القصف في زاخو والمؤامرة في طهران!
2022-07-24 10:56:39
عربية : Draw
بدا الكثير من مواقف النخب السنية في العراق خجولة أمام إدانة القصف التركي على زاخو، واكتفت بتحميل الحكومة العراقية مسؤولية «الاستباحة» للأراضي العراقية، البعض أخذ يشكك في أن يكون القصف تركيا، وعرض بحياد الرواية التركية، بينما كانوا في الماضي واثقين تماما، أن موت السمك في نهر دجلة كان بفعل إيران، بل إن كثير من الشخصيات السنية البارزة السياسية والاجتماعية قالت صراحة، إن هذا القصف ما هو إلا مؤامرة إيرانية ومن الميليشيات المرتبطة بإيران، فالمزاج السني يؤمن بمقولة «كله من إيران»، حتى داعش السنية هي بكل بساطة لعبة إيرانية في المزاج الشعبوي السني، الذي يتغذى على مقولات نخب عاشت في بيئة سياسية وإعلامية تقوم على نظام تثقيف أمني مركزي يضع «الوارد من القيادة» قبل «نفذ ثم ناقش»، يخلط بين الدعاية والمعرفة وسقف حريته التعبيرية يجرم حتى النكتة السياسية. تتبادل الطوائف والقوى السياسية اتهامات «التبعية» و»الذيلية»، إما للدولة السنية تركيا، أو لإيران الشيعية، الأحزاب الشيعية متهمة منذ أيام صدام بـ»التبعية» والعمالة لإيران، و»ذيول» الخميني. والقوى السنية ترمى بأن نخبها كانت منذ تأسيس الدولة العراقية بقايا السراي العثماني وجنود «السفر برلك» لأربعة قرون، واليوم التهمة لهم تتجدد بصورة جديدة؛ تبعية تركية وذيول أردوغان. وكما كان كل حدث سياسي أو أمني بالعراق فرصة لرمي كل طائفة بأنها طابور خامس لإيران أو تركيا، كان القصف في زاخو مناسبة جديدة لإظهار التناقضات في خطاب الطرفين، لأنه ببساطة ينم عن تعصب أعمى للقبيلة الروحية ليس أكثر، فكثير من النخب السنية التي دائما ما ترفض التدخل الإيراني في العراق، وتعتبر أحزاب الشيعة، واجهات إيرانية لحكم العراق – رغم أنهم منتخبون من ملايين الشيعة العراقيين العرب – تتجنب هذه النخب وتتجاهل وجود قاعدة عسكرية تركية في الموصل، وعشرات القواعد والمواقع العسكرية في الشمال العراقي كما الشمال السوري، بل إنها تدعو علنا لدخول الجيش التركي لحلب والموصل للحماية من إيران، رغم أنه لا توجد دبابة ايرانية واحدة في العراق، أو في أي من بلدان المشرق التي تشهد نفوذا إيرانيا، فالنفوذ الإيراني يتأتى من حلفاء إيران الشيعة والعلويين العرب، الذين يرون بإيران مناصرا لهم في نزاعهم المحلي الأهلي مع السنة الذين يرون بدورهم تركيا مناصرا لهم! فالطائفتان تفكران بالمنطق نفسه وتتهمان بعضهما بعضا بالاتهامات نفسها تماما! حقيقة الأمر أن جوهر وأس النزاع هو طائفي أهلي بين العرب في العراق وسوريا ولبنان، وهو صراع مذهبي موجود ومستعر قبل قرون، واليوم تستعين كل طائفة بدولتها الحليفة تركيا أو إيران للاستقواء على أخوة العروبة وأعداء الملة، لكنها متلازمة من متلازمات الخطاب العربي السياسي يفضل رمي كل طرف يخالف سلطانه وحكمه بأنه عميل خارجي. هناك بالطبع من ردد الأسطوانة الشهيرة بربط حدث بحدث آخر، وقال إن القصف استهدف إبعاد الانتباه عن قضية تسجيلات المالكي، وكان المالكي وجماعته قد أوشكوا على الهرب من البلاد خوفا من هذه التسجيلات، التي يعرف كل من جالس السياسيين العراقيين إنها خبزهم اليومي، فجميعهم تقريبا يتحدث بالحدة والاتهامات نفسها ضد خصومه وضد الطائفة الأخرى في الجلسات الخاصة، بل ربما بأقسى من هذا الكلام، لكن بما أن البعض نشر خبرا من طراز أخبار القذافي، بأن المالكي هرب لعمان وأقنع نفسه بذلك، فلذلك صدّق أيضا سيناريو مؤامرة «صرف الانتباه»، وما يحدث هو أن الناس عادة لا تلتفت إلا لمشهور الأخبار، من دون ان تعرف سياقها، فتربطها بطريقة تآمرية، وكأن الحدثين مقترنان، بينما المتتبع للعمليات التركية شمال العراق وجنوب تركيا يعرف أن هذا القصف يتسبب منذ التسعينيات بسقوط ضحايا مدنيين في شمال العراق، وتدمير قرى في القرى التركية المحاذية للحدود العراقية، بل إن اثنين من المواقع السياحية شمال العراق تعرضا لقصف قبل شهور هما مصيف «كونه ماسي» في السليمانية، ومصيف «جمانكي في دهوك، وكذلك قصفت طائرة تركية منطقة في قضاء العمادية بمحافظة دهوك، أدت إلى مقتل طفلين كرديين. ويعيش في هذه القرى أكراد ينتمي لهم مقاتلو حزب «بي كي كي» ولذلك هم يشكلون حاضنة لهم، ويروي الكثير من السياح العراقيين العرب، أنهم خلال زياراتهم السياحية في تلك القرى الجبلية، يخرج لهم مقاتلو حزب «بي كي كي» وبعضهم من الفتيات ويسألونهم عن وجهتهم، وعندما يعرفون أنهم سياح عرب يسمحوا لهم بالمرور للمصايف السياحية، التي لا يبعد بعضها سوى 20 كيلومترا عن الحدود التركية، ويتحدث بعض الزوار العراقيين كيف أهداهم مقاتلو حزب العمال الكردي سلة من الرمان الوردي، ذلك أنهم يشجعونهم على زيارة مصايف الشمال، كونها تمثل واردا ماليا لأهالي تلك القرى الكردية، التي ينتمي لها المقاتلون الأكراد وتعتبر معاقل ومخابئ لهم، لذلك ليس من مصلحة حزب العمال قصف هذه المصايف وتخريب مصدر تمويل كبير لتلك القرى الكردية التي يعيشون بين أهلها.طبعا لا تستهدف تركيا قتل المدنيين مباشرة، ولا تقصد قصف المواقع السياحية، ولكن طبيعة تمركز حزب «بي كي كي» في القرى الكردية التي تمثل حاضنا لها شمال العراق، وفي قرى الأكراد جنوب شرق تركيا، تجعل إصابة المدنيين أمرا لا مفر منه في حرب مستمرة كهذه بين الدولة التركية والأكراد منذ نحو قرن، ولا يبدو أنها ستنتهي بانتصار أحد الطرفين قريبا.