لكنه قد يكون دليلاً على الثقة والسلطة في حالات أخرى. إن ما تتميز به هذه اللغة من خصائص وعناصر نوعية فذة ، وما توفره من مزايا لمن يجيد قراءة مفرداتها وعناصرها وتوظيفها ، قد جعلها ميداناً معرفياً مغريأ، ومهنةً تختص بقواعدها واعرافها المستقلة، ومقصداً وسلاحاً فاعلاً ، إجتذب إهتمام العديد من الخبراء والمختصين وطلاب السطوة والتأثير واصحاب السلطة والمصلحة ، لتوظيف مفرداتها في جولاتهم التفاوضية مع الغير، لإنجاز جملة من المهام والاهداف يمكن إيجازها بالاتي :- اولا - التحليل : 1- تحليل الشخصية وتكوين الانطباع : إن لغة الجسد تمنح المفاوض فرصةً مهمة لتحليل الخصائص النفسية والسلوكية للطرف الاخر، وإستيعاب غير مغلوطٍ لمشاعره، وأفكاره، سبيلاً لتكوين الانطباع الاولي والنهائي عنه ، والتعرف على مفاتيح القوة والضعف في شخصيته بغية الافادة منها اثناء العملية التفاوضية، وذلك بناء على الطريقة التي يتبعها في توصيل فكرته أو رغبته ومدى اتسامه بالحماس والإيجابية ؛ اذ يصعُب على اي انسان مهما بلغ من الذكاء والمهارة او حاول التصنع أو التمثيل ، ان يخفي مكنون شخصيته ويسيطر على اندفاعاته وانفعالاته ،لان ما يفكر او يُحسّ به الفرد سينعكس بالضرورة على تصرفاته وسلوكياته ويؤثر فيها بصورة تلقائية ولا ارادية . فمثلا تبرز مشاعر الفرح والسرور باتساع بؤبؤ العين وتسارع نبرة الصوت ، وعلى النقيض من هذه العلامات الجسدية تبدو مشاعر الحزن، واما مشاعر الغضب فتتشكل بعيونٍ واسعة وحواجب مقطبة وفمٍ مفتوحٍ وذراعين مضمومتين بشكل مُحكم. وعند الشعور بالخجل تتحرك العيون في اتجاهات عشوائية؛ لاخفاء حالة الاضطراب والارتباك . 2- تحليل لغة الخطاب واستكشاف مساحة الصدق والكذب فيه، واستظهار حقيقة نوايا الطرف الاخر ومقاصده ، وجدية التزامه، بالاعتماد على تحليل انماط سلوكه غير اللفظي ؛ فعند التحدث بصدق - على سبيل المثال- يتجه البصر إلى اليمين، عند الكذب يتجه البصر إلى اليسار مع فرك الكفين بتوتر بصورة لا إرادية وتحاشي النظر الى الطرف الاول لأن ذلك سيزيده إرتباكاً. ثانيا - التدعيم والتوضيح: يعزز الاتصال غير اللفظي بلغة الجسد، المعاني التي يرسلها الطرف الاول عبر الاتصال اللفظي الى الطرف الاخر؛ فتستخدم حركات الجسد في تبيان وتوضيح، وتكملة المغزى والمقصود من الكلام، او حتى تُعدّيل الرسالة التي يريد الشخص إيصالها او حتى تأكيدها واستبدالها . وكلما زاد اتقان لغة الجسد تنامت قدرتنا على التأثير في الآخرين، واقناعهم بوجهات نظرنا ؛ فتكون لغة الجسد ضمن هذا المسار بمثابة العنصر المساعد والعامل المحفز بين الكلمات من أجل تعزيز المعنى والفروق الدقيقة والتضمينات، لإعطاء مزيٍد من الثقة، والحضور الأقوى، والإقناع، والتأثير، وخلق شعور من الثقة، عبر استخدام نوع النظام التعبيري المُناسب لإيصال فكرة معينة للآخرين. الامر الذي سوف يعطي أفضلية كبيرة وزخما اكبر للطرف الاول حساب الطرف الاخر اثناء الجولة التفاوضية. فمثلاً اذا اراد الطرف الاول إظهار الحزم والعزم والثقة والسيطرة فما عليه - بتعابير لغة الجسد- سوى الجلوس مستقيما مع الحرص على التواصل البصري الثابت برأسٍ ثابتة والتحدّث بصوت منخفض. وعند الرغبة في انهاء الحوار واظهار الملل من الاستمرار فيه فما على الطرف الاول - بتعبيرات الجسد- الا وضع اليد على جانب الوجه أثناء الحديث، والجلوس منحنيا إلى الأمام. ثالثا - توفير البدائل: من الممكن أن يستخدم المفاوض لغة الجسد كبديل للاتصال اللفظي، كأن يستخدم حركات وتعابير الوجه التي تُغني عن الكلام، مثل الإشارة بالموافقة أو الرفض ؛ فابتسامة بسيطة بمقدورها أن توحي للطرف المقابل بالموافقة على طلبه، وكأنها تجسيد لعبارة لك ما تريد. وعند التأكيد يتم استخدم نبرة صوتٍ مختلفة لكلمات مُعيّنةٍ وتكرارها في سياق الحديث للتأكيد على أهميتها، مع الحرص على ثبات الراس والنظر وإظهار مساحة أكبر من الجسد . رابعا- التنظيم والتقييم : تؤدي لغة الجسد وظيفًة مهمة في تحديد مسارات العملية التفاوضية وتعيين محطاتها ومفاصلها الرئيسة والتحكم في تدفق الرسائل بين أطرافها وضبط إيقاع المحادثات بينهم، وتثبيت نقطة انطلاق المحادثات وانهاءها ، وبالمثل قياس مدى نجاح المفاوضات او فشلها في ضوء ما يبديه الطرف الاخر من ايماءات واشارات حسية للإعلان عن موقف ما ، لا يتم التصريح به بلغة منطوقة. أي بعبارة اخرى ان لغة الجسد تتقمص في هذا المحور دور ضابط إيقاع الجولة التفاوضية ومنظم توقيتاتها والفيصل في تقييم مدى نجاح المهمة التفاوضية ؛ فقراءة حركات الراس والعيون – على سبيل المثال كفيلة بإعطاء إشارة الانطلاق الحقيقية والجدية في الجولة التفاوضية وتشخيص الحاجة الى الاستمرار بالكلام، أو المقاطعة، والمطالبة بممارسة حق الرد، وهي ذاتها من تعطي اشارة النهاية للجولة التفاوضية بالنجاح او الفشل . فإن رأيت الشخص مركزاً نظره عليك وقد اتّسع بؤبؤ العين مع تكرار تحريك حواجبه وأبعد رجليه فهذا يعني انه مهتم ومتشوق لما يعرضه الطرف الاول من افكار حريص على استمرار التواصل معه . وسيحصل العكس تماما اذا مل الحوار وفقد الرغبة في استمراره . ومثلما يعني تشبيك اليدين خلف الظهر والنظر للأسفل باتجاه اليسار – بمفردات لغة الجسد – التأمل والتفكير في مقترح ما اثناء الحوار، فإن انحناءة أصابع الشخص الخفيفة، تدُل على أنه يشعر بالارتياح على الأرجح. بالمقابل تشير العيون الخافتة او المغلقة الى عدم الارتياح والإحباط، والتهيّج، ونفاد الصبر، وتدل الأطراف المضمومة على الرفض المقاومة. صفوة القول إن لغة الجسد تستطيع أن تمنح المفاوضين المزيد عما يريدون معرفته او قوله للطرف الاخر، أكثر مما تفعله الكلمات مهما اكتسبت من فنون البلاغة . من هنا تظهر الحاجة الى ابداء المزيد من الاهتمام بدراسة لغة الجسد في المؤسسات التعليمية والسيادية، وتهيئة الخبراء بفنونها ولاسيما في مجال العمل السياسي والدبلوماسي او أي مجال يحتاج التفاوض والتواصل مع الاخرين . مراجع مختارة : - الاء نجار ، انواع لغة الجسد ، مقال منشور على موقع موضوع بتاريخ 14 مارس 2019 على الرابط : https://mawdoo3.com - الكسندر لوون ، لغة الجسد ، مقال منشور على موقع معابر ، بتاريخ 24 شباط 2020 ، على الرابط : http://maaber.50megs.com/issue_september12/alternative_medicine1.htm - جوسلين إيليا ، لغة الجسد ، صحيفة الحياة اللندنية ، العدد 13848 ، 27 اكتوبر 2016 - سهيلة افيدة ، لغة الجسد في السيميائيات المعاصرة :تحليل سيميولوجي للإيماءة في المسرح الجزائري ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية العلوم السياسية والاعلام - جامعة الجزائر ، سنة 2013 . - عقبة الصباغ ، لغة الجسد وأثرها على إنجاز أهداف التفاوض التجاري( دراسة ميدانية )، رسالة ماجستير ، كلية الاقتصاد – جامعة حلب ، سنة 2015 . - محمد مروان ، اهمية لغة الجسد، مقال منشور على موقع موضوع بتاريخ ١٤ سبتمبر ٢٠١٨ ، على الرابط : https://mawdoo3.com - مصطفى العادل ، اهمية لغة الجسد ، مقال منشور على موقع رقيم بتاريخ 4 ديسمبر 2017 على الرابط : https://www.rqiim.com
تقرير : محمد رؤوف - فاضل حمة فعت ترجمة : ك.ق كان من المقرر ان يجتمع مسعود البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مع لاهور شيخ جنكي الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكوردستاني ويجعلا من اجتماعهما هذا بشارة التصالح بين الحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني لنوروز هذا العام، لكن فجأة تدهور الوضع بشكل اسوء من ذي قبل، وبدَّل نوروز من عيد للتصالح الى مناسبة لنشر فضائح جنسية. الرجوع الى نقطة الصفر مبادرة محمود حفيدزادة حفيد الشيخ محمود ملك كوردستان، لإجتماع البارزاني مع لاهور شيخ جنكي، على الرغم من قطعها شوطاً جيداً، إلا انها رجعت في لحظة الى نقطة الصفر وأُلغيَ اللقاء. لايعرف حتى الآن تفاصيل كيفية الغاء اللقاء المنتظر بين البارزاني ولاهور شيخ جنكي، لكن بعض المطلعون عن قرب وحاورهم (الحصاد) يقولون لقد كان لبعض الاشخاص من كلا الطرفين دورٌ لكي لا يتم ذلك اللقاء. بدأت المبادرة اولا من عند البارزاني وأُلغيِ من قبله ايضاً، السبب هو ما يعتقده البعض انه يوجد داخل الحزب الديمقراطي عدد من الأشخاص عملوا على عرقلة اجراء اللقاء دون عِلم البارزاني، وقد ادى البيان المفاجئ لـ(أمينة زكري) مسؤولة ملف الحكومة والبرلمان في مقر البارزاني الى الغاء اللقاء، وكذلك رد سكرتارية المجلس القيادي للاتحاد بنفس اللهجة والعبارات أنهت مبادرة حفيدزادة، لكن الافصاح عن المبادرة والتحدث عنها من قبل محمود حفيدزادة أساء الى المحاولة ونَبَّهَ معارضي ذلك اللقاء من كلا الحزبين. من التصالح إلى فضائح جنسية بعد ساعات من الغاء محاولة اللقاء بين البارزاني ولاهور شيخ جنكي، نشرت هيئة مخابرات الحزب الديمقراطي الكوردستاني عن طريق موقع على شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك مقطعاً فيديو لفضيحة جنسية لمسؤول في الإتحاد الوطني، واليوم رد هيئة مخابرات الإتحاد الوطني بالمثل ونشرت فضيحة جنسية لمسؤول في الحزب الديمقراطي على شبكات التواصل الاجتماعية ، وهكذا بدلاً من ان يسود التصالح في نوروز هذا العام، غطى عليه الفضائح الجنسية. الفضيحة الجنسية .. آخر سلاح في السياسة "لدي أكثر من (٤٠) مقطع فيديو لفضائح رؤساء العرب والمسؤولين المصريين ومسؤولي الدول العربية، وإن لم يمنعوا محاكمة زوجي، سأنشرها كلها"، هكذا وبهذا التهديد حاولت سوزان مبارك عقيلة حسني مبارك الرئيس الاسبق لمصر، في عام ٢٠١١ حماية زوجها، ولم تكن هذه آخر مرة يستخدم فيها الجنس كسلاح للتهديد في المجال السياسي، حيث توجد الآن على رفوف المكتبات العالمية العديد من الكتب التي تحكي حكايات اختلط فيها الجنس بالسياسة، وتمت مؤخراً ترجمة البعض من هذه القصص والحكايات الى اللغة الكوردية. ظاهرة استخدام المقاطع الجنسية كسلاح للتهديد والاسقاط السياسي من قبل البعض للبعض في إقليم كوردستان، ليس امراً جديداً وبلا سوابق. مع التطور السريع لوسائل الاتصالات وتركيب الكاميرا على الهواتف النقالة(موبايل) وكذلك تثبيت الكاميرات في الشوارع والمنازل بهدف الحماية والامن، تطورت ظاهرة نشر المقاطع الجنسية للنساء والرجال، وانخرطت المؤسسات الامنية وتسللت الى داخل هذا المجال وتم تشكيل فرق خاصة لهذا الغرض. توجد حالياً العديد من القضايا امام محاكم إقليم كوردستان، خاصة بهذا النوع من الجرائم، وشرطة أربيل والسليمانية يعلنون بين الحين والآخر القبض على اشخاص هددوا الفتيات والسيدات بمقاطع فيديو مسجلة، قلة من النساء تسجلن الدعاوي لدى المحاكم والشرطة بسبب تهديدات من هذا النوع، لأن القضية الجنس في المجتمع الكوردستاني لازالت ضمن القضايا التي ينظر اليها اجتماعياً مثل "الفضيحة" ويمكن ان يخسر البعض حياتهم بسببها. تتفهم المؤسسات المخابراتية جيداً الوضع الاجتماعي كوردستان فيما يخص الجنس، لذا يقومون باستخدام هذا المجال كسلاح سياسي لضرب بعضهم البعض، واصبحت شبكات التواصل الاجتماعي مجالاً جيداً لنشر هذه الرسائل ودون التعرض الى اية عقوباتٍ قانونية. حرب الفيديو بين المؤسسات المخابراتية للحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني بلغ مستوىً، من يبدي موقفاً مغايراً ومعاكساً للموقف العام لحزبه، يقولون ان لديه "مقطع فيديو" او انه تعرض "للقرصنة الالكترونية"، هذا ليس بالامر الخفي، فنواب الحزبين في البرلمان يستخدمون هذه العبارات ضد بعضهم في الأوقات الحساسة ومرات يستخدمونها فيما بينهم الواحد ضد الآخر، الحضور وعدم الحضور داخل الجلسات البرلمانية الحساسة تم حسمها في الغالب من خلال هذه التهديدات، ما يعني ان الفضيحة الجنسية قد تسللت تماماً الى داخل المجال السياسي في اقليم كوردستان. يتوضح الآن ان لا احد يمكنه ان يسلم في الوقت الحالي، والكل واقعون تحت تهديد الفضيحة الاجتماعية، نشر مقطعين مصوَرَين لمسؤولَين احدهما من الإتحاد الوطني والآخر من الحزب الديمقراطي اظهر مجدداً هذا التشاؤم، فالمؤسسات المخابراتية تستخدم التكنولوجيا المتطورة لضرب البعض، وفي احيان عدة يتم تشويه المقاطع المصورة المسجلة بالفيديو، ويستخدمونها بالشكل الذي يخدم رسالاتهم، بواسطة الخبراء والمحترفين والبرامج الخاصة بالقرصنة الإلكترونية، تقنية التنصت على المكالمات الهاتفية، استخدام بائعات الهوى، زرع الكاميرات والمسجِلات الصوتية، هذه هي المجالات التي يستخدمها مؤسسات الحزب المخابراتية لمراقبة المناوئين والمعارضين الداخليين والخارجيين، هناك اقاويل حول الاستفادة من الخَدَم الاجانب العاملين في المنازل، في هذا المجال. سابقة سيئة المسؤولان الاثنان اللذان نُشرت فضيحتاهما الجنسيتان على شبكات التواصل الاجتماعي في الساعات الماضية لن يكونا آخر شخصين يقعان ضحية هذا الابتزاز او هذه الحرب التقنية-الاجتماعية، ففي العام الماضي تم نشر عدة صور لأحد المسؤولين الكبار والموجود في احد المناصب الرفيعة في في اقليم كوردستان، وفي نهاية نيسان ٢٠١٤ ازاحت النائبة (شادي نوزاد) وبشكل مباشر السِتار على هذا الموضوع الخفي، هذه السيدة التي هي نائبة في الدورة الحالية لبرلمان كوردستان عقدت مؤتمراً صحفياً في حينه وقالت : "اتعرض لتهديد عن طريق رسالة إلكترونية بنشر مقطع فيديو مصطنع(مفبرك)". كانت شادي نوزاد نائبة في كتلة الجيل الجديد، وكانت حراك الجيل الجديد يعاني من مشاكل داخلية وقتئذ، وشادي كانت في الجبهة المعارِضة لرئيس الحراك (شاسوار عبدالواحد)، لذلك اتهمت شادي رئيس الحراك بالوقوف وراء تهديدها بالفضيحة الجنسية، وشادي الآن تُعَرِف نفسها كنائب مستقل وانها استقالت من حراك الجيل الجديد. ليسوا قلائل الذين نُشِر لهم مقاطع فيديو جنسية لو هُددوا بنشر تلك المقاطع بدوافع سياسية لإرضاخهم للامتثال لتنفيذ عمل معين او خطوة سياسية معينة، لم يكونوا بفاعليه سابقاً في الوضع الاعتيادي، امثلة على ذلك : * في إنتخابات برلمان كوردستان لعام ٢٠١٣ تم تهديد احدى مرشحات حركة التغيير بنشر مقطع فيديو مسجل لها. * في خضم الشد والجذب لتعديل قانون رئاسة إقليم كوردستان في عام ٢٠١٥، تم نشر مقطع فيديو لنائب عن حركة التغيير. * في اواخر عام ٢٠١٦ نشرت عدة صور جنسية لنائبة كانت رئيسة كتلة التغيير في البرلمان العراقي حينئذ. * اثناء الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية في ٢٠١٨، تم نشر عدة مقاطع فيديو مسجلة لمرشحة للحزب الديمقراطي الكوردستاني، لاجبارها على الانسحاب من عملية الترشح. وعلى المستوى العراقي ايضاً فقد توسعت هذه الظاهرة مؤخراً، وخصوصاً اثناء اطلاق الحملة الدعائية للانتخابات، من الامثلة على ذلك : * في الحملة الدعائية لإنتخابات ٢٠١٨ للبرلمان العراقي نُشر مقطع فيديو مسجل لمرشحة لائتلاف (النصر) برئاسة حيدر العبادي، واستبعدت تلك المرأة بسبب ذلك المقطع من الانتخابات ومن العملية السياسية ايضاً. * اثناء تشكيل الحكومة العراقية نُشر مقطع فيديو مسجل لسيدة كانت مرشحة لنيل احدى الحقائب الوزارية، وعليه خسرت تلك المرأة فرصة الحصول على ذلك المنصب. الجريمة والعقاب وفقاً لقانون العقوبات العراقي ان القيام بنشر هذا النوع من مقاطع الفيديو (المقاطع واللقطات الجنسية) او التهديد بنشرها، فإن عقوبتها تكون كالآتي : * التهديد بنشر اي موضوع متعلق بالشرف، بحسب المادة (٤٣٠) و(٤٣١) من قانون العقوبات العراقي فإن العقوبة للشخص القائم بمثل هذه الافعال تصل لحد السجن لمدة (٧) سنوات، وفقاً لنوع وكيفية القضية. * تم تحديد نشر اي موضوع متعلق بالشرف في مادة (٤٣٨)، وفي هذه الحالة يتم فرض العقوبة على الشخص القائم بهذه الافعال بالسجن لمدة لا تزيد عن سنة واحدة. ما يعني انه وفقاً للقانون فإن التهديد بنشر أي موضوع متعلق بالشرف عقوبته اشد من نشر الموضوع. يُفلِت اغلب الذين ينشرون مقاطع الفيديو الجنسية لأشخاص آخرين او يستخدمون تلك المقاطع كتهديد على أولئك الاشخاص، من العقاب القانوني، وخصوصاً اذا كانت المؤسسات المخابراتية وراء ذلك الاعمال، لكن النقطة المضيئة داخل هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة، هي ان كلما تعرض شخص لتهديد للنيل من سمعته الاجتماعية، ودون النظر الى التوجه السياسي يهرع الناس مسرعين لتشكيل حملات واسعة لمساندة الشخص المستهدف، ويمكن ان يكمن سر هذه المساندة بتفهم الجميعان ان ظاهرة نشر مقاطع الفيديو المسجلة هي خطر محدق بالمجتمع كافة وليس الأشخاص المستهدفين فقط، لأن في هذه المجتمعات تشكل القضايا الجنسية خطاً احمر ومن المواضيع الموصدة التي لا يمكن التعبير عنها بشكلٍ مباشر. مؤسسة المخابرات في كوردستان بعد مضي ثلاثة عقود على سحب مؤسسات البعث في إقليم كوردستان، لايزال الاقليم في عَوَزٍ لمؤسسة مخابراتية وطنية، وبدلاً من هذا توجد في الإقليم مؤسستين مخابراتيَتَين حزبيَين احداهما تابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني وتسمى (باراستن) والاخرى تابعة للإتحاد الوطني الكوردستاني وتسمى (زانياري). لكن في العام ٢٠١١ تم المصادقة في برلمان كوردستان على قانون بهدف توحيد هاتين المؤسستين في اطار مؤسسة واحدة، وذلك القانون يُدعى قانون رقم (٤) لمجلس امن إقليم كوردستان. باشر هذا المجلس اعماله بصورة رسمية في عام ٢٠١٢، في غضون الاعوام الثمانية من تأسيسه ولحد الآن لم يجتمع هالمجلس بسبب الخلافات الموجودة بين اعضائه ولا يوجد تنسيق كامل بينهم، وفي اغلب الاحيان حين تقع مشكلة امنية في احدى المنطقتين(المنطقة الصفراء والمنطقة الخضراء) فإن المسؤولين الامنيين داخل هذا المجلس يخاطبون بعضهم من خلال بيانات يصدرونها ويردون على بعضهم البعض بنفس الطريقة. لم يكن لدى إقليم كوردستان قانون الموازنة منذ عام ٢٠١٣، لكن وفقاً لآخر مشروع لقانون الموازنة يبلغ عدد منتسبي مجلس امن الاقليم (٦ آلاف و٤٧٦) منتسباً وميزانيته تبلغ (٣٤٤ مليار و٦٣٠ مليون) دينار، وقد خصصت نسبة (٢.٩٪) من ميزانية الاقليم لهذا المجلس في ذلك العام. هذا رغماً عن تحديد عدد منتسبي مؤسسة الآسايش بـ(٣١ الف و٤٢١) فرداً بحسب آخر مشروع لقانون الموازنة، كما تم تخصيص مبلغ (٤٨٧ مليار و٤٤٣ مليون) دينار لهذه المؤسسة ما تبلغ نسبة (٤.٢٪) من مجموع ميزانية الاقليم في ذلك العام. بعد عام ٢٠١٣ والى الآن لا يُعرَف حجم ميزانية هذه المؤسسات ولا تُعرف كيفية صرفها بسبب عدم وجود قانون للموازنة، فضلاً عن هذا يُنظَر الى ميزانية مجلس امن كوردستان وتفاصيل مصاريفها كموضوع للامن القومي و لا يقع تحت مراقبة البرلمان.
الحصاد draw: موازين نيوز تتحرك حكومة اقليم كردستان، نحو انشاء 11 منطقة صناعية ضخمة بالتعاون مع شركات عربية وعالمية، بينما كشفت عن وجود 1600 معمل وشركة تركية في كردستان. وقال المستشار الاقدم في وزارة الصناعة والتجارة في كردستان، ومتحدثها الرسمي فتحي محمد علي المدرس، بحسب الصحيفة الرسمية، إن "هناك 3566 معملا ومصنعا في كردستان تشمل مختلف المواد والقطاعات ويزداد هذا العدد باستمرار بفضل الاستقرار والاستتباب الأمني". واشار الى "وجود 1600 معمل وشركة تركية في كردستان، وهذا امر جيد، فعلى الرغم من الايدي العاملة التركية، إلا ان هناك عمالة محلية، ولكن بنسبة قليلة، يصل تعدادها الى اكثر من ٥١ ألف عامل". وكشف فتحي عن أن "حكومة الاقليم لديها خطط لانشاء 11 منطقة صناعية ضخمة وقد تم تخصيص الاراضي لها وحاليًا في انتظار الشركات المطورة الاجنبية والعربية للتعاون معها لانشائها، ومنها شركات اردنية واماراتية وبريطانية". ولفت فتحي، إلى "وصول الاقليم الى الاكتفاء الذاتي في بعض المصنوعات مثل المواد الانشائية كالأسمنت والحديد المسلح ويتم تجهيز هذه المواد الى بقية المحافظات مع وجود خطة لتصديرها الى دول الجوار، وبالنسبة للصناعات الغذائية تم انشاء العديد من المصانع بكفاءة عالية وباستطاعتها منافسة البضائع الاجنبية المشابهة لها". أما رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان كردستان ريبوار بابكي، فقد اشار الى "وجود بعض المشكلات المصاحبة للصناعة منها عدم توفر الخبرة بالشكل المطلوب وهذا يؤدي الى عرقلة تطوير الصناعات المحلية، ووجود الازمة المالية، وبالتالي عدم تمويل الصناعات المحلية، والافتقار للمواد الاولية لبعض الصناعات مما يجعل الاقليم في حاجة الى استيرادها". واضاف انه "على الرغم من وجود خبرات ايرانية وتركية لكن دورها محدود ولم يؤد الى بناء خبرة محلية كاملة ولهذا يحتاج الاقليم الى المزيد من الوقت لكسب خبرات اجنبية وبناء خبرات محلية للقيام من خلال المهارات بدور ريادي في مجال الصناعة". بدوره، قال خوشوي محمد محمود، رجل اعمال وصاحب معملين صناعيين للبلاستك وزيوت المحركات في اربيل: ان "وزارة الصناعة والتجارة كانت تدعم المشاريع الصناعية، لكنها كانت تفتقر الى الرؤية الصناعية للاقليم في الدعم الذي تحتاج اليه جميع الصناعات، لذلك لم يتطور القطاع الصناعي، ما عدا بعض الصناعات مثل الاسمنت والحديد وهي مشاريع كبيرة حقق فيها الاقليم الاكتفاء الذاتي". واكد ان "الدعم الموجود حاليا من قبل الحكومة لا يصل الى المستوى المطلوب لتطوير الصناعات، بالاضافة إلى وجود بعض المشكلات التي تخص المنافذ الحدودية والاستيراد وعدم وجود قوانين تدعم بقوة عملية المنافسة".انتهى29/أ43
الحصاد draw: صلاح حسن بابان- الجزيرة نت دقائق قلائل كانت كافية لتكتب حياةً جديدة لزانا أحمد على عكس ما حصل مع أبيه وشقيقه الأكبر اللذين دُفنا في حفرةٍ كبيرة تحوّلت لمقبرة جماعية لم يعرف مكانها بعد، وتضم أشلاءً لـ1500 شخص من الشيوخ والنساء والأطفال أسكتتهم صواريخ الأسلحة الكيمائية عند الساعة 11:20 دقيقة من صباح يوم 16 مارس/آذار عام 1988 بمدينة حلبجة في إقليم كردستان العراق. زانا أحمد فقد والده وشقيقه في قصف حلبجة (الجزيرة) ابتسامة الوداع غادر زانا مدينته قبل قصفها برفقة خالته متوجها إلى السليمانية، لكنه لم يعرف بأنّ ابتسامته بوجه أبيه ستكون الأخيرة، ولن تبقى له من أخيه إلا ذكريات اللعب فوق السطح، "سمعنا أنه تم دفن أبي أحمد علي الذي كان عمره 46 عاما وشقيقي الأكبر جواد أحمد الذي كان عمره 16 عاما داخل حفرة كبيرة حفرها أحد الصواريخ الذي سقط بإحدى المناطق مع جثث 1500 شخص من الشيوخ والنساء والأطفال من قبل المسلحين الأكراد، إلا أننا لم نعثر على المقبرة حتى الآن". قتل القصف الكيميائي في الأشهر الأخيرة من الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) أكثر من 5 آلاف شخص من أهالي المدينة، أغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وأصيب 7 آلاف – 10 آلاف آخرين، ومات آلاف من المدنيين في السنة التي تلت القصف نتيجة المضاعفات الصحية وبسبب الأمراض والعيوب الخلقية، وما يزال الكثير من عوائل الضحايا تحاول العثور على جثث أطفالها وشيوخها ورجالها الذين فقدوا أثناء القصف. واعتبر الهجوم الكيميائي بأنّه الأكبر الذي وُجّه ضد سكان مدنيين من عرقٍ واحد حتى اليوم، وهو أمر يتفق مع وصف الإبادة الجماعية في القانون الدولي والتي يجب أن تكون موجهة ضد جماعة أو عرق بعينه بقصد الانتقام أو العقوبة. آلاف الأكراد قتلوا في قصف حلبجة (رويترز) إبادة جماعية حكمت محكمة هولندية في 23 ديسمبر/كانون الأول عام 2005 على فرانس فان رجل الأعمال الذي اشترى المواد الكيميائية من السوق العالمية وقام ببيعها لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالسجن 15 عاما. وقضت المحكمة الهولندية أن صدام ارتكب جريمة الإبادة الجماعية ضد سكان حلبجة، وكانت هذه المرة الأولى التي تصف محكمة هجوم حلبجة كفعل من أفعال الإبادة الجماعية. أما المحكمة العراقية الخاصة فوجهت اتهامات لصدام حسين وابن عمه علي حسن المجيد الذي قاد قوات الجيش العراقي في كردستان في تلك الفترة بتهمة جرائم ضد الإنسانية المتصلة بالأحداث التي وقعت في حلبجة. وقدّم المدعي العام العراقي أكثر من 500 وثيقة من الجرائم خلال نظام صدام حسين أثناء المحاكمة وكان منها مذكرة عام 1987 من المخابرات العسكرية للحصول على إذن من مكتب الرئيس باستخدام غاز الخردل وغاز السارين ضد الأكراد، ووثيقة ثانية ردا على ذلك أن صدام أمر المخابرات العسكرية دراسة إمكانية ضربة مفاجئة باستخدام هذه الأسلحة ضد القوات الإيرانية والكردية، ومذكرة داخلية كتبتها المخابرات العسكرية أنها قد حصلت على موافقة من مكتب رئاسة الجمهورية لضربة باستخدام الذخيرة الخاصة، وشددت على أن لا يتم إطلاقها دون إبلاغ صدام. بعد إدانته بتدبير مجزرة حلبجة، حُكم على علي حسن المجيد بالإعدام شنقا بمحكمة عراقية في يناير/كانون الثاني 2010. وحكم أولاً على المجيد بالإعدام شنقا في عام 2007 لدوره في حملة عسكرية عام 1988 ضد الأكراد، والتي يطلق عليها اسم "عملية الأنفال". وفي عام 2008 أيضا حكم مرتين بالإعدام على جرائمه ضد العراقيين في جنوب العراق، منها انتفاضة عام 1991، ومشاركته في أعمال القتل عام 1999 في منطقة مدينة الثورة (الصدر حاليا) ببغداد. وتم إعدامه يوم 25 يناير/كانون الثاني 2010. اعلان وكان صدام حسين أعدم أواخر عام 2006 بعد إدانته في ما يعرف بمجزرة الدجيل التي قتل فيها 148 شخصا. وانتهت بذلك الملاحقات ضده في ما يعرف بقضية الأنفال حيث كان يحاكم بتهمة الإبادة بحق الأكراد. معاناة عوائل ضحايا قصف حلبجة ما زالت مستمرة (غيتي) غور الجرح وفي كلمة له لإحياء الذكرى الـ33 لقصف حلبجة، دعا رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني الحكومة العراقية إلى تنفيذ واجباتها القانونية والأخلاقية تجاه حلبجة، وضرورة أن يعمل المجتمع الدولي على منع استخدام أسلحة الدمار الشامل. وشبّه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ما حصل مع حلبجة في حديثٍ له بمناسبة ذكرى الهجوم، بـ"غور الجرح وفداحة البغي والظلم". وفي الأشهر الأخيرة للحرب، تمكنت القوات الإيرانية من اقتحام الحدود العراقية والوصول إلى حلبجة، ليوجه نظام صدام حسين اتهامات لسكان المدينة بتسهيل دخول الايرانيين. ولا تزال هذه الاتهامات تشكل جزءًا من جدل مستمر، بشأن حقيقتها فعلاً، وما إذا كان ثبوتها يبرّر للنظام العراقي استخدام السلاح الكيميائي. بسبب هذا الجدل، تعدّدت الروايات حول الجهة المسوؤلة عن القصف، ومن تلك الروايات أن القوات العراقية هي التي نفذت القصف الكيميائي في محاولة منها لاستعادة المدينة بعد دخول القوات الإيرانية إليها، بينما حمّلت رواية أخرى الطرف الإيراني مسؤولية الهجوم بعد اضطراره للانسحاب تحت ضغط القوات العراقية، مستندة في رأيها هذا على بعض الإصابات تعرّض لها جنود عراقيون بالسلاح الكيميائي. ريشاوي: نظام صدام لجأ للسلاح الكيميائي لعدم قدرة الجيش العراقي على إخراج القوات الإيرانية بالطرق التقليدية (الجزيرة) قرارات خاطئة ويؤكد زانا أحمد أن القوات الإيرانية كانت موجودة فعلا أثناء وقوع القصف الكيميائي داخل حلبجة لكنها كانت ترتدي الأقنعة، مؤيدا الرواية التي تحمّل القوات العراقية مسؤولية القصف، لكون أمه كانت شاهدة على الحادثة أثناء وقوعها، وهي من الناجيات التي كتبت لها الحياة عكس زوجها وابنها البكر. ويرى المحلل السياسي عبدالله ريشاوي أن صدام حسين تسرع كثيرا بإصداره قرار القصف بالأسلحة الكيميائية كما عُرف بقراراته العسكرية الخاطئة، لوقوعه تحت الأمر الواقع وقناعته التامّة بعدم قدرة الجيش العراقي آنذاك على إخراج القوات الإيرانية بالطرق التقليدية المتبعة في الحروب في وقتٍ كان الجيش الإيراني أكثر بأضعاف من حيث العدد. وفي رده على سؤالٍ للجزيرة نت في ما إذا كان التوغل الإيراني داخل حلبجة سببا رئيسا في إصدار قرار قصفها بالسلاح الكيميائي من قبل صدام أم لا؟ يؤكد ريشاوي أن وجود القوات الإيرانية داخل المدينة أرعب الجيش العراقي كثيرا بعد انسحابه من المعركة على الحدود، وهذا ما دفع لاستخدام السلاح الكيميائي لإيقاف التمدّد الإيراني وقطع الطريق عنه. ويستغرب ريشاوي من لجوء صدام لهذا الخيار بدلاً من الخيارات العسكرية المفتوحة، مثل طلب المدد العسكري واللوجستي من الدول العربية كما فعلها سابقا. الكناني يؤيد الرواية التي تحمّل صدام حسين مسؤولية القصف الكيميائي على حلبجة (الجزيرة) جدل المسؤولية ويؤيد الخبير العسكري عدنان الكناني الرواية التي تحمّل صدام حسين مسؤولية القصف الكيميائي على حلبجة الذي نفذه ابن عمه علي حسن المجيد، مؤكدا أن الأسلحة الكيميائية كانت تخضع حصرا لأمر صدام نفسه ضمن دائرة تسمى عسكريا بـ"صنف الكيماوي"، معزّزا رأيه باستفسار عن سبب عدم قيام النظام العراقي السابق برفع دعوى قضائية في المحاكم الدولية ضد إيران بتهمة قصف إحدى المدن العراقية بالسلاح الكيميائي لو كانت فعلاً هي التي نفذت الهجوم؟ ويتفق الكناني -الذي كان يحمل رتبة عميد في الحرس الجمهوري بنظام صدام حسين- مع ريشاوي بوصف قرارات صدام بأنها انفعالية وآنية ويشوبها الكثير من علامات الاستفهام والتعجب بل تكون في أحيان كثيرة متسرعة، أبرزها القرار المتعلق بقصف حلبجة بالسلاح الكيميائي. بدوره، يرى المحلل السياسي إدريس مال الله -وهو من الكوادر الإعلامية التي عملت مع حزب البعث المنحل- أن التركيز على نظام صدام واتهامه بضرب مدينة حلبجة تبرره الأهداف الأميركية في مارس/آذار 1988 وترويج المعلومة عبر تقارير للجهات الدولية لتشويه صورة النظام العراقي بسبب نزاعها معه حول حقوق الشعب الكردي وتقرير المصير. ويشير حديث مال الله للجزيرة نت إلى أن المتابع للمعلومات حول قضية حلبجة يُصاب بالدوار بعد كشف الوثائق السرية في أميركا والتي تتناقض والمواقف أو التقارير في حينه حول حلبجة والمجزرة الرهيبة للمدنيين المسالمين، مؤكدا أن الغازات السامة التي استخدمت في الضربة لم تكن لدى العراق القدرة على تصنيعها أو امتلاكها.
الحصاد draw: صلاح حسن بابان- الجزيرة نت على عكس ما اعتاد أن يراه شعبه الذي حكمه لأكثر من 35 عاما، ظهر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بلحية متوسطة الكثافة، مُرتديا بزّة داكنة وقميصا أبيض في أوّل جلسة استجواب له بقضية مجزرة الدجيل (40 كيلومترا شمالي بغداد) في مثل هذه الأيام عام 2004، بعد أشهر من اعتقاله على إثر الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. ودافع المحامي العراقي خليل عبود صالح الدليمي عن صدام الذي اتهم بالمسؤولية عن مقتل عشرات المدنيين في المنطقة المذكورة في 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 1982، على خلفية هجوم تعرض له موكب الرئيس الراحل. وقتل في المجزرة 143 شخصا من سكان البلدة ودمرت ممتلكات عديدة، بينما حكم على الناجين بالنفي في الداخل مدة 4 أعوام. صدام حسين أثناء المثول أمام القاضي رائد جوحي (وكالا أوّل محقّق عُين القاضي الشاب رائد جوحي عام 2004 رئيسا للفريق الذي حقق مع صدام حسين بعد اعتقاله في 13 ديسمبر/كانون الأول عام 2003، حيث تولى مهمة رئاسة قضاة التحقيق في محكمة الجنايات العراقية العليا التي ضمّت 24 قاضيا و16 مدعيا عامّا وعددا كبيرا من المحقّقين والخبراء، حيث حُكم عليه بالإعدام الذي نفذ فيه نهاية عام 2006. وما أثار الانتباه في جلسة الاستجواب، هو تولّي جوحي التحقيق مع صدام وهو المولود في عام 1971 ويحمل شهادة بكالوريوس قانون من جامعة بغداد عام 1993 وخريج المعهد القضائي في بغداد أيضا عام 2002، كما يحمل شهادة الماجستير في القانون الدولي من الولايات المتحدة عام 2010. وفي مقابلة صحفية سابقة له، ذكر جوحي الذي تولى لاحقا عدّة مهام رسميّة من بينها قاضي المحكمة الجنائية العراقية العليا، وآخرها مدير لمكتب رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، أن مهمته التي تولاها عام 2004 للتحقيق مع صدام حسين كانت تهدف في البداية إلى إقناعه بأنه مُتهم ولم يعد رئيسًا، موضحا أن القاضي مدحت المحمود كان مشرفا على الجسم القضائي آنذاك وبعد بضعة أيام من الغزو عاد القضاة إلى عملهم، في وقت كان العراق رسميا وقانونيا بحسب القانون الدولي تحت الاحتلال الدولي الأميركي البريطاني. ووفقا لاتفاقية جنيف الدولية وقراري مجلس الأمن 1483 و1511 كانت الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولتين عن إدارة العراق كدولتين محتلتين، فكلفتا مدحت المحمود للإشراف على الجسم القضائي العراقي وتم تعيينه في هذا المنصب. وحقق جوحي مع صدام لمدة عامين، حيث شكل فريق التحقيق وكان رئيسا لقضاة التحقيق مع فريق ضم أكثر من 60 محقّقا و100 موظّف وخبراء لوجستيين وخبراء وثائق، وكانت هناك مكاتب في مختلف المحافظات وبهذا الفريق تمت إدارة التحقيق مع صدام حسين ورفاقه. جوحي حقق مع صدام لمدة عامين وفتحت المحاكمة أبواب الشهرة له (غيتي) شهرة جوحي شخصيا، فتح الظهور المُسيطر عليه لجوحي أثناء التحقيق مع صدام أبواب الشهرة له، ومكّنته من تكوين صورة قاضٍ لا يَهاب الشخصية الشرسة المتكوّنة عن صدام حسين، إلا أن الاستجواب لم يخل -حسب مراقبين- من التأثيرات والضغوطات السياسية بالإضافة إلى الثأر والانتقام من صدام ورموز نظامه. وسبق جوحي في استجواب صدام، جون نيكسون وهو أحد كبار محللي شخصيات القيادات في وكالة الاستخبارات الأميركية، وكان قد عمل على شخصية الرئيس الراحل وتحليلها وكتابة تقارير عنها للإدارة الأميركية، وهو أوّل من عمل في مكتب العراق الذي أنشئ في عام 1997 حسب نيكسون نفسه، وحينما تم القبض على صدام كان نيكسون أول شخص يتعرف عليه من علامات مهمة للتعرف عليه، أبرزها أثر الطلقة التي في رجله أثناء محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي الراحل عبدالكريم قاسم نهاية خمسينيات القرن الماضي، والعلامة الثانية هي التاتو على إحدى يديه وهي العلامة التي تضعها عشيرة البوناصر التي ينتمي إليها صدام حسين، وآخر علامة هي شفته السفلى نتيجة إدمانه على تدخين السيجار. في الفصل الخامس من كتابه "استجواب الرئيس" الصادر عن 2017 والذي يضم العديد من أسرار التحقيق مع صدام حسين يتحدث نيكسون عن بدايات حديثه معه حول التاريخ العراقي وعلاقته بالأحداث التي ضربت العراق منذ محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم وعلاقته بمجلس الثورة العراقي. كما يتطرّق نيكسون لعددٍ من الأحداث العراقية بما فيها أسلحة الدمار الشامل والحرب العراقية الإيرانية. كما يذكر في هذا الشأن كيف كان يتم تعذيب صدام نفسيا بمنعه من النوم عبر تعريض زنزانته لأصوات عالية. وعن تجربة استجوابه لصدام كثيرًا ما كان الناس يسألونه، كيف وجدت صداما؟ أو هل كان مجنوناً؟ فيجيب نيكسون، "خلال الفترة التي تحدثت فيها مع صدام حسين وجدته بكامل قواه العقلية". الحياني اعتبر أن محاكمة صدام سياسية بامتياز (الجزيرة) ثأر وانتقام ويرى المحلل السياسي والأكاديمي العراقي محمد الحياني أن تعيين قاضٍ شاب مثل جوحي للتحقيق مع صدام حسين خارج كل الضوابط والسياقات حتى الأخلاقية منها مستغرب جدا، مشيرا إلى أن المعروف أن القضاة لا يتسنّمون هكذا مناصب إلا بعد تجاوزهم سنّ الأربعين عاما حتى يتجرّدوا من الغرائز الشهوانية أو تبدأ بالتلاشي ليكونوا أكثر دقّة في العدالة. وتظهر عملية الثأر والانتقام بشكل واضح وصريح في محاكمة صدام حسين وأسلوب التحقيق معه ليس في قضية الدجيل فحسب، وإنما في جميع الملفات الأخرى، وهذا ما جعلها سياسية بامتياز، إلا أن كل ذلك لم يؤثر على رمزية صدام، كما تظهر الفيديوهات المنشورة -حسب الحياني- أثناء محاكمته وهي تحظى بنسب مشاهدات عالية حتى الآن لإعجاب الناس بصلابته حتى أثناء رفعه إلى حبل المشنقة، وهو لا يُبالي، بل صدم الكل بتحدثه مع القضاة، وطريقة الرد عليهم خلال جلسات محاكمته. هذا الاستجواب، وما تبعه من جلسات المحاكمة لم تكُ إلا محاولات للنيل من شخصية وشجاعة صدام إلا أنه ظهر متماسكا بتجاهله كل القضاة والمحقّقين، لأن محاكمته كانت سياسية بحتة، هكذا يرد الحياني على سؤالٍ للجزيرة نت في ما إذا كانت التأثيرات السياسية لعبت دورا محوريا في تغيير مسار محاكمة صدام أو لا؟ حداد أكد خلو القضاء العراقي من أي تأثيرات سياسية أثناء التحقيق مع صدام (الجزيرة) الانتحار إلا أن القاضي منير حداد يُخالف الحياني في رأيه ويؤكد خلو القضاء العراقي من أي تأثيرات سياسية أثناء التحقيق مع صدام ومحاكمته وإصدار حكم الإعدام عليه بقضية الدجيل، ليُسجل لنفسه بهذه الاستقلالية حدثا تأريخيا، لكنه لا ينفي أن شخصية صدام لم تكُ طبيعية وسهلة والكثير من القضاة رفضوا الانضمام لهذه المحكمة، ويتذكر كيف سافر أحد القضاة إلى السعودية للحج وآخر إلى إقليم كردستان، واصفا الأمر بالانتحار وأشبه ما يكون بالجنون. ويرى حداد -وهو أوّل قاضٍ التقى الرئيس العراقي الراحل بعد اعتقاله- أن جوحي حقّق مع صدام حسين كقاض تحقيق وليس كقاض جنائي، ولم يكن لديه أي دوافع سياسية أثناء سير التحقيق مع صدام وتعيينه لهذه المهام جاء وفقا للشروط القانونية، وهو يُمارس مهنة القضاة منذ زمن نظام صدام حسين. حرب رأى أن الأدوار السياسية والضغط الأجنبي والداخلي أثّرت كثيرا في الوصول إلى حكم إعدام صدام (الجزيرة) سيناريوهات متكرّرة وعادةً ما يكون الدور السياسي متغلّبا على الدور القانوني والقضائي والتشريعي والدستوري أثناء المحاكمة أو التحقيق مع رؤوساء الدول والشخصيات السياسية الكبيرة، لذلك نجد أنّ الأثر السياسي مؤثر في ذلك جدا، وهذه الظاهرة ليست بجديدة أو غريبة -حسب الخبير القانوني طارق حرب- وكثيرون من الرؤوساء والأنظمة السياسية في الدول الأخرى واجهوا مصير صدام حسين نفسه. وكل نظامٍ جديد يكيلُ للذي قبله ما شاء من التهم والأعمال التي يعتبرها جرائم، إلا أن الأدوار السياسية والضغط الأجنبي والداخلي أثّرت كثيرا في الوصول إلى حكم الإعدام بحقّ صدام بقضية الدجيل وغيرها، كما يقول حرب للجزيرة نت ويؤكد أن المسألة معروفة لكنها من الناحية الواقعية شيء ومن الناحية القانونية شيء آخر. يشار إلى أن المحكمة الجنائية العليا في العراق أصدرت أحكاما بالإعدام شنقا على صدام واثنين من المسؤولين السابقين بعد إدانتهم في مقتل 143 شيعيا في بلدة الدجيل شمال بغداد في مطلع الثمانينيات. وحكمت بالإعدام أيضا على برزان إبراهيم التكريتي الأخ غير الشقيق للرئيس الراحل وعواد أحمد البندر الذي ترأس محكمة الثورة في أحداث الدجيل. وحكم على نائب الرئيس الراحل طه ياسين رمضان بالسجن مدى الحياة مع أن المدعي جعفر موسوي كان طلب الإعدام له. كما حكمت المحكمة بالسجن 15 عاما على 3 من المسؤولين السابقين الذين يحاكمون في هذه القضية وهم عبدالله كاظم الرويد وابنه مزهر عبدالله الرويد وعلي دايح علي، لكنها برأت محمد عزاوي بناء على طلب المدعي.
جيمس ستافريديس ربما تكون الحيرة التي تعتريك بشأن ما يجري مع العناصر الأرضية النادرة من الأمور المفهومة بصورة ما. لكن من جهة أخرى، تشير التقارير الإخبارية الواردة إلى أنَّ الصين قد تزيد من حصص إنتاج هذه المعادن خلال الربع الفصلي الجاري كبادرة من حسن النوايا إزاء الإدارة الأميركية الجديدة. غير أن هناك مصادر أخرى تفيد بأنَّ الحكومة الصينية قد تعتزم في نهاية الأمر فرض حظر التصدير على العناصر الأرضية النادرة بصفة كلية لاعتبارات ومخاوف «أمنية»، فما الذي يجري هنا في الحقيقة؟ تحتوي الطبيعة على 17 عنصراً نادراً، هي: لانثانوم، سيريوم، براسيوديميوم، نيوديميوم، بروميثيوم، سماريوم، يوروبيوم، جادولينيوم، تيربيوم، ديسبروسيوم، هولميوم، إربيوم، ثوليوم، إيتربيوم، لوتيتيوم، سكانديوم، وإيتريوم. وفي حين أن الكثير من هذه المعادن ليس نادراً في واقع الأمر من زاوية الرواسب العالمية، إلا أنَّ استخراجها عملية صعبة وباهظة التكاليف. وتستخدم تلك المعادن في الصناعات عالية التقنية، بما في ذلك الهواتف الذكية، والطائرات المقاتلة، والمكونات الداخلة في كافة الأجهزة الإلكترونية المتقدمة تقريباً. ومن الجدير بالذكر بصفة خاصة، أن تلك المعادن ضرورية للغاية في العديد من تقانات الطاقة النظيفة المتوقع ظهورها في المجال العام خلال العقد الحالي. بدأتُ الاهتمام بالعناصر الأرضية النادرة عندما كنت قائداً لقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، والمعروفة إعلامياً باسم قوات المساعدة الأمنية الدولية (إيساف). وفي حين أنَّ الشعب الأفغاني يعيش في بلاد وظروف معيشية فقيرة للغاية، إلا أنَّ الدراسات قدرت أنَّ أفغانستان تستقر على مجموعة متنوعة من المعادن تتراوح قيمتها بين تريليون إلى 3 تريليونات دولار أميركي، بما في العناصر الأرضية النادرة. وتشير بعض التقديرات إلى أن مستويات العناصر الأرضية النادرة وحدها تقدر بنحو 1.4 مليون طن متري. ولكن، في كل مرة أحاول زيارة منشأة من منشآت التعدين في أفغانستان يأتيني الرد من فريق الأمن الخاص بي بأنه من الخطير للغاية الإقدام على هذه الزيارة. ومما يؤسف له، ورغم الجهود الهائلة التي تبذلها الولايات المتحدة رفقة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، فإنَّ التحديات الأمنية لا تزال قائمة، الأمر الذي يعيق تدفق استثمارات رأس المال الأجنبي الكبيرة اللازمة لتحقيق الأرباح وجني الثروات. وهذا يرجع بنا مرة أخرى إلى الصين. تسيطر الصين على ما يقرب من 80 في المائة من سوق العناصر الأرضية النادرة، ما بين ما تعمل على استخراجه بنفسها، أو العمليات الجارية على المواد الخام من أماكن أخرى حول العالم. وإذا ما قررت الحكومة الصينية الاستعانة بسلاح تقييد الإمدادات من هذه العناصر – الأمر الذي هدَّدت به بكين مراراً وتكراراً من قبل – فمن شأن ذلك أن يخلق تحديات هائلة أمام المصنعين، فضلاً عن المأزق الجيوسياسي أمام العالم الصناعي. وقد يحدث ذلك بالفعل. ففي عام 2010 هدَّدت الحكومة الصينية بقطع الصادرات إلى اليابان بشأن جزر «سينكاكو» المتنازع عليها بينهما. وقبل عامين، أفادت التقارير الواردة باعتزام الحكومة الصينية النظر في فرض قيود على الصادرات إلى الولايات المتحدة بصورة عامة، وأيضاً ضد عدد من الشركات الأميركية المعينة - مثل شركة الصناعات الدفاعية الأميركية العملاقة لوكهيد مارتن - والتي تعتبرها الصين تمثل انتهاكاً لسياساتها ضد مبيعات الأسلحة المتقدمة إلى تايوان. وكانت إدارة الرئيس السابق ترمب قد أصدرت أمراً تنفيذياً بشأن تحفيز إنتاج العناصر الأرضية النادرة في البلاد، كما أنشأت «مبادرة حوكمة موارد الطاقة» بهدف تعزيز عمليات التعدين الدولية. ويبذل الاتحاد الأوروبي رفقة اليابان، من بين بلدان أخرى، الجهود الحثيثة سعياً وراء العثور على مصادر جديدة للعناصر الأرضية النادرة. ومع اعتبار التوترات الراهنة، كان من المفاجئ بالنسبة لنا أن تعلن الصين عن زيادة حصص التعدين خلال الربع الفصلي الأول من العام الجاري بنسبة تبلغ 30 في المائة، الأمر الذي يعكس استمرار الطلب القوي والمرتفع على تلك العناصر. غير أن تلك الزيادة التعدينية المعلن عنها تقع في خضم حالة من عدم اليقين الظاهرة، إذ يعمل الحزب الشيوعي الصيني الحاكم على «مراجعة» سياساته ذات الصلة بالمبيعات المستقبلية للعناصر الأرضية النادرة. ومن كافة الزوايا، فإنَّ تكتيكات الزيادة التعدينية تعتبر مؤقتة، حيث تتناسب مع مجريات استراتيجية أوسع نطاقاً. من شأن الحكومة الصينية أن تبذل الجهود الكبيرة بغية إحكام السيطرة الكاملة على إمدادات موارد العناصر الأرضية النادرة على الصعيد العالمي. الأمر الذي يتفق تماماً مع المنهج الجغرافي الاقتصادي في مبادرة «حزام واحد وطريق واحد» الصينية، والتي تحاول الاستعانة بمجموعة متنوعة من الجزر والعصي - الاقتصادية، والتجارية، والدبلوماسية، والأمنية - في إنشاء مناطق النفوذ الجديدة على مستوى العالم. ومن زاوية العناصر الأرضية النادرة ذاتها، يبدو أنَّ الاستراتيجية الصينية تسمح بالوصول المحكم والمدروس بعناية إلى تلك العناصر، بدرجة تجعلها أقل جاذبية من الناحية الاقتصادية لدى المنافسين الساعين إلى الشروع في عمليات الاستكشاف والتعدين باهظة التكاليف. ويتماثل هذا الأمر مع استراتيجية أسواق النفط التي استخدمتها روسيا ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خلال العقود الماضية. يعتقد بعض دعاة وأنصار السوق الحرة أنَّ الحكومة الصينية لن تتخذ الإجراءات الصارمة الخانقة للعرض، نظراً لأنَّ ذلك يعجل بالانتقام من جهات معنية أخرى أو يؤدي إلى الإسراع في البحث عن مصادر بديلة في الأسواق العالمية. غير أن الأمر المرجح عندي هو إجراء سلسلة من عمليات الإغلاق الموجهة ضد جهات وكيانات معينة، على غرار شركات الصناعات الدفاعية الأميركية، أو شركات صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية في اليابان، أو استهداف الشواغل الصناعية الأوروبية التي أغضبت الصين. الطريق إلى استقلال العناصر الأرضية النادرة بالنسبة للولايات المتحدة ينبغي أن يشتمل على ما يلي: ضمان سلاسل التوريد للعناصر الأرضية النادرة واللازمة لأغراض الأمن القومي، وتعزيز جهود استغلال تلك العناصر محلياً (مع إزالة العوائق الحائلة من دون تنفيذ ذلك بصورة مسؤولة)، تفويض مقاولي الدفاع وغيرهم من الجهات الأخرى المعنية بمشاريع البنية التحتية الحيوية للاعتماد على الذات والاستغناء عن العناصر الأرضية الصينية النادرة، ورعاية جهود البحث والتطوير للعثور على مواد بديلة، لا سيما لصالح تقنيات الطاقة النظيفة، وإنشاء مخزون كبير من هذه العناصر في حالة وقوع المقاطعة الصينية المحتملة. هذا من أجندات الأعمال المهمة لدى الحزبين الكبيرين. كما أنَّ التقييم الاستراتيجي الذي أجرته إدارة الرئيس السابق ترمب لما ينبغي اتخاذه من إجراءات (والذي يتجاوز العناصر الـ17 سالفة الذكر، ويشتمل على إجمالي 35 عنصراً من المعادن المهمة والحيوية) هو تقييم مهم ومدروس بعناية، وينبغي أن يشكل الأساس الذي تبني عليه إدارة الرئيس بايدن رفقة الكونغرس الأميركي. ومن شأن استراتيجية العناصر الأرضية الأميركية النادرة أن تشكل جزءاً واحداً فقط من الحسابات المعقدة لدى الإدارة الأميركية الحالية حال صياغتها لاستراتيجية شاملة معنية بالتعامل مع الصين. وربما يكون تأمين السلام الشامل والدائم في أفغانستان جزءاً من الحل، رغم أن آفاق المستقبل المنظور لا تعد بالكثير. * أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
الحصاد draw: الحرة - واشنطن يعود سبب الخلاف بين إيران وتركيا في العراق لاعتبارات "توازن القوى" وسعي البلدين إلى "نفوذ أكبر" في المنطقة، بالتوازي مع "سباق اقتصادي محتدم"، وفق تحليل نشرته مجلة "ناشيونال إنترست". ويقول التحليل إن طهران تشعر بالقلق بشكل خاص من أن أنقرة التي قد تستخدم حملتها المناهضة للأكراد لتأسيس وجود عسكري طويل الأمد في سنجار، كما فعلت سابقا في شمال سوريا ومحافظة دهوك العراقية. وبالنظر إلى أن العراق وسوريا، المكونان الرئيسيان "لعمقها الاستراتيجي" فإن إيران لديها "مقاربة صفرية لهذه الدول"، وهذا يعني أن طهران غير راغبة في الأساس في مشاركة مجال نفوذها الاستراتيجي المتصور مع الخصوم. سباق اقتصادي إلى ذلك، تعتبر تركيا أيضا، المنافس الاقتصادي الرئيسي لإيران في السوق العراقية، وفق التحليل. ففي عام 2019، صدّرت تركيا ما قيمته 10.2 مليار دولار من البضائع إلى العراق، متجاوزة بشكل طفيف صادرات إيران البالغة 9.6 مليار دولار خلال نفس الفترة، وفق المجلة نفسها. كما استثمرت الشركات التركية حوالي 25 مليار دولار في 900 مشروع إنشائي وبنية تحتية - بما في ذلك الطاقة والمياه والصناعات البتروكيماوية - في مدن عراقية مختلفة. نقطة عسكرية على الحدود بين تركيا والعراق وهناك أيضا منافسة متزايدة بين طهران وأنقرة في إنتاج الكهرباء في العراق، والتي كانت تهيمن عليها الشركات الإيرانية في السابق. إلى جانب ذلك، تعتبر تركيا موقعها الجغرافي عند مفترق طرق أوروبا الشرقية وغرب آسيا ميزة جغرافية اقتصادية فريدة، وتسعى بشكل متزايد إلى احتكار طرق العبور في المناطق المجاورة. وعلى الرغم من أن القوتين الإقليميتين غير العربيتين حاولتا تاريخيا تحديد مصالحهما ومناطق نفوذهما في العالم العربي بطريقة تتجنب الاحتكاك والتنافس المباشر، لكن في أعقاب تصاعد المشاعر المعادية لإيران في العراق واغتيال جنرال الحرس الثوري، قاسم سليماني، ربما يكون القادة الأتراك قد خلصوا إلى أن الوقت قد حان لدحر النفوذ الإيراني في العراق واستعادة ما يعتبرونه دورا تاريخيا لتركيا في هذا البلد، وفق التحليل. مواجهة عسكرية؟ مع أن تركيا لا تسعى إلى مواجهة مع إيران في العراق، إلا أنها تتطلع إلى تعزيز نفوذها الاستراتيجي على جيرانها الجنوبيين على المدى الطويل، وفق التحليل. لكن مسار التنافس الحالي، ينطوي على مخاطر حدوث صدام غير مرغوب فيه، لأن المقاربات الإيرانية والتركية الصارمة تجاه مناطق نفوذهما الفعلية أو المتصورة، يمكن أن تؤدي بسهولة إلى التصعيد، إذا قرر أحد الطرفين تحدي مصالح الطرف الآخر. هددت حركتا عصائب أهل الحق والنجباء القوات التركية في شمال العراق في حالة "غزو سنجار" توتر سابق وفي فبراير 2020، كانت إيران وتركيا على وشك مواجهة مباشرة في إدلب، بعد انتشار الميليشيات المدعومة من إيران لأول مرة في محافظة شمال غرب سوريا للمشاركة في القتال ضد المتمردين المدعومين من تركيا. "وإذا أدت حملة تركية محتملة في سنجار إلى مواجهة بين تركيا وجماعات الحشد الشعبي العراقية المدعومة من إيران، فمن الصعب الافتراض أن إيران ستجلس مكتوفة الأيدي، وتدع الأتراك يمضون قدما كما يريدون" يقول التحليل. وعلى الرغم من أن طهران تشارك أنقرة مخاوفها بشأن التمرد الكردي في شمال العراق، إلا أن مخاوفها بشأن التداعيات طويلة المدى لحملة عسكرية تركية ممتدة قد وضعت الجانبين في خلاف بشأن الوضع في سنجار. وفي أعقاب تهديد أردوغان بغزو سنجار، نشرت قوات الحشد الشعبي العراقية القريبة من النظام الإيراني آلاف الجنود في ثلاثة ألوية في سنجار لمواجهة ما يرون أنه نية أنقرة لاحتلال أجزاء من بلادهم. واعتبرت وسائل إعلام تركية هذه الخطوة تدخلا من قوات الحشد الشعبي لإنقاذ حزب العمال الكردستاني، ومؤشرا على دعم إيران للمسلحين الأكراد. وفي 10 فبراير، نفذت أنقرة عملية عسكرية في جبال غارا بمحافظة دهوك العراقية لإطلاق سراح عدد من الرهائن الأتراك المحتجزين لدى حزب العمال الكردستاني. لقاءات دبلوماسية بين إيران وتركيا بالكاد تخفي صراعهما في العراق وبعد فشل العملية، ومقتل ثلاثة عشر رهينة، هدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن تركيا ستوسع حملتها ضد حزب العمال الكردستاني إلى سنجار ، وهي منطقة استراتيجية تقع على حدود العراق مع سوريا. يأتي ذلك التوتر رغم أن طهران وأنقرة شنتا، في يونيو 2020، ضربات جوية ومدفعية متزامنة ضد المتمردين الأكراد في شمال العراق، مما أثار تكهنات بأنها عمليات منسقة بين الطرفين. فما الذي تغير في أقل من عام؟ في الآونة الأخير بات لدى القادة الإيرانيين انطباع بأن نفوذهم في العراق آخذ في الانحسار، وأن الجو المعادي لإيران يسيطر على الدولة. وكانت الاحتجاجات الشعبية الواسعة النطاق في العراق في أواخر عام 2019 ضد الدور الإيراني أول علامة رئيسية على هذا التدهور، بينما وجه اغتيال سليماني أشد ضربة لنفوذ طهران في العراق. في مايو 2020، تم استبدال رئيس الوزراء المدعوم من إيران، عادل عبد المهدي، بمصطفى الكاظمي، وهو أكثر استقلالية يحاول الحفاظ على علاقة متوازنة مع إيران وجيران العراق الآخرين، بما في ذلك السعودية، ودول شبه الجزيرة العربية وتركيا. تراشق كلامي وقبل أسابيع ، انتقد السفير الإيراني لدى العراق، إيراج مسجدي، في 27 فبراير، التدخل العسكري التركي في العراق، داعيا أنقرة إلى سحب قواتها من هناك. وقال مسجدي في مقابلة مع قناة "روداو الكردية" إن إيران "لا تقبل التدخل في العراق عسكريا، سواء كانت تركيا أو أي دولة أخرى". ورد المبعوث التركي إلى العراق، فاتح يلدز، على تويتر، قائلا إن نظيره الإيراني "سيكون آخر شخص يلقي محاضرة على تركيا بشأن احترام حدود العراق". وفي أعقاب هذا الخلاف، استدعت طهران وأنقرة السفراء للتعبير رسميا عن غضبهما. في المقابل، طالب رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، باحترام سيادة بلاده، وعدم التدخل في شؤونه، في إشارة واضحة إلى التراشق الإعلامي بين السفيرين الإيراني والتركي لدى بغداد. وكتب الحلبوسي على تويتر: "ممثلو البعثات الدبلوماسية في العراق واجبهم تمثيل بلدانهم وتعزيز التعاون بين البلدين، فعلى بعض ممثلي تلك البعثات أن يعي جيدا واجباته، ولا يتدخل فيما لا يعنيه، ويحترم سيادة العراق لكي يُعامل بالمثل.
الحصاد draw: همبرفان كوسه- صحافي كردي سوري لا يمكن أن توجد دولتان اسماهما كردستان وتركيا، فإمّا أن تكون هناك كردستان، وبالتالي تصبح تركيا كياناً بلا مقومات، أو أن تكون هناك تركيا، وبالتالي تعيش وتتأسّس من مقوّمات كردستان. أعلنت وزارة الخارجيّة التركيّة، اعتراض تركيا على نيّة حكومة إقليم كردستان العراق، إصدار طوابع تذكاريّة لزيارة البابا الإقليم، تحمل خارطة كردستان الكبرى، التي تجد تركيا أنّها تشمل محافظات تركيّة. وطالبت الخارجيّة التركيّة، حكومة إقليم كردستان العراق، بتصحيح ما وصفته بـ”الخطأ الجسيم” بأسرع وقت ممكن. والحال أنّ الاعتراض التركيّ على خارطة كردستان الكبرى ليس حدثاً طارئاً، فسبق أن اعترضت تركيا على وجود خارطة كردستان ضمن خرائط “غوغل”، واعترضت على تدريس اليابان اللغة الكرديّة في جامعاتها، وندّدت بوجود درس عن الكرد في المنهاج التعليمي الفرنسيّ، ولاحقت كلّ ما يتعلّق بالكرد حول العالم. تبنّى الكيان التركيّ الحديث، منهج الاستيلاء على كلّ ما يملكه الشعب الكرديّ، وتحويله إلى الشعب التركيّ. وفي مطلق الأحوال، الخوف التركي ليس من صورة لخارطة كردستان وضعت على طوابع في إقليم كردستان العراق، فالخرائط موجودة، والوثائق المتعلّقة بالكرد موجودة، والجزء الأكبر منها محفوظ في سجلّات الوثائق العثمانيّة في اسطنبول، وإنّما الخوف هو من وجود الكرد ومن بقاء القوميّة الكرديّة ومن الحفاظ على اللغة الكرديّة ومن إحياء الفولكلور والتراث الشعبي الكرديّ، ومن المرويات والحكايات الكرديّة القديمة، لأن بقاء هذه الثقافة، يعني أن القوميّة التركيّة الّتي بنيت من خلال سلب القوميّة الكرديّة ونهبها، تعيش خطر الزّوال، وإن كان هذا الخطر غير ممكن، لا في الوقت الحالي، ولا في المستقبل. حتّى الآن، على رغم مرور قرون من الزمن، لم يتخلّص مؤسّسو “الأمّة التركيّة” من فكرة أنّها دخيلة على ثقافة المنطقة وتاريخها، وجاءت إليها على شكل قبائل متناثرة من شرق آسيا، وسكنت الخيم في كردستان والأناضول، ومنحها القدر فرصة أن تتحوّل إلى أمّة حاكمة بعدما استولت على أراضٍ وثقافة وهوية وتاريخ الكرد والعرب والسريان الآشوريين وغيرهم. هذا الخوف، خوف عدم امتلاك اللغة والأرض والتاريخ، يقود تركيا، بشكل مستمر، إلى طمس كلّ ما يتعلّق بالكرد، ومنعه، واعتبار ثقافة الشّعوب وتاريخها، ملكاً لها. تبنّى الكيان التركيّ الحديث، منهج الاستيلاء على كلّ ما يملكه الشعب الكرديّ، وتحويله إلى الشعب التركيّ؛ فبعد سقوط الدولة العثمانيّة، لم تعد تركيا تسيطر سوى على كردستان، ولم يملك الشعب التّركي مقوّمات الأمة التي سعى إلى ترسيخها مصطفى كمال أتاتورك، وبالتالي، كانت الإجراءات الكماليّة القمعيّة والدكتاتوريّة تجاه الكرد، جزءاً من سياسة بناء الأمّة التركيّة. حتّى اليوم، تعيش تركيا على موت كردستان. تعيش الثقافة التركيّة على موت الثقافة الكرديّة، لا يمكن فصل هذين الأمرين عن بعضهما، لأن جزءاً من الكيان التركي الحديث مبني على كردستان. خلال ذلك، استولت تركيا على الأراضي الكرديّة، وحاربت اللغة الكرديّة ومنعتها، واعتبرت غالبيّة مفرداتها مفردات تركيّة، واعتبرت القضيّة الكرديّة مجرد نزاعات عشائرية، وسرقت الموسيقى الكرديّة والأغاني والثقافة واعتبرتها جزءاً من الهوية التركيّة، وعمِلت على صهر الكرد في “الأمة التركيّة”. وحتّى اليوم، تعيش تركيا على موت كردستان. تعيش الثقافة التركيّة على موت الثقافة الكرديّة، لا يمكن فصل هذين الأمرين عن بعضهما، لأن جزءاً من الكيان التركي الحديث مبني على كردستان، ولأن غالبيّة الثقافة التركيّة الحاليّة هي ثقافة كرديّة؛ من اللغة إلى الموسيقى والأغاني والفولكلور إلى الحِكَم والأمثال الشّعبيّة، وحتّى القصص والأساطير. من المنهجيات الّتي اتبعتها السلطات التركيّة في محاولاتها المستمرة لصهر الكرد، كان ترجمة الروايات والكتب الّتي تتحدّث عن الكرد وكردستان، وتحويلها أثناء الترجمة إلى الترك وتركيا، فالكرد ضمن مفهوم الأمّة التركية، أتراك نسوا هويتهم القومية في الجبال. خلاصة القول؛ لا يمكن أن توجد دولتان اسماهما كردستان وتركيا، فإمّا أن تكون هناك كردستان، وبالتالي تصبح تركيا كياناً بلا مقومات، أو أن تكون هناك تركيا، وبالتالي تعيش وتتأسّس من مقوّمات كردستان. لأنّ اللغة والثّقافة والفولكلور وكلّ ما يتعلّق بهويّة الأمّة هي ذات مصدر واحد، وتعلم تركيا هذا جيداً، لذلك محاربة صوت يغنّي بالكردية في جنوب أفريقيا، سيكون جزءاً من الأمن القوميّ التركيّ.
الحصاد draw: قالت لجنة حماية الصحافيين إن أحكام السجن الصادرة بحق صحفيين في إقليم كردستان العراق بتهم "مناهضة الدولة" تعد تراجعا جديدا في مستوى حرية الصحافة في الإقليم. وأضافت اللجنة في بيان، نشر على موقعها الرسمي، أن سجن الصحفيين جاء بناء على "أدلة واهية"، مشيرة إلى أن ممثلي الجماعات الحقوقية والصحفيين ونائب كردي حضر جلسة المحاكمة أكدوا جميعهم أن المدعين العامين فشلوا في تقديم دليل مقنع على ادعاءاتهم، مما شكك في عدالة الجلسة. ومن بين الأسماء التي أوردها بيان لجنة حماية الصحفيين، أمين شيرواني وغودار زيباري، وأشار إلى أن خمسة مراقبين لمحاكمة الصحفيين أبلغوا لجنة حماية الصحفيين أن القضية المرفوعة ضدهما بنيت على أدلة واهية وظرفية. ووفقا للبيان فإن شيرواني الصحفي المستقل وزيباري الذي يعمل مراسلا لموقع "ولات نيوز" الكردي، معروفان محليا بتغطيتهما لقضايا الفساد في إقليم كردستان وتغطية الضربات الجوية التي تشنها تركيا في المنطقة. وكانت محكمة في إقليم كردستان العراق قضت الشهر الماضي بحبس خمسة صحفيين ونشطاء لمدة ست سنوات بتهمة "محاولة زعزعة أمن واستقرار الإقليم"وفق ما أعلنه محاميهم. ولطالما اعتُبر إقليم كردستان العراق ملاذا آمنا للصحفيين والنشطاء الذين يتعرضون في أنحاء أخرى من العراق للتهديد وسوء المعاملة. وفي ديسمبر اتهمت منظمات حقوقية محلية ودولية حكومة الإقليم بأنها "تستهدف نشطاء المجتمع المدني من خلال توقيفهم بسبب أنشطتهم وتقوض الحريات العامة، بما في ذلك حرية الصحافة وحرية التجّع السلمي"، وهو ما تنفيه السلطات. وفي مؤتمر صحفي عقده مطلع الشهر الماضي، اتهم رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني الصحفيين والنشطاء الذين أوقفوا في العام 2020 بأنهم "جواسيس". لجنة حماية الصحفيين "مؤسسة دولية غير ربحية تدافع عن حرية الصحافة حول العالم".
الحصاد/ الحرّة قال موقع "أويل برايس" إن العراق بدأ يفقد حصته في أسواق النفط الأوروبية نتيجة الاعتماد بشكل متزايد على المشترين الآسيويين، وخاصة الصين والهند. وذكر الموقع أن متوسط حصة البلدان الآسيوية من الصادرات العراقية ارتفع بشكل مطرد خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث بلغت حصتها نحو 80 في المئة من صادرات العراق عبر حقوله الجنوبية في عام 2020. وقارن الموقع بين هذه النسبة وما تم تصديره خلال الفترة الفائتة، والتي تضمنت 60 في المئة في 2017، و65 في المئة عام 2018، و71 في المئة خلال عام 2019. وكشف التقرير أن الصين والهند استحوذتا على نحو ثلثي صادرات العراق اليومية من النفط، بمتوسط مليوني برميل يوميا (1.05 مليون للصين، و0.9 مليون للهند). وأعلنت وزارة النفط العراقية أن صادرات البلاد من الخام ارتفعت إلى 2.96 مليون برميل يوميا في فبراير، من 2.868 مليون برميل يوميا في الشهر السابق. وأضافت الوزارة أن الصادرات، من مرافئ البصرة في جنوب العراق، بلغت 2.825 مليون برميل يوميا في فبراير، ارتفاعا من 2.77 مليون برميل يوميا في يناير. ويعتمد العراق، ثاني أكبر منتج في أوبك، على صادرات النفط في تحصيل جميع إيرادات الدولة تقريبا. وتضرر بشدة من نزول أسعار الخام في العام الماضي وواجه صعوبة في دفع أجور العاملين بالقطاع العام. وزادت إيرادات العراق النفطية في فبراير إلى خمسة مليارات دولار عند متوسط سعر 60.33 دولار للبرميل، مقارنة بمتوسط سعر 53.294 دولار في يناير.
الحصاد draw: معهد واشنطن - بلال وهاب نظرًا إلى الدوامة المستمرة من الأزمات، نادرًا نحن العراقيون ما ننظر إلى الوراء، ولكن ما لم يستقوا بشكل جماعي العبر من الماضي ويقرروا تجنّب تكرار أخطائهم، فهم سيواصلون الرد على هذه الجرائم بالمثل كما حصل في الماضي. تحمل زيارة البابا فرنسيس إلى العراق هذا الأسبوع رسالة سلام وأخوّة إنسانية، وهذا خبر جيد عن العراق، وويعلم الله كم ان العراق بحاجة الى خبر جيد. الزيارة تاريخية بالمقاييس كافة – فهي الزيارة الأولى التي يقوم بها بابا إلى العراق. والجديد في هذا أيضًا هو زيارة البابا إلى النجف، أو مدينة الفاتيكان الشيعية، ولقاؤه هناك بآية الله علي السيستاني. وبفضل هذه الزيارة، سيتعلم الكثيرون من خارج العراق أن هذا البلد يضم مدينة أور التي وُلد فيها النبي إبراهيم. والأهم، أن البابا سيضمد جراح المجتمع المسيحي في العراق. وعلى نحو مماثل، كان استقبال العراق للبابا حارًا وموحدًا. ومع ذلك، أتمنى أن تكون زيارة البابا وقمة النجف التي عقدها أكثر من مجرد رواية جيدة. فرغم أن العزاء والمسامحة وحدهما لن يكفيا لإنهاء دوامة العنف التي تشهدها الأقليات في العراق والتي غالبًا ما ترتكب باسم الإسلام، إلا أنهما ضروريتان. فزيارة البابا قد تكون بمثابة دعوة للعراق لكي يستفيق وينظر إلى الندبات التي خلفتها دوامة العنف الديني التي اجتاحته، ويتوقف لبرهة من أجل التفكير مليًا في كيفية الحؤول دون استمرار هذه الدوامة. نحن العراقيين عانينا ما عانيناه، سواء من جراء عنف الدولة المنظَّم على يد نظام صدام حسين الذي أباد الأكراد، أو فوضى الحرب الأهلية الطائفية التي اندلعت في خلال السنوات التي تلت الإطاحة به أو إرهاب تنظيم "داعش" الوحشي. وبينما تزامنت المنافسة السياسية المفاجئة مع سقوط دولة العراق، سيطرت الهوية الدينية والطائفية على السلطة والسياسة. وفي خلال هذه الفترة، كانت هوية الفرد الدينية تقرر مصيره بالحياة أو الموت أكثر من أي وقت مضى. وبين عاميْ 2005 و2007، كان الانتماء إلى الطائفة الشيعية بحد ذاته جريمة كافية للتعرض للقتل على يد تنظيم "القاعدة" في العراق. وقتلت الميليشيات الشيعية بدورها، التي لا يزال الكثير منها يتجول بلا رادع، رجال سنّة وفجرت قراهم وأحياءهم. وقُسّمت بغداد تقريبًا إلى مناطق طائفية منفصلة. وكان المجتمعان المسيحي والأيزيدي من بين أوائل ضحايا "داعش". فإلى جانب الكثير من المساجد والأضرحة الإسلامية، دمّر التنظيم الكنائس ومعابد الأيزيديين. وتراجعت أعداد المسيحيين في العراق من 1.5 مليون إلى ما يقدر بربع أو سدس مليون. كذلك، عانى الأيزيديون من التشرد والاستعباد. وكما فعل الغزاة المغول حين دخلوا إلى بلاد ما بين النهرين قبل مئات السنين، لم يترك "داعش" خلفه سوى الدمار والمعاناة. وهذه كلها جراح عميقة لا تزال تنزف في المجتمع العراقي التعددي، غير أن الحكومة تعاملت مع الوضع عن طريق دفع تعويضات للضحايا ومحاولة طي الصفحة والمضي قدمًا. ولكن الجدير بالذكر أنه في ظل هذه البيئة، كانت المعاناة التي شهدها المسيحيون والأيزيديون وغيرهما من مجتمعات الأقليات في ما بعد هائلة وإنما غير مفاجئة. واليوم، لم تعد خلافة "داعش" قائمة، كما أصبح من معيب الخطاب الطائفي الصريح. ولكن في ظل غياب الحسابات الجدية وتحسين التعليم وفرض قوانين أشد صرامةً تعزز التسامح وتحظر خطاب الكراهية، من المستبعد أن تتوقف دوامة العنف الديني في العراق. وهذا لا يعني أنه لم يتمّ إحراز بعض التقدم. فغالبًا ما تصف الحكومتان العراقية والكردية أفعال صدام و"داعش" على أنها جرائم ضدّ الإنسانية وتعلنان عن دعمهما وتعاطفهما مع ضحاياها. وكان البرلمان الاتحادي العراقي وبرلمان إقليم كردستان سنّا تشريعات هامة يعترف بهؤلاء الضحايا – كان أحدثها قانون الناجيات الأيزيديات الذي سُنَّ في خلال هذا الأسبوع في بغداد والذي يصف المعاناة التي تعرضت لها الأيزيديات ونساء من الأقليات الأخرى على يد "داعش" بالإبادة. وإلى جانب الإقرار الرسمي بمعاناة الضحايا، يقدّم القانون – شأنه شأن قوانين أخرى تغطي معاناة ضحايا صدام أو الإرهاب – التعويضات. ولكن هذا القانون هو في الوقت عينه الاستثناء وليس القاعدة. فجزء كبير من الاستجابة للعنف الطائفي لا يغطيه تشريع إنما أوامر تنفيذية أو قرارات برلمانية ضعيفة. كما أنه ما من جهود مبذولة لمعالجة الأسباب الجذرية للعنف الديني وكيفية تطبيق هذه الجهود لوضع حدّ لهذه الدوامة. ونظرًا إلى الدوامة المستمرة من الأزمات، نادرًا نحن العراقيون ما ننظر إلى الوراء، ولكن ما لم يستقوا بشكل جماعي العبر من الماضي ويقرروا تجنّب تكرار أخطائهم، فهم سيواصلون الرد على هذه الجرائم بالمثل كما حصل في الماضي. فالعراقيون بحاجة إلى القيام بالمزيد إذا ما أرادوا أن تكون إبادة الأيزيديين وتشريد المسيحيين آخر فصول العنف والتعصّب الديني في العراق. وما تحتاج إليه البلاد هو حوار جدي بين القادة السياسيين والدينيين والمثقفين حول فصول العنف المتكررة المنفذة باسم الدين. كما يحتاج العراق إلى قوانين أكثر صرامةً تحمي حقوق الأقليات. علاوةً على ذلك، لا بدّ من إدراج قيم التنوع والتسامح في خطب الجمعة والنقاشات الدائرة في الصفوف التعليمية. وقد تعود ربما الخطيئة الأصلية للتعصب الديني والعنف في العراق الحديث إلى نزع الملكية من يهود البلاد وطردهم منها. وعلى نحو مماثل، تمثّل الردّ بعد هذا الفصل المظلم بالنسيان والمضي قدمًا بدلًا من البحث عن الذات والتعلّم من الدروس. مع ذلك، كانت جدتي تتحدث عن جيرانها اليهود؛ وكانت مصطلحاتها وأمثالها مليئة بالأسماء والنوادر وأيضًا بالأنماط اليهودية. لقد ترعرعت في عراق ذي أحياء يهودية أُفرغت من سكانها، ولكن كان لدي الكثير من الأصدقاء وزملاء الدراسة المسيحيين. واستنادًا إلى تقديراتي المحزنة، لو كان إرث "داعش" قد نجح في طرد المسيحيين كافة من العراق، لترعرع أولادي في عراق من دون زملاء دراسة من المسيحيين أو الأيزيديين أو الشبك كما ترعرعت أنا من دون زملاء من اليهود. صحيح أنه ليس لدي إحصاءات لإثبات ذلك، لكن كلي ثقة بأن جيل أجدادي عاش حياة أغنى وأكثر تسامحًا مني. ويشير جعل هذه الدورة تكرر نفسها إلى آفاق قاتمة للمستقبل، إن صحّ تقديري. بعدها، يُطرح سؤال الإيمان بحدّ ذاته في العراق. فلم يسئ أحد إلى ديني، وهو الإسلام، أكثر ممن يقتلون ويسرقون باسمه، سواء "داعش" أو الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقد صدم ازدياد أعداد الملحدين في العراق البعض. أما أنا، فما يصدمني هو أن المساجد لا تزال مليئة بالمؤمنين – هذا أشبه بمعجزة نظرًا إلى التمثيل السياسي والعسكري للإسلام. فصحيح أن الكثير من قادة الميليشيات وكبار السياسيين يرتدون العمامة، ولكنهم لا يستقون الكثير من التسامح أو الرحمة من الدين، ويضم العراق عددًا قياسيًا من الأحزاب الإسلامية التي تدير حكومة تعاني من أعلى مستويات الفساد والاختلال الوظيفي في العالم. وليس لدى هذه الأحزاب الكثير لتقدمه من خلال الاستجابات النابعة عن الدين للشباب العراقي الذي يطالب بالسلام والازدهار وسيادة القانون. ويمكن للدين المخطوف أن يكون مبعث قلق مشتركًا بين البابا والسستاني. فهما الحاميان الإسميان لدينهما. ورغم التناقض الصارخ بين آية الله السيستاني والنموذج الإيراني الذي يشغل فيه الإمام منصب رئيس الدولة، إلا أن مناصريه في السياسة والجماعات المسلحة عرفوا كيف يتعاملون مع الإسلام الشيعة. ويضع آية الله السيستاني، من خلال اجتماعه بالبابا، معيارًا إيجابيًا للتسامح لخلفه. فضلًا عن ذلك، يستمد الرجلان قوتهما وشرعيتهما من أتباعهما وليس من الدولة. وبخلاف إيران أو فعليًا معظم الدول السنية، إن آية الله السيستاني ليس موظف دولة ولا يخضع للدولة وينتظر الكثيرون إدانته القوية لحالة عدم الاستقرار الذي تسببه الميليشيات التي أساءت استخدام اسمه. ومع ذلك، تحمل قمة المنارة والجرس في النجف ثقلًا دينيًا كبيرًا في العراق وخارجه، التي تلت خطوة المهمة عندما زار البابا الإمارات والتقى بعلماء بالأزهار الشريف. وبين إيران و"داعش"، يمكن لاسم الإسلام وصورة الإسلام بحاجة بعض من التحسين. ولا بدّ من إدانة العنف المرتكب باسم الله بشكل قاطع. فوضع اسم الله على راية لا يعفي أي ميليشيا أو حزب من العقاب. ونستذكر مشهدًا من الموصل ما بعد "داعش" حين أعاد جنود مسلمون في زيهم الرسمي بخشوع صليبًا إلى إحدى الكنائس. في الموازاة، وتمامًا كالمجتمع المسيحي، يُعتبر ترحيب المجتمع الإسلامي في العراق بالبابا وبلقاء النجف خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.