الاتفاق الثلاثي لاستئناف تصدير نفط كردستان

2025-09-22 19:43:56
بعد أشهر من التوتر والخلافات، تقترب بغداد وأربيل والشركات النفطية الأجنبية من طيّ واحدة من أعقد أزمات الطاقة في العراق، مع الوصول إلى تفاهمات نهائية تمهد لاستئناف تصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي. الاتفاق، الذي يتضمن رفع أجور الشركات الأجنبية ومنحها حصصا نفطية بدلا من مستحقات مالية مباشرة، يفتح الباب أمام انفراج طال انتظاره، لكنه يبقى مؤقتا ومرهونا بالتزامات الأطراف الثلاثة في ظل التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تحيط بالملف النفطي.
ومنذ توقف صادرات إقليم كردستان عبر خط جيهان التركي في آذار مارس 2023 نتيجة خلافات قانونية وفنية، يسعى العراق والإقليم للتوصل إلى اتفاق يضمن استئناف التصدير بشكل منتظم.
ويلتزم العراق ضمن “أوبك+” بحصة إنتاج ثابتة، ما يعني أن استئناف التصدير عبر الشمال سيقابله خفض مماثل من صادرات الجنوب. وبعد مفاوضات طويلة وزيارات متبادلة، توصلت بغداد وأربيل مع الشركات الأجنبية إلى اتفاق تاريخي ينهي أزمة تصدير نفط كردستان عبر ميناء جيهان، عقب محادثات مكثفة استمرت لشهرين وأكد خلالها الطرفان اقترابهما من اتفاق شامل.
ووقّع أردوغان، في 21 تموز يوليو الماضي، قرارا رسميا ينهي اتفاق خط أنابيب النفط الخام المبرم بين العراق وتركيا منذ عام 1973، وهو الاتفاق الذي استمر لمدة 52 عاما ويعد من أبرز التفاهمات الاقتصادية بين البلدين.
رفع أجور الشركات
ويقول مصدر حكومي مطلع على تفاصيل الاتفاق الثلاثي بين الحكومة الاتحادية، وحكومة إقليم كردستان، والشركات النفطية الأجنبية، إن “الأطراف الثلاثة وصلت إلى مراحل نهائية في حل المشاكل العالقة بينها”.
ويوضح المصدر في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الشركات الأجنبية كانت تصر على حل النزاعات باللجوء إلى المحاكم والقوانين الدولية، لكن بغداد رفضت الأمر، وأصرت على حل جميع النزاعات وفقا للقوانين العراقية، وقد وافقت الشركات الأجنبية على ذلك في النهاية، وتمت تسوية هذا الأمر”.
ويضيف أن “ذلك جاء مقابل رفع أجور الشركات النفطية من 16 دولارا للبرميل الواحد، إلى 22 دولارا وبشكل تدريجي، خلال الأشهر المقبلة، ولكن تقاضي الأجور سوف يكون على شكل حصص نفطية، وليس أموالا تدفعها بغداد”.
ويلفت المصدر، إلى أن “وفدا رفيع المستوى برئاسة وزير النفط حيان عبد الغني، سيزور العاصمة التركية، رفقة مدير شركة سومو، بهدف الاتفاق على استئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان، وأيضا وضع مسودة لاتفاق جديد، بعد إلغاء تركيا للاتفاق القديم، والذي من المقرر أن ينتهي في تموز يوليو من عام 2026”.
ويتوقع مختصون أن يبدأ تصدير النفط عبر جيهان بكميات أولية تقارب 100 ألف برميل يوميا، قبل أن يزداد تدريجيا إلى 300 ألف برميل يوميا، مع استكمال تقييم الجاهزية الفنية اللوجستية، والاتفاق بين الجانبين العراقي والتركي، بما يعيد هذا الخط الحيوي تدريجيا إلى طاقته التشغيلية.
وينتج إقليم كردستان 280 ألف برميل من النفط يوميا، تذهب 50 ألفا منها للاستهلاك المحلي، بينما ستسلم 230 ألف برميل لشركة سومو، التي ستكون مسؤولة عن تصديرها، وتسويقها.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير في الشأن الاقتصادي هفيدار شعبان: “لا يوجد اتفاق ثلاثي، بل هناك اتفاق على بعض النقاط فقط، وليس جميعها يما يخص إعادة التصدير”.
ويلفت شعبان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “مشكلة الشركات في السابق كانت تكمن في تكلفة الإنتاج، ومشكلة الحكومة الاتحادية، كانت تتمثل في تسلم هذا الإنتاج، أما الآن، فليس لدى بغداد مشكلة في ذلك، بل هي مشكلة حكومة إقليم كردستان، لأنه وفقا لعقود النفط، إذا لم تحصل الشركات على مستحقاتها المالية، فستحصل على جزء من النفط لتغطية نفقاتها”.
ويضيف أن “ما حصل من اتفاق هو نقطة مهمة، تتمثل في استلام 230 ألف برميل من قبل شركة سومو، و50 ألف برميل تبقى بحوزة وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم، لتذهب إلى الاستهلاك المحلي، وبعد شهرين، ترفع حصة الإقليم من الاستهلاك المحلي إلى 65 ألف برميل يوميا، بسبب زيادة الحاجة في فصل الشتاء”.
ويشير إلى أن “الشركات الأجنبية تعهدت وفق الاتفاق الأخير، بأنه إذا حصلت على مستحقاتها بشكل كامل، فستزيد إنتاج الإقليم من النفط إلى 400 ألف برميل يوميا، خلال الأشهر المقبلة، وهذا سيعود بالنفع على الأطراف الثلاثة، بغداد وأربيل، والشركات”.
وتشهد العلاقات بين بغداد وأربيل، تحركات مكثفة خلال الشهور الأخيرة، في محاولة لتسوية الملفات الخلافية، وفي مقدمتها الموازنة الاتحادية، وآلية توزيع الإيرادات، وسط تأكيد حكومي متواصل على الالتزام بمبدأ العدالة والمساواة بين جميع المحافظات العراقية.
وتعرض إقليم كردستان الى أكثر من 22 هجوما بطائرات مسيرة خلال الشهر الماضي، استهدف معظمها حقولا نفطية ومنشآت حيوية، فيما أكد مسؤولون كرد أن الهجمات كلفت الإقليم خسارة بما يقارب 200 ألف برميل من إنتاج النفط.
يذكر أن خمسة حقول نفطية في إقليم كردستان تعرضت لهجمات بمسيّرات خلال أسبوع واحد في تموز يوليو الماضي، ما أدى إلى خفض إنتاج الخام بما يتراوح بين 140 و150 ألف برميل يوميا وإغلاق حقول عدة بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية.
اتفاق لمدة عام
من جهته، يؤكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شيرزاد حسين، أن “المعضلة الوحيدة التي كانت أمام استئناف تصدير نفط الإقليم، هي الشركات الأجنبية النفطية، وقد تم حل المشكلة”.
ويبين حسين، في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مشكلة الشركات النفطية كانت تتمثل في نقطتين، أولها أنها تريد ضمانات قانونية لعملها، لأن اتفاقها السابق كان مع حكومة الإقليم، وهي أرادت اتفاقا مع بغداد، يضمن سلامة عملها”.
ويوضح أن “النقطة الأخرى تتمثل في اعتراض الشركات على المبلغ المخصص لها جراء كل برميل من النفط، فهي لا تريد 16 دولارا، وتعتبره قليلا، لذلك تم الاتفاق على رفع الأجور، لكن بشكل تدريجي، على أن تصرف للشركات مقدارها من النفط”.
ويردف بأن “الاتفاق إذا تم خلال الأيام المقبلة، سيثبت لمدة عام كامل، وخلال هذا العام تتم مراجعة نص الاتفاق، وتعديل بعض النقاط، في حال تمت زيادة الإنتاج ووصلت إلى 400 ألف برميل، على أن يتم استئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان خلال الأسبوع الحالي، بعد موافقة كل الأطراف بما فيها تركيا”.
ومنذ سنوات، لم يحل ملف الرواتب في إقليم كردستان، وبقي معلقا بين الشد والجذب مع الحكومة الاتحادية، وفي كل عام يتجدد هذا الجدل مع إقرار الموازنة الاتحادية، التي تضع شروطا على الإقليم، مقابل تسلمه حصته منها، وأبرزها تسليمه واردات النفط، لكن منذ عامين، بعد توقف تصدير الإقليم للنفط عبر ميناء جيهان التركي، حولت الحكومة الاتحادية رواتب الموظفين إلى “سلف” تقدم للإقليم.
اتفاق مؤقت
من جانبه، يشير الخبير والمستشار في الشأن النفطي كوفند شيرواني، إلى أن “الشركات النفطية الأجنبية وافقت على الاتفاق، وإعادة تصدير النفط، لكن بشكل مؤقت، بعد حصولها على ضمانات لمستحقاتها المالية”.
ويؤكد خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الاتفاق على 16 دولارا للشركات النفطية الأجنبية، مقابل كل برميل، هو رقم مؤقت، حيث سيتم زيادة المبلغ ريثما يتم تقدير رسوم جديدة لإنتاج ونقل النفط لكل حقل من حقول النفط على حدة، حسب الطبيعة الجغرافية، وكمية ونوع الإنتاج لكل حقل”.
ويتابع “ستكون هناك شركة أجنبية تم الاتفاق على تكليفها من قبل بغداد وأربيل، لتكون مسؤولة عن وضع تقدير لإنتاج ونقل نفط الإقليم، وبالتالي إذا كانت هذه الأرقام تتجاوز الـ16 دولار، فسيرتفع الأجر”.
ويلفت إلى أن “هذا الاتفاق جيد، ويخدم جميع الأطراف، واستئناف تصدير نفط الإقليم عبر ميناء جيهان، سيعود بالنفع المالي الكبير على الجميع، إذا ما علمنا أن الخسائر جراء توقف التصدير بلغت 14 مليون دولار يوميا، وبعد الإعلان الرسمي للاتفاق، وينشر في البيان الرسمي، فإن كل الأطراف ستكون ملزمة بتنفيذه”.