عربية:Draw
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق “أمراً ولائياً” بإيقاف إجراءات فتح مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني في محافظة كركوك وتسليم مقر قيادة العمليات المتقدم له، وهو ما يعيق صفقة الحزب مع الإطار التنسيقي للعودة إلى المدينة.
ويقول مراقبون إن القرار بعودة الديمقراطي الكردستاني يتعلق بصفقة تمت بينه وبين الإطار التنسيقي لفرض هيمنة مشتركة على المدينة في انتخابات المجالس المحلية المقررة في 18 ديسمبر المقبل. وبدت المدينة الأحد أكثر هدوءا بعد خمسة أيام من المواجهات العنيفة التي اندلعت على أثر الإعلان عن عودة الحزب إلى مقره السابق في المدينة، والذي اتخذته “قيادة العمليات المشتركة” التابعة للجيش العراقي مقرا لها منذ العام 2017 عندما تم طرده من المدينة في إطار “عملية فرض القانون” التي نفذت لاستعادة سيطرة بغداد عليها.
وقالت المحكمة إنها أمرت “بإيقاف تنفيذ أمر السيد رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة المؤرخ 25 – 8 – 2023 المتضمن (إخلاء البناية المشغولة حالياً من قبل المقر المتقدم لقيادة العمليات المشتركة في محافظة كركوك والآثار التي ترتبت عليه) إلى حين حسم الدعوى المطالب بموجبها الحكم بإلغائه. وذلك بغية الحفاظ على الأمن في محافظة كركوك وتغليب الوحدة الوطنية والتعايش السلميين والمصلحة العامة، قراراً باتاً وملزماً لكافة السلطات”.
وخاض أبناء الأقليتين العربية والتركمانية اعتصامات واحتجاجات على إثر صدور قرار رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، الذي قال مراقبون إنه كان قرارا غير مدروس ولم يأخذ بعين الاعتبار أجواء الاحتقان السائدة في المدينة، وكاد يتسبب في اندلاع حرب أهلية بين الأكراد من جهة وبين العرب والتركمان من جهة أخرى.
وأدت الاشتباكات العنيفة بين الطرفين إلى سقوط ثلاثة قتلى على الأقل ونحو 20 جريحا. وهو الأمر الذي دفع السوداني إلى إعلان منع التجول، قبل أن يتم رفعه بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية.
ويعود الاحتقان إلى أسباب بعضها قديم يتعلق بمزاعم الأحزاب الكردية أن كركوك مدينة ذات “أغلبية كردية”، وأنها على هذا الأساس يجب أن تكون جزءا من إقليم كردستان. وبعضها حديث ويتعلق بسنوات سيطرة الديمقراطي الكردستاني الفعلية على المدينة منذ الغزو الأميركي للعراق، حيث تم تسجيل سلسلة من أعمال التصفيات الدموية للنشطاء من أبناء الأقلية العربية التي ارتكب بعضها داخل مقر الحزب.
وتستند السلطات العراقية في تبعية كركوك إلى المركز على الإحصاء السكاني لعام 1957 والذي يُظهر أن الأكراد وإن كانوا هم الأقلية الأكبر عددا (نحو 48 في المئة من مجموع السكان في ذلك الوقت) إلا أنهم أقلية في موازاة الأقليتين العربية (28 في المئة) والتركمانية (21 في المئة)، فضلا عن أقليات أصغر. وسجلت الإحصاءات التالية التي جرت في عامي 1977 و1997، تزايد الأقلية العربية إلى 45 في المئة و72 في المئة على التوالي، بموجب سياسات “التعريب” التي اتبعتها الحكومات السابقة. وهو ما تحوّل، بمرور الوقت، إلى حقيقة سكانية تصعب إزاحتها. وكان الديمقراطي الكردستاني يطمح بالدرجة الأساس إلى السيطرة على حقول نفط كركوك التي يبلغ إنتاجها نحو 12 في المئة من إجمالي إنتاج النفط في العراق.
ويقول مراقبون إن الميزة الرئيسية التي تميز كركوك عن سواها من المحافظات العراقية هي أنها تمثل الفسيفساء الاجتماعية العراقية بكل تنوعها القومي والديني والطائفي، الأمر الذي يؤهلها لتكون رمزا وطنيا، وليست احتكارا لمجموعة سكانية دون غيرها. وحيث أن كركوك تضم أكبر تجمع للأقلية التركمانية في العراق، فإن تبعية المدينة للمركز تشكل بالنسبة إليهم نوعا من ضمانة بأنهم لن يصبحوا ضحية للتهميش، إذا فقدوا حصانتهم الاجتماعية فيها.
وأدى انتشار صور الانتهاكات التي تم ارتكابها في مقر الديمقراطي الكردستاني، وشملت جثثا متحللة داخل قنوات الصرف الصحي، لضحايا من الناشطين العرب، إلى تزايد حدة مشاعر الغضب أمام عودة هذا الحزب إلى مقره السابق.
وقالت عضو مجلس النواب ساهرة عبدالله الجبوري إن عودة الديمقراطي الكردستاني “تنذر بحرب أهلية في كركوك، ولا نسمح بالعبث بنتائج عملية فرض القانون في كركوك”. وأضافت “ليعلم الجميع ماذا وجدنا عند دخول القوات الاتحادية المركزية الممثلة بكل أصنافها العسكرية. وجدنا جثثا تعود إلى المكون العربي مكبلة ومغدورة. ولن نسمح بالرجوع إلى المربع الشنيع، حيث القتل والخطف والتغييب والتهديد والترحيل القسري والتمييز بين المكونات والتجاوز على حقوق ومكتسبات المكونات”. وفي محاولة للاستدراك المتأخر، قال القيادي في الإطار التنسيقي جبار عودة إن “إدارة كركوك من قبل الحكومة الاتحادية خيار إستراتيجي لا رجعة عنه وتدعمه أغلب المكونات وتراه وضعاً عادلًا ومنصفًا ويمنع أيّ أزمات في مدينة تشكل عراقا مصغرًا".
واشترط رئيس “هيئة الرأي العربية” في كركوك ناظم الشمري لعودة الديمقراطي الكردستاني “الاعتراف بعراقية كركوك وبسلطة الدولة العراقية عليها”. وقال إنه “يجب الكف عن وصف القوات الأمنية العراقية بالمحتلة، كما يجب إطلاق سراح المعتقلين العرب من سجون إقليم كردستان. كما طالب الشمري بتعويض أهالي القرى العربية المهدمة والتعهد بعدم تكرار تلك الإجراءات القمعية".
وقال محافظ كركوك راكان الجبوري إنه “بعد اتصال هاتفي من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني نعلن التريث في إخلاء مقر العمليات في كركوك، والتوجه إلى المتظاهرين أمام مقر القيادة، والحديث معهم عن توجيه رئيس الوزراء".
وأضاف أن المتظاهرين “قرروا سحب الخيم وإنهاء اعتصامهم وفتح الطريق (المؤدي الى أربيل)".
وقال “تحالف العروبة” في بيان “منذ عملية فرض القانون عام 2017 في محافظة كركوك والمحافظة تشهد استقراراً أمنياً وتعايشاً وطنياً مشتركاً بين جميع مكوناتها بعيداً عن لغة الاستفراد بالقرار الإداري والاقتصادي والأمني، وبعيداً عن لغة التهميش والإقصاء والقتل والخطف، بفعل بعض الممارسات السياسية لبعض القوى الحزبية غير العربية والتي استفردت بإدارة محافظة كركوك بطريقة حزبية عرقية استهدفت الوجود العربي. وأمام كل تلك التحديات المؤلمة تفاجأنا بخبر إخلاء المقر المتقدم للعمليات المشتركة وتسليمه إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني".
ورأى أن هذا الأمر “له تداعيات خطيرة على أمن المحافظة والمكوّن العربي، خاصة في محافظة كركوك التي دفعت قبل عملية فرض القانون عام 2017 تضحيات كبيرة تمثّلت في أعمال غير إنسانية كانت تمارس إبّان سيطرة القوى والأحزاب السياسية الكردية على ملف إدارة المحافظة من عمليات تهميش وإقصاء واعتقال الآلاف من الشباب العرب وقتل وخطف أبناء المكون العربي لأسباب قومية، وتجريف القرى العربية وعدم مشاركة المكون العربي بصياغة القرار السياسي والأمني والإداري”. وقال المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في بيان إنه “كان على خط التواصل مع الحكومة العراقية منذ ثلاثة أيام كي تقوم بمهامها الوطنية والحكومية حتى لا تصل القلاقل إلى التصادم وإراقة دماء المواطنين الكرد وبقية المكونات.. لقد كان بالإمكان وعبر التفاهم بين الأحزاب في كركوك الحؤول دون تصعيد مسألة المقرات لتصبح مشكلة كبيرة في المدينة”. وأعلن الحزب التزامه “ضبط النفس من أجل المصلحة العامة وحماية السلم، ونتطلع من الحكومة الاتحادية وبقية الأطراف في كركوك القيام بمسؤولياتهم”.
صحيفة العرب اللندنية
Read more