شبكات التواصل الاجتماعي : من صعيد اجتماعي الى سلطة سياسية

2021-01-26 14:20:38

زاوية اسبوعية يكتبها  ل(  الحصاد DRAW )  : -
مریوان وریا قانع  -  آراس فتاح 

ترجمة : عباس س المندلاوي
العقدين المنصرمين لم يكونا شاهدين على ابتكار وظهور وسائل التوصل الاجتماعي ( سوشيال ميديا - social media  ) او الاعلام الاجتماعي فقط ، بل شهدا تأثيرا كبيرا  لتلك الوسائل على مجريات احداث عالمية جمة ، عندما ظهر ( فيس بووك – facebook ) لاول مرة عام 2004 كان مجرد ابداع الكتروني او حدث تكنولوجي ولكن بعد تطوره اصبح من احدى الشركات الضخمة والعملاقة العالمية وكذلك اصبح منصة ( منبرا ) لمئات الملايين من البشر في المعمورة . اعقب ذلك ظهور عدد اخر من المنابر والمنصات الالكترونية الاجتماعية مثل تويتر و انستغرام و سنابجات و تيك توك ..الخ ، هذه الوسائل او شبكات التواصل جعلت فضاء التواصل والعلاقات الاجتماعية و الثقافية و السياسية  في القرن ال(21) أكثر تعقيدا ومتشعبا .
ولم تظهر تأثيرات وعلاقة الاعلام الاجتماعي ( سؤشيال ميديا ) بالاحداث السياسية الكبرى بشكل مباشر وجلي ، كما ظهر في انتفاضات و حركات الشارع المناهضة للاوضاع التي كانت سائدة اثناء الربيع العربي عام 2011 ، وكذلك في فترة حكم الرئيس الاميركي ( السابق) المثير للجدل  دونالد ترامب . والمعروف عن حركات الربيع العربي انها كانت عفوية وبعيدة عن قيادة الاحزاب التقليدية او قيادة سياسية او حتى عقيدة وخط سياسي معين او معروف ، بل كانت  تُعَبر عن غضب الشارع والجماهير؛ شعارات و ناشطين ومنظمين ، معظم الرموز والصور خلقها وقدمها الاعلام الاجتماعي ( مواقع التواصل الاجتماعي ) وبمعنى ادق كان الربيع العربي ترجمة لعالم ( فضاء ) افتراضي و رقمي ( دجيتال ) الى عالم واقعي تجلى على شكل اعتصامات واضرابات وخِيَمٍ منصوبة وسط الساحات الرئيسة في عواصم الربيع العربي .
ويعتبر الرئيس الاميركي السابق أول سياسي يستخدم الاعلام الاجتماعي ( سؤشيال ميديا )  كأداة ووسيلة رئيسة في حملته الانتخابية وأثناء فترة ولايته ، التي كانت ينشر خلالها 18 تغريدة ( على تويتر ) يوميا على اقل تقدير ، أي أكثر من 25000تغريدة خلال السنوات الاربع مدة ولايته ، حيث كان يغرد يوميا  9 مرات في مستهلها ليرتفع عددها تدريجيا حتى وصل الى 271 تغريدة اسبوعيا في شهر اكتوبر عام 2019 .
 

حساب ترامب على موقع – شبكة التواصل ( تويتر) كان جزءا جوهريا ورئيسيا في رئاسته للولايات المتحدة الاميركية  ، اذ كان ينقل قسما كبيرا من صراعاته وحربه التجارية مع الصين الى تويتر ، كما هدد بغلق الحدود مع جارته الجنوبية المكسيك و واعلن اعترافه بضم هضبة الجولان ( السورية ) لاسرائيل رسميا ، كما واعلن عن قراره سحب القوات العسكرية الاميريكية المنتشرة في المناطق الكوردية في سوريا ؛ عبر شبكة ( تويتر ) . وكما اشارت صحيفة نيويورك تايمز الاميركية الى ان نصف تغرديات ترامب عبارة عن تهديدات لخصومه ومنافسيه ؛ مضيفة انه كان يكتب تغريداته عند استيقاضه صباحا وبعد مشاهدته لنشرة اخبار شبكة ( فوكس نيوز ) الاخبارية على التلفاز ن فكانت سياسة رئيس اعظم دولة في العالم تبدأ بتغريداتٍ لم تخل من أخطاء نحوية واملائية واكاذيب او فبركات . وذكرت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها ان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نشر خلال حياته السياسية اكثر من 22000 الف معلومة خاطئة و كذبة . 
عقب احداث اقتحام مبنى ( الكونكرس الاميركي – كابيتول هول ) من قب مؤدي وانصار ترامب ، اغلقت شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بووك وانستغرام وسناب جات حسابات ترامب لديها وحرمته من هذه الاداة والوسيلة المهمة والمؤثرة  للتواصل مع مؤيديه والعالم  . وكان لدى ترامب على تويتر اكثر من 88 مليون متابع وعلى فيسبوك 35 مليون و على انستغرام 24 مليون و مليونين و700 الف متابع على يوتيوب ، اغلاق حسابات دونالد ترامب على تلك المواقع الاجتماعية خلفت ردود فعل متباينة اكثرها مؤيد لانه حرمه من التحريض على العنف ونشر اكاذيبه ونظرياته التامرية بين انصاره والعالم ،  ولكن خلقت اجواءا من القلق لدى مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي لان ذلك كشف عن قدرة الشركات المالكة لتلك الشبكات على تجريد اي شخص وحتى رئيس الولايات المتحدة من التواصل بضغطة اصبع واحدة ، وهذه مشكلة رئيسية تواجه مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في هذا العصر ؛ مما يظهر ان هناك شركات عملاقة لها سلطات مطلقة وواسعة خارج الرقابة والسيطرة ، بالرغم من ان منع الترويج للعنصرية والكراهية اجراء صحيح وضروري ولكن نحن نعتقد ان اغلاق حسابات المستخدمين وحرمانهم من ايصال افكارهم والتواصل مع الآخرين اجراء لا يمكن لادارة هذه الشركة او تلك اتخاذها لوحدها ، بل ينبغي التفكير في وضع الية قانونية وايجاد حل مناسب وجديد و دولي للسيطرة على تلك الشركات ايضا .  لكن المعمول الان هو ان عدد من الشركات – معظمها في الولايات المتحدة – تمارس دور القاضي والسلطات الدولية وتقرر من يتكلم ومن يمنع من الكلام والنشر؛ اي ان احدى القيم  واركان الديمقراطية اصبحت تحت رحمة ععد من الشركات وهو حرية التعبير ، مجموعة من المدراء والمنسقين يقضون او يبتون في هذا الامر .
وكما أسلفنا  ان حركات الربيع العربي  و رئاسة الرئيس الاميركي دونالد ترامب ليستا لوحدهما من تجليات مسالة اهمية وثأثيرات الاعلام الاجتماعي ، فقسم كبير من الادبيات الاكاديمية التي طرحت في السنوات الاخيرة تشدد على الدور المهم للاعلام الاجتماعي – سوشيال ميديا في حياة المجتمعات المعاصرة ؛ فالثورات والاعتصامات والاحتجاجات المختلفة حول العالم ، وعمل السلطات ومعارضي السلطات وعمل الدولة والشرطة والرقابة و المراقبة والسيطرة كلها مرتبطة بقوة بحضور ونشاط الاعلام الاجتماعي . فكما ظهر نظام جديد في المراقبة و تكميم الافواه ( النشر) والسيطرة والتحكم الواسع ، ظهر بالمقابل نظام ونوع حديث من العمل السياسي و النشطاء الاجتماعيين و الاحتجاج ، وقسم مهم وكبير يمارس عبر الانترنيت  ( سياسة اونلاين ) وظهور صيغة جديدة من النشاط تعرف ب ( نشاط اونلاين ) .

الاعلام الاجتماعي اتاح للدولة والسلطات تحكم اكبر في المجتمع وفي المقابل سهل تنظيم وتنفيذ اعمال الاعتصامات والاحتجاجات ،فتجد حضوراً للقوة والقوة المضادة في هذا الاعلام الذي هو نفسه  يحمل منطق القوة وضدها ( ندها ) . وهناك نقطة مهمة نشدد عليها وهي ان الاعلام الاجتماعي – سوشيال ميديا لا يعمل من الفراغ وهو ليس وسيلة واداة حيادية  ومستقلة ، واذا منح الناس قدرة واحتمال التعبير والكتابة والاستعراض والتنظيم والاعتراض والاحتجاج والتواصل وتكوين العلاقات مع الناس ، فإنه يقف وراءه مؤسسات سلطة وتعمل عبره ، ابتداءا من سلطة الشركات الى سلطة الدولة والذين يقبضون على سلطة المراقبة و الاغلاق و ابطاء العمل في هذه المواقع . وفي جانب آخر الاعلام الاجتماعي يجعل من بعض المؤسسات والمنشآت التقليدية للتنظيم والحث غير ضرورية كما يسهل ويتيح الفرص ظهور انواع واشكال جديدة من الاحتجاج وتكوين وتهيئة النشطاء عبر النت ( اونلاين ) وهكذا يمكنه تحويل اعداد غفيرة من الناس الى متفرجين ( مشاهدين ) صامتين للاحداث .
وهناك نقطة اخرى تجدرالتركيز عليها وهي ان ظهورالاعلام الاجتماعي ليست ظاهرة منعزلة وتكنولوجية ( تقنية ) فقط ، بل يعتبر جزءا من نظام عالمي جديد غزت جميع المجتمعات في العقدين الاخيرين ؛ وهي بحاجة الى قراءة متعمقة وجديدة واسلوب جديد من الاستقراء والتحليل . وهذه المجتمعات تشكلت في جميع الدول فكما تشكلت في الولايات المتحدة ن  تشكلت في ايران وكذلك في السويد والمانيا وهولندا وهكذا انبثقت في اليابان وتركيا والعراق واقليم كوردستان ، نادرا ما نجد جزءا من المعمورة لم تصل اليه هذه الظاهرة ( الاعلام الاجتماعي ) أو تركت تأثيراتٍ فيه.. بالطبع تلك التأثيرات وجدت صداها على جميع الصعد  كل منها حسب تمايزاتها واختلافاتها عن الدول الاخرى ، وبالرغم من ذلك فان هناك حقيقة مفادها ان هذه الظاهرة الجديدة التي اجتاحت العالم لم يكن لها اي وجود قبل عقدين من الزمن .
الاعلام الاجتماعي افرز نظام جديد من العلاقات الاجتماعية ، فبعد تفشي جائحة كورونا وقرارات حظر التجوال والتنقل وتحديد وتحجيم الاتصالات او العلاقات الاجتماعية والدولية المباشرة ، جاء الاعلام الاجتماعي – سوشيال ميديا ليخترق هذا الحظر ليبني نوع اخر من الاتصال والعلاقات غير المباشرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي سيما المرئية ليملأ الفراغ  الذي احدثته اجراءات مواجهة تفشي كورونا ،  وليكون منصة الالتقاء وتبادل الاراء والمعلومات ...الخ  . اذ اصبح موقع  (Zoom)  احد ابرز منصات التواصل والتجمع الالكتروني المباشر ( اونلاين ) ؛ فقد لجأت اليه المدارس والمعاهد والمؤسسات والافراد لمواصلة اعمالها ودروسها بشكل مباشر، فبدون الاعلام الاجتماعي كان الاستمرار في مواصلة الدراسة محالا لطلبة المدارس والمعاهد والجامعات .
من المعروف ان العلاقات والصلات في الاعلام الاجتماعي  تكون في اجواء باردة ولا حرارة او حميمية فيها ولكن تفشي وباء كورونا وضع حدودا لجميع العلاقات ومنع التواصل المباشر بين الناس ومنع اللقاءات والمصافحة واخذ الناس بالأحضان والاحتفالات وألاعراس ومجالس العزاء  او تم وضع حدود صارمة لها لمنع تفشي الجائحة بين المزيد من الناس ،كما واودت بحياة الملايين الذين تم دفنهم في ظل اجراءات مشددة فمنع الناس من توديع احبائهم الذين قضوا في تلك الاثناء او القاء النظرة الاخيرة عليهم فكانت مصيبة كبرى ، وهنا جاء دور الاعلام الاجتماعي ليبدع نوعا جديدا من تلقي العزاء او المشاركة في الاحزان والافراح والاجتماعات ربما لم يكن مطابقا لبعض الطقوس الدينية ولكنه كان يفي بالغرض ، وهكذا طالت مصاعب ومصائب كورونا بقية  مناحي الحياة  كالنشاطات الفنية والادبية والسينما والمسرح وارتياد المكتبات او المتاحف او حضور الحفلات الموسيقية ، لكن الاعلام الاجتماعي اوجد منافذ لممارسة تلك النشاطات ايضا بشكل رقمي او تكنولوجي .
لقد اوجد الاعلام الاجتماعي فضاءا جديدا للاتصالات تمكن فيه الافراد والمجموعات من رؤية بعضهم والتحدث معا وتبادل الاراء وتشكيل المجموعات ..الخ ،  وكذلك تمكن الناس عبره اشكال جديدة من الاستعراض الذاتي والجماعي وعقد الاجتماعات واللقاءات والتجمعات بشكل مباشر ( اونلاين ) . المواقع الاجتماعية اتاحت الفرصة للتفاهم والتواصل معا وبالتوازي اشاع مشاعر التباغض والكراهية و العنف الرمزي ، اي ان الاعلام الاجتماعي وسيلة طيعة للتواصل والاستعراض وايصال صوتك ورأيك سلبا او ايجابا .
ومن المناحي والمميزات الأخرى للاعلام الاجتماعي تحولها خلال لحظات الى فضاء سياسي او علمي ومعرفي او فني وادبي و جعله فسحة لتبادل الاراء والحوار كما انه فضاء لتمضية اوقات الفراغ والتفكه ..الخ .


ظروف العمل الصحفي والاعلامي في اقليم كوردستان لم يكن على مايرام في اي وقت من الاوقات ، ولكن هذه المهنة واجهت صعوبات بالغة عام 2020 فاقت السنوات الماضية ، وفي عالمنا لعب الاعلام الاجتماعي دورا فعالا ومؤثرا في إحداث التغييرات والتحولات في العلاقات الاجتماعية ، ولعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا وخطيرا وتشكل تهديدا للنظام السياسي  في اقليم كوردستان مثل بقية الدول والاقاليم الاستبدادية ،  وكلما شعرت النخبة السياسية الحاكمة في الاقليم بتهديد الاعلام الاجتماعي على مواقعها وسلطتها تعمد الى قطع خدمة الانترنيت ( مثل الكهرباء )عن مناطق الاقليم ووتحجب التواصل عن طريق الاعلام الاجتماعي كلما استشعرت منه الخطر او التهديد. 

 

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand