اهم الخروقات القانونية لتعديلات قانون الموازنة (المادتين 13 و 14)

2023-06-08 08:12:52

الدكتور كمال كركوكي

التعديلات التي فرضتها اللجنة المالية للمادتين 13 و 14 من قانون الموازنة، خرقت مجموعة من المواد الدستورية وقرارات المحكمة الاتحادية وقوانين الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019، إضافة الى المنهاج الحكومي لحكومة السيد محمد شياع السوداني الذي صادق عليه مجلس النواب العراقي بالأغلبية المطلقة.

فيما يلي تلك المواد مع نصوصها واهم التفسيرات القانونية لها:

اولاً مواد الدستور العراقي:

1.المادة 62:

اولاً: يقدم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي إلى مجلس النواب لإقراره .

ثانياً :لمجلس النواب اجراء المناقلة بين ابواب وفصول الموازنة العامة، وتخفيض مجمل مبالغها، وله عند الضرورة ان يقترح على مجلس الوزراء زيادة اجمالي مبالغ النفقات .

أي مجلس الوزراء هو المسؤول عن انجاز الموازنة، وبينما أعطت المادة الحق لمجلس النواب بالمناقلة او التخفيض، لم تعطْ المادة أي حق لمجلس النواب في التدخل في اليات التنفيذ، وميكانيكية العمل بين السلطات الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات في تنفيذ الموازنة.

2.المادة 76/رابعاً: يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة.

وهكذا، شُكِلت حكومة السيد محمد شياع السوداني بناءً على اتفاقات سياسية وحيث ان اهم بنود الاتفاق السياسي مستندة الى اساس قانوني ودستوري، تم تضمينها في البرنامج الحكومي وحصلت على اغلبية أصوات مجلس النواب العراقي وتم تمريرها (تشريعها كمصادقة مجلس النواب)، وبذلك يصبح لِزاما على حكومة السيد السوداني تطبيقها.

وتم وضع قسم خاص بإقليم كوردستان ضمن البرنامج الحكومي، حيث تنص الفقرة 20/الصفحة 18: تهدف الحكومة في هذا المحور الى طرح رؤية ومشروع لحل الإشكالات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان وفقاً لبنود الدستور، وخاصة ما يتعلق بقانون النفط والغاز وضرورة تشريعه.

إضافة الى الفقرة 23/البرنامج الحكومي، التي تختص بمجموعة القوانين التي يهدف مجلس الوزراء الى اعداد مشروعاتها ومنها تم ذكر قانون النفط والغاز كثاني مشروع قانون ضمن تلك الأولويات. أي العلاقة مع إقليم كوردستان من خلال الدستور وتشريع القوانين ذات العلاقة وضعت وبشكل صريح وبفقرات خاصة ضمن البرنامج الحكومي الذي تمت المصادقة عليه من مجلس النواب.

3.المادة 80: يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية :

اولاً: تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة ،والخطط العامة ، والاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة.

رابعاً: اعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية.

أي ان اعداد وتنفيذ الموازنة يكونان من قبل مجلس الوزراء حصراً.

4.المادتين 62 و 80: تركز هاتين المادتين الدستوريتين على خصوصية الإجراءات الخاصة بعملية تشريع قانون الموازنة لحساسية القانون وخصوصاً في بلد مثل العراق له تاريخ طويل في قمع مختلف قوميات وطوائف الشعب وحرمانهم من موارد بلدهم حسب اهواء الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة.

لذلك، ولكي يتم حفظ حقوق جميع المواطنين في إقليم كوردستان (إقليم فدرالي) ومحافظات الوسط والجنوب (محافظات لامركزية)، تنص مجمل المادتين على ان مشروع قانون الموازنة يقدم من مجلس الوزراء حصراً -حسب المادة 62/اولاً-. حيث جاء هذا النص الدستوري لغرض حصر تقديم مشروع قانون الموازنة  بيد مجلس الوزراء وليس لأي جهة أخرى، لان مجلس الرئاسة له الحق ايضاً بتقديم مشاريع القوانين، حسب المادة 60/ اولاً، وايضاً لان المادة 60/ثانياً تعطي الحق بتقديم مقترحات القوانين من قبل عشرة من أعضاء مجلس النواب، أو من إحدى لجانه المختصة.

لذلك جاءت بعد ذلك المادة 62 لتثبت بانه بينما مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ومجلس النواب لهم الحق في تقديم مشروعات ومقترحات القوانين، الا ان قانون الموازنة يقدم فقط من قبل مجلس الوزراء، وانه هو المختص بتنفيذها حسب المادة 80/اولاً ورابعاً من الدستور.

5.المادة 109: "تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي."

أي السلطات الاتحادية (مجلس الوزراء، مجلس النواب، المحكمة الاتحادية) يجب ان لا تقوم باي عمل من شأنه المساس بالنظام الديمقراطي الاتحادي.

6.المادة 115: "كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم والصلاحيات الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهم"

أي، عندما ترفض حكومة إقليم كوردستان قانوناً مجحفاً بحق الإقليم، يكون رفض الإقليم هو الاطار القانوني الساري في حسم الخلاف مع السلطات الاتحادية.

7.المادة 116: يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية.

أي العراق دولة اتحادية متكونة من أقاليم (أي إقليم كوردستان)، أي هيكلية دولة العراق هي هيكلية اتحادية فدرالي مع إقليم كوردستان ولامركزي مع محافظات الوسط والجنوب.

8.المادة 117/الفقرة اولاً: يقر هذا الدستور عند نفاذه ، اقليم كردستان وسلطاته القائمة اقليماً اتحادياً.

أي الاعتراف الشامل بجميع مؤسسات الكيان السياسي (المسمى هنا أقليم كوردستان)، والدستور هنا اعترف وأعطى الشرعية الاتحادية للأقليم بسلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية. وعندما ترفض حكومة أقليم كوردستان قانوناً مجحفاً من قبل الحكومة الاتحادية فهذا الرفض مُشرّع ومعترف به دستورياً.

9.المادة 120: يقوم الاقليم بوضع دستور له، يحدد هيكل سلطات الاقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على ان لا يتعارض مع هذا الدستور.

أي الاعتراف بإقليم كوردستان تخطى موضوع الإقليم الفدرالي واعترف واقر الدستور العراقي بحق إقليم كوردستان بوضع دستور خاص به، وبالتالي هنا وضع أقليم كوردستان مقارب للكونفدرالية اكثر منه للفدرالية. هذه المادة تساهم في تقوية التفسير القانوني بانه لا يمكن المساس بصلاحيات إقليم كوردستان، وبان أي قانون يصدر من السلطة الاتحادية مرهونة بموافقة حكومة إقليم كوردستان او رفضها.

10.المادة 121/اولاً: "لسلطات الاقاليم ،الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية ."

أي لا يحق لا لمجلس الوزراء ولا مجلس النواب التدخل في كيفية إدارة إقليم كوردستان، وبالتالي التعديل الذي فرضته اللجنة المالية بإعطاء حق لمحافظة معينة من محافظات أقليم كوردستان، التعامل مع بغداد مباشرة للحصول على التخصيصات المالية غير دستوري بتاتاً.

11.المادة 121/ثانيا: "يحق لسلطة الاقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم بخصوص مسألةٍ لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية "

في تفسير مشابه للفقرة اولاً من نفس المادة: ان إدارة إقليم كوردستان هو من حق وصلاحيات حكومة إقليم كوردستان حصراً، حسب المواد 116، 117، 121، وهذه الفقرة (المادة 121/ثانياً). أي ان مجمل هذه المواد تؤكد بما لا يقبل الشك السلطات الحصرية لحكومة إقليم كوردستان بإدارة شؤون إقليم كوردستان. وبالتالي، فان وضع تعديلات تعطي الحق لمحافظة ما التعامل المالي المباشر مع بغداد، او تعطي حق للحكومة الاتحادية باستقطاع 10% من حصة إقليم كوردستان من الموازنة لرواتب موظفي كوردستان "الرواتب المدخرة"، هو خرق دستوري واضح وخطير يمس أسس هيكلية الدولة العراقية المستندة الى نظام اتحادي فدرالي.

ثانياً: قانون الادارة المالية الاتحادية

1.المادة (11): يتولى مجلس الوزراء مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة واقراره وتقديمه الى مجلس النواب.

2.المادة (12): لمجلس النواب المناقلة او التخفيض او الزيادة وكذلك المصادقة على قانون الموازنة قبل 10/15 من كل سنة.

3.المادة (14): تنفذ الموازنة العامة الاتحادية من خلال دفعات تمويل وحسب تقدير وزارة المالية .

هذه المواد من قانون الإدارة المالية، تبين بان مجلس الوزراء يعد ويناقش قانون الموازنة، كما ذكر ذلك وبشكل صريح في المادة 62 من الدستور، كما وثبتت هذه المادة من قانون الإدارة المالية الاتحادي المادة 62 من الدستور التي أعطت الحق لمجلس النواب بالمناقلة والتخفيض، لكن لم تعطْ لمجلس النواب أي حق في تنفيذ الموازنة واليات التوزيع وخطواتها التنفيذية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان وحتى حكومات المحافظات.

ثالثاً قرارات المحكمة الاتحادية

أكدت المحكمة الاتحادية جميع المواد الدستورية والقانونية المذكورة اعلاه من خلال قرارتها المتعلقة بالقضايا التي رفعت ضد قانون الموازنة، ونلاحظ وبشكل عام بان المحكمة الاتحادية حرصت على حصر جمع الصلاحيات الأساسية لتشريع قانون الموازنة وحيثياته التنفيذية بيد مجلس الوزراء حصراً، وكالاتي:

1.قرار(25/اتحادية/2012): لا يجوز لمجلس النواب اجراء تعديلات جوهرية على مشروع الموازنة المُقدم من الحكومة.

2.قرار (73 وموحدتها 138/اتحادية/2017) الذي قضى بعدم دستورية المادة (2) من قانون إعفاء الشركات الأجنبية والمقاولين الثانويين الأجانب من الرسوم رقم (46) لسنة 2017 بشمول المقاولين الثانويين العراقيين بالإعفاء غير دستورية لأنها تتضمن جنبة مالية تؤثر على الموازنة الاتحادية ودون عرضه على الحكومة وإنما كان بمقترح من أعضاء مجلس النواب.

3.قرار (24/اتحادية/2016) الذي قضى بعدم دستورية عدة مواد في قانون الموازنة العامة لسنة 2016 رقم (1) لسنة 2016 بسبب إضافة مجلس النواب مواد إلى قانون الموازنة المرسل من الحكومة الاتحادية. 

بشكل مختصر:

تركز جميع المواد الدستورية ومواد قانون الإدارة المالية الاتحادي وقرارات المحكمة الاتحادية والبرنامج الحكومي الذي صادق عليه مجلس النواب بالأغلبية المطلقة على دور معين وحصري لمجلس الوزراء في عملية تشريع قانون الموازنة، وبينما تعطي الحق لمجلس النواب لكي يقوم بالمناقلة او التخفيض، لكنه لم تعطْ كل تلك المواد الدستورية أي صلاحيات لمجلس النواب ليتدخل في "ميكانيكية" واليات تنفيذ الموازنة وتوزيع الواردات.

وحيث ان اهم التعديلات التي فرضت على قانون الموازنة تركز على نقاط تنفيذية متعلقة بفتح حساب بنكي في البنك المركزي العراقي لواردات نفط إقليم كوردستان، وبإعطاء محافظة معينة الى التعامل المالي المباشر مع بغداد في حال عدم رضاها عن توزيع الموازنة من قبل حكومة إقليم كوردستان، وبتخصيص 10% من حصة إقليم كوردستان لدفع رواتب الموظفين "رواتب الادخار"، وبإيقاف التصدير من حقول معينة تابعة لإقليم كوردستان، فان كل هذه التعديلات هي تعديلات تتعدى صلاحيات مجلس النواب وتتدخل في حيثيات تنفيذية تقوم بها الحكومة الاتحادية مع حكومة إقليم كوردستان، وبمجملها خارج صلاحيات اللجنة المالية ومجلس النواب.

 

*مسؤول مكتب تنظيم كركوك - گرميان

للحزب الديمقراطي الكوردستاني

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand