الرئيس العراقي يتلقى الأوامر من خامنئي: لا بقاء لأميركي واحد في العراق
2023-05-01 08:57:23
عربية:Draw
وضع الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد نفسه في موضع لم يسبق لأسلافه أن وجدوا أنفسهم فيه عندما بدا كأنه يتلقى الأوامر من المرشد الإيراني علي خامنئي، خلال لقاء شارك فيه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
وخاطب خامنئي رشيد قائلا “إن الولايات المتحدة صديق لا يُعتمد عليه، وينبغي على العراق ألا يسمح بأي قوات أميركية على أراضيه”، قبل أن يضيف أنه “حتى وجود أميركي واحد في العراق يعتبر كثيرًا”.
ولم يتمكن رشيد من الرد، حتى أنه لم يذكر أن اتفاقية عام 2008، التي نظمت الوجود الأميركي في العراق، تمت بموافقة إيران وصادق عليها حليف طهران الموثوق نوري المالكي عندما كان رئيسا للوزراء في أول حكومة محاصصة طائفية قادتها الجماعات الموالية لإيران بعد الغزو الأميركي للعراق. كما لم يذكر أن الطرفين، منذ عام 2003 حتى اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير 2020، كانا يتقاسمان المنافع في العراق.
ويقول مراقبون إن ظهور رشيد بمظهر التلميذ أمام خامنئي ليس جديدا على باقي السياسيين العراقيين الذين قابلوه خلال العقدين الماضيين، إلا أن منصب الرئيس كان يتطلب تنسيقا لموضوعات البحث بحيث لا تؤدي المواقف الحادة إلى خروج اللقاء عن سكته البروتوكولية المعدّة مسبقا.
ونقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن رشيد قوله لخامنئي “إن العراق يركز جهوده على تعميق العلاقات مع إيران، وحل بعض القضايا العالقة بين البلدين”، دون الإشارة إلى علاقات بلاده مع الولايات المتحدة.
وقاد رشيد وفدا إلى طهران السبت ضم وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ووزير الكهرباء زياد علي فاضل ووزير الموارد المائية عون ذياب عبدالله ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، كما ضم الوفد السيدة العراقية الأولى شاناز إبراهيم أحمد، وهي المرة الأولى التي تكون فيها سيدة عراقية أولى ضمن وفد رسمي إلى طهران.
والسيدة شاناز شخصية كردية مرموقة وكاتبة وسياسية، وتجيد اللغات العربية والكردية والإنجليزية والفارسية، فضلا عن كونها قيادية في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وهي شقيقة زوجة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني.
وعلى الرغم من أن منصب الرئيس العراقي أصبح منصبا “فخريا” إلى حد كبير، إلا أن الرؤساء الثلاثة السابقين، جلال طالباني وفؤاد معصوم وبرهم صالح، سعوا إلى لعب أدوار محلية وخارجية مؤثرة نظرا إلى الثقل السياسي الذي كانوا يتمتعون به؛ ليس فقط لأنهم أدّوا أدوارهم كقادة للعراق، وإنما أيضا لأنهم كانوا يمثلون كتلة كردية موحدة. إلا أن الرئيس رشيد وجد نفسه في موضع آخر حيال الانقسام الكردي، وكذلك لأن انتخابه كان ثمرة صراع مرير مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الأمر الذي جعل منصبه ليس “أمرا مسلما” به من جانب الأكراد أنفسهم.
وشكل النفوذ المطلق الذي باتت تتمتع به أحزاب وميليشيات الإطار التنسيقي بعد خروج التيار الصدري من العملية السياسية، مناسبة أخرى لإضعاف موقع الرئيس، لأنه خسر المكانة المعهودة للتوسط في حل نزاعات الأطراف السياسية المختلفة.
ويقول مراقبون إن الرئيس رشيد لا يزال بوسعه أن يلعب دورا مؤثرا في الحياة السياسية العراقية، إلا أن ذلك يتطلب حل الخلافات مع الشق الكردي الآخر، كما يتطلب اتخاذ موقف شجاع يحول دون “تنمر” الإطار التنسيقي على السياسيين الآخرين، بمن فيهم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي يتعرض لضغوط من جانب بعض جماعات الإطار لتقديم تنازلات على حساب تنفيذ البرنامج التنموي والإصلاحي الذي تعهد به.
وكان الرئيس رشيد اختار موضوعا “وطنيا” جديرا بالاعتبار هو حصة العراق من المياه التي تحتجزها إيران، ليكون الموضوع الرئيسي للزيارة، ولكن لم تتوفر أدلة على أنه حاول ممارسة ضغوط على الجانب الإيراني فيما يتعلق بهذه المسألة، لأن حكومة السوداني لم تفوّض له توجيه ضغوط، ما جعل الزيارة مجرد زيارة “رفع عتب” لم يعاتبه عليه أحد.
واقتصرت التصريحات على الإشادة التقليدية بمتانة العلاقات بين العراق وإيران؛ حيث أكد رشيد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني على القول “تربطنا علاقات مشتركة مع إيران، وزيارتنا إلى طهران تأتي للتأكيد على العلاقات بين البلدين، وإنها علاقات ثابتة ومتماسكة وغير قابلة للتغيير”، وأردف “أتقدم بالتهنئة للتطور في العلاقات بين إيران والسعودية”، وذلك قبل أن يشير إلى “ضرورة مراعاة إيران لحصة العراق المائية”. وهي إشارة بدت وكأنها تمنّ أكثر منها مطلبا يستند إلى أسس يمكن توظيف العلاقات التجارية بين البلدين في صالحها.
وكان الرئيس الإيراني هو الذي استهلّ المطالب قائلا إن “علاقاتنا مع العراق جيدة، ونسعى للوصول إلى تبادل تجاري يرقى إلى مستويات أعلى”، مشيرا إلى أن “مستوى حجم التبادل التجاري مع العراق يبلغ أكثر من 10 مليارات يورو”.
ويبلغ حجم التبادل التجاري الحقيقي ضعف هذا المبلغ. ولكن إيران تحاول أن تخفضه لكي لا يؤدي إلى إثارة المزيد من المخاوف من وجود هيمنة اقتصادية إيرانية على العراق.
ويعاني العراق منذ سنوات انخفاضًا متواصلًا في الموارد المائية، وما زاد احتداد أزمة شح المياه تدني كميات الأمطار في البلاد على مدى السنوات الماضية.
وكانت المياه الواردة من إيران إلى العراق تبلغ 7 مليارات متر مكعب يوميّا، إلا أنها تراجعت إلى الصفر بعدما قطعت طهران مياه ثلاثة أنهار تمر إلى العراق هي سيروان والكارون والكرخة. ولم تجد الحكومات الخاضعة لهيمنة إيران في بغداد ما تفعله حيال هذا الوضع، بل على العكس من ذلك تعمدت زيادة التبادل التجاري مع إيران، حتى بدا الأمر كأنه مكافأة لإيران على قطعها المياه عن العراق.
المصدر: العرب