تداعيات الاحداث في سوريا،ومدى تأثيرها على التوازن الاستراتيجي للقوى المتصارعة في المنطقة
2024-12-07 17:48:16
عربية:Draw
من خلال استقراء الاحداث السياسية وبناءً على المعطيات المُتاحة، اول ما يخطر على بال المتلقي، هو ظهور بوادر اعادة تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة، كيف؟
سنحاول من خلال هذا التحليل،عرض مجموعة من المعادلات السياسية والمشاهد المستقبلية لغرض فهم التعقيدات وبناء تصورات واقعية وعلمية للاحداث الراهنة :
اولاً//على المستوى المحلي :الأزمات السياسية والاقتصادية والاقتتال الداخلي قد انهكت كاهل المواطن السوري مابين البحث عن المأوى والحصول على قوته اليومي او الانظمام إلى الجماعات المسلحة ومن كثرتها تصعب التمييز والتسمية،ومن جانب آخر هاجس الخوف من (الجماعات المسلحة،المعارضة،النظام السوري،القوات الدولية )افقد المجتمع السوري تماسكه الاجتماعي، مما يُسهل من عملية التغيير، وإن كانت غير مستحبة.
ثانياً//على المستوى الاقليمي: الدور التي تلعبه الدول الإقليمية لاتقل أهمية وتأثيراً عن دور القوى الكبرى وسنحاول تسليط الضوء على دور وتأثير كل دولة على حدة؛
أ- العراق،لعل الوضع الراهن للدولة العراقية وبحلتها الجديدة بعد سنة ٢٠٠٣ تُعتبر الأقل تأثيراً على تداعيات الاحداث في سوريا ،لكون البلد أُبتلي بأزمات ومشاكل وتحديات (داخلية واقليمية ودولية ) لاتقل عن حجم التحديات الموجودة في سوريا ،كونه يمر بفترة انتقالية عويصة وتحكمها اجندات إقليمية ودولية حالها حال الدولة السورية،عليه القائمين على الحكم في الدولة العراقية، يًجابهون مجموعة من التحديات، أبرزها والمتعلقة بالشأن السوري ،هي كيفية التحكم بسيادة البلد ومنع خط الإمدادات من إيران إلى سوريا وضبط سلوك الجماعات المسلحة المدعومة من ايران، لكنها تبدو مهمة مستحيلة بالنظر للدور التي تلعبه ايران في بناء وصياغة المشهد السياسي في العراق،عليه لايُنتظر من الدولة العراقية بأن تكون لها تأثير مباشر على واقع الاحداث السياسية، كون الخلافات والمشاكل بين المكونات السياسية في العراق لم تُحل وما زالت قائمة، وفقدان الثقة بين الأطراف المتخاصمة اصبحت صفة تُلازم طبيعة الحراك السياسي، لذا من الأجدر بها أن تحمي حدودها لكي لايتكرر ما مر به البلد من احداث في سنة ٢٠١٤ .
ب- تركيا: يبدو بأن الجذور التاريخية للازمات بين الدولة التركية والدولة السورية هي الأبرز ،كونها تعكس مدى تداخل وتنافر المصالح وفقاً لمصالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى انذاك وما أفرزته المعاهدات والاتفاقيات الدولية من تحديات بين البلدين،بالعودة إلى العقود الأخيرة واستعراض العلاقات الدبلوماسية بين البلدين،فإنها تأرجحت مابين التوجس ومحاولة فرض امر الواقع بين الجانبين، ولعل مشكلة المياه وتواجد قيادات حزب العمال الكوردستاني من ابرز الخلافات ،حيث استغلت الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية تنامي الاحداث في سنة ٢٠١١ محاولاً بشتى الطرق تثبيت نفوذها داخل الأراضي السورية، من خلال دعم الحركات والجماعات المسلحة من جهة ،ومن جانب آخر توغلها المباشر داخل الأراضي السورية بحجة محاربة أعضاء قوات سوريا الديمقراطية(قسد).لذا ومن خلال قراءة التصريحات الرسمية لصُناع القرار للدولة التركية فأنها ماضية باتجاه دعم الحركات المسلحة (جبهة تحرير الشام ،أنموذجا)بهدف الإطاحة بالنظام السوري أو في سبيل فرض المزيد من النفوذ داخل الأراضي السورية.
ج-لبنان : اصبحت واقع الحرب والأزمات والمشهد السياسي والاقتصادي المتأزم في لبنان تفرض حالة من اللامبالاة من قبل الحكومة اللبنانية كونها أُبتليت بما يكفي ولاتستطيع أن تؤثر في مجريات الاحداث السياسية في سوريا، ناهيك عن عقد الهدنة مع الجانب الاسرائيلي،ومحاولة تحجيم دور حزب الله في المسرح السياسي خلال الفترات القادمة.
د- الأردن: دولة عربية ولكنها لاتملك من القوة والنفوذ بما تكفي لفرض اجندات مؤثرة في تغيير الاحداث ،إلا إن بعض المحللين يعتبرونها مطبخ سياسي للاتفاقيات المبطنة.
هـ - اسرائيل: اغلب الاحداث السياسية التي تجري في منطقة شرق الأوسط ،أما تُشارك فيها اسرائيل كلاعب رئيسي كما هو الحال في قيامها بإبادة جماعية في غزة ،و تدخلها المباشر في جنوب لبنان بهدف حماية الأمن القومي للدولة الاسرائيلية ، أو بشكل غير مباشر كما هو الحال في اغلب دول المنطقة، ومن ابرز تأثيرات اسرائيل في الاحداث الجارية في سوريا ،تتمثل بمحاولة قطع الإمدادات والدعم السوري -الإيراني عن حزب الله في جنوب لبنان،لتقليل الخطر على اسرائيل.وإن لم تفلح مجريات الاحداث في سوريا بقلب نظام الحكم فأنها تتجه(اي اسرائيل) نحو الضغط على الحكومة السورية بهدف التخلي عن المطالبة بهضبة جولان إلى الأبد وكذلك التخلي عن دعم حزب الله في جنوب لبنان .
و-دول الخليج ،مصر ودول المغرب العربي: دول تنتهج سياسات بعيدة عن الأزمات واختارت لنفسها بأن تتبنى سياسة التطبيع.
ز- ايران: دولة إقليمية لها من النفوذ والسطوة داخل الأراضي السورية،مالا يمتلكه النظام السوري،لذا وبشكل مختصر سقوط النظام في دمشق او تغيير ملامح الحكم في سوريا بما لا يتلائم مع المصالح الإيرانية ،يُعتبر نكسة للأستراتيجية والنفوذ الايراني، وبمثابة فقدان موطأ قدم للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة،
ثالثا// على المستوى الدولي : مما لاشك فيه إن طبيعة الحروب في الوقت الراهن هي حروب تخوضها دول وجماعات ذات معايير قوة صغيرة ،بالنيابة عن الدول الكبرى ،فيما يتعلق بالشأن السوري فأنها شائكة ومعقدة لدرجة بأن بناء اي تحليل سياسي يستوجب اكثر من قراءة،كون الوضع الراهن في سوريا تتداخل فيه استراتيجيات إقليمية ودولية وذات أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية ،عليه اخفاق وتراجع نفوذ القوى الكبرى تعتبر بمثابة تخلخل في التوازن الاستراتيجي للجهات المتصارعة كونها بالأصل هي منطقة تزاحم الاستراتيجات بين الجهات المتصارعة وبنسق متوازن .وفيما يلي نستعرض ادوار القوى الكبرى في سوريا:
أ- الولايات المتحدة الأمريكية ؛ بعد انتهاء الحرب الباردة وسطوة القطب الواحد على العالم برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ،اصبحت التواجد الأمريكي سواءً كانت بصبغة عسكرية ومدعومة من حلف الناتو أو ذات أبعاد اقتصادية وثقافية واستخباراتية، من اكثر المشاهد جدلاً ،حيث تواجد اكثر ١٤٠ قاعدة عسكرية أمريكية حول العالم وكل قاعدة عسكرية احياناً بميزانية دول بحالها، تكفي لمعرفة مدى تشبث الولايات المتحدة الأمريكية بأن تبقى محافظاً على المكانة الدولية كأكثر دولة قدرة في التحكم بنسق السياسة الدولية، ولايخفى على أحد مدى ترابط وتزامن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية مع المصالح الاسرائيلية ،بل تُتعبر امريكا الراعي الرسمي للأمن القومي الاسرائيلي، وبهذا الصدد يستوجب تواجد أمريكي في المنطقة سواءً كانت على شكل أساطيل بحرية في البحر الأحمر وبحر الأبيض المتوسط ،او قواعد عسكرية متقاربة من بعضها في كل من (الأردن ،العراق،اقليم كوردستان العراق ،أذربيجان ، قاعدة انجرليك في تركيا ،قطر ) ،فيما يتعلق بالتواجد الأمريكي في سوريا فأنها تستهدف مراقبة تزايد النفوذ الروسي من جهة وتحجيم الدور الإيراني من جهة اخرى ،مستفيداً من نفوذها وسطوتها بتسخير اغلب الحركات المسلحة لصالحها بما فيها الحركات المتشددة .
ب-روسيا ؛ مرت روسيا بفترات اُستخف بقوته وخصوصاً بعد انهيار المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي وحل حلف وارشو ،بحيث باتت خطر توغل حلف الناتو وشيكاً وعلى أبوابها تمثلت بمحاولة ضم جورجيا لحلف ناتو سنة ٢٠٠٨ ،إلا ان تصدي روسيا لهذه المحاولة وإفشالها ،شجعت صُناع القرار في روسيا بالتوسع امنياً واقتصاديا وعسكرياً في دول المنطقة ولعل ابرز تلك المحاولات توج بالنجاح للدب الروسي من خلال دخولها في شراكات اقتصادية وأمنية مع دول العالم ومن أبرزها (حلف شنغهاي وحلف بريكس) ومد الخط الثاني للغاز (ستروم٢) إلى أوروبا ،وشكلت مع كل من الصين وكوريا الشمالية وايران تحالف سياسي ،مهدت بدخول قواتها إلى سوريا ومنع سقوط نظام الأسد خلال احداث ٢٠١١،مما اربك الاستراتيجية الأمريكية وخصوصاً بعد اخفاق الأخير في كل من العراق وافغانستان ،عليه النفوذ الروسي في سوريا هي بمثابة خطوة تمهيدية لإعادة دورها المُغيب كقوة كبرى وبالتالي التأثير على التوازنات الاستراتيجية في السياسة الدولية لصالحها نظراً لتواجدها في اكثر من جبهة ومنها دخولها بشكل مباشر في الحرب مع أوكرانيا.
المشاهد المستقبلية للواقع السياسي في سوريا :
اولاً: انهيار النظام السوري وبدء حقبة سياسية جديدية ،يرسمه ويملي ملامحه المصالح (الأمريكية -الاسرائيلية-التركية ) مع منح ادوار للقوات المستجدة على الساحة السياسية السورية بمن فيهم (قسد) ،هذا المشهد يغيب عنها روسيا(مقابل تقوية مركزها في الحرب الروسية -الاوكرانية) ومستبعد عنها الدور الايراني،وهذا المشهد تعتبر الأقرب إلى الواقع بحكم المعطيات السياسية الراهنة.
ثانياً:استمرار الوضع الراهن والاقدام على دعم النظام السوري من قبل (روسيا وايران) كما حدثت في ٢٠١١وتوسيع رقعة الحرب في المنطقة ضد المصالح الأمريكية ،هذا المشهد وارد ولكن الواقع العسكري والسياسي،تُصعب تنفيذ هذا المشهد.
ثالثاً:دعم سوريا من قبل روسيا وايران والجماعات المسلحة الموالية لايران بهدف السيطرة على كامل الأراضي السورية ،هذا المشهد غير واقعي مقارنة بخارطة الحرب والصراع الجاري .