موجةُ غضبٍ أُخرى

2020-12-19 07:57:11

مریوان وریا قانع -  آراس فتاح   زاوية اسبوعية يكتبها  حصريا ل( الحصاد DRAW  )  :
ترجمة :  عبـاس س الـمندلاوي
موجة واسعة من الاحتجاجات الممزوجة بغضب تاريخي كبيرتجتاح مناطق عديدة من اقليم كوردستان ، يشارك فيها وينظمها اكثر من شريحة من المجتمع ، بخلاف الرأي الذي يذهب الى ان هذه الموجة يشارك فيها الشباب فقط ؛ نحن نعتقد انها اوسع من تقتصر على شريحة الشباب فقط ، بالرغم من ان اعداد الشباب المشاركين كثيرة لكن هنالك قطاعات وفئات عمرية مختلفة ومتعددة  من المجتمع  نزلوا الى الشارع تعبيرا عن غضبهم من الوضاع التي لم يعد لهم فيها شيء ليخسروه وقد ضاقت صدورهم عن المزيد من الصبر والتحمل ، اذا لا لايجدون اي املا لاصلاح الوضع المزري الذي يسود الاقليم .
ان هذه الموجة من الاحتجاجات والغضب لم تأتِ من العدم وعلى حين غرة او غفلة من الزمن بل هو نتاج بحر من الإحباط و وقمة اليأس والهلاك والانزعاج يملأ قلوب جيش من المهمشين و المهملين والمحرومين والذين يشعرون انهم غير المحسوبين على الذين لهم حقوق وعلى الذين يستحقون العيش بكرامة ، أُناس يعيش عدد غير قليل منهم تحت خط الفقر ...هؤلاء وغيرهم نزلوا الى الشارع بعد ان ضاقت بهم السبل وأُوصدت بوجوههم الابواب ، في نموذج حكم مقزز يقف خلفه شبح مجرم يعرف الجميع تفاصيل ممارساته واعماله ونغمة تهديداته ويعلمون كيف تشكل ومن شكله وكونه ، وذلك تاريخ وشبح تاريخ نموذج حكم سلطاني عائلي ، سلط عدة عوائل سياسية على كل صغيرة وكبيرة في حياة هذا المجتمع ، وتعتبر جميع الاقليم باقتصاده و مؤسساته واجهزته وعلاقاته و ثرواته الظاهرة والباطنة وامواله ملكية شخصية وخاصة لها ومقربيها ومعارفها ؛ ويتصرف ويدير افراد تلك العوائل بكل ذلك حسب اهوئهم ومزاجهم ونفسياتهم وفق عقلية وطموح  البقاء السرمدي الابدي لسلطة عوائلهم السياسية . 
وتعامل تلك العوائل سكان الاقليم  كرعية لا حقوق لها ولا كرامة او حرمة وعليها الطاعة والشكر والامتنان لاستمرار حكم افرادها واجيالها القادمة ، ولكن هذا النموذج العقيم في الحكم يصل اليوم الى نهاية مسدودة ولم يبق له في الدفاع عن وجودها سوى استخدام القوة المفرطة لقوتها المسلحة ولجوء ازلامها ( البلطجية )  لتصفية المعارضين والمحتجين  . وهذا النموذج  صنع عدة عوائل فاحشة الثراء ( مليارديرية ) وحلقة ضيقة ومقربة حولها من المليونيرية ( بالدولار ) ، الى جانب إفقار اعداد كبيرة من سكان اقليم كوردستان ، الذي يدار بسياسية اقتصادية تعتبر من اسوأ نماذج الاقتصاد الريعي النفطي تمخض عنها نوع جديد من الفقر المدقع و البطالة  و وخلقت وضعا مزريا لا يتمكن معه الناس من تأمين الحد الادنى من مستلزماتهم الاساسية  لحياتهم اليومية ، بحيث اصبحت معيشتهم امام تهديد وخطر دائم ولا يستطيعون ضمان حياة بسيطة وطبيعية لهم ولاطفالهم .   
ويمكن تصنيف السياسة الاقتصادية للاقليم تحت عنوان (( إقتصاد بيع النفط وسرقة وارداته )) ، وقد نُظمت واسست هذه السياسية بشكل  تعود بالنفع على النخبة السطانية الحاكمة في جميع الاحوال وتزيد في إثرائها و تراكم اموالها وزيادة ارقام ارصدتها ، ولكن تبعاتها واثارها الخطيرة المدمرة وكوارثها تكون من نصيب مواطني الاقليم . وهذه السياسة الهوجاء تركت اثارها ولعنتها على الناس على شكل جرائم يومية مستمرة ، وفي مقدمتها جريمة قطع صرف رواتب منتسبي الاقليم الشهرية و استقطاع نسب منها دون اي وجه حق او مسوغ قانوني ، وهذا يعتبر جريمة سياسية واجتماعية واخلاقية فظيعة تدخل في خانة التجويع الممنهج والمنظم . وباختصار ان هذه السياسة الريعية القائمة على عملية نهب منظمة لواردات الاقليم لإثراء مجموعة قليلة من النخبة السلطانية الحاكمة وغفقار وتجويع القسم الاعظم من المجتمع الى حد تأخير صرف الرواتب الذي يعتبر مصدر الدخل الوحيد لهم وايقافها في معظم الشهور ..
ان هذا التخريب الاقتصادي ليست الجريمة الوحيدة لهذا النظام السلطاني العائلي الحاكم ، فتخريب النظام السياسي للاقليم جريمة اخرى انعدم معها مفهوم ومصطلح اسمه  الصالح العام واجهضت اية احلام وآمال بالتغيير والاصلاح  ، فبدل ان ينتج هذا النظام انسانا متمتعا بالحقوق والاحترام والكرامة و يثق في نفسه ومجتمعه ويولد معه الامال والطموحات ، انتج  مجتمعا يعج باُناس مهمشين ويعانون من الكآبة والاحباط ووالغضب  ،وانتج مجموعات بشرية تشعر بالوحدة والقلق وفقدان الثقة ، ولا تعلم ماذا تفعل بحياتها الخاصة والعامة اناس اصبحوا بفضل سياسات هذا النظام السلطاني فريسة للضياع ، و تسعى عبرتهيئة هذه الاوضاع  لمحو البعد السياسي  لشخصيتنا الانسانية  وتغيير السياسة الى لعبة مقززة ولوسيلة لتشويه الحياة واحباط الافراد ، فصل السياسة عن الحياة العامة وتفريغها من مفاهيم الحق و والكرامة والاحترام و وابطانها بالوسائل واجهزة الاستهتار والاستهانة تعد من المناهج والخطوط الرئيسة للسياسة المتبعة في الاقليم ، فلم يبق شيء باسم احترام المواطن حفظ كرامته والصدق او اخلاقيات المسؤولية في المفهوم السياسة المتبعة في اقليم كوردستان . 
 

والأنكى من ذلك كله اغلاق الصعيد السياسي وعرقلة التجديد ومحو اي احتمال لتبادل السلطة في داخله ؛ ومن ثم اعداد الجيل الثاني والثالث للعوائل السياسية السلطانية للحلول في مواقع ابائهم في السلطة في خطوات ترمي لتدمير الصعيد السياسي في الاقليم من الداخل ، فالسلطة السياسية في الاقليم ليست سلطة او ادارة تنظيمية ومهتمة للحياة العامة ، بل هي اداة و وسيلة رئيسة للإثراء وتركيم رؤوس الاموال  
وفي هذا المضمار تحولت السياسة الى مصنع واداة للجرائم المستمرة  ، مما خلق وضعا غريبا حولت السياسة الى  لعنة اخرى  كما فعلت مع اقتصاد النفط . ولهذا الغرض تم تسخير الامكانات ضمن عملية شاملة لاجهاض الجانب السياسي للفرد الكوردستاني والمجتمع . وهذه العملية تجري بشكل منظم وممنهج وفق استراتيجية مدروسة ،ومن جانب اخر تم تسيس الحياة بمنهجية سلطانية ؛ انتجت فردا يرى السياسة ويتعامل معها كفعل نجس ومنفر . 
نحن نعتقد ان عملية الاحتجاج او الرفض يماثل ويشابه الحراك الاجتماعي والسياسي السائد في الاقليم    ، وبامكانها ان تعيد للانسان بعده السياسي الممحي ،ا الفرد عندنا  هو كائن صامت وهاديء واذا تحدث فعليه ان يكون ناطقا سياسيا مفوها ، ليكون لكلامه وزن ومعنى في عالمنا علينا منحه بعدا سياسيا قويا  وفي الوقت ذاته يكون جزءا من مشروع  لخلق حياة عامة جديدة  ضمن عقد اجتماعي جديد للعبور بالمجتمع نحو افق وموقع جديد.
جماهير هذا الشعب تغلي وهي على شوارع عدد من مدننا ولم تعد تتحمل المزيد من الانتظار والصبر على تأجيل حل المشاكل والازمات التي تعصف بالاقليم ، وهذه الجماهير لا ترى اي تهديد او خطر على حياتها ومستقبل ووجود الاقليم وفدراليته اكبر من هذا النموذج السلطاني العائلي  للسلطة المانع لتجميع السلطات كافة في حكومة الاقليم ومؤسساته ومركزية القرار وهذه الحقيقة المرة واضحة للعيان من تصريحات المسؤولين في الاقليم ويسمعها ابناء كوردستان ،وما نسمعه من الاتهامات الرخيصة و التافهة والتخوين سيما من قبل الحزب الديمقراطي وافراد عائلة البرزاني الموجهة للمحتجين والمتظاهرين الغاضبين والمحبطين من ممارسات وسياسات المسؤولين ، ان التجني على المتحجين باتهامهم بتهم سمجة وجاهزة وبشكل كوميدي  كوقوف جهات خارجية ( خارج الاقليم ) وراء حركتهم في اشارة الى حكومة بغداد موجه بالاساس الى الشارع العراقي الغاضب من حكومته و الى الرأي العام العالمي وكذلك الى داخل كوردستان لتهييج المشاعر القومية واحياء الخشية من الخطر الخارجي ، والجزء الآخر من الاتهامات موجه نحو داخل الاقليم ويير الى وقوف حزب العمال الكوردستاني PKK وراء موجة الاحتجاجات الجديدة ؛ والاتهامات بجملتها مبنية على اسس وحجج واهية و فارغة وهي تظهر بجلاء ان السبب الحقيقي وراء هذه الاوضاع المتأزمة في الاقليم هو اسلوب وسياسات حكمهم السلطاني العائلي  الفاسد الذي يحتكر اقتصاد النفط ويسيء استخدام السلطة والسياسة والعلاقات الخارجية والداخلية .


تاريخ الاحتجاجات والانتقادات والاعتراضات في اقليم كوردستان ، يقول لنا ان الاسلوب المدني والسلمي والدفاع غير العنيف عن الحقوق او الاعتصام المدني والتظاهرات و التجمعات و المقاطعات و المسيرات وقطع الطرق وبعث المذكرات المفتوحة الى المسؤولين و التفاعل المباشر عبر الشبكة العنكبوتية ( اونلاين ) ...الخ  لم تجد نفعا ولم تتمخض عن نتائج حقيقية وملموسة حتى الان  .
على مر ثلاثة عقود طويلة لم تهتم النخبة السلطانية العائلية والحلقة الضيقة المحيطة بها او تسمع او تتفهم وتفهم مطالب وهموم المواطنين ومعاناتهم فليس هناك اي تواصل بينها وبين المجتمع كأنها تعيش على كوكب آخر غير الذي يعيش فيه المجتمع ، وكل ذلك يحدث امام عيون وانظار الاجيال التي تلت انتفاضة عام 1991 ؛ جيل يعي ان تجارب ابائهم واخوانهم واخواتهم في التظاهر والنضال السلمي واصواتهم لم تلق اذانا صاغية او عقلية تتفهم وتلبي مطالبهم المشروعة ؛ وهذا الجيل تيقن ان عالمهم يسر من السيء الى الاسوأ من الظلم الى الاظلم منه من الاستبداد الى الاكثر استبدادا والحكم السلطاني العائلي ينتقل  من الاب الى الابناء ، ان الوضع الراهن في الاقليم  خلق شعورا جمعيا لدى المواطنين  من الاجيال السابقة والحالية بهلاك وفناء اجتماعي ورمزي فظيع .   
ان موجة الاحتجاجات الاجتماعية الجديدة التي تجتاح اقليم كوردستان ليست احتجاجا على الفشل الذريع لبرامج وعمل التشكيلة الحكومية الثلاثية ( المكونة من  الديمقراطي الكوردستاني و الاتحاد الوطني و حركة التغيير )  ، بل رفضا راديكاليا لسياسة امتهان كرامة الانسان الكوردي و اللعنة الاقتصادية  والى النموذج الحكم  السلطاني العائلي لهذه السلطة الحاكمة في الاقليم منذ ثلاثة عقود ، فهذه الموجة من الاحتجاجات اكثر راديكالية واتساعا ومن الاحتجاجات الغاضبة في ال ( 17) من شباط اذا لجأت السلطات الى استخدام القوة المفرطة لاخمادها ، فإن موجات الغضب المقبلة ستكون اشد وطأة وراديكالية ( اصولية )   من الحالية ، فاحراق مقار الاحزاب السياسية سيما الحاكمة هو اول افرزات ومخاضات هذا الغضب العظيم ، فيما ستكون احراق ومحو تاريخ المسؤولين عن هذا الوضع المزري والمأساوي  من المخاضات الاخرى .
 اذا كان لاحراق مقار الاحزاب السياسية الحاكمة في العديد من مدن وبلدات الاقليم رمزية ودلالات و رسالة موجهة الى من يعنيهم الامر ، فان اعمال العنف المستقبلية لن تكون رمزية فقط ،  فمن يمتلك اذانا فليسمع ومن يمتلك القدرة على الابصار فلينظر ...
 
 


 

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand