عندما يُناكف السياسيون بعضهم بعضاً
2022-07-08 17:56:35
عربية Draw:
عادة ما يحظى التلاسن بين السياسيين الذي قد يصل إلى حدّ المناكفة، وحتى التنمّر، باهتمام الناس، وتحفل وسائل الإعلام ومواقع التواصل في أيامنا هذه بعيّنات من تلك الوقائع التي قد يكون القصد منها السخرية والاستهزاء، خصوصاً إذا ما جرت بين سياسيين بينهم خصومة صريحة أو مستترة. ويجد الهواة من المتابعين الفرصة لفبركة ملاسنات أو مناكفات على ألسنة سياسيين، بهدف النَّيْل منهم، أو حتى لمجرّد النكتة، كما قد يجهد بعض رسامي الكاريكاتير أنفسهم في اختلاق مناكفات بين سياسيين، وعرضها في رسوم تثير السخرية والضحك.ومن بين مناكفات اليوم، ما جرى في قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في مدريد، أخيراً، حين كان رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، منهمكاً بتدوين ملاحظاته على ورقة أمامه، وفاجأه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن ربّت كتفه، ولم يرُق ذلك جونسون الذي انتفض واقفاً، وحاول تنحية ذراع الرئيس التركي عنه. ولتخفيف حدّة الموقف، ألقى بالتحية على أردوغان باللغة التركية، إلّا أنّه أخطأ اللفظ، ما دفع أردوغان إلى تصحيح اللفظ، قائلاً: "إنّه يخذلنا" في غمزةٍ تشير إلى أصول جونسون التركية. عند ذاك، تغيرت ملامح جونسون، وبدا عليه الغضب، وهو يرفع إصبعه نحو أردوغان، وكادت الواقعة أن تربك أعمال القمة لولا تدخل الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي سارع لاحتواء الموقف، ممسكاً بذراع جونسون قائلاً: "هذه مزحة... هذه مزحة، يا بوريس" وفي مأدبة العشاء التي أعقبت اجتماع قادة مجموعة الدول الصناعية السبع في بافاريا بألمانيا، تساءل أحدهم عمّا إذا كان عليهم خلع ستراتهم، أجابه جونسون الذي "عادة ما يطلق نكاتاً فظّة ووقحة" بوصف أحد قراء صحيفة الديلي ميل، قائلاً: "علينا أن نظهر عضلات صدورنا لنكون أكثر برودة من بوتين". وعندما وصل خبر الواقعة إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عقّب: "لم أفهم ما يقصدونه من خلع ملابسهم، هل يقصدون فوق الخصر أم تحت الخصر، وفي كلا الحالين، سيكون المشهد مقزّزاً"..مرة أخرى مع مناكفات جونسون وبوتين، حين صرّح الأول للصحافيين بأنّه لو كانت امرأة هي التي تحكم روسيا لما فكّرت بشنّ حرب على أوكرانيا، ووصف حرب بوتين بأنّها "تعبير عن فحولة سامّة" وردّ بوتين مذكراً إياه بأنّ مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، هي التي شنّت حرباً على الأرجنتين من أجل جزر فوكلاند. ولم ينتهِ رد الفعل عند هذا الحد، إذ يبدو أنّه استفزّ أيضاً وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، التي أعربت عن اعتقادها أنّ لدى المرأة قدرة الرجل نفسها على صنع الشرّ.في العراق أيضاً، وصلت التلاسنات والمناكفات بين أطراف "العملية السياسية" إلى حدّ جعلها تخرج عن المألوف، وتضمّن بعضها شتائم مفضوحة واتهامات بالكذب والفساد، لكنّ الملاحظ أنّ كثيراً ما كان المتناكفون يعودون إلى سابق علاقتهم من ودّ وقبول أحدهم بالآخر، بل والتحالف معه، ويعزو بعض الخبثاء سلوكاً كهذا إلى أنّه "من موجبات التفاهم على الصفقات والعقود التي تدرّ الربح على الجميع، خصوصاً بعد زيادة وارادات النفط أكثر من 11 مليار دولار شهرياً". من المناكفات التي شاهدها العراقيون، دخول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى اجتماع ضمّ أطراف "العملية السياسية"، وكان خصمه اللدود زعيم حزب الدعوة، نوري المالكي، قد سبقه في الحضور، ولم يسلّم الصدر على المالكي الذي نهض للترحيب به في ما يبدو، الأمر الذي أثار المالكي، ودفعه انفضاض الاجتماع إلى القول إنّه "لا يفقه في السياسة ولا في الدستور"، وردّ الصدر في تغريدة له بأنّ خصومه "وحوش كاسرة"، وقال عن المالكي، من دون أن يسميه: "كلامه منقوص، وعليه تدارك ما ضاع وأضاع، نصيحة مني قربة إلى الله تعالى". وفي عهد الملوك، كثيراً ما كانت تجري بين السياسيين حالات تلاسُن ومناكفة، لكنها لم تتعدّ قواعد الاحترام والتعامل النظيف. ولا تزال بعض وقائع تلك المناكفات تتردّد كلما ذكرت مآثر رجال النخبة السياسية الذين حكموا العراق آنذاك، ومن بين ما يُروى أنّ نوري السعيد الذي ترأس رئاسة الوزراء 14 مرة فوجئ، في جلسة لمجلس الأعيان، بعضو المجلس الشيخ محمد رضا الشبيبي، وهو يصرخ بوجهه: "أنت ديكتاتور" ولم يغضب السعيد، بل ردّ عليه: "إذا أنا رحلت، وجاء من بعدي آخرون لحكم البلاد سوف تعرف من هو الديكتاتور". وأردف: "اسمع، يا شيخ، لا تتصوّر أنّني جالس على كرسي رئاسة الوزراء، إنّما أنا جالس على غطاء بالوعة كبيرة، إذا ما ذهبتُ وجاء غيري، فسترى كيف تطفح هذه البالوعة بالمياه الآسنة وتغمركم".