سوريا و العراق مرة آخرى.. داعش يعود من جديد
2022-12-28 09:31:36
عربية:Draw
استمرار الأزمات والصراعات نسف الأطراف المتصارعة فيما بينها لحصون بعضهم البعض، هو العامل الأكثر قوة الذي يستند عليه التنظيم الذي حكم لعدة سنوات مساحات شاسعة من سوريا و العراق.
من مسجد النور في مدينة الموصل العراقية أعلن أبو بكر البغدادي دولة الخلافة في بداية شهر تموز/يوليو عام 2014 ونصّب نفسه خليفة على هذه الدولة التي اختفت في الباغوز بريف مدينة ديرالزور السورية في شهر آذار/مارس من سنة 2019.
قتل البغدادي المولود في العراق في قرية سورية على الحدود التركية، و من ثم توالى الخلفاء من بعده و كل إلى مصيره المحتوم و هو الموت قتلا برصاصة أمريكية.
اختفت داعش من على وجه الأرض كقوة عسكرية وسلطة إدارية، و لكنها بقيت في الخفاء تستمد قوتها من استمرار الحرب السورية و تأزم الأوضاع في العراق و كثرة و تعدد مناطق النفوذ في البلدين.
هذا التنظيم يجيد بمهارة الدخول من خُرم الأزمات و التسرب من الثقوب و التشققات التي تسببت بها الحروب و الصراعات داخل هذه المجتمعات
داعش يستهدف الكُرد أولاً.. أين يكمن اللغز؟
من بين ركام الدمار و أنقاض الحرب في مدينة كوباني استطاع المقاتلون الكرد المرور إلى ضفة النصر على داعش، كان ذلك في سنة 2014 داخل سوريا، حينذاك و على الرغم من ضخامة حجم الألم، كانت القوات الكردية هي القوات الوحيدة التي وقفت في وجه أعتى تنظيم إرهابي و ألحقت به الهزيمة.
و من ثم تتالت هزائم التنظيم على يد قوات سوريا الديمقراطية في سوريا و كذلك على يد البيشمركة و الحشد و الجيش العراقي في الجانب الآخر من الحدود، إلى أن كانت نهاية الخلافة المزعومة في بلدة الباغوز. ولكن الاستراتيجية التي اتبعها التنظيم اثناء الهزيمة كانت توحي بأن هناك عاصفة قادمة، حيث سلم الآلاف من افراد داعش أنفسهم إلى قوات سوريا الديمقراطية والتي بدورها احتجزتهم في سجون خاصة و أبقت عائلاتهم في مخيمات ضخمة في شمال و شرق سوريا، أبرزها مخيم الهول.
بداية محاولة داعش للعودة من جديد كانت في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير في بدايات عام 2022 و ذلك في سجن الصناعة في مدينة الحسكة السورية. و لكن تصدت قوات سوريا الديمقراطية بمساعدة التحالف الدولي لهذا المخطط الداعشي حيث استمرت الاشتباكات عدة أيام، إلا أن التنظيم سقط مرة أخرة و تكررت صورة استسلام مسلحي داعش في الحسكة كما تم الأمر في الباغوز.
و من بين محاولات داعش للظهور و العودة كانت في محافظة السليمانية بإقليم كوردستان العراق قبل عدة أيام أي في أواسط شهر كانون الأول/ ديسمبرمن عامنا الحالي، حيث كانت التحضيرات هذه المرة أكبر وأكثر اتساعاً من تحضيرات محاولة السيطرة على سجن الصناعة في مدينة الحسكة، ولكن قوات الأمن الكوردية في السليمانية استطاعت أن تكتشف أمرالإمارة التي يعد لها داعش في الجبال المحيطة بالسليمانية وأقضيتها و نواحيها، فتم اعتقال العشرات من أفراد التنظيم و بالتالي تم إفشال مخطط آخر كانت الغاية منه العودة إلى خارطة القوة و النفوذ.
أما آخر المحاولات فقد كانت اليوم في الرقة في السادس والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2022 وذلك داخل مدينة الرقة التي كان التنظيم قد أعلنها عاصمة له أثناء خلافته المزعومة، حيث تبنى التنظيم الهجوم الذي تم تنفيذه من قبل مجموعة من الانتحاريين ووصف القادم بالأدهى و الأَمَرّ.
منذ بداية سنة 2022 و لحد ما يقرب من نهايتها كانت جل محاولات داعش للعودة تتم ضمن المناطق الكردية في سوريا و العراق، و ذلك يعود لمجموعة من العوامل و الأسباب منها:
- الانتقام من القوات التي هزمتهم، و بالتالي التأكيد على شعارهم الذي يعتمد على الجملة التالية (باقية و تتمدد)
- تكفير الكرد لم يقتصر على داعش، فأغلب الحركات و المجموعات الجهادية المتواجدة في سوريا قامت بتكفير الكرد و سلب ممتلكاتهم و قتلهم و تهجيرهم أينما ثقفوا بهم. فباتت محاربة الكرد في عرفهم و تفكيرهم من أكثر المهمات إلحاحاً عليهم و في قائمة سلم الأولويات لديهم
- العمليات العسكرية التي قامت بتنفيذها الدولة التركية بزعامة حزب العدالة و التنمية و الذي هو حزب إسلامي، كانت أغلبها ضد المناطق الكردية في سوريا، و مازال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستمراً في تهديداته للقيام بعدوان عسكري جديد ضد قوات سوريا الديمقراطية، و هذه التهديدات أنعشت تنظيم داعش الذي استفاد من انشغال مقاتلي قسد بالتحضيرات لصد العدوان التركي المحتمل على المنطقة
- الخلاف القائم بين إقليم كوردستان العراق و بغداد و بقاء الكثير من المناطق بين الإقليم و المركز متنازعاً عليها و خاصة قضية كركوك، الأمر الذي استفاد منه داعش في إعادة تنظيم صفوفه خاصة في جبال حمرين المتاخمة لكركوك و قرجوخ في مخمور الواقعة بين أربيل و الموصل.
- الكيان السياسي و الإداري للإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا و عدم الاعتراف بهذا الكيان من قبل دمشق و أيضاً عدم تقبل أطراف كثيرة من المعارضة السورية لهذه الإدارة التي كانت فكرة تأسيسها تعود لحزب الاتحاد الديمقراطي و هو من أكبر الأحزاب الكردية في سوريا، و لكن ضمت الإدارة أثناء تأسيسها و لحد هذه اللحظة جميع المكونات القومية و الدينية في المنطقة، ولكنها وعلى الرغم من ذلك، بقيت عرضة للاستهداف من قبل الحركات الجهادية التي تدعمها تركيا بشكل مباشر.فكانت الاشكاليات التي يحملها الواقع السياسي إزاء الإدارة الذاتية هو أيضاً عاملا من العوامل التي جعلت داعش يستهدف بالدرجة الأولة مناطق هذه الإدارة.
في مرمى نيران داعش لا فرق بين عربي و أعجمي..
داعش لم يعد ذلك التنين الذي ينفث نيرانه في كل الاتجاهات فقد تم تمريغ أنفه في التراب عدة مرات على هذه الأرض الذي أدعى فيها الخلافة، و لكنه يسعى بكل قوة و لا تهمه الحجة أو الوسيلة مهما كانت، فالمهم لدى التنظيم الآن هو العودة من جديد إلى خارطة السلطة و النفوذ، و هو حسب ما يتضح يرى بأن المدخل هي أرض الكرد و بلاد ما بين النهرين، و من ثم إذا تمكن من تحقيق ما يصبوا إلية فلن يسلم من شره لا كردي و لا عربي و لا سرياني و لا أي شعب من شعوب العالم إن تمكن من الوقوف على قدميه مرة أخرى، فالخطر مازال قائماً و الدرع الكردي بات يحمل اثقالا كثيرة.
منتديات الحروب و انكماش مسارات الحلول..
مما لا شك فيه إن الاجتماعات و المؤتمرات الدولية المتعلقة بمناقشة الوضع السوري تحولت بفعل أمر الواقع إلى منتديات لإطالة أمد الحرب و إدامة الأزمة التي دخلت في عقدها الثاني.
فعلى سبيل المثال، اجتماعات آستانا منذ بدايتها و لحد هذه اللحظة لم تفرز سوى المزيد من الصراعات، حيث تم من خلال آستانا تحديد الخطوط الجديدة لمدى اتساع الحرب و تثبيت مناطق النفوذ و شرعنة الاحتلال التركي لمساحات شاسعة من الأراضي السورية، و في كل لقاء آستانوي كان الحديث عن خطوط الصراع و خرائط النفوذ لا عن إنهاء الحرب.
من جهة أخرى، تعدد و كثرة اجتماعات و مؤتمرات جنيف الخاصة بالمعضلة السورية و عدم التوصل إلى أي نتيجة ملموسة، كانت أيضاً عاملاً مساعداً للتصعيد واتساع رقعة نيران المعارك.
في التقاطعات التي تشكلها مسارات جنيف و آستانا و سوتشي، تشكّل هناك موطئ قدم للحركات الجهادية التي تعمل تحت الوصاية التركية داخل هذه اللقاءات الدولية التي يتم تداول مصير السوريين فيها.
تلك الحركات الجهادية أو البعض منها يبدو أنها تحتفظ بخيوط للتواصل مع تنظيم داعش، و ليس هناك دليل أكثر وضوحا على وجود هذه الخيوط و العلاقة، من تواجد خلفاء داعش في المناطق التي تسيطر عليها تلك الفصائل و الحركات الجهادية، حيث تم قتل أبو بكر البغدادي في قرية تابعة لمحافظة إدلب السورية على الحدود التركية في عملية للتحالف الدولي، و قبل أن تتم عملية قتله كانت أمور الخليفة ميسورة في تلك البقعة من دون أي عوائق.
السوريون كلهم تقريباً يعرفون ماهو المطلوب لإيجاد الحل، ولكن المعضلة الحقيقة تكمن في السؤال التالي: ماهو الممكن؟ ماهو الحل الواقعي الذي يمكن تطبيقه عملياً لحلحلة الأمور؟
استقبل قسم من السوريين (داعش) التي جاءت مع خليفتها من العراق، كما استقبل قسم منهم قبلها (جبهة النصرة) التي جاءت بتعليمات من القاعدة في جبال تورا بورا الأفغانية، و استقبل قسم منهم ما هب و دب من ميليشيات طائفية و مذهبية و فصائل من المرتزقة و قوات دولية متعددة.
مر عقد من الزمن و أكثر على هذه المذبحة و المقتلة، تغيرت الكثير من المفاهيم و الأمور لدى السوريين جميعاً، فبعد كل حفلات الاستقبال التي تم ذكرها ألن يستطيع السوريون استقبال الحل الذي سيضع حداً لهذه الحرب.