هل تستهدف الفصائل البعثات والشركات الأجنبية بعد الانسحاب الأميركي من العراق؟

2021-12-23 17:06:12

عربية Draw:

 الجزيرة - صلاح حسن بابان

يبرز سؤال عن احتمالية أن تستمر الفصائل المسلحة باستهداف البعثات الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية والاستثمارية الأجنبية لا سيما الأميركية منها، بعد انتهاء المهام القتالية للقوات الأميركية وخروجها من العراق نهاية العام الجاري وفق الاتفاق المبرم بين بغداد وواشنطن.

ولم تتوقف الاحتمالية عند هذا الحدّ فحسب، بلى تخطّت إلى ما هو أعمق وأوسع بمدى إمكانية أن يتدخّل المجتمع الدولي في الشأن العراقي في حال برزت سيطرة الفصائل المسلحة على الملفات الأمنية والسياسية بعد الانسحاب بالتزامن مع خسارة أطراف محسوبة عليها ومقرّبة من إيران لنسبة عالية من مقاعدها في الانتخابات الأخيرة التي جرت بالعاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتأتي هذه المخاوف مع استمرار تعرض السفارة والقواعد العسكرية العراقية التي يوجد فيها أميركيون للاستهداف، كان آخرها فجر الأحد الماضي عندما قُصفت المنطقة الخضراء بصاروخين من نوع كاتيوشا، ووفقا للمتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، فإن الأول تم إسقاطه من قبل منظومة الدفاع الجوي "سي-آر إيه إم" (C-RAM) التابعة للسفارة الأميركية، أما الثاني فسقط ضمن مقتربات ساحة الاحتفالات داخل المنطقة.

75 عملية في 2020

وازدادت هجمات الفصائل المسلحة ضد القواعد الأميركية سواء في المنطقة الخضراء ببغداد أو مناطق أخرى، منها في إقليم كردستان عام 2020، ووفق تقارير صحفية وصلت إلى نحو 75 عملية تنوّعت ما بين الاستهداف بطائرات مسيّرة والقذائف الصاروخية، بعد حادثة مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي بقصف جوي في مطار بغداد الدولي.

وكانت الفصائل المسلحة والأطراف السياسية الشيعية قد أكدت لأكثر من مرّة أنها ستشن هجمات مسلحة ضد المصالح الأميركية في حال لم تنفذ الاتفاقية الإستراتيجية وتنسحب من البلاد نهاية العام الجاري، مع إعلان إحداها عن فتح باب التطوع لتشكيل قوات كاملة لمهاجمة القوات الأميركية.

نعناع التصعيد الأخير للفصائل المسلحة في العراق مباشرة بمسار المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني بين القوى الدولية وطهراننعناع ربط التصعيد الأخير للفصائل المسلحة في العراق بمسار المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني (الجزيرة نت)

مفاوضات فينا والتصعيد الأخير

يربط الباحث في الشأن السياسي الدكتور محمد نعناع التصعيد الأخير للفصائل المسلحة في العراق مباشرة بمسار المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني بين القوى الدولية وطهران التي تجري في فيينا، ويصفه بـ"المسار المتلكئ"، مشيرا إلى أنه عندما فقدت طهران من خلال المفاوضات الأخيرة فرصة رفع العقوبات المفروضة عليها، عمدت الفصائل العراقية المسلحة والفعاليات السياسية للتصعيد ميدانيا عبر عمليتي إطلاق صواريخ على المنطقة الخضراء، وكذلك التصعيد سياسيا برفض إنهاء الاعتراض على نتائج الانتخابات.

ويضيف نعناع إلى ذلك أن التصعيد الإعلامي المزمن الذي يصوّر المشهد العراقي مختطف من قبل أميركا، وأن الأخيرة تنسق مع حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لإضعاف دور طهران في العراق، مما سيفقد إيران أحد أهم أوراقها التفاوضية المتمثلة بالوضع في العراق.

وعن احتمالية أن يستمر استهداف الفصائل المسلحة للمصالح الأميركية والبعثات الأجنبية حتى بعد انسحاب القوات القتالية، يرى الباحث في الشأن السياسي أن تراجع دور إيران في العراق يُقابله صعود الدور الأميركي نسبيا عن طريق النتائج الأخيرة للانتخابات وكذلك الحصول على استثمارات في مجال الغاز، فإن ذلك يُحفزّ الفصائل المسلحة للقيام بعدة هجمات على القواعد والمصالح الأميركية سواء انسحبت القوات القتالية أو لم تنسحب.

ويعزو نعناع -في حديثه للجزيرة نت- ذلك إلى نجاح حكومة الكاظمي في تحجيم قدرة الفصائل على الاستمرار بالضربات الصاروخية وتقديم قادة وعناصر من "فرق الموت" المرتبطة بها إلى القضاء فضلا عن إخفاقها سياسيا وشعبيا وعدم قدرتها على تنظيم تجمعات بشرية كبيرة أثناء المظاهرات الأخيرة، وهذا ما سيجعلها محاصرة بشكل غير مسبوق ويهيئ الطريق لضرب مقراتها ومخازن أسلحتها كخطوة ثانية بعد تحييد ضرباتها الصاروخية وجعلها غير ذات جدوى.

هذا المسار ينسجم -كما يقول نعناع- مع رغبة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يثقل على الإطار التنسيقي المرتبط سياسيا بالفصائل من أجل تمزيقه وذلك بالتمسك بمشروع الأغلبية الوطنية الذي سيستهدف بالضرورة تفكيك الإطار التنسيقي.

وبالمحصلة، فإن الفصائل المسلحة والفعاليات السياسية الممثلة لها أو المرتبطة بها وداعميها الخارجيين في وضع صعب جدا سيجبرها على تقديم تنازلات للحكومة والشركاء السياسيين، ولكن بعد سلسلة استعراضات على شكل هجمات عديمة الجدوى على القواعد والمصالح الأميركية، وفق نعناع.

ويُشير إلى أن هذه العمليات لها هدفان، الأول المحافظة على سمعة المقاومة شعبيا وكسب أوراق تفاوض سياسية في مسار تفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، وأمّا الثاني فسيكون للمحافظة على دورهم كـ"وكلاء" فاعلين في الملفات الإقليمية.

محي تبعد استهداف المصالح الاقتصادية والاستثمارية الأميركية على غرار ما تعرّضت له السفارة والقواعد الأميركية من قبل الفصائل بعد الانسحاب (الجزيرة نت)محي استبعد استهداف المصالح الاقتصادية والاستثمارية الأميركية من قبل الفصائل بعد الانسحاب (الجزيرة نت)

رأي مخالف ورسائل مشفرة

وكان مجلس النواب العراقي قد صوّت على قرار نيابي يلزم الحكومة بإلغاء طلب المساعدة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى مطالبة الحكومة العراقية بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية. وهذا ما استند عليه الدكتور معتز محي مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والإستراتيجية، وقد استبعد استهداف المصالح الاقتصادية والاستثمارية الأميركية على غرار ما تعرّضت له السفارة والقواعد الأميركية من قبل الفصائل بعد الانسحاب.

ويُعلّق محي -في حديثه للجزيرة نت- على الاستهداف الأخير للسفارة الأميركية والمنطقة الخضراء، وفيما إذا كانت فعلا هناك رسائل مشفرة من الفصائل بعد خسارتها في الانتخابات الأخيرة لأطراف وجهات سياسية تريد الضغط على الحكومة في المرحلة الحالية بتوجيه رسالة خاصة تتعلق بالانتخابات والمطالبة بإعادتها كما طالبت بعض الفصائل المسلحة بالتزامن مع التجمهر الحاصل أمام المنطقة الخضراء.

ويؤكد مدير المركز الإستراتيجي أن كل مضامين هذه الخطوات من الفصائل وصلت للحكومة وعرفت ماذا تريد لا سيما بعد محاولتها استهداف منزل الكاظمي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

الطائي لا يستبعد التدخل الدولي في حال وقعت انتهاكات خطيرة في العراق (الصحافة العراقية)

هل يتدخل المجتمع الدولي؟

وعن احتمالية تدخل المجتمع الدولي في العراق ضمن السيناريوهات المعروضة لمرحلة ما بعد عدم الانسحاب أو الانسحاب واستمرار استهداف المصالح الاقتصادية والاستثمارية مع البعثات الأجنبية، لا يستبعد أستاذ القانون الدولي العام في جامعة الموصل الدكتور صهيب الطائي التدخل الدولي في حال وقعت انتهاكات خطيرة ضدّ حقوق الإنسان في العراق بالإضافة إلى وجود تهديد للأمن والسلم الدوليين.

ويستند في ذلك -أثناء حديثه للجزيرة نت- على مبدأ "مسؤولية الحماية" الذي اعتمدته الأمم المتحدة ويُمنح بموجبه الحق للمجتمع الدولي بحماية الفرد بغض النظر عن جنسيته أو الدولة التي يعيش فيها.

إن كثرة التدخلات الإقليمية في شؤون العراق، مع انتماء بعض الجهات لدول أوروبية كانت أو شرقية؛ يزيد من توقّع الطائي بحدوث صراع داخلي في العراق بعد الانسحاب، وهذا ما سيخلق بدوره اضطرابات قد يكون المجتمع الدولي مضطرا على إثره للتدخل في شؤون العراق وفقا للسياقات الدولية.

المصدر : الجزيرة

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand