عقدة السيادة تعرقل إقرار قانون النفط والغاز في العراق
2023-10-01 06:32:12
عربية:Draw
قال مستشار رئيس الوزراء العراقي مظهر صالح إن قانون النفط والغاز الذي ما يزال ينتظر إقراره من جانب البرلمان “سيطلق شرارة الاستثمارات في قطاع الطاقة، ويعزز الإيرادات
وذكر أن القانون “سيضع خارطة طريق وطنية مستقرة لقطاع النفط، وتجذب الاستثمارات في مشاريع النفط والغاز ويؤسس لسياسة نفطية موحدة ولجنة متعددة الأطراف لكي تشرف على حقول النفط والغاز، مما يسمح للعراق بالاستفادة من إمكاناته الهيدروكربونية بشكل فعال، بما في ذلك في إقليم كردستان".
ومن المتوقع أن يؤدي إقرار القانون إلى فتح الطريق أمام اتفاقيات تقاسم الإنتاج مع الشركات الأجنبية. إلا أن الخلافات بين بغداد وأربيل ما تزال تشكل عائقا أمام إقرار القانون.
ويقول مراقبون إن جوهر الخلاف يعود إلى نوع من التنازع على السيادة على الحقوق النفطية وإنتاجها وعائداتها. فبينما تريد بغداد أن تكون كل الحقوق منوطة بالحكومة المركزية، بحيث تنتهي العائدات إلى حساب واحد خاضع لإشراف الحكومة المركزية، فإن سلطات إقليم كردستان تريد أن يكون لها الحق في التعاقد مع الشركات الأجنبية، وأن تمضي العائدات إلى حسابات خاصة بها، ولا تخضع لسلطات بغداد.
ويقول النائب فراس المسلماوي إنه “توجد إرادة حقيقية لمجلس النواب من أجل تشريع القانون”، مشيرا إلى أن “نفط العراق واحد لا يتجزأ وهناك حراك باتجاه تحقيق العدالة في توزيع الثروات للشعب سواء في إقليم كردستان أو الوسط أو الجنوب".
وفي حين يُصدّر العراق نحو 3 ملايين برميل من النفط يوميا، فإن إقليم كردستان كان يُصدّر، قبل إغلاق خط جيهان في تركيا، نحو 450 ألف برميل يوميا.
وقال مظهر صالح إن “اعتماد سياسة نفطية وطنية موحدة، وتحقيق الاستثمار والإنتاج الأمثل على مساحة العراق النفطية ابتداء من حقول الجنوب صعودا إلى حقول الشمال والإقليم، هو أمر مهم وإستراتيجي في موضوع الاستفادة من تكاليف الفرصة في التشغيل الأمثل والمتجانس للسياسة النفطية العراقية حاليا، ناهيك عن تحقيق أفضل العوائد المالية للبلاد التي نتطلع إليها جميعا لتمويل بناء الاقتصاد العراقي وأساسيات التنمية المستدامة”.
وتنص مسودة مشروع قانون النفط والغاز في العراق المتوفرة لدى البرلمان على أن مسؤولية إدارة الحقول النفطية في البلاد يجب أن تكون منوطة بشركة وطنية للنفط، ويشرف عليها مجلس اتحادي متخصص بهذا الموضوع. في حين تقول سلطات كردستان إن للحكومة العراقية “حق المشاركة في إدارة الحقول المكتشفة قبل عام 2005، لكن الحقول التي اكتشفت بعدها تابعة لحكومة الإقليم".
وبحسب وكالة الأنباء العراقية، فإن لجنة المشاورات بين الطرفين تضم كلاّ من “وزير النفط ووزير الموارد الطبيعية في الإقليم ومدير عام شركة سومو والكادر المتقدم في وزارة النفط، فضلا عن المحافظات المنتجة للنفط كالبصرة وذي قار وميسان وكركوك".
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قال في مطلع أغسطس الماضي إن “مشروع قانون النفط والغاز من القوانين الأساسية والمهمة، يمثل عامل قوة ووحدة للعراق، وهو عالق منذ سنوات، في وقت أن البلد اليوم في أمسّ الحاجة إلى تشريعه والاستفادة من هذه الثروة الطبيعية، في كل المجالات والقطاعات، فضلا عن إسهام تشريع القانون في حل الكثير من الإشكالات العالقة”.
ويعد النظام السياسي القائم على قاعدة المحاصصة الطائفية مصدر النزاع الأساسي. ويقول مراقبون لو أن الثروات النفطية والمعدنية تقسم على قاعدة المواطنة، بحيث يجري تقاسم الحقوق في العائدات على أساس عدد السكان، فإن النزاع حول التفاصيل الأخرى سوف يكون تقنيا فحسب. بينما هو الآن نزاع بين طرفين يريد كل منهما أن يُملي سيادته. فالحكومة المركزية تنطلق من أنها حكومة لكل العراق، بينما حكومة إقليم كردستان تنطلق من أن النظام الفيدرالي يسمح لها بأن تسيطر على عائدات نفط الإقليم. وهو ما شكل موضوعا لنزاع قانوني وسياسي في آن واحد.
وكانت المحكمة الاتحادية في بغداد أصدرت في فبراير 2022 أمرا يُلزم الإقليم بتسليم النفط المنتَج على أراضيه إلى بغداد، وإلغاء عقود وقّعها الإقليم مع شركات أجنبية. كما أبطل القرار عقودا تم توقيعها بين سلطات الإقليم وعدد من الشركات الأجنبية. ويقول مراقبون إن المسألة بالنسبة إلى الأحزاب الحاكمة في بغداد لا تقتصر على دوافع سيادية، ولكنها تشمل دوافع تتعلق بتحفظات إيران على أن يكون للإقليم مصدر تمويل خاص به ولا يخضع لإشراف السلطة المركزية، مما يشكل قاعدة مادية للدوافع الانفصالية.
وعقب سجالات ترافقت مع الحاجة إلى إقرار الموازنة العامة لثلاث سنوات، فقد تم التوصل إلى اتفاق مؤقت بين بغداد وأربيل مطلع أبريل الماضي، على أن تتم مبيعات نفط كردستان عبر شركة تسويق النفط العراقية “سومو”، أما الإيرادات المحققة من حقول الإقليم، فتودَع في حساب مصرفي لدى البنك المركزي العراقي أو أحد المصارف المعتمدة من قبل البنك المركزي العراقي.
كما أن الأمر لا يخلو من تنازع كردي داخلي، إذ يريد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني أن تكون حصة محافظة السليمانية، التي تشكل قاعدته الرئيسية، مصونة ومضمونة من جانب الحكومة المركزية، وألا تبقى رهنا برغبات حكومة الإقليم في أربيل التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني.
وتخشى حكومة بغداد من أن منح سلطات واسعة لحكومة الإقليم يمكن أن يحرض في النهاية السلطات المحلية في المحافظات المنتجة للنفط، مثل كركوك والبصرة، بأن تمتلك صلاحيات الاستثمار والاستخراج والتسويق على غرار ما تطالب به حكومة الإقليم. وحيث أن “العراق الفيدرالي” يأخذ بعين الاعتبار التقسيمات الطائفية، وهو منح الأكراد حقوقا إدارية واسعة، فإن المحافظات التي يغلب عليها السنة، وكذلك المحافظات التي يغلب عليها الشيعة، سوف يتوفر لها سبب للتطلع من أجل أن تكون هي الأخرى إقليما يتمتع بالحقوق نفسها.
ويتألف مشروع القانون من 53 مادة، توجِب تأسيس مجلس النفط الاتحادي الذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزراء وممثلين عن المحافظات، وهو من يتولّى وضع السياسات البترولية، وإصدار تعليمات تنفيذ العقود والموافقة على التنقيب والتطوير والإنتاج والموافقة على العقود المبرمة. والعقود يجب أن تكون موقّعة من قبل وزارة النفط الاتحادية على أن يوافق عليها مجلس النفط الاتحادي خلال ثلاثة أشهر. ويقول بعض الخبراء في شؤون النفط أنه “لو أُقِرّ القانون بالصيغة الحالية، هذا يعني بالضرورة تقليل إيرادات الخزينة، إذ سترغب كل محافظة أن تحذو حذو أربيل بأن ملكية الاكتشافات النفطية، بعد عام 2005، تابعة لها، ويتم توريد نسبة منها إلى الخزينة".
وتلجأ حكومة الإقليم إلى مناورة تحاول من خلالها استعادة “السيادة” المفقودة، وذلك بطلب أن تكون صلاحيات الاستثمار والاستخراج والتسويق التي تتقرر ضمن “المجلس الاتحادي” المختص قائمة على أساس التوافق بين الطرفين. وهو ما قد يشكل عقدة مستقبلية تجعل قرارات الاستثمار في حقول البصرة مشروطة بموافقة سلطات الإقليم، مثلما أن قرارات الاستثمار في حقوق كردستان مشروطة بموافقة بغداد.
ورجّح النائب المسلماوي أن تستكمل مسودة مشروع قانون النفط والغاز خلال “الفصل التشريعي الحالي”، وتوقع أن يتم إقراره في “الفصل التشريعي المقبل بعد نحو أربعة شهور".
إلا أن المسلماوي واحد من نواب الأغلبية في البرلمان الذين يرون أن “نفط العراق واحد، وإدارته يجب أن تكون واحدة”. ولكن ينقص هذا الاعتقاد رؤية أن نظام المحاصصة الطائفية هو الذي يجعل نفط العراق ليس واحدا. وبدلا من أن تتقسم عائداته على أساس المواطنة وعدد السكان، فقد أصبح من الطبيعي أن ينظر إلى الأكراد إلى نفطهم على أنه نفطهم، وأن ينظر السنة والشيعة إلى هذه السابقة على أنها تشجيع لتكون موارد محافظاتهم خاصة بهم أيضا.
صحيفة العرب