الدينار العراقي في وسط دوامة الصراعات ... متى تنتهي الازمة؟

2024-01-12 19:36:20

عربيةDraw

لا يبدو أن هناك أفقاً مُحدَّداً لحلّ مشكلة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق العراقية، بالرغم من التطمينات والإجراءات التي اتخذتها حكومة محمد شياع السوداني والبنك المركزي العراقي

ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، فإنّ الخزانة الأمريكية رفضت طلباً رسمياً عراقياً بتجهيز العراق بعملات ورقية بقيمة مليار دولار أمريكي من أجل مواجهة الطلب على الدولار في السوق المحلية التي لا زالت معظم التعاملات الاقتصادية فيها تجري ورقياً. ويُسوِّغ الجانب الأمريكي موقفه بأنّ هناك أدلة على أنّ الدولار الأمريكي الممنوح ورقياً للعراق يُهرَّب قسم منه إلى إيران وسورية وتركيا ودول أخرى، وبشكل يخرق أحياناً العقوبات الأمريكية المفروضة على بعض البلدان، ويُوظَّف في التعاملات المشبوهة. وقد ضغطت الولايات المتحدة على الجانب العراقي من أجل إعادة تنظيم السوق المالية والتعاملات التجارية، في شكلٍ يُسهِّل تتبع حركة الدولار وطرق استخدامه، وهو ما يتطلب إصلاحاً مصرفياً جذرياً، والحد من الاستخدام الورقي واعتماد الأنظمة الإلكترونية في التعاملات التجارية.

المضمون الجيوسياسي لأزمة الدولار

على رغم أن السوداني عَدَّ المطالب الأمريكية بهذا الخصوص مفيدة، لأنها ستصُبّ في إصلاح القطاع المالي والتجاري في العراق، ووقف تهريب العملة، مُقِرَّاً في أكثر من مناسبة بأنّ الكثير من التعاملات التجارية ومعاملات الاستيراد في العراق هي واجهات لعمليات تهريب وتلاعب كبيرة، وأنّ الطلب على الدولار من قبل المصارف ومكاتب العملة والتجار يفوق فعلاً حاجة السوق العراقية إليه، إلّا أنّه يواجه صعوبةً كبيرة في الدفع باتجاه إصلاحات جدية لأن القضية تنطوي على جانب سياسي، وتتعدى ذلك إلى كونها ذات مضمون جيوسياسي.

فمن المعروف أنّ الكثير من المصارف العراقية التي تقوم بشراء الدولار هي في الغالب واجهات لقوى سياسية وفصائل مسلحة ورجال أعمال مرتبطين بتلك القوى والفصائل، وأنّها تشتري الدولار لتغذية وتمويل نشاطاتها الخارجية وشبكات المصالح الداخلية والخارجية المرتبطة بها، وكذلك السيطرة على سعر السوق وتحقيق أرباح من خلال التحكم به. والعديد من هذه القوى تعد جزءاً رسمياً أو غير رسمي من الائتلاف الداعم لحكومة السوداني، وبالتالي فإنّ الاصطدام الصريح بمصالحها قد يحولها إلى أعداء في وقت يحاول السوداني ضمان الاستقرار السياسي لحكومته من أجل التركيز على الجوانب الاقتصادية والخدمية، خصوصاً وأنّه – مع ائتلافه الحاكم – ذهبوا منذ البداية إلى توصيف حكومة السوداني بأنها "حكومة خدمات"، والوعد بأداء إداري واقتصادي وخدماتي مختلف يسمح بصناعة "شرعية إنجاز" تُعوِّض عن "الشرعية الانتخابية" المحدودة لها نتيجة تشكُّلها من أطرافٍ معظمها جاء بنتائج متواضعة في الانتخابات.

وتنطوي فكرة "حكومة الخدمات" أيضاً على بُعْدٍ آخرٍ يتمثَّل في إعطاء الأولوية لـ "الاقتصادي"، و"الإداري" على حساب الـ "سياسي"، لكن هذا البُعد يقوم على فرضية ثَبُتَ عدم دقتها، وهي أنّ بالإمكان الفصل بين ما هو سياسي، وما هو اقتصادي. ففي بلدٍ يعتمد بشدة على الريع النفطي مثل العراق، وتتحكم فيه الدولة بالمقدرات الاقتصادية الرئيسة من طريق توزيع هذا الريع عبر الرواتب والعقود الحكومية والانفاقات العامة، تصبح السيطرة السياسية مدخلاً للسيطرة الاقتصادية، ويغدو الوصول إلى الريع محوراً رئيساً من محاور الصراع السياسي، لأن هذا الوصول هو الذي يسمح للفاعلين السياسيين والمسلحين والقوى الهجينة (أي التنظيمات السياسية ذات الأذرع المسلحة، أو الفصائل المسلحة ذات الأجنحة السياسية)، باستمرارية وجودها وحماية مواردها ونشاطاتها الزبائنية أو توسيعها.

وبالنتيجة، فإنّ أزمة الدولار الحالية تضع السوداني أمام تحدٍّ خطِر بين المُضي بتحقيق إصلاحات حقيقية على الصعيد الاقتصادي، وهو ما يتطلب إصلاحاً للنظامين المالي والمصرفي، وتكييفاً للسياسة النقدية، وبالتالي الاصطدام ببعض الفاعلين الأقوياء من الأحزاب والفصائل ورجال الأعمال الجدد، وتحمُّل التكلفة السياسية لهذا الصدام؛ أو إعطاء الأولوية لاستقرار حكومته من أجل التمتع بالغطاء السياسي الكافي لحمايته. وقد يلجأ السوداني إلى طريقٍ وسطٍ بين الاثنين، عبر آلية الإصلاح التدريجي، لكن هذه الآلية لم تنجح حتى الآن كما يكشف الموقف الأخير للخزانة الأمريكية.

ويُحاول بعضُ القوى الداعمة للسوداني الترويج لمواجهة الضغط الاقتصادي الأمريكي بالتركيز على بعده الجيوسياسي، ووضعه في إطار سرديتها العامة عن أنّ هذا الضغط يستهدف "إخضاع العراق"، و/أو يتعدى على حقوقه السيادية، خصوصاً أنّ السيولة التي يطالب بها العراق تأتي من أرصدته المودعة في البنك الفدرالي الأمريكي مقابل بيع النفط العراقي، وأنّ محاولة الأمريكيين التحكم بتدفق تلك الأموال أو الامتناع عن تزويد العراق بها يُمثِّل انتهاكاً للحقوق العراقية. وتتجه هذه السردية في خطابها الشعبوي إلى الترويج لحلول بديلة من قبيل التخلي عن بيع النفط بالدولار، ومواجهة الضغط الأمريكي بخيارات جيوسياسية بديلة من قبيل الاتجاه شرقاً نحو الصين، إلّا أنّ مثل هذه المواقف لم تدخل بعد في سياق التداول الجدي لصعوبة فصل النظام المالي والنقدي العراقي عن الدولار، ولأن معظم احتياطيات العراق النقدية مودعة بالدولار، ولأن مصالح نفس هذه القوى التي تُروِّج لمثل هذا الخطاب يمكن أن تتضرر بفعل استفادتها المباشرة أو غير المباشرة من التعامل بالدولار.

خيارات الحكومة العراقية

إنّ استمرار أزمة الدولار في العراق، واحتمال تفاقُمها في حالة الإصرار الأمريكي على مزيد من الضَّبط للتعاملات المصرفية وتدفقات الدولار إلى العراق، سيعكسان إخفاق السياسة الحالية لحكومة السوداني، باعتماد نهج "الإصلاح التدريجي"، ويضعانها على محك الاختيار بين مواجهة شبكات المصالح السياسية والاقتصادية، الداخلية والإقليمية، التي تأسست وتمأسست عبر تدوير الريع النفطي من خلال سياسة مزاد العملة (التي كان الأمريكيون قد شجَّعوا عليها بعد الاحتلال بوصفها وسيلة سوقية لضمان استقرار العملة العراقية)، وما رافقها من تعاملات مشبوهة، وتهريب منظم، وإثراء غير منضبط لبعض الأطراف؛ أو التعويل على خليط من الشعبويتين السياسية والاقتصادية عبر خطاب يُحمِّل الأمريكيين المسؤولية، واتخاذ إجراءات شكلية وترقيعية تتجنَّب دفع ثمن سياسي كبير.

وفي حالة اعتماد الخيار الثاني، فإن هناك احتمالاً كبيراً بأن يتواصل ارتفاع سعر الدولار في السوق العراقية، مُتسبِّباً بمزيدٍ من التضخم وصعود أسعار السلع الأساسية، وهو ما قد يَنتج عنه تفاقُم الغضب الشعبي الداخلي، خصوصاً في ظل مفارقة أنّ العراق يحقق حالياً عوائد ضخمة (تجاوزت 8 مليارات دولار شهرياً) مقابل بيع النفط بأسعاره الحالية، دون أن يعكس ذلك تحسُّناً في الظروف المعيشية لغالبية المواطنين بسبب أزمة الدولار. مع ذلك، فإن صعود سعر صرف الدولار قد يُمثِّل فرصة لحكومة السوداني للتوجه نحو دعم الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، خصوصاً في حال نجاحها بتخفيف وطأة الصعود [في سعر الدولار] على الشرائح الفقيرة والطبقة المتوسطة، لكنها هنا ستكون مضطرة لمواجهة أخرى مع المصالح الاقتصادية الداخلية والخارجية التي ترتبت على جعل العراق بلداً مُصدِّراً للدولار ومُستورِداً للسلع، وتحوله إلى سوق رئيسة لإيران وتركيا والصين.

وفي المحصلة، فإن ما يمكن أن تكتشفه الحكومة العراقية في ظل هذه التجربة، هو أن نهج الفصل بين "السياسي" و"الاقتصادي" ليس نهجاً صائباً، وأنَّه قد لا يكون طوق نجاتها، بل الحبل الذي يخنقها.

الفدرالي الأمريكي والتحايل المالي في العراق

يمتلك الفدرالي الأمريكي نفوذاً على تدفق الدولار إلى العراق بحكم أنّ ودائع النفط العراقي المصدر تذهب في معظمها إلى حساب خاص تابع لوزارة المالية العراقية في الولايات المتحدة، ويقوم البنك المركزي العراقي، المسؤول عن تحديد سعر الصرف وإدارة الاحتياطي المالي الأجنبي للعراق، بشراء هذا الدولار من وزارة المالية العراقية ليودَّع في حساب البنك المركزي في الفدرالي الأمريكي. هذا الترتيب الناتج جزئياً عن خضوع العراق للعقوبات الدولية في السابق، وعن سعي الولايات المتحدة لربط الاقتصاد العراقي بشكل وثيق بالدولار بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، منح الفدرالي الأمريكي سلطة تقديرية في التحكم بتدفق العملة الأمريكية إلى العراق، وهي سلطة لم تتعسف الولايات المتحدة في استخدامها خلال السنوات السابقة، رغم أنّ الحديث عن خروقات كبرى تحصل في عملية بيع الدولار الأمريكي في العراق يعود إلى عدة سنوات مضت.

 يُحدِّد البنك المركزي العراقي سعر صرف الدولار في السوق المحلية والحفاظ على استقرار هذا السعر عبر ما يُعرَف بنافذة بيع العملة، حيث يطرح البنك المركزي كمية من الدولارات للبيع إلى مصارف ومكاتب عملة وشركات مُجازة، على أن تُستخدم في استيراد بضائع إلى العراق. ولذلك، يُفترض أن يقوم التجار المشترون للعملة بإبراز فواتير للبضائع التي يستوردونها، وبموجبها يحصلون على الدولار بالسعر الرسمي. لكن منذ استحداث هذا النظام ظهرت وتطورت العديد من النشاطات غير القانونية لاستغلاله، بدءاً بتأسيس وتسجيل مصارف تابعة لأحزاب سياسية وفصائل مسلحة ودول أجنبية مُهمتها الأساسية الاستحواذ على الدولار دون القيام بالخدمات المصرفية المعتادة. كما أخذت هذه المصارف في تزوير فواتير الاستيراد من أجل الحصول على الدولار بالسعر الحكومي، ليُنَقل لاحقاً إلى حسابات خارج العراق دون أن تُقيَّد بشرط استيراد البضائع. وبحسب اقتصادي عراقي، فإنّ نشاطات تهريب الدولار من العراق شملت بلداناً مجاورة مثل تركيا وايران ولبنان وسوريا، بل توسّعت خارج منطقة الشرق الأوسط لتشمل بلدان مثل روسيا وكوبا وكوريا الشمالية.

وبينما كان البنك المركزي يستلم جزءاً من العملة الأمريكية في شكل أوراق نقدية تُشحَن بانتظام من الولايات المتحدة إلى العراق، فإنّ المعلومات المتداولة تُفيد بحصول عمليات تهريب لتلك الأموال إلى إيران وتركيا. وبحسب عضو في البرلمان العراقي، فإنّ البنك المركزي باع عام 2022، ما يُقارب 37 مليار دولار في نافذة بيع العملة، إلّا أنّ ما سُجِّلَ من قيم البضائع المستوردة لدى هيئة الجمارك العراقية لا يتجاوز 14 مليار دولار، مما يعني وجود فارق يقترب من 23 مليار دولار بين حجم العملة المباعة وقيمة ما استخدم منها في الاستيراد.

بدأت قيمة الدينار العراق بالتراجع إزاء الدولار في شهر نوفمبر الماضي مع دخول بعض إجراءات التدقيق الجديدة التي طوّرها البنك الفدرالي الأمريكي بالتعاون مع البنك المركزي العراقي حيز التنفيذ، وبشكل خاص اعتماد منصة إلكترونية جديدة تفرض على المصارف العراقية الراغبة في شراء الدولار من البنك المركزي الإفصاح عن معلومات حول تحويلاتها المالية والمستفيدين منها، وعلى التجار وأصحاب الأعمال إبراز وثائق حول الحركة المالية للدولار المشترى والحساب النهائي الذي ينتقل إليه.

كما حُرِمَت ثلاثة من كبرى المصارف المشتغلة في تجارة العملة (الأنصاري، والقابض، والشرق الأوسط الإسلامي) من الاستفادة من نافذة بيع العملة لثبوت تورطها في انتهاكات وعمليات غسيل أموال. والمصارف الثلاثة ترتبط برجل أعمال اسمه علي غلام، وهو بدوره يرتبط بعلاقات تخادُم مع كبار السياسيين العراقيين والمسؤولين الحكوميين. ويبدو أنّ ضغوطاً أمريكية وأخرى داخلية دفعت إلى القاء القبض عليه في نوفمبر الماضي حينما كان قادماً إلى بغداد من لبنان، لكن سرعان ما أُطلق سراحه بعد ساعات قليلة ودون الادلاء بأي معلومات واضحة عن طبيعة التهمة المواجهة إليه وأسباب إطلاق سراحه، ما يعكس حجم النفوذ الواسع الذي يمتلكه.

التأثيرات السياسية والاقتصادية

على رغم أنّ المفاوضات بين الفدرالي الأمريكي والبنك المركزي العراقي لإصلاح نافذة بيع العملة وإيقاف عمليات التحايل والتهريب الواسعة فيها ليست أمراً جديداً، والضغوط الدولية على العراق لإصلاح وتحديث وأتمتة نظامه المالي والمصرفي مضى عليها سنوات، فإنّ تفعيل الضوابط الجديدة جاء في سياق ثلاث متغيرات:

الأول، تصعيد الحكومة الأمريكية، وتحديداً وزارة الخزانة، للعقوبات على إيران في ظل تعثر المفاوضات حول الملف النووي وأعمال القمع ضد المحتجين الإيرانيين، وشمل ذلك معاقبة أفراد مرتبطين بفيلق القدس وحزب الله اللبناني ينشطون في مجال تهريب الوقود، وزيادة الرقابة على حركة الأموال الذاهبة لإيران.

الثاني، الكشف عمَّا صار يُعرف عراقياً بـ "سرقة القرن"، وهي الفضيحة المالية الكبيرة التي نتجت عن سرقة أكثر من مليارين ونصف مليار دولار من أموال هيئة الضرائب العراقية، والتي كشفت أيضاً عن شبكة تخادم واسعة من رجال الأعمال والسياسيين والمسؤولين الحكوميين، مما لفت الأنظار مجدداً إلى حجم الفساد في العراق وعمليات التهريب والتلاعب الواسعة التي تجري لأمواله والمحمية بتواطؤ حكومي وبرلماني وقضائي.

الثالث، تشكيل حكومة تابعة لـ "الإطار التنسيقي" الذي تسيطر عليه الأطراف المقربة من طهران، وتتمتع فيه الفصائل المسلحة والميليشيات بنفوذ واسع، ما يجعلها قادرة على التأثير في قرارات الحكومة المالية والاقتصادية، كما اتضح مثلاً في قرار تشكيل "شركة المهندس" التابعة لهيئة "الحشد الشعبي".

ومع أنَّه من الصعب القول إنّ أيّاً من هذه المتغيرات أدى دوراً مباشراً في عملية تشديد الإجراءات، إلّا أنّها أسهمت بقدرٍ ما في تسريع تطبيق الضوابط الجديدة أو في الأقل تعزيز مبرراتها. وأدت هذه الإجراءات دوراً كبيراً في تقليص حجم المعروض من الدولار في السوق العراقية، مما تسبب في ارتفاعه. وبحسب اقتصادي عراقي، فإنّه مع تطبيق الضوابط الجديدة لمنصة البنك المركزي، جرى رفْض حوالي 90% من طلبات شراء الدولار. وأخذت مبيعات الدولار في التراجع لتصل إلى معدل 55 مليون يومياً، بعد أن كان البنك المركزي يبيع 250 مليون دولار يومياً.

وعلى رغم تأكيدات البنك المركزي أنّ ارتفاع الدولار فوق سعره الرسمي ليس أكثر من ناتج مؤقت للتغييرات في نافذة بيع العملة وسيزول بفعل التكيف مع الإجراءات الجديدة، فإنّ الضغوط السياسية والشعبية تزايدت بسبب تراجع قيمة الدينار العراقي وما لحقه من ارتفاع للأسعار، وبشكل خاص أسعار المواد الغذائية الأساسية. وحيث أن شريحة الموظفين ومُتلقي الرواتب والاعانات الحكومية يمثلون الشريحة الاجتماعية الأكبر المحركة للسوق، فإنّ تراجع قيمة الدينار يعني تراجعاً في قدرتهم الشرائية، الأمر الذي تسبّب بركود اقتصادي في بعض القطاعات. وفي المقابل، انتعش اقتصاد المضاربات، وحاولت بعض المصارف ومكاتب العملة الاستفادة من امتلاكها للدولار من أجل التحكم بالمعروض منه وجني أرباح أعلى، الأمر الذي سرّع من صعود سعره.

كما أنّ بعض القوى السياسية والفصائل المسلحة المتضررة من الضوابط الجديدة أخذت تُصعِّد ضغوطها السياسية على الحكومة والبنك المركزي لاتخاذ إجراءات من قبيل المطالبة بالحد من اعتماد العراق على الدولار الأمريكي، ومن سيطرة الفدرالي الأمريكي على احتياطي النقد العراقي، أو المطالبة بالضغط على الجانب الأمريكي لتخفيف الضوابط لمهلة زمنية محددة تسمح للمصارف بالتكيف قبل إعادة فرض تلك الضوابط. وبالطبع، دخلت المناكفات السياسية ساحة المواجهة مع مطالبات بعض أطراف "الإطار التنسيقي" بإقالة محافظ البنك المركزي، والغمز لجهة علاقته بالتيار الصدري، في حين صعّد إعلاميو ومدونو التيار الصدري نقدهم لـ "الإطار التنسيقي" لفشله ليس فقط في إعادة سعر الدولار إلى قيمته السابقة قبل اتخاذ حكومة مصطفى الكاظمي قرار رفع سعره عام 2020، بل وأيضاً في منْع ارتفاع سعره ليتجاوز 1600 دينار. وظهرت مطالبات ودعوات للتظاهر أمام مبنى البنك المركزي للمطالبة بخفض سعر الدولار.

أمام هذا التحدي، حاولت حكومة محمد شياع السوداني تبنّي خطوات، بعضها ذا طابع شعبوي، مثل إلقاء القبض على عدد من تجار العملة بتهمة المضاربة، وفي يوم 23 يناير 2023، أُعلن عن قبول استقالة محافظ البنك المركزي، مصطفى غالب، وعيَّن السوداني المحافظ السابق (الذي أقاله مصطفى الكاظمي)، علي العلاق، مُحافظاً بالوكالة. ومن المعروف أنّ علي العلاق شغل منصب المحافظ في زمن حكومة نوري المالكي، وهو من المقربين للمالكي و"حزب الدعوة"، بما يوحي أنّ هذا التغيير يدخل أيضاً في سياق التنافس المحتدم بين قوى "الإطار التنسيقي"، وبشكل خاص بين المالكي وقيس الخزعلي، على المناصب الأساسية، خصوصاً مع تبنّي المالكي لنهج أكثر انفتاحاً على المطالب الأمريكية فيما يتعلق بإدارة نافذة العملة. وقد تعهد المحافظ الجديد بالعمل على إرجاع الدولار لسعره السابق، فيما بدا رسالة تطمينية تلقتها الأسواق في اليوم ذاته عبر انخفاض طفيف في سعر الدولار.

كما شملت إجراءات السوداني إحالة مدير المصرف العراقي للتجارة إلى التقاعد، وتعيين مدير جديد له هو بلال الحمداني. واتخذ السوداني في اليوم ذاته قراراً بفتح نافذة جديدة لبيع العملة عبر المصرف العراقي للتجارة لتتولى بيع العملة لصغار التجار، على أن يقوم البنك المركزي بتمويل المصرف العراقي للتجارة بمبلغ 500 مليون دولار لفتح الاعتمادات المستندية لصغار التجار. ويبدو أنّ هدف هذه الخطوة هو تسهيل بيع الدولار دون الخضوع للضوابط الجديدة التي قرّرها الفدرالي الأمريكي. وقد تستهدف أيضاً شراء الوقت، والحد من التراجع في قيمة الدينار العراقي لحين التوصل إلى تسوية ما بين البنك المركزي والفدرالي الأمريكي، ولكن خطورتها تكمن في تحولها إلى نافذة جديدة لتسهيل التلاعب وتهريب العملة، وبما قد يُعرِّض المصرف العراقي للتجارة للعقوبات الأمريكية.

وقد أعلن وزير الخارجية العراقي عن تحديد موعد لزيارة سيقوم بها محمد شياع السوداني إلى واشنطن، وسيكون ملف صعود الدولار وضوابط الفدرالي الأمريكي في أعلى سلم أولوياتها.

السيناريوهات المحتملة

يمكن توقُّع السيناريوهات الثلاثة الآتية لمسار أزمة صعود سعر الدولار في العراق:

السيناريو الأول، توقف صعود سعر الدولار تحت تأثير الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية، وبفعل المفاوضات بين الجانبين العراقي والأمريكي التي قد تُسفِر عن آلية لتخفيف الضوابط أو تسهيلها، وسيسمح ذلك لاحقاً بتراجُع سعر الصرف ليقترب من معدلاته السابقة. لكن مثل هذا الاحتمال يرتبط أيضاً بطبيعة العلاقة بين بغداد وواشنطن، وفيما إذا كانت حكومة السوداني ستنجح في كسب واشنطن لصفها وتخفيف التصور العام عنها بأنّها خاضعة لنفوذ طهران، وما يعنيه ذلك من تعزيز تحالف السوداني بالمالكي على حساب تحالفه مع "عصائب أهل الحق" والتنظيمات المقربة من إيران.

السيناريو الثاني، استمرار صعود الدولار بسبب فشل المصارف والتجار في التكيف مع الضوابط الجديدة، واستمرار تشدُّد الفدرالي الأمريكي، وإخفاق السوداني في إقناع الجانب الأمريكي بإبداء مرونة أكبر في هذا الملف. ومن شأن ذلك أن يُعمِّق الأزمة الاقتصادية في البلاد، ويخلق ضغوطاً مجتمعية أكبر على حكومة السوداني، وربما يُسرِّع من حصول موجة احتجاجات جديدة، لكنه قد يُقوِّي أيضاً من سطوة التيارات المتطرفة في "الإطار التنسيقي" والمطالبات بإجراءات أكثر راديكالية لتقليل نفوذ الفدرالي الأمريكي على النظام المالي والمصرفي في العراق.

 السيناريو الثالث، استمرار حالة عدم الاستقرار في سعر صرف الدولار، صعوداً وهبوطاً، ولفترة طويلة تأثُّراً بمسار السوق ومضاربات العملة وعدم الحسم في مجال تطبيق الضوابط الجديدة، أو تعثُّر الوصول إلى تسوية نهائية وواضحة بين الجانبين العراقي والأمريكي.

الاستنتاجات

تُمثِّل أزمة صعود سعر الدولار في العراق أكبر تحدٍ تواجهه حكومة السوداني منذ توليها مسؤوليتها، وهو تحدٍّ يطال برنامجها الأساسي الذي عرّفت نفسها من خلاله بوصفها حكومة تركز على الإصلاح الاقتصادي، وتحسين الخدمات، ورفع مستوى معيشة المواطنين. في نفس الوقت، تُمثِّل الأزمة فرصة للسوداني للمضي بإصلاحات أساسية في القطاع المالي والمصرفي، خصوصاً باتجاه تحديثه وأتمتته وتخليصه من هيمنة المافيات المالية والاقتصاد الموازي. ومن جهة أخرى، قد تُسهِّل عليه تسويق نهجه المعتدل فيما يخص العلاقات مع الولايات المتحدة، ومقاومة ضغوط الأطراف المتشددة في "الإطار التنسيقي" والضغوط الإيرانية من ورائها، عبر الاستفادة من الإدراك المتزايد للنفوذ الذي ما تزال الولايات المتحدة تمتلكه على الاقتصاد العراقي.

وربما تُحدِّد مآلات هذه الأزمة، المستقبل السياسي للسوداني، إذ إنّ تفاقمها وخروجها عن السيطرة قد يدفع أطراف "الإطار التنسيقي" إلى التخلي عن دعمه وتحويله إلى كبش فداء، خصوصاً إن أدّت الأزمة إلى تصاعُد موجة الغضب الشعبي واندلاع تظاهرات جديدة.

تهاوى الدينار العراقي اما الدولار الامريكي منذ العام 2020 عندما اقرت حكومة مصطفى الكاظمي رفع سعر صرفه الى 1450 ديناراً لكل دولار، حتى وصل في يومنا هذا الى نحو قريب من 1600 في مايصطلح عليه بـ"السوق الموازي" او "الاسواق السوداء"، برغم تخفيضه من قبل حكومة السوداني الى 1300، الا انه واقعاً هذه الاسواق واربابها هي التي تتحكم بسعر الصرف. جراءات ترقيعية

وصف الخبير في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، في حديث لـ "بغداد اليوم" محاولات الحكومة والبنك المركزي للسيطرة على سعر الصرف بـ"الاجراءات الترقيعية" قائلاً، إن "أغلب القرارات التي تتخذ من قبل الحكومة والبنك المركزي هي قرارات ترقيعية لاتعالج المشكلة".

وفي نهاية العام الماضي، أبلغ الفيدرالي الأمريكي، المركزي العراقي بضرورة منع 4 مصارف أهلية من دخول مزاد العملة بتهمة تورطها في تهريب العملة إلى دولة تفرض عليها الولايات المتحدة عقوبات مشددة، وهي مصارف (الشرق الأوسط، والأنصاري، والقابض، وآسيا) التي يمتلك أغلب رؤوس أموالها رجل الأعمال علي غلام.

ورغم تنفيذ البنك المركزي لهذا الأمر، إلا أنَّ المصارف الأربعة لا تزال تمارس عملها المصرفي، غير أنها ممنوعة من الدخول في مزاد العملة. وعقب هذا الإجراء، فرض الفيدرالي الأمريكي على البنك المركزي ضوابط جديدة لبيع العملة للتجار والمصارف.

وشملت الإجراءات تقديم كشوفات عن الجهة المستفيدة من الدولار سواءً كانت في الداخل أو الخارج خلال مدة أقصاها 24 ساعة، بدلاً من 20 يوماً كما كانت المهلة في السابق، ما أسهم بشكل مباشر في عزوف المصارف الأهلية والتجار وأصحاب الصيرفات عن الدخول إلى مزاد العملة خوفاً من شمولهم بإجراءات عقابية تمنعهم من مزاولة عملهم، بحسب ما ورد من بيان الفيدرالي الأمريكي. وفرض على العراق منصة الكترونية لبيع الدولار، حيث وجه البنك المركزي العراقي، في 29 كانون الثاني من العام الجاري، بإيقاف العمل على المبيعات النقدية للدولار الأمريكي، وسيتم بيع النقد عبر المنصة الإلكترونية فقط.

اضافة الى ان الحكومة إلى خطة تقضي بفرض التعامل بالدينار العراقي في الأسواق ومحلات التجزئة في مختلف المحافظات، وحذرت الأجهزة الأمنية من أن عدم الالتزام بذلك سيعرض التجار للمساءلة القانونية، لكن دون جدوى، حيث علقت خبيرة الاقتصاد سلام سميسم بالقول إن "أي إجراء بوليسي في هذا الموضوع سيؤدي إلى تحول التعامل بالدولار للخفاء وإلى الغرف المغلقة، وأن هذه الإجراءات خاطئة، وأن البديل عن ذلك هو تحويل جميع التعاملات الحكومية للدينار العراقي، وهو ما بدأت الحكومة بتطبيقه مؤخرا من خلال فرض السلطات الحكومية بيع تذاكر الطيران للخطوط الجوية العراقية بالدينار بدل الدولار مع الحاجة لمزيد من الإجراءات المشابهة". العراق اسير الدولار الأمريكي

ناقش الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، خطة التحويلات الخارجية بسلة من العملات واثرها في معالجة ازمة الدولار في العراق، في صفحته على فيس بوك، قائلاً: "في سياق البحث إجراءات جديدة للسيطرة على التباين الكبير في سعر صرف الدولار مقابل الدينار بين السوقين الرسمي والموازي، اعلن البنك المركزي العراقي عن فتح قنوات التحويل بعملات مختلفة منها الدرهم الإماراتي، والليرة التركية، والروبية الهندية، واليورو  لغرض تسهيل وتسريع المعاملات المالية، نظريا سيقلّل من تكاليف الاستيراد ويحمي أسعار الصرف داخل العراق من مخاطر التذبذب"، مبيناًأن "هناك حذر من ان هذه الآلية ستترك آثارها على الاقتصاد العراقي الذي سيواجه خطر ارتفاع أسعار السلع والبضائع الأجنبية المرتبطة مباشرة بارتفاع وانخفاض أسعار الدولار عالميا، اذ أن هذا القرار سيواجه تحديات عدم توفر العملة الصينية والعملات الأخرى في المصارف العراقية، ما يعني أن البضائع التي سيشتريها العراق من الصين والدول الاخرى ستُحتسب بعملتها، لكنه سيتم تسديد قيمتها بالدولار، لأن البنوك العراقية لا تمتلك ما يكفي من العملات الأجنبية لتسوية معاملاتها التجارية وسبق للبنك المركزي وان قرر التعامل بشكل مباشر في التبادلات التجارية مع الصين باليوان الصيني بدل الدولار". ويوم امس الاحد، قال محافظ البنك المركزي علي العلاق ان "البنك ماض للاستغناء عن التحويلات الخارجية السنة القادمة، ويسعى لفتح قنوات تواصل مباشر للمصارف العراقية مع نظيرتها الأجنبية في المراسلات والتبادل التجاري وغيرها جاء على مراحل مكثّفة، فيما يجري حالياً، فتح قنوات التحويل بعملات مختلفة منها (الدرهم الإماراتي، والليرة التركية، والروبية الهندية، واليورو)".

تابع المرسومي: "مع أن العراق بدأ بتنويع احتياطاته النقدية قبل ست سنوات، لكن الغلبة للدولار لكون إيرادات النفط بالدولار، ولا يملك سوى القليل من العملات المذكورة ، إذ يحاول العراق اليوم إعادة قيمة الدينار من خلال استراتيجية باتت تتبعها بنوك رسمية أخرى في الشرق الأوسط".

وأوضح، "تتضمن هذه الاستراتيجية الاعتماد على سلة من العملات حيث تسعى السلطات إلى توفير عملات أجنبية أخرى للتعامل التجاري بجانب الدولار الأمريكي والمعروف أن العديد من الدول باشرت باتخاذ الخطوات ذاتها التي يقوم بها البنك المركزي العراقي وأخرى بدأت تطبيقها فعلا، إذ أصدرت السعودية قرارا يتضمن الحصول على اليوان الصيني بدلا عن الدولار مقابل النفط الذي يباع للصين، فيما قررت مصر استبدال سندات الضمان بعملة اليوان بدلا عن الدولار قبل أن تتبعها إسرائيل التي أعلنت أيضا عن استخدام اليوان الصيني بجانب الدولار الكندي والاسترالي كبديل مباشر للدولار الأمريكي".

وتابع "وما دام النفط يسعر بالدولار ومادامت الصادرات النفطية هي المهيمنة على الصادرات العراقية في ظل الاختفاء التام تقريبا للصادرات غر النفطية، يصبح من المستحيل على العراق التحرر من الدولار الأمريكي، إذ يحتاج العراق في النهاية إلى الدولار للحصول على العملات الأخرى، ولذلك فإن اعتماد العراق على اليوان والعملات الأخرى لتمويل تجارته الخارجية مع الصين والدول الأخرى لن يغير من الأمر شيئا، وسيبقى أسيرا للدولار".

وأشار الى انه "من غير المؤكد ما إذا كان اعتماد سلة من العملات في التعاملات التجارية بين العراق ودول أخرى معينة سيساعد في تجاوز مخاطر مشكلة سعر الصرف الأمر الذي يعني أن القضية تتعلق في السيطرة على تهريب الدولار أكثر من غيرها من الإجراءات التي ستنقذ الاقتصاد الوطني للبلاد، وتجنبه أي تداعيات مالية خطيرة".

بين السياسة النقدية والتجارية

يضيف الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، أن "العراق يستورد اغلب السلع الاستهلاكية بطريقة الحوالات السوداء، لذلك سيستمر سعر صرف الدولار بالارتفاع ولن يستقر دون قرارات جريئة من قبل الحكومة والبنك المركزي".

الا ان المسؤول السابق في البنك المركزي محمود داغر، اكد في تصريحات سابقة، انه "يخطئ من يعتقد ان السياسة النقدية في العراق يمكن ان تعمل لوحدها، بل يجب ان تعمل على اتساق مع السياسة المالية والتجارية، ليكون نموذج السياسة الاقتصادية للعراق صالحاً".

واضاف محمود داغر، ان "اسعار الصرف هي لُب السياسة النقدية في العراق، لأننا نستورد كل شي ولا نصنع ولا نزرع، وبالتالي تكون السياسة التجارية هي على تماس مباشر بالسياسة النقدية وتعينها للوصول لنتائج جيدة"، مبيناً ان "السياسة التجارية هي المسؤولة عن دخول البضائع من دول لا يمتلك العراق معها تعاملات مصرفية، والتي تدفع لها اثمان بالدولار الاسود، اضافة الى وجود منافذ غير رسمية ودخول بضائع من غير كمرك“.

واوضح مدير عام الدين الاسبق في البنك المركزي، ان "هذه العملية تخلق طلباً اضافياً على الدولار خارج المنصة المعتمدة من قبل البنك المركزي وخارج السياسة النقدية للعراق مما يؤدي الى ارتفاع اسعار الصرف”، مشدداً على ان "الحل الوحيد، هو ربط جميع تعاملات الدول بالنظام المصرفي وضبط المنافذ ودخول البضائع".

من جانبه، قال مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء إن السياسة النقدية للبنك المركزي بموجب القانون رقم 56 لعام 2004 تتمثل في الحفاظ على القوة الشرائية للدينار العراقي، وإن التعامل محليا بأي عملة غير الدينار العراقي يؤدي إلى ضرب مراكز الاستقرار الاقتصادي. تقضي إجراءات البنك المركزي بحصر التعامل بالدينار، حسب صالح الذي يؤكد أن الهدف من هذه الحملة هو الحد من اضطراب السوق المحلي، مشيرا إلى أن ثنائية العملة تعد من أخطر المظاهر التي تواجه الدول.

يؤكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء أن السياسات الحكومية الأخيرة عبر منصة بيع العملة في البنك المركزي أدت إلى تراجع سعر صرف الدولار، لكن عصابات الجريمة المنظمة استمرت في تهريب العملة.

ويعتقد صالح أن هذا الارتفاع سيكون مؤقتا، وأن الحكومة بدأت فعليا بالحد من هذه الظاهرة، وأن الدينار سيعاود الارتفاع قريبا، مشيرا إلى أن عدم المعرفة الواسعة لدى العراقيين باستخدام بطاقات الائتمان تسببت في هذه المشكلة، وأن الحكومة بدأت سلسلة إجراءات للحد من تهريب هذه البطاقات، وهو ما نجحت فيه خلال الأيام الماضية.

متى ستنتهي الازمة

محمود داغر وفي وقت سابق، اشار الى إن "عزل الاقتصاد عن السياسة أمر صعب وأن مضمون الأزمة الحالية في حقيقتها هو صراع الولايات المتحدة وإيران، وطبيعة العلاقات التجارية بين العراق وإيران بشكل رئيسي".

وأوضح، أن "التوقعات في مثل هذه الأزمات صعب، لأن العراق يمارس تجارة بما يقارب من 10 مليارات دولار، وبالتالي يتم سحب مبلغ بملايين الدولارات شهرياً، وهذا يُصعب إيقافه". ما رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية الدكتور رائد العزاوي وفي تصريحات صحفية، قال، انه "من الواضح أن الصراع المحتد بين واشنطن وطهران بات ينعكس على العراق اقتصاديا وبشكل خانق، حيث أن خطوات البنك الفيدرالي الأميركي قادت لكبح تدفق الأموال بالدولار لإيران من العراق، رغم وجود طرق عديدة طبعا لتهريبها لهناك، ومع الأسف العراقيون حكومة وشعبا هم من يدفعون ثمن هذا الأمر".

واضاف، انه "رغم المحادثات بين الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي العراقي لتدارك ومعالجة الأزمة، لكن يبدو أنه لم يتم التوصل بعد لحلول ملموسة لها، حيث ثمة مطالبات من الطرف الأميركي بوقف التحويلات المالية الكبيرة وغير المبررة لإيران، ولضبط عمليات دخول الدولار وخروجه من العراق، وبالمقابل يبدو أن ثمة ضغوطا إيرانية ومن قبل جهات سياسية عراقية محسوبة على طهران، للدفع باتجاه الإبقاء على عمليات تهريب الدولار لإيران، ولا يقتصر المستفيدون من ذلك على الجانب الإيراني فقط، بل أن ثمة دول أخرى تستفيد من تهريب الدولار من العراق كسوريا وتركيا".

بينما يرى مركز المستقبل للدراسات الاستيراتيجية، انه "لابد من طرح الحلول والمعالجات الانية في المدى المنظور والمتوسط لمواجهة واحتواء ازمة ارتفاع سعر الصرف، والمعروف اساسا يندرج في كيفية ادارة الصراع الامريكي الايراني في العراق والتفاوض بشكل مباشر حول كيفية النأي بالنفس عن تداعيات هذا الصراع والتخلص من الخضوع لأدوات ووسائل الطرفين في ليّ ذراع الاخر، لكن لا مؤشرات ايجابية تمتلكها الحكومة الحالية للنجاح في هذه المهمة، خاصة مع عدم رغبة الطرفين للتنازل لأنه يعني تراجع نفوذ احدهما في العراق لحساب الاخر ولهذا السياق تداعياته المقلقة في ميزان القوى والردع المتبادل بين الطرفين وحلفاءهما".

المواطن يدفع الثمن

ويستمر الدينار العراقي بالهبوط أمام الدولار، في التعاملات التجارية، وسط تحذيرات خبراء اقتصاد من تأثير الانخفاض الجديد على أسعار المواد الغذائية المستوردة، ودعوات للبنك المركزي بإجراء إصلاحات مالية جديدة لدعم استقرار الدينار

واكد الخبير المالي في سوق بغداد للأوراق المالية حسام الخيزران، بتصريحات صحفية، إن "المضاربة المتواصلة بالعملة الصعبة، والتهريب ما زالا يهددان قيمة الدينار العراقي" وأضاف الخيزران، أن "شبكات التهريب والمضاربة وجدت طرقاً جديدة لتجنب إجراءات البنك المركزي"، داعياً "السلطات للقيام بخطوات جديدة لمعالجة أزمة تدهور قيمة العملة الوطنية".

واعتبر أن "الأسر تدفع الثمن الأكبر، لكون أغلب المواد الغذائية مستوردة وترتبط بالدولار وليس الدينار"، متوقعاً "ارتفاعاً جديداً في معدلات الفقر بحال استمرار حالة تراجع قيمة الدينار وعدم الاستقرار".

ودعا الباحث الاقتصادي، أحمد عبد ربه، في تصريحات إعلامية، البنك المركزي العراقي إلى إطلاق حزمة إصلاحية جديدة تعيد الاستقرار إلى أسعار صرف الدولار.

بينما أكد الخبير المالي زياد الهاشمي، في تدوينة له، أن "شحّ المعروض من الدولار في السوق المحلي أدى إلى ارتفاعات جديدة في أسعار صرفه"، متوقعاً "مزيداً من

الارتفاعات".

سنوات الانتعاش

شهد الدينار العراقي خلال 90 عامًا من عمره ارتفاعًا في قيمة الصرف تارة وهبوطًا حادًا تارة أخرى، نتيجة ما تعرض له العراق من أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية متواترة.

ففي مثل هذا اليوم من عام 1932، أصدر العراق عملته الوطنية باسم الدينار حاملة صورة الملك فيصل الأول وطبعتها في لندن شركة "برادبري ويلكينسون وشركاه" (Bradbury Wilkinson and Company) البريطانية .

وقال الباحث المصرفي عمار شهاب إن فترة سبعينات القرن الماضي شهدت انتعاش قيمة الدينار العراقي، إذ كان يساوي 4 دولارات، ويحدد أسباب ذلك الانتعاش باستقرار الحكم وقتها برئاسة أحمد حسن البكر للفترة (1968-1979)، إضافة إلى قرار تأميم المصارف وشركات التأمين في 14 يوليو/تموز 1964 الذي أسهم في تعزيز الصيرفة.

وقالت الخبيرة المصرفية الدكتورة سلام سميسم إن "سعر صرف الدينار العراقي الواحد كان يعادل 3.3 دولارات خلال فترة الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988)، بسبب قلة مديونية البلاد مع وفرة مالية كبيرة إضافة للدعم النقدي العالمي لبغداد وقتها".

أما بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 وحرب الخليج التي تبعت ذلك والحصار الأممي الذي فرض على البلد آنذاك، كشفت سميسم عن انحدار قيمة الدينار العراقي ليصل نحو 3 آلاف دينار مقابل كل دولار واحد، نتيجة صدور قرار مجلس الأمن الدولي بفرض العقوبات الاقتصادية على العراق، مما أدى إلى تهاوي موقف بغداد في سوق النفط العالمية.

 المصدر: مركز الامارات للسياسات- وكالات

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand