عربيةDraw:
واجه زواج المصلحة القائم بين العائلات السياسية الحاكمة في كردستان العراق صعوبات تؤذن بانهياره.وفي حين يدور خلاف منذ فترة طويلة بين عشيرتي بارزاني وطالباني المهيمنتين بشأن السلطة والموارد في منطقة غنية بالنفط والغاز، حرصت حكومات تقاسم السلطة إلى حد كبير على إخفاء انعدام الثقة بين الجانبين منذ أن خاضا حربا أهلية في التسعينات من القرن الماضي.
ويقول دبلوماسيون ومحللون إن حدة التوتر طفت على السطح مع ظهور رغبة في الثأر منذ وقوع عملية اغتيال بمدينة أربيل في حدث نادر، مضيفين أن تداعيات تلك العملية تضع التحالف غير المستقر في واحد من أقسى اختباراته منذ الحرب.
وفي السابع من أكتوبر، وبعد وقت قصير من انطلاق ضابط الاستخبارات المنشق هاوكار عبدالله رسول في سيارة رياضية متعددة الأغراض من منزله بشارع محاط بالأشجار في أربيل، انفجرت قنبلة في سيارته مما أدى إلى مقتله وإصابة أربعة من أفراد أسرته.
وقالت ثلاثة مصادرأمنية ومصدر كردي إن رسول انتقل إلى أربيل هذا العام وغير ولاءه بعد نحو عقدين من انضمامه إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو حزب تهيمن عليه عائلة طالباني. وقالت المصادر إن رسول (41 عاما) عند مقتله كان يساعد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تتزعمه عائلة بارزاني والذي كان يتجسس عليه لسنوات.
وسجلت الكاميرات الأمنية عملية الاغتيال الجريئة ونشر الحزب الديمقراطي الكردستاني مقطعا مصورا مدته 27 دقيقة حول مقتل رسول، مشيرا بأصابع الاتهام إلى الاتحاد الوطني الكردستاني.
ونفى الاتحاد الوطني الكردستاني بشدة هذه الاتهامات قائلا إنها ذات دوافع سياسية، إلا أن مقتل رسول بدأ سلسلة من الحوادث أضفت توترا على عملية تقاسم السلطة.
وتدهورت العلاقات السياسية بين الطرفين إلى درجة أن وزراء الاتحاد الوطني الكردستاني قاطعوا اجتماعات حكومة إقليم كردستان، التي لطالما كانت رمزا للتقاسم السلمي للسلطة.
ويقول بعض مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني في جلسات خاصة إن الحزب قد ينفصل في نهاية المطاف ويشكل إدارته الخاصة به في معقله بمدينة السليمانية ما لم يتم التوصل إلى حل وسط بخصوص بعض القضايا.
وتؤدي الخصومة بين الطرفين أيضا إلى تعقيد مشروع توسعة أحد أكبر حقول الغاز في العراق، والذي يقع في أراضي الاتحاد الوطني الكردستاني مما يضر بآمال الإقليم في بدء التصدير إلى أوروبا وجني إيرادات تشتد الحاجة إليها.
وتمثل الخلافات مصدر قلق للدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة التي قدمت الدعم لكلا الفصيلين وكان أحدث مظاهره في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتشعر واشنطن بالقلق من انتشار نفوذ إيران التي تربطها علاقات طويلة الأمد بالاتحاد الوطني الكردستاني والتي كثفت في الأسابيع الماضية من هجماتها الصاروخية على المعارضين الأكراد الإيرانيين في شمال العراق.
وبعد مقتل رسول، وجه مجلس الأمن الإقليمي الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني أصابع الاتهام إلى جهة أمنية تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني. واحتجز المجلس ستة رجال وصفهم بأنهم عملاء متورطون في الحادث وأصدر أوامر اعتقال بحق أربعة مسؤولين أمنيين كبار آخرين من الاتحاد الوطني الكردستاني، وذلك بحسب بيان للمجلس بعد أسبوع من الهجوم.
وقال مسؤول بارز في الاتحاد الوطني الكردستاني إن مسؤولي الاتحاد تواصلوا مع الحكومة بعد وقت قصير من عملية الاغتيال لتقديم يد العون في التحقيقات، لكنهم لم يتلقوا ردا، ولم يتمكنوا من الاطلاع على نتائج التحقيقات.
وتزايدت بالفعل حالة عدم الثقة المستمرة منذ فترة بين الطرفين في هذا العام جراء موجة من الانشقاقات داخل الأجهزة الأمنية التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني.
وقال المسؤول البارز بالاتحاد الوطني الكردستاني إن ثمانية انشقوا داخل الأجهزة الأمنية، مضيفا أن الاتحاد يعتقد أن رئيس استخباراته السابق سلمان أمين، الذي انشق في وقت سابق من هذا العام، كان يشجع الأفراد على تغيير ولاءاتهم.
وأضاف المسؤول أن أمين كان سببا آخر للخلاف حيث منحه رئيس الوزراء الكردي مسرور بارزاني دورا أمنيا كبيرا بعد انتقاله إلى أربيل، مما زاد من غضب الاتحاد الوطني الكردستاني.
وبينما يستبعد المحللون العودة إلى حرب أهلية شاملة بين الطرفين فإن مواجهة متوترة بين أفراد أمن مسلحين في أربيل الشهر الماضي أبرزت خطر التصعيد.
وقال أربعة من أعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني ومسؤول كردي إن قوات الاتحاد داهمت منزل أمين في السليمانية في 24 أكتوبر مع تدهور العلاقات بين الطرفين. وقالت ثلاثة من المصادر إن الاتحاد الوطني الكردستاني كان يبحث عن أسلحة ووثائق حساسة أخذها أمين من مكتب استخبارات الاتحاد.
كما قال المسؤول البارز، بالإضافة إلى مصادر أخرى من داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، إن نحو 100 من رجال الأمن بقيادة أمين اقتربوا في اليوم التالي من منزل نائب رئيس الوزراء قوباد طالباني في أربيل وهددوا بمداهمته ردا على مداهمة منزل أمين.
وقالت ثلاثة من المصادر إن الرئيس الكردي نيجيرفان بارزاني اضطر إلى التدخل لنزع فتيل الأزمة. وقال المسؤول البارز “كان من الممكن بسهولة أن يسوء الأمر”.
وفي التاسع من نوفمبر توجه زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني إلى أربيل برفقة قوباد والعشرات من رجال الأمن وأحد الرجال المطلوبين في عملية مقتل رسول، في خطوة وصفها مصدر كردي بـ”الاستفزاز المتعمد”. وقال المصدر إن هذه المجموعة لم تتمكن من مغادرة المطار حتى تدخّل الرئيس مرة أخرى.
والمخاطر كبيرة بالنسبة إلى الأكراد الذين كانوا الرابح الأكبر من سقوط الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حيث تمكنوا من تعزيز حكمهم الذاتي وجذبوا الاستثمار الأجنبي في قطاع النفط والغاز وحصلوا على جزء من السلطة في بغداد حيث يجب أن يكون الرئيس كرديا.
كن الإقليم، على الرغم من ثرواته النفطية، لا يزال يعاني من ارتفاع معدلات البطالة ونقص مزمن في الخدمات العامة، مما يدفع الكثيرين إلى محاولة الهجرة إلى أوروبا. وسلطت الهجمات التي تشنها تركيا وإيران على المسلحين الأكراد هناك الضوء على السيطرة المحدودة لأكراد العراق على حدود إقليمهم.
ويقول محللون إن التنافس يضعف أيضا نفوذ الأكراد داخل المركز الاتحادي العراقي في بغداد، مما يُعقّد الخلافات حول ملكية أصول النفط والغاز ومخصصات الموازنة الاتحادية.
وقال شيفان فاضل من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن الخلاف “يؤثر على السلام الاجتماعي والاستقرار… كما يؤثر على الوضع الاقتصادي بوجه عام من حيث ثقة قطاع الأعمال والسوق”.
وقال فاضل “يتعلق الخلاف أكثر بالفرص المهدرة وكيف أن هذه التوترات تصرف انتباه حكومة إقليم كردستان عن معالجة قضايا الحوكمة وتلبية احتياجات سكانها، مما يؤدي إلى تعمّق المظالم”.
وعلى خلفية الصراع السياسي الحالي في أوساط الشيعة العراقيين، تزيد الحكومة الهشة في الشمال الأمر سوءا في بلد لا يزال يعاني من عدم الاستقرار بعد عقدين من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.
وتراقب بغداد الأحداث في كردستان عن كثب. وقال مصدر بأمن الدولة العراقي إن الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني يقودهما صقور وأن صراعهما على السلطة بلغ “مرحلة حرجة للغاية”.
وتوترت العلاقات بين الجانبين في الماضي، ولاسيما في عام 2017 عندما أجرى الأكراد استفتاء أسفر عن تأييد ساحق للاستقلال عن بغداد لكنه جاء بنتائج عكسية حيث استولت القوات العراقية على مساحات من الأراضي الكردية.
وتبادل الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني اللوم، وخصوصا بشأن خسارة مدينة كركوك التي تضم أحد أقدم وأكبر حقول النفط في العراق.
وفي العام الحالي دخل الجانبان في خلاف حول من ينبغي أن يتقلد منصب رئيس العراق. وفي النهاية، ذهب المنصب الاتحادي إلى عبداللطيف رشيد المدعوم من الحزب الديمقراطي الكردستاني في أكتوبر بدلا من مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح.
وقال محلل شؤون العراق مايك فليت إن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يعد يشعر بالحاجة إلى الالتزام باتفاقيات تقاسم السلطة السابقة.
وقال “هذان الحزبان لا يستطيعان التعاون معا. لم يعد لهما رأي ولا صوت يذكر لأنه لم يعد لهما صوت موحد في بغداد”.
وأضاف “يقع الكثير من تداعيات ذلك على الأشخاص الذين يعتمدون على النظام الحالي للحصول على رواتبهم، بيد أن الرواتب لا تدفع، لذا فإن الحياة أصبحت أكثر صعوبة، خاصة في السليمانية” في إشارة إلى معقل الاتحاد الوطني الكردستاني.
ويقول محللون إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يسعى لتأكيد وجوده في الوقت الذي ضعف فيه الاتحاد الوطني الكردستاني بفعل نزاع على القيادة وضغوط مالية وتأخر دفع الرواتب.
ولطالما اشتكى الاتحاد الوطني الكردستاني من أن الإدارة الإقليمية في أربيل لا توزع الإيرادات بالتساوي، متهما الحزب الديمقراطي الكردستاني بتفضيل المناطق التابعة له.
وقال أحد مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني “لماذا يتعين علينا أن نقبل بذلك؟ لدينا قائمة بالمطالب، وما زالت آمل ألاّ نصل إلى الانفصال، لكن لن يكون لدينا خيار آخر إذا لم ينفذوها”.
المصدر: صحيفة العرب اللندنية
Read more