تواصل تركي مع قيادات كردية عراقية يبعث برسائل غير مطمئنة إلى قيادة الاتحاد الوطني
2025-01-08 14:30:13
عربية:Draw
شكّل اتصالات تجريها القيادة السياسية التركية مع قيادات سياسية وحزبية كردية عراقية ضغطا شديدا على الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي تجمعه علاقات متوتّرة مع أنقرة كونه في نظرها متحالفا مع حزب العمال الكردستاني الذي تخوض القوات التركية حربا ضدّه متواصلة منذ أربعة عقود، فضلا عن كونه محسوبا ضمن معسكر حلفاء إيران في العراق بفعل ما يقيمه مع علاقات واسعة مع الأحزاب والفصائل الشيعية الموالية لطهران.
وزار مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني تركيا، الثلاثاء، وأجرى محادثات مع قيادتها، في وقت استُقبل فيه ساشوار عبدالواحد رئيس حزب حراك الجيل الجدي، في أنقرة من قبل مسؤول كبير في وزارة الخارجية التركية.
ويمكن لذلك الضغط أن يبلغ أقصاه ويتحوّل إلى ضربة قاصمة للاتحاد الذي يقوده بافل طالباني في حال نجحت القيادة التركية في تقريب الهوّة بين عدد من فرقاء الساحة الحزبية في إقليم كردستان ودفعتهم إلى التوافق على تشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان العراق بعد أن تعذّر تشكيلها رغم مضي أكثر من شهرين ونصف على إجراء الانتخابات البرلمانية في الإقليم.
وتعود صعوبة تشكيل الحكومة بشكل رئيسي إلى تشدّد الاتحاد الوطني في شروطه ومطالباته محاولا استغلال تعذّر تحقيق أغلبية النصف زائد واحدا في البرلمان الذي يبلغ مجمل عدد مقاعده المئة مقعد. ولا يصبح تحقيق ذلك الشرط ممكنا خارج إدارة الاتّحاد إلاّ إذا وافقت قوى حزبية أخرى شاركت في الانتخابات وحصلت على مقاعد برلمانية على الانضمام إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاصل على تسعة وثلاثين مقعدا في مساعيه لتشكيل حكومة جديدة.
ويأتي على رأس تلك القوى القادرة على كسر جمود عملية التشكيل حراك الجيل الجديد الحاصل على خمسة عشر مقعدا والذي جمع رئيسَه عبدالواحد، الثلاثاء، لقاء مثير للانتباه في أنقرة مع نوح يلماز نائب وزير الخارجية التركي، وذلك بالتزامن مع وجود بارزاني في تركيا في زيارة رسمية أجرى خلالها محادثات مع قيادتها.
وتزامنت زيارتا بارزاني وعبدالواحد إلى أنقرة، أيضا، مع استئناف الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني لاجتماعاتهما للتشاور بشأن تشكيل الحكومة، حيث توقّعت مصادر سياسية أن لا يكون الحراك التركي من دون تأثير على موقف قيادة الاتّحاد التي تعلم أنّ تراجع أحزاب أخرى عن تمسّكها بالبقاء في المعارضة وموافقتها على المشاركة في الحكومة سيشكّلان حرجا كبيرا لحزبها ويجعلان اشتراطاته غير ذات معنى.
وفي مقابل العلاقة المتوتّرة بين حزب طالباني وتركيا تقيم الأخيرة علاقات متينة مع حزب بارزاني نجحت في ترجمتها إلى تعاون اقتصادي مع سلطات الإقليم التي يقودها بشكل رئيسي الحزب الأخير، وأيضا إلى تعاون أمني شديد الأهمية بالنسبة إليها حيث يتعلّق بالمواجهة العسكرية ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني في مناطق شمال العراق.
وكان لرئيس حكومة الإقليم، الثلاثاء في المجمّع الرئاسي بالعاصمة التركية أنقرة، لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تم خلاله “بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة آخر المستجدات والتطورات على الساحة العراقية بالإضافة إلى المتغيرات في المنطقة ولاسيما في سوريا.”
وقال المكتب الإعلامي لرئاسة حكومة كردستان العراق في بيان إنّه جرى التأكيد خلال الاجتماع “على أهمية حل القضايا الخلافية بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية استنادا إلى الدستور وإزالة العقبات التي تعترض تصدير نفط الإقليم.”
كما عقد بارزاني خلال الزيارة اجتماعا مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تمّ خلاله بحث “سبل تعزيز العلاقات بين إقليم كردستان وتركيا ومناقشة آخر مستجدات الأوضاع العامة في العراق والمنطقة.”
وبشأن لقاء رئيس حزب الجيل الجديد مع نائب وزير الخارجية التركي اكتفت الخارجية التركية في بيان نشرته عبر حسابها في منصّة إكس بالقول إن الجانبين التقيا في مقرّ الوزارة وأجريا مباحثات، دون ذكر تفاصيل.
ويرفع شاسوار عبدالواحد لواء المعارضة لسلطات الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق، لكنّ حزبه يعتبر بشكل رئيسي غريما سياسيا للاتحاد الوطني ومنافسا كبيرا له في منطقة نفوذه بمحافظة السليمانية.
ويظل مهمّا لتركيا تحجيم دور الاتّحاد في قيادة إقليم كردستان العراق وحتى دوره في السلطة الاتّحادية العراقية حيث سبق لأنقرة أن بذلت جهودا لمنعه من تولي زمام قيادة الحكومة المحلية لمحافظة كركوك الغنية بالنفط واستخدمت في ذلك حلفاءها من تركمان العراق الذين تربطها بقياداتهم علاقات وثيقة مقامة على وحدة الانتماء القومي.
لكنّ حكومة أردوغان لا تكتفي بالضغط السياسي على حزب طالباني حيث سبق أن وجّهت إليه إنذارات صريحة باستهداف مناطقه عسكريا بسبب تعاونه مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني وفتح تلك المناطق أمامهم. وفي تجسيد عملي لتلك التهديدات وجّه الطيران المسيّر التركي في سبتمبر 2023 ضربة لمطار عربت في السليمانية بسبب استخدامه من قبل هؤلاء المقاتلين وفقا للرواية التركية.
كذلك تعمل أنقرة على تسليط ضغط اقتصادي على الاتحاد وعزل مناطقه، وفي إطار ذلك قامت بتجديد قرار حظر الطيران على مطار السليمانية الدولي في رابع تجديد من نوعه منذ إقراره في السنة المذكورة.
وأعلن عن ذلك هندرين هيوا مدير المطار في تصريحات لوسائل إعلام محلية ذكر فيها أنّ إدارة المطار تسلمت تبليغا رسميا بأن تركيا مددت تعليق الرحلات الجوية إلى مطار السليمانية الدولي لمدة ستة أشهر أخرى.
ولا تبدي حكومة أردوغان أي تساهل إزاء حمل الأكراد سواء في سوريا أو العراق للسلاح ضدّ قواتها، وباتت ترى في التطورات في سوريا وكذلك في تغيّر الموقف الرسمي العراقي من وجود مسلحي حزب العمّال داخل الأراضي العراقية، فرصة لحسم هذا الملف المفتوح منذ عدّة عقود.
وقال مكتب الرئيس التركي ضمن تعليقه على لقاء أردوغان-بارزاني، الثلاثاء، إن تركيا تعمل على ضمان ألا يؤدي التحول الذي شهدته سوريا الشهر الماضي إلى إحداث اضطرابات جديدة في المنطقة. ودأبت أنقرة على تأكيد أنه لا مكان في مستقبل سوريا لحزب العمال الكردستاني المحظور والأفرع التابعة له. وجاء في بيان صادر عن مكتب أردوغان أنّ الأخير كرر هذه الرسالة في الاجتماع مع بارزاني قائلا “تركيا تولي أهمية للحفاظ على استقرار العراق وأمنه خاصة في ضوء التطورات في سوريا.”
ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ الظرف الإقليمي القائم حاليا يرجح لمصلحة تركيا وحلفائها على حساب إيران ومحورها ما يحتّم على الاتحاد الوطني الكردستاني مراجعة بعض مواقفه وسياساته سواء في ما يتعلّق بعلاقته مع حزب العمال أو تشدّده إزاء الوضع السياسي في إقليم كردستان وجهود تشكيل حكومة جديدة له حتى يتجنّب المزيد من الضغوط التي قد تفضي في الأخير إلى فقده زمام المبادرة والتحكم بمسار الأحداث.
المصدر: العرب