العراق… الباحة الخلفية لطهران و واشنطن
2021-03-02 06:37:19
الحصاد draw:
قراءات مستقبلية – مركز الدراسات المستقبلية
أولا: حول المسائل العامة للعراق:
الملف الايراني الاميركي واحد من المتغيرات المؤثرة في السياسة الاميركية في عهد بايدن، فطبيعة التعامل الامريكي مع ايران ايجابا او سلبا سوف تؤثرفي سياسة امريكا ازاء العراق والمنطقة بشكل مباشر، فبالرجوع إلى تجربة بايدن (باستثناء المرحلة التي كان فيها سيناتورا ) اذ تم اللجوء الى سياسة التوازن ( نەشیش بسوتێ و نە کەباب )مع ايران منذ عام 2009، حين كان بايدن نائبا لاوباما ومسئولا عن الملف العراقي، وقد ادرك وقتها ان امريكا والحلفاء ليسوا المشاركين الوحيدين في ادارة العراق والمعادلات المعقدة فيها، إذ ثم شريك مفروض وهو ايران، وغريم منافس له وهو قاسم سليماني الذي تم توكيل ادارة ملف العراق اليه من قبل حكومته. ومنذ ذلك الوقت اخذ الجانبين بنوع من طرق الدبلوماسية السرية والواقعية، في ادارة الملفات العراقية عموديا وافقيا بدءا من تقسيم السلطات وحتى صعود الطائفية إلى الحكم، واستمرت هذه المنهجية المشتركة بين بايدن والسليماني الى حين مجئ ترامب الى البيت الابيض.
ثمة تغيرات طرأت على العالم والعراق كما ان مرحلة ما بعد كورونا ستكون مختلفة عن سابقتها و تغيرت معها سياسة امريكا ايضا، اذ لن تتكرر سياسة السنوات الاربع السابقة. ان واشنطن وطهران لم ترغيا باللجوء الى المواجهة العسكرية المباشرة حتى في عهد ترامب وقاسم سليماني، ما يدل على ان العراق لا تزال تشكل الباحة الخلفية لكل من طهران و واشنطن، وان اي تقارب او تباعد بينهما سوف يؤثر في امن وسبادة وتطور العراق بجميع مكوناتها، كما ان الطرفين يلوحان بالاستمرار على استخدام ورقة العراق الناعمة والصلبة ضد بعضهما البعض.
بايدن وعناصر ادارته المختصة بملفات العراق على دراية بقضايا العراق، الا ان سياسة بايدن الراهنة ازاء العراق غير واضحة، كما لم يشر خلال حملته الانتخابية بشكل صريح وعام الى سياسته تجاه العراق، ويبدو انه يدرك جيدا ان صياغة اية سياسة تجاه العراق قبل صياغة سياسته تجاه ايران ستبدو غير واقعية وغير عملية أيضا.
ستؤثر ثلاثة عوامل جديدة-قديمة في تعامل ادارة بايدن مع العراق:
1- قضية الميليشيات القديمة-الجديدة التابعة لايران في العراق، فمنذ عهد اوباما بعد عام 2014 شكلت اعادة تنظيم الميليشيات “الايرانية” العراقية بذريعة التصدي لداعش عقبة لأدارة اوباما وفريقه. فان ايران وميليشياتها استطاعت عبر سياسة المد والجزر امام امريكا في منح ايران فرص اقتصادية وسياسية، عبر اعادة اميركا الى مسار التفاوض لإبرام اتفاقية 5+1. ثم ظهرت حديثا ميليشيات الحشد الولائي واتباعها كما ولدت ميليشيات جديدة من رحم هؤلاء (اصحاب الكهف، سرايا عشرين، اولياء الدم، ربع الله…الخ)، وتؤدي الأخيرة مهام الحشد الولائي في ضرب مصالح امريكا في المنطقة، وهي ايضا اداة تكتيكية لخليفة قاسم سليماني (قانافي) الذي يعرض عضلات ايران امام اميركا. لذلك لاتقتصر مهام بايدن على تقويض قدرة الحشد الولائي وارضاء مكونات العراق فحسب وانما التعامل مع الجيل الثاني من الحشد الولائي الجديد.
2- قضية اتفاقية (5+1): واحدة من القضايا التي ستؤثر بشكل مباشر على سياسة البيت الابيض الاقليمية وفي العراق ايضا، في مسألة العودة او عدم العودة الى اتفاقية عام 2015 (5+1) المتعلقة بالبرنامج النووي الايراني. ففي حالة التقارب والتفاوض بشأن العودة للإلتزام بالاتفاقية سترفع العقوبات عن ايران مما ينعكس ايجابا على العراق، كما تقلل من ضغوطات ايران على بغداد واربيل في مسائل تبيض الاموال والمشاكل المصرفية والعملة والنفط وشراء الاحتياجات العسكرية والصناعية.
أما في حالة عدم العودة الى الاتفاقية 5+1، وهي احتمالية واردة جدا (أو في الاقل عند تعديل الاتفاقية بالضرورة)، ستبدء ايران ضغوطاتها على امريكا من اراضي العراق والتي تعد ارضية مناسبة للتقليل من اثار العقوبات على ايران، كما ستعرض عضلاتها في العراق باللجوء الى اظهار قوتها الناعمة والصلبة في العراق وخلق المشاكل لإدارة بيت الابيض الجديدة.
يبدو ان المشاكل الفنية والسياسية لاتفاقية (5+1) قد ظهرت منذ المرحلة الاخيرة لولاية اوباما، إذ انتقد الاصوليون داخل ايران الاتفاقية من جهه، فيما رأى الامريكيون من جهتهم ان الاتفاقية تفتقر الى العديد من النفاط المهمة، اذ كان من المفترض الحد من الصواريخ الايرانية البعيدة المدى والعابرة للقارات في الاتفاقية، لأن أيران استطاعت بتلك الصواريخ ان تعرض مصالح اميركا وحلفائها الى الخطر في لبنان واليمن وسوريا العراق قبل ان تمتلك الأسلحة النووية. ولم تمتنع ايران عن ارسال صواريخها الى الجماعات الموالية لها في تلك الدول فحسب، انما قامت بتفعيل وتنشيط صناعتها النووية وافرانها بنسة 20% مما يعد مخالفا لبنود الإتفاقية المبرمة.
يتتبادل كل من البيت الابيض والباستور الاتهامات بخصوص انتهاك الاتفاقية ولا يرغب اي طرف منهما ابداء نوع من المرونة والمبادرة الى الانفتاح على الآخر، وفي آخر رد فعل صرح بايدن بشكل قاطع انه اذا لم ترجع ايران الى الدول (5+1) فانه ليس لديه أية رغبة بالعودة الى ايام مرحلة (5+1)، رغم انه فتح بابا امام ايران في مؤتمر ميونخ للامن مع الابقاء على تحفظات مسبقة. فيما ستكون لانتخابات ايران الرئاسية دور في اتساع او ردم الهوة بين طهران وواشنطن.
2- قضية الكورد في ايران والعراق: ستكون هذه القضية مرة اخرى متغيرا مؤثرا ومتاثرا في و بسياسة بايدن في المنطقة. رغم ان لبايدن تاريخ اطول في التعامل مع الكورد في العراق اكثر بكثير من تعامله مع القضية الكوردية في ايران، ففي حالة استمر البتعاد بين طهران و واشنطن فان اميركا ستستخدم قضية كورد ايران كورقة ضغط على طهران وكذلك ستكون مناطفق الكورد بالعراق المنطقة الامنة الاخيرة لجنود امريكا وسياستها ضد أيران واتباعها. ان العروض الاخيرة لايران واتباعها في كوردستان والعراق تبعث بانباء غير سعيدة للعراقيين، والتي تجسدت في قصف القواعد والمصالح الاميركية وحلفائها في كوردستان ووسط وجنوب العراق واستهداف السفارة الاميركية وضرب الاطراف السياسية القريبة من اميركا واغتيال الناشطين، وتشير كل هذا الى ان هناك طريق وعرة تنتظر العراقيين في ظل سياسة البلدين المعقدة.
ثانيا: حول مسألة الجماعات المسلحة العراقية:
يمكن قراءة السياسة الاميركية تجاه هذه الجماعات في ثلاث مستويات:
المستوى الاول: مرهون بسياسة امريكا تجاه طهران وتحكمها بسلوك هذه الجماعات، إذ تنظر أمريكا إلى هذه الجماعات وتتعامل معها بوصفها ممثلة لايران. كانت هذه الجماعات المسلحة قبل انتهاء حرب داعش تشبه في قوتها وحجمها الرعيل الاول من النموذج اللبناني، التي ظلت اكثر تحفظا وخجلا واقل انصياعا لايران بخصوص وجود القوات الاميركية بالعراق، فيما دعت قسم منها قوات التحالف الدولي الى مساعدة العراق في الحرب على الارهاب. اما القسم الثاني فهو الرعيل الثاني من هذه المجموعات، التي تبدو اكثر وضوحا وتشددا في انتمائها، ولها اجندات صريحة تعد امريكا دولة محتلة. وقد وظهرت معظم هذه الجماعات وتشكلت بعد مقتل قاسم سليماني ومهدي المهندس وباتت تمتلك الثقل العسكري وقرار الحسم.
المستوى الثاني: يرتبط بالتعامل الاميركي مع المفاوضات الاستراتيجية العراقية-الاميركية المعروفة بالمفاوضات الاستراتيجية، التي بدأت لبحث الملفات المهمة ومن ثم التوقيع عليها لاحقا كاتفاقيات استراتيجية، واحدى الملفات الحيوية في هذه المفاواضات هي الملف الامني وموضوع تخفيض عدد القوات الاميركية في العراق وخطر الارهاب وكيفية تقوية الجيش العراقي وتفكيك الجماعات والميليشيات المسلحة.
المستوى الثالث: هو التعامل الاميركي مع اقليم كوردستان بشكل عام ومع ملف الامن في الاقليم بشكل خاص، الذي يتمحور حول اهمية اقليم كوردستان الاستراتيجية لدى الجانب الامريكي وموقع كوردستان في الاتفاقية الاستراتيجية.
حول المستوى الاول: ان السياسة الخارجية الاميركية لا تقبل باستخدام القوة ضد ايران وتبحث عن متغيرات جديدة وبدائل سياسية حديثة، كما ترفض النموذج السعودي للتحالف مع العراق،لذلك فان الخطاب الرسمي الايراني واتباعها من الجماعات التي تمثلها يؤكد بصراحة الحفاظ على التوازن بين الضغط والعداء المباشر لامريكا، ويمثل هذا النموذج الرعيلين الاول والثاني الذين تم ذكرهما في المستوى الاول سابقا.
حول المستوى الثاني: وهو التزام امريكا والعراق في الاستمرار بخطوات الحوار والتوصل الى اتفاقية استراتيجية عراقية – اميركية، فعندما نحلل الاساليب السياسية والمواقف في الصورة العامة لهذا المستوى، مثل اختيار ماككورك للشرق الاوسط، نستنتج بانه ثم توجه نحو سياسة غير ثابتة، وربما يكون الخيار فيها تخفيض القوات الاميركية مع تزايد دور الميليشيات.
اما حول المستوى الثالث: اقليم كوردستان وامن كوردستان، فان رد الفعل الامريكي على الهجوم الصاروخي ليلة (14 شباط) على اربيل وتوجيه اصابع الاتهام الى المجموعات المسلحة الشيعية، التي وصفت نفسها بقوات المقاومة، كان فرصة وبداية جديدة لظهور دعم اميركي غير معلن للاقليم بعد اربع سنوات من سياسة المتفرج المنحاز للعراق على حساب اقليم كوردستان.
يمكن الاشارة الى هدفيين اساسيين في هذا المنعطف، الهدف الاول جسد الضغوط التي يمكن ان تمارس ضد اربيل التي باتت غير محمية بالنسبة لامريكا. اما الهدف الثاني فجسد الفرصة التي مكنت امريكا من ان تعلن عن نفسها بوضوح وليس مستبعدا ان تستهدف الجماعات المسلحة قريبا.
– قراءات مستقبلية (9)
– الباحثون: د.يوسف گوران، د.ئوميد رفيق فتاح، د.عابد خالد رسول، د.هردي مهدي ميكة
– مركز الدراسات المستقبلية- السليمانية – اقليم كوردستان
– شباط 2021