الحشد الكوردي ابتكار طائفي آخر
2020-12-27 10:39:47
مریوان وریا قانع - آراس فتاح زاوية اسبوعية يكتبها ل( الحصاد DRAW ) :
ترجمة : عباس س المندلاوي
تداولت وسائل الاعلام فيس العراق واقليم كوردستان في الاونة الاخيرة نبأ الاعلان عن تشكيل فرع ( فوج ) للحشد الشعبي من ابناء القومية الكوردية في محافظة كركوك ، فضلا عن ابداء عدد كبير من العشائر الكوردية في كركوك رغبتها في الانظمام الى هذا التشكيل ، وعلى اثر ذلك سمعنا ردود فعل دارجة وشعبوية وسطحية ناتجة عن تفكير وعقلية ضحلة ، اولاها ردود الفعل الرسمية من داخل الاقليم ، سيما الصادرة من الناطقين باسم حزب الديمقراطي الكوردستاني الحاكم ومسؤوليه ، وهذه الردود وكما هو معهود انحصرت في التهم الجاهزة وابرزها التخوين جميع الاشخاص والجهات التي لا تتوأم رؤاها وسياسات وتوجهات واحلام وتوقعات الحزب الديمقراطي ولاتدور في محوره ، وثانيها كانت الدفاع عن تشكيل تلك القوة الجديدة بحجة انها لن تختلف عن القوات المسلحة للحزبين الحاكمين في الاقليم ؛ فلا مانع من الانظمام الى هذا التشكيل فلا فرق يذكر مادام الحزبان الرئيسان في الاقليم خائنان ايضا وكذلك يعتبر الانضواء تحت مظلة الحشد الكوردي مصدرا لتأمين المعيشة للمنظمين له .
ومنذ سنوات عديدة يتم اجترار هذين التوجهين ووتداولهما في اروقة السياسة بالاقليم ، ونحن نعتقد ان الاتجاهين وجهان لعملة واحدة ويرمزان الى رد فعل آلي للتهم الجاهزة المسبقة وليس الى توجه عقلاني وفهم ناضج او رؤى جلية للتهديدات والاخطار المحدقة بشعب كوردستان .
" الحشد الشعبي " قوة مسلحة خارج اطار الدولة وقانونها ومشروع محلي وامتداد للطائفية السياسية و مشروع خارجي لتقوية سلطة ونفوذ ايران على الساحة العراقية ، والاثنان يعتبران فعلين تدميرين لاعادة تشكيل الدولة العراقية ككيان لجميع مكوناته وتخليصه من الطائفية ، اذاً الحشد الشعبي جهة فاعلة خارج اطارالدولة تعمل بامكانات وقدرات الدولة ؛ انها دولة داخل الدولة وسلطة داخل السلطة ، وقوة طائفية داخل مشروع وخيال و طموح طائفي .
على الصعيد الكوردي يعتبر تشكيل الحشد الكوردي جزءا من صورة اكبر تتألف عناصره الرئيسة من :
اولا – محو وانهاء شيء باسم القضية الكوردية في سياسة ومنهج الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكوردستانيين ، كقوتين مسلحتين حاكمتين في كوردستان ؛ ان اختفاء المسألة الكوردية كقضية شعب يعيش في اطار الدولة العراقية التي لم تستطع التخلص من ارثها التاريخي وحاضرها المحشو بالازمات والمشاكل العرقية والطائفية والسياسية أو انتهاكات حقوق الانسان الفردية والجمعية .
ثانيا – انسلاخ الحزبين الحاكمين في الاقليم من كونهما قوتان تدافعان وتكافحان من اجل القضية الكوردية الى حزبين عائليين جعلا من استمرار الهيمنة العوائل السياسية وتقوية سيطرتها على مقدرات الاقليم قضيتهما المركزية ومحورا لمساعيهما. وعلى الصعيد العراقي حصرا جهودهما في التنافس على كيفية الحصول على المكاسب المالية وحصتهما من الكعكة العراقية والمناصب السيادية التي تدر عليهما مزيدا من الثروات .
ثالثا – الانقسام الداخلي على المحاور الاقليمية في المنطقة سيما على المحورين الايراني والتركي ، مما اخرج مفاتيح الحلول والحل والربط من داخل الاقليم الى خارجه ( خاصة المخابرات التركية – ميت - والحرس الثوري الايراني ) .
وهذا الوضع الشاذ في الاقليم اباح جميع المحظورات الوطنية والقومية فلم يبق هناك اي حياء سياسي او اخلاقي في الممارسات السياسية للحزبين ؛ وإباحة كل ما شأنه ان يدر الفوائد والثروات على الحزبين ويضمن مصالح العائلتين دون الالتفات الى ما يضر وينفع شعب كوردستان ومصالحه العليا وامنه القومي ووجوده . تعري السياسة الكوردية من الحياء والاتجار بكل شيء وتجاوز جميع الخطوط الحمر والقيم فتح الابواب على مصراعيها امام كل وارد وشارد منها تشكيل الحشد الكوردي وبهذا الوضع ومن هذا السبيل نُقِش في صفحات تاريخنا .
وهذا النوع من القوةالمسلحة الحديثة التي لا تهتم لكيفية وحيثيات تشكيلها نابعة من إباحة الاتجار والكسب المسلح مع خروج زمام امرها من يدها وسيطرتها الذاتية الى ولاة نعمتها ومموليها ، وبهذه الظروف وهذا المعنى يعتبر تشكيل هذا الحشد الكوردي تأسيسا لجيش وقوات مسلحة اخرى في منطقة تعج بالجماعات والتشكيلات الحزبية والطائفية المسلحة ، التي تؤيد وتتبع القوى الاقليمية.
وعلى مستوى العراق هنالك حكاية اخرى ؛ اذ يعلم الجميع ان الحشد الشعبي تشكل بموجب الفتوى الدينية عام 2014 لمواجهة خطر قوات خلافة داعش ، وتتحدث بعض المصادر عن وجود اكثر من 40 مجموعة مسلحة منضوية في هذا التشكيل ، وتتبع تلك المجموعات شخصيات سياسية ودينية والحرس الثوري الايراني . بالرغم من ان مجلس النواب العراقي وبأعضائه الكورد قد صوت على اضفاء الشرعية على الحشد الشعبي عام 2016 وتم التوقيع على القانون من قبل رئيس الجمهورية آنذاك فؤاد معصوم ، ولكنه كتشكيل ومهام وقوة مسلحة اصبح الان يشكل أرقا ومشكلة للدولة والمجتمع العراقي .
المكونات والتشكيلات الرئيسة والمؤثرة في الحشد تنتمي للمكون الشيعي وهي تسيطر على مواقع القرار فيه ؛ مثل كتائب حزب الله وعصائب اهل الحق و منظمة بدر ولديها علاقات قوية و متجذرة مع الحرس الثوري الايراني الذي وفر امكانات هائلة لتلك المجموعات من حيث التدريب والتمويل والاسلحة ، لتكون على نسقها جيشا مستقلا وخاصا و اداة طيعة بيد زعمائها ؛ وموازيا للجيش النظامي للدولة ومختلفا عنه اي انه جيش خارج سيطرة الدولة الى جانب الجيش النظامي وبعض مجموعاتها شكلت لديمومة النظام الطائفي والدفاع عنه نظيرا للقوات المسلحة التابعة لحزب الله اللبناني ، و يعتبر قسم من قوات الحشد الشعبي امتدادا للحرس الثوري وتعمل كقوة مؤثرة وفاعلة وغير نظامية لعرقلة واعاقة اي اصلاحات واعادة تنظيم الدولة العراقية .
يعتبرالحشد الشعبي جغرافيا جيشا عراقيا ولكن استراتيجيا وسوقيا يعد جزءا النفوذ الاقليمي الايراني ، وكذلك يعتبر جزءا من النخبة الفاسدة الحاكمة في البلاد واشترك في عمليات قمع المتظاهرين في وسط العراق وجنوبه خلال الفترة السابقة ؛ مما ادى الى افراغ المتظاهرين جام غضبهم بمقراته في عدة مناطق عراقية ونعت بعض تشكيلاتها بيد ايران داخل العراق والمدافعة عن الفساد .
ونحن نعتقد ان اية اصلاحات او تغييرات في النظام الدفاعي للدولة العراقية دون اجراء اصلاحات في القوات المسلحة والجيش والقوات غير النظامية يعد ضربا من الخيال وامرا محالا، اذ ان هناك صراعا محموما ومتعدد الجوانب لاحكام السيطرة على مقدرات الدولة وما يمكن من السلطة في البلاد من قبل اطراف متحكمة وفاعلة داخل مفاصل الدولة ولها قوات خاصة بها، فضلا عن موالين لها داخل القوات النظامية العراقية،بحيث امست المجموعات والقوى السياسية العراقية عاجزة عن الارتقاء الى ان تكون احزابا او حركات سياسية ، بل تحولت الى عناصر وجهات خارجة عن الدولة وتعمل كدولة داخل الدولة الرسمية .
الاوضاع الراهنة في العراق وبضمنه كوردستان جعلت من البلاد ساحة لنشاط وتحركات القوى والاطراف الاقليمية وضالعة في الصراعات والمعادلات الداخلية ، بمعنى ان البعد السياسي العراقي اصبح له بعد اقليمي و مفتوحا للتدخلات الخارجية والاقليمية ولم يعد بعدا وطنيا وقوميا ومحليا محصورا او مقتصرا على القوى والاطراف المحلية والداخلية كما يفترض وينبغي ؛ والاوضاع في اقليم كوردستان مطابقة للاوضاع في بقية العراقي وتعتبران وجهين مشابهين في مرآة واحدة ، والحشد الشعبي جزء من الصورة الكبيرة وموقعا وقدما للبعد الاقليمي الذي تعد ايران اللاعب الرئيس و الفاعل فيه .
العراق بحاجة ماسة الى وجود جيش وطني غير مسيس يمثل الدولة التي ينبغي ان تمثل المجتمع ؛ البلاد بحاجة جيش غير عقائدي ومحايد ولا يكون اداةً بيد اية قوى عنصرية او طائفية ولا يتدخل في الصراعات السياسية مما يعني اعتبار جميع القوى والاطراف المسلحة خارج القوات المسلحة النظامية قواتاً خارجة عن القانون والدولة . وطريقة تشكيل وعمل الحشد الشعبي منافية مع اسس تأسيس وتشكيل جيش وطني ونظامي ، ان اي قوة او تشكيل يتم تاسيسه وتشكيله في اطار الحشد الشعبي وما يماثله كورديا كان او شيعيا او سنيا تعد مشروعا ووصفة جاهزة للإقتتال والصراعات المسلحة الداخلية الدموية ومستعدة للتدخلات الاقليمية التخريبية .
ان اي تعاظم في قوة وامكانات الحشد الشعبي يعني اضعافا واضمحلالاً لسلطة الدولة واجهزتها الرسمية وكذلك تعاظماً لنفوذ القوى غير الرسمية ( خارجة عن سلطة الدولة ) ، مما يؤدي الى تشكيل وظهور جيوش وقوات مختلفة ومتخالفة ، وذلك مثيل لما يحدث في الاقليم حيث يمتلك الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني قوات مسلحة خاصة بهما ، تُستخدم لتثبيت وضمان مصالح العوائل السياسية وم صالح القوى الاقليمية، لذلك يعتبر تشكيل الحشد الكوردي جزءا من المشهد الخطير لتحويل النظام الدفاعي للدولة الى نظام مليشياوي خارج عن قانون الدولة ، ويعد التصدي لهذه الخطوة السبيل الوحيد والحقيقي لتأسيس دولة مدنية مستقلة صاحبة سيادة .