عربية: Draw
عاود الوفد الكردي المفاوض عن إقليم كردستان العراق، زياراته إلى العاصمة العراقية بغداد، منذ بداية الشهر الحالي، لمحاولة إيجاد حلول لملفات شائكة بين الطرفين يمتد عُمر بعضها إلى ما يزيد عن 17 عاماً.
أبرز تلك الملفات يتمثل في إدارة ما تعرف بـ"المناطق المتنازع عليها"، وأهمها كركوك، إلى جانب ملف النفط والغاز، ورواتب موظفي الإقليم وإدارة المطارات والمنافذ البرية مع دول الجوار، التي تعتبرها بغداد ملفاً سيادياً من تخصصها وفقاً للدستور.
ويأمل الإقليم الذي يواجه مشاكل أمنية معقدة على حدوده مع إيران وتركيا، وأزمة اقتصادية خانقة نتيجة تعثر دفع رواتب موظفي ومتقاعدي الإقليم البالغ عددهم نحو مليون شخص، أن تسهم مفاوضاته مع بغداد في تخفيف الضغط الداخلي، ومنها على الأقل ضمان وصول مستحقات موظفيه وعناصر البشمركة، بالتزامن مع بدء التحضير لمناقشة بنود الموازنة المالية للعام 2023 المقبل.
ويأتي ذلك في وقت يعيش فيه الإقليم أزمة سياسية داخلية بين الحزب الحاكم (الديمقراطي الكردستاني)، والاتحاد الوطني الكردستاني النافذ في مدينة السليمانية، وسط تهديد الأخير بسحب مسؤوليه من حكومة الإقليم.
ومنذ مطلع شهركانون الأول الحالي، وصل وفدان رسميان من حكومة الإقليم إلى بغداد، وعقدا مباحثات مع مسؤولي الحكومة المركزية، وكذلك قيادات سياسية بالائتلاف الحاكم (الإطار التنسيقي)، إلى جانب وصول موظفين بارزين في وزارتي المالية والثروات الطبيعية في الإقليم إلى بغداد للغرض نفسه.
ويأتي استئناف المفاوضات في الملفات التي لم تتغير منذ حكومة نوري المالكي الأولى عام 2006، مروراً بحكومات حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ثم مصطفى الكاظمي، بناءً على تفاهمات مسبقة مع "الإطار التنسيقي"، الذي وافق على شرط القوى السياسية الكردية بالتصويت على الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، مقابل حل الملفات العالقة، وهو أيضاً الشرط ذاته الذي بموجبه جرت مفاوضات 2014 و2018 و2020 أيضاً.
أبرز الملفات العالقة بين بغداد وأربيل
يعتبر ملف "المناطق المتنازع عليها" من أقدم الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، حيث تطالب الأخيرة بضم المناطق المحاذية للإقليم إلى إدارتها، وأبرزها كركوك وسنجار ومخمور وزمار وطوزخورماتو، وهي مناطق ذات قوميات وأديان مختلفة.
وتستند في ذلك إلى أن المادة 140 من الدستور عام 2005 أتاحت إجراء استفتاء عام لتخيير الناس بين الذهاب مع أربيل أو البقاء تحت إدارة بغداد، لكن هذا ما لم ينفذ لأسباب سياسية وأمنية مختلفة، أبرزها اتهامات التغيير الديمغرافي.
الخلاف الثاني بين الطرفين يتعلّق بموازنة الإقليم، التي تتفاوت بين 11 و13 بالمائة من موازنة العراق العامة. وتُصر بغداد على أن يخضع نفط وغاز الإقليم إلى وزارة النفط الاتحادية، وتكون عائداته تحت إدارة بغداد، على أن تتولى هي استقطاع حصة الإقليم من الموازنة، وكذلك الأمر في ما يتعلّق بواردات المنافذ البرية والمطارات والصادرات الأخرى لدول الجوار (تركيا وإيران).
في المقابل، تستند أربيل في اعتراضها على هذا الأمر إلى مسألة تأمين رواتب البيشمركة والموظفين والمتقاعدين في الإقليم، لكن بغداد تؤكد أن عدد الموظفين في الإقليم مبالغ به جداً وغير واقعي، وتطرح توطين الرواتب في البنوك لكشف الموظفين الوهميين منهم.
كما يرتبط الخلاف الثاني بملف آخر يكتسب صبغة سياسية، وهو قانون النفط والغاز المؤجل في أروقة البرلمان منذ عدة سنوات، والذي ينظم عملية إدارة الموارد العراقية ككل، من نفط وغاز، بما فيها عمليات الاستكشاف الجديدة وكذلك التصدير.
وفي هذا الصدد، أكد مسؤول عراقي أن "عشوائية تصدير أربيل النفط إلى الخارج عبر تركيا يسمح بوصول النفط العراقي إلى الكيان الصهيوني عبر شركات وسيطة". ولفت إلى أن "هذا الملف سياسي ويتعلق بالقانون المطروح داخل البرلمان والمؤجل إقراره أكثر من كونه فنياً".
بالإضافة إلى هذه الملفات، هناك ملفات خلافية أخرى، أبرزها مطالبة إقليم كردستان بإبعاد الفصائل المسلحة عن حدوده وأن يحل الجيش بدلاً عنها، ومسألة التمثيل الكردي في مؤسسات الدولة الاتحادية.
المشاكل بين بغداد وأربيل تحمل طابعاً سياسياً
وعلى الرغم من أن الاتهامات المتعلقة بسبب فشل المفاوضات السابقة غالباً ما كانت تلقى على القوى السياسية القريبة من إيران، والتي تُشكل اليوم تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد، إلا أن المفاوضات الكردية الآن باتت مع تلك القوى بشكل رئيسي ومباشر. ويطرح هذا الأمر تساؤلات بشأن مدى نجاحها وجدية الطرف العراقي بالإيفاء في التزاماته مع القوى الكردية لحل تلك الخلافات.
من جانبه، قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شريف سلمان،أن "عودة المفاوضات مرة أخرى جاءت بناءً على اتفاق سياسي سبق تشكيل حكومة السوداني".
وبيّن أن "هناك جدية من قبل القوى الكردية لحل هذه المشاكل، ومنها اتفاق على تشريع قانون النفط والغاز". ولفت إلى أن "هذا الاتفاق سيسهم بحل غالبية المشاكل بين بغداد والإقليم، وسيتم تشريع هذا القانون مع بداية الفصل التشريعي الجديد للبرلمان".
وأشار سلمان إلى أن "التفاوض الحالي بين الطرفين، يتم عبر لجان حكومية رسمية، مع وجود دعم سياسي له". وأكد أن "غالبية المشاكل بين الطرفين فيها بُعد سياسي، خصوصاً أنه في الفترة الماضية لم تكن هناك إرادة حقيقية لحل هذه الخلافات، التي كانت من ضمن شروطنا للتصويت على الحكومة".
الإطار التنسيقي ينفي تقديم تنازلات لأربيل
بدوره، أشار النائب عن "الإطار التنسيقي" عارف الحمامي إلى أن "المفاوضات الحالية بين حكومة السوداني ووفد حكومة إقليم كردستان تجرى من دون معرقلات حتى الآن". وأوضح أن "هذه المفاوضات تركزت على الملفات المالية والنفطية".
كما أكد الحمامي "وجود اتفاق سياسي على حل الخلافات والمشاكل بين بغداد وأربيل. لكن تنبغي الإشارة هنا إلى أن الأنباء التي تحدثت عن تقديم الإطار التنسيقي تنازلات لحكومة إقليم كردستان، من أجل تشكيل حكومة السوداني، غير صحيحة إطلاقاً".
وأوضح أنه "لم يتم تقديم أي تنازل، والحوارات التي تجرى حالياً هي حوارات بين أطراف حكومية في بغداد وأربيل، والحلول تكون وفق الدستور والقانون، وهذا الأمر تم الاتفاق عليه سياسياً".
في غضون ذلك، وجه مجلس الوزراء العراقي، يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، وزارة المالية بصرف مبلغ قدره 400 مليار دينار (نحو 300 مليون دولار)، لتسديد مستحقات إقليم كردستان، على أن تتمّ تسوية المبلغ من الإيرادات النفطية لحكومة الإقليم. وقد لاقى الأمر رفض بعض النواب في البرلمان العراقي، اذ رفع النائب المستقل مصطفى جبار سند شكوى ضد حكومة السوداني لدى المحكمة الاتحادية العليا بعد توجيهها بهذا الصرف.
من جهته، قال المحلل السياسي أحمد الشريفي،إن "الخلافات بين الطرفين سياسية أكثر مما هي مالية أو فنية، وسبب هذه المشاكل هو بعض الأطراف السياسية التي دائماً ما تعارض أي حلول وتعمل على تأجيج الوضع حتى تستغله سياسياً وحتى انتخابياً".
وبيّن الشريفي أن "حكومة السوداني ربما ستكون مختلفة في التعامل مع ملف الخلاف النفطي والمالي بين بغداد وأربيل".
ولفت إلى أن "عدم التزام السوداني والإطار التنسيقي بتلك التعهدات سيدفع القوى الكردية إلى معارضة الحكومة الحالية، وهذا ما لا تريده قوى الإطار ولا السوداني في ظل وجود المعارضة الصدرية غير المعلنة حتى الساعة بشكل رسمي للحكومة".
وأشار إلى أنه يتوقع أن "الأيام المقبلة سوف تشهد حل بعض الخلافات، وهذه الحلول بكل تأكيد ستكون من خلال تقديم بعض التنازلات من بعض الأطراف، فالمصالح السياسية والشخصية هي التي تدفع للحلول وهي التي تدفع إلى الخلاف أيضاً من أجل تحقيق مكاسب سياسية".
في هذه الأثناء، قال عضو التيار المدني أحمد حقي إن "التوجه لحل المشاكل مع أربيل جاء بعد مخاوف القوى السياسية الشيعية تحديداً من تغيير بوصلة تحالفات الأكراد، خاصة بعد تحالفهم الأخير مع القوى السياسية العربية السنية والتيار الصدري"، على حد تعبيره.
ولفت حقي إلى أن "زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني بعث برسالة مفادها أنهم قادرون على تغيير المعادلات السياسية في العراق، حيث لعبت هذه القوى دور بيضة القبان التي ترجع كفة التحالفات داخل البرلمان، وذهابهم لأول مرة في انتخابات 2021 للتحالف مع القوى السياسية العربية السنية والتنسيق معها، إلى جانب اختيارهم التيار الصدري، يعني أن بإمكانهم تكرار ذلك في الانتخابات المقبلة". وأضاف: "لذا يمكن اعتبار توجه الإطار التنسيقي لحل الخلافات مع أربيل ذا طابع منفعي سياسي لهم بالدرجة الأولى".
العربي الجديد
Read more