كركوك بين حقائق الوثائق وزيف الادعاءاتالآراء
2022-02-14 19:07:39
كاروان انور
كركوك (آرابخا) مدينة النار الأزلية بشعلتها الوهاجة التي وصفها زينفون وهيرودوتس والاسكندر المقدوني في رحلاتهم بالنار المقدسة، ونار بابا كركر التي زارتها وتزورها النساء الى يومنا هذا ظنا منهن بأنها نار آلهية مقدسة وظنا منهن بأن النار تجعلهن يلدن ذكوراً..
( نارها مقدسة وهواؤها عذب وطينها صلصال مبارك) هذه النار وهذه الرائحة التي لاتتمتع بها الا كركوك وهذه السماء الداكنة التي تتقطر منها نفط ودم وثورة، هي مدينة كركوك ولا كركوك غير كركوك.
(كركوك- آرابخا –التأميم) كلٌ يسميها بلغته وكلٌ يدعيها لنفسه والمدينة هي تلك المدينة التي إبتلت باكتشاف النفط فيها، فلو لم تُعثَر فيها على النفط لما كان حالها الآن سيئة كما هي وما كان الجميع يطالبون بملكيتها، بل كانت على أفضل الحال وللأسف الشديد، فكركوك قبل عام 1927 كانت مدينة تقليدية كسائر مدن هذه المعمورة، وككل مدينة تسكنها غالبية ما من قومية ما، ولكن بعد اكتشاف النفط في باطن أرضها، بدأت الأغراب تتوافد على كركوك لتغيير كفة الميزان السكاني وديموغرافيتها حيث كانت عمليات التوافد في البداية للبحث عن العمل، حالها حال مدينة سان فرنسيسكو الأمريكية التي توافدت اليها الآلاف من العوائل الامريكية من البيض للبحث عن الذهب، فأصبحوا فيما بعد هم أهل الدار وبدأوا بقتل وتشريد وتعذيب الهنود الحمر أصحاب الأراضي والسكان الأصليين للمدينة.. فكركوك حالها حال هذه المدينة الامريكية..
ففئة تأتي المدينة بحثاً عن العمل في مشاريع النفط وآبارها ومستودعاتها وأنابيبها، هذه كانت ضمن ألوف العوائل التي كانت هدفها البحث عن العمل وشاءت الأقدار ان تحصل على العمل في نفط كركوك وتسكن اطراف المدينة آنذاك، وأنشأوا أحياء وأزقة فقيرة لهم وبدأوا بتربية المواشي والجواميس، بدليل ان المحلات القديمة في المدينة وكركوك القديمة لم تكن تسكنها العوائل العربية، بل كانت خليطاً من الأغلبية الكردية والأقلية التركمانية والمسيحيين وعوائل عربية قليلة جدا، فالصورة التي التقطت في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي وفي احدى مدارس المدينة دليل على التكوين السكاني لهذه المدينة، حيث لم يكن في الصورة سوى نفر قليل من القومية العربية والأغلبية كانوا من الكرد، فالمدينة وطابعها السكاني كما زارها الرحالة كلاوديس جيمس ريج منتصف القرن التاسع العشر، يقول عنها: انها مدينة ذات طابع كردي بأغلبية كردية تسكنها أناس من العشائر التي لها امتدادات تاريخية في المناطق الكردية الجبلية..
ودليل آخر على القومية الغالبة وسكانها ألاصليين هو ماكتبه البريطانيون في موسوعاتهم، وما دونوها في المراسلات الرسمية، حيث لم يذكروا اسم المدينة الا كمدينة كردية حالها حال السليمانية وأربيل ومهاباد ودياربكر وعامودا، والاحصاءات الرسمية التي اجريت في المدينة واطرافها ودونت على شكل وثائق لاتثبت الا حقائق واضحة وهي ان هذه المدينة كردية بطبعها وسكانها وعاداتها وتقاليدها وتفكيرها، والكثير من المكتوبات للدولة العثمانية والخرائط التي نشرت قبل اكتشاف النفط لم يتوان عن ذكر المدينة كمدينة كردية، والدليل القاطع هو الخارطة العثمانية الرسمية التي رسمت فيها المدينة ضمن حدود ولاية شهرزور ودونتها كمدينة كردية، وختمت الخارطة بختم السلطان العثماني.
هذه كنبذة مختصرة عن الحقيقة الديموغرافية لكركوك، ولكن رب سائل يسأل، لماذا تفاوت وتغير عدد القوميات الساكنة في المدينة في كل احصاء اجري في العراق، وخاصة بعد اكتشاف النفط؟؟
والجواب هو، أن التفاوت العددي لكل قومية في كركوك بازدياد واحدة وتقليل البقية وكأنهم توقفوا عن النسل والتزاوج، كان بأمر من مركز السلطة في بغداد وعند جميع السلطات والحكومات المتعاقبة التي حكمت العراق لعقود طويلة مضت، فالسلطة البعثية مثلا منذ شباط 1963 تلاعبت بالمدينة وسكانها بلعبة دنيئة ومسألة الحرس القومي وقتل الكثير من المواطنين الكرد بعد انقلابهم الأسود وأهل كركوك أدرى بشعابها طبعا ولا أحد بمقدوره أن يستنكر وجود آلاف العوائل الوافدة الى كركوك، فهل هناك مواطن عراقي نجيب لم يسمع من قبل بـ (أبو العشرة آلاف) و (أبو 17 ألف) وهؤلاء هم عشرات الألوف من العوائل المستقدمة من وسط وجنوب العراق التي اسكنتهم السلطة العفلقية في كركوك وأعطتهم المبالغ الآنفة الذكر من الدنانير العراقية لكي يسكنوا في بيوت الكرد ويستخدموا ملابسهم وأوانيهم وأفرشتهم، وخولوا بقتل أي كردي يسبب مشكلة او اعاقة في عملية إسكانهم وحتى بدون سبب في بعض الأحيان، وقُدمت لهم التسهيلات كافة.. لماذا؟
فقط لتغيير الطابع الديموغرافي لمدينة كركوك، وهذه العمليات استمرت منذ العام 1968 بشكل مكثف ومبرمج وخصصت لها ميزانية كبيرة الى العام 2003 أي حتى قبل زوال البعثية بأيام.. وفي الوقت الذي تستقدم عائلة عربية الى كركوك وتسكن في بيت كردي، تطرد في الوقت نفسه عائلتان كرديتان إما الى جنوب العراق أو الى كردستان العراق، وهذا ما كانت تسمى بعمليات (التعريب) ويدوّن في التاريخ تحت اسم التطهير العرقي أو التمييز العنصري (الآبارتايد).
اذا أردنا ذكر الوثائق والحقائق، فهناك الآلاف منها تثبت ان المدينة حتى منتصف الثلاثينيات من القرن المنصرم كانت تذكر كأية مدينة كردية تسكنها مع الكرد عدد من التركمان والمسيحيين.
ودليل آخر على كردية مدينة كركوك هو الاصرار الكردي على إجراء عملية الاحصاء في المدينة والاستفتاء الذي يقرر فيه مصير كركوك اذ تبقى تابعة للمركز او تصبح ضمن مدن اقليم كردستان، فليس من المستغرب أن يقوم العرب والتركمان بعرقلة الاحصاء والاستفتاء بحجج ومشاكل واهية، وهذا ما جعل العالم يفهم حقيقة ديموغرافية كركوك وزيف الادعاءات التي كان يدعيها البعض، فرغم عمليات التعريب التي استمرت لعقود من الزمن الا ان الكرد لازالوا الأكثرية والأغلبية في المدينة، حتى وإن لم تطبق المادة 140 من الدستور وتعود المدينة الى الحدود الادارية لها في العام 1968.. حيث استقطعت منها عدد من الاقضية والنواحي الكردية والحقت بمحافظات اربيل والسليمانية وصلاح الدين ونينوى.
فكركوك مدينة كردية باعتراف الأتراك العثمانيين، حيث ورد في انسكلوبيديا الدولة العثمانية أي ما يعرف بـ(قاموس الاعلام) للامبراطورية العثمانية بأن كركوك مدينة كردية وعلى هذا الاساس ينظر العالم الى كركوك وليس بالمنظور البعثي الذي طالما عمل من أجل طرد الكرد وجلب العرب الى مدينتهم وبيوتهم وأزقتهم، ونحن إن لم نقل كركوك كردية فالانسكلوبيديا البريطانية أيضا تؤكد كرديتها، والمؤرخون والمستشرقون والرحالة جميعهم متفقون بأن تلك المدينة كردية، ومن لا يصدق كلامي فعليه أن يعود الى ما دوّنه كلاوديس جيمس ريج ومينورسكي وباستيل نكتين والعثمانيون وقبلهم بآلاف السنين إقرأوا رحلة هيرودوتس (أبو التاريخ) عندما مرّ بمنطقة النار المقدسة أو النار الأزلية، وكان ذلك قبل ميلاد سيدنا المسيح، فانظروا الى ما يقوله عن المنطقة وسكانها!!
زيف الادعاءات
ولكن اذا نبحث عن كردية مدينة كركوك في كتابات حزب البعث وتأريخه الطلفاحي، فلاريب ولا جدال أن ما قاله ويقوله الكثير من أقطاب الشوفينية العربية وتحت تأثير الموروث البعثي وان كانوا لا يشعرون بذلك.. فكركوك مدينة عراقية وثرواتها للعراق ككل وليس لأهل المدينة، حيث اشترى البعث بأموال نفط كركوك أسلحة ومعدات ودمر بها دول الجوار ومدن العراق.. فلا تستغرب إن سمعت أناسا يعيدون هذه الاسطوانة المشروخة تحت تأثير الفكر البعثي، فلا أقولها لكم اعتباطا، سأوضح لكم أكثر، فهؤلاء ذوو ثقافة تاريخية جد محدودة ومخجلة فما يقولونه لا يستندون فيه الى دلائل تاريخية وحقائق الوثائق، بل أقوال وكلام فقط للكلام فلتمت سكان المدينة جوعا وعطشا وفقرا ولتعش العروبة ولتستخدم نفط كركوك لعمران العوجة وتكريت وليمت الكردي في بيته في كركوك، هذه كانت نظرية البعث حول كركوك حيث لم يخجلوا في ذكرها علنية، فقال طارق عزيز انها مدينة كردية ولكن عليكم فقط أن تمروا فوقها بالطيارة.... لأن التوافد المنتظم والمستمر الى المدينة والاغراءات المادية والمعنوية الكثيرة بهدف التغيير الديموغرافي والتلاعب بعدد سكان المدينة وإغراق المدينة بقومية معينة دون غيرها والبدء باخلاء السكان الأصليين ويحل محلهم أناس وافدون ومستفيدون من القوميات الأخرى، كانت ضمن خطط مبرمجة وسياسة ثابتة وضمن ستراتيجية البعث للمدى البعيد، فالسلطة المركزية والحكومات المتعاقبة التي استلمت دفة الحكم في بغداد وضعت نصب أعينها على ما تخفيه المدينة من كنوز، ظنا منها انها تحمي العروش في بغداد، وهذا ما قاله طارق عزيز لجلال طالباني حيث قال: عليكم أن تذرفوا الدموع على كركوك كما على العرب أن تذرف الدموع على الأندلس.
فكم أتمنى ان يكون للأرض والسماء لسان لينطقا به حقيقة كركوك، وكم أتمنى أن تكون للنار الأزلية في بابا كركر لغة تنطق بها، وتدون سجلا للتاريخ، لكن أي سجل؟ طبعا ليس ذلك الذي يدونه البعثيون، وأصحاب الأقلام المأجورة، والخبراء المزورون أمثال خيرالله طلفاح الذي زور التاريخ الاسلامي بحاله، ثم نال جزاءه الدنيوي العادل، ومن حذا حذوه لتدوين تاريخ العراق والمنطقة مقابل حفنة من الدنانير..
إن حاملي القلم ومن لم يفكر بعقله وانما بقلبه وجيبه، ودولارات براميل النفط الصدامي المهرب والمهداة الى شلة غير قليلة من الشوفينيين والقومجيين، صدقوا ورددوا ما كتبته أقلام البعث المأجورة، فوقع نفر غير قليل منهم في حفرة ثقافة البعث، وباتوا يدافعون عن جميع حروبه وجرائمه المرتكبة ضد شعب العراق ودول الجوار من ايران والكويت.. فأصبحوا ببغاء البعث وتحدثوا عن كركوك من مصر وفلسطين والسودان والاردن دون أن يعرفوا ماذا تعني كلمة كركوك، ودون أن يعرفوا أين تقع المدينة وأدنى معلومات عنها..
لماذا؟ لا شك لتدني مستوى وعيهم وإدراكهم ولخفة حمولتهم الثقافية وعدم ايمانهم بايدولوجية ثابتة في الحياة، لا أتجرأ أن اقول الحياة السياسية، لأنهم إن كانوا ممارسين للسياسة في يوم ما من أيام حياتهم فلا شك بأنهم كانوا من بين صفوف الحزب القائد أقصد حزب البعث العربي الاشتراكي المنهار والمنحل..
هؤلاء لم يفكروا بالمنطق السديد؟ بل ضحكوا على ذلك التاريخ الذي يكتب بدماء المؤرخين بعيدا عن أللاعيب الفتنة والشوفينية والعنتريات التي قامت بتدوينه بحد السيف وليس بالقلم، كما رأيناه في عراق البعث. فلا نرى الأصل والجذور والحقيقة في صفحات التاريخ التي دونت في زمن العراق المظلم أو الفترة المظلمة في تاريخ العراق، فجعل هذا التاريخ من حزب البعث العربي الاشتراكي حزبا مثاليا وقوميا يسعى لخير العراقيين وجعل من بلادهم جنة الله على الأرض، وجعل من شخص صدام حسين قائدا للعروبة والاسلام ومجاهدا حقيقيا يقاتل من أجل الاسلام والمسلمين..
وامتلأت أذان ما سماه البعث بجيله بهذه الخزعبلات التي يستحيل أن تخرج من أدمغتهم الا ببرنامج تربوي وتوعوي طويل الأمد، وهذا ما نراه في عدة شخصيات اليوم، فهم امتداد لذاك التاريخ الأسود وتحت تأثيرات اللغة والعبارات ذاتها ومتأثرين بالأمثلة القومية والشوفينية عينها، فظهروا اليوم للعيان بحلة جديدة ولكن بفكر بعثي بحت..
فكيف نفهمهم ونوصل الحقيقة الى أدمغتهم بأن كركوك مدينة لها أصحابها الشرعيون، وتوافد اليها آلاف العوائل بهدف تدمير طبيعتها السكانية..
ماذا نقول لأجيال من أصحاب الافكار البعثية، حتى في الدول العربية ودول الجوار بأن صدام وحزبه وسلطته اغتصبوا كركوك عنوة، كما أرادو اغتصاب ايران والكويت!!..
ما فعله البعث بالكرد وكركوكهم كثير ومؤلم ولا يُنسى.
مع هذا وذاك فالكرد مسالمون بطبعهم حيث قال رئيس برلمان كردستان العراق، كمال كركوكي حول مدينته "توجد وثائق تاريخية تثبت كردستانية كركوك.
إلا إننا نحترم خيار السكان بانضمامهم إلى إقليم كردستان أو البقاء مع بغداد، في الاستفتاء الخاص بتحديد مصير المحافظة الغنية بالبترول والمتنازع عليها بين الكرد والعرب والتركمان".
أنظر الى التسامح الكردي رغم أن الوافدين طردونا شر طريدة وسلبونا من مدينتنا وأملاكنا وحتى من مقابر أجدادنا، فما زال الوقت لم يفت بعد لتنفيذ المادة 140 الخاصة بالتطبيع وإن الأعذار بتاجيلها غير مقبولة، فهناك خطوات جيدة قد تحققت ومن الممكن إستثمار ما تبقى من الوقت للمضي في عملية التطبيع بما فيها إجراء الاستفتاء على مصير المدينة..
فالمناطق الواقعة ضمن إطار المادة 140 التي تقع كركوك ضمنها لم تقم الحكومة الإتحادية بواجباتها تجاهها.
ولا نحن في حكومة الإقليم قادرون على تقديم الخدمات لها، مع ذلك هناك تقدم ملحوظ في عملية التطبيع في تلك المناطق، ونعتقد أنه في حال وجود نوايا حسنة فمن الممكن تطبيق المادة في مواعيدها المحددة، فالاستفتاء المزمع إجراؤه في المهلة الدستورية، الرأي الكردي يقوله كركوكي "لقد أكدنا موقفنا من هذه المسألة وقلنا إن من يحمل هو أو أحد والديه وثيقة تثبت سكنه في المدينة أثناء الإحصاء السكاني لعام 1957 يحق له التصويت في الإستفتاء من دون استثناء بسبب انتماءاته القومية لأن كركوك مدينة متعددة القوميات، كما أن قرار إعادة الموظفين المفصولين لأسباب سياسية قد صدر، بالإضافة الى صدور قرارات إعادة ربط المناطق الإدارية المنزوعة عن حدود محافظة كركوك..
وقال "نحن نعتقد أن إجراء الأحصاء السكاني في مناطق كركوك ليس مستعصيا، كما أن إجراء الإستفتاء لا يتطلب كل هذا الوقت.
واعتبر أن الاستفتاء عملية إدارية من أجل معرفة خيارات السكان في اللحاق بالإقليم أو البقاء مع الحكومة الإتحادية، ونحن سنحترم أي خيار يختاره السكان..فهذا هو الحال في كركوك..
فالحقائق والوثائق موجودة في المتاحف والمكتبات وأدراج الأرشيف حيث تسرد تاريخ المدينة بكل صدق وامانة. وهناك من يزور الحقائق ويزيف التاريخ ولكنه يخاف من إجراء الاحصاء السكاني أو الاستفتاء الشعبي بين سكان المدينة، لأن الحقائق تظهر للعالم والادعاءات الباطلة التي تمسكوا بها وخدعوا الكثيرين خلال اربعين عاما سوف تنكشف عاجلا أو آجلا..