تأثير توطين الحوار والدبلوماسية في صنع القرارات السياسیة
2024-12-22 08:08:51
عربية:Draw
إن توطين الحوار والدبلوماسية يشكل أداة جوهرية لمعالجة العنصرية والتحيز والحد من الصراعات الدموية في دول الشرق الأوسط. إذ تعد المنطقة واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا على المستوى السياسي والجغرافي والاجتماعي، حيث تتشابك فيها المصالح المحلية والدولية، وتتداخل النزاعات العرقية والدينية والسياسية. لذا، في ظل هذه البيئة المتشابكة، أصبح تعزيز الحوار والدبلوماسية خيارًا لا غنى عنه لتحقيق الاستقرار وصنع القرارات السياسية المستدامة.
نلاحظ أن الوضع في سوريا اليوم لا يزال يشهد تعقيدًا كبيرًا وتحديات جسيمة. سنوات الصراع التي تجاوزت العقد أدت إلى دمار واسع للبنية التحتية، ونزوح الملايين من السكان، وتفاقم الأزمات الإنسانية. إلى جانب استمرار التدهور الأمني والنزاعات المسلحة والانقسام العرقي والمذهبي. المشهد في سوريا لا يختلف كثيرًا عن نظيره في العراق، فكلاهما يمثلان قلب الشرق الأوسط ومهد الحضارات القديمة، بالإضافة إلى كونهما نموذجًا فريدًا للتعددية الثقافية والدينية. ومع ذلك، فإن هذا التنوع، الذي يُعتبر إرثًا ثمينًا، قد يتحول إلى قنبلة موقوتة تُهدد بالفتنة والدمار إذا لم تُعالج أسبابه جذريًا من خلال حلول سياسية ودستورية وقانونية.
في هذه الحالة، نحن أمام خيارين متباينين: إما المضي في ديناميكيات سلبية تؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، وتصاعد الانقسامات العرقية والدينية، وما يترتب عليها من عنصرية، وعنف، وإراقة الدماء، مما يفتح الباب أمام صراعات طائفية طويلة الأمد، ويزيد من اتساع الفجوة بين المكونات المجتمعية، ويعرقل أي مساعٍ للتنمية والإصلاح. أو السعي نحو مسار إيجابي يعزز السلام والوئام، من خلال تقليص الفجوات الاجتماعية، وتعميق التفاهم المتبادل، وتشجيع التعاون بين الأطراف المختلفة، ومكافحة الفساد السياسي والإداري لتحقيق الاستقرار وتطلعات المجتمع نحو مستقبل أفضل.
الخلفيات الثقافية والتوجهات – بما تتضمنه من أفكار ومظاهر مادية وسلوكيات – تؤثر بشكل واضح في سياسات الأحزاب والمكونات، حيث يقومون ببناء خطابات باسم الثقافة، والدين، واللغة لتوجيه الجمهور وجعلهم يقبلون المزاعم بأنها تمثل حقائق شاملة. هذه الخطابات تساهم في تشكيل الانقسامات وإبراز الفروقات بين الجماعات، مما يؤثر على تفاعلهم مع القضايا السياسية والاجتماعية.
هنا تكمن أهمية توطين الحوار والدبلوماسية في تبني آليات تفاوض وحلول سلمية محلية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المنطقة وثقافتها السياسية والاجتماعية. هذه الدبلوماسية تُسهم في تحقيق توازن المصالح بين الأطراف المختلفة، وتقليل التوترات، وحل النزاعات الإقليمية سواء كانت ناتجة عن عوامل داخلية كالفقر والبطالة وضعف الحوكمة، أو خارجية تتعلق بالمصالح الدولية. كما أن بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة يُعد خطوة جوهرية، حيث يتيح إشراكهم في صياغة الحلول بدلاً من فرضها من قبل قوى خارجية، وهو ما يعزز السيادة الوطنية ويُرسخ استقرار المنطقة.
لا يتوقف هذا الدور على السياسيين وحدهم، بل يمتد ليشمل المجتمع بكل مكوناته، باعتباره ركيزة أساسية في تحقيق السلام. فالأفراد والمؤسسات المجتمعية يمكنهم الإسهام عبر تعزيز قيم التسامح والحوار، وإطلاق مبادرات شعبية تدعم المصالحة وتُعيد بناء جسور الثقة بين الأطراف المختلفة، مما يُمهّد الطريق لاستدامة الحلول السياسية والاجتماعية.
يمكن اعتبار سياسة الرئيس نيجيرفان بارزاني نموذجًا عمليًا لتوطين الحوار والدبلوماسية بهدف تجاوز الانقسامات العرقية والدينية. فقد ركزت سياساته على تشجيع الحوار وتعزيز التفاهم المشترك بين مختلف الأطراف، والسعي لترسيخ التسامح الديني والثقافي كوسيلة لتحقيق السلام الاجتماعي والتغلب على التحيزات العرقية والدينية، والحد من مخاطر النزاعات الداخلية وضمان السلام والاستقرار.
يجسد هذا النهج استمرارًا للإرث الذي خلفه والده، المرحوم إدريس بارزاني (1944-1987)، الذي لعب دورًا محوريًا في إخماد الحرب الداخلية بين الأحزاب الكوردية في الثمانينات من القرن الماضي، مما أثمر عن تشكيل الجبهة الكوردستانية بقيادة الرئيس مسعود بارزاني والمرحوم جلال الطالباني، واللذان بدورهما قادوا الانتفاضة الشعبية في اذار ١٩٩١ كنموذج للوحدة والتعاون لتحقيق الأهداف المشتركة. لذا ينبغي على الساسة في العراق وسوريا صياغة استراتيجية شاملة تعتمد على الحياد والموضوعية، بعيداً عن أي شكل من أشكال التحيز أو التعصب، لضمان التعايش السلمي وتحقيق الاستقرار.