الخلافات الكردية والقلق الأميركي!
2022-12-28 20:01:19
عربية: Draw
لا يوجد مواطن كردي على أديم هذه الأرض لا يرجو الخير لأمته، أو لا يحزن على التشرذم، والفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحاصلة في أقليم كردستان، وما يؤلمنا أكثر هو السير على ذات النهج الخاطئ، والتوقع بأننا في المستقبل سنحصد نتائج إيجابية. لكن ذلك لن يحدث في الواقع ما لم تغير الأحزاب الكردية طريقة تفكيرها العقيمة و الضيقة، وتنزل من على التل، و تناقش بواقعية وروية المشاكل الداخلية التي تراكمت وأصبحت بعلو جبال زاكروس.
في الأشهر القليلة الماضية شهدت كردستان توترات وتجاذبات سياسية حادة بين الأحزاب الكردية، لاسيما بين الحزبين الكبيرين ) الديمقراطي والاتحاد الوطني) و انعكست تلك التوترات سلبا على الشارع الكردستاني، الذي يعاني أصلا من أزمات خانقة. التوترات الأخيرة وصلت صداها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقدم دعما لا محدودا لحكومة إقليم كردستان وعلى مختلف الأصعدة.
لقد دعا التحالف الدولي بقيادة أمريكا مرارا وتكراراحكومة إقليم كردستان والأحزاب الكردية إلى توحيد قوات البيشمركة، و وضعها تحت قيادة وزارة البيشمركة حصرا. لكن ذلك لم يحدث على أرض الواقع، وكان التوحيد مقتصرا على الورق فقط. علما أن واشنطن تقدم سنويا مساعدات مالية لإقليم كردستان تقدر بمئتين وتسعين مليون دولار. هذا وقد قال مقرر لجنة شؤون البيشمركة في البرلمان الكردستاني السيد رزكار محمد لـ"صحيفة العرب"بأن واشنطن هددت بإيقاف جميع مساعداتها العسكرية واللوجستية للبيشمركة في حال لم يتم توحيدها ضمن قوة وطنية موحدة تابعة لوزارة البيشمركة. والتحالف الدولي يؤكد على ضرورة تقليل أعدادها التي باتت مساعداتها المالية ورواتبها عبئا على وزارة البيشمركة.
على المستوى الاقتصادي مازال الإقليم يعاني من أزمة اقتصادية خانقة بسبب غياب الرؤية، والاستراتيجية الاقتصادية الشفافة. وما يزيد الطين بلة هي التوترات الأخيرة بين حزبي الاتحاد والديمقراطي. وبحسب وكالة رويترز فإن الخلافات بين الحزبين تسبب في تعقيد مشروع لتوسيع أحد أكبر حقول الغاز في إقليم كردستان، والذي يقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة السليمانية، وهو ما يلحق الضرر بالمال العام في الإقليم، وتعرقل تصدير الغاز الى أوروبا، وجني الإيرادات التي يحتاج الإقليم إليها.
أما على الصعيد السياسي، فإن الانتخابات في إقليم كردستان ليست لها توقيتات زمنية محددة، فهي تخضع لمزاج الأحزاب؛ لذلك لا تجرى الانتخابات إلّا بعد محاولات عسيرة، وجولات مكوكية بين الأحزاب السياسية. وعند أي مطب نجد أصوات تطالب بتحويل السليمانية إلى إقليم مستقل، أو تهدد بالانسحاب من الحكومة!
إضافة إلى ذلك يعاني الإقليم من التدخلات التركية والإيرانية. الدولتان تخترقان سيادة الإقليم وتعرضان حياة ومصالح المواطنين، و الإقليم للخطر. والخلافات السياسية الكردية تضعف موقف الإقليم في مواجهة الأخطار الخارجية، كما تضعف أيضا النفوذ الكردي في بغداد.
بسبب هذه التوترات و المعضلات شعرت الولايات المتحدة بالقلق، حيث قال مسؤول أميركي لرويترز: "إن واشنطن قلقة للغاية بشأن التوترات الأخيرة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. وما نحاول أن نشرحه لشركائنا هنا، هو أننا لا نريد الوحدة من أجل الوحدة، وإنما نحن بحاجة إلى أن تكونوا قادرين على التعاون مع بعضكم البعض حول بعض القضايا السرية التي تهمنا، وهي ايضا في مصلحتكم".
لقد أخفقت الأحزاب الكردية حتى يومنا هذا في سن دستور للإقليم، وبناء نظام مؤسساتي غير متحزب، و قوات عسكرية موحدة بعقيدة كردستانية لا حزبية.وبرأينا المتواضع أن السبب الرئيسي للمشاكل الموجود في إقليم كردستان ، هو غياب الدستور الذي يحدد شكل، ومدة، وصلاحية المؤسسات الحكومية، وكيفية انتخابها في الإقليم. الحكومات السابقة وحتى الحالية شكلت على أساس اتفاقات هشة بين الأحزاب، و العلاقة بين الأحزاب الكردية أشبه بالعلاقة بين التجار مبنية على مبدأ الربح والخسارة. ولأن الاتفاقات الحزبية مبنية على أساس قلق وهش فهي لا تدوم طويلا ، وتسقط عند أول اختبار حقيقي. وجود الدستور سيعطي حصانة قوية للحكومة الكردستانية على الصعيدين الداخلي و الخارجي ؛ لذلك نأمل أن تعمل الأحزاب في كردستان في القريب العاجل على سن دستور للإقليم لتلافي مثل هذه المشكلات التي أضرت كثيرا بالإقليم. بداية حل المعضلات في كردستان يكمن في سن دستور مدني للإقليم. خصوصا أن الدستور العراقي الاتحادي يسمح بذلك. بلا ريب حتى وجود الدستور لن يحل مشاكل الإقليم كافة، لكنه حتما سيقلل من وجودها، بشرط أن يكون برعاية وحماية دولية.