عربية Draw
محمد آلاجا: امواج
لا يزال نقل النفط الخام من العراق إلى تركيا معلقًا، بعد ما يقرب من أربعة أشهر من صدور قرار تحكيم خلص إلى أن أنقرة مدينة بتعويضات لبغداد عن صادرات غير مصرح بها من كردستان العراق. وعلى الرغم من انتشار تقارير غير مؤكدة عن زيارة مرتقبة قد يجريها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعراق، لاتزال مؤشرات عقد صفقة لإنهاء هذا الخلاف ضعيفة.
بذور النزاع
اندلع الخلاف بين أنقرة وبغداد بشأن تصدير النفط الكردي المستقل منذ ما يقرب من عقد من الزمان. فبموجب اتفاقية أنقرة أربيل لعام 2014، تم بيع النفط الذي يتم ضخه في كردستان العراق غير الساحلية بشكل مستقل عبر ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط. وتجدر الإشارة إلى أن معظم صادرات النفط العراقية الاتحادية يتم شحنها عبر الساحل الجنوبي للخليج.
ردًا على إطلاق الصادرات الكردية المستقلة، رفع العراق دعوى تحكيم أمام غرفة التجارة الدولية، إذ اعتبرت بغداد أن تركيا خرقت اتفاقية خط الأنابيب لعام 1973 عندما استوردت النفط من كردستان العراق من دون إذن الدولة العراقية. واستند قرار غرفة التجارة الدولية الذي صدر في مارس/آذار إلى شرط في ملحق اتفاقية عام 1973 يقضي بأن تركيا لن تشتري النفط إلا عن طريق شركة تسويق النفط العراقية الحكومية (سومو).
في مارس/آذار، قضت غرفة التجارة الدولية بأن على تركيا أن تدفع لبغداد نحو 1.47 مليار دولار كتعويض عن تسهيل صادرات نفط كردستان بين عامي 2014 و2018 من دون إذن الحكومة الفدرالية العراقية.
وسارعت وزارة النفط العراقية في الترحيب بحكم غرفة التجارة الدولية. أما تركيا فقد قبلت بالحكم، خاصة وأن العقوبة كانت أقل بكثير مما كان متوقعًا. وكان عدد من المسؤولين الأتراك الذين تحدث إليهم موقع أمواج.ميديا قد أعربوا عن قلقهم من أن المبلغ قد يصل إلى 20 مليار دولار أميركي. وقال وزير النفط العراقي آنذاك، إحسان عبد الجبار إسماعيل، في سبتمبر/أيلول 2022، إن بغداد تتوقع تعويضًا قدره 30 مليار دولار أميركي إذا ربحت الدعوى. في الوقت نفسه، تحركت تركيا في 25 مارس/آذار لوقف أكثر من 450 ألف برميل من النفط كانت تستوردها يوميًا من شمال العراق. ومنذ ذلك الحين، توقفت عمليات تسليم النفط الخام.
منذ إعلان الحكم، قابلت أنقرة طلب دفع التعويضات بالصمت. كما سقطت الدعوى من جدول أعمال الحكومة التركية وسط مجموعة من التحديات المحلية خاصة تلك التي أعقبت الزلازل المدمرة في فبراير/شباط والتي أودت بحياة أكثر من 50,000 شخص في تركيا.
عودة إلى جدول الأعمال؟
بعيدًا عن التحديات الداخلية المذكورة، تعمدت أنقرة أيضًا تجاهل حكم المحكمة خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات الرئاسة التركية في مايو/أيار. ويمكن عزو هذا التجاهل جزئيًا إلى منع المعارضة التركية من استخدام هذه المسألة كأداة دعائية تحث على الاقتراع. وتعني إعادة انتخاب الرئيس أردوغان أن القضية ستكتسب بعض الأهمية من جديد.
الشهر الماضي، التقى وفد فني من وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية فريقًا عراقيًا في بغداد برئاسة نائب وزير النفط باسم خضير. وانضم إليهم ممثلون عن حكومة إقليم كردستان. وتركزت المناقشات على استئناف تصدير النفط عبر شمال العراق.
في هذا السياق، بدا أن أنقرة تسعى للتفاوض بشأن التعويضات التي من المقرر تقديمها إلى العراق. كما طلبت تركيا توضيحًا بشأن قضية تحكيم أخرى لم تحسم بعد.
وفي حديثه لأمواج.ميديا شريطة عدم الكشف عن هويته، زعم مصدر تركي مطلع أن أنقرة طالبت بدفع التعويضات على أقساط. كما زعم المصدر أن تركيا أبلغت الجانب العراقي بأنها تتوقع القيام بدور أكثر فاعلية في عمليات النفط المستقبلية لحكومة إقليم كردستان. وزعم المصدر أن هناك مطلبًا تركيًا آخر يتمثل في وجوب حصول أنقرة على خصومات في المستقبل. وتجدر الإشارة إلى أن تركيا كانت تشتري النفط الذي تصدره حكومة إقليم كردستان بأقل من القيمة السوقية قبل صدور قرار التحكيم.
كما أشار المصدر إلى تقارير قالت إن الشرط التركي الآخر لاستئناف استيراد النفط هو أن يسحب العراق دعوى قضائية ثانية كان قد رفعها لدى غرفة التجارة الدولية حول صادرات نفط حكومة إقليم كردستان من عام 2018 حتى أبريل/نيسان 2023. وأخبرت مصادر مطلعة على العملية أمواج.ميديا أن التعويض المحتمل في الدعوى الثانية قد يتجاوز مبلغ الـ 1.47 مليار دولار أميركي التي حُكِم بها لصالح بغداد في الدعوى الأولى.
وبحسب ما أُفيد، تشمل مطالب الوفد التركي الأخرى دفع العراق تكاليف الصيانة لخط الأنابيب الذي يبلغ طوله نحو 350 كيلومترًا (217 ميلًا). لكن العراق رفض على أساس أن تركيا أوقفت صادرات النفط. وتود بغداد أيضًا استئناف تحويلات النفط الخام قبل بدء مفاوضات كاملة بشأن التعويضات كبادرة حسن النية.
معوقات فنية أم سياسية؟
على الرغم من الجهود المبذولة منذ أشهر، لا توجد مؤشرات واضحة على أي استئناف لتصدير النفط الخام من شمال العراق. قبل التعليق، كان خط الأنابيب ينقل نحو 400,000 برميل يوميًا من خام حكومة إقليم كردستان ونحو 75,000 برميل يوميًا من النفط الذي يتم ضخه من الحقول التي تسيطر عليها الحكومة الفدرالية. وتشير التقديرات إلى أن وقف التصدير قد كلف أربيل ما يزيد عن 2 مليار دولار أميركي. قد تكون الخسارة المالية لحكومة بغداد كبيرة أيضًا لكنها أقل تأثيرًا بكثير.
ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات على أن استئناف عمليات نقل النفط قد يكون مطروحًا على الطاولة. ووقعت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان في 4 أبريل/نيسان اتفاقًا مؤقتًا على أمل استئناف صادرات الخام عبر تركيا. وبموجب الاتفاق، ستتمتع سومو بصلاحيات تسويق وتصدير النفط الذي يتم ضخه في إقليم كردستان. وستودع العائدات في حساب لدى البنك المركزي العراقي تحت إشراف أربيل.
لكن على الرغم من التقدم على الجانب العراقي، يبدو أن المعوقات التركية مستمرة. فقد طلبت كل من حكومة إقليم كردستان والحكومة الفدرالية العراقية في مايو/أيار إعادة فتح خط أنابيب كركوك جيهان. وفي وقت لاحق، قال وزير النفط العراقي حيان عبد الغني إنه لم يتلق أي رد من شركة الطاقة التركية الحكومية بوتاش. هذا بينما أُفيد بأن المسؤولين في تركيا أرجعوا التأخير إلى "أسباب فنية" لم يحددوها. وفي هذا السياق، بدا إحباط بغداد واضحًا. في مايو/أيار، نقلت وسائل إعلام تركية عن مسؤول عراقي قوله إن "القضية سياسية وليست فنية".
ويمكن تفسير ما يجري بأن تركيا تستغل الوضع لتضغط على العراق ليتنازل عن التعويضات التي حُكم له بها. فبعد وقت قصير من اتفاق أبريل/نيسان 2023 بين بغداد وأربيل، أُفيد بأن تركيا أرادت التفاوض على تسوية قبل السماح باستئناف الصادرات العراقية. هذا الترتيب يلاقي ظنون المصدر التركي المطلع الذي تحدث لأمواج.ميديا. ومع ذلك، يمكن أن تكون أنقرة تتعمد الضغط من أجل خفض المبلغ الإجمالي للتعويض.
على الأرجح، وكجزء من استراتيجيتها التفاوضية المعروفة، تتعمد تركيا رسم مآلات العملية. ففي اجتماع عُقد في 19 يونيو/حزيران في بغداد، لفتت الوفود الانتباه إلى الأبعاد السياسية للقضية. ودعت إلى مزيد من المحادثات. وفي اليوم التالي، التقى رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني الرئيس أردوغان في أنقرة مع استمرار المأزق. وبحث حكم غرفة التجارة الدولية واستئناف تصدير النفط، لكن يبدو أنه لم يتم إحراز أي تقدم يُذكر.
المواقف المختلفة تعيق استئناف الصادرات
تنتهج تركيا موقفًا متطرفًا حتى في الوقت الذي تعاني فيه أيضًا اقتصاديًا من توقف تسليم النفط. ومن ناحية أخرى، فإن العراق، بصفته الفائز في قرار التحكيم لا يرغب في تقويض قرار غرفة التجارة الدولية.
ووسط هذه المعمعة، يصب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تركيزه على إيجاد حل مما قد يجعل عقد الصفقة قابلًا للتحقيق، من حيث المبدأ. لكن كما تشير بعض التقارير، يُعتقد أن الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في العراق تعرقل أيضًا التقدم. ويُزعم أن هذه الفصائل لا تنوي السماح لحكومة السوداني بالرضوخ لمطلب تركيا بإسقاط الدعوى الثانية المرفوعة أمام غرفة التجارة الدولية. وتجدر الإشارة إلى أن المجموعات نفسها منعت أيضًا رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي (2018-2019) من محاولة تجميد القضية خلال فترة ولايته.
ويعكس هذا الوضع جانبًا من التنافس الإقليمي بين أنقرة وطهران، إذ تدلي الفصائل المدعومة من إيران في العراق بانتظام بتصريحات مناهضة لتركيا وتهاجم القواعد العسكرية التركية في شمال البلاد. وقد أثارت المنشآت العسكرية التي تحتاجها أنقره بشدة لمحاربة حزب العمال الكردستاني، وهو منظمة مدرجة في القائمة السوداء من قبل بريطانيا وتركيا والولايات المتحدة، غضب الكثير من الجهات الفاعلة العراقية.
من ناحية أخرى، أُفيد بأن واشنطن تمارس ضغوطًا وراء الكواليس في أنقرة وبغداد لاستئناف الصادرات العراقية عبر الطريق الشمالي. حتى الآن، لم تتمكن من التوفيق بين الطرفين.
أفادت التقارير بأن التجارة الثنائية بين العراق وتركيا تجاوزت 24 مليار دولار العام الماضي. وتجمع البلدين مصالح تجارية مشتركة قوية، وتسعى أنقرة وبغداد على حد سواء لحماية علاقتهما الاقتصادية القوية من التوترات. إذا كان هناك ما يجدر ذكره، يمكن القول إن الخلاف حول استئناف تصدير النفط عبر خط أنابيب كركوك جيهان يسلط الضوء على الحاجة إلى إجراء مفاوضات سياسية رفيعة المستوى. في المحصلة، من دون تنازلات متبادلة، من المرجح أن يستمر المأزق.
Read more