زيارة أمريكية مرتقبة وظهور سافايا بالبنتاغون.. رسائل ثقيلة لـ"مرحلة مختلفة بالكامل" في العراق
2025-11-21 08:02:23
عربيةDraw:
تستعد بغداد خلال الأيام المقبلة لاستقبال وفد أمريكي رفيع، في توقيت يوحي بأن واشنطن قررت الانتقال من مرحلة المتابعة الهادئة إلى مرحلة التدخل الموجَّه، بالتزامن مع إعادة رسم خارطة السلطة بعد الانتخابات. وتأتي الزيارة فيما لم تخمد بعد موجة الجدل التي أثارها الظهور المفاجئ للمبعوث الأمريكي الخاص مارك سافايا من داخل وزارة الحرب الأمريكية، بعد أقل من أربع ساعات على إعلان الإطار التنسيقي نفسه “الكتلة الأكبر”، في خطوة اعتُبرت أقرب إلى رسالة سياسية مباشرة منها إلى اجتماع اعتيادي.
مصادر سياسية أكدت، أن الوفد الأمريكي لا يأتي بروتوكولاً، بل يحمل موقفاً واضحاً يتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة. فواشنطن تريد حكومة مستقرة وقادرة على العمل، ولا تعكس نفوذاً موازياً للدولة. وترى الإدارة الأمريكية أن دعمها السياسي والاقتصادي مرتبط بقدرة بغداد على إنتاج معادلة حكم تمنع الجماعات المسلحة من التأثير على القرار التنفيذي، وتضمن بقاء أدوات القوة بيد مؤسسات الدولة فقط.
في خلفية هذه الرسائل تظهر قضية السلاح غير المنضبط التي تمثل محوراً أساسياً في التحرك الأمريكي. واشنطن ترى أن الحكومة المقبلة ستكون أمام اختبار مباشر يتعلق بموقع الفصائل داخل العملية السياسية، وطبيعة مشاركتها في الحكم، وحدود نفوذها الأمني. وتعتقد مصادر دبلوماسية أن الولايات المتحدة تريد التزامات واضحة قبل الاعتراف الكامل بالحكومة الجديدة، وأنها قد تذهب إلى مستويات ضغط أعلى إذا شعرت أن المعادلة السياسية تسير باتجاه حكومة “فصائلية” بثقل مؤثر داخل البرلمان.
الأبعاد الاقتصادية حاضرة بالقدر نفسه، وربما أكثر مما يبدو على السطح. فالإدارة الأمريكية تستعد لإعادة تحريك ملفات كبرى مثل الاستثمار في مطار بغداد الدولي، الذي يعود اليوم إلى الواجهة بصفته مشروعاً استراتيجياً لا يقل أهمية عن ملفات النفط والطاقة. وهناك حديث داخل الدوائر الأمريكية عن رغبة في تطوير المطار عبر شراكات تشغيلية واستثمارية تمنحه بنية تشغيلية متقدمة، وتربطه بشبكة أوسع من النقل الجوي التجاري. كما يجري الدفع باتجاه توسيع الاستثمار الأمريكي في حقول النفط والغاز، وتطوير قطاعات الطاقة والنقل والموانئ، باعتبارها مفاتيح الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد داخل العراق.
ظهور سافايا داخل البنتاغون أعطى لهذه الملفات بعداً إضافياً. فالخبير في العلاقات الدولية حسين الأسعد يرى، أن وضع الملف العراقي على طاولة وزير الحرب، بدلاً من الخارجية، يعكس انتقال العراق من إطار النقاش الدبلوماسي إلى إطار الأمن القومي الأمريكي المباشر. ويفسر الأسعد هذا التحول بأنه نتيجة قلق متصاعد في واشنطن من مستقبل القوات الأجنبية، وحركة الفصائل المسلحة، والتهديدات المرتبطة بالصراع الإقليمي، إضافة إلى طبيعة الحكومة المقبلة وما يمكن أن ينتج عنها من تغيير في ميزان القوى.
ويشير الأسعد إلى أن سافايا، بخلفيته الاقتصادية، يمثل جسراً بين الجانب الأمني والجانب الاستثماري، ما يجعل حضوره في وزارة الحرب علامة على أن واشنطن باتت تتعامل مع الملف العراقي باعتباره ملفاً مركباً يجمع الأمن والسياسة والاقتصاد في سلة واحدة. ومن هذا المنطلق، فإن تطلّع الولايات المتحدة إلى إعادة هندسة حضورها الاقتصادي في العراق لم يعد منفصلاً عن رؤيتها الأمنية، بل صار مكملاً لها.
أما عن التوقيت، فمصادر دبلوماسية تؤكد أن نشر صور الاجتماع بعد ساعات فقط من إعلان الإطار التنسيقي “الكتلة الأكبر” لم يكن خطوة عفوية. فقد أرادت واشنطن، بحسب هذه المصادر، أن تبعث بإشارة واضحة للقوى السياسية مفادها أن تشكيل الحكومة المقبلة سيكون تحت مراقبة مباشرة، وأن الولايات المتحدة لن تتعامل بمرونة مع أي صيغة سياسية تُضعف الدولة أو تفتح المجال أمام نفوذ غير منضبط.
يرى مراقبون، أن العراق يجد نفسه أمام لحظة حساسة ذات أبعاد متعددة. القوى السياسية تسير باتجاه تشكيل حكومة تبدو حتى الآن مائلة نحو ثقل الفصائل المسلحة. واشنطن تكثف رسائلها عبر الزيارة المرتقبة ومن خلال تحركات سافايا. الملفات الاقتصادية تعود بقوة إلى الواجهة، من المطار إلى الحقول النفطية إلى مشاريع الطاقة. والبيئة الإقليمية تضغط بقوة على شكل السياسات المقبلة داخل بغداد.
وما بين هذه الدوائر المتداخلة، تبدو المرحلة المقبلة محكومة بمعادلة دقيقة: لا استقرار حكومياً دون تهدئة الملف الأمني، ولا دعم دولياً دون رؤية اقتصادية واضحة، ولا توازن داخلياً دون إعادة تعريف حدود النفوذ السياسي والعسكري. وفي قلب هذه المعادلة، تقف الولايات المتحدة على مقربة غير مسبوقة من مسار تشكيل الحكومة، في لحظة تُرسم فيها الملامح الأولى للسنوات القادمة.
المصدر: موقع "بغداد اليوم"