صراع الارادات في القيادة الكوردية يهدد وجود الاقليم
2022-01-16 19:50:27
د. عثمان علي*
ان صراع الارادات الشخصية والقبلية والحزبية كان في السابق ولا يزال مرض قاتل للمطامح الكوردية لتحقيق نوع من الاستقلال عبر التاريخ ولا يسع المجال هنا ذكر جميع شواهده المؤسفة يكفي ان نسرد هنا فقط حالات معدودة فقط.
فبعد الحرب العالمية الاولى وسقوط الدولة العثمانية كان هناك فراغ سياسيى وعسكري بحيث وفر فرصة لقادة الكورد ولكن بدلا من أن تستغل تلك الفرصة الذهبية حصل انشقاق بين قادة الكورد داخل جمعية تعالي كوردستان الى جمعيتين وانشغلوافي حرب اعلامية مع انفسهم واشغلته تلك الانشثاث عن الاحداث الكبرى. وفي عام 1964-1966 كانت الحكومة العراقية ضعيفة والحركة الكوردية بدأت تحقق بعض الانتصارات فبدلا من ان ترفع سقف مطالبها من الحكم الذاتي الى تدويل المسألة الكوردية واستغلال اجواء الحرب الباردة فوقع الانشقاق القاتل داخل المكتب السياسي للحزب واصبحت قادة الكورد منشغلين بالبعض ووقعت حمامات الدماء في الحرب الاهلية الكوردية. وفي الثمانينات من القرن الماضي تكررت الماساة وبعد انتفاضة اذار 1991 كان هناك قرار دولي من مجلس الامن مرة اخرة لم تستغل هذا المكسب بطريقة جيدة في الاستمرار بتدويل المسألة الكوردية.
وبعد سقوط نظام صدام رغم عدم وقوع حروب عسكرية بين القيادات الكوردية ولكن تحولت المنافسة القاتلة الى صراع ارادات سياسية فسارعت قادة الكورد الى الدخول قي منافسة غير مجدية وهي ارضاء القوى الشيعية المتنفذة في بغداد والقوى الاقليمية لتحقيق مصالح حزبية ضيقة متمثلة في المناصب الحكومية والدعم المالي . علما كانت هناك فرصة تاريخية لتدويل قضيتهم واستغلال الحرب الاهلية في الفترة 2004-2010 حيث لم يبقى للعراق لا جيش موحد ولا كيان سياسي ولا سيادة دولية معترفة وكانت العراق تحت الوصايا الدولية ضمن البند السابع من ميثاق مجلس الامن الدولي. لم تخفق القيادات الكوردية من استغلال تلك الفرص لتدويل القضية الكوردية فحسب بل سارعت قادة الكورد من امثال مام جلال والاستاذ هوشيار زيباري في مسعى قاتل ورخيص لكسب ود الاطراف الشيعية الموالية لايران لاخراج العراق من البند السابع وتحقق لهم ما ارادوا واليوم كلما تطرح ممثلة الامم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت مبادرة لتطبيق مادة 140 تقول الاطراف العراقية ان ذلك خارج صلاحيتها وهم محقون في ذلك لان دورها استشاري غير ملزم والفضل في هذا يعود الى قصر نظر القيادات الكوردية وصراع الارادات بينهم.
كما لا يخفي السيد نوري المالكي ،رئيس الوزراء العراقي السابق ، في تصريح رسمي له بان السيد برهم صالح الذي كان نائبه في مجلس الوزراء هو الذي اقترح عليه قطع حصة الكورد من الموازنة العراقية.
كما حرم صراع الارادات والمصالح الحزبية الضيقة الشعب الكوردي المكاسب السياسية و التاريخية التي كان من المتوقع الحصول عليها في استفتاء 2017في واحداث اكتوبر 2017.
واليوم بحسب تصور الكثير من المحللين الدوليين وصلت العملية السياسية نهاية النفق المظلم الذي بدأت السير فيه بعد 2003. حيث هناك كل معالم الاخفاق والانسداد السياسي واصبح العراق فاقد للسيادة لدول الجوار والقوى الكبرى وهناك العديد من المؤشرات في الافق تقول ان العراق مقدم على حرب اهلية خطرة جدا بين قوى الدولة المدعومة من اميركا وتركيا وبعض الدول العربية وقوى اللادولة ممثلة بالمليشيات الشيعية العاملة ضمن الخطة الايرانية لبناء هيمنة دولة ولاية الفقيه في العراق والشرق الاوسط.
وحسب تصور المحللين السياسيين ان افضل سيناريو ممكن للعراق في ظل الظروف الحالية هي حكومة اكثرية وطنية ( الكتلة الصدرية والاطراف السنية والكوردية مع بعض اطراف الاطار التنسيقي ) ولكن حتى هذا السيناريو مليء بكثير من الازمات وستنفجر في المستقبل القريب . لان حكومة السيد الكاظمي لم تحل المشاكل والتحديات بل قام بترحليها الى الحكومة القادمة. وهذه التحديات لن تحل بدون مجابهة حقيقية مع قوى اللادولة الظلامية الرافض للمساومات وتحضى بدعم ايران .
فهذه مرحلة حساسة وتستدعي مبادرة من كاك مسعود البارزاني لعقد حوار وطني بين الاطراف الكوردية جميعا وبدون استثناء لانضاج مشروع وطني شامل ملائم للتحديات والفرص القادمة وبمساعدة مراكز صنع القرار المحلية والاقليمية والدولية . علما ان هناك حملات تعريب مكثفة وخطرة تتجاوزة ما قام به نظام صدام ويؤلمني ان اقول ان موقف الاحزاب الكوردية لحد الان ضعيف ولا يتعدى بعض البيانات اليتيمة لانها مرة اخرى مشغولة بصراع داخلي .
يقول المثل الانجليزي اذا لم تخطط للنجاح ما عليك الا التخطيط والتحضير للفشل وهذا ما نفعله حاليا . فان جماهير كوردستان تتوقع من قيادتها تكثيف الخطط الرامية لتوحيد قرارها السياسي للاستفادة من تعقيدات الازمة الناجمة من فشل النخبة الشيعية السياسية في بغداد وتشرذمها وتوظفها لتحقيق وتعزيز المكاسب القومية النابعة من الاستحقاقات الانتخابية والحقوق الدستورية التي تجاهلتها الحكومات العراقية السابقة . ذهب الوفد الكوردي بعجالة الى بغداد بدون بلورة مسبقة لمشروع كوردستاني للمرحلة القادمة فوقعت ضحية للصراع الشيعي-الشيعي وتشرذم .
اليس هذا صراع الارادات ان يتشتت البيت الكوردي حول من يشغل منصب رئيس الجمهورية في بغداد؟ علما ان هذا المنصب رمزي وفخري ومقيد بفيتو المعطاة لاثنين من نواب رئيس الجمهمورية ولم تستطيع قادة الكورد من استغلال المنصب لتحقيق المصالح الكوردية. فمام جلال اخفق من تفعيل مادة 140 من الدستور حين كان يشغل المنصب. والدكتور فؤاد معصوم حين كان في المنصب لم يستطيع ان يحرك ساكنا رغم كونه في ذلك الوقت الحامي للدستور لايقاف المليشيات الشيعية وحكومة حيدرالعبادي من ارسال دبابات ضد شعبنا في كوردستان حين مارس هذا الشعب حقا دستوريا وبطريقة سلمية للتعبير عن رأي سياسي. وماذا قدم الدكتور برهم صالح خلال الفترة الماضية من جهود لايقاف سياسة التعريب التي يقوم بها راكان الجبوري في كركوك؟ .
اذن هي صراعات الارادات والا مالفرق بين رجل كبرهم صالح الذي باع بين ليلة وضحاها الحزب الذي شكله باسم التحالف الوطني من اجل ان يشغل منصب رئيس الجمهورية وبين هوشيار زيباري المتهم في البرلمان باختلاس الاموال حين كان وزيرا للمالية عام 2016. وهو لم يستطيع ايضا ان يستغل موقعه في السابق في وزارة الخارجية لصالح الكورد .علما ان نائبه الشيعي كان مهيمن على كل قرارات الخارجية العراقية سواء في دائرتي التخطيط والسياسات العامة والتعينات . والان اذا اخذ مواطن كتاب من الاقليم الى احد البعثات الخارجية سواء كان الكتاب باللغة الكوردية ام العربية لا يقبل منه ويقول الموظفون في السفارات والقنصليات ان كتاب الاقليم غير مقبول عندهم.
ان صراع الارادة بين برهم وهوشيار يعود الى فترة التسعينات حين كان الاثنين ممثلين لحزبيهما في الخارج ويتراشقون بينهم بابشع الاوصاف وتهم الخيانة والفساد اثناء الحرب الاهلية الكوردية. ويبدو ان كاك مسعود مستاء من تصرفات برهم العديدة . ففي عام 2014 رشحه الاتحاد الوطني لموقع رئاسة الجمهورية ولكن حصل اتفاق سري بين الاتحاد الوطني والبارتي لدعم فؤاد معصوم للمنصب بدلا من برهم. وفي 2018 وبطريقة مؤسفة ومخزية دخل برهم وبتحدي صريح لارادة بارزاني منافسة في البرلمان مع الدكتور فؤاد حسين مرشح البارتي وفاز برهم واستاء البارزاني كثيرا من هذا التحدي. واليوم يقوم الاطراف الكوردية باعادة سيناريو التشتت الكوردي ذاته . يراهن برهم -ومن ورائه بافل طالباني -على وجود دعم اقليمي وامريكي له لتحدي ارادة بارزاني للبقاء في منصبه لدورة ثانية في بغداد .
وان احتمال تكرار سيناريو 2018 وارد ولكن هذه المرة هناك تحديات كثيرة لا بد من تجاوزها امام برهم واهمها:
1- الضعف والتشتت داخل الاتحاد الوطني والتي قد تضطره في الاخير الى المساومة مع البارتي الاقوى والموحد وذات المكاسب الانتخابية القوية والمتحالف مع اطراف عراقية قوية و فائزة في الانتخابات التي قد تدعم مشروع البارزاني بدلا الاتحاد الوطني.
2- ان الادارة الامريكية رغم انها غير غائبة من وراء الستار في ممارسة تأثيرها على مجرى الاحداث في بغداد الا انها غير معنية في الدخول في التفاصيل في عهد ادارة جو بايدن وان لهوشيار الزيباري ايضا علاقات متينة مع الاميركان. وان الايرانيين ، بغياب قاسم سليماني الذي لعب دورا مهما في تنصيب برهم في عام 2014 ، منشغلين جدا بالتحديات الاقتصادية الكبيرة والعزلة الدولية وغير قادرين بدورهم لعب الدور السابق وبقوة في تفاصيل العملية السياسية الجارية في العراق.
ولكن امام هوشيار زيباري ايضا تحديات التي قد تحول دون حصوله على القدر الكافي من الاصوات المطلوبة في الجولة الاولى( والتي تحتاج ثلثي الاصوات )او في الجولة الثانية من التصويت التي تحتاح فقط الاغلبية البسيطة .علما ان اقوى طرف في الاطار التنسيقي وهي دولة القانون قالت انها غير مستعدة لدعم هوشيار زيباري لانه لا يتصف بالنزاهة والاستقامة المطلوبة حسب المادة 36 من الدستور العراقي. وان الكتلة الصدرية ستكون امام تحدي صعب في ان يقبل بترشيح شخصية سمعته ملطخة بالفساد علما ان التيار وضع محاربة الفساد كاحد اولويات الحكومة القادمة التي تنوي تشكيلها.
اذن ان حضوض هوشيار موجود ولكن مرهون بقبول الكتلة الصدرية لترشيحه فلن يكون للكتلة السنية اعتراض كبير على ترشيحه.
ولكن اذا اصر البارزاني على ترشيحه وفاز في الانتخابات ستكون لهذا النتيجة تبعات خطرة على القرار السياسي في الاقليم وقد تكون عامل عدم الاستقرار فيها. علما ان البارتي في عمله هذا سيضعف موقف بافل داخل الاتحاد الوطني وسيكون احد العوامل المساهمة في تفجير الوضع المتوتر. وستستغل ب ك ك الوضع في سليمانية . علما ان ب ك ك اخذت في الاونة الاخيرة الكثير من الاستعدادات لتوجيه ضربة قاصمة للاقليم بدعم ايراني اسوة بما يحصل حاليا في سنجار.
وستستغل الوضع الهش في سليمانية من قبل الايرانيين واطراف الاطار التنسيقي في اضعاف الاقليم ايضا. علما ان البارتي بعمله هذا سيعرض الاتفاق القائم على تقسيم السلطة في الاقليم الى الخطر وستستغل ذلك لتشتيت الاقليم الى ادارتين وسيكون لذلك تبعات خطرة. ومعروف ان البارتي ستحتاج الى الاجماع الكوردي او على الاقل التحالف مع الاتحاد في القضايا القادمة المهمة كتشكيل الحكومة في بغداد وحصة الكورد في الموازنة وقانون النفط والغاز واستحقا قات البيشمه ركة المالية وتسليحها . كما ان حكومة صدر القوية ستفرض على الاقليم ، وحتى اذا بقى الكاظمي في موقعه، دفع جميع المستحقات المالية الفيدرالية الى بغداد والغاء قوة البيشمه ركة- والتي وصفها مقتدى بالمليشيا- وتحويلة الى قوة حرس حدود تحت سيطرة القوات المسلحة العراقية رغم كون الاخيرة تحت سيطرة الاطراف الشيعية .
اذن لا بديل من المساومة بين الطرفين وهناك احتمال ان يتكرر خلف الستار نفس المساومة التي حصلت في عام 2014 . ويمكن مثلا ان يقبل ترشيح دكتور لطيف رشيد ل بدلا من هوشيار زيباري وبرهم صالح لتفادي ازمة كبيرة تلوح لنا في الافق. وهذا ستمهد الارضية لمساومة وطنية وبناء جبهة داخلية قوية للتهيء للمستقبل القريب الذي يتوقع المراقبو ن ان يحدث فيه الكثير من العواصف السياسية و التي من الممكن ان تغير الخريطة السياسية في العراق .
* مدير مركز تاسك للفكر والدراسات الاستراتيجية