عربية:Draw
يبدو أن الحرب تطرق أبواب شمال العراق أما شرارتها فقد أشعلها قادة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني الذين قالوا إن الاستعدادات جارية لشن هجوم شامل على جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتمركزة عبر الحدود في كردستان العراق. فما لم تقم بغداد وأربيل بنزع سلاح هذه الجماعات وإبعادها عن الحدود بحلول 19 أيلول/سبتمبر، بموجب شروط الاتفاق الأمني الثنائي الذي وقعه البلدان في مارس/آذار، فإن الهجوم العسكري الإيراني وشيك. ولتحقيق هذه الغاية، عقد سفير إيران في العراق سلسلة من الاجتماعات بينما كان المسؤولون العراقيون العرب والأكراد يهرعون إلى طهران لنزع الفتيل الذي يوشك على الاشتعال.
وتشكل الجماعات الكردية المسلحة، وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وحزب كومله اليساري، تهديدًا لطهران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، عندما تمرد الأكراد وخاضوا حربًا دموية مع الحرس الثوري الإيراني لما يقرب من عقد من الزمن. وقُتل بعض أبرز المقاتلين وقادة قوة النخبة الإيرانية في اشتباكات مع مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني ومقاتلي بيشمركة كومله.
وعلى الرغم من الخلاف الحالي بين الجانبين، فقد مقاتلو البيشمركة والكوادر السياسية للجماعات الكردية أهميتهم تدريجيًا بعد إجبارهم على النزوح إلى سهول كردستان العراق في أواخر الثمانينيات. وبمرور الوقت، تساهل الحرس الثوري الإسلامي الإيراني معهم بالفعل معتمدًا على المراقبة والهجمات العرضية. لكن هذا التوازن اختل في التاسع عشر من سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
فبعد ثلاثة أيام من وفاة مهسا جينا أميني، وهي شابة كردية إيرانية تبلغ من العمر 22 عامًا، خلال احتجازها من قبل شرطة الأخلاق في طهران يوم 16 سبتمبر/أيلول 2022، أثارت دعوة جماعات المعارضة الكردية إلى إضراب عام سلسلة من ردود الفعل كادت أن تشعل النار في البلاد بأكملها. وشكلت الاضطرابات القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للحرس الثوري الإيراني. فأطلقت قوات الحرس عدة جولات من الصواريخ والطائرات المسيرة عبر الحدود باتجاه قواعد الجماعات الكردية المنفية، ما أسفر عن مقتل عدد محدود من المقاتلين والمدنيين. أما داخل إيران، حيث اشتعلت المناطق الكردية بشكل خاص باضطرابات واسعة النطاق، لم يتمكن الحرس الثوري الإيراني من تأكيد سلطته إلا من خلال اتخاذ إجراءات صارمة باستخدام القوة المفرطة.
العنف يولد العنف
ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لوفاة أميني، فإن السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين في إيران يتمحور حول ماهية الرد الذي قد تؤدي إليه حملة قمع محتملة جديدة. وكانت اضطرابات العام الماضي قد أدت إلى أشد أعمال عنف دموية تشهدها الشوارع منذ عقود. وفي حين أن عدد المتظاهرين كان أقل مقارنة بالجولات السابقة من المظاهرات المناهضة للمؤسسة في السنوات الماضية، إلا أن المتظاهرين كانوا أصغر سنًا بكثير وأكثر استعدادًا للاشتباك مع قوات الأمن.
وفي هذا السياق، قال أحد صغار مهربي الأسلحة لموقع أمواج.ميديا "إن الأمر لا يقتصر على المناطق الكردية فحسب. بل يشمل المدن الكبرى مثل طهران أيضًا. هناك طلب على الأسلحة أجنبية الصنع". ولطالما كانت السلطات الإيرانية متشددة جدًا بشأن انتشار الأسلحة، خاصة في المحافظات الحدودية. وعلى الرغم من اعتراف المهرب بأن أفراد الأمن صادروا "كميات كبيرة" من الأسلحة النارية المهربة، إلا أنه قال إن كثيرين اليوم باتوا يستطيعون الحصول على أسلحة. وتابع: "السلطات لا تهتم حقًا بالمخدرات أو الكحول أو أشياء من هذا القبيل التي تدخل إيران عبر طرق التهريب. إنهم قلقون فقط من دخول الأسلحة والجماعات المسلحة إلى البلاد".
عندما أطلق الحرس الثوري الإيراني وقوات الأمن الأخرى العنان للقوة المميتة ضد المتظاهرين في العام الماضي، دعت قيادات الجماعات الكردية المتمركزة في كردستان العراق وأوروبا إلى أن تكون المظاهرات سلمية. وبالنظر إلى تلك الأحداث، يعرب بعض الأكراد اليوم عن أسفهم. وقال أحمد، وهو عضو في منتصف العمر في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وكان عضوًا سريًا في المجموعة في إيران لعقدين من الزمن تقريبًا: "أعتقد أننا ارتكبنا خطأً في ثني الناس عن استخدام أسلحتهم أثناء تعرضهم لهجوم من قبل قوات الأمن". وتابع قائلًا لأمواج.ميديا من كردستان العراق: "أنا شخصيًا نادم على إخبار الناس بعدم مهاجمة النظام، وأستطيع أن أقول لكم أن هناك الكثير ممن كانوا على استعداد لاستخدام السلاح". ما نقلت ناشطة حقوقية مطلعة ومقيمة الآن في إقليم كردستان العراق عن متظاهر إيراني جريح فقالت: "لم يكن هناك أي شيء آخر يمكن للنظام أن يفعله ضدهم ولم يفعله، الكثيرون يتحدثون عن مقاومة النظام بالسلاح هذه المرة". وللفت النظر بشأن العقلية السائدة بين بعض الإيرانيين المحبطين، وأضافت الناشطة التي فضلت أن يشار إليها باسم "شادية" وهو اسم مستعار، أنه ردًا على تحذيرها من أن تجدد الاضطرابات يمكن أن يؤدي إلى مذبحة للمتظاهرين هذه المرة، قال أحد الأشخاص ساخرًا إنه لن يهم إذا مات عدة آلاف لإنهاء النظام في بلد يفقد فيه أكثر من 15,000 شخص حياتهم في حوادث الطرق كل عام.
وقال الشاب كافار البالغ من العمر 20 عامًا والذي ينحدر من محافظة إيلام جنوب غرب البلاد لأمواج.ميديا من داخل إيران: "أنا متأكد من أنه إذا اندلعت الاحتجاجات، وأنا متأكد من أن ذلك سيحدث، سيكون هناك احتمال بنسبة 90 في المئة لحدوث مواجهات مسلحة بين المتظاهرين وقوات الأمن". وتابع: "نحن مجموعة من الأفراد وقد نظمنا أنفسنا للمواجهة المسلحة. إذا أطلق النظام النار على الناس فسنرد بالمثل".
حالة تأهب قصوى
علم أمواج.ميديا من مصادر في المناطق ذات الأغلبية الكردية في إيران أن الحرس الثوري الإيراني قد وضع جميع أفراده، بما في ذلك قوة الباسيج شبه العسكرية التطوعية، في حالة تأهب قصوى لمدة 45 يومًا من دون أي إجازة. وقد وصل عشرات الآلاف من القوات الجديدة إلى مدن مختلفة في غرب إيران لقمع أي حراك معارض قبيل ذكرى وفاة أميني.
التهديد ضد النظام كان ملحًا للغاية خلال اضطرابات العام الماضي، لدرجة أن منظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات، وهما وكالتان أمنيتان موازيتان تعملان في كثير من الأحيان في جو من التنافس، بدأتا في تنسيق جهودهما من خلال إنشاء خلايا عمليات مشتركة، على الأرجح نتيجة لضغوط من مكتب المرشد الأعلى لإنهاء الاحتجاجات.
وقبل التوقيع على اتفاقية أمنية مع العراق في مارس/آذار، كثفت إيران جهودها ضد جماعات المعارضة الكردية المنفية عبر الحدود. ونجحت سلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي نفذها الحرس الثوري الإيراني في إخلاء المعسكرات التي يعيش فيها مقاتلو البيشمركة وعائلاتهم بشكل شبه تام. وما يعكس هذا التطور على ما يبدو، هو امتناع الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عن نشر أي لقطات جديدة لحفلات التخرج في الجبال للمجندين الجدد منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي حين توقفت الضربات الجوية للحرس الثوري الإيراني خلال الأشهر الستة الماضية، يُعتقد أن الأجهزة الأمنية الإيرانية واصلت الضغط على المعارضين المنفيين عبر الحدود من خلال وسائل أخرى. وقد تم اغتيال ما لا يقل عن ثلاثة من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وتلقى عدد من نشطاء حقوق الإنسان، من بينهم "شادية"، تهديدات. وقالت "شادية" من إقليم كردستان العراق: "لدينا خياران، إما أن نبقى أو أن نرحل، وإذا رحلنا بالفعل فعلينا اتخاذ إجراءات أمنية بشكل دائم لنبقى آمنين".
في هذه الأثناء، مع اقتراب الموعد النهائي المحدد في 19 سبتمبر/أيلول للسلطات في العراق للتعامل مع جماعات المعارضة الكردية الإيرانية، هناك دلائل تشير إلى اتخاذ إجراءات. وقال مصدر مطلع لأمواج.ميديا طلب عدم الكشف عن هويته، إن مجموعة من مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني وكومله في محافظة أربيل تم نقلها بعيدًا عن الحدود مع إيران في 12 سبتمبر/أيلول. وفي الوقت نفسه، ظهرت بعض التقارير التي تفيد بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني وكومله قد غادرا الجبال القريبة من منطقة بيرانشهر الحدودية الإيرانية، وقاما بتدمير قواعدهما هناك قبل المغادرة. كما أكد مسؤولون عراقيون بشكل منفصل أنه يتم الآن إبعاد المقاتلين الأكراد عن المنطقة الحدودية.
ضغوط موازية داخل إيران
في جميع أنحاء المناطق ذات الأغلبية الكردية في غرب إيران، تم استدعاء أو اعتقال أو تهديد مئات النشطاء وأفراد عائلات المتظاهرين الذين قتلوا في احتجاجات العام الماضي لثنيهم عن القيام بأي فعل في ذكرى وفاة أميني. وأُفيد بأن والد أميني كان قد استُجوِب أيضًا في 11 سبتمبر/أيلول وهُدد إذا ما أحيى ذكرى ابنته في تاريخ وفاتها.
وقال ناشط آخر مطلع في مجال حقوق الإنسان يقيم خارج إيران: "أصبح الخوف واضحًا الآن لأن الكثير من الأشخاص الذين اعتادوا التحدث بحرية ونشر الأشياء على حساباتهم على إنستغرام، يخشون الرد على مكالماتي". وتابع: "لقد تمكنوا من تخويف الكثير من الناس، ولكن من الصعب قياس المزاج العام من الخارج".
أما بالنسبة للجماعات الكردية الإيرانية، فيبدو أنها لم تقرر بعد كيفية الرد على حملة قمع محتملة إذا اندلعت الاحتجاجات. لكن أحد الناشطين الذين عادة ما يكونون مطلعين على الأمر أكد أن الخلايا المحلية قد أعطيت تعليمات للدفاع عن نفسها إذا تعرضت لهجوم.
وقال عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني من مدينة كرمانشاه غربي إيران لأمواج.ميديا: "نحن ننتظر لنرى ما هو التوجيه الذي سيصدره حزبنا... وإلا فإن معظم الناس يحملون أسلحة، أو إذا تصاعد الوضع فيمكنهم الحصول على أسلحة من هنا وهناك للمواجهة". وقال مقاتل آخر من الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المتمركز عبر الحدود في العراق، مفضلًا عدم الكشف عن هويته، إن هناك نقاشًا حقيقيًا بين البيشمركة الإيرانية بما في ذلك أعضاء كومله حول حمل السلاح ردًا على هجمات الحرس الثوري الإيراني. وإذا حدثت مواجهات عنيفة، فإن ذلك لا يهدد بتحول شبح إراقة الدماء إلى حقيقة على نطاق واسع فحسب، بل سيثير أيضًا انقسامًا محتملًا بين المقاتلين العاديين وقيادات الأحزاب التي امتنعت حتى الآن عن نشر بيانات هامة.
وقد ضاعفت الفصائل الكردية الإيرانية الرئيسية المتمركزة في العراق، وهي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وكومله وحزب الحياة الحرة الكردستاني وحزب الحرية الكردستاني جهودها في مواجهة تهديدات الحرس الثوري الإيراني ودعت إلى إضراب عام في المناطق ذات الأغلبية الكردية في إيران في 16 سبتمبر/أيلول. إذا كان ما حدث في الماضي هو المقدمة، فقد يخرج الوضع بسرعة عن نطاق السيطرة. وحذر أحمد، وهو عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في منتصف العمر، من أن "المتظاهرين قد يحملون السلاح وينظمون أنفسهم محليًا من دون الكثير من التنسيق نظرًا لخيبة أملهم تجاه جماعات المعارضة [المنفية]". وبينما وصف احتمال قيام الإيرانيين العاديين بحمل السلاح بأنه "سيناريو كابوس للنظام"، أقر بأنه ثمة شك في إمكانية الاستمرار بالضغط على الجمهورية الإسلامية في مثل هذا الوضع. بالنسبة للإيرانيين بشكل عام والأكراد بشكل خاص، من المرجح أن تفتقر الأيام المقبلة للخيارات الجيدة.
المصدر: أمواج ميديا
Read more