عربية Draw:
تعرض العراق واقليم كوردستان إلى أزمة تمويل مالية خانقة العامين الماضيين بسبب جائحة كورونا وتدهور أسواق النفط، مما أدى بالحكومة وقتها إلى خفض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي، في خطوة لتمويل النفقات المالية والالتزامات الاجتماعية ورواتب القطاع العام.
التغييرات في أسعار النفط، تؤثر بشكل كبير على الوضع المعيشي للدول التي تعتمد على العائدات النفطية، العراق و اقليم كوردستان انموذجا. نسلط الضوء في سياق هذا التقريرعلى اثار انخفاض اسعار النفط بعد عام ( 2014) على العائدات، النفقات و ديون حكومتي العراق و اقليم كوردستان.
انخفاض اسعار النفط في عام 2014 كان متزامنا مع ظهور تنظيم داعش في المنطقة، الذي سيطرة على مساحات كبيرة من الاراضي التي توجد فيها الابار والحقول النفطية، بالاضافةالى ذلك رفضت منظمة الدول المنتجة للنفط ( اوبيك) تخفيض الانتاج، وادى الصراع الاميركي الروسي من جهة و الصراع السعودي الايراني من جهة اخرى الى تأزم الوضع الاقتصادي بشكل كبير. هذه التطورات ادت الى انهيار اسعار النفط في الاسواق العالمية مع نهاية عام 2014 حيث وصل سعر البرميل الى 50 دولارا بعد ان اجتازت عتبة 100 دولار. ولقد انخفضت اسعار النفط بشكل كبير مع بداية الربع الاول من عام 2015، حيث وصل سعر برميل النفط الى مابين( 27-40 )دولارا، الا ان مع نهاية عام 2015 ارتفعت اسعار النفط مرة اخرى و وصل الى عتبة 60 دولارا. واستمر سعر البرميل على هذه الشاكلة حتى نهاية عام 2019، وفي شهر اذار من عام 2020 انخفض سعر النفط بشكل قياسي وذلك بسبب انتشار جائحة كورونا التي اجتاحت العالم. لتقلبات اسعار النفط تأثير كبير على الاقتصاديات الريعية التي تعتمد بصورة أساسية على الإيرادات النفطية حيث كانت نسبة مساهمة القطاع النفطي من اجمالي الناتج المحلي للفترة المذكورة للعراق تتراوح بين 98% الى 99%. و كذلك أظهرت النتائج ان الاقتصاد العراقي يتدهور بصورة كبيرة عند انخفاض أسعار النفط. الاقتصاد العراقي يبقى اقتصادا ريعيا ما لم يتم تطوير القطاعات الصناعية و الزراعية لتنويع مصادر العملة الصعبة و كذلك زيادة انتاج النفط. و كذلك استحداث صندوق سيادي لادخار الأموال في حالة ارتفاع أسعار النفط الخام و الاستفادة منها في حالات انخفاض أسعار النفط المفاجئة.
القسم الاول
تأثيرسعر النفط على الحكومة العراقية.
اولا- تأثير انخفاض اسعار النفط على الموازنة العامة للحكومة العراقية.
بحسب الارقام والاحصائيات المصرفية، تعرض الاقتصاد العراقي في عام( 2015) الى ازمة مالية كبيرة، وذلك بسبب عددة عوامل منها، انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية، نفقات الحرب ضد تنظيم داعش و نفقات ايواء النازحين الذين فروا من المناطق التي سيطر عليها التنظيم.
بحسب وثائق الحكومة العراقية، فأن العجز في الميزانية العامة للدولة في عام 2015 وصل الى (3 ترليون و900 )مليون دينار، بالاضافة الى ذلك انخفضت ايضا الايرادات العامة للدولة بنسبة(37.1%) وكانت نسبة (34.7%) منها تشكل الايرادات المحلية ، اما النفقات العامة مقارنة مع عام (2014) انخفضت بنسبة(38 %)
لقد تعرضت الميزانية العامة للعراق خلال تلك السنة الى عجز كبير، مما دفع الحكومة العراقية إلى اللجوء لتنفيذ سياسة التقشف من أجل تجنب أزمة مالية محققة. هبوط أسعار النفط إلى ما دون عتبة (60) دولار للبرميل، للمرّة الأولى منذ أعوام، بدلا من المستوى الذي تراوحت عليه طيلة السنوات الأربع الماضية 100-115، ما بدا أنّه “انهيار” متواصل في سعر النفط العالمي، ولّد كثيراً من التحليلات حول الأسباب الاقتصادية والسياسية لهذا الهبوط الدراماتيكي والسريع لأسعار النفط،وما يمثله من تحدٍ للعراق الذي يواجه حربين، الأولى داخلية مع “داعش”، والثانية خارجية مع أسعار النفط.
يخسر العراق أكثرمن مليار دولار سنوياً مع كل هبوط مقداره دولار واحد في سعر برميل النفط الذي يصدره، وأن انخفاض تلك الأسعاريضر بالاقتصاد العراقي ويفاقم من عجز موازنته، ولاسيما أن اقتصاده يعتمد بنسبة (95 %) على الواردات النفطية. وقد بدأت ملامح تعثر الاقتصاد العراقي بسبب انهيار أسعار النفط بالبروز مع انتهاء مجلس الوزراء من إعداد موازنة 2015، فقد كشفت الأرقام الأولية عن عجز كبير في الموازنة العامة يصل إلى (23) ترليون دولار، رغم ضغط النفقات العامة للدولة بشكل كبير. وقد دأبت الحكومة العراقية منذ سنوات على أن يكون الإنفاق الاستثماري هو ضحية أي هبوط في أسعار النفط، مما يعني توقف عجلة الإعمار والبناء، في الوقت الذي يعاني فيه البلد من تدهور خطير في البنية التحتية نتيجة التركة الثقيلة لعقود ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، فضلا عن الإرهاب الذي اجتاح البلد بعد هذا التاريخ. من جانب آخر، يتوقع أن يصيب الشلل الاقتصاد العراقي بعد ورود معلومات عن خطة تقشفية يتوقع أن تطال رواتب الموظفين إذا ما استمرت أسعار النفط بالهبوط، فضلا على نية الحكومة رفع مستويات الضرائب على عدد من السلع والخدمات وانتهاج فكرة الادخار الإجباري، أو ما تسميه الحكومة “بالادخار الوطني”؛لأجل التغلب على مصاعب انحسار الإيرادات النفطية. ولن تتوقف الآثار الاقتصادية والاجتماعية عند هذا الحد، بل ستتمدد أيضا لتطال القطاع الزراعي والصناعي والخدمي، مع وعود بعدم تأثر القطاع الأمني والصحي بالبلد.
أن صدمة هبوط الإيرادات النفطية كانت مفاجئة لمعظم البلدان النفطية وبالخصوص العراق؛ كونه يخوض حربا داخلية مع “داعش”، فضلا على ملفات إعادة إعمار المناطق التي شهدت معارك، ومد يد العون للمهجرين والمهاجرين وتوفير مبالغ نقدية وسلع وخدمات تسهم في التخفيف من معاناتهم، كل ذلك يتطلب تمويلا مفتوحا لا خطة تقشفية
المحاسبة.
حسب الجدول، النفقات التشغيلية في عام ( 2014) كانت (77 ترلیون و 986 ملیار و 200 ملیون) دینار، بينما كانت في عام (2015 )(51 ترلیون و 832 ملیار و 800 ملیون) دینار، وبذلك بلغ الفرق بين العامين (26 ترلیون و 153 ملیار و 400 ملیون) دینار، اي ان تلك النفقات انخفضت في عام 2015 بنسبة (33.5%) مقارنة مع عام (2014)، اضافة الى ذلك انخفضت نفقات الاستثمار ايضا حيث كانت في عام 2014 (35 ترلیون و 487 ملیار و 400 ملیون) دینار بينما انخفضت في عام (2015) الى (18 ترلیون و 564 ملیار و 700 ملیون) دینار، الفرق بين هذين العامين بلغ (16 ترلیون و 922 ملیار و 700 ملیون) دینار اي انها انخفضت بنسبة (47.7%) في (2015) مقارنة مع عام (2014)
ثانيا/ تأثير اسعار النفط على الايرادات والنفقات العامة للعراق بين اعوام 2014 – 2018
أثرت تقلبات اسعار النفط على الموازنة العامة للعراق، لم يستطع العراق خلال عام 2014 من زيادة ايراداته المالية حتى عام(2018)
ثالثا/ تأثيراسعار النفط على الدين العام للعراق .
مع العجز المستمر في الموازنة العامة( المحلية – الخارجية) ارتفعت ديون العراق منذ عام ( 2014) الى ( 2018) من (75 ملیار و 200 ملیون) دولار الى (123 ملیار و 300 ملیون) دولار،
رابعا. اصيب الاقتصاد العراقي في عام 2020 بضربة اخرى على اثر انخفاض اسعار النفط
القسم الثاني
تأثير اسعار النفط على اقليم كوردستان.
في عام 2014 اوقفت الحكومة الاتحادية ارسال حصة الاقليم من الموازنة العامة، مما ادى الى تأزم الوضع السياسي بين بغداد واربيل وتعرض اقتصاد الاقليم الى ازمة خانقة، لان اقتصادها تعتمد بالدرجة الاولى على الايرادات النفطية.
اولا- الاضرار المالية للاقتصاد المستقل.
كانت الحكومة الاتحادية ترسل (17%) من حصة الاقليم من الموازنة العامة للعراق، منذ عام ( 2004) وحتى عام ( 2014) الجدول رقم (1) يبين حجم الاموال التي ارسلتها الحكومة العراقية الى الاقليم خلال تلك السنوات
وفق بحث اجرتها دائرة البحوث في مجلس الوزراء العراقي,في شهر تشرين الاول من عام 2020، فأن حكومة الاقليم استلمت مابين اعوام 2005 – 2019 (96) ترلیون و (196) ملیار و(503) ملیون دینار من الحكومة الاتحادية، في المقابل فأن حكومة الاقليم سددت للحكومة المركزية خلال هذه الفترة عائدات بلغت (2) ترلیون و (273) ملیار و (430) ملیون دینار.
حصة الاقليم من الموازنة العامة للعراق ،مرحلة (2014 – 2021)
لم ترسل بغداد بعد عام (2014)، حصة الاقليم بشكل كامل و ذلك لعدة اسباب منها، اعلان الاقليم عن سياستها في اتباع الاقتصاد المستقل و عدم تسليم النفط الى الحكومة الاتحادية، مع ان حصة الاقليم قد حددت في الموازنات العامة بين اعوام ( 2014- 2021)
1- الحكومة العراقية لم تكن لديها قانون موازنة في عام 2020
2- الاشهر الاولى من عام 2020 ارسلت بغداد 453 مليار دينار للاقليم كوردستان.
3- ارسلت الحكومة الاتحادية منذ شهر تموز من عام ( 2021) ولـ( 5) مرات مبلغ (200) مليار لحكومة الاقليم كسلفة لدفع مرتبات الموظفين.
ثالثا/ الايرادات النفطية للاقليم في ضل الاقتصاد المستقل.
صدرت حكومة الاقليم منذ عام ( 2004 الى عام 2021) ملياربرميل من النفط و بمعدل سعر( 52) دولارا للبرميل ، وبلغت العائدات النفطية بدون احتساب نفقات الاستخراج ( 60) ترليون دينار
رابعا/ اثار تصدير النفط بشكل مستقل.
المقارنة بين الايرادات النفطية في ضل الاقتصاد المستقل و الاموال التي كانت ترسلها الحكومة الاتحادية من حصة كوردستان في الموازنة العامة للدولة.
1 - اوقفت الحكومة العراقية منذ عام ( 2014) حصة كوردستان من الموازنة العامة ويقدر المبلغ بـ(82) ترلیون و (757) ملیار و (422) ملیون دینار.
2 - صدرت حكومة الاقليم خلال ( 7) سنو ت (1) ملیار و (34) ملیون و (546) الف (335) برميل بقيمة (59) ترلیون و (709) ملیار دینار، وهذا المبلغ من دون احتساب نفقات الاستخراج و اجورالشركات النفطية. اما اذا افترضنا(40%) من هذا المبلغ تذهب الى نفقات الاستخراج فان المبلغ المتبقي سيكون (35) ترلیون و (582) ملیار و (400) ملیون دینار.
3- الفرق بين الواردات، قبل احتساب نفقات الاستخراج و بعد احتساب النفقات(23) ترلیون و (48) ملیار و (422) ملیون دینار.
اما اذا تم احتساب المبلغ بعد احتساب نفقات الاستخراج اي احتساب ( 40 %) فسيكون المبلغ (46) ترلیون و (932) ملیار و (22) ملیون دینار، وهذا المبلغ بشكل تقريبي يوازي الديون التي في ذمة حكومة الاقليم والتي تبلغ (31 ملیار و 637 ملیون دولارە) اي (45 ترلیون )و (873) ملیار و (650) ملیون دینار، معظم هذه المبلغ هي ديون للموظفين في ذمة الحكومة نتيجة تطبيق سياسية الادخار الاجباري.
خامسا/ تاثير انخفاض اسعار النفط على الموازنة العامة لاقليم كوردستان.
حكومة اقليم كوردستان لاتمتلك قانون للموازنة منذ( 2013)، لم يستطع البرلمان خلال الدورتين الماضيتين اي منذ ( 8) سنوات من اجبار الحكومة ارسال قانون الموازنة الى البرلمان، وبذلك اصبحت العائدات و النفقات خلال هذه الفترة الطويلة غير شفافة.
سادسا/ عائدات اقليم كوردستان تحت تأثير انخفاض اسعار النفط في عام ( 2020).
باعت حكومة الاقليم منذ عام ( 2016) النفط بطريقتين،الاولي هي البيع بشكل مسبق، حيث انها تتسلم مبالغ النفط، قبل استخراجها من الشركات التي تتعامل معهما و هي شركات( كلينور، فيتول، بيتراكو، ترافيكور و روز نفط) لذلك لاتستطيع حكومة الاقليم بعد توقيع هذه العقود من استحصال واردات اضافية.
خلال الاشهر الثلاثة الاولي من عام (2020)، بلغ سقف انتاج النفط في الاقليم الى (454) الف برميل يوميا، (13 ملیون و 620 الف) برميل شهريا. بحسب التحليلات الاقتصادية، حصلت حكومة الاقليم على (40% الى 42%) المجموع الكلي للعائدات .
سابعا/ تأثير انخفاض اسعار النفط على ديون حكومة الاقليم .
اعلن رئيس حكومة اقليم كوردستان مسرور بارزاني خلال جلسة البرلمان في 5 ايار 2020، ان الديون التي في ذمة حكومة الاقليم تقدربـأكثر من ( 28) مليار دولار، وقال رئيس الحكومة، الدين الخارجي بلغ( 7) مليار دولارو( 8) مليار دولار هي ديون متراكمة خاص بالالتزامات المالية و ( 8) مليار دولار هي ديون المتراكمة في ذمة الحكمة للموظفين و( 4) مليار دولار هي ديون للمصرف التجاري العراقي و مصرف كوردستان.
الجدول التالي يوضح ديون حكومة الاقليم قبل قرار ادخار رواتب الموظفين للاشهر (5، 6، 7، 8، 12،11 من عام 2020)، وبذلك يتضح ان الديون التي في ذمة الاقليم قد ارتفع الى ( 30) مليار دولار، وذلك بعد قرار وزارة المالية ادخار رواتب الموظفين اجباريا خلال ( 6) الاشهر الماضيةمن تلك السنة.
المصدر
د. ريام علي حسين، الانعكاسات المالية لصدمة انخفاض أسعار النفط على الموازنة العامة في العراق بعد عام 2014، مركز البيان للدراسات والتخطيط، 2021؛
ابتسام عبد اللطيف محمد، مستحقات اقليم كوردستان وكميات ومبالغ تصدير النفط خارج اطار شركة (سومو) ومدى تاثيرها على الموازنة الاتحادية للمدة (2005-2019)، دائرة البحوث والدراسات النيابية مكتب بحوث الموازنة.
Deloitte, Kurdistan Regional Government of Iraq, Oil production, export, consumption and revenue for the year ended 31 December 2020, 20 June 2021.
Read more