تغيير ديمغرافي كبير في شمال سوريا، الأكراد يواجهون عملية تهجير ممنهجة
2024-12-03 07:13:38
عربية:Draw
تشهد محافظة حلب حركة نزوح ضخمة لعشرات آلاف الأكراد من المدينة وريفها باتجاه شرق نهر الفرات إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وسط عملية خروج معقدة وغير آمنة.
وتواصل مئات العائلات الكردية إضافة إلى قوات كردية الخروج من أحياء تاريخية لهم في الشيخ مقصود والشهباء وسط مدينة حلب وكذلك منطقة تل رفعت بريف حلب الشمالي والتي كانت تأوي نازحين من منطقة عفرين الكردية منذ 4 سنوات.
ويأتي هذا النزوح بعد قرار الإدارة الذاتية سحب قواتها من ريف حلب عوضاً عن الدول في صراع مع الجماعات المسلحة والجيش الوطني المدعوم من تركيا في حلب وريفها.
وبدأت وحدات حماية الشعب الكردية ، العماد العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، الإثنين، بالخروج من أحياء في مدينة حلب، باتجاه منطقتين في شمال وشرق سوريا، بعدما سيطرت فصائل معارضة موالية لتركيا الأحد على مدينة تل رفعت الاستراتيجية.
وتأتي عملية الخروج بموجب اتفاق توصلت إليه مع فصائل المعارضة المسلحة، التي سيطرت على المدينة وكامل القرى والبلدات الواقعة في ريفها.
ونقل موقع "الحرة" الأميركي عن مصدر عسكري مطلع على الاتفاق قوله إن عملية الخروج "بدأت قبل ساعة ومن خلال حافلات مجهزة، وإن وجهة المسلحين ستكون منبج والرقة".
في المقابل، أضاف أن الفصائل المسلحة "تركت للسكان الكرد في حيي الأشرفية والشيخ مقصود، خيار البقاء".
وذكرت وكالة رويترز في وقت سابق الإثنين، نقلا عن مصدرين وأحد السكان أن قوات وحدات حماية الشعب الكردية بدأت الانسحاب من الأجزاء الشمالية الشرقية من مدينة حلب بموجب اتفاق مع المعارضة.
من جانبه، أشار المصدر إلى أن الاتفاق يخص حيي الأشرفية والشيخ مقصود، ومسلحين كانوا يتمركزون في قري وبلدات تتبع لمدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي.
ويبلغ عدد الأكراد من مسلحين ومدنيين في الحيين المذكورين بحلب وقرى وبلدات تل رفعت، حوالي 200 ألف شخص.
وتأتي عملية خروجهم بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة على كامل مدينة حلب، من أحياء وأرياف وثكنات وقطع عسكرية ومطارات.
وحقّقت الفصائل بذلك مجانا حلما تركيا طال انتظاره، وأسقطت معه توازنات مع روسيا والولايات المتحدة، كانت تواجه أنقرة في سبيل ذلك.
وأفاد المرصد أن "فصائل الجيش الوطني" الموالي لتركيا سيطرت على مدينة تل رفعت القريبة من الحدود التركية وعلى قرى وبلدات مجاورة لها.
وأضاف المرصد أن سيطرة الفصائل المسلحة على المدينة الاستراتيجية، جاء في هجوم منفصل عن ذلك الذي شنته "هيئة تحرير الشام" وتمكنت خلاله من السيطرة على مدينة حلب.
وكانت "هيئة تحرير الشام" والفصائل المسلحة قد عرضت، على قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مغادرة مدينة حلب "بشكل آمن"، وذلك بعد أن سيطرت الفصائل الموالية لتركيا، على مدينة تل رفعت شمال حلب.
وفي وقت سابق الأحد، تحدث مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، عن مواجهات وصفها بـ"العنيفة"، اندلعت بين الطرفين في تل رفعت.
وأشار إلى أن "الفصائل المسلحة الموالية لتركيا اشتبكت مع "قسد" على محاور تل رفعت شمال حلب"، مبينا أن أكثر من 300 ألف نازح كردي متواجدون في تلك المنطقة.
وفي ظل الحصار الذي فرضته الفصائل المسلحة على حيي الأشرفية والشيخ مقصود بمدينة حلب، فضلا عن سيطرتها على تل رفعت شمال حلب منذ الأحد، أكد قوات سوريا الديمقراطية أنها ماضية في حماية السكان.
وقال قائد "قسد" مظلوم عبدي في منشور على حسابه في إكس اليوم الإثنين إن "الأحداث في شمال غرب سوريا تطورت بشكل متسارع ومفاجئ، حيث واجهت قواته هجمات مكثفة من عدة جهات، مع انهيار وانسحاب الجيش السوري وحلفائه" وفق تعبيره.
كما أضاف أن قوات قسد تدخلت لفتح ممر إنساني بين مناطق الشمال الشرقي (حيث تتواجد) وبين حلب ومنطقة تل رفعت لحماية السكان ذات الأغلبية الكردية، إلا أن "المجموعات المسلحة المدعومة من تركيا قطعت هذا الممر"
إلى ذلك، شدد على أن قسد دافعت ببسالة عن أهلها في حلب وتل رفعت والشهباء، مضيفا أنها تعمل على التواصل مع كافة الجهات الفاعلة في سوريا لتأمين إخراجهم بأمان من منطقة تل رفعت والشهباء باتجاه المناطق الآمنة تحت سلطتها في شمال شرق سوريا.
لكنه أكد في الوقت عينه أن مقاتليه مستمرون في "حماية سكان الأحياء الكردية بمدينة حلب".
وكانت الفصائل المسلحة قد سيطرت قبل ذلك في إطار المعركة، على عدد من القرى والبلدات والمواقع العسكرية المحيطة بتل رفعت، كان أبرزها مطار منغ العسكري، والذي كان إعلان السيطرة عليه بمثابة السيطرة على تل رفعت، نظرا لتحصينه وأهميته الاستراتيجية بالدفاع عنها.
وتعتبر سيطرة الفصائل المدعومة من أنقرة على تل رفعت، بمثابة تحقيق حلم تركي طال انتظاره. فلطالما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية للسيطرة عليها، بسبب وجود "الوحدات الكردية" التي تشكل العمود الفقري لـ"قسد"، وتهدديها للأمن القومي التركي، حسب قوله.
وفي كل مرة كان يهدد أردوغان بالسيطرة على تل رفعت ومنبج، كان يصطدم بالحسابات الأميركية الداعمة للوحدات الكردية في إطار محاربة داعش، وبالحسابات الروسية التي تسيطر على الأجواء فوقها والداعمة للنظام السوري. وبذلك، فإن السيطرة على تل رفعت حقق لتركيا مكاسب وصفت بـ"المجانية".
وبالسيطرة على تل رفعت، فإن مناطق درع الفرات وغصن الزيتون الخاضعة للنفوذ التركي في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، أصبحت تتصل بمدينة حلب بطرق دولية ومباشرة مثل طريق غازي عينتاب- حلب.
ولم يتبقَ للوحدات الكردية داخل محافظة حلب إلا بعض مناطق السيطرة داخل مدينة حلب الشمالية أبرزها حي الشيخ المقصود، بينما مازالت تسيطر على منطقة منبج، في ريف حلب الشمالي الشرقي.
واتصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بنظيره التركي هاكان فيدان الأحد لمناقشة "الحاجة إلى وقف التصعيد" بسوريا. وشدد بلينكن لفيدان على "ضرورة وقف التصعيد وحماية أرواح المدنيين والبنى التحتية"، وفق الخارجية الأميركية.
من جهته، قال فيدان لبلينكن إن تركيا "تعارض أي تطور من شأنه زيادة عدم الاستقرار بالمنطقة"، مضيفا "نحن ندعم خطوات ترمي إلى التهدئة بسوريا"، حسبما نقلت عنه الخارجية التركية.
والتصعيد الميداني الحالي لم تشهد له سوريا مثيلا منذ سنوات. فقد أتاح وقف للنار رعته موسكو وأنقرة عام 2020 هدوءا إلى حد كبير في إدلب، حيث كانت هيئة تحرير الشام تسيطر على نحو نصف مساحة المحافظة وعلى أجزاء ملاصقة لها من محافظات حلب وحماة واللاذقية.
وانهارت الهدنة الأربعاء مع بدء الفصائل هجومها، دون أن تتضح خلفيته وآفاقه.
وغداة توعّده بـ"دحر" التنظيمات "الإرهابية"، قال الأسد الأحد إن "الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها".
تشكل خسارة حلب بعد نحو 14 عاما من النزاع صفعة لنظام الأسد.
ويقول الباحث آرون لوند من مركز "سنتشري إنترناشونال" للأبحاث لفرانس برس "يبدو أن النظام قد خسر حلب، وما لم يتمكن من شن هجوم مضاد قريبا، وما لم ترسل روسيا وإيران دعما أكبر، لا أعتقد أن الحكومة ستستعيدها".
ويضيف "قد تخسر الحكومة كل شيء في سوريا وتظلّ تُعتبَر دولة إلى حدّ ما. لكنّ خسارة حلب أو دمشق هي النقطة التي تبدأ الأمور عندها تبدو غامضة".
وأعربت ثلاث دول منخرطة بالنزاع السوري، روسيا وإيران حليفتا الأسد، وتركيا الداعمة لفصائل معارضة، عن قلقها إزاء "التطور الخطير" بسوريا.
وأثار التصعيد الميداني ردود فعل إقليمية ودولية.
ودعت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة الأحد إلى "وقف التصعيد" في سوريا، وحضت في بيان مشترك على حماية المدنيين والبنية التحتية.
وجاء في البيان الذي أصدرته الخارجية الأميركية أن "التصعيد الحالي يؤكد الحاجة الملحة إلى حل سياسي للنزاع بقيادة سوريّة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254"، في إشارة إلى القرار الأممي لعام 2015 الذي أقرّ عملية السلام بسوريا.
وأكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأحد في اتصال مع رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، "وقوف الأردن إلى جانب الأشقاء في سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها".
ورغم تراجع حدة المعارك إلى حد كبير بالسنوات الماضية، إلا أن جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية للنزاع فشلت.
وحذّر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون من أن القتال الدائر "تترتب عليه عواقب وخيمة على السلام الإقليمي والدولي"، داعيا الأطراف المعنيين إلى "الانخراط السياسي العاجل والجاد.. لحقن الدماء والتركيز على الحل السياسي".
تشهد سوريا منذ 2011 نزاعا مدمرا أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص واستنزف الاقتصاد وأدى إلى تشريد وتهجير أكثر من نصف عدد سكانها.